ٌYear 1. Issue 52 | Shutter Island جزيرة مغلقة


فيلم اليوم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  29 #  ــــــــــــــــــــــ

SHUTTER ISLAND   **** جزيرة مغلقة
إخراج: مارتن سكورسيزي
تمثيل: ليوناردو ديكابريو، مارك روفالو، بن كينغزلي
تشويق  | الولايات المتحدة- 2010
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يفتح فيلم مارتن سكورسيزي الجديد على بطليه تيدي (ديكابريو) وتْشَك (روفالو) وهما على ظهر سفينة في صباح يوم مكفهر. السماء ملبّدة. والبحر رمادي حزين ومن بعيد تتراءى جزيرة تشبه المنفى الفرنسي الذي كان يتم وضع السجناء فيه في غابر الأيام
من تلك  اللقطة الأولى الى الأخيرة ومع كل لقطة بين الإثنتين أنت بحضور مخرج هضم كل ما يمكن هضمه من عناصر فنية واستلهامات في الوقت الذي لا يزال يكتشف فيه جديداً دون أن يخون ماضيه. ويؤم نظام هوليوود لكن على هواه. يقتبس رواية منشورة تفرض تعاملاً حذراً مع مضامينها كونها حديثة ورائجة وصعبة. كتبها دنيس لوهان حول تحريين (ديكابريو ومارك روفالو) يصلان الى تلك الجزيرة في أحداث تقع في مطلع الخمسينات للتحقيق في اختفاء سجينة من داخل الزنزانة التي كانت محبوسة فيها. في الكتاب البحث عن كيف اختفت من بين ثلاثة جدران وباب حديدي من دون أثر يأخذ وقتاً أطول، ليثير اللغز ويشبعه بحثاً. لكن  سكورسيزي، وهذا ضرب من ضروب نجاح اقتباسه هنا، يوجز الحديث في هذا المفصل الروائي ليمهّد للإنتقال صوب الحالة التي ستشكّل لب الموضوع: هل التحري الفدرالي تيدي مريض نفسي آخر من دون علمه، تم توريطه في هذه الزيارة لأجل جلبه ومعالجته، او أنه ضحية الرغبة في إبقائه وشريكه تْشَك فوق الجزيرة لأن لا أحد جاء إليها ونجح في الخروج منها (حيّاً او ميّتاً) ٠
بالتالي:  هل التحري الآخر، تْشَك الذي يعمل تحت إمرة تيدي هو تحر بالفعل؟ هل هو مخلص له؟ هل مدراء هذه المؤسسة أشرار يمتصّون الحياة من مرضاهم أم هذا ما يريد تيدي تصديقه رافضاً أن يكون واحداً من هؤلاء المرضى؟
المشهد التمهيدي الأول قصير وهو الوحيد الذي لا يقع على أرض الجزيرة. يصل تيدي ورفيقه الى الجزيرة. يتم استقبالهما ويستقلاّن سيارة جيب. مفتاح التشغيل يدخل مكانه وفي الثانية التي نسمع فيها موتور السيارة ينطلق يقطع سكورسيزي على لقطة من طائرة تتبع السيارة  بلقطة "صقر" (كما يسمّونها وهي اللقطة التي تبدو سابحة في الفضاء) من بعيد. تفصيل صغير تتبعه عشرات التفاصيل التي تساهم في جعل هذا الفيلم أحد أفضل أعمال المخرج الأميركي المعروف٠
إننا في الخمسينات. الحرب الباردة ساخنة بين الشرق السوڤييتي والغرب الأميركي ولجنة التحقيق المكارثية يرد ذكرها في الفيلم، وهاتان الشخصيّتان القادمتان من البر الأميركي الى الجزيرة ترتديان معطفين ثقيلين وتحملان مسدّسين مرخّصين وتعتمران قبّعتين كلاسيكيّتين من تلك الفترة. ما لا يستحوذانه هو الفكرة الكاملة عن هذا الموقع الذي هما بصدد الوصول اليه: جزيرة تبعد نحو عشرة أميال عن البر (قبال بوسطن) تحوّلت الى سجن خلال الحرب الأهلية ولا تزال تحتفظ بعماراتها الثقيلة من تلك الأيام. هناك مبنى الى اليمين وآخر الى اليسار وثالث في المواجهة مخصص للحالات الصعبة ومنارة ومقبرة وما لا يُحصى من الصخور الحادّة المطلّة على بحر هادر على الدوام. الفارق إنه لم يعد سجناً فقط، بل هو مصحّة نفسية للمرضى الذين لا أمل لهم بالعودة الى الحياة العامّة. مرضى ارتكبوا جرائم مهولة. الجزيرة باتت مأواهم  نجحت في شفائهم من بلاءاتهم النفسية او لم تنجح٠

أول وصولهما، يطلب مدير السجن (الممثل تد ليفاين في الفيلم) من التحريين تسليم مسدّسيهما قبل دخولهما. لا أحد مسموح له الإحتفاظ بأسلحة نارية سوى الحرس. بتردد يسلّم تيدي وتْشَك مسدّسيهما. العبّارة تعود من حيث أتت. من هذه اللحظة هما لا يختلفان عن باقي من يعيش عليها: ماكثان فيها. الفارق الوحيد هو اعتقادهما بأنهما يستطيعان المغادرة في أي وقت يريدان. هذا الإعتقاد يضمحل لديهما كما لدينا نحن الذين ربما (الا إذا ما كنا قرأنا الكتاب مسبقاً وقد قرأته حتى الصفحات الخمسين الأخيرة حتى لا أفسد متعة التوقّع) لا ننتظر أن يكون تجريدهما من السلاح أكثر من شكليات لا قيمة لها٠
ما يحسّه المشاهد على أي حال، تبعاً لإخراج أستاذ، هو قدر من عدم الراحة. ليس فقط أن الفيلم بدأ هادراً بالتوقّعات، بل حط بطلاه فوق أرض تبدو صلبة بصلابة الصخور والإسمنت عليها، لكنها خادعة. تبدي شيئاً وتحتوي على ما هو أكثر منه
القضية التي من أجلها وصل تيدي و مساعده الى الجزيرة هي تلبية لمعلومات تلقّاها الأف بي آي من إدارة الجزيرة ذاتها، تطلب التحقيق في مسألة اختفاء مريضة/ سجينة من زنزانتها. رتشل سولاندو (إميلي مورتمر) قتلت أبناءها الثلاث وتم إرسالها الى المعالجة هنا، لكن ظروف اختفاءها غريبة. الزنزانة فيها باب بقضبان ونافذة صغيرة بقضبان والباب كان موصداً ... كيف تختفي؟ كل ما تركته وراءها هو بضعة أرقام سيتم لتيدي التحقيق في رموزها والبحث الذي قامت به شرطة السجن لم يؤت ثماره. سيمر وقت قبل أن يحل الفيلم هذا اللغز على نحو مُرضي فالحل هو جزء من لغز أكبر يتناول مسألة ما إذا كانت هذه المرأة جزء من التمثيلية المعدّة له  نظراً لأن ما يريد الفيلم الوصول اليه لاحقاً هو سؤال أكبر: هل تيدي قاتل زوجته التي قتلت أولادهما الثلاثة؟ وما هي قصّة وجود الرجل الذي يعتقد تيدي أنه حرق منزله وكان مسؤولاً عن مقتل زوجته؟ هل هذا حقيقي او جزء من اللغز الكبير؟

 اللغز يتشكّل من هذه المعطيات وغيرها (وأنا حريص على أن لا أكشفها في نقدي هنا حتى لا أفسد متعة المشاهدة) وإذ تتوالى الأحداث فإن المشاهد سيجد نفسه أمام احتمالين متوازيي الحجم: إما أن تيدي مريض وإما أنه بريء مما بات منسوباً إليه. هذا بالمرور على الشخصيات التي ربما كانت مزروعة كجزء من اللعبة الممارسة عليه لإيهامه بأنه مريض وفي مقدّمتها رفيقه.
 بعض مفاجآت الفيلم قدرة السيناريو (كتابة لاييتا كالوغريديس والمخرج سكورسيزي) على إبقاء كل شيء تحت أسلوب محكم حتى حين يجذب الفيلم ومشاهديه الى سلسلة مشاهد سوريالية  تعبّر عن هواجس ووسوسات تيدي مستوحاة من خلفية بطله وهواجسه.  تيدي، في كل الأحوال، مرهق تحت ثقل ذكرياته مجنّداً في الحرب  التي تنضم الى ضور أخرى موزّعة في شتّى أرجاء حياته منذ مقتل زوجته قبل عامين من بداية أحداث الفيلم٠
 في الخلطة ما بين التشويق البوليسي والرعب النفسي هناك التاريخ النازي، الأجواء العاصفة، المرضى المخيفون، الصخور الضخمة التي تشرف على وديان سحيقة، العلماء الذين فقدوا عقولهم من كثرة إجهادها وحديث عن لجنة التحقيقات المكارثية والخطر الشيوعي الذي لم ينجم حينها الا عن تقويض دعائم حريات التعبير لحين وجيز. إنه فيلم عن قدر محتوم. مكان لا رجعة منه يشبه جحيماً كاملاً على الأرض. بالمقارنة مع أفلام سكورسيزي الأخيرة، هذا أكثر أعماله قتامة ووحشية منذ أن أنجز
قبل تسعة عشر سنة Cape Fear

هذا الفيلم ليس ممارسة مخرج فحسب. جهده لتقديم هذه الصورة القاتمة عن الإنسان والحياة والماضي والتاريخ الموحش، لم يكن لينجح لولا تصاميم فنية من الإيطالي دانتي فيريتّي وتصوير الرائع روبرت رتشردسون وفهم المونتيرة تلما سكونماكر التي عملت كثيراً مع المخرج. هناك فصل من الأحداث يقع تحت عاصفة هوجاء. في الكتاب تقرأها ولا تشعر بها (بل تدركها) لكن في الفيلم تشعر كما لو أنها ستقلع الكرسي الذي تجلس عليه. إنه واحد من فصول كثيرة تحط حادّة وغريبة ومستوحاة من طبيعة الجزيرة الصلبة. إنه كما لو كانت آخر معقل قبل تساقط ما هو إنساني عن الإنسان وتحوّله الى زومبي او، على الأقل، الى مخلوق من صنع الجحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
DIRECTOR:  Martin Scorsese.
CAST: Leonardo DiCaprio, Mark Ruffalo, Ben Kingsley, Max Von Sydow, Michelle Williams, Emily Mortimer, Ted Levine, Elias Koteas.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
SCREENPLAY: Laeta Kalogridis
BOOK: "Shutter Island" BY: Dennis Lehane
CINEMATOGRAPHER: Robert Richardson [Wide screen- Color],
EDITOR: Thelma Schoonmaker (138 mins).
PROD. DESIGNER: Dante Ferretti.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
PRODUCERS: Mike Medavoy, Arnold W. Messer, Bradley J. Fischer.  
PROD. COMPANY: Paramount [USA- 2010].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2010٠