Issue 39 | The Informant! | Old Boy


FlashBack

ليليان غيش في لقطة من تصوير ج. و بتزر وكارل براون

INTOLERANCE | تعصّب
Directed By: D.W. Griffith (1916)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل العرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخ مراد عبد الله كتب
قرأت التغطية الوافية ولا أستغرب قولك عن فيلم "الطريق" صحيح لم أشاهده طبعاً لكن ملخّصه والرواية لا تفضي الى الكثير من الأبعاد القيّمة والرسالة الفريدة. إذا كانت المعالجة أمينة فينتج فيلم شاعري او عاطفي تشويقي جيد في أفضل الأحوال، لكن ماذا عن دور فيجو مورتنسن؟ دور أوسكاري كما هو متوقّع له؟
فيلم "المقاطعة 9 : كانت من مشاهداتي اليوم وأتفق معك الا في الفقرة قبل الأخيرة. الفيلم قدّم اللونين من العرض الأبيض والأسود كشخصيات شر وعلى توازن واضح. ففي مقابل عصابة النايجيريين هناك ذات الأبيض الكاره لكل شيء، او تلك المختبرات العلمية من البيض أيضاً. أرى ليس بالضرورة أن يجلب الفيلم كل الألوان من العالم فتبدو مقحمة إنما قدّم منطقيا اللونين الأكثر تواجداً في جنوب أفريقيا وأعتقد ربما العالم بأسره٠

جواب | أولاً طلبك السابق بالكتابة عن »أولد بوي« لم أنسه وها هو في هذا العدد٠
بالنسبة لفيلم »الطريق« فإن مشكلته هي أن يرصف عالماً من المفترض أن يتضمّن أبعاداً أكثر من تلك التي يوفّرها، لكنه ينتهي وهو لا يزال يرصفها من دون تحقيقها: الحياة ستكون هكذا، والناس ستكون هكذا، والمغامرة ستسير على هذا النحو. ثم؟ أين الجدوى من كل ذلك؟ على رغم هذا الفيلم جيّد الصنعة وفيه مشاهد مهمّة سأعود اليه في نقد أوسع قريباً. مستر مورتنسن قد يجد نفسه مرشّحاً للأوسكار هذه المرّة لكن لا أدري ما إذا كان الإختيار سيقع عليه في الجولة الأخيرة. لا أعتقد٠
فيلم »المقاطعة 9« ليس مطلوباً منه أن يحتوي على موزاييك بشري. هذا صحيح، وأنا لم أدع الى ذلك، لكن ما كتبته أن تسمية السود الأشرار بالنايجيريين ترسم للفيلم موقفاً عنصرياً (تماماً لو كانت هذه العصابة لبنانية او مصرية او سودانية في فيلم آخر) خصوصاً وأن العنصر النايجيري سيء السمعة سلفاً. بالتالي لم أقل أن عنصرية الفيلم تجاه السود، بل تجاه فئة تحمل هوية معيّنة في فيلم يعادي العنصرية. البديل، أقترحت لو كانت ثلّة من أهل الأرض والسبب في هذا الإقتراح هو أن رمزها كان سينشر الفعل السيء بين الجميع٠
تحياتي وشكراً للمتابعة

الأخ عبد الله العيبان كتب
أرجو أن تقبل مني هذا الإستفسار. ِِأثناء تقييمك لفيلم »الطريق« لجون هيلكوت، كأنك تحيّزت للفيلم لمجرّد أنك حضرت حفلة خاصة له. لا تبتسم... سؤالى الى أي درجة أثر تقييمك على تعزيمك؟ يا أخي مزّقت فون ترايير إرباً إرباً ولو كان هو إبراهيم العريس او محمد خان لرأيت الحسنات في شغلهما. أعرف مدى حياديّتك فأنا أتابعك من نعومة أضافري ولا زلت أتابعك وليس أن أظافري غير ناعمة، لكن هل التوقّع المسبق والمعرفة والصداقة تجعل التبرير ومحاولة التشدد في أمور فنية قابلة للمرونة؟

جواب | لو كان فريق فيلم »الطريق« أهداني سيارة موستانغ 2010 لما أثر ذلك سلباً او إيجاباً على رأيي لا بهذا الفيلم ولا بأي فيلم آخر. تقول تتابعني من نعومة أظافرك، إذاً لابد أنك تعرف الجواب. هنا في أميركا أدعى لحفلات قبل عرض فيلم ما او بعد عرضه ويتم توزيع هدايا (شارون ستون بعثت ذات مرّة ساعة لكني رددتها الى مرسلها مع الشكر) ليس لي وحدي بل لكل أعضاء جمعية المراسلين الأجانب في هوليوود- لكن هذا لا يشكّل عند معظمنا أي تأثير. ربما لأن العلاقة مبنية على احترام لملكية الرأي وبالتأكيد لأن شركة الإنتاج تعلم أنه إذا لم يعجبني هذا الفيلم لها فسيعجبني الفيلم الآخر. إنها علاقة متواصلة٠
لقد منحت »ضد المسيح« نجمتين: واحدة لأن التصوير جيّد والأخرى لأن المخرج في نهاية الأمر لم يصنع فيلماً ركيكاً بل فيلماً لابد من مشاهدته (وأتساءل هل شاهدته او شاهدت »الطريق«؟) . العديد من النقاد العرب أعجبوا بالفيلم- لكن الرأي ليس مشكلة بين النقاد. كل يستطيع أن يكوّن رأيه انطلاقاً لما وصله من الفيلم وما وصلني منه بشع٠
تحياتي وشكراً للمتابعة٠


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
NOW SHOWING | يُعرض حاليا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
THE INFORMANT! | المخبر ***


المخرج ستيفن سودربيرغ وقف طويلاً على قدميه لكن ليس معاً٠
كان دائم الإنتقال ما بين السينما الفنية والسينما الترفيهية الخفيفة وذلك بعد سنوات قليلة من قيامه بتحقيق فيلمه الأول »جنس وأكاذيب وأشرطة فيديو« الذي نال سعفة لم يستحقّها من مهرجان كان الذهبية العام 1989 والذي تبعه بثلاثة أفلام لم يفهمها الا قليلون هي »كافكا« و»ملك الهضبة« و»»تشيزوبوليس«. بعد عشر سنوات على فيلمه الأول ذاك انتقل الى سينما خفيفة ومسليّة بدأت بفيلم
Out of Sight
وشملت على »إرين بروكوفيتش« الذي تسبب في منح جوليا روبرتس اوسكارها الوحيد. بعد ذلك مارس ذلك النوع من الإنتقال بين النوعين فقدّم سلسلة »أوشن« التي تبدو أقرب الى مجموعة من لقطات البوستكارد لنجومها جورج كلوني، مات دامون، براد بت وسواهم، من ناحية وعاد الى الأفلام الجادة في اقتباسه لفيلم أندريه تاركوفسكي الفضائي »سولاريس« (من دون أن يسهم في حل ألغازه إذ اكتفى باستنساخه) و»الألماني الجيّد« ولا ننسى "تشي": قمّة الأعمال الجادّة ولو أنه لم يذهب في أي إتجاه لما بعد إنجازه). هذا الإنتقال جعله حاضراً على أكثر من ساحة وبنجاح يخرج من نطاق ما لا يحققه الفيلم الجاد من ايرادات او ما لا ينجزه الفيلم التجاري من قيمة٠

في »المخبر!« (وعلامة الإستعجاب ملازمة للعنوان الأصلي«) ينجز عملاً يحمل سماتاً من فئتي أفلامه. هذه المرّة هي واحدة من المرات النادرة التي يقف فيها على قدميه الإثنين معاً٠


إنه حول مدير مشتريات في مؤسسة ضخمة للأغذية يتجسس عليها لصالح الأف بي آي التي حوّلته الى مخبر يعمل لحسابها غير مدركة أنه في كل مرّة يعطيها معلومة عن رؤسائه إنما يختارها لكي تناسب خططه الخاصّة. صحيح أن رؤسائه مذنبون بعملية مالية ضخمة استطاع كل منهم بسببها تكوين ثروة بعشرات ملايين الدولارات، وصحيح أن لب العملية كان التدخل في أسعار الأغذية بحيث تتجاوز الحد الطبيعي لها لتحقق لهم أرباحاً إضافية، الا أن مارك (كما يؤديه مات دامون) شارك، وعلى مستواه المحدود داخل المؤسسة في جني الأرباح بالطريقة ذاتها. وفي الوقت الذي كان فيه يتجسس فيه لحساب الأف بي آي، كان يحاول أن يردأ عن نفسه لصوصيّته بكذب صغيرة تكبر مع تكرارها وكل كذبة تحاول إخفاء ما قبلها ما يشكّل مادّة سينمائية مثيرة وترفيهية خصوصاً وأن إداء مات دامون مقنع وصادق ومعالجة المخرج خفيفة فيها روح من الكوميديا الساخرة من الوضع بأسره٠
واحدة من تلك الأكاذيب المتدحرجة مثل كرة الثلج هي كم تقاضى رشوة من إحدى العمليات. يدّعى أولاً أنها في حدود الستة ملايين، ثم يقفز الرقم لاحقاً الى تسعة ملايين ويستقر حين المحاكمة على إحدى عشر مليوناً، لكنه لاحقا وقبيل خروجه من السجن يعترف برقم أعلى. كل ذلك وهو لا يزال يحاول أن يلعب على الجميع: الشركة التي يعمل بها، والأف بي آي (وإحدى أكاذيبه تحمل إدعاءاً بأن أحد رجالها ضربه) والأهم، على نفسه٠
من دون تحديد وجهته في البداية، نتعرّف عليه رجل عائلة أسمه مارك (يؤديه دامون بعد زاد وزنه ونما شارباً وغيّر من شكله قدر الإمكان) يدير قسماً في تلك المؤسسة، وهو يدّعي لمدرائه أن موظّفاً في مؤسسة منافسة (خارج الولايات المتحدة) تعرف كل شيء عن المؤسسة التي يعمل فيها بسبب وجود عميل لها. الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها كشف ماهية العميل هي دفع عشرة ملايين دولار لموظّف من المؤسسة المنافسة في المقابل٠ المدراء الذين يشركون الأف بي آي في التحقيقات، وهذه توفد (من بين من توفد) برايان (سكوت باكولا) الذي يضع جهاز تنصّت على هاتف مارك المنزلي. لكن مارك لديه خطّة ثانية: لمَ لا يكشف للأف بي آي فساد مدرائه؟ بهذا ينتقل الفيلم من عملية الي أخرى ويتم تزويد مارك بالسمّاعات القادرة على التنصّت على كل ما يحدث مع رؤسائه. وما تلبث العملية أن تكشف عن ذلك الفساد ثم الفساد الأوسع الذي يجر مارك الى لولبه. للنجاة يقصد مارك محامياً يدافع عنه ضد الأف بي آي بعدما انقلبت العلاقة من تعاون الى عداوة والأمور بعد ذلك تتداعى وتهوى مثل مياه البالوعة٠

الفيلم يُظهر أن ما جمعه مارك من عمليات غير مشروعة، ليس سوى حصّة بسيطة من تلك التي جمعها مدرائه من خلال عملياتهم غير القانونية ويربط ذلك كلّه بما تم الكشف عنه في الأشهر الأخيرة من جشع المؤسسات المالية الكبرى في الولايات المتحدة التي أسهمت في الأزمة الإقتصادية التي لا زالت الولايات المتحدة تعاني من نتائجها الى اليوم٠
العدو هنا هو الجشع. لكن الفيلم ينجز هذه الرسالة من دون خطب مباشرة. ستيفن سودربيرغ ليس أوليفر ستون يحاول نقد شارع المصارف في »وول ستريت« ولا هو مايكل مور في أي من أفلامه الإنتقادية لجشع رأسالمال٠
الفيلم المأخوذ عن كتاب من نحو 600 صفحة يمر بسهولة أمام العين ويحمل سخرية من نظام اجتماعي قائم على مبدأ أن المال وُجد لكي يجعل من يحصل عليه ثرياً حساب كل الأخلاقيات والمباديء الإجتماعية. وهو يسرد كل ذلك بذكاء مستخدماً ممثله الجيّد والباذل لإتقان دوره بإداء يبتعد فيه عن أي من الشخصيات التي لعبها سابقاً٠

DIRECTOR: Steven Soderbergh
CAST: Matt Damon, Scott Bakula, Joel McHale, Melanie Lynskey, Tom Papa.
SCREENPLAY: Scott Z. Burns.
SOURCE: "The Informant".
CINEMATOGRAPHY: Peter Andrews (Color/ Digital).
EDITOR: Stephen Mirrione (108 min).
MUSIC: Marvin Hamlisch
PRODUCERS: Michael Jaffe, Howard Braunstein, Kurt Eichenwald, Gregory Jacobs, Jennifer Fox.
PROD. COMPANY: Warner/ Participant Media [USA-2009].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استعادة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
OLD BOY | فتى مسن ***


في حصيلته، فإن »فتى مسن« دراما داكنة حول تصرّفات عنيفة مبعثها أحداث من فترة الطفولة تركت آثارها النفسية العميقة في ذوات الشخصيات الماثلة. ضعف الفيلم في هطا النطاق يتراءى بمجرد أن نفهم السبب الذي من أجله حصل ما حصل طوال الفيلم لبطله. في طيّات كتابة سيناريو يقوم على أحدث غريبة الشأن لها جذورها القديمة، فإن التحدي الأول هو كيف يجعل الكاتب التبرير مهمّاً لدرجة أن لا أحداً (من المشاهدين) يستطيع أن يجد فيه ثغرات او يرفض القبول به0
أوداي -سو (يؤديه الممثل المسرحي والسينمائي تشوي من-ووك) رجل متزوّج ولديه طفلة لكنه سكير متمرّد وفي مطلع الفيلم ينتهي الى زنزانة البوليس. لكنه يجد نفسه طليقاً من دون تبرير معروف، ثم يفيق ليجد نفسه حبيس زنزانة أخرى مختلفة عن زنزانات البوليس. إنها غرفة واسعة بعض الشيء لكنها مصفّحة. إسمنتينية الأرض ومعدنية الجوانب. الغرفة مقفلة من كل الجهات وقذرة وفيها جهاز تلفزيوني وباب حديدي له فتحة في نهايته قرب الأرض. على السجين أن يزحف لكي يستلم مؤونته اليومية من الطعام او الماء. إذ يدرك أنه حبيس فترة لا نهاية لها في الغد المنظور، يبدأ أوداي بتدريب نفسه على الملاكمة مستخدماً الحائط كمواجهة. يتعلّم الكثير من التلفزيون بما في ذلك تعداد الأيام والأشهر ثم السنوات وبما في ذلك مقتل زوجته كما يرد في نشرات الأخبار. بعد حين يبدأ بحفر الجدار مستخدماً أدوات الأكل هذا قبل أن يُفتح الباب فجأة ويدخل من يأخذه في رحلة جديدة يفيق منها (بعد خمسة عشر سنة من الوحدة) ليجد نفسه طليقاً
هدف أوداي الآن هو معرفة من سجنه طوال هذه المدّة. لكن هذا ليس هيّنا على رجل خرج من تجربة جعلته على حافة الجنون. تستقبله نادلة مطعم أسمها ميدو (غانغ هاي- يونغ) بعدما سقط المحل منهكاً وتأخذه الى بيتها. الفيلم هنا يتحدّث عن شخصيّتين متشابهتين في بعض الصفات الكافية لأن تجعل كل منهما يكترث للآخر
قبل ذلك، كان اوداي استلم هاتفاً جوّالاً وبعض المال من رجل مجهول وعلى ذلك الهاتف يبدأ باستلام مكالمات من الرجل المسؤول عن خطفه وسجنه، وهذا يطلب منه حل الأحجية والتعرّف على هويّته مانحاً إياه خمسة أيام فقط والا فإن كل إمرأة يتعرف عليها سوف تقتل (بمن فيهن ميدو)٠
يقفز الفيلم الى حلقة جديدة من حلقات العنف في هذه المرحلة لينتهي بمواجهة بين أوداي والرجل الآخر (لو جي-تاي) حيث يطالعنا السبب وراء كل ذلك فإذا به أوهن مما يجب: حادثة وقعت خلال شبابهما أثرّت في الخاطف وجعلته حاقداً على أو داي طوال الوقت محمّلاِ إياه تبعات كل ما حدث في حياته من سلوك مضطرب. المفاجأة التي يكتنزها الفيلم هنا هي أن ميدو هي إبنة أوداي التي لم تتعرّف عليه، كما لم يتعرّف هو عليها، لكن الخاطف استطاع سوقهما الى لقاء. هذه التفسيرات تأتي في مشاهد تتولّى حكاية الماضي مع أكثر من فلاش باك0 قوّة العرض هي الوحيدة التي تحمي هذه المشاهد من السقوط٠

في الواقع، بصمة المخرج تحمي الفيلم بأسره من مثل هذا المصير. هناك تلك المراحل التي لا يمكن إنقاد الفيلم من السقوط الا بالإستناد الى مخرج بارع، وبارك تشان-ووك يجسد هذه البراعة في أكثر من مرحلة. أولها تلك التي تقع كليا، بإستثناء مشاهد فلاش باك، في الحجرة حيث يتم حز بطل الفيلم. وثانيها أهمية، هي مشاهد النهاية التي تتعرّض لمطبّات الكتابة من حيث اخفاقها البحث عن دوافع أقوى لتفسير هذا القدر الكبير من الحقد. الفيلم عنيف جدّا في بعض الأحيان، لكن عنفه الناتج عن دكانة الموضوع والشخصيات يتجاوز عنف المشاهد الظاهرة. هذا العنف هو المستعاض به عن كل الهفوات التي تمر بها القصّة وهو جزء من الشحنة التي تحرّك الأحداث على نحو مقحم لم يتمكن منه كوينتين تارانتينو في جزأيه من »أقتل بل« (حسنات فيلم تارانتينو هذا تكمن في مواقع مختلفة) من تجسيده على نحو متساو. في كل ذلك، وبينما يشحذ الممثل تشوي قدراته التعبيرية من مدرسة إيمائية وتشخيص هائل الوقع والقوّة، يستفيد المخرج من هذه الخصائص في ممثله ويوجهها بما يخدم فيلمه٠



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠

Year 1. Issue: 38 | Antichrist ** | Venice Films.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
NOW SHOWING | يُعرض حاليا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ANTICHRIST | Lars Von Trier **

ضد المسيح: فيلم رعب بلا رعب يحمل أفكاراً مهدورة

محمد رُضا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخيرا سنحت لهذا الناقد فرصة مشاهدة »ضد المسيح«. وكان
قرأ الكثير مما كُتب عنه منذ أن عُرض في مهرجان »كان«٠
التالي، رؤيته الخاصّة لفيلم تلقّى التصفيق كما الصفعات٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في البداية، كان العنوان٠
لم يختر المخرج الدنماركي لارس فون ترايير العنوان سدى. رغم ذلك قليلون هم الذين علّقوا عليه من زاوية المعنى المقصود او العلاقة المفترضة بينه وبين الفيلم
الكلمة بالإنكليزية (والفيلم كله بالإنكليزية) بتفسير انجيلي معناها »المسيح الدجّال« لكن الباحث عن تطبيق الكلمة على الفيلم لن يجد مدلولها في نطاق الدجل ذاته. لذلك فإن المعنى الحرفي للكلمة وهو »ضد المسيح« هو الذي يحل طبيعياً أكثر وصفاً للفيلم خصوصاً وأنه (الفيلم) يتحدّث عن وضع مناقض للدين ولمفهوم الجنّة ومفهوم الذات الإلهية
بعد العنوان ("ضد المسيح" إخراج: لارس فون ترايير) تظهر كلمة مقدّمة، وفيها مشهد لرجل وإمرأة عاريين يمارسان الحب. اللقطة بعيدة متوسّطة. الحس بالمتعة مرتفع. هناك حياة طبيعية صحيّة بين شخصين لا نعرف، من الوهلة الأولى، من هما. يقطع المخرج على طفل يستيقظ في غرفة أخرى. بسهولة ينزل من على سريره ويمشي بخطوات متعثّرة. قطع متبادل بينه وبين الشخصين. يعتلي حافّة نافذة ويفتحها ثم يسقط منها. في مصاحبة ذلك بلوغ العاشقين نشوتهما٠
العنوان الأول بعد المقدّمة هو
Grief العنوان الأول هو: أسى
Pain العنوان الثاني: ألم
لجانب الكلمة الإنكليزية كلمتين دالّتين بين هلالين هما
Chaos Reign الفوضى تحكم
Despair العنوان الثالث: يأس
Genocide وبجانبها بين هلالين: إبادة جماعية
ثم هناك: الخاتمة٠
بين كل ظهور لعنوان وآخر جزء من الأحداث متّصل مع ما سبقه وما يلحق به. الفيلم بذلك منقسم الى فصول من دون أن يختلف فصل عن آخر في المكان بإستثناء الإنتقال من المقدّمة الى الفصل الأول، وما بين الفصل الثالث والخاتمة٠


ذكر وأنثى
الطريقة التي تمّت بها كتابة العناوين ذات دلالة٠
في السينما الأميركية منذ سنوات بضعة أفلام رعب تستخدم كتابة الجدران حيث تتكسّر الأحرف وتنحرف و-عادة- ما تُكتب بالدم٠ استخدمها ديفيد فلايشر في فيلمه »سبعة«، لكن الفيلم لم يكن رعباً الا في المفهوم البعدي للكلمة بل كان فيلماً بوليسياً تشويقياً. لا أقصد أن فلايشر قسّم فيلمه الى فصول، لكننا نذكر جميعاً كيف كان القاتل في الفيلم (لاحقاً ما نكتشفه في شخصية كيڤن سبايسي) يترك في مكان الجريمة كلمة تصفها مستوحاة من اسماء الخطايا السبع ، وهي
Lust الشهوة
Gluttony النهم
Greed الجشع
Sloth الكسل
Wrath الحنق
Envy الحسد
Pride الغرور

لكن في أفلام الرعب القائمة على التعذيب الجسدي ومنها
Hostel, Hostel II, Saw, Saw II
والعديد من الأفلام المستنسخة من هاتين السلستين المتوفّرة على اسطوانات، تكتب العناوين على هذا النحو المستخدم في »ضد المسيح«. أحمر قاني، مضطرب الخط ومنكسرة الأحرف. هذا لا يعني أن »ضد المسيح« فيلم رعب، لكن إذا ما أضفنا أجواءه وعدد من مشاهده التي تحتوي على إيذاء الجسد، كما حين النظر الى المكان الذي تقع فيه كل الأحداث (كوخ يكمن في غابة منعزلة) ومع الأخذ بعين الإعتبار تطوّر الأحداث في الفصل الثالث، فإن الفيلم الذي ليس رعباً هو فيلم تعذيب جسدي وهو ما يقوم عليه فصيل من أفلام الرعب الأميركية كالتي ذكرت عناوينها أعلاه٠
ڤون ترايير يستخدم التقنيات التي تستخدمها تلك السينما لابد لغاية٠
الغاية هي تجسيد عالم هو في حد ذاته مفزع. موحي بالبشاعة والبؤس، كل ذلك من دون أن نرى لمعظم الوقت سوى هذين الممثلين: هو (ويليم دافو) وهي (شارلوت غينبسورغ). أيضاً من صفات الكتابة أن اختار المخرج عدم منحهما أسماءاً دنيوية. هو ذكر وهي أنثى وذلك يكفيه٠


طيور
بعد المقدّمة التي تحتوي على مشهد للمرأة وهي تتهاوى في المقبرة واقتراح الزوج لها فيما بعد بالذهاب الى عدن، وهو الإسم الذي يطلقانه على الغابة التي يملكان فيها ذلك الكوخ، ينتقل الفيلم الى ذلك المكان. يسيران طويلاً على الأقدام لأن المكان معزول ومنقطع٠ وإذا أنصت سوف لن تسمع لتلك الغابة صوت طبيعتها. النهر، في أول مشهد له، بلا خرخرة. وهي غابة بلا طيور تغرّد (هناك غربان) وحين تعلو الكاميرا من المكان لتنظر الى البعيد تجد أن هذه الغابة هي جزء من غابة أكبر لا تنتهي. هل ما زالا، هو وهي، على سطح الأرض؟
للتحديد، هناك مشهد واحد نسمع فيه تغاريد الطيور. هذا المشهد مع بداية الفصل الثاني: هو يجلس في الغابة قريباً من الكوخ. صوت العصافير مسموع. هي تخرج من الكوخ مبتسمة. هي تقول له أنها تشعر بأنها سعيدة. هو ليس لديه ما يعلّق عليه. تغضب منه وتتهمه بأنه لا يكترث لها. مع بدء غضبها. تختفي أصوات العصافير المغرّدة٠
إنها في تلك اللحظة إنسانة وقبلها وبعدها هي.... جرّب كلمة شيطان. جرّب كلمة ... ضد المسيح٠
حين وصلا الى الكوخ تتداعى حالة الزوجة التي كانت أصيبت باكتئاب شديد كونها (كما نعلم لاحقاً) شاهدت إبنها وهو ينسل الى النافذة التي وقع منها. تعاني من الإكتئاب والشعور بالندم وضمنياً هي تقارن بين متعتها وبين خسارتها إبنتها. السائد من القول تبسيط المسألة على نحو أنها تدفع ثمن شهوتها الى الجنس. لكن شهوتها الجنسية على الشاشة تقع بعد المقدّمة وليس فيها. بكلمات أخرى لا ندري عنها، او عن زوجها، شيء . لا نستطيع من مشهد واحد (مشهد الممارسة الأولى، ولو أنها حدثت في الحمّام) أن نستخلص شيئاً عن حياتهما العاطفية او الجنسية او الشخصية. لاحقاً، عندما ترتفع حرارتها العاطفية عموماً، والجنسية على وجه التحديد، فإن ذلك ناتج عن عواطفها الملتاعة وخوفها الدائم واضطرابها النفسي٠
الجنس لدى فرويد، الذي تقول في الفيلم لزوجها إنه مات، هو الدافع للحياة. إنها تريد أن تحيا بعدما شهدت موت إبنها. الفيلم، وعلينا أن نسمح لأنفسنا هذا القول، ليس مكتوباً بكمال مُحبك في كل عناصره التي تؤدي الى الخلاصة الواحدة. هو مكتوب بتقصير عن تأمين وتوحيد كل تلك العناصر ما ينتج عنه أن الخلاصة تعاني من تشرذم وسوء تقدير٠

ألم جارف
خذ التالي مثلاً: إذا كانت »هي« شاهدت إبنها وهو في سبيله الى الموت (كما يكشف الفيلم لنا في لقطتين لاحقتين قبيل النهاية) فإنها تعتبر نفسها مذنبة بطبيعة الحال وهذا ما يفسّر سبب اضطرابها. لا بأس. لكن في استخدام هذه التوليفة يكمن احتمال آخر: هي لم تشاهد إبنها يزحف لموته، بل لاحقاً ما تعتقد إنها فعلت ذلك بناءاً على انهيارها. لو شاهدته فعلاً، أي لو كانت هذه غاية المخرج، فإنه عمد الى خديعة بسيطة تعتمدها أفلام كثيرة وهي تأجيل تفصيلة معيّنة (هنا مشاهدتها لإبنها وعدم اكتراثها) لتجيب على سؤال يفترض الفيلم أنها بقيت بقي بال المشاهد. وإذا لاحظنا التصميم العام لغرفة النوم حيث الطفل، وغرفة الحمّام، حيث وقعت الممارسة فإنه من الصعوبة، إن لم يكن من المستحيل أن تكون قادرة على أن ترقبه طوال الوقت. حتى وإن شاهدته يقطع مسافة ظاهرة من وجهة نظرها (هي كانت على ظهرها آنذاك) فإنها لا تستطيع أن تشاهده لأكثر من نصف متر مثلاً، بعدها سيختفي عن وجهتها. وسيكون من الطبيعي أن لا تعرف، ولا تخمّن، أنه سيتسلّق كرسياً يضعه الى حافة النافذة وسيفتح النافذة ويلقي نفسه منها٠
هذا هو الضعف الأول في أرضية الفيلم لكن المخرج يبني عليه كل عمله. وحتى ولو كان هناك تفسيراً مختلفاً لكل ذلك، فإنه تفسير يستند الى نظرية وقصد غير مسجّلين على الشاشة كتسجيل عناصر ما نعتبره هنا ضعفاً٠

هي ستبدأ بمحاولة السيطرة على زوجها في رفض كامل لطبيعته التي تحاول إرجاع كل شيء على المنطق والعلم (هو طبيب نفسي في الأساس) وفي تمرّد لتعاليمه ومحاولتها تطويعه جنسياً لكي يصبح مجرّد أداة متعة. هو المتردد وهو الباذل في سبيل إعادتها الى شخص الأنثى، وهي الجانية والمُتعِبة وسريعاً من بعد المدمّرة٠
ستهوى على رجولة زوجها بحجر كبير. سيصرخ من ألم جارف ويغيب عن وعيه. ستمسك عضوه الذكوري بين يديها وتدلكه حتى ينفجر الدم منه عوض السائل المنوي. ستثقب ساقه من ناحية وتضع أصبعها في الثقب، ثم -بعيداً عن الكاميرا- ستحشر قضيباً من حديد وتخرجه من الجانب الآخر من الساق وتثبّت فيه دولاباً معدنيا ثقيلاً لتمنعه من الحركة. بعد ذلك، وانتقاماً من نفسها وتماشياً مع جنونها غير الإنساني، تقوم بعملية ختان مستخدمة المقص لقطع جهازها الجنسي٠
عليّ أن أقول سينمائياً، وبصرف النظر عما ذهب اليه بعض الزملاء، أن لا يوجد من بين كل اللقطات التي تصوّر أي عضو جنسي أي داع. هذا الكلام ليس نتاج موقف أخلاقي، فهذا لا علاقة له بالتقييم هنا، بل نتاج اللغة السينمائية ذاتها٠
هناك أولاً مشهد العضو الذكوري وهو داخل المرأة وذلك في المشهد الأول لهما. وصلة بين لقطتين عامّتين كافيتان في الأساس لمعرفة ما يحدث وكيف يحدث٠
هناك لاحقاً مشهد استمناء عضو الرجل بعد ضربه (وبقاء العضو منتصباً) حتى ينفجر الدم منه. هذا ليس مشهداً مفيداً في شيء، بصرف النظر عما إذا كان ممكناً. ذلك لأن الزوجة لا تعرف سلفاً ما سينفجر من عضو الرجل (السائل المنوي او الدم) وهي لا تقصد أن تعرف لأنها ليست في وارد التجربة، بل بدا أنها تمارس ذلك تطوّعاً ومن دون غاية لها علاقة بأي شيء، وإثر ضربة مفاجئة هي بذاتها كافية لأن تفسّر جنونها. المشهد الثالث الذي لا داعي له في هذا الشأن هو مشهد قطعها لجهازها التناسلي (سمّه ما شئت أنا أستحي ذكر إسمه صريحاً). تحديداً لست ضد المشهد، وذلك لدلالاته، ولكن ضد اللقطة التفصيلية، وذلك لأنها لا تنتمي، كما سابقتيها، الى لغة فنية. إنه هنا يقترب الفيلم من افلام الرعب التعذيبي قصد ڤون ترايير او لم يقصد. والغالب إنه قصد مع تحميل فيلمه في الوقت ذاته عنصر البحث في الإنسان والدين والجنة والجحيم والحياة والموت. لكن وبسبب فشله على الورق، ثم فشله في الصيغ الترجمية لما على الورق، سقط في إدعاء شديد وانتهى الى تلفيق أشد يتوّجه بإهداء فيلمه أندريه تاركوڤسكي الذي هو أرقى من أن يُهدى إليه فيلم يحمل أفكاراً تخفق في التحوّل الى قيم فنيّة٠


عدن ليست الجنّة
طبعاً الصورة صحيحة. كثيراً في أفلام فون ترايير هي كذلك (تم تصوير الفيلم دجيتال والمصّور هو أنطوني دود منتل الذي صوّر »سلامدوغ مليونير« وصوّر لڤون ترايير أفلامه منذ »دوغفيل«) وفي كثير أخرى هي ليست كذلك يعتمد الأمر غالباً على ما إذا كان الفيلم منتمياً الى مدرسة الدوغما او لا
صحّة الصورة شرط ضروري لهذا الفيلم، لكن هذا الوضع هو إنجاز تقني صحيح، أما ما يمكن أن يمنح الصورة عمقها فهو ما تعرضه وتسرده. في حين أن الصورة عند تاركوفسكي هي شعر ورسم و،كما يقول، نحت في الزمان، هي هنا ضبط تقني لا يلتقي دائماً ومدلولات المشهد. فكما أن مشاهد التشويه تلك تخرج عن نطاقي الفني والضروري، فإن العلاقة بين المخرج والمكان ليست جمالية او شعرية ، بل هي، كموضوع الفيلم، معادية للطبيعة
في هذا الفيلم هي علاقة مقصودة. عدن ليست الجنّة والطبيعة ليست الجمال والحياة ليست الهبة الإلهية والمرأة هي الخديعة الكبرى. لكن ڤون ترايير في أحاديثه حول شخصياته يؤكد أنه مع المرأة وليس مع الرجل. لكن إذا كان هذا صحيحاً (وهو صحيح الى حد) فإنه لا يتبدّى في هذا الفيلم على نحو يتطابق وهذا القول. شارلوت غينسبرغ هنا مصدر شرور. والكتابة هنا لا تعرف كيف تسوق ذلك على نحو قابل للتحليل: هي على مسافة واحدة من فقدان عقلها ومن التحوّل الى وحش بشري. في الجانب الأول سيجعلها ذلك حالة نفسية وفي الجانب الثاني سيحوّلها هذا الى شخصية مرعبة. والفيلم ليس محدداً فيما يريد عارضاً الجانبين في تتابع غير مبرمج جيّداً٠
لو كان، لكشف عن شخصيّتها قبل حادثة فقدان الطفل. وذكر الطفل هنا مناسبة للقول أن المرء يريد أن يتبنّى خيطاً يظهر في مطلع الفيلم: الطفل حين يسقط يسقط مبتسماً كما لو كان يطير على بساط الريح. إنه كما لو استغل، عن سابق تصميم، إنشغال والديه بممارسة الحب، ليهرب من حياة لا يريدها. في هذا، لو صحّت القراءة، التعليق الدنيوي الوحيد على وضع العالم اليوم٠
إذا كانت الأمر أن المرأة في موضع وسطي بين حالة نفسية ميؤوسة وشخصية شريرة-شيطانية، فإن الرجل هو الضحية (عكس مثلاً »راقصة في الظلام«) بناءاً على محاولاته معالجة زوجته، ولو أن المعالجة تتضمن على نحو خفي، رغبته في السيطرة عليها ما ينشأ عنه صراعاً يخرج من عقاله حين تفقد المرأة التمييز بين الواقع والخيال، ثم السيطرة على نفسها بالمطلق، ثم بناءاً على ما يحدث له من تعذيب ثم في ذلك المشهد الرديء الصنع حين يجر نفسه وساقه المعطوبة والمثقوبة الى حفرة يختبيء فيها. هناك يكتشف وجود غراب (او الغراب يكتشفه) فيزعق الغراب بينما تبحث زوجته عنه لكي تخمده
إنه حس غريب وكوميدي من حيث لا يقصد المخرج حدوثه والفارق بين هذا الحس وذاك الذي ينتاب المشاهد حين يرى الرعب صنع ستانلي كوبريك في
The Shining
هو الفرق بين الضرب العشوائي والإبداع المدروس٠


كوبريك/ برغمن/ بازوليني
هناك تلاق بين هذا الفيلم وبين فيلم كوبريك على صعيد آخر: في »ضد المسيح« تجن المرأة بعد انتقالها وزوجها الى غابة معزولة وفي »اللمعان« (1980) يجن الزوج بعد انتقاله مع زوجته وإبنه الى فندق منعزل. والخيال الذي يلعب في رأس شارلوت غينبسورغ ليس بعيداً عن ذاك الذي يلعب في رأس جاك نيكولوسون. في النهاية يقتل الرجل زوجته في »ضد المسيح« وتتسبب الزوجة في الإسراع بموت زوجها في »اللمعان«٠
فيلم ترايير لا يذكّر كثيراً بأي من أفلام تاركوفسكي. لا يكفي وضع مشاهد صامتة لثلج ينهمر او للغابة الصامتة للإستعارة من المخرج العبقري، بل ينحول هذا الفيلم للتذكير »مشاهد من زواج« لإنغمار برغمن من حيث توليفة التطرّق الى الحياة بعد الزواج والدين والموت في ثالوثية داوم برغمن تقديمها في أفلامه٠
لكن برغمن لم يذهب، لا في ذلك الفيلم ولا في سواه، الى ذات النوعية من المشاهد الجنسية الفضائحية. كانت لديه مشاهد حب بالتأكيد، لكنه الحب الذي يعكس أرطالاً من المشاعر وليس القائم على ترجمة معنى واحد الى مجامعة كاشفة. في مشهد له دلالات، ويكاد يكون متميّزاً لدى ترايير نرى الزوجين يمارسان الحب تحت شجرة ضخمة (شجرة بلّوط) حيث تتبدّى من تحت جذورها أيدي عطشى الى الحب أيضا لكن ذلك يبقى ضمن منظور سوريالي في فيلم ينتقل من خانة الى أخرى طوال الوقت٠
الناقد صلاح سرميني كان الوحيد، بالعربية على الأقل، الذي اكتشف مجاورة »ضد المسيح« لفيلم بيير باولو بازوليني »أوديب ركس« (1967) من حيث بداية كل منهما. في فيلم بازوليني هناك طفل يرى والديه يمارسان الحب فيتّجه الى الشرفة ولو أنه لا يقع منها. عقدة أوديب، يكمل الزميل، تتسلل الى أعماق الأب والأم. ويمكن لي أن أضيف أن هذه القراءة ممكنة إذ أن الرجل في الفيلم لم يتأثر قدر تأثر المرأة كما أن غير المنطوق هنا حواراً هو السبب الدفين للوم المرأة للرجل على ما حدث. هذه مشكلة الكاتب/ المخرج الذي لامس أموراً عدّة غير محددة. في هذا الشأن فضّل أن يظهر كما لو أن مادته الأساسية هي فعل الندم وتشاذب الرغبة كل في السيطرة على الآخر والهوس الجنسي الذي يمتلك المرأة ما يجعل المُشاهد يتجاوب متّجهاً الى ما يود المخرج طرحه أكثر من سواه٠


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل ما شاهده الناقد من أفلام مهرجان فنيسيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


التالي الجزء الأول من كل الأفلام التي شاهدها هذا
الناقد في مهرجان فنيسيا السينمائي الدولي فيلمـاً
فيلماً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- La Grande Guerra | Mario Monicelli ****
الحرب الكبرى | ماريو مونيشللي [ايطاليا- 1959]٠

دراما مع لمسات كوميدية حول مجنّدين (ألبرتو سوردي وفيتوريو غاسمان) يخوضان الحرب العالمية الأولى خلال موقعة نهر بيافي سنة 1918. ويتعاملان مع قيادة تسيطر بقراراتها على مصيريهما
ليس التحفة التي يحب الإيطاليون اعتبارها، لكنه فيلم جيّد على صعيد الصورة خصوصاً في تلك المشاهد القتالية في ميادين المعرة. يجسد المخرج، الذي تعامل مع ثلاثة مديري تصوير لهذا الفيلم) المعارك على نحو واقعي عاكساً رغبته بالإنتماء الى سينما حربية مشغولة بإتقان وحرفية. لكن الفيلم يسقط في المشاهد التي عليه فيها الإعتماد على الحوار لتقديم الشخصيات وأفكارها وهي مشاهد كثيرة

2- [Rec] 2 | Juam Balaguero, Paco Plaza ***
ريكوردر 2 | جوام بالاغويرو، باكو بلازا [اسبانيا- خارج المسابقة]٠

الجزء المكمل لفيلم أحدث اهتماماً بين هواة أفلام الرعب حين خرج سنة 2002 متحدّثاً عن فيروس قاض يحوّل الناس، في حي من برثلونة، الى وحوش فاتكة. الفيلم الجديد يبدأ من حيث انتهى القديم ونرى فيه صحافية تلفزيونية تتعرّض لاعتداء حاملي الفيروس وحين يتبعها أربعة رجال مسلّحين مرسلين (افتراضاً) من قبل وزارة الصحّة للبحث عن انبوب دم سيميط اللثام عما حدث، ينقض عليهم، وفي فترات متلاحقة تشكّل صلب المادّة التشويقية للفيلم، سكّان المبنى المجرثمين. المخرجان بلازا وبالغويرو يحشدان مواقف رعب لا تتوقّف ويعمدان الى ما عمدا اليه في الفيلم السابق من الإستعانة بفكرة أن كاميرا داخل الفيلم الذي نراه هي التي تلتقط ما يحدث (غرار »بلير ويتش بروجكت« قبل عشر سنوات). النهاية تشي بأن جزءاً ثالثاً سيتبع مع احتمال أن الجرثومة قد استفحلت بالمذيعة التي تستطيع أن تنقلها الآن الى العالم الخارجي٠

3- Apan | Jesper Ganslandt ****
القرد | جسبر غانزلاند [سويدي -أيام فنيسيا]٠

نلتقط القصّة من منتصفها: الأب يستيقظ من نومه ليجد إبنه ميّتاً لكننا ندرك لاحقاً أنه هو الذي قتله، او هكذا يعتقد (ونعتقد) الى أن يكتشف أنه لا زال على رمق الحياة. يأخذه الى المستشفى ويتركه تحت رعاية الأطبّاء ثم يقتل والدته. إنه عن رجل فقد، نتيجة ضغوطات الحياة وظروفه المعيشية، رجاحة عقله وثقته بنفسه فانقلب على أفراد أسرته ثم على نفسه. طاقة مدروسة من قبل المخرج وممثله الأول أولي ساري كما من قبل مدير التصوير فردريك وينزل. مشدود الإيقاع. يحمل أسلوب عمل بارع بحيث لا يتم هدر دقيقة واحدة منه٠


4- Baaria | Guiseppe Tornatore **
باريا | جوزيبي تورناتوري [ايطالي- المسابقة]٠

بانوراما لخمسين سنة يُراد لها أن تكون ملحمة لكن المخرج يعمل فيها تقطيعاً وتشويهاً بحيث لا تصلح الا كمثال على عمل يفلت من قبضة مخرجه ويهوى: قصّة صبي إبن راعي غنم لا تُتاح له فرصة دخول التعليم ينضم في شبابه الى الحزب الشيوعي ويتزوّج ممن يحب رغم فقره المدقع. يحاول الإرتقاء والتقدم في منصبه داخل الحزب لكنه يصطدم بحقيقة ضعف ثقافته. حياته الزوجية مستتبة ولديه الآن، وهو ينظر الى الخلف مسترجعاً ذكرياته من مطلع الخمسينات الى الثمانينات، كيف بدأ وما آل إليه. على الجانب الذاتي، فيلم تورناتوري يفتقد الدفء والحميمية. على صعيد العرض التاريخي، الفيلم محشو بعشرات المشاغل ومتسارع في ايقاعه لدرجة اللهث وهو بالنتيجة لا يحقق لا المرجعية الذاتية ولا المرجعية التاريخية رغم أن وقائعه تستند الى نسيج حقيقي واقعي. الى ذلك هو فيلم مضج مع استخدام مفرط للحوار وللموسيقا والمؤثرات الصوتية كاملة، وتسارع مؤذ للمونتاج بحيث أن جهد الممثلين يتساقط ليبقى منه اللقطات الخاطفة التي تبدد الطاقات وتحوّل إداء العديد الى تنميط وكليشيهات٠


5- احكي لي يا شهرزاد | يسري نصر الله **
مصري- خارج المسابقة

مقدّمة برنامج تلفزيوني قائم على نقد الحكومة متزوّجة من صحافي انتهازي يريدها أن تتجنّب النقد لأنه يشكل عقبة في طريق وصوله الى رئاسة التحرير. تتنازل وتبدأ بلقاءات مع ثلاث سيّدات كل منهن، في حلقة، تعرض مشكلتها مع المجتمع لكن زوجها يخسر الفرصة على أي حال ويلومها ويضربها حين يتشاجران. تظهر على التلفزيون لتحكي الآن قصّتها هي. كان يمكن الشغل على الزوج قليلاً أكثر فيتم رفع عمره لكي يكون سعيه وإخفاقه أكثر وقعاً وأهميّة مما هو عليه في سن شاب. الحكايات التي نراها لا تشكّل نماذج حقيقية لواقع المرأة كما يدّعي الفيلم بل سبق للسينما المصرية أن قدّم أعمالاً رئيسية أهم في هذا المجال من بينها أفلام لسعيد مرزوق، عاطف الطيّب وعلى الأخص محمد خان (»زوجة رجل مهم« لا يزال الأفضل والأهم من بين كل الأفلام في إطار العلاقة بين زوج إنتهازي وإمرأته التي تعاني). كما هو الحال هنا، الزوجة لا تعاني بل تلتف على معاناتها، والنساء الأخريات لديهن اختياراتهن فيما أقدمن عليه٠ الفيلم مكتوب تقليدياً وإخراجه لا يبتعد كثيراً عن التقليد بدوره مع الإعتماد لدرجة كبيرة على الفلاشباك بفترات فاصلة تقل حينا وتطول حيناً آخر٠


6- The Road | John Hilcoat ***
الطريق | جون هيلكوت [أميركي- المسابقة]٠

فيغو مورتنسن جيّد لكن الشخصية مكتوبة للسينما من دون مزايا فاعلة في فيلم مستقبلي وضع روايته كورماك مكارثي (صاحب »لا بلد للمسنين« وروايات أخرى نقلتها السينما)٠ إنه حول أب وإبنه بعد الكارثة الكبيرة التي أصابت الأرض يقطعان رحلة صوب البحر (من دون سبب واضح) مروراً بمخاطر عديدة أهمها احتمال السقوط بين براثين بشر يدمنون أكل البشر للبقاء أحياء. كل شيء يوحي بنهاية الحياة على الأرض بما في ذلك سقوط الأشجار ودكانة السماء وتراكم السفن والسيارات معاً مهجورة في شوارع مدمّرة. بصرياً الفيلم فذ في نقله لمحات مما يتنبأ به، وفي شغله على أواصر العلاقة بين الأب وإبنه، لكنه ليس فاعلاً على صعيد الحبكة ذاتها ولا خلق معنى موازياً للقصّة ليشكّل بعداً من أي نوع. يسجّل للمخرج عدم استغراقه في الإستعانة بالمؤثرات والخدع وبعده عن تحويل الفيلم الى عمل من الرعب الكوارثي المنتشر حالياً، كما إبقاء القراءات المحتملة مفتوحة مع أمل بسيط في النهاية٠

7- Metropia | Tarek Saleh **
متروبيا | طارق صالح [سويدي/ دنماركي/ فنلندي- أيام فنيسيا]٠

أنيماشن من فكر وصنع المصري المهاجر طارق صالح، يتناول فيه أزمة الإنسان في عالم مستقبلي قائم على السُلطة الفردية، ليطرح من خلاله مفهوم تحميل الإنسان الفرد مغبّة سقوطه ضحية النظام. له وعليه في هذا المنحى، لكن الفيلم، سينمائياً، يبدأ جيّداً ثم ينتهي وهو لا يزال في منتصفه غير قادر لا على بلورة الفكرة ولا بلورة الشخصيات التي يقدّمها. على ذلك، هناك رسم لملامح بشرية مثيرة للإهتمام ولو أنها بعد حين لا تكفي لحمل الفيلم الى الأمام٠

8- Life During Wartime | Todd Solondz ***
الحياة في زمن الحرب | تود سولونتز [الولايات المتحدة- المسابقة]٠
جائزة أفضل سيناريو (تود سولونتز)٠

فيلم مستقل تحرّكه شخصياته المثيرة دوماً للإهتمام منتصرة على تكرار المواقف وأماكن التصوير (مقاهي ومطاعم معظم الوقت). شخصيات الفيلم تعيش همومها العاطفية في زمن الحروب (لكن لا مشاهد حربية) وتتبادل بينها الكشف عن مآزقها العاطفية. ينتاب المشاهد الضيق وهو يلحظ في مطلع الأمر أن كل الشخصيات تقريباً تنحو الى البكاء والنحيب في كل مشهد لها. لاحقاً ما يتبدّى أن ذلك من صلب العمل لكن القبول بذلك لا يزال صعباً. أم (أليسون جاني ) تلتقي برجل (مايكل لرنر) تشعر تجاهه بالحب وهي التي دخل زوجها (سياران هيندس ) السجن بتهمة التحرّش بالأولاد جنسياً. هذا يخرج من السجن ضائعاً مرتبكاً والى الجانب هناك شخصية الشابّة جوي ( شيرلي هندسرون ) التي تحاول سبر غور علاقاتها المختلفة وصد رجل (بول روبنز) يحاول إقناعها بأن الخيانة الزوجية مشروعة لأنها تحيي الزواج٠ كل شيء يتمخّص عن عمل مثير للإهتمام أكثر منه إنجازاً مهمّاً٠

9- Lourdes | Jessica Hausner ***
لوردز | جسيكا هاوزنر [نمسا/ ألمانيا./ فرنسا- المسابقة]٠
جائزة: إتحاد النقاد الدوليين (فيبرسكي)٠

دراما محاكة بتفاصيلها البصرية مع تغييب خلفيات شخصياتها بطلتها كرستين (سيلفي تستود)، إمرأة مشلولة الأطراف مجبرة على الحياة فوق الكرسي في مصحّة سويسرية تابعة للكنيسة. هذا قبل أن تنتقل الى دار أخرى على أمل حدوث معجزة. والمعجزة تقع في النهاية لكن لدواعي قد تكون مختلفة عما تعتقد ومن بعد أن وجدت صدّاً من قِبل الراهبات اللواتي رفضن محاولتها للتقرّب على أساس أنهن لا يفرّقن بين طالبة علاج عن أخرى ولا يسمحن لأنفسهن بالإرتباط عاطفياً مع طالبي الشفاء. يلحظ الفيلم ممارسات أخرى تدين الدير والعاملين فيه لكن تركيز المخرجة يبقى على الشخصية الرئيسية. تنفيذ تقني جيّد٠


10- Bad Lieutenant: Port of New Orleans | Werner Herzog **
ملازم سيء: مرفأ نيو أورلينز | ڤرنر هرتزوغ [الولايات المتحدة- المسابقة]٠

لا يحمل الفيلم في ذاته أي سبب لإعادة إنتاج نسخة آبل فيريرا »ملازم سيء« بعد خمسة عشر عاماً من إنتاجها. لا أن الفيلم السابق حقق نجاحاً فريداً او سقط سقوطاً شنيعاً، وليس لأنه فيلم رعب يستحق أن تُعاد دورته كما يفعلون حالياً مع معظم أفلام الرعب التي انطلقت في الثمانينات والتسعينات، ولا لأن هرتزوغ أفضل من فيريرا او العكس. القصّة ذاتها حول ذلك الملازم السيء في كل ممارساته الذي يخرج عن القانون لأسباب تتعلّق بسوء خصاله ويمارس ما يكفي من الخطايا والأخطاء لوضعه في السجن لو كُشف أمره. الإختلاف هنا هو أن نيكولاس كايج يحل محل هارفي كايتل ومدينة نيو أورلينز محل نيويورك٠ لكن فيلم فيريرا كان عن شخصية مركّبة والفيلم عرف وضعاً كلاسيكياً صغيراً بين افلام مخرجه بينما يسرد هرتزوغ معظم فيلمه من دون لمحات خاصّة او التزام فني او موضوعي معيّنان٠

11- Tetsuo The Bullet Man | Shinya Tsukamoto **
تتسو الرجل الرصاصة | شينيا تسوكاموتو [اليابان- المسابقة]٠

أكشن مع سوبر هيرو يتحوّل من آدمي الى نصف آدمي نصف معدن والمعدن عبارة عن أسلحة نارية تملأ جسده. ليس بالفيلم الضخم ولو أنه مثير للإهتمام وربما أنجح قبولاً بعيداً عن المسابقة مما لو كان فيها كما هي الحال هنا. إنه الفيلم الثالث من نفس السلسلة (الأول »تتسو« قبل عشرين سنة) لكن بالنسبة لمن لم ير الفيلمين السابقين من السلسلة سوف لن يعثر على كم من الفيلم الحالي متّصل بما سبقه. هنا رجل أعمال يشهد مقتل إبنه فيحوّله الغضب الى رشاش متحرك مندفعاً للإنتقام من القاتل وأعوانه كاشفاً عن أن والده يقف وراء الحادثة. مثير بحد ذاته لكنه يبقى محدود الحسنات حتى النهاية٠

12- الدواحون | رجاء العماري **
تونس- آفاق

ثلاث نساء يعشن في ملحق لقصر قديم هن وسر كبير مدفون في حديقته. فيلم رجاء العمّاري الثاني مثير للإهتمام كتجربة سينمائية. فيه بضعة مشاهد بارزة ويحمل أجواءا غير مطروقة لفيلم تشويق نفسي. المشكلة هي أن الكتابة لا تتوسّع على نحو كفيل بطرح المزيد من الهواجس ويبقي المسألة ملتزمة بالخط الرئيسي: حفيصة حرزي (نالت شهرتها في فيلم »كُسكُس بالسمك« او »سر الكُسكٌس«) هي الأصغر سنّاً المليئة بالرغبات العاطفية والجنسية والمستعدة للتمرد كونها لا تفهم لم عليها وعلى شقيقتها (سندس بلحسن) ووالدتهما (وسيلة داري) العزلة عن العالم. نكتشف السبب وسواه في النهاية لكن المفارقات التي تؤدي إليه محشورة حشراً عوض أن يتعايش طوال المشاهد المسبقة كما الحال حين يكون لدى الفيلم لغزاً يريد حلّه إذ لا ينفع ابتكار اللغز وطرح جوابه في مشاهد متسارعة، كما لا يكفي أن يتبرّع المشاهد بالسؤال ثم يمضي عنه قبل العودة اليه. مشهد النهاية لافت ونرى فيه عائشة (حرزي) تمشي وقد تحررت من الموانع في جادة الحبيب بورقيبة برداء أبيض ملطّخ بالدماء. تحررت وفي السياق فقدت عقلها٠

13- My Son, My Son, What Have Ye Done? | Werner Herzog **
إبني، إبني، ماذا فعلت؟ | فرنر هرتزوغ
الولايات المتحدة- المسابقة

فيلم ثان للمخرج الألماني في المسابقة (او فيلم ثان له لم ينل شيئاً- كما تريد) لجانب »الملازم السيء...« لكن هرتزوغ لا يترك العلامة الفارقة هنا كما لم يتركها هناك: براد دوريف (دائماً مثير للإهتمام وغير محظوظ في الشهرة) قتل والدته ولجأ الى منزله حيث أخذ رهينتين والتحري (ويليم دافو) ورجال البوليس يحيطون بالمنزل في مناوشات كلامية معهودة. تتدخل صديقة القاتل (كليو سيفيني) وتبدأ بشرح الجوانب النفسية التي أدّت الى إنهيار القاتل تحت وطأة أم صعبة المراس وتحب السيطرة. هناك تصوير متعدد الأمكنة في هذا الفيلم لكن الشخصيات هي التي تثير الإهتمام وكذلك الممثلون الذين يقومون بتأديتها٠

14- Yi Ngoi (Accident) | Soi Cheang **
حادثة | سوي شينغ
هونغ كونغ - المسابقة

ما قلته حول الفيلم الياباني »تتسو« ينطبق هنا: ماذا يفعل فيلم كهذا في مسابقة مهرجان كهذا؟ قصّة بوليسية كان يمكن أن تلقى حظّاً أوفر من النجاح لو عُرضت في المهرجان المناسب من إنتاج مخرج ومنتج الأكشن جوني تو ومن إخراج شينغ الذي لا يقل عن جوني تو حبّاً في سينما الأكشن. إنه عن مجموعة من القتلة المدرّبين على تصميم وتنفيذ الجرائم بطريقة تبدو كما لو كانت كل منها وقعت قضاء وقدراً. في مطلع الفيلم نموذج: سيارة يقودها رجل أعمال تدخل في شارع ضيق مكتظ بالسيارات. تتوقّف أمامه سيارة معطّلة. يخرج منها طالباً من السائقة إيقافها جانباً. يمضي. تعترضه شاحنة. تتسبب في قطع يافطة معلّقة فتقع على زجاج سيارة رجل الأعمال الأمامي ما يحجب عنه الرؤية. يخرج من السيارة. يشد اليافطة. تقع وفي وقوعها تعترضها خطوط الكهرباء فيموت رجل الأعمال من لحظته. يا سلام؟ كيف يمكن ضمان أن كل شيء في هذه الخطّة سيسير وفق المرسوم؟ ماذا لو لم يشد رجل الأعمال (وهو المنوي قتله) اليافطة؟ أكثر من ذلك أن قائد العملية (لويس كو) يتبع أحد منفّذيها الذي يرمي عقب السيغارة على الأرض فيلتقطه ولاحقاً ما يؤنّبه إذ ترك »دليلاً« يمكن أن يدل على المجموعة، كما لو أن الشارع خال من أعقاب السجائر الا من هذا العقب. العمل بعد ذلك يسير واهناً وغير مثير رغم مجموعة من الألغاز يطلقها حول من يحاول الآن قتل المجموعة بنفس الطريقة٠


15- Capitalism: A Love Story| Michael Moore ***
الرأسمالية: قصّة حب | مايكل مور
الولايات المتحدة- المسابقة

وثائقي- ريبورتاجي آخر لمخرج يعايش الوضع الإجتماعي بإخلاص ملحوظ. عينه على المواطن الأميركي العادي وكيف يسهم في حمايته ضد سُلطة غير قانونية تربّعت على قمّة الهرم الإجتماعي وحوّلت الأميركيين الى سلعة وأرقام حسابات. الحديث هنا مناط بالمؤسسات المصرفية الجشعة ومدرائها الذين خططوا، منذ أيام ريغن، لما يصفه المخرج بـ »سرقة الشعب الأميركي«. وبعد تحليل الوضع القائم ينطلق في محاولة لمقابلة هؤلاء المدراء وحين يخفق يستأجر شاحنة مصفّحة ويحمل البوق مطالباً رؤساء المؤسسات في شارع وول ستريت (او الكازينو كما يسمّيه المخرج عن حق) بتسليم سبعة بلايين دولار تم تحويلها الى حساباتهم من أموال دافعي الضرائب. هناك عدّة مسائل يريد مور طرحها على عكس فيلمه السابق »سيكو« حيث الأمر كان مناطاً بموضوع أساسي واحد، وهذا يُتعب الفيلم في نصفه الثاني بعض الشيء قبل أن يستوى مجدداً على قدميه النقديّتين الهادفتين الى مهاجمة النظام الذي سمح لنفسه بلوي ذراع الديمقراطية ونهب البلاد (ولا يزال)٠

16- South of the Border | Oliver Stone **
جنوب الحدود | أوليفر ستون
الولايات المتحدة - خارج المسابقة

ثالث فيلم لأوليفر ستون حول زعماء ورؤساء دول بعد فيلمه عن المرحوم ياسر عرفات وفيلمه عن الرئيس الكوبي فيدل كاسترو. هنا جاء دور هوغو شافيز، الرئيس الفنزويللي الذي يتحدّث عن العلاقة الشائكة بينه وبين الولايات المتحدة. أفلام ستون الثلاثة هي عن زعماء مشاكسون للسياسة الأميركية لكن هذا أكثرهم تكاملاً رغم أنه لا يحتوي على بحث متكامل حول موضوعه، بل مختارات من لقاءات المخرج معه ومع عدد من رؤساء أميركا اللاتينية الذين يدلون بدلوهم في الموضوع. رغم قصوره في خلق حدّة في أي إتجاه ، سواء أكان إتجاها مؤيداً للسياسة الأميركية او لسياسة شافيز، الا أن الفيلم هو أفضل إنجازاً من فيلمي المخرج السابقين المذكورين، بل هو أفضل صنعاً من فيلمه الروائي حول الرئيس الأميركي السابق جورج و بوش٠

17- Guerra alla Guerra | Romolo Marcellini, Giorgo Simonelli ***
حرب فوق حرب | رومولو مارشليني، جيورجو سيمونيللي
ايطاليا -خارج المسابقة

عُرض هذا الفيلم الوثائقي بين مجموعة من الأفلام المستعادة من الماضي. إنه عن الحرب العالمية الثانية وما آل اليه النظام الإجتماعي الإيطالي نتيجة له. الفيلم الذي تم إنتاجه سنة 1948 وثائقي من النوع الخالص. عصر ما قبل التلفزيون حيث الصورة هي الإستلهام الأول والفرصة الوحيدة للمعلومات. على الجهد والتنوّع الذي يمتاز بهما، الا أن نصفه الثاني يتبلور حول السعي للحديث عن موقف الكنيسة الإيطالية من تلك الحرب واسهاماتها الإنسانية من باب دعائي يترك الفيلم على حافة البروباغاندا. لكن ما هو ناجح به ذلك الزخم من مشاهد القتال والقصف الذي لم يشاهدها هذا الناقد من قبل، كذلك حقيقة أن الفيلم لا يستغل فرصة الهولوكوست ليغرق في سبات عاطفي يحيد به عن النظرة الشاملة للمأساة كاملة٠

18- The Informat | Steven Soderbergh ***
المخبر | ستيفن سودربيرغ
الولايات المتحدة - المسابقة

فيلم خفيف بصياغة جيّدة للمخرج سودربيرغ (قريب في معالجته من أفلام للأخوين كووَن) متعلّق بالأزمة الإقتصادية الناتجة عن جشع المؤسسات الكبيرة. مات دامون في دور مدير قسم في مؤسسة غذائية تتلاعب بالأسعار ويحقق أصحابها والمدراء الكبار فيها أرباحاً غير شرعية. يوافق على العمل لمصلحة الأف بي آي في تحقيقات الجهاز حول هذا الموضوع، لكنه يورط نفسه أيضاً إذ هو خطط لوضع اليد على الشركة بعد سجن مدرائها في الوقت الذي اقتنص إحدى عشر مليون دولار بدوره٠

19- Lebanon | Samuel Maoz **
لبنان | سامويل ماعوز
إسرائيل - المسابقة (الجائزة الكبرى)٠

دبابة اسرائيلية على الأراضي اللبنانية خلال حرب 1982 وأحد أفرادها يتساءل: ماذا يفعل السوريون هنا؟ !! داخل الدبابة أربع جنود إسرائيليين يبدون كما لو جاؤوا من مقاعد الدراسة في مدرسة للمتخلّفين والتحقوا بالجيش من دون تجهيز او تدريب. الفوضى والإرتباك والخوف يجمعهم ما يمنع من صدقية العرض ومن تقديم صراع داخلي كان، لو توفّر، مفيداً٠ يطرح الفيلم نفسه كمعاد للحرب، لكنها معاداة واقفة عند حدود الغير حيث لا سؤال جائزاً حول الدور الإسرائيلي فيها وحيث القتل العشوائي من نصيب العرب وحدهم. غياب التحليل السياسي الموضوعي يخفيه تنفيذ جيّد على الصعيد التقني مبهر لمن يختلط عليه الأمر بين الفن والتنفيذ التقني٠


20- The Men Who Stare at the Goats | Grant Heslov ***
الرجال الذين يحدّقون بالماعز | غرانت هسلوف
الولايات المتحدة - المسابقة

كوميديا سوداء مكتث في درج كاتب السيناريو بيتر ستروغان سنوات قبل قيام جورج كلوني بإنتاجها وهو من يقوم بدور رئيسي فيها لجانب جف بردجز وإوان مكروغر وكيفن سبايسي: صحافي (مكروغر) وجندي من قوّة خاصّة (كلوني) في الطريق من الكويت الى العراق في حرب الخليج الأولى. سيكتشف الصحافي، ونحن معه، أن هذه القوّة الخاصّة تشكّلت من الجنود الذين يتمتّعون بالقدرة على إنجاز المهام القتالية من دون أسلحة. فقط عبر التحديق بالطرف الآخر٠ تنفيذ جيّد لفيلم سوف لن يتحوّل الى عمل كلاسيكي وذلك بسبب عدم شمول رؤيته وارتفاعها عن الحدود القصصية ذاتها، فعلى عكس العديد من الأفلام الأخرى المعادية للحرب العراقية (ولأي حرب أخرى) ليس هناك ما يكفي من أسباب موجبة لتحديق المشاهد بالفيلم٠


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠