Amal | Titanic| Get the Gringo! | Logan's Run | Cserepek | Adventures of Dollie | Adalen 31

  بين الأفلام  ـــــ  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


كم مرّة غرقت تايتانك؟





|*|  «تايتانك» لجيمس كاميرون ليس الوحيد الذي عرض بمناسبة مرور مئة سنة على الكارثة. مع مطلع هذا الشهر تم إطلاق «ليلة للذكرى»  A Night to Remember على أسطوانات،  وهو فيلم بريطاني أخرجه روي بايكر سنة 1958 من بطولة كينيث مور ورونالد ألن وأونور بلاكمان
بالنسبة إليّ كان الجاذب الأول هو إسم الكاتب: إريك رامبلر، إذ هو مؤلّف روايات بوليسية وجاسوسية نقلت السينما عن أعماله نحو خمسة عشر فيلماً. فيلم بايكر وضع القصّـة والأحداث كما تتابعت ومن دون تدخّـل في سياقها أوّلاً.
لكن هذا لم يمنعه من التركيز على الفوارق الطبقية التي تسببت في سقوط العديد من الضحايا من بين المسافرين الذين كانوا استأجروا الكابينات السفلى من الباخرة وهي حقيقة عاد إليها كاميرون أيضاً في معالجته.
|*| كذلك تتوافر في سوق الـ DVD نسخة سابقة لفيلم روي بايكر هي تلك الألمانية التي نفّذها هربرت سلبن سنة 1942 بعنوان «تايتانك» أيضاً. والقصّـة المحيطة بظروف إنتاج هذا الفيلم لا تقل إثارة عن تلك التي وقعت على ظهر السفينة الضخمة. فقد أنجز المخرج سلبن نسخته البارعة والجادّة عن كارثة الباخرة موظّـفاً الحادثة للنيل من الإدارة البريطانية ولانتقاد نظام العمل قبل وخلال الكارثة فوق الباخرة كرمز لنظام العدو البريطاني خلال تلك الفترة من التاريخ، فالحرب العالمية الثانية لا تزال مستعرة بين ألمانيا والحلفاء وبريطانيا من أقوى الدول المشتركة في الجهود الحربية ضد النازية. لكن الفيلم ذكّـر أيضاً بضحايا أبرياء وبحجم بشري كبير ما لم يعجب جوزف غوبلز، الذي كان مسؤولاً عن الإعلام في ألمانيا حينها. وما هي الا أيام حتى اقتيد المخرج سبلن  (الذي كان سبق له وحقق 32 فيلماً من قبل بدءاً من 1926) وسجنته متّهمة إياه بتحقيق فيلم يُثير للمشاعر. نتيجة ذلك أن المخرج شنق نفسه في الزنزانة، وأكمل باقي المشاهد مخرج آخر هو فرنر كلينجلر. غارة جويّـة للحلفاء على برلين دمّـرت إحدى النسخ التي كان منتظر عرضها في حفل افتتاح الفيلم. بعد ذلك منع غوبلز الفيلم بأكمله. بعد تحرير ألمانيا تم إكتشاف الفيلم لكنه لم يحظ بحضور ملائم على الشاشات الكبيرة مطلقاً. وقد ظهر على أشرطة الفيديو أوّلاً سنة 2004 ثم بات متداولاً الآن على أسطوانات.

|*| نسخة جيمس كاميرون المحلّاة بالأبعاد الثلاثة حطّت حول العالم فاندفع الصينييون بالملايين لمشاهدتها ما جعل الفيلم يتربّـع على قمة الإيرادات هناك. والصينيون، على ما يبدو يحبّـون أفلام الكوارث، وهم كانوا قبل سنة ونصف زحفوا على صالات السينما لمشاهدة فيلم «بعد الصدمة» فأنجز مئة مليون و229 دولار. لكن نصيب «تايتانك» المجسّـم في الولايات المتحدة كان عادياً كما لو أن الجمهور الأكبر اكتفى بالنسخة التي شاهدها قبل خمسة عشر سنة وقرر توفير قرشه الأبيض لفيلمه القادم.

|*| ألا تشبه السينما الأميركية اليوم (طبعاً ليس كلّها بل  80 بالمئة منها) الأفلام المصرية التي كنا نشكو منها ولا نزال (ليس كلّها طبعاً بل 99 بالمئة منها)؟
الفوارق الأساسية محدودة للغاية، خصوصاً حين يأتي الأمر إلى نوعين محددين: السينما الكوميدية  والسينما العاطفية. نفس المنوال في العرض، وفي السرد وفي الإهتمامات. نفس المقاطع الغنائية التي تريد من المشاهدين المراهقين التوق إلى الحب ومَن هم أكبر سنّاً قليلاً إذبال الجفون وتغميض العيون والشعور برومانسية الوقع. لا أدري الكثير عما إذا كنا لا زلنا رومانسيين بعدما شاهدت مقطعاً من فيلم "عاطفي" جديد يتبادل الممثل الرجل مع الممثلة المرأة عبارات حب … لكن بزعيق. هل كان المخرج يعاني الصم فطلب منهما الصياح في كل المشاهد؟
Grand Illusion

|*| الأفلام القديمة الموزّعة بين باريس ولندن، لمن يعيش فيهما ويرغب، كثيرة ومتنوّعة. هناك «الوهم الكبير» Grand Illusion  فيلم الفرنسي جان رنوار الذي لا يشبع النقاد من مدحه (1937) و«لورا» فيلم أوتو برمنجر الدرامي مع جين تييرني ودانا أندروز (1944). فيلمان لألفرد هيتشكوك «سايكو» (1960) و«غريبان في القطار» (1951) وفيلم فنسنت مانيللي المعتدل The Bad  And the Beautiful مع كيرك دوغلاس (حي في السادسة والتسعين!) ولارا تيرنر، الفيلم من إنتاج 1952 و«كازابلانكا» لمايكل كورتيز معروض (راجع العدد ) كذلك The Big Sleep  رائعة بوليسية من المخرج هوارد هوكس (1946) وكلاهما من بطولة همفري بوغارت.  ورائعة أخرى كان فرنسيس فورد كوبولا حققها سنة 1974  هي «المحادثة» The Conversation الذي قام ببطولته المعتزل جين هاكمن.
ومن الفرنسي هنري- جورج كلوزو ذلك الفيلم البوليسي الآخر «شيطانية» Dibolique مع بعض لآليء الخمسينات: شارل فانل، فيرا كلوزو وسيمون سنيوريه. وتستطيع أن تذهب إلى الأبعد لتشاهد «متروبوليس» لفريتز لانغ (1927)  او تقترب لحدود منتصف التسعينات في  Pulp Fiction لكونتين تارانتينو.
يهتمّون بقديمهم ويداومون عرضها في الصالات…. تماماً كما نفعل نحن! سبحان الله.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved ©  Mohammed Rouda 2008- 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Apocalypse Now تحفة فرنسيس فورد كوبولا



  أفلام الجوائز     

Cimarron  (1931)

أوسكار أفضل فيلم  

 «سيمارون» من إخراج وسلي راغلز (معظم أفلامه حققها في السنوات الصامتة) هو وسترن حول ناشر صحيفة يصل مع زوجته إلى الغرب الأميركي ليؤسس نفسه لكنه يجد أمامه أمام مصاعب تكمن في الفوارق الفكرية بين موروثه الشرقي المثقّف وحياة الغرب الأميركي. للفيلم خط من استجداء التعاطف مع يهودي مضطهد، لكن معظمه استعراض شامل في مكانه. لجانب أوسكار أفضل فيلم، نال أوسكار أفضل إقتباس وأوسكار أفضل تصميم ديكورات.
  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سلسلة أفضل 100|  APOCALYPSE…. NOW  *****
سفر الرؤيا… الآن  (1979)

_________________________________________
بطاقة 
إخراج: فرنسيس فورد كوبولا  Francis Ford Coppola 
أدوار أولى: مارلون براندو، مارتن شين، روبرت دوفال، فردريك فورست، دنيس هوبر، سام بوتومز، لاري فيشبورن، ألبرت هول، سكوت غلن، هاريسون فورد.
PRODUCERS…………………………………………………Francis Ford Coppola 
SCREENPLAY………………………………. John Milius, Francis Ford Coppola
CINEMATOGRAPHY……………………………………………… Vittorio Storaro
EDITOR……………..…Lisa Fruchtman, Gerald B. Greenberg, Walter Murch
MUSIC.…………………………………………………….……… Carmen Coppola

أميركي | دراما (زمن الحرب العالمية الثانية) | أبيض/ أسود- 102 د 

____________________________________
Connections
* فيلمان تلفزيونيان تم اقتباسهما عن رواية جوزف كونراد (1958و1993)
* نال الفيلم جائزة بافتا كأفضل إخراج وجائزتي أوسكار (أفضل تصوير وأفضل صوت) وثلاث جوائز غولدن غلوب (أفضل إخراج، أفضل ممثل مساند- روبرت دوفال، أفضل موسيقا (كارمن كوبولا).
____________________________________
نبذة
فييتنام | خلال الحرب | يكلّف الجيش، بطلب من السي آي أيه، الضابط ويلارد بقتل الكابتن كورتز الذي اقتطع لنفسه جزءاً من الأرض المحاذية لكومبوديا مثيراً أعمال عنف شنيعة. في طي المهمّـة التخلّـص من قائد باتت وحشيّـته محط حرج للقيادة. ينطلق ويلارد لتنفيذ المهمّـة في رحلة طويلة عبر نهر مع محطّـات وقوف تعكس ما يحدث على الأرض.
____________________________________
معلومات وهوامش
* رفض البنتاغون مساعدة المخرج والإنتاج تنفيذ هذا الفيلم.
* عرض الدور الذي قام به مارتن شين أوّلاً على ستيف ماكوين ورفضه.
* جورج لوكاس كان مرشّحـاً لإخراجه وكانت فكرته إنجازه كفيلم تسجيلي. لكن المشروع تأجل لما بعد انتهاء كوبولا من جزأي "العراب" بينما انشغل لوكاس في سلسلة «ستار وورز».
* افترض كوبولا أن مارلون براندو قرأ الرواية وحفظ السيناريو ليكتشف أنه لم يقرأ ولم يحفظ وصُدم حين وجده أصبح بديناً (في حين تنص الرواية على شخصية نحيفة). تحاشى المخرج تصوير جسم براندو كاملاً وأمضى أياماً يقرأ له الرواية
* مشهد البداية (مارتن شين وحيداً في غرفة في الفندق) لم يكن في السيناريو. شين كان سكيراً حين لعبه وجرح يده فعلاً حين حطّم المرآة بقبضته.
* عدد الساعات المصوّرة من الفيلم 200
* تطلب إنجاز الصوت تسعة أشهر والمونتاج سنتين (حسب كتاب أحد منفّذي المونتاج وولتر مارش).
* الممثل لورنس فيشبورن كان عمره 14 سنة حين بدأ التصوير و17 سنة حين عُرض الفيلم لأول مرّة.
* هذا كان أول فيلم يستخدم نظام صوت 70 مم دولبي ستيريو 
* تم تصوير الفيلم في الفيليبين والحكومة وافقت على مدّ التصوير بالطائرات المروحية، لكنها كانت تخوض حرباً ضد ثوّار وكلّما احتاجت لتلك الطائرات سحبتها.
____________________________________
مراجعة
كوبولا وروبرت دوفال

غابة خضراء تشاهدها في غير وضوح ومن خلال ضباب الصباح. ثمة صوت لا نميّزه في باديء الأمر، ثم نشاهد طائرة مروحية تمر عابرة. حرائق تشتعل في الغابة وصوت الطائرات المروحية مستمر. هذا الصوت يصير رمزاً للخوف كما تصير صورته. والطائرة المروحية التي يتكرر ظهورها طوال الفيلم، ما عدا الدقائق العشرين او نحوها، تصير باب النهاية. أداة الدمار وفرصة الموت٠
ثمّة وجه مقلوب على الشاشة يتبع صور الغابة وما يطير في فضائها. إنه وجه الكابتن ويلارد (مارتن شين)، وهو مستلق في غرفة فندقه على السرير. يتذكّر. يسمع ويكاد يصرخ. الصور الأولى تلك في باله. هناك أيضاً موسيقا فرقة "ذ دورز" وصوت الراحل جيم موريسون وهو يغني "هذه هي النهاية". صورة مروحة الطائرة تمتزج بصورة لمروحة هواء  معلقة في السقف. هذا المزج ينقلنا من بقايا أشلاء مشهد الغابة الى المشهد الثاني وهو غرفة الكابتن ويلارد. مع هذا الإنتقال نسمع صوت ويلارد يتحدّث إلينا: "عندما أكون هنا، أرغب في أن أكون هناك. وعندما أكون هناك... أتمنى لو كنت في الغابة" الهنا والهناك هما الغرفة والغابة. الغرفة هي أقرب شكلاً الى الوطن. الغابة هي الحرب. لكن الرابط بين الوطن وبين الحرب هو حالة الجنون٠
بذلك يضع المخرج لبنة رسالته الأولى. وإذا ما سمحنا لأنفسنا بالإنتقال الى الأفلام الحربية الأخيرة، تلك التي تعرضت لحرب العراق، وجدنا أنه في كثير منها، وعلى سبيل المثال فقط
The Hurt Locker, Stop Loss,  Home of the Brave 
يفضل بطلها، في النهاية العودة الى الحرب على البقاء في الحياة المدنية  وذلك لسبب ليس بعيداً عما نسمع الكابتن ويلارد يقوله: "في كل مرّة أبقى في هذه الغرفة أصبح أضعف. في كل مرّة أكون في الغابة أصير أقوى"٠
هذه التلاطمات من الأفكار تثيره. يقف أمام المرآة ويهوي عليها بضربة من قبضته. تتلوّن قبضته دماً يمسح به وجهه. ملاءته. ينزع عن سريره وعن نفسه كل غطاء ويقف عارياً. إنه يهلوس. يقترب من حافّة الجنون. او ربما كان أفق الحياة المدنية من جديد هو الذي يضعه على تلك الحافّة. مثل طير في قفص اعتاد سابقاً الحريّة٠
دوفال... الكابتن الذي يحب رائحة النابالم

جنديان يدفعان باب غرفته. يضعانه تحت الماء البارد ليصحو. يتوجّـهان  به الى مكتب الجنرال حيث نعلم أن الكابتن ويلارد قاتل محترف يعمل لصالح  السي آي  أي. الوكالة تريده أن يقتل من جديد. هذه المرّة أن ينفذ حكم الإعدام بالكولونيل كورتز. يقول له الجنرال أن كورتز مسّّـه عارض جنون. فتح لحسابه جيشاً عند الحدود الكمبودية. واخترع لذلك الجيش وظيفه هي قتل الجنود الأميركيين والفييتنامين على حد سواء. لا أحد يفهم بالتأكيد ماذا يريد الكولونيل كورتز إنجازه من وراء ذلك او لماذا يفعل ما يفعل "لقد كان واحداً من أبرز الضبّاط وهو الذي طلب تجنيده للحرب. عليك أن تبيده بأسرع وقت"٠

الى الآن، نحن لا نعرف (إذا كانت هذه المرّة الأولى التي نشاهد فيها هذا الفيلم) ما يعني كل ذلك. حين أخرج كوبولا الفيلم رفض الجيش الأميركي مساعدته ومدّه بالطائرات كما اعتادت أن تفعل مع أفلام حربية أخرى. لقد قرأت السيناريو (كما كتبه جون ميليوس- وهو مخرج جيّد آخر أقل حظّـاً- وكوبولا) ووجدته معادياً للعسكر وللحرب. واعترضت كذلك على فكرة أن يقوم كابتن بتنفيذ مهمّة قتل كولونيل. أي واحد برتبة أصغر يقتل آخر برتبة أعلى. كذلك كان الطلب جديداً على ويلارد أيضاً: "لقد قتلت حتى الآن ثمانية، لكنها المرّة الأولى التي يطلب مني فيها قتل أميركي"٠
المركب الذي سيقل الكابتن ويلارد عبر النهر الكبير الى معقل الكولونيل يحمل على متنه، كما سنرى من بداية الفصل الثاني، أربعة جنود: أسودان وأبيضان. الأسودان هما  فيليبس (ألبرت هول)، وهو رئيس هذه الحامية االصغيرة والمجنّد تايرون (لاري فيشبورن)، وهو فتى صغير في السابعة عشر من عمره. الأبيضان هما لانس (سام بوتومز) الآتي من مدينة الشمس سان فرانسيسكو ونخبتها المدللة، والثاني هو جاي (فردريك فورست). فورست  هو الوحيد الذي ظهر في أكثر من فيلم لفرنسيس كوبولا (أربعة) أوّلها "المحادثة"  (1973). هؤلاء يبدأون مع الكابتن رحلة الغرابة، كما يشتركون في صنعها٠
دنيس هوبر ومارتن شين

الخط التالي، مستوحى من "قلب الظلام"   لجوزف كونراد، ليس كقصّـة بل كرسم خارطة تلك الرحلة المسكونة والمهووسة. سنرى كيف سيتصرّف الأربعة حين يلتقون بقارب لمدنيين فييتناميين فيمطرونهم بالرصاص لمجرد اشتباههم بأنهم مسلّحين. ثم هناك المشهد الكبير للغارة الجويّة الأميركية على قرية فييتنامية. هذه مدعاة أهمية كبيرة نظراً لأنها تبدو كما لو كانت جزءاً من فيلم خيالي- علمي لشدّة غرابتها. الغاية من الهجوم المسلّح هو رغبة الكولونيل كيلغور (روبرت دوفال الذي ظهر أيضاَ في أكثر من فيلم لكوبولا) إزالتها من الوجود لأن شاطئها جميل  جداً للتزلّج عليه. الهجوم يبدأ بالطائرات المروحية التي تطلق صواريخ لدك البيوت والمدارس وتحصد برصاصها الغزير الأرواح الهاربة. الكابتن كيلغور يرتدي قبّعة وسترن ويضع سيغار وسط شفتيه الباسمتين ويضحك واثقاً من نفسه. يتقدّم من فييتنامي أسير كان أحد الجنود يسيء معاملته ويدفع بالجندي بعيداً ثم ينحنى على السجين يريد أن يعطيه بعض الماء. من قبل أن يصل الماء الى فم الأسير ينهض كيلغور عنه وقد انشغل بأمر آخر. هذا يمنحنا فكرة عن رجل لا شيء إنسانياً فيه. لا يكترث ولا يهمًّـه إذا ما وصل الماء لشفتي المقبوض عليه أم لا لأن حنانه المفاجيء غير صادق وانتهى فجأة أيضاً. إنه، من ناحية أخرى،  نمط من القادة الذين يثقون بأنفسهم أكثر مما يجب. يذكِّـر بعضنا بالجنرال كاستر في مواقعه ضد الهنود الحمر، تلك المواقع التي انتهت بهزيمته ومقتله وهو لا يكاد يصدّق أن عنصره الأبيض يمكن أن يخطيء.
الفانتازيا الكامنة في المشهد المذكور من "سفر الرؤيا الآن" لا شبيه لها  في أي فيلم حتى الآن. حين نزول كيلغور الشاطيء يقف شامخاً واضعاً يديه على جانبيه متحدّثاً الى جنوده. تسقط قنبلة قريبة. ينبطح الجميع أرضاً الا هو. هو مشغول بالتعليق على رائحة النابالم المتصاعدة من القصف الأميركي "أحب رائحة النابالم في الصباح ... إنها ... إنها تذكرني بالنصر"٠
مارلون براندو

بعد حضور هذه الموقعة يتقدّم ويلارد ورجاله نحو مزيد من المجهول. النهر يصبح أكثر دكانة. الغابة أكثر حضوراً، كذلك حضور الحرائق والدمار حيث تنتشر رائحة الموت. هناك ذلك الفصل من المشاهد حيث لا يعرف الجنود في المواقع المجنونة إلى أي فرقة عسكرية ينتمون وآخر نرى فيه هوس الجنود بمجموعة من الفتيات تم إحضارهن للرقص أمامهم من باب الترفيه. الكبت والتوق إلى العودة وجنون الواقع كلها بعض عناصر الحالة الغرائبية التي تقع في تلك الليلة مسببة مشاهد لا يمكن الا تصديقها على الرغم من المساحة الشاسعة من الخيال الذي تحتله.
ثم، أخيراً، تصل القافلة إلى المنطقة التي يسيطر عليه الكولونل كيرتز. يستقبله مصوّر صحافي يعيش فيما يشبه معسكراً تنتشر فيه أنواعاً مختلفة من الأقفاص الحديدية والرؤوس المقطوعة. غالبية رجال ويلارد قُـتلوا وآخر من بقي منهم كان تحوّل إلى مهووس بدائي خال من القدرة على التجاوب والتفكير. كولونل كيرتز يستقبل ويلارد وهو مدرك أنه جاء لقتله ويضعه في واحد من هذه الأقفاص لكن ويلارد سيخرج منه وسيقتل الكولونيل بنفس الوحشية التي حكم فيها الكولونيل على ذلك الخليط البربري من المحاربين تحت لوائه.
هذا الفيلم الحربي يختلف عن أي وكل فيلم حربي آخر تم تحقيقه في تاريخ السينما. إنه أضخم وأكثر فنّاً من أي فيلم آخر. معاد للحرب لما بعد المفهوم المباشر للمعاداة وللنظام الذي يسمح للحرب أساساً أن تقع، وفي طيّاته نظام العلاقات التي تسمح لأقسام من الجيش بأن يحارب بعضها البعض. والأهم الهوس والجنون اللذان يسودان الحرب وبالتحديد الحرب الفييتنامية، نظراً للموضوع الماثل كما لشدّتها وقسوتها وغرائبيّتها. وهو أيضاً فيلم يستخدم مراجع أدبية (رواية جوزف كونراد بعد تحويرها مكانياً، حيث كانت الأحداث تقع في أفريقيا- وزمنياً، من القرن التاسع عشر إلى سبعينات القرن العشرين) وفلسفية ووجودية.

ولا أحد بريء. ويلارد/ مارتن شين الذي يُعاني مما يعتمره داخلياً من نزاع. كولونل كيرتز/ مارلون براندو يعيش في عالم خاص مؤلّـف من خيالاته الجانحة. الحرب هي عالمه وهي تصنع لإرضائه وحين يجد أن السياسة قد تفصله عن تنفيذ رؤيته ومفهومه للحرب، يدافع عن وجوده بالإنقلاب على قيادته. الحرب هنا هو جحيم كابوسي هائل يستطيع تغيير البشر وهو يغيّر الأفراد الماثلين أمامنا كما الجموع. 
فنيّاً شغل مخرج من درجة "ماسترز". السينما خُـلقت لأمثاله. لأصحاب الرؤية والحرفة والموهبة التي لا تُحد. مشاهده الطويلة ثرية في عناصرها البصرية كما في مضامينها الخاصّـة. تصوير فيتوريو ستورارو بدوره من تلك النتائج التي من الصعب مجاراتها. والتمثيل من الجميع فوق المعدّل لمعظم المشتركين. الأدوار الحاسمة لبراندو وشين ودوفال ودنيس هوبر في دور الصحافي المأخوذ بالكولونل.
في المشهد الأخير، حين يتم قتل الكولونل فإن ويلارد هو من سيأخذ مكانه. فالمهمّة التي جاء لتنفيذها والمعلومات التي كان يقرأها طوال الرحلة النهرية حول الكولونل سمحت له بأن ينزلق إلى شخصية كورتز وأن تكون تصفيته بمثابة التخلّـص منه ليصبح بديلاً له. بذلك وحشية الحرب هي التي تسود وليس المنطق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved ©  Mohammed Rouda 2008- 2012