حول فيلم «الزين اللي فيك» والضجّـة المصاحبة | نقد فيلم «إبن شاوول»


أي فيلم لا يسأل يوافق
«إبن شاوول» الحقيقة المطحونة بين شريطي الصوت والصورة



 إبن شاوول |   Son of Saul       
إخراج: لازلو نَميش | Laszlo Nemes
تمثيل:  غيزا روريغ، ليفينتي مولنار، أورس رشن، تود شارمونت.
المجر | المسابقة   ★★✩✩✩
Reference n. FR 037 


حملت إلينا الأنباء أن المخرج لازلو نيميش كان مساعداً للمخرج المجري بيلا تار. في الحقيقة عمل معه مساعداً على فيلم روائي طويل واحد هو «رجل من لندن» The Man From London الذي حققه تار سنة 2007. كان ذلك فيلم تار قبل الأخير «حصان تورينو» The Turin Horse سنة 2011. كلا الفيلمان ومعظم ما أنجبه تار من أفلام هو التناقض الأقصى مع أسلوب نيميش. وحقيقة أنه اشتغل تحت إدارة تار لفيلم واحد لا تجعله طبعاً تلميذاً له. لذلك ما قيل ليس أنه لا يشكل عنصر مقارنة، بل هو غير صحيح أساساً.

«إبن شاوول» الذي أنجز الجائزة الثانية في مهرجان "كان" المنتهي قبل أيام قليلة له دعامتان برتفع بهما: الأولى أنه عن الهولوكوست والثانية أنه منفّـذ بكاميرا مصنوعة من لقطة واحدة في المفهوم. طبعاً هي مؤلّـفة من عدّة لقطات وعدّة مشاهد لكن الفيلم بلا فصول والكاميرا هي ذاتها من حيث تشكيل الصورة وحملها من مشهد لآخر بحيث تبدو كما لو كانت لقطة واحدة (على طريقة ألكسندر زوخوروف في «سفينة روسية» Russia Ark العام 2002). 
من حيث أنه عن الهولوكوست، ينضم الفيلم إلى مئات الأفلام حول الموضوع. يختلف في أنه يلقي نظرة من داخل الأفران على ما يجري. نيميش، في الواقع، انتقد فيلم هولوكوست آخر هو «قائمة شيندلر» Schindler's List الذي حققه ستيفن سبيلبرغ سنة 1993. قال لصحيفة «ذ نيويورك تايمز» أن مثل ذلك الفيلم تدور عن الضحايا على نحو تقليدي لجمهور يرتاح على هذا النحو. وأن معظم الأفلام التي تناولت الهولوكوست لم تتحدّث عن الموت بل عن النجاة من الموت. هذه الملاحظة ذاتها كان سددها المخرج سيدني بولاك في حديثه ذات مرّة.
وهو تلقّـى تهنئة من الداعي الأول للصلاة الدائمة على ضحايا الهولوكوست كلود لانزمان مخرج «شوواه» (1985) وقال أنه شاهد هذا الفيلم عدة مرات.
إذاً هو عن الهولوكوست، فهمنا. 
ومن دون أن نرفض أن الهولوكوست وقع (وسآتي على ذلك بعد قليل) فإن في نقد نيميش لسواه منعطف يتوجه النقد في نهايته إلى الفيلم. فإذا كانت معظم الأفلام الأخرى عن الهولوكوست تتحدث عن الناجين وتعمد إلى تقديم شخصيات «يسهل التعاطف معها أو ضدّها» كما يقول، فإنها تتاجر بالمذبحة. تريد تشييعها لسببين، قل لثلاثة: هناك جمهور لا زال مندفعاً لمشاهدة أفلام عن الهولوكوست (جلّـه يهود ومتعاطفون) وهناك جهة يصب فيها هذا الجهد هي الفكرة الصهيونية التي لا مانع لديها من التجارة بالدم اليهودي المراق خلال النازية خدمة لأغراضها «الإستهلاكية للهولوكوست» كما يقول المؤلف اليهودي نورمان فينكلستاين في كتابه «صناعة الهولوكوست: إنعكاسات على التجارب بالمعاناة اليهودية» (نشر سنة 2000)، فإن «إبن شاوول» يصب في الغاية ذاتها مهما اختلف
وهناك (السبب الثالث) كل ذلك الرهط من النقاد الغربيين الراغبين في الإشادة بفيلم جيّـد عن الموضوع مستغلين مواطن جودته لمنحه هالة أكبر مما هو عليه. بعض العرب صار من هذا الطابور إظهاراً للتعاطف والقدر من الليبرالية علماً بأن الأوضاع السياسية العربية أخذت تفرز من مع الفلسطينيين ومن مع الإسرائيليين تمهيداً لعهد جديد من تسامحنا نحن حيال ما أقترفته الصهيونية  من جرائم بمنأى عن إعتذار (ولو إعتذار) من قبل هؤلاء حيال كل ما قاموا به وما زالوا يقومون به من قتل وتعنيف واحتلال أملاك واقتحام أقصى الخ…

مقتل فرد واحد بلا وجه حق من أي دين أو عنصر أو هوية جريمة. مقتل يهودي واحد في أفران الحرق أو حتى برصاصة سعرها نصف دولار جريمة. لكن هناك من أحصى (ومن صدّق) أن عدد الضحايا هو ستة ملايين. لا خمسة ملايين و999 ألف و999 فرد، بل تماماً وتحديداً ستة ملايين. الرقم كبير وتم ترويجه وقبوله على هذا النحو على الرغم من أن لا أبحاث ولا إحصاءات ولا براهين تؤيده.
نعم وقع الهولوكوست، وخسارة إنسان واحد ظلماً هو فعل آثم مدان لكن التجارة بالموتى كذلك فعل آثم ومدان. «إبن شاوول» يبني بعض حقائقه على هذا القول. أي فيلم لا يسأل يوافق. إذاً في عرف هذا الفيلم «المختلف» أن هناك هذا العدد الضخم من الضحايا لكن في سياقه يقفز عن البحث ويحدد الوقائع. نسمع عبر شريط صوت ضاج مؤلّـف من وقع أقدام وأصوات حرائق وصراخ بشري ونحيب وأبواب تغلق وأخرى توصد مآل عشرات ألوف البشر. نرى من بعيد، وبشكل غير واضح، أفراناً وغرفاً وعلى نحو أقرب حشود من اليهود المقبوض عليهم قبل إرسالهم إلى النهاية الحتمية أو، كما سمّاها النازيون «الحل الأخير».
يجبرك الفيلم على أن تسأل أين يذهب كل هؤلاء الألوف إذا ما كانت الأفران حجرات صغيرة. كيف يمكن القضاء على مليون (ناهيك عن ستة ملايين) إذا كانت غرف الحرق لا تتسع إلا لبضع عشرات في وقت واحد. بالتالي، كم سيأخذ النازيون من الوقت (من السنين في الواقع) قبل أن يجهزوا على ستة ملايين بشر بهذه الطريقة. لم لم يعمدوا إلى تجميعهم في أماكن معينة ورشّـهم بالقاذفات  (لكن هذا سيأخذ أيضاً سنوات)… ماذا لو لم يكن العدد ستة ملايين؟ 
إذ يتجه التفكير الحر إلى هذا الإستنتاج، رغم أن الفيلم لا يقصده، يتبرع الفيلم بتقديم تناقض آخر: في أحد المشاهد نجد بطل الفيلم (غيزا روريغ) اللاهث طوال الفيلم لتنفيذ ما يطلب منه أو لتنفيذ ما يطلبه من نفسه (سنرى) يشترك مع يهود آخرين في نقل رماد الموتى من حيث أفرغت الشاحنات حمولتها إلى مياه إحدى البحيرات. ألم يكن من الممكن للشاحنات أن تفرغ حمولتها في البحيرة مباشرة؟
هذا ليس سؤالاً جانبياً بل في صميم بنية الفيلم. كان يمكن للشاحنات أن تفعل ذلك لكن هذا لن يكون لصالح الفيلم لأن التقسيم الوحيد الذي يتبعه هو عرض مراحل القتل النازي لليهود في الخلفية: النقل بالقطار. إدخالهم معسكرات الموت. قتلهم بالغاز، حرقهم. ثم دفن رمادهم. القصّـة هي حول شاوول الذي هو واحد من مئات اليهود المقبوض عليهم والموضوعون للخدمة في «الأوشفيتز». هم يقودون اليهود الآخرين إلى حتفهم. هم الذين ينظفون أرض المكان من الآثار. من يدفن الرفات الخ… شاوول ذات يوم يرى صبياً شاباً ما زال يتنفس. لم يمت بالغاز. يخفيه في حجرة وينطلق للبحث عن راباي يصلّـي عليه. سيمضي الفيلم من بعد ربع ساعته الأولى وحتى الدقائق قبل النهاية وهو يبحث وحين يجد يكتشف أن اليهودي الذي انقذه من الموت لكي يصلي ادعى انتمائه إلى القداسة. 
الآن لتنفيذ هذا الفيلم «عن كثب» كما قال المخرج الغى المسافات التي تقوم بها الكاميرا فيما لو قصّـت الحكاية تقليدياً. الكاميرا (والفيلم صُـوّر بكاميرا فيلم 35 مم وليس دجيتال كحال معظم الأفلام المشتركة في المسابقة) هي ذاتها، كما سبق القول، في كل مناسبة. محمولة تلحق شاوول كيفما اتجه وتصرّف. المحيط البشري عبارة عن أصوات وصور غير واضحة. فقط عندما يقترب منه أحد يصبح مثله واضحاً. لكنه هو من تلاحقه الكاميرا من مكان إلى آخر. وهو اعتاد (وكان علينا أن نعتاد) أن يسوقه أحد من عنقه أو بالقبض على أعلى سترته وسحبه. مثل كلمة واحدة تستخدمها في مقالتك حتى يصبح تكرارها آفة، يعمد المخرج إلى ذلك التصرف طوال الوقت. ليس أنه بعيد عن التصديق، لكن مثل الذي يحلف بعزيز عليه بين كل عبارة وأخرى يزيدها ويصبح المفعول الناتج أقل قدرة على التأثير.
مثل تلك الكاميرا اللاهثة أمام ووراء وإلى جانب شخصيتها الوحيدة هناك شريط الصوت المؤلّـف من مزج كل الأصوات الممكنة. في نحو منتصف الفيلم تقريباً نسمع صوت إمرأة تصرخ ووراءها مباشرة صوت طفل يبكي. إذا لم يكن هذا استعطافاً ما يكون؟
الآتي أسوأ، لأنه إذا ما كان المطلوب من كل ذلك الضجيج الصوتي والتعنيف البصري ولهاث الكاميرا وسياسة العمل بأسره إشراك المشاهد «عن قرب» في جحيم المحرقة، فهو نجح بلا ريب. لابد أن المشاهد في نهاية المطاف يدرك أنه في حضرة فيلم يريد منه أن يضع أذنه على الأرض ويفتح عيناه على آخرهما ولا يفوّت شيئاً من العذاب الكبير الذي تعرّض إليه اليهود. على أن هذا النجاح من النوع المراوغ: يقود المخرج المستعدون للذهاب معه في هذه الرحلة من أعناقهم كما يُـقاد شاوول. لا شيء للتأمل. للتفكير وكل شيء للتأكيد أن هذا الماثل هو التاريخ. هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث للتاريخ وللفن معاً وقع الحدث على هذه الصورة (ربما) أو لم يقع (على الأرجح).
الفن هو أن يصل السارد (عبر الوسيط الذي يختاره، سينما، مسرح، رسم، موسيقا الخ…) إلى ما يريد قوله باحترام ملكية الآخرين وحريّـة تفكيرهم. ما أن يعمد إلى فرض حقيقته هو حتى يخسر الفن. بالتالي، ذلك التنفيذ الذي سطّر فيه النقاد، شرقا وغرباً، آيات من الثناء ليس سوى التكنيك المنفذ جيّـداً لكنه البعيد تماماً عن أن يكون فناً. ناقدة «ذ نيويورك تايمز» مانولا دارغيس تصف ذلك الفعل بقولها «ثقافياً مكروه»، وأنا معها.

نشجع التعليقات على أي موضوع يُـنشر هنا، ونأخذ جدياً أي سؤال يراود
القاريء. إذا ما كانت هناك صعوبة في استخدام هذا اللينك، يمكن إرسال
التعليق أو السؤال على: m.rouda@gmx.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


The Anarchists | In the Shadow of Women | An | Son of Saul | Orson Welles: Shadows and Light | One Floor Below


  أفلام مهرجان "كان" -2  

 الفوضويون |   The Anarchists 

إخراج: إيلي وايمان | Elie Wajeman
تمثيل: طاهر رحيم. أديل إكزاكوبولوس، سوان أرلو، كريم لقلو.
فرنسا | أسبوع النقاد  ★★✩✩✩
Reference n. FR 031  


طاهر رحيم في دور بطولي آخر يستحقه. الفيلم أمر آخر

نبذة:  باريس، 1899. الملازم ألبرتيني (رحيم) ينخرط في بيئة مجموعة فوضوية كمخبر لصالح الحكومة. هناك يتعرف على جوديث (إكزاكوبولوس). عندما تبدأ المجموعة الفوضوية بالسطو على منازل الميسورين والأغنياء، على ألبرتيني أن يقرر بين حبه وواجبه.

تقييم: موضوع غير مطروق لفيلم إيلي وايمان الثاني بعد Aliyah قبل عامين ومثله يعتمد على الحوار المفرط لأجل تأسيس شخصياته أولاً قبل أن ترتفع نسبة المشاهد التي تحتوي أحداثاً فعلية. لكن الفيلم من بدايته لآخره يبدو "مرتّـباً" أكثر من اللازم (رغم عنوانه) والتوتر فيه شبه معدوم خصوصاً عندما يصل الأمر إلى إيضاح العلاقة بين البطلين. لا نعرف سبباً لهذا الحب السريع ولا تبدو العلاقة ضرورية بحد ذاتها. ألا يمكن، مثلاً، أن نشاهد موضوع كهذا من دون قصّـة حب؟ يبقى للفيلم طرحه جوانب سياسية ولو أنها تعترض الفيلم بحواراتها المسهبة.


 في ظلال النساء |   In the Shadow of Women 

إخراج: فيليب غاريل | Philippe Garrel
تمثيل:  كلوديت كورو، ستانيسلاس ميرار، لينا باكام.
فرنسا | نصف شهر المخرجين (الإفتتاح)   ★★★✩✩
Reference n. FR 032  


مخرج عتيق وكاتب مخضرم يلقيان الضوء على الحياة الزوجية المتأزمة

نبذة:  زوجان يعيشان من وراء صنع الأفلام التسجيلية عندما تتوفر، بيير (ميرار) مخرج أفلام تسجيلية وزوجته مانون (كورو). تبدأ الزوجة علاقة عاطفية مع رجل آخر ويفعل هو الأمر نفسه مع إمرأة تعرّف إليها هاتفياً.
تقييم: إشترك في كتابة السيناريو المخضرم جان-كلود كارييه الذي كتب أعمالاً للمخرج المعروف لوي بونييل، والإخراج لغاريل الذي ينتمي إلى سينما المؤلف وموجة السينما الجديدة منذ أواخر الستينات. النظرة التي يلقيانها على وضع الزوجين ساخرة وفي العمق إنتقادية خصوصاً للرجل واختياراته التي قد تدفع المرأة إلى البحث عن شريك جديد، كما لناحية تبرير خيانته هو.  هذا قبل أن يتحوّل العمل إلى دراما كاملة تسعى للبحث في إمكانية عودة الزوجين للعيش معا. الفيلم مصوّر، من قِـبل ريناتو برتا بالأبيض والأسود وبالفيلم (35 مم) وليس بالدجيتال.


 آن |   An 

إخراج: ناوومي كاواسي | Naomi Kawase
تمثيل:  كيرين كيكي، ماساتوشي ناغاسي، كيارا أوشيدا.
اليابان | قسم "نظرة ما"   ★★★✩✩
Reference n. FR 033  


روحانيات وتأملات في البشر والطبيعة يوفرها الفيلم الجديد للمخرجة كاواسي

نبذة: طبّـاخ محل حلويات صغير يمنح إمرأة عجوز فرصة عمل فيرتفع الإقبال على المحل إلى أن ينتشر بين الزبائن أن تلك المرأة عولجت من مرض النقرس. تنقطع العجوز عن العمل ويعاودها مع طالبة من المدرسة القريبة قبل موتها. الطبّـاخ سيستقبل من ذلك المكان ويفتتح مطعمه الخاص.
تقييم: مثل أفلام المخرجة السابقة، يقوم «آن» على مزج الحكاية بالتداعيات الروحانية ومشاهد الطبيعة المختلفة. لكن الحكاية هنا أبسط وعلى قدر إيجابي من التأثير العاطفي. هاديء النبرة والتناول لتلك السيدة العجوز التي تفصح عن الكثير من مكنوناتها الروحية والماهرة في صنع عجائن الكرز. ومع أن الفيلم يأخذ وقته لمتابعة هذه المهارة، إلا أنه لا يضيع الوقت فيما ليس هناك طائل منه. في الوقت ذاته، هو عن ذلك الطبّـاخ ذي العمر المتوسط وحياته وحيداً. إهتمام كاواسي بالشجر والثمار والأزهار والعصافير والماء وحتى الهواء محسوب. أفضل أفلام مخرجته.


 إبن شاوول |   Son of Saul       

إخراج: لازلو نيميس | Laszlo Nemes
تمثيل:  غيزا روريغ، ليفينتي مولنار، أورس رشن، تود شارمونت.
المجر | المسابقة   ★★✩✩✩
Reference n. FR 034 


الهولوكوست من جديد في ثوب مختلف: نحن الآن في المحرقة!

نبذة: يهودي من بين أولئك الذين يعملون في المحارق النازية مدفوع للبحث عن حاخام يصلي على إبنه الذي تم إعدامه وذلك في الوقت الذي عليه فيه الإمتثال للأوامر والمساعدة في زج اليهود الضحايا في الأفران.
تقييم: الكاميرا التي يحملها مالياس إردلي (فيلم، 35 مم، أبيض أسود) هي الجهد الحقيقي في هذه الدراما المتكلّـفة حتى رمقها الأخير. هي المرصد المصاحب لبطل الحكاية اللاهث لإتمام غايته. كل ما عداه خارج الفوكاس (إذا كانت الكاميرا هنا، كما ذكر بعض النقاد، من وجهة نظره فإن معنى ذلك أنه يشكو من قصر البصر) ونتابع، بواسطته، مراحل حرق اليهود من استقبالهم من القطار إلى إدخالهم حجرات الغاز ثم حرقهم ثم ردم الرماد في النهر (لماذا على العاملين استخدام الرفوش لذلك طالما إنه كان بإمكان الشاحنات ذاتها تفريغ حمولتها في النهر الذي يقومون بجرف الرماد إليه؟). بطل الفيلم (روريغ) يقوم بكل ذلك وعلى الجانب يحاول إنقاذ راباي ليصلي على إبنه. لا ريب في أن الجحيم المصوّر هو بعض الكارثة التي وقعت، لكن الفيلم مشحون بإنفعالات مركّـبة ومهووسة بالحركة الدائمة ما يخلق حاجزاً يمنع الدراما والحقيقة معاً.


 أورسون وَلز: ظلال وضوء |   Orson Welles: Shadows and Light       

إخراج: إليزابث كابنيست | Elisabeth Kapnist
تسجيلي
الولايات المتحدة | كلاسيكس   ★★★✩✩
Reference n. FR 035  


حياة وأعمال ومتاعب صاحب «المواطن كَـين»

نبذة: يفحص الفيلم مهنة المخرج أورسون وَلز من أيام الراديو إلى مرحلته الأخيرة بعدما حقق أفلاماً كثيرة لم يستطع تكملتها لأسباب متعددة من بينها أن أحداً لم يكترث لها.
تقييم: متابعة المخرجة إليزابث كابنيست لحياة المخرج المعروف في هذا الفيلم الذي تم تقديمه بمناسبة مئوية ولادته. يعتمد الفيلم على مقابلات مع ثلاثة ألمّـوا بحياته عن كثب هم جوزف ماكبرايد وديفيد تومسون وهنري جاغلوم الأول والثاني من كبار باحثي ونقاد زماننا ويثريان الفيلم بآرائهما، والثالث مخرج مستقل قليل الشهرة مثّـل وَلز بعض أدواره الأخيرة تحت إدارته. لكن في المجمل لا يضيف الفيلم جديداً على ما يعرفه المتابع والملم أساساً. 



 طابق واحد تحت |   One Floor Below 

إخراج: رادو مونتيان | Radu Muntean
تمثيل:  تيودور قربان، يوليان بوستلنيكو، أوكسانا موراڤيك
رومانيا | "نظرة ما"  ★★★★
Reference n. FR 036  


دراما إجتماعية مع غموض فعّـال ببناء محكم خارج أسلوب السينما التشويقية

نبذة:  رجل في منتصف العمر يعيش حياة مقبولة مع زوجته وإبنه وكلبه. ذات يوم تقع جريمة قتل في الشقة التي تحته ضحيّـتها جارته الشابة ومرتكبها (قد يكون) جارهما. لكن بطلنا ساندو (تيودور قربان) سوف لن يدل بشهادة تؤذي جاره.
تقييم: بوليسي بعيد عن التشويق المفتعل وقريب من حكايات البحث والغموض يحققه واحد من مخرجي الموجة الرومانية الحديثة (أنجز سابقاً «الورقة ستكون زرقاء» و«الثلاثاء بعد الكريسماس» وكلاهما جيّـد) عامداً إلى تورية السبب الذي من أجله لا يريد ساندو كشف احتمال أن يكون جاره هو القاتل تبعاً لعلاقة بينه وبين الضحية. كأفلام الموجة هناك وضع وصورة إجتماعية ودكانة واقع والكثير من قراءة التصرّفات وبل إمارات الوجوه. الخط النحيف الذي يشبه النصل هو تساؤل ساندو عمّـا إذا كان القاتل ينوي شرّاً بعائلته من جانب، وتساؤل القاتل عن السبب الذي لم يذكر ساندو للمحققين ما سمعه قبل 24 ساعة من الجريمة.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أفلام مهرجان كان | Le Tête Huate | Our Little Sisters | Tales of Tales


 أفلام مهرجان كان 


 رأس مرفوع |  Le Tête Huate (Standing Tall)
فيلم الإفتتاح | ★★✩✩✩
Reference n. FR 028  


فيلم حوارات اخر من المخرجة الفرنسية التي شاهدت الكثير من التلفزيون

من الطبيعي أن يحاول مهرجان "كان" دعم صناعة الفيلم الفرنسي فيختار عدداً منها في المسابقة وعدداً آخر خارجها وينتقي، ما بين عام وآخر، فيلماً فرنسيا للإفتتاح أو آخر للختام. المشكلة هي أن هذا الإختيار مرتبط بشبكة علاقات تجارية كون فيلم الإفتتاح، بصرف النظر عن هويته، بات تمهيداً لعرض الفيلم في اليوم التالي.
«رأس مرفوع» هو اختيار "كان" هذا العام وقد عرض يوم أول من أمس (الأربعاء) مرّتين، مرّة في الصباح للنقاد والصحافيين ومرّة في العرض الرسمي للضيوف والسينمائيين. وهو واحد من ثلاثة أفلام عرضت في هذا اليوم الأول و-على الرغم من كل الجهد المبذول فيه- أضعفها.
يبدأ «رأس مرفوع» وبطله مالوني في السادسة من العمر. هاهي أمه تأخذ من يده إلى مكتب قاضية شؤون الأحداث فلورنس (كاثرين دينوف). من البداية ندرك أن الصبي مصاب بعارض عاطفي- نفسي يجعله يميل إلى الشراسة في التصرّفات، وفي سياق الفيلم سيتأكد لنا ذلك، فهو لا يتحمّـل السُـلطة. يريد الخروج عنها ولا يهاب ذلك. يتابع الفيلم عشر سنوات من حياة مالوني نراه فيها يترعرع على عدائه ذلك منحرفاً نحو جرائم السرقة.  لا نعرف ما الذي حدث له فعلياً لكي يصبح أكثر حدّة وعدائية من ذي قبل، لكننا نرى القاضية فلورنس  وهي تحاول مساعدته أكثر من مناسبة. مالوني الصغير نما أعوج السلوك ويبدو أنه لن يستطع الإستقامة مطلقاً. 
يرمي الفيلم لنقد الأم لكنه نقد مظهري لا أجوبة عميقة فيه. كل شيء هو هكذا لأنه مقدّم على هذا النحو وليس لأن الأحداث تؤول إليه. في النهاية، وبعد أن يصبح الشاب أباً هناك أمل جديد، لكن مالوني لا يزال الشخصية المحورية التي لا يريد الفيلم تقديمها على نحو يساعد على فهمها بل يكتفي بعرض ما هي عليه.
تلتقط المخرجة إيمانويل بيركو خيطاً من خيوط الإخراج الواقعي المنتشرة هذه الأيام، ما يقضي بأن تخصص أكثر من نصف ساعة في البداية خلال المقابلة الأولى التي تتم بين القاضية والصبي وأمه. هذا بالتالي يفرض حواراً لا ينتهي تستقبله مثل ضربات كرة المضرب وهي تنهال عليك. وهو أيضاً معمول بمنوال إخراج تلفزيوني كمثل حال أفلام فرنسية كثيرة تتساءل خلالها ما إذا كان مخرجوها لا يفعلون شيئاً سوى مشاهدة المسلسلات بين الفيلم الذي يحققونه والآخر.

    أختنا الصغيرة| Our Little Sisters 
المسابقة  ★★✩✩✩
Reference n. FR 029  

فيلم ياباني ناعم لدرجة الذوبان

المخرج الياباني هيروكازو كوريدا كان قدّم في مسابقة 2013 فيلماً عنوانه «الإبن كالأب» لاقى استحساناً وجائزة لجنة التحكيم. الآن يباشر مهرجان "كان" أفلام المسابقة بفيلم كوريدا الجديد «أختنا الصغيرة» وهذا الناقد يفضل فيلمه السابق على هذا بمراحل.
كلاهما  (وفيلمي كوريدا الأول والثاني «لا أحد يعرف» و«أتمنى») دار في رحى العائلة الواحدة. في الفيلم السابق تم استبدال طفل بطفل خلال الولادة في المستشفى فنشأ إبن الفقراء مع عائلة ثرية، وإبنها نشأ كإبن العائلة الأخرى ولا أحد يكتشف الحقيقة إلا من بعد أن تجاوز كل صبي عشر سنوات من عمره. الآن على الصبيين، بعدما تم كشف الحقيقة، تبادل مواقع، لكن كيف سيتسنّى لهما ذلك وكيف ستتصرّف كل عائلة وهي أودعت ولدها الأول كل حبها؟
هناك، في ذلك الفيلم، قدر من النزاع. ماء تغلي ولو برقّـة وأسئلة تحض على الإجابات. هذا كله غير متوفر في فيلمه الجديد «أختنا الصغيرة».  
بعد تأسيس المشهد الأول (إحدى الشقيقات تستيقظ على دقات المنبّـه) يبدأ الفيلم بالشقيقات الثلاث ساشي (هاروكا أياسي) وهي الأكبر سناً ويوشيرو (ماسامي ناغاواسا) وشيكا (كاهو) يتلقين نبأ وفاة والدهن الذي لم يرينه منذ سنوات. يحضرن التأبين حيث يلتقين هنا بفتاة صغيرة هي نصف شقيقة أسمها سوزو (سوزو هيروسي). الجميع يتآخي جيّـداً والشقيقات الثلاث يرحبن بسوزو إذا ما أرادت العيش معهن. وهي توافق وينطلق الفيلم من هنا في رحلة من المشاهد المتكررة والناعمة والمظللة بمقطوعات بيانو من تلك التي تذكرك بأن الفيلم عاطفي حالم وعليك أن تستقبله على هذا النحو.
في الحقيقة هو عاطفي جداً وناعم جداً وبلا نتوءات ويفتقد إلى أي صراع. معظم الحقائق حول العائلة الأكبر (الأم والأب اللذان كانا تطلقا) معبّـر عنها حوارياً. ومعظم ما يدور على الشاشة مع الفتيات الشقيقات هاديء وكاميرا المخرج تستقبلهن في لقطات متكررة الحجم والزوايا. الدراما ذاتها منتفية والذي يحل في مكانها هو متابعة أقرب لأن تكون سياحية حول الحياة السعيدة (رغم بعض الصعوبات) لشقيقات تجاوزن بعض الحدّة في علاقتهن بالماضي. 


 حكاية الحكايات   | Tale of Tales  
 المسابقة ★★★✩✩
Reference n. FR 030  

ثلاث حكايات تتداخل لتحكي عن ثلاثة ملوك من أساطير بعيدة

المخرج الإيطالي ماتيو غاروني، مثل هيروكازو كوريدا، بات من زبائن "كان" منذ سنوات قليلة عندما قدّم، وبنجاح فيلمه «غومورا» سنة 2008. ذلك الفيلم غاص في واقعية المجتمع في مدينة نابولي حيث أزقة الجريمة وعصابات المافيا المعاصرة. هنا، في فيلم جديد عنوانه «حكاية الحكايات»، ينتقل 180 درجة من تلك الواقعية إلى الفانتازيا ولو أن الفيلمين يرسمان ظلالاً داكنة واحدة حول شخصياتهما.
«حكاية الحكايات» يتضمن ثلاث قصص تدور كلها في زمن غابر (القرن السابع عشر) وفي ثلاثة ممالك غابرة. الحكاية الأولى تدور حول الملكة (سلمى حايك) التي لم تنجب بعد وزوجها المتفاني (جون س رايلي) الذي يركض وراءها وهو يناديها «حبي». ذات يوم يدخل عجوز يخبرهما بأن الملكة تستطيع أن تحبل وتنجب إذا ما أكلت قلب تنين قابع في قاع النهر. على الملك نفسه أن يصطاده وهو يتلسح بحربة وخوذة ويغوص ويجد التنين نائماً. يعرز الحربة فيه لكن التنين قبل أن يموت يضرب الملك فيقتله. القلب كبير جدّاً والملكة تجلس بعد طبخه تأكله بيديها في لقطة منفرة. وإذ تفعل تحبل وتنجب في يوم واحد (خدمة إكسبرس) وإبنها يترعرع لكنه يصادق إبن الخادمة الذي يشبهه كثيراً. تحاول الملكة التفريق بينهما لكن ذلك يحتاج إلى سحر آخر.
الحكاية الثانية هي لملك آخر (توبي جونز) لديه إبنة رومانسية تطلب من والدها أن يختار لها العريس المناسب. تريد أن تحب وتشعر بأنها محبوبة. لكن الأب مشغول عنها بتلك الذبابة التي حطت على يده فأخذها إلى جناحه وربطها إلى موديل عربة صغيرة فبدأت بسحبها. بعد زمن قصير ها هي الذبابة كبرت وأصبحت على شكل وحش والملك متيّم بها. حين تموت يقيم مسابقة: سيزوّج إبنته لمن يعرف مصدر جلد الوحش بعد سلخه. من بين كل الطامحين هناك وحش بشري مخيف الهيئة يعرف وتؤول الفتاة غصباً عنها للزواج به. ستهرب. سيلحق بها. ستقطع رأسه.
الحكاية الثالثة هي لملك آخر (فنسنت كاسل) لا نهاية لملذاته النسائية يتزوّج من فتاة بدت له أجمل النساء. لكنها في الحقيقة ما هي سوى المرأة العجوز التي تسللت إلى فراشه ليلاً واكتشف حقيقتها صباحاً. المرأة المسحورة لديها شقيقة مثلها تريد أن تفرض نفسها على القصر وتخسر… ثم نرى شقيقتها التي أصبحت زوجة الملكة وهي تلاحظ أن بشرتها تعود إلى تجاعيدها السابقة.
في كل حكاية (كما في الفيلمين الآخرين المذكورين) هناك قصّـة عائلية. يستفيد الفيلم من أماكن تصويره الغريبة ومن فانتازيا تقع في أزمنة غابرة وتحافظ على غرابتها ضمن السياق أيضاً. لكن الفيلم ينتهي وأنت لا زلت تبحث عن مفاد ما. 
الحكايات ذاتها ليست مسرودة على نحو متوالي، بل يقطع المخرج بينها في إنسيابية صحيحة (فعل الشيء نفسه في «غومورا». هناك تمثيل يتراوح من ضعيف (سلمى حايك) إلى جيد (بيبي كايف في دور الفتاة الأميرة). الفيلم بالإنكليزية ما يخلق تفاوتاً في الإلقاء فهو لاتيني اللهجة عند سلمى حايك وفرنسي اللهة مع فنسنت كاسل ثم بريطاني مع معظم الباقين.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


Far From The Madding Crowd | Avengers: Age of Ultron | A Most Violent Year | Ex Machina


 أفلام 2015  

هذا الأسبوع لدينا فيلماً من نص أدبي كلاسيكي هو Far From The Madding Crowd وفيلم من بطولة مشتركة مأخوذة عن شخصيات الكوميكس هو Avengers: Age of Ultron ثم فيلمين من بطولة أوسكار آيزاك أحدهما هو أفضل أفلام هذا العدد وهو A Most Violent Year. الثاني هو Ex Machina  

 بعيداً عن الحشد المجنون | Far From the Madding Crowd 
بريطانيا | دراما [إقتباس أدبي]  إخراج: توماس ڤنتربيرغ | أدوار أولى: كاري موليغن، ماثياس شونيارتس، توم ستيرجيز، مايكل شين | ★★★✩✩
Reference n. FR 024  


«بعيداً عن الحشد المجنون» Far From The Madding Crowd يعود إلى صالات السينما من جديد. ليس بنسخة مرممة أو معادة من فيلم المخرج البريطاني الراحل جون شليسنجر المقتبس بجدارة عن رواية توماس هاردي الأشهر، بل من تحقيق المخرج الدنماركي توماس ڤنتربيرغ ومن إنتاج BBC Films البريطانية مع كاري موليغن دور البطولة. وهناك جمهور عاشق للأفلام الدرامية المأخوذة عن أعمال أدبية، وجمهور مواز للأعمال التاريخية ذات الديكورات المميـّزة بطابع تلك الفترة وبتصاميم الملابس التي تبدو كما لو أنها مستوردة من المتحف التاريخي في وسط لندن.
لكن الفارق الأول بين الفيلمين- والأهم في جوانب عدّةهو أن نسخة 1967 السابقة تمتعت بمدة عرض وصلت إلى ثلاث ساعات وثماني دقائق. في حين أن نسخة 2015 الحالية تتثاءب عند الدقيقة الـ 119. إحذف منها 7 أو 8 دقائق من الأسماء والمعلومات الواردة في نهاية الفيلم فيكون الناتج نحو ساعتين إلا بضع دقائق. الأهمية هنا مزدوجة المنحى، شليسنجر في فيلمه الأتقن لم يرد أن يحذف أي تفاصيل درامية أدبية خشية أن يتعرّض الأصل إلى التشويه. إستند إلى سيناريو وضعه الكاتب فردريك رافاييل واعتمد عليه
كان «بعيداً عن الحشد المجنون» ثاني عمل بينهما بعد «دارلينغ» من بطولة جولي كريستي التي قامت ببطولة «بعيداً عن الزحام المجنون» أيضاً. ورافاييل هو ذاته الذي كتب لاحقاً «عينان مغمّـضتان بإتساع» الذي حققه ستانلي كوبريك سنة 1999.
الأهمية الثانية هي أن تقصير المدّة بنحو ساعة، يعكس حالة المشاهدين أنفسهم. 
خرج الفيلم الأول لجمهور ملم أكثر من جمهور اليوم. آنذاك، كانت الإقتباسات الأدبية الكلاسيكية (من جين أوستن إلى أغاثا كريستي ومن غراهام غرين إلى جورج أوروَل ود. هـ. لورنس أكثر إنتاجاً مما هي عليه اليوم. وإذا ما خرجت أفلام حديثة عن أعمال سابقة ففي الكثير من الحالات يكون الإقتباس مناسبة لإستعارة الفكرة وتطبيقها بروح عصرية متغرّبة كما حدث مع رواية «إيما» لجين أوستن (منشورة سنة 1815) التي تحوّلت إلى ترفيه مع موسيقى نطناطة بعنوان «بلا دليل» (Clueless، سنة 1995).
فيلم فينتربيرغ الحالي لا ينتمي إلى تلك الإستعارات بل يحافظ على المصدر حتى وإن ضحّـى بقدر من الأمانة لروح العمل وأغراضه الأدبية. 
استمد توماس هاردي العنوان من شعر لتوماس غراي يعود إلى العام 1751 بعنوان «مرثاة كتبت في ساحة كنيسة البلد». ففي مقدّمتها سطر يقول: "بعيداً عن الكفاح الحقير للحشد المجنون». الرواية (من 57 فصل) وهي مروية بأسلوب هاردي التفصيلي من لدن وجهة نظر غيبية (طرف ثالث) في حين أن الفيلم الجديد يبدأ بصوت بطلة الرواية/ الفيلم باثشيبا (كاري موليغن) تمهيداً لما سيلي. وما سيلي في خلاصته حكاية وُصفت أيامها بأنها سبقت عصرها من حيث تأييدها للمرأة مستقلة وصاحبة قرار. لكن الكاتب اللاحق هنري جيمس انتقد شخصية باثشيبا معتبراً إياها أنانية وغير مفهومة الدوافع. ومن الصعب الإستقرار على حكم هنا إلا بقراءة جديدة للرواية الطويلة إياها، ذلك لأن هدف توماس هاردي المؤكد هو أنه أراد تقديم حكاية إمرأة ذات إرادة قويّـة وحزم فاعل تجد أن خير وسيلة للدفاع عن نفسها، في مجتمع ريفي ذكوري، هو الإلتزام بمواقفها سواء أكانت صائبة أم خاطئة. في غمار ذلك، لا بأس إذا ما شغلت قلوب مريديها وأبرزهم وليام (مايكل شين في النسخة الحالية) وغابريال (ماثياس شوونيارتس) حتى من بعد زواجها من تروي (توم ستوريدج). في نهاية الرواية، كما إلى حد في نهاية الفيلم، تعود إلى رشدها وتدرك أخطاءها وتداويها.
هناك مطارح في هذا الإقتباس غير مفهومة علماً بأن الرواية تتطرّق إليها. مثلاً لا يوجد، في الفيلم، المبرر المفهوم (ناهيك عن المقبول) الذي يدفع باثشيبا للزواج من تروي. 
لذلك، دور كاري موليغن، وقبلها جولي كريستي، صعب. هاردي كتب الشخصية بمتّـسع من الوقت والكلمات لكي تتطوّر من وضع لآخر ولو بعد حين. الفيلم في تلخيصه ليس لديه الوقت الكافي لذلك، هذا عوض أن تشخيص باثشيبا يقبل أكثر من وجهة فهي مجال مفتوح للإبتكار. كريستي، في النسخة السابقة، فهمت الشخصية على نحو أفضل. عرفت أن باثشيبا هي إمرأة لعوب وجسورة لكنها ليست رخيصة. موليغن لم تؤديها برخص طبعاً، لكنها جذبتها إلى واقع كل يوم ومنحتها تشخيصاً معاصراً. 
في المواجهة ذاتها بين أسلوب المخرج شليسنجر وأسلوب المخرج فنتربيرغ يمكن فهم منحى الأول وكيف أنه يوائم إختيار كريستي من سلوكها في إداء تلك الشخصية. شليسنجر أراد الأدب في العمل بينما عمد فينتربيرغ إلى الحالة التي تطرح عناوين كبيرة مربوطة بالحاضر على صعيد وضع المرأة في المجتمع. صحيح أنه لا يزال يحكي عن أحداث وقعت في الزمن الفكتوري، لكن من باب الولوج إلى نيل إعجاب المشاهدات في زمن المساواة الجنسية بين الرجال والنساء (وهو زمن لم يبلور وضعاً مثالياً بالطبع لكنه يختلف بالتأكيد عما كان الحال عليه حتى قبل بضعة عقود، فما البال بنحو ثلاثمئة سنة أو أكثر؟).
هذه الترجمة للزمن المعاصر وردت أيضاً في نسخة شليسنجر في السبعينات. كان لابد لها أن ترد لأنها مضمون مهم في الرواية وشخصيتها أساساً. لكن همّ تقديم شخصية إمرأة مستقلة ومتحررة بقي، هناك، ضمن طيّـات الإستعارة من النص الأدبي وليس بالمعايشة المعاصرة.
بإقرار الفيلم الجديد أن تقوم بطلة الفيلم بقراءة تعليق على ما يرد أو سيرد، يكون المخرج دفع المشاهد ليتوقع كل شيء من العبارات الواردة في الدقائق الأولى من الفيلم. 
وفي حين أن حب راعي الأغنام غبريال (يؤديه بلكنة غير موفقة شوونيارتس) في الرواية الأصلية حدث من النظرة الأولى (نعم، كان هذا يحدث كثيراً) فإن حيلة الفيلم الجديد لمعالجة هذا الإحساس الجامح تأتي مبتورة ما يدل، وليس للمرّة الأولى، على أن ما يمكن صياغته بالنص المكتوب، لا يمكن اختزاله بالكاميرا لأن هذه أقرب إلى الحياة من أي فن تعبيري آخر والحياة ليس فيها من عروض زواج مفاجئة إلا من بعد تمهيد وهنا التمهيد غير كاف. 
كل ذلك ويلتقي مع الكيفية التي صاغ بها الكاتب هاردي روايته والتي لا يمكن لأحد أن يصيغها بالطريقة ذاتها أولاً لثراء تفاصيلها وثانياً لصعوبة فهم منطلقات شخصيّـة بطلتها والموافقة على قراراتها حتى من بعد العودة عنها. إنها رواية تستمد أهميّـتها من ذلك التشخيص الجلي للحكاية حول شخصية تتحدّى الحدود المرسومة لها بالهرب إلى الأمام، وترتكب في هذا الهدف أخطاءاً عاطفية عندما تمنع قلبها من التجاوب مع الحب الحقيقي الذي ينتظرها (ممثلاً بشخصية غبريال) ثم لتجد، وكما كتب هاردي بنفسه (وكرر الفيلم الحالي) أنه "من الصعب لإمرأة أن تعبّـر عن مشاعرها (مستخدمة) الكلمات التي ابتكرها الرجال للتعبير عن مشاعرهم".
Far From The Madding Crowd, 2015 Trailer
Far From The Madding Crowd, Trailer 1967

 المنتقمون: عصر ألترون   | Avnegers: Age of Ultron 
الولايات المتحدة | أكشن [كوميكس، سوبر هيروز] إخراج: جوش ويدون | أدوار أولى: مارك روفالو، روبرت داوني جونيور، كريس إيفانز، جيريمي رَنـر، كريس همسوورث، سكارلت جوهانسون   ★★✩✩✩
Reference n. FR 025  

هناك الكثير جدّاً مما سيعجب المشاهدين حول العالم في «المنتقمون: عصر ألترون»: المعارك ذات الوقع الشديد، المؤثرات الخاصّـة التي تبرق وتلمع وتأتي مصحوبة بالضجيج الملائم، الشخصيات البطولية التي لكل منها وظيفة محددة وجميعها تلتقي في جهد دؤوب لإنقاذ أهل الأرض العزّل من الخراب والدمار الذي يزمع «ألترون» القيام به. ألترون ليس معلبات سردين، كما قد يوحي الإسم، بل برنامج كومبيوتر يستولي على كل شيء. يتحوّل إلى خطّـة لتدمير الأرض بعدما فشلت قوى أخرى عديدة، في أفلام لا حصر لها، في تدميرها. يقول في البداية، وقد خرج من شرايين النظام ليصبح كائناً أزرق اللون، أنه جاء للسلام لكنه غيّـر رأيه لاحقاً. 
بصرف النظر عن أسبابه الداعية، الأمر سوى ذريعة. كل فيلم من هذا النوع بحاجة إلى شرير بهذا الحجم. «ألترون» وأتباعه من المخلوقات الزرقاء أيضاً سيواجهون أبطالنا ذوي القدرات الهائلة:
وفي هذا الفيلم تحديداً على الشرير أن يكون قادراً على مواجهة أكثر من «سوبرهيرو» واحد: لدينا ثور (كريس همسوورث)  وكابتن أميركا (كريس إيفانز)  وآيرون مان (روبرت داوني جونيور) و«ذا هْـلك» (مارك روفالو الذي تزداد مساحته هنا بعدما ترك أثراً إيجابياً في الجزء السابق) ثم رامي السهام (جريمي رَنر) و«الأرملة السوداء» (سكارلت جوهانسن) التي تقع في حب مارك روفالو (في نسختيه) وتعترف له بأنها لا تستطيع الإنجاب. المفاجأة هو أنه أيضاً لا يستطيع الإنجاب. يغيب عن المشهد الناي الحزين.
من أسباب الإعجاب المحتملة، على هوان تلك الشخصيات وتقليدية الحكاية بأسرها، المعارك الكثيرة التي تقع بين دفّتي هذا الفيلم. ليست جميعها بين الأبطال والأشرار، بل أحياناً بين الأبطال أنفسهم : ثور يمسك آيرون مان من رقبته كما لو كان يقبض على عنق دجاجة. وهناك معركة كبيرة  بين «ذ هْـلك» وبين آيرون مان. كيف يمكن أن يوزن المخرج ويدون بين بطلين يحبّـهما الجمهور؟ بسيطة: لقاء كل ضربة يوجهها أحدهما للآخر هناك ضربة موازية، ولقاء كل سقوط لأحدهما هناك سقوط للآخر… بذلك لا يزعل أي من الممثلين ولا يغضب مؤيدو أحدهما ويفرح مؤيدو الآخر. والمخرج ماهر في هذه الإستخدامات وعلى كل ما تحمله من توقعات وشحّ في الخيال، تفعل فعلها على نحو «ضربة منك ضربة مني» مع العلم بأنهما سيحاربان بعد حين جنباً إلى جنب.
يتطلب الفيلم في بدايته التركيز وإلا مرّت الدقائق العشر الأولى وفيها السبب الذي من أجله ستقع باقي الأحداث في ساعتيه. لكن الخطر هو أنه حتى مع حسن التركيز، تجد من الثغرات ما يكفي لكي يطير منها ما تم استيعابه وسرد الفيلم على أساس أن تلاحق الأحداث كبيرة وضاجة ومتدحرجة كفيل بالتعويض عن قصور الفيلم في تحديد ما هو ولماذا هو. يحاول المخرج حك سطح الشخصيات إنسانياً من حين لآخر، لكنه يعلم أن عليه أن يرمم كل شيء مجدداً لأن الجمهور لا يكترث فعلياً لمواقف لا قتال فيها، إلا إذا كانت تمهيداً لمعركة لاحقة. الإنتاج ضخم وكل دولار مصروف عليه متمثّـل على الشاشة بلا ريب. لذلك «المنتقمون» حدث بارز في هذا النوع من السينما تحديداً.
Avengers: The Age of Ultron - Trailer

 سنة أكثر عنفاً   | A Most Violent Year  
الولايات المتحدة | تشويق  إخراج: ج س شاندور | أدوار أولى:  أوسكار أيزاك، جسيكا شستين، ديفيد أويلوو  ★★★★
Reference n. FR 026  

ج س شاندور من أفضل المواهب الجديدة في ساحة العمل السينمائي اليوم و«سنة بالغة العنف» هو ثالث أفلامه. في العام 2011 قدّم فيلمه الأول «نداء هامشي» في عداد العروض الرسمية في مهرجان برلين. ثم أخرج بجدارة  «كل شيء ضاع» (فيلم شاندور الثاني، 2013)  الذي هو بالتأكيد أفضل من فيلم مغامرة بحرية آخر ظهر قبله بأشهر قليلة هو «حياة باي» لآنغ لي. وفي مطلع هذا العام عرض فيلمه الثالث هذا: حكاية رجل يخوض بمفرده معركة بقاء مسلحاً بأخلاقياته فقط. 
«سنة أكثر عنفاً» دراما معمولة على نسق أفلام ألان ج. باكولا وسدني بولاك وجورج روي هيل (أحياناً). تلك الإجتماعية ذات الطروحات السياسية من دون أن تعيق تلك الطروحات نصاعة الأسلوب بصرياً أو درامياً. يختص بالحديث حول محنة أميركي من أصل لاتيني هو آبل موراليس (أوسكار أيزاك أحد ممثلي الفيلم التالي أيضاً) آمن بالحلم الأميركي وسعى إلى تحقيقه. هاهو، مع مطلع الفيلم، على حافّـته يكاد يناله. الأحداث بعد ذلك ستباعد بينه وبين ذلك التحقيق لبعض الوقت.  ستضعه وسط خطورة أن يخسر كل شيء لأن هناك من يريد إزاحته. 
بطل الفيلم لاتيني يعمل في مهنة تقاسمها إيطاليون ويهود (البترول). لا يخاف المنافسة لكنه يطلبها شريفة. زوجته (جسيكا شستين) تخبره بأنها على استعداد لطلب حماية والدها (المافاوي) بعدما تكاثرت سرقة شاحناته لأجل تفريغها من حمولتها من النفط، لكنه يرفض. محاميه (ألبرت بروكس رائعاً) يريده أن يوافق على طلب رئيس النقابة بتسليح سائقيه. يرفض أيضاً.
في النهاية يقول للمدّعي العام «في كل الأمور هناك سبيل واحد هو أكثر صحّـة». لقد اكتشف هو هذا السبيل: السعي لتحقيق الهدف بالطرق الأخلاقية. في عالم كالذي نعيش، حيث تتبدد الأخلاق المهنية تحت الرغبة في الوصول، تبدو العبارة موجهة لكل منا في أي مجال عمل. 
العنوان فيه عنف أكثر مما في الفيلم بأسره. هناك طلقة نار واحدة في «سنة أكثر عنفا». بعض الدم المنثور على الجدار ولكمتين أو ثلاثة وهذا كل شيء. رغم ذلك، الفيلم يتحدّث عن عنف في الحياة والبال والأجواء. يحشد مشاهد تفيض بالتساؤلات حول البشر وإلى أي صنف ينتمون وكيف يقررون ما يريدون القيام به ولماذا. في الوقت ذاته، هناك تلك الشخصية الرئيسة موراليس ) الذي تتوقع منه أن يثور بعد أن يغضب. أن يحمل السلاح ليقتل من يحاول الهجوم عليه، أو أن يستجيب للضغوط الكبيرة عليه فينهار. لكن شيئاً كهذا لا يقع لأن «سنة أكثر عنفاً» (والذي تقع أحداثه في شتاء العام 1981 في نيويورك) يسير ضد كل التوقّـعات.
ما يجعل من حكاية موراليس موضوعاً مثيراً وناجحاً، لجانب الحكاية بحد ذاتها،  هو عدم خوف المخرج من نهاية إيجابية. موراليس لا يزال، في ختام الفيلم، على بعد، ولو طفيف، من تحقيق الحلم الأميركي، لكن ما يدور عنه الفيلم هو حق كل أميركي (مهاجر أو مستوطن) في السعي لتحقيق هذا الحلم الذي لا يزال يتوهج في النفوس. إخراج متين التنفيذ. تشويقي النفس لكن بلا تنازل وتمثيل راق من الجميع. 
لا يبدأ الفيلم بكاميرا- عين صقر تطير فوق نيويورك أو خليجها لكي يوحي لك بالمدينة ومشاكلها. لكنه من موقعه على الأرض ومن على موقع غير بعيد يفصله عن ضاحية مانهاتن الخليج، تستطيع أن تعايش أجواءها السياسية في تلك الفترة. إنها في الخلفية والمخرج يستغني عن مشاهد تقع فيها أو تؤدي إليها، لأن الأمثل إبقاء المدينة حالة وليس موقعاً. فقط في مشهد المطاردة التي يتضمن مطاردة بين سيارتين ثم مطاردة بين سائقيها على القدمين ثم مواجهة في محطة القطار، نشعر أن الفيلم بات جزءاً عضوياً من المدينة أو من تلك الخلفية الماثلة (كما في بعض أفلام وودي ألن) من الساحل الآخر للبحر
A Most Violent Year- Trailer

 إكس ماكينا   | Ex Machina  
بريطانيا | خيال علمي  إخراج: أليكس غارلاند | أدوار أولى:  أوسكار أيزاك، أليسيا فيكاندر، دومنال غليسون  ★★✩✩✩
Reference n. FR 027  

فيلم آخر من بطولة أوسكار أيزاك متمثل في هذا الفيلم الخيالي العلمي الذي يمنحنا صورة مغايرة لتلك التي في «سنة أكثر عنفاً»
في مطلع «إكس ماكينا» هناك هذا الشاب كاليب (دومانل غليسون) الذي يعمل في مؤسسة إنترنت (على نسق غوغل) يتم إنتخابه من قِـبل رئيس المؤسسة ناتان (أوسكار أيزاك) لكي يمضي بعض الوقت في معقله. سنعلم لاحقاً أن كاليب صدّق أن القرعة رست عليه، لكن الحقيقة هي أن ناتان إختاره بعناية. ذلك المعقل يقع فوق جبال ووديان بعيدة نفهم أنها جميعاً ملك ناتان. بعد رحلة بالهيلوكابتر تستمر لساعتين على الأقل يصل كاليب إلى المختبر/ البيت/ الملجأ الذي يعيش فيه ناتان. مكان بارد الديكور مؤلّـف من جدران زجاجية وأخرى معدنية وثالثة حجرية. بعض الأبواب يسمح لكاليب بفتحها وبعضها الآخر ممنوعة عليه. لكن ما هو السبب الذي من أجله تمّـت إستضافة كاليب المندهش إلى ذلك المكان؟ لكي يستجوب آڤا (أليسا ڤيكاندر) المصنوعة كروبوت أنثى. ناتان، يقول، يريد أن يدرس كيف ستتصرّف الروبوت حيال أسئلة كاليب لها. الغاية هي دراسة ردّات فعلها لقياس ذكائها علماً بأنها ليست روبوت بلا مشاعر فهو استطاع تصنيعها على نحو شبه إنساني. لم ينس، كما يقول، حاجاتها الجنسية واصفاً مركز الإثارة لديها.
لا أعرف إذا ما كان ناتان على هذا النحو من القدرة لم لا يختبرها بنفسه. لكن الرجل كاذب في كل تصرّفاته حيال كاليب. لقد اختاره لكي يقتله ولو بعد حين. وهو يمضي الوقت مراقباً كاليب وآڤا وهما في جلسات حوار (ستّـة). عندما يختلي بكاليب نراه يكثر الشرب ويتراخى وفي بعض الأحيان يمارس تمارين الملاكمة. لا نعلم لماذا، لكنها تبدو رياضته المفضلة. ليس لديه من مناويء بل الكيس المعلّـق. غير آڤا هناك مخلوقات روبوت أخريات. لكن ما يحدث مع آڤا لا يحدث معهن إذ هي تدرك معنى الحرية وتريد الهرب من المكان.
حظى الفيلم بإعجاب النقد الغربي وهو بالتأكيد ليس فيلماً معتاداً. ليس هناك من مشاهد قتال أو وحوش فضاء أو خطر يهدد أهل الأرض. بل هو نوع من الخيال العلمي- المفكر. رغم ذلك، هو فيلم محسوب. يحتوي على أربعة ممثلين ومن دون أحداث بدنية. لا أدري لماذا تساءلت بعد ربع ساعة من بدايته ماذا لو أن ستانلي كوبريك حقق من هذه الفكرة لو أنه كتبها وأخرجها. في كل الأحوال هو عالجها في «2001: أوديسا الفضاء»، كذلك فعل عديدون في أفلام أخرى تتناول قدرة العلم على استنباط شخصيات مصنوعة تستولي، كما الحال هنا ولو بطريق مختلف، على قرارها النهائي: تعيش أو تموت.
يصفق الفيلم الماثل لنفسه أكثر من مرّة. كل رجل يصف نفسه أو يصف الآخر مشيداً بعبقريته. هذا أمر كان عليه،  لو كانت الكتابة جيّـدة على نحو أفضل، أن يترك لنا لنقرر. المخرج غارلاند يبني التشوبق من تفعيلات بسيطة وينجح، لكن العناصر المكمّـلة هي التي تنال من العمل وصولاً إلى نهاية تمزج الأشياء بأسرع مما يجب. حسناً فعل المخرج في ذلك المشهد الذي يجرح كاليب نفسه ليتأكد من أنه هو أيضاً (طالما أنه ترعرع يتيماً وليس لديه أقارب) بشر أم لا. الدم السائل يعطيه جواباً مناقضاً لذلك الذي حصل عليه هاريسون فورد في فيلم «بلايد رانر» عندما اكتشف، ونحن، إنه لا يعدو "أندرويد".
هناك موسيقى مصاحبة وضعها إثنان (بن ساليزبيري وجف بارو) ولا أدري من المسؤول عن هذا المقطع أو ذاك، لكن المخرج يبدو غير واثق من قوّة مضمونه إذ يعمد إلى الموسيقى قوية وادرة منذ مطلع الفيلم حتى نهايته. 


Ex-Machina- Trailer


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ