نقد أفلام اليوم والأمس | Transcendence | Farewell, My Lovely |

Year 7 | Issue 191
1/2***  Transcendence  

تفوّق
إخراج: والي فيستر   Wally Pfister  
        النوع: خيال علمي| الولايات المتحدة (2014)
        ممثلون: جوني دب، ربيكا هول، مورغن فريمان، بول بيتاني، شيليان مورفي.
نقد: محمد رُضــا 

 في فيلمه الأول هذا، يطرح المخرج والي فيستر
أسئلة عنيدة تتجاوز الخيال العلمي إلى مستقلبنا
على الأرض.

ما أن حط «تفوّق» على شاشات الولايات المتحدة وسواها، حتى إنبرى الحديث عن كيف أن ممثله الرئيسي جوني دَب قد خسر الموقعة كنجم شبّـاك. على الرغم من أن هذا الحديث ليس ممنوعاً ولا هو خارج إهتمام المتابعين، إلا أن على المشاهد أن يترك التفكير في متاعب الممثل المادية ويشاهد الفيلم لذاته. هذا حري بجعله يقدّر الفيلم أو لا يقدّره بحد ذاته. 
«تفوّق» فيه الكثير مما يمكن تقديره وبعض الإخفاقات أيضاً. ستجد نفسك أمام فيلم يتجاوز نوعه كخيال-علمي ليتحدث عن عالمنا اليوم و-لو صدّقنا- الغد. إنه واحد من تلك الأفلام التي تصل بكل ما فيها من غزارة أفكار إلى المشاهد من دون إرتباك. وإذا كنت تذكر The Looper وكيف أنه احتار كيف يمد يده إلى أذنه، ستدرك ما أعنيه.
هناك بداية لافتة: نقاط ماء على زجاج نافذة وأضواء سيارات معكوسة. اللقطة ستظهر مرّة أخرى قبيل نهاية الفيلم. سيكون لها وجوداً أفضل هناك، أما هنا فجزء من مقدّمة نعيش فيها حقبة ما بعد التكنولوجيا الحالية (آمين يا رب!). ها هي ضاحية بركلي، قرب مدينة سان فرانسيسكو تعيش بعد خمسة أعوام من نهاية عصر الكومبيوتر نتيجة أحداث سيكشف عنها الفيلم لاحقاً قبل أن يعود إلى الوراء.
لدينا ول كاستر (جوني دب) الذي صنع لنفسه مجداً من خلال عمله على علم جينيات الكومبيوتر التي يراها أكثر أهلاً وتقدّماً من الجينيات البشرية. إنه يعرف (أكثر مما يجب) عن موضوعه وعن الذكاء الإصطناعي وكيفية نقل الذكاء الإصطناعي إلى الأحياء ليخلق منهم جيلاً أكثر تفوّقاً ممن هم على الأرض من سائر البشر. وهو لم يحقق كل شيء وحده، بل شاركته الجهد زوجته العاشقة له إيڤيلين (ربيكا هول).
هناك منظّـمة، يُـقال عنها إرهابية تقودها إمرأة أسمها بري (كايت مارا) هدفها حماية العالم من التمدد التكنولوجي وهي تقوم بإغتيال عدد من العلماء العاملين في هذا الشأن. ول نفسه يُصاب برصاصات لا تقتله، ما سيقتله السم الكيميائي الزعاف الذي سينتشر في دمه. هو وزوجته كانا ابتكرا نظاماً ضخماً وحين يموت يصبح على زوجته الحصول على أدوات هذا البرنامج الإلكتروني والهرب به بعيداً عن الإرهابيين وإلى جانبها صديقهما ماكس (بول بيتاني). من شأن هذا البرنامج استرجاع ول كاستر فهو مات جسداً لكنه روحه التحمت مع التكوين الإلكتروني المدمّـج وها هو يظهر على الشاشة يرى ويُـرى.
ليس هذا فقط، بل أن لديه برنامجاً للبشرية وهو يبدأ بتنفيذه للتو: يطلب من زوجته شراء بلدة صحراوية صغيرة (الحياة فيها ميّـتة) وبناء مختبرات لعمله الهادف إلى استبدال الإنسان بالهجائن الإلكترونية. هناك ساعة ونيف من بعد هذه النقطة أتركها للقاريء كي يكتشفها بنفسه إذا ما أراد.
المخرج والي فيستر يخطط مشهداً مع بول بيتاني وربيكا هول

الأفلام التي وردت إلى عقلي (بشري مئة في المئة) تتمدد من «فرانكنستين» إلى «ذ ستوكر» ومن «2001: أوديسا الفضاء» إلى "Her" وحتى A.I: Artificial Intelligence  على ذلك «تفوّق» بعيد عن أن يكون نساجاً فعلياً أو نقلاً لأي من تلك الأفلام. ما هو مشترك هو البحث عن فكرة الإنسان وكيف يمكن صنع إنسان من صنوه إذا ما كان ذلك مستحيلاً. د. فرانكنستاين صنع رجلاً جمعه من أجزاء وأطراف مقطوعة ثم لاحقه يريد تدميره بعدما أدرك خطره. في فيلم ستانلي كوبريك «2001: أوديسا الفضاء» يتكلّـم هال محاولاً إستمالة الإنسان الوحيد الذي بقي على قيد الحياة في تلك المركبة البعيدة (وفي «تفوّق» نسمع صوت جوني دب أكثر مما نراه بعدما تحوّل إلى شخصية أقل من بشر وأكثر من إفتراضي. في كل هذه الأفلام أسئلة عن الروح (وفي فيلم أندريه تاركوڤسكي أحداث تقع بعد نهاية العيش الإعتيادي للإنسان وتحوّله إلى هائم يبحث عن ذاته وروحه) وفي «تفوّق» يضع كاتب السيناريو جاك باغلن السؤال مبكراً وينجح في جعله محوراً من محاور الفيلم المتعددة، فالعالم ول يتحدّى الجالسين في محاضرة يلقيها في مطلع الفيلم تعريف الحياة وأين تكمن. هذا سيكون تمهيداً لتأكيده عن أن الروح لا تموت وهي تستطيع أن تعيش في كائن إلكتروني.

"لكن الأرض لن تكون كما كانت، وكما 
تعوّدونا لها أن تكون… هي بدورها لن
تكون عضوية"

ما يسعى السيناريو لدفعه إلى عيون وأذهان مشاهديه متشابك بعض الشيء. لجانب طرح السؤال حول التقدّم غير الجائز للتكنولوجيا على الإنسان وقدرتها على تجاوزه وتحويله إلى كائنات غير بشرية، فإن فيه دعوة للتفكير، إنطلاقاً من تلك الفكرة، حول ما نتّـجه إليه، وكيف أن التضحية هي بكل ما هو إنساني ولو تحت شعارات شتّـى. الفيلم يقول أنه قد يكون صحيحاً أن يستطيع برنامج كاستر المبتكر PINN إشفاء المصاب وإبصار الأعمى وإيقاف المقعد على قدميه  إلا أنه في الوقت الذي «يتفوّقون» فيه (على تلك الحالات والأمراض) يتحوّلون إلى كائنات غير بشرية. الثمن باهظ وفي بال ول نشره وتحويل الحياة إلى أخرى. سيعيد تشجير الأحراش وسينظّـف الدنيا من التلوّث وسيطهر الماء، لكن الأرض لن تكون كما كانت وكما تعوّدنا لها أن تكون… هي بدورها لن تكون عضوية.
نرى بعض ما يحدث في عالمنا اليوم (إحذروا من الـ GMO) ومسؤولية المخرج والي فيستر هي تحويل كل هذه الأفكار إلى صور، والصور إلى سرد كامل وفي كل هذه المرافق ينجز فيستر نجاحاً ملموساً وهو مازال في أول أعماله. فيستر هو مدير تصوير عمل مع المخرج كريستوفر نولان في سلسلة «باتمان» لكنه اختار درب «تمهيد» Inception الدراسي ولو بزخم أقل من الأحداث. 
كان ينقص الفيلم  بعض التوتر لكنه لا يخفق في أن يحافظ على خط إهتمام عالٍ. هناك ميل صوب تبسيط الترجمة الصورية لبعض المواقف التي كان يمكن انتهازها درامياً (يبقى فعل شخصية التحري كما يؤديها شيليان مورفي والبروفسور مورغان فريمان محدود الأثر مع كتابة عامّـة لهما)، كذلك هناك ثغرات منطقية الشأن ولو أنها طفيفة الأثر ككل منها أن العلاقة بين الزوجين (بعد تحوّل الزوج إلى هجين إلكتروني) لا تبدو مقنعة في كل مساراتها.  هل الزوجة بحاجة إلى علاج بالصدمة لكي تدرك نوايا زوجها مثلاً؟. هذا يأتي على عكس التبدّل الذي يطرأ على موقف ماكس من صديق ملتزم علمياً بما يحاول ول فعله (حين كان حيّـاً) إلى مدرك بأن المنظّـمة الإرهابية على حق فيما تقوم به.

على أي حال، وبالنسبة للعلاقة بين الزوجين فإن سؤالاً آخر حول مدى ذلك الحب الذي يربط الزوجة بزوجها والإيمان المطلق به قبل أن تكتشف غاياته المريبة، يتبلور في النظرة إلى الحياة الخالية من الجنس (قبل موت الزوج وبعده) وعدم شعورها بالحاجة إليه (لا مع ماكس ولا مع سواه). اللافت أيضاً، أن المرأة الأخرى في الفيلم (كايت مارا) تتبدّى كما لو كان الجنس آخر ما يثيرها التفكير فيه. لا أتحدّث عن الجنس فقط كتعبير جسدي عن حب أو شهوة، بل عنه كرغبة حياتية عادية. المؤكد بالنسبة لإيڤيلين أنها تتأزم وتتقزّم كلما كبرت سطوة الزوج وقدراته (بات قادراً على أن يتقمّـص بدنه من جديد). هذا يشكّـل عائقاً آخر في قبول العلاقة بينهما فلابد أن ذكاءه وقدراته المعلوماتية تستطيع أن تجعله قادراً على إدراكه ما يحدث لها من تفكك داخلي، كيف إذاً- والمطلوب منا أن نوافق على أنه ما زال يحبّـها- يسمح لنفسه بالتمدد بعيداً عن جوهر حبّه من دون أن نراه في وضع نفسي متأزم. 

Director:  Wally Pfister. 

Cast: Johnny Depp (Will Caster), Rebecca Hall (Evelyn Caster), Paul Bettany (Max Waters), Cillian Murphy (Agent Buchanan), Kate Mara (Bree), Clifton Collins, Jr. (Martin) and Morgan Freeman (Joseph Tagger).
Screenplay:  Jack Paglen |Cinematography:  Jess Hall | Editing:  David Rosenbloom. Music:  by Mychael Danna | Prod. Desing: Chris Seagers
Producer:  Andrew A. Kosove, Broderick Johnson, Kate Cohen, Marisa Polvino, Annie Marter, David Valdes and Aaron Ryder. Prod. Companies: Alcon Entertainment, Straight Up Films. Distribution: Warner Bros (2014).


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Captain America: The Winter Soldier

YEAR 7 | ISSUE: 190
Captain America: The Winter Soldier 
***** 

كابتن أميركا: جندي الشتاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج:  جون كرولي John Crawly  
        • النوع: أكشن/ سوبر هيرو| الولايات المتحدة (2014)
        • ممثلون: كريس إيڤانز، روبرت ردفورد، أنطوني ماكي، سكارلت جوهانسن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد: محمد رُضــا 

     كابتن أميركا يضرب على أوتار القلق في أميركا اليوم
ثم يلعب على المؤثرات البصرية أكثر مما يجب


بين الأبطال الخارقين حتى لما فوق العادة، مثل «سوبرمان» و«باتمان» و«سبايدر مان»، يقف «كابتن أميركا» على مسافة من الجميع. فأعداء سوبرمان مخلوقات فضاء مثله مع متعاونين من الأرض، وأعداء باتمان هم أرضيون وأعداء سبايدر مان هم وحوش ولدوا، كما وحش فرانكنستين، من رحم العلم. «كابتن أميركا» يختلف في أنه يتعاطى السياسة. نعم أعداء هذا السوبر هيرو أرضيون كذلك، لكن الإطار الذي يجول فيه ويصول هو سياسي إلى حد كاف لتمييزه على الأقل.
هاك ما يفعله:
* يتقدّم (كما شاهدنا في الجزء الأول قبل ثلاثة أعوام) إلى قيادة عسكرية طالباً الإنضمام للدفاع عن الولايات المتحدة ضد الأعداء. 
* حين يُـرفض طلبه لهزال صحّـته، يُـنتخب من قِـبل مؤسسة في الظل لتحويله إلى بطل خارق يستطيع الطيران في الأجواء وقوي البدن وحازم في إستخدام القوّة في مواجهاته. يطلقون عليه "كابتن أميركا".
* كعسكري لهذا الفصيل المعيّـن أو لهذه المؤسسة السرية لا يطرح أسئلة بل ينفّـذ الأوامر. كله ثقة بالقيادة وعلى استعداد لتنفيذ ما تطلبه منه لأنها تخدم المصلحة الأميركية والنظام.
هذا هو المنشود منه على أي حال، لولا أنه في هذا الجزء يبدأ بالتساؤل. والتساؤلات تتحوّل إلى جزء من وعيه في فيلم ينشد العودة إلى تلك الأفلام في السبعينات التي قامت على التشويق السياسي في السبعينات وأهمّـها أربعة أفلام ثلاثة منها من إخراج ألان ج. باكولا هي: «كل رجال الرئيس» All the President's Men [ألان ج. باكولا- 1976] و«المنظر الموازي» The Parallax View [باكولا- 1974] و«كلوت» Klute [باكولا-1971] و«ثلاثة أيام من الكوندور» Three Days of the Condor [سيدني بولاك- 1975]. الأخير هو الأكثر شهرة بيننا لأسباب تتعلّـق بكيف طرح المخرج موضوعه لينال مباشرة من مؤسسة المخابرات المركزية الأميركية [CIA] على أساس أنها تقتات على قتل موظّـفيها إذا ما رأت نفسها مضطرّة إلى ذلك. 
روبرت ردفورد كان بطل ذلك الفيلم (الأفلام الأخرى توزّعت بين وورن بايتي ودونالد سذرلاند وردفورد (مرّة أخرى) مع دستين هوفمن). وفيه يخرج من مركز أبحاث تابع للسي آي أيه بغية إحضار بعض الطعام من المقهى المجاور. اليوم ماطر وحال خروجه (ومن دون توقيت) يدخل فريق من القتلة ويبيدون باقي الموظّـفين. لاحقاً، عندما يتبيّـن أن أحد الموظّفين (ردفورد) ما زال على قيد الحياة (عاد ورأى الجثث في كل مكان) ينطلق المغتالون لتصفيته.
ردفورد هو هنا أيضاً، وليس مصادفة أنه هنا. هو يلعب دور مسؤول رئيسي في تلك الوكالة التي تدير العمليات التي على كابتن أميركا (كريس إيڤانز) القيام بها. وجوده (الآن في الجانب الآخر) إقتراح الفيلم أن الحال السياسي الذي دفع بسينمائيي تلك الفترة إستجوابه عبر أفلام تشويقية تستوفي الشروط المطلوبة للتشويق وللمضمون أو الإيحاء السياسي) لا يزال موجوداً. الحرب الباردة بين الشرق والغرب ليست قائمة وحدها بل يوازيها حرب بين الغرب وداخله. مأساة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول لم تكن نهاية إلا لفترة الثمانينات والتسعينات عندما اعتقدت أميركا والمنظّرون السياسيون فيها وخارجها أن الحرب الباردة إنتهت وأن فجر عالم جديد أفضل سيبدأ. ما مثّـلته تلك العملية الإرهابية (بصرف النظر عمّـن ارتكبها) هو حالة قلق عاصف وعدم ثقة بين من هم فوق في الإدارات السياسية والعسكرية ومن هم دونهم (موظّفون أو جنود أو مسؤولون صغار أو حتى مواطنون عاديون). هذا ما نتج عنه كل تلك الأفلام التي رأينا فيها مواجهات بين المنفّذين وأصحاب النفوذ على غرار كل مسلسل جاسوسي من جيمس بوند إلى جاسون بورن. الإنبراء إلى الحروب في أفغانستان والعراق وسواهما لم يزد الطين إلا بلات لأنها، على عكس ما صوّره اليمين، لم تكن للدفاع عن الحرية والعدالة وحماية لأميركا من عدوان ما عليها، بل مجرد عدوان على النظم الأخرى. 

هذه الخلفية تتراءى خلال مشاهدة «كابتن أميركا: جندي الشتاء»  كونه ينجح في الضرب على أوتار تهيؤ له وللمشاهدين معايشة أجواء القلق السياسي والإجتماعي. لقد عاد المخرجان جو وأنطوني روسو إلى الأمس لا ليستعيرا الشكل التشويقي (ما نراه ليس بالضرورة تشويقاً بل حركة) بل ليعاودا طرح الأسئلة. هذا يبرز عندما يقرر بطل الفيلم أنه من الخطأ قيام الحكومة بنشر مظلة من الرصد الجوي للمواطنين ويشبهه بمسدس موضوع على صدغ كل مواطن. 
البداية جيّدة: روجرز/ كابتن أميركا يقوم، وإلى جانبه العميلة ناتاشا رومانوف (سكارلت جوهانسن التي  كانت عميلة روسية ثم انضمّت إلى مؤسسة «شيلد»)، باستعادة مركبة حافلة بالتقنيات وتابعة للمؤسسة من أيدي قراصنة محترفين وإطلاق رهائن محتجزين. المهمّـة ناجحة لكن روجرز يخرج منها بشكوك: ناتاشا استخرجت من المركبة رقاقة إلكترونية لحساب «شيلد». يريد أن يعرف السبب. ما الذي كان يحارب من أجله حقاً. ويأتيه (ونحن الجواب): شيلد، كما يخبره رئيسها نك (سامويل ل. جاكسون) منهمكة في تطوير مظلة من ثلاث طائرات ذات قدرات إستثنائية تستطيع أن ترصد مسبقاً مئات ألوف الأفعال المثيرة للريبة أو الخطط التي تُـحضّـر لعمليات إرهابية. الوسيلة هنا تبرر الغاية، لكن روجرز لا يرى المسألة على هذا النحو بل كخرق للحريات الشخصية.
إنه ذات الكلام الدائر الآن حول التنصّـت على الأميركيين (وسواهم) وطائرات من دون طيّـار تسبر الأجواء الداخلية وكاميرات منصوبة في كل ركن يُـعتقد أنه مهم. 
هذا الجانب السياسي لا يعرقل نشاط الفيلم على الجبهات القتالية: كابتن أميركا سيواجه خصماً شرساً ممثلاً بـ "جندي الشتاء" (سيباستيان ستان). هذا الخيط لجانب خيوط أخرى تسيطر على حركة الفيلم في نصفه الثاني. النتيجة، بصرياً، مذهلة (وهذه القراءة للفيلم قد لا تكون الأخيرة لأن المجال لا يتّـسع بعد لسرد تفاصيل العمل في جوانب تقنية وبصرية عدّة). إنه في هذا النصف الثاني يصبح الفيلم عبئاً أكثر منه تطويراً جيّـداً، ذلك لكثرة الخطوط والمفارقات الجانبية التي يثيرها خلال سرده، ولكثافة الإعتماد على البصريات بحيث يتحوّل الفيلم إلى "بالون" ضخم مثير للفرجة لكنه غير قابل للإحتضان.
المشاهد التي تصوّر صراعات الآلات والأجهزة المتداولة في عالم غير منظور منفّـذة أفضل من تلك التي يلتحم فيها البشر بعضهم مع بعض. في هذه الأخيرة سوء استخدام للمونتاج بحيث يتم تفتيت المشاهد إلى لقطات (معقول) ثم تفتيت اللقطات إلى لقطات أكثر (هراء). لا يوفّـر هذا إثارة أعلى، بل فوضى أفضل. 


Directors: Anthony Russo, Joe Russo
Cast: Chris Evans, Scarlett Johansson, Robert Redford, Samuel L. Jackson, Sebastian Stan, Anthony Mackie
Screenwriters: Christopher Markus, Stephen McFeely
Producer: Kevin Feige
Director of photography: Trent Opaloch (Color).
Production designer: Peter Wenham
Editors: Jeffrey Ford, Matthew Schmidt (136 min).
Music: Henry Jackman
Prod. Company: Disney/ Marvel











ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Sabotage | Closed Circuit| لا مؤاخذة | Noah | بالإضافة إلى خمسة أفلام جديدة- قديمة في ملف "كل ما شاهده الناقد" بينها فيلم عن حرب القرم وآخر من إخراج سهيل بن بركة


أفلام جديدة: 
لا مؤاخذة   *****    

إخراج:  عمرو سلامة 
النوع: ميلودراما| مصر (2014)
نقد: محمد رُضــا 

  هل هي الرغبة في إعلاء شأن الآخر ولو بالنيل
 من الذات أو أن الموضوع أكبر من قدرات صانعيه؟

لنحو سبع دقائق في مطلع الفيلم نسمع تعليقاً صوتياً متواصلاً (يوفّره أحمد حلمي) يقدم شخصية الصبي هاني (أحمد داش) المنتمي إلى عائلة مسيحية ميسورة. ما أن ينتهي من هذا التقديم حتى يموت الأب (هاني عادل) لندرك أن الرجل كان يعيش فوق قدراته المادية ما يجبر الأم (كندة علوش) على إجراء بضع تغييرات أهمها، وما يتمحور الفيلم حوله، هو إخراج إبنها من المدرسة الخاصّـة وإلزامه مدرسة حكومية. الأحداث التالية بأسرها تدور حول ذلك الإرتطام بين صبي مسيحي وغالبية مسلمة من التلاميذ. مثقـف ومختلف في مقابل حاشية من الصبيان الذين يتصرّفون بعنف وعدائية. المسألة ليست طبقية إلا في التفاصيل، لأنها في الأساس محاولة تنتهي إلى تصوير المسيحي كعنصر أعلى مستوى من الطالب المسلم حتى مع إستبعاد الماثل بأن ذلك التمييز كان مقصوداً. بإعتبار أن هذا الوضع محتمل (لابد أن هناك شخصيات تشبه هاني وشخصيات تشبه مناوئه اللدود الذي يبدو إبن معلّـم شرس من حارات نجيب محفوظ) لا يمكن تغييب ذلك الإفراط في مقارنة عنصرية وطائفية. إذا ما كان كل ولد هو نموذج (كما يوفر المخرج سلامة بعض شخصياته) فإنه عمّـم الحالة بلا استثناء كاف، وإذا قصد أن يسرد وضعاً محدداً أساء إلى هذا الوضع بتصوير الصبي الشرس كاريكاتورياً يعيش في مجتمع إسلامي متخلّـف ثقافياً وتعليمياً.
أول ما يتم إدخال هاني إلى مدرسة حكومية يبدأ الفيلم برش المسامير على أرضه: هاني ليس سعيداً في البداية، ولن يكون سعيداً تماماً لكنه سيقتنع بأن عليه مسايرة الغالبية المسلمة الأقل مستوى في التعليم وفي القدرات الذاتية والطموحات. هذا سيستمر ردحاً طويلاً من الفيلم يشوبه عدم إدراك المشاهد إذا ما كان المقصود السابق اختلط بنقد المدارس ومناهجها ومعلّميها أو أن الفيلم لا يزال حول هاني ومحيطه الجديد أساساً. في كلا الحالتين يتعثّـر الفيلم ويكاد يقع على وجهه أكثر من مرّة. في النهاية ليس هناك مفاد ثابت. ينضم إلى أفلام الحالات المعروضة من دون أن يؤكد منحاه ومفاد رسالته.
مثل «أسماء»، الفيلم السابق لعمرو سلامة، هناك أفكار جيّـدة تتشتت بعد حين فإذا بالفيلم يريد أن يتحدّث في أكثر من موضوع. هنا يتلاشى «الفوكاس» الذي امتد بالفيلم حتى نصف ساعته الأولى. الساعة التالية فيها تجاذبات بين أفكار متعددة هي في الأساس جيّدة، وفي أسلوب إخراجها هائمة بلا ضابط فني وبسيناريو قليل الصدمات. 


  دائرة مغلقة ***** Closed Circuit 

إخراج:  جون كرولي John Crawly  
النوع: تشويق سياسي| بريطانيا (2014)
نقد: محمد رُضــا 

   السلطات البريطانية متّهمة بتوظيفها إرهابيين
للعمل لديها في فيلم من التشويق السياسي.

ينسج المخرج البريطاني جون كرولي من سينما التشويق السياسي في السبعينات. يبقى فيلم رائع مثل «بارالاكس ڤيو» [ألان ج. باكولا- 1974] ماثلاً كنوعية يقترب منها هذا الفيلم لكنه لا يتجاوزها. 
إنه حول محاميا دفاع كان على علاقة سابقة ومن المفترض بهما أن لا يكشفا عنها أو يعاودانها خلال القضية. إنهما كلوديا سيمونز هاو (ربيكا هول) ومارتن روز (إريك بانا) والقضية التي سيتوزعا الدفاع عنها فيما بينهما هي أخطر قضية يمكن للمحاكم البريطانية النظر فيها. ففي مطلع الفيلم يفاجيء المخرج مشاهديه بـ Split Screen: الشاشة تنقسم إلى نصفين مختلفين كل بحركة مختلفة ولو كانا يحومان في موقع واحد. الشاشتان تصبحان أربعة والأربعة ثمانية ثم ستة عشر من الشاشات الصغيرة التي تحيط بسوق خضار شعبي ومن فيه من الباعة والناس. عندما تدرك أن هناك شيئا ما سيحدث يكون بقى على حدوث ذلك الشيء ثانية أو إثنتين. فجأة ينفجر السوق بمن فيه وذلك تبعاً لعملية إرهابية. البوليس يدهم منزل التركي فاروق أردوغان (دنيس موشيتو) ويذاع إعلامياً بأنه رئيس منظّـمة إرهابية. هنا يتم تعيين هذين المحاميين اللذين كانا صديقين والآن لا يكن أي منهما شعور مودّة للآخر. 
لكن القضية، ومن دون الخوض في أحداثها لكي ننزع فتيل افساد متعة الإكتشاف، هي أكثر عقدة وتشابكاً من الوهلة الأولى، وما بدأ كقضية إرهابي عمل تبعاً للرغبة شخصية أو تبعاً لمنظّـمة يتبلور كقضية مختلفة تهدد المحاميان وبعض شهود الدفاع بالقتل.
يضع الفيلم نفسه على بعد كاف من السيناريوهات المتداولة في هذا الشأن، لكنه في نهاية الأمر لا يأتي بإضافة جديدة على صعيد الأحداث بقدر ما يضيف للمشاهد إكتشاف حسنات سينما لا تعمل بسرعة الإنترنت بل توفر معالجة ذكية وجادّة لموضوع يهمّـنا اليوم لأنه واقع. الإدانة هنا ليست من نصيب التركي (او الإرهابي) بل من نصيب النظام السياسي الذي يوظّـفه لصالحه والذي يرقب حركات وسكنات المواطنين بكاميراته لا خوفاً على الأمن بل على نفسه أولاً.

  تخريب ***** Sabotage 

إخراج:  ديفيد آير  David Ayer
النوع: أكشن| الولايات المتحدة (2014)
نقد: محمد رُضــا 
حتى يرفع القاتل جثّـة رجل سبق تقديمه كمضخة بدنية
عملاقة ويدقّـه في سقف البيت عليه أن يكون أقوى من
ضحيّـته أو نتيجة كتابة ركيكة كما الحال هنا.

ماذا يستطيع أرنولد شوارتزنيغر أن يفعل بعد فشل فيلمه السابق «الوقفة الأخيرة»، وريثما يبدأ العمل على مجموعة حلقات أخرى من أفلام سبق لها النجاح مثل «ترميناتور» و«كونان» و«المستهـلكون»؟ المزيد من الأفلام الفاشلة.
ماذا في مقدوره أن يفعل بعدما خرج من وحل ذلك الفيلم السابق؟ القفز إلى بركة وحل جديدة… وهذه المرّة أوسخ وأعنف من سابقتها… كذلك أشد بلاهة. «تخريب» هو فيلم يبدأ جيّـداً وينتهي ركيكاً. ليس جيّـداً على نحو كامل، لكنه ركيك على نحو كامل. في الوسط بينهما حوارات بلهاء من نوع «الذخيرة رخيصة أما حياتي فغالية» و«ماذا نفعل هنا بحق الجحيم؟ كان يمكن أن نشرب البيرة ونرمي الدولارات على شيء عار»… هذا الشيء هو إمرأة ما لكن القائل (جو مانجانييلو) يريد أن يعبّـر عن شخص من طينة شعبية غير مثقّـفة لأن الثقافة تعني التفكير والتفكير قد يودي إلى شخصيات لديها قضايا أهم. في الواقع، كل أبطال هذا الفيلم يشتركون في أنهم نمور من ورق وثانياً أنهم يتمتّـعون بإسم نعت بين الإسم الأول والثاني لكل منهم: جو أسمه في الفيلم جو "غريندر" فيليبس (و"غريندر" يعني الطاحن) والعجوز المتصابي أرني أسمه جون "بريتشر" (الواعظ) وورتون بينما يؤدي سام وورثنغتون شخصية مقاتل آخر أسمه جيمس "مونستر" موراي (واو). ترنس هوارد: جوليوس "نك» (عنق) إدموندز، ماكس مارتيني: توم "بايرو" مكنيلي وهكذا. لعل الإسم المتوسّـط يمنح الطاقم شيئاً من الأثر في النفوس… طاحن ولاوي أعناق ومتوحش و… واعظ؟ ربما على طريقته! 
إذاً، بعد الفشل الذريع الذي تعرّض إليه أرنولد شوارتزنيغر قبل أشهر قليلة عندما انبرى فيلم عودته إلى أدوار الأكشن، «الوقفة الأخيرة» إلى السقوط، تمنّـى البعض عليه أن لا يعود قبل إتمام الجزء الجديد من «ترميناتور» الذي من المفترض أن يكون دخل مرحلة الإنتاج. والنصيحة في محلّـها لأن الجمهور لن يقبل شوارتزنيغر في أي حلّـة جديدة إلا إذا ما كانت جزءاً إضافياً لأحد أعماله الناجحة السابقة. «ترميناتور» هو ذلك العمل.
لكن لا أحد يأخذ بالنصائح هذه الأيام وعليه فإن شوارتزنيغر يعود بعمل جديد عنوانه «تخريب» والتخريب الوحيد الذي يحصل هو مكانة ذلك الممثل عند هواة أفلام الأكشن. يبدأ الفيلم به وهو يبكي. لقد قامت عصابة مخدّرات مكسيكية بقتل زوجته وإبنه قبل سنتين وصوّرت ذلك وبعثت له بالفيديو هديّـة (لاحقاً نعلم أنها بعثت له أيضاً بقطع من جسدي فقيديه بمعدل قطعة كل يوم!). ننتقل بعد ذلك إلى عملية مداهمة فهو قائد فرقة من القوّات الخاصّـة تعمل لحساب بوليس مكافحة المخدرات الفدرالي. نتيجة العملية، بعد مقتل العديد، هو إختفاء عشرة ملايين دولار. بعد ثمانية أشهر هناك من يبدأ بقتل أفراد هذه المجموعة. تتدخّـل تحرية من البوليس في الموضوع أسمها كارولين (أوليفيا وليامز) وتشارك بطلنا (وأسمه الحركي بريتشر) التحقيق. 
لكن قتل أعضاء الفرقة مستمر. هناك من يألو على نفسه أن يحمل الجثّـة إلى سقف البيت ويدقها بمسامير إلى ذلك السقف. لماذا؟ ثم حين يتم الكشف عن هوية الفاعل ستتساءل كيف يمكن لهذا الفاعل أن يقوم بذلك بمفرده وهو أقصر قامة أو أضعف بنية.
بعد الكشف عن هويّـة الفاعل ومطاردته ثم القضاء عليه ندرك أنه ليس من سرق الملايين العشرة، بل هو بريتشر فعلاً وذلك لأنه خطط لاستخدامها للوصول إلى المجرم الذي شنّـع بزوجته وولده وقتله. كان الفيلم بدأ يتحوّل من فكرة جيّـدة تحتوي على منافذ نفسية ومفترقات طرق غير مطروقة إلى سلسلة من المواقف العبثية، لكن تلك الخاتمة تأتي مثل بركة من الزفت ينزلق إليها الفيلم وبطله من دون هدف.
يخفق الفيلم، تحت إدارة غير حكيمة لديفيد آير، في عدة مسائل كان يمكن لها رفع مستواه، فكلما لاح في أفقه قدر من العمق والتحليل سارع إلى تلويثه بمشاهد عنف سهلة أو بمفارقة غير قابلة للتصديق. وعوض أن يبني الفيلم على شخصية بطله دراما مناسبة، كما الحال مع تلك التي سبق أن منحها ايستوود لنفسه في سلسلة أفلامه حول رجل يبحث عمّـن أساء إليه وإلى عائلته، كمال الحال في «الخارج عن القانون جوزي وَيلز»، يحوّله إلى واحد من مجموعة هي أكثر اختلافاً من أن تلتقي تحت أي سقف واحد. بينها، على سبيل المثال، إمرأة (ميراي إينوس) يصر الفيلم على تقديمها شريرة حتى حين علينا أن نعتقد أنها غير ذلك
إلى ذلك كله، الفيلم ركيك الحاشية في التفاصيل ولو أنه مثير الحكاية. نصفه الأول أكثر متانة من نصفه الثاني والربع الأخير منه مهزلة. هذه هي الوقفة ما بعد الأخيرة لشوارتزنيغر… بعده ربما لا «وقفة» على الإطلاق!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ