كلوز- أب
BLACK PANTHER
«بلاك بانثر»
فارس أفريقيا الجديد يتحدى العالم برسالة سلام
في فيلم يكرّس أول سوبرمان أسود
| محمد رُضــا
• إخراج: رايان كوغلر
• أكشن [كوميكس] | الولايات المتحدة (2018)
• تقييم الناقد: ★★★★
تتلاحق المشاهد المكوّنة لهذا الفيلم غير المتوقع. يبدأ بعملية تعريف موجزة لموقع الأحداث (بلد خيالي في الجزء الشرقي غير الساحلي لأفريقيا أسمه واكاندا) ولتاريخه ثم ينطلق الفيلم في قصّـة تلتقي وتختلف مع باقي قصص القوى الخارقة. تلتقي بأن بطلها هو «سوبرهيرو» آخر لجانب أترابه مثل «باتمان» و«سوبرمان» و«سبايدر مان» وتختلف في أن قضية هذا البطل ليس إنقاذ أميركا من دمار محتمل ولا القضاء على منظمة دولية تهيمن على مقدّرات الإنسان الغربي، بل تتمثل في أن الحل يجب أن يكون سلمياً.
خلال الفيلم سيؤكد بطله أن الغاية هي فرض السلام عبر تحقيقه بالمفاوضات من مركز قوّة. هذا الفيلم الذي يضع شخصية «بلاك بانثر» في البطولة لأول مرّة (ظهر كشخصية سنيدة في مسلسلات كوميكس سابقة)، مشغول بتحضير البيت (الوطن) لمثل هذه الغاية. على أفريقيا، القارة الكبيرة التي تقع فيها معظم الأحداث، أن تنتصر على العداوات القائمة فيما بينها من قبل أن تمارس تأثيرها الكبير على مجريات العالم. والمهمّـة، حسب الفيلم، ليست سهلة بل تأخذ الحيز الأكبر من الأحداث. الأشرار البيض قلّـة و يُـبادون في موقع ما قرب منتصف الفيلم وليس في آخره.
والمبيد ليس البطل الذي لا يُـقاوم بل شرير أسود من أصول القارة ذاتها وهو من سيناصب «بلاك بانثر» العداء حتى المعركة الأخيرة. وفي كل ذلك أبعاداً سياسية غير مطروقة من قبل خصوصاً وأن الفيلم لا يغفل عن دور الإنسان الأبيض في استعمار أفريقيا وتمزيقها وشحن أبناءها كعبيد إلى مختلف أنحاء القارة الأميركية كعبيد. ولا عن أن مستقبل أفريقيا يكمن في وحدتها وليس في شتاتها.
واكاندا بقيت دولة غير مكتشفة بالنسبة لأوروبا مموّهة بغلاف من السرية المطلقة بفضل حاجز هولوغرافيكي (طاقة غير منظورة متعددة الأبعاد) وهذا ما جعلها قادرة على التطور الصناعي والتكنولوجي في حين كانت باقي دول القارة واقعة تحت «القمع الإستعماري» حسب وصف الفيلم.
في مطلع الفيلم هناك معركة على السُلطة. تشالا الملقب بـ بلاك بانثر (شادويك بوزمان الذي لعب الدور ذاته كسنيد لبطليه روبرت داوني جونيور وكريس إيفانز في «كابتن أميركا: حرب أهلية، 2016) عليه الدخول في معركة للإحتفاظ بملكه بعد موت والده. المتحدي زعيم قبيلة أخرى (أسمها جاباري) وهو يخسر المعركة الشرسة ويعلن استسلامه.
شجون هذا العالم
موقع المعركة فريد: قمّـة جبل صخري مرتفع وفي مساحة غارقة في الماء عند حافة هاوية سحيقة. والى هذا الموقع سنعود في معركة ثانية ستدور هذه المرّة بين تشالا وغريم جديد أسمه كيلمونغر (مايكل ب. جوردان) وهذا الأخير لا يعيش في واكاندا، كما حال الغريم السابق، بل أميركي من أصول أفريقية يعمل لحساب السي آي أيه كمنفذ عمليات قتل. شرط المعركة أن يتخلى تشالا عن قواه الخارقة لكي يكون القتال متكافئاً وإذ يفعل ذلك يكتشف تشالا متحدياً لديه من القوّة البدنية ما يتسبب بالإطاحة به. تشالا يقع من ذلك العلو الساحق وكيلمونغر يستولي على الحكم رغم استياء طاقم الحكم.
كيلمونغر لديه خطة عمل منافية لتلك التي ثابر تشالا عليها وهي الكشف عن واكندا كدولة واستخدام قوّتها المدمّـرة التي تم صنعها في الخفاء للنيل من الغرب. في ذلك يستند إلى موقف سياسي وإنساني وجد نفسه فيه منذ مولده. لقد تحمّـل تاريخ أجداده من العبودية ويعيش كشاهد على تفرقة عنصرية ما زالت حيّـة وما قيامه بتنفيذ عمليات القتل إلا بلورة لكرهه المكتسب لكل ذلك. لكن تشالا لم يمت وقبيلة أخرى وجدته واعتنت به وها هو يعود إلى العمل ويستعيد قدراته الفائقة وينازل كيلمونغر من جديد ويهزمه ومعاونيه بمساعدة المخلصين من أتباعه والقبيلة المساندة.
المعركة ليست مجرد نزال بين قوّتين، بل نزال بين قوّة كل منها لديها مفهومها لرسالة واحدة: تحقيق عدالة غائبة، لكن الطريقة تختلف. ما هو مختلف أيضاً هو أن عتاد تشالا من المؤيدين هو في غالبه من النساء المحاربات. الفصل الأخير من المعارك يرتفع لا بالفيلم فقط (بعد بداية بليدة) بل بهذا البعد أيضاً. بذلك يأتي الفيلم على استكمال حلقة كاملة من البدائل الإجتماعية والسياسية والإنسانية عما تفرضه الأفلام الأخرى.
نعم «ووندر وومان» (بدورها نتيجة شخصية كوميكس أخرى) هو من بطولة عنصر «ضعيف» آخر هو المرأة، لكن ذلك الفيلم الذي شاع في العام الماضي (قامت ببطولته غال غادو) لا تملك قضية كبيرة توازي شجون هذا العالم كما أنها إمرأة بيضاء (كذلك معظم طاقمها) وإذا ما تمعنت في الفيلم تجد أن استبدالها برجل أبيض، لو تم، لما تسبب في إلغاء باقي الصفات الأخرى.
مخرج «بلاك بانثر» هو الأفرو-أميركي (أيضاً) رايان كوغلر (Creed الذي قام مايكل ب. جوردان ببطولته) الذي لم يسبق له أن تعامل مع مؤثرات الدجيتال الكومبيوتر من قبل، لذلك لا يمكن منح الفيلم علامات عليا على صعيد تقنياته تلك علماً بأن الفيلم في تكوينه المكاني وعناصر مشاهده الغالبة تطلب شغل آلـ CGI (التجسيد الصوري للكومبيوتر غرافيك) بنسبة تفوق 70 بالمئة من مشاهده. لكن ما يعوض هذا النقص قدرة الفيلم على إعتبار أن هذه المؤثرات وسيلة درامية لإبلاغ الحكاية أكثر منها نماذج صناعية وديكوراتية.
وحسناً فعل المخرج، الذي شارك في كتابة السيناريو مع جور روبرت كول نقلاً عن شخصية ابتدعها في الستينات ستان لي وجاك كيربي) باستبعاد أي تكرار لعلاقة عاطفية تفرض نفسها على الأحداث. نعم تشالا يتزوّج ممن يحب لكن من دون مداولات غرامية بينه وبين زوجته أو بين أي من الحرس النسائي المحيطين به وآخرين الا في حدود تشبه، حجماً، النظر من شق في نافذة.
البيض متواجدون في أدوار ثانوية (كما كان السود وما زالوا في أفلام النوع عموماً): أندي سركيس (عراقي الأصل) في دور الشرير الأبيض الذي يسرق جزءاً من العنصر الهولوغرافي ومارتن فريمن هو عميل السي آي أيه الذي يجد نفسه جزءاً من طاقم بلاك بانثر ويحارب من أجله.
0 comments:
Post a Comment