The Bourne Legacy/ Dredd 3D / Killing 'em Softly


Issue 153
  بين الأفلام  

  المعجبون، مثلي، بتمثيل كلير دانز عليهم إنتظار طلّـتها بحلقات تلفزيونية جديدة من مسلسل «هوملاند» الذي تعاقدت عليه للسنة الثانية على التوالي. بطلة أفلام لأوليفر ستون يو تيرن») وفرنسيس فورد كوبولا صانع المطر») والدنماركي بيل أوغوست البائسون»)، لم تظهر على الشاشة الكبيرة منذ ثلاث سنوات ولا يبدو أنها ستظهر في القريب العاجل. هذا على الرغم من أنها كانت انتهت من بطولة فيلم عنوانه  «باردة مثلي» (او As Cool as I Am) ذو الخامة الإجتماعية إذ يتحدّث عن أم متعبة بهمومها الخاصّة وبإبنتها المراهقة. كان من المفترض بهذا الفيلم أن يعرف في مطلع الشهر المقبل، لكن الإتفاق بين الجهة المنتجة والجهة الموزّعة فرط بالكامل وأعاد هذا الفيلم إلى حظيرة الأعمال المنجزة (تم تصويره سنة 2011) التي لا تزال تنتظر من يوزّعها. الصورة التي تصاحب هذه الكلمات هي من فيلم تسجيلي لكيم كيربي حققه سنة 2008  بعنوان Homeland, Beirut is Back

  لكن لا تأخير يُذكر بالنسبة لفيلم تشترك فيه ممثلة أخرى قليلاً ما تحظى بالأدوار هذه الأيام هي إليزابث شو. بعضنا يذكرها من حين انطلاقها في فيلم «كوكتيل» (مع توم كروز) سنة 1988) او من بطولتها للجزأين الثاني والثالث من «الرجوع إلى المستقبل». في العام 2010 ظهرت في أربعة أفلام لكن جميعاً صغيرة ومرّت عابرة، على عكس ما يؤمله فيلمها الجديد «المنزل الذي في آخر الشارع» الذي ينطلق هذا الأسبوع. لكن علينا الحذر من الإعتقاد أن سرعة عرض الفيلم بعد أقل من ثلاثة أشهر من انتهاء تصويره يعود إليها. فبطلته الأولى هي جنيفر لورنس التي دعمت نجوميّتها بفيلم «لعبة الجوع» وهي تقوم الآن بتصوير الجزء الثاني منه. "شو" هي أيضاً في «بالم سبرينغز» المعروض حالياً، لكن التركيز ليس عليها بل على ميريل ستريب التي ربما وجدت نفسها مرشّحة للأوسكار للمرّة الألف هذا العام.

  حالياً لندن تدخل على الخط كموقع عرض أوّل للأفلام الأميركية. فيلم «درَد 3D» بوشر بعرضه قبل أسبوع من عروضه الأميركية  و»الآن جيد»  (مع داكوتا فانينغ) الذي قد يتوجّـه مباشرة إلى سوق الأسطوانات في الولايات المتحدة. كذلك ينطلق هذا الأسبوع عرض فيلم «أقتلهم بنعومة» الذي سيتأخر عرضه في الولايات المتحدة لنحو شهر (أقرأ نقد الأفلام أدناه). ولندن بالطبع لا تزال المكان الأول لعرض الأفلام الفرنسية والإيطالية بينما لا يمر من خرم إبرة العروض الأميركية الا القدر القليل من هذه الأعمال.  وهذا الأسبوع يطالعنا الفيلم الفرنسي «يلوج كليمنجارو» لروبير غويدغيان والهندي «بطلة» لمدهور بهانداركار و«حكايات الليل» وهو أنيماشن آخر من إنتاج فبركة فرنسية نشطة في هذه الأيام في هذا النوع من السينما.


   أفلام الصالات    


Killing 'em Softly ***   

إخراج: أندرو دومينيك
أدوار أولى:  براد بت، راي ليوتا، سام شبرد، جيمس غاندولفيني.
النوع: بوليسي داكن | الولايات المتحدة (2012).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
براد بت في دور قاتل محترف في فيـلم جيّد
النبرة، خفيف على الضرورة عن رواية  لمؤلّف
لم يُكتشف بعد جيّداً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في فيلم أندرو دومينيك الجديد «أقتلهم بنعومة» لا أحد يحبّذ أن يقتل أحداً، لكن القتل هو الحل الوحيد في النهاية. الإجراء الذي لابد منه بعد نفاذ الإحتمالات الأخرى، او بعد أن يتبدّى للقاتل أن الضرب العنيف وحده لن يكفي. وهو يطال من يعتبره الفيلم يستحق القتل ومن هو بريء من أي داع أو مبرر لقتله.
الفيلم مأخوذ عن رواية معروفة لهواة الأدب البوليسي بعنوان «تجارة كوغان» (وهو العنوان السابق لهذا الفيلم) وضعها جورج هيغينز. وجورج هيغينز هو مؤلف الرواية التي نقلتها السينما إلى فيلم رائع سنة 1973 بعنوان «أصدقاء إيدي كويل» (أخرجه بيتر ياتس) حول موقف صعب آخر لبطله إيدي كويل، كما لعبه بتلقائية مدهشة روبرت ميتشوم، فهو سجين سابق يضغط عليه التحري دايف (رتشارد كوغان) لتوريط عصابة لأجل إلقاء القبض عليها. في الوقت ذاته يطلب التحري ذاته من أحد معارف إيدي إسمه ديلون (بيتر بويل) تصفية إيدي
الحكاية تختلف هنا فبراد بت (الذي قاد بطولة «إغتيال جيسي جيمس بيد الجبان روبرت فورد» الذي أخرجه دومينيك أيضاً) هو القاتل المحترف الذي تتم الإستعانة به لمعالجة وضع بات يشكّـل خطراً: عصابة من رجلين غير محترفين تغير على ناد صغير للعب القمار يديره رجل العصابة ماكي (راي ليوتا الذي لا تستطيع الا وأن تشعر بالشفقة عليه) وتسرقه. على جاكي أن يعرف ماهيّتهما ويتخلّص منهما. ثم يستأجر من يريد للإجهاز على ماكي نفسه، خصوصاً بعدما تم التعرّض للنادي وسرقته مرّة أخرى ما جعل المنظّـمة ترتاب بأن ماكي يدبّر عمليات السرقة بنفسه لحسابه الخاص.
جاكي قاتل خاص بقدر ما هو متخصص. إنه يفضّـل القتل من بعيد ويفسّر ذلك بقوله أنه لا يحب صراخ الضحايا خائفين او مستعطفين (من هنا جاء العنوان). وهو يطلب من صديق قديم (جيمس غاندولفيني) معاونته، قبل أن يكتشف أن ذاك لم يعد مثار ثقة بسبب إدمانه على الشرب والعاهرات معاً. هذه النقطة، بقدر ما هي مثيرة للإهتمام على الشاشة، بقدر ما هي درامياً مثل طريق فرعي ينتهي بجدار مسدود. صحيح أنه سيعني أن جاكي سيقوم بالمهمّة بنفسه، الا أن المشاهد بين براد بت وغاندولفيني لا تبدو أكثر من مناسبة لتجاذب حوار من دون حركة مصاحبة. 
كذلك يأخذ الفيلم وقتاً طويلاً لشرح ما هو واضح. يعتني بالحوار ويستخدمه وظيفياً لشرح شخصياته وملامحها الخاصّـة، الا أنه يفيض عن الحاجة في بعض المشاهد وعلى حساب الإيقاع ذاته. لكن قدرة المخرج على إدارة شخصياته وعلى توقيت مواقعه جيّدة. 
الفيلم بالغ العنف في أكثر من مشهد، خصوصاً مشهد الضرب المبرح الذي يتلقّاه راي ليوتا، لكن وعلى صعيد آخر يعمل جيّداً لناحية تصوير خيبة الأمل الأميركية من قدرة البيت الأبيض على إنقاذ البلاد من المحنة الإقتصادية. هذا هو عالم الفيلم الداكن الملقى على خلفية أكثر دكانة. ففي المقدّمة حكاية بوليسية حول رجال لا يمكن الإعجاب بأي منهم، بمن فيهم الشخصية التي يؤديها براد بت، وفي الخلفية خطابات على شاشة التلفزيون لمسؤولين أميركيين يعدون بخطوات لا تبدو نافذة. الخطّان لا يلتقيان، بمعنى أنه كان يمكن تصوير رقص شرقي على تلك الشاشة من دون أن يتغيّر المعنى، لكن وجوده يبقى أفضل من عدمه على الأرجح.
  
Dredd 3D   **  

إخراج: بيت ترايفيز
أدوار أولى:  كارل أوربن، أوليفيا ثيرلبي، لينا هيدي.
النوع: أكشن | الولايات المتحدة (2012).
تقييم: ** (من خمسة) 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شخصية "درد" التي لعبها سلفستر ستالوني
قبل سبعة عشر سنة تعاود الإطلال في عمل 
إسوأ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل العناصر التي تستخدم اليوم لتقديم فيلم علمي-خيالي يحمل منحى من التفكير في شؤون المستقبل موجود على نحو طبيعي في هذا العمل الذي ابتكر شخصيته جون واغنر ورسمه كارلوس إزغويرا على صفحات مجلة الكوميكس «IPC» البريطانية سنة 1977. ما هو غير موجود تحقيق الفيلم الصحيح والجيّـد عن الموضوع عوض خلق حالة من المؤثرات الدائمة والخدع البصرية اللاهية وبالأبعاد الثلاثة حتى يتضاعف قدر الأذى.
القاضي درد هو أحد قضاة عصر لاحق معيّن من قبل السُـلطات لكي يمثـّل القانون في عالم مستقبلي يقع في ضواحي المدن المكتظّـة. إنه ليس قاضياً يجلس على كرسي العدالة ويستمع لمحامي الدفاع ووكيل النيابة وهما يترافعان بخصوص هذا المتهم او ذاك، بل رجل قانون يمارس المقاضاة ويحكم على الفور وليس من شأنه إقتياد المحكوم عليه إلى السجن إذا وجده مذنباً بل يستطيع أن ينفّـذ فيه حكم الإعدام إذا ما وجد أنه يستحق ذلك. 
هناك ما يكفي من دلائل في المجتمعات الغربية للشعور بأن المستقبل بعد بضع سنوات قد يكون على صورة لا تخلو من هذا التعسّـف. السلطات تحاول ردء الإرهاب بمختلف أنواعه عن طريق اتخاذ إجراءات لم تكن واردة في حسبان المجتمعات المذكورة قبل عشرين او خمس وعشرين سنة. الآن تتكاثر الأفلام التي تتحدّث عن قبضة السلطات القويّـة على شؤون الحياة والأفراد وبعضها، مثل «أرث بورن» يضعها في الزمن الحالي. لكن هذه الطروحات، محتملة الحدوث او لا، يمكن لها أن تفيد الأفلام التي تتعامل معها من حيث منحها العمق الدرامي الذي تستحقه. أما هنا فإن هذا العمق محدود جدّاً، إنه مشار إليه في أفق ما (كما الحال في النسخة الجديدة من «توتال ريكول») أكثر مما هو معمول به. العالم الذي يصوّره هو عالم ما بعد وقوع كارثة نووية حيث الحياة تصبح، عملياً، مستحيلة وربما يصبح من المعذور التحكّم بالجريمة من دون قوّة ضاربة تقتل أوّلاً (وهناك الكثير من العنف في هذا الفيلم) وتسأل ثانياً… او لا تسأل بالمرّة.
على عكس شخصيات كوميكس أخرى (أيرون مان، باتمان، سبايدر مان الخ…) لا يحمل القاضي "درد" وجهين: واحد إنساني (او على الأقل بشري) يكشفه الفيلم لنا بمجرد خلع القناع وآخر تحت ذلك القناع حين ينبري لمجابهة الأشرار. درد الحالي دائماً تحت القناع لا تستطيع أن تتجاوب معه او ضدّه وتفاعلك بالتالي يبحث منذ البداية عن بديل وتعويض. وبما أن الممثل الذي يؤديه (كارل أوربن) لا يحمل إسماً مشهوراً ولا يستطيع أن يخلع القناع لكي يبرهن عن أن لديه قدرة على التمثيل او على الأقل عكس ذلك الشعور بأنه قاس على النحو الذي يقترحه عليك لباسه وحركاته. 
المخرج بيت ترايفيز ربما يعتقد أنه يستطيع الإستغناء عن كل مقوّمات العمل الجيّد بمجرد أن عليه التوجه لجمهور واسع. ولعله أراد أن يقدّم عملاً لا يعترف بما تحاوله أفلام "سوبر هيرو" أخرى وهو الإقدام على "خلطة فوزية" فإذا بقليل من الأكشن هنا وقليل من المواقف الدرامية هناك وقليل ثالث من الكوميديا وكلها مقادير ممتزجة قد تنجح بدورها او قد لا تنجح.
الشخصية ذاتها كانت انتقلت إلى الشاشة سنة 1995 عندما لعب سلفستر ستالون الدور. لم يكن فيلماً جيّداً لكنه كان أفضل قليلاً من هذا العمل و… شاهدنا وجه ستالون بالفعل.


The Bourne Legacy   ***   

إرث بورن   
إخراج: توني غيلروي.
أدوار أولى:  جيريمي رَنر، راتشل وايز، إدوارد نورتون، ستايسي كيتش،
سكوت غلن. 
أكشن جاسوسي | الولايات المتحدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سينما الأكشن تربح فيلماً جديداً في هذا
الجزء الرابع من مسلسل «بورن».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحلقة الرابعة من سلسلة بورن (بعد «هوية بورن»- 2002، «سيادة بورن»- 2004 و«إنذار بورن»- 2007) يخلو من شخصية جاسون بورن الذي لعبه مات دامون ليقدّم شخصية بديلة لعميل مخابرات آخر هو آرون كروس كما يؤديه عن جدارة جيريمي رَنـر، الذي شاهدناه خبير متفجرّات في العراق في «خزنة الألم» ومساعداً لتوم كروز في «مهمة: مستحيلة . لكن الجهة الإنتاجية (يونيفرسال) كان لابد لها من استخدام كلمة "بورن" وتدبير بضعة أسطر من الحوار لتبرير درامي كوسيلة لترويج الفيلم عبر إلحاقه بالمجموعة الناجحة من قبل. والمنتج فرانك مارشال طلب إذناً من مات دامون لاستخدام صورته الفوتوغرافية في الفيلم لمزيد من الربط. لكن ما عدا ذلك، هذه شخصية جديدة بمواصفات مختلفة تماماً عن مواصفات تلك التي أدّاها دامون من قبل، وبحكاية غير متّـصلة بحكايات الأجزاء السابقة. أكثر من ذلك كروس هذا لم يفقد ذاكرته (كما حال بورن) ولو أن الحبكة لا زالت في مكانها: عميل مخابرات حسن التدريب يحاول الحفاظ على حياته والنفاذ من تهديدات المخابرات المركزية ذاتها.
إنه عميل منعزل اليوم في مهمّـة تدريبية في منطقة ثلجية معزولة يعيش وسط ذئابها لكن عليه العودة إلى الحياة المدنية لأن المخابرات جعلته مدمن عقار خاص مختلط بدمه إذا لم يتناوله يومياً خسر حياته. كروس لا يعلم أن رئيس الشعبة التي ينتمي إليها (إد نورتون) أمر بقتله وهو لا يستطيع إيقاف المحاولات لأن المخابرات زرعت في جسده "رقاقة" تخبرهم بأماكن انتقاله. يتخلّص كروس منها بعدما حاولت المخابرات إغتياله، عبر نزعها من ساقه. وحين يعود إلى نيويورك طالباً العلاج يجد أن الشعبة تريد إلغاء عمل المختبر العلمي الذي تشرف عليه والذي يستثمر أبحاثه في كيفية إخضاع الناس لأوامر ومناهج معيّنة، فتوعز لأحد العاملين فيه بإعدام رفاقه. وحدها مارتا (راتشل وايز) تنفذ من العملية وتهرب مع كروس الذي كان لا يزال يعتقد أنها تملك حلاً للعقار الذي عليه أن يأخذه حتى لا يموت. رحلتهما تمتد إلى الفيليبين حيث ستساعده في تناول جرعة واحدة ستغنيه عن كل الحبوب التي كان يتناولها. رئيس الشعبية يكتشف مكانهما ويرسل من يغتالهما. كونهما بطلا الفيلم وهناك نيّة لاستكمال هذا الفرع من شجرة بورن، فإنهما سوف ينتصران في فصل من المعارك والمطاردات الفتّـاكة. 
الفيلم تحت إدارة جديدة قوامها المخرج توني غيلروي مايكل كلايتون») ملتهب الحرارة منذ البداية، لكن الوصلة الأخيرة من المشاهد تبلغ الذروة بحماسها وتنفيذها ووقعها في صراع الحياة والموت. فجأة، وبسبب سوء ختام للمعركة لا يزيد عن ثلاثين ثانية على الشاشة، يهبط مؤشر التشويق من عشرة إلى خمسة تاركاً إياك تتساءل عن السبب الذي امتنع الفيلم وصانعوه عن خاتمة لا تخسر ما أنجزته الدقائق السابقة. على ذلك، هذا فيلم أكشن من باب أوّل وهو منفّذ بالطريقة القديمة قدر الإمكان (بلا كومبيوتر غرافيكس) وبشخصيات داكنة وقابلة للتصديق. 
في تناوله لعمل الإستخبارات الحالية، يستند الفيلم إلى معطيات باتت منتشرة مثل زرع الخلايا والتجسس على الأشخاص بدناً وفكراً واستخدام الكومبيوتر ووسائل الإتصال المختلفة في ذلك. لا يتوقّف للتحذير لكنه بوضعه هذه الأدوات في أيدي الأشرار يعلن رفضه لها ويدعو مشاهديه لمبدأ مماثل. الأكشن لا يتوقف، كما هو المعهود في هذه السلسلة، وقيمتها أنها لا تزال منفّذة بأقل تدخّـل ممكن من مبرمجي الكومبيوتر. هذا يمنحه الفيلم قيمة خاصّـة بحد ذاتها، فإذا أضفت أداء جيريمي رَنـر الذي يملأ المشهد بتلقائيّة مثيرة للقبول والتصديق، ترتفع أسهم العمل وإن هو لا يحقق تماماً المساواة مع بعض حلقات هذا المسلسل السابقة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

N. 134 | ثلاثة أفلام من ثلاثة مهرجانات: تورنتو، فينيسيا، سندانس



  بين الأفلام  

هل يدخل فيلم ترنس مالك الأخير «إلى العجب» مسابقة الأوسكار؟ ثم هل يدخلها كفيلم أميركي او ضمن الأفلام الأجنبية؟ السؤال طبيعي لأن نصف الفيلم بالفرنسية وعلى متخصصين أن يحصوا نسبة ا٥للغة الإنكليزية حتى يمكن تحديد ملاءمته لهذا القسم او ذاك.

  في العروض التجارية الأميركية من أسبوع فيلم بعنوان «ضوء اليوم البارد» The Cold Light of Day لمخرج أسمه مبروك المشري. وهذا الإسم مرّ على المتابعين قبل سنتين عندما قام بإخراج وكتابة فيلم عاد به جان-كلود فان دام إلى الأضواء بعنوان JCVD (الأحرف الأولى من الممثل). هذه المرّة يوفّر المخرج تشويقاً تقع أحداثه بين نيويورك ومدريد حول مضارب بورصة شاب (هنري كافيل) يخوض مغامرة لاسترجاع أفراد عائلته التي تم خطفها. في الفيلم أيضاً بروس ويليس وسيغوني ويفر ورشدي زم.

والموضوع نفسه، مع اختلافات في فيلمين جديدين قادمين: «مخطوفة الذي يتم فيه خطف زوجة بطله ليام نيسون (في «مخطوفة» تم اختطاف إبنته) وهذا مبرمج للعرض في الشهر المقبل و«مسروقة» مع نيكولاس كايج يبحث عن إبنته التي تم خطفها ووضعها في صندوق سيارة مقابل فدية.

  «براءة المسلمين»، الفيلم الذي أشعل فتيل موجة جديدة من المعارك بين المتطرّفين على كلا الجانبين، ومما شوهد منه سريعاً، عمل مشين على صعيدي المضمون والشكل. لا يملك قصّـة يمكن تبنّيها ولا يسردها على نحو قد يدفع المرء للتساهل في المضمون وقبول اللغة الفنية لها، لأن هذه اللغة غير موجودة. ما هو موجود إساءة بقصد الإساءة واستخدام التصوير بالديجتال لتحقيق هذه الغاية. لكن الغريب فيه ليس قيمته الفنية او الموضوعية الركيكة بل في أن مشاهد منه تسللت إلى اليوتيوب منذ شهرين ولم تصل إلى العلن الا قبل ثلاثة أيام او نحوها ما يعزز كونها مستخدمة بهدف التخريب في حين بدأت بعض الأصوات الأميركية تتساءل عن الحرية الممنوحة لـ «اليوتيوب» ومسؤوليّتها في كل ذلك.

  الجديد هنا أن صحيفة «ذ لوس أنجيليس تايمز» تلقّـت رسالة إلكترونية من مجهول رفض ذكر إسمه (خوفاً على حياته) يقول أنه شارك في الفيلم من دون علم له بمضمونه، وبل: "كل فريق العمل غاضب جدّا لأنه يشعر بأنه وقع خديعة. نحن مئة بالمئة لسنا ضد هذا الفيلم وتم خداعنا بفحواه وغرضه" وهو يُـضيف: "نحن مصعوقون لكثرة التغييرات التي طرأت على السيناريو والأكاذيب التي تعرضنا لها. ونشعر بالحزن العميق للتراجيديات التي وقعت". وحسب قوله فإن تلك الكلمات التي استخدمت لشتم نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، "أضيفت لاحقاً من قبل المنتج والعاملين على المونتاج ويتضّح أن الأصوات تختلف بين الممثل الأصلي والصوت الذي على الصورة".

  ربما يكون هذا صحيحاً وربما لا يكون لكن المرسل تمنّـع عن الحديث عن مخرج الفيلم الذي لا وجود له على قوائم المخرجين والسينمائيين الأميركيين او في أي مكان آخر، ما يعزز احتمال أن يكون استخدم إسم سام باسيل كتمويه  خصوصاً وأن وكالة أسوشياتد برس في نشرة لها أوحت بأن المخرج قد يكون نيقولا باسيلي نيقولا، وكان وُجد مذنباً بقضايا مالية من قبل. وهو اعترف للوكالة بأنه مدير الشركة التي أنتجت الفيلم لكنه لم يفصح عن هوية مخرجه. 

  في نقلة إلى الأفلام التي يمكن إطلاق هذه التسمية عليها، فإن «مسكن الشر: رد فعل» هو جزء جديد من سلسلة Residence: Evil  الذي انطلق قبل أكثر من خمس سنوات كفيلم رعب ولا يزال. لكن الجديد فيه عبر خمسة أجزاء إلى الآن هو أنه تحوّل من حكايات أرواح إلى حكايات غيلان ووحوش تحاول، كما في هذا الجزء الجديد، إبادة الجنس البشري من الوجود بالتهامه. على المرء أن يفحص قائمة هذه الوحوش فلربما كان سام باسيل واحداً منها.

  هل سينقذ هذا الفيلم وضعاً صعباً عاشته صالات السينما في الأسبوع الماضي عندما بلغ إيراد الفيلم الأول في القائمة (كما يرد هنا أدناه) أقل من عشرة ملايين دولار؟ هذا الأسبوع دخل التاريخ على أنه الأسوأ منذ العام 2001 (لا علاقة) وستديوهات السينما في أميركا قلقة من إستمراره خصوصاً وأن الأفلام الأخرى التي تنطلق بدءاً من اليوم ومنها «عشر سنوات» و«بشرة نظيفة» و«أربتراج» وكلها أفلام صغيرة ومتوسّطة. وهذا الأخير من بطولة سوزان ساراندون، وهي إبنة الخامسة والستين سنة حالياً،  التي لديها حالياً وقريباً خمسة أفلام جديدة بينها دورها المقبل في «الصحبة التي تحتفظ بها» و«كلاود أطلس».

  لكن من بين هذه الأفلام ما يعود بنا إلى موضوع الإرهاب على الشاشة وفي الحياة وهو فيلم «عشر سنوات» الذي يأخذ على عاتقه تصوير متطرّف "بريطاني الولادة" (ما يعني أنه ليس أبيض البشرة؟) في مسعاه للقيام بتنفيذ مهمّة إرهابية فيتصدّى له عميل المخابرات البريطاني إوان (البريطاني شين بين). الفيلم من إخراج هادي حجّـاج.

   أفلام مهرجانات 2012  

 تورنتو

Anna Karenina  ***
آنا كارنينا   
إخراج: جو رايت.
تمثيل:  كايرا نايتلي، آرون تايلور-جونسون، كيلي مكدونالد، جود لو. 
دراما تاريخية [إقتباس أدبي] | بريطانيا

في إقتباسه رواية ليو تولستوي الضخمة عمد المخرج جو رايت عن سيناريو للمسرحي توم ستوبارد، إلى الإلتزام  بالأحداث الدرامية ذاتها، المكان هو نفسه (روسيا في العصر القيصري) والزمن لم يتغيّر عن ذاك الذي في الرواية (1870)، لكن حريّته تكمن في التفاصيل وفي قيامه بتلخيص ما شكّل عملاً لا يخون الأصل في نحو ساعتين وعشر دقائق. 
سيناريو مكتوب بحب واحترام ويتضمّن تعميقاً مناسباً لذلك الوارد في الرواية الأصلية كما اشتهر عن شخصيات تولستوي، وابتعاد عما اعترى آخر نسخة تم تصويرها للسينما عن تلك الرواية الكلاسيكية وهي نسخة المخرج برنارد روز التي قامت ببطولتها صوفي مارسو سنة 1997.
آنا كارنينا متزوّجة (نايتلي) متزوّجة من الموظف الحكومي كارينن (لو) عندما يستنجد بها شقيقها أبلونسكي (ماثيو ماكفايدن) لتحل إشكالاً عالقاً بينه وبين زوجته دوللي (مكدونالد). خلال الرحلة في القطار المنطلق من سانت بيترسبورغ إلى موسكو، تتعرّف إلى الكونتيسة فرونسكي (أوليفيا وليامز)  ومن خلالها تتعرف على إبنها الشاب الضابط (تايلور-جونسون). إنه حب من أوّل نظرة ولو أن الضابط يبدو متردداً باديء الأمر عندما يتعرّف أيضاً على شقيقة دوللي (أليسا فيكاندر).
من لا يزال يجد في الروايات الأدبية الكبيرة التي لديها الكثير مما تتولّى الإفصاح عنه من خلال رصد الشخصيات في محيط تاريخي بعيد وخاص، هذا الفيلم يمثّـل نقطة مهمّة ومناسبة لا يجب تفويتها. هذا النوع من الرومانسيات لم يعد متوفّراً حتى في الحياة العادية، ويبدو في بعض الحالات هنا، كما لو أنها فانتازيا رغم أنه ليس كذلك. الحب من أول نظرة يقود إلى علاقة وفضيحة تتحدّث عنها سانت بيترسبيرغ عندما تعود الزوجة ويلحق بها الضابط لتأكيد حبّه.
الفيلم منقسم، من دون قصد، إلى نصفين، نقطة الفصل عودة آنا كارنينا إلى مدينتها معتقدة أنها ستستعيد هدود حياتها السابقة. هذا النصف يحمل إيقاعاً متواصلاًورغبة المخرج تزين ما يعرضه بحركات فنية ملائمة. أما النصف الثاني فهو أكثر هدوءاً. لكن المشكلة الأكبر هي أنه في حين يسعى المخرج جهده لتقديم عمل يحترم الأصل ويساويه مكانة، الا أن تحقيق هذه الغاية كانت تتطلّب فيلماً بحجم أكبر. يحاول المخرج تغطية النقص بما لديه من عناصر فنية (بما فيها تمثيل جيّد من الجميع) لكن البصريات لا تكفي لتجسيد المكان والزمان والصلب الأدبي الذي للرواية الأصلية.
الجندي المجهول في هذا الإقتباس هو سيدي لعربي شرقاوي مصمم الإستعراضات الراقصة ومدير التصوير سيموس ماكارفي هو نفسه الذي صوّر «المنتقمون» لكنه يغير وجهته هنا 180  درجة.

فينيسيا 

Outrage: Beyond ***   
إخراج: تاكيشي كيتانو
أدوار أولى:  تاكيشي كيتانو، فوميو كوهيناتا.
النوع: بوليسي داكن | اليابان (2012).

فيلم المخرج المتمرّد  تاكشي كيتانو الجديد هو تكملة لفيلمه السابق «غضب» (2010) الذي  تناول فيه أحداثاً تدور في رحى عصابات الياكوزا الشهيرة. فيه لعب شخصية قاتل محترف من  العصابة ينتهي إلى السجن حيث تتم محاولة اغتياله فيه. يتركنا هناك معلّقين بين أن يكون مات او بقي على قيد الحياة، كذلك مع صور دامية لمشاهد عنف بولغ في العناية بها.
الفيلم الجديد لا يبدأ به بل يأتي ظهوره بعد نحو نصف ساعة من بداية الفيلم. حين يظهر لا تتمحور القصّـة حوله كثيراً، ولا يظهر في غالبية المشاهد، بل  يؤدي دوراً مسانداً في فيلم تتساوى فيه الشخصيات بأسرها إذ  يخلو من بطولات فردية. بل قل أنه يخلو من أي "بطولات" فالجميع هنا شرير والجميع هنا فاسد بمن فيهم البوليس. لكن ما ينقذ الفيلم من تدمير نفسه هو الصورة الكاريكاتورية الهازئة التي يرسمها المخرج حول كل الشخصيات. يجعلك تريد الضحك وأنت تشاهد ما هو جاد للغاية.
أحد تحريي الأمن (فوميو كوهيناتا) يقنع رؤسائه بأن أفضل طريقة للتخلص من العصابتين القويّـتين هو التسبب في قيامهما بتصفية كل للأخرى. يتم إخراج أوتو/كيتانو من السجن لمؤازرة إحدى العصابتين رغم أن لا أحد، حتى في العصابة التي ينتمي إليها، يحبّـه والجمع يتآمر ضده. مشاهد العنف تبدأ لكنها ليست متواصلة وحين تفعل فهي سريعة ولغاية لا تدوم إذ تكتفي بإحداث الصدمة متحاشية هذه المرّة العنف الزائد عن الحاجة. وفي النهاية يتم القضاء على الجميع على نحو أو آخر بمن فيهم التحري الذي زكّى نار الخلافات بين العصابتين وأراد أن يجهز كذلك على أوتو للتخلّـص من كل مسؤولية ممكنة. 
«غضب» (الأول) كان فيلماً عنيفاً للغاية مشرّب بالدم. الفيلم الجديد ما زال عنيفاً، لكنه غير دموي. كذلك هو مليء بالحوار لدرجة أن نصف مشاهده في الساعة الأولى كان يمكن لها أن تحذف بنحو او بآخر. كذلك فإن تشابه الأماكن (مكاتب وغرف مغلقة) والملابس والتصرّفات (ناهيك عن الملامح والأسماء) يجعل المشاهد في تلك الساعة غير قادر على التمييز إذا ما كان هذا الفرد يعمل لصالح هذه العصابة او تلك. لكن الأمور ترتاح أكثر بعد ذلك وإن لا يؤدي ذلك إلى إرتفاع حاسم. التصوير، من كاتسومي ياناجيجيما جيّـد ومحكم لكن الفيلم كان بحاجة لمساحات من التأمّـل لم يجد المخرج كيتانو سبباً لها.  على كل ذلك، ومن وجهة نظر سينمائية بحتة، لا يمكن الا تقدير كيتانو خلف وأمام الكاميرا. في المركز الأول يدفع الفيلم صوب خضم من التوتر ويبقيه على إيقاع متوتر وفي الثاني، هو أكثر الممثلين تميّزاً هنا وحين يقتل التحري في النهاية برصاصات سريعة وباردة، ترى التشابه بين شخصيّته وبين طريقته في تنفيذ الفيلم: بارد وسريع أيضاً.

سندانس 


Momoiro Sora O  **
[About the Pink Sky]

عن السماء القرنفلية 
إخراج: كاييشي كوباياشي



اليابان2011 
دراما إجتماعية | مهرجانات "سندانس"، "تورنتو"، "طوكيو".
أبيض/ أسود - دجيتال  | 113 د

على الرغم من أنه فيلم آسر في أكثر من جانب، بينها تصوير رائع بالأبيض والأسود من نارويوكي هيداكا، الا أن الفيلم يتحرّك بقدر ملحوظ من الفتور أكثر مما يتفاعل على نحو يبني عليه ما سبق من إهتمام. الحبكة ذات مستوى واحد من التطوّرات وبعض مفارقاتها ليست ذا شأن. إيزومي (آي إيكيدا) طالبة في الخامسة عشر من العمر تُشاهد (في مطلع الفيلم كما في مشاهد كثيرة لاحقة) وهي تمشي في المدينة من دون قصد او وجهة محددة. لا نراها في المدرسة ولا نعرف عن أهلها أي شيء. ذات يوم تجد محفظة فيها 300 ألف ين (نحو 4 آلاف دولار) فتمنح ثلثيها إلى رجل عجوز يحتاج لدفع دينه وتمضي بالثلث الأخير. تلتقي وصديقتين لها والثلاثة يتعرفن على صاحب المحفظة (إبن رجل ثري) وهذا يوظفهن لتأسيس جريدة محلية. لكن لا شيء مهم يقع بعد ذلك ولا يرتفع النبض عن ذاك الذي بدأ الفيلم به بل ينخفض. على الأقل في البداية كان هناك قدر من الشغف بأسلوب هاديء وراصد وبإيقاع يقصد من وراء بطئه التأمّـل، لكن بعد حين لم يعد يوجد ما يستوجب التأمل فعلاً.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Issue 133 | وجدة | يمّـا | إرث | The Expendables 2 | Shadow Dancer | Outrage: Beyond | 2016: Obama's America| Total Recall


أفلام من مهرجان فينيسيا

وجدة   ** 

إخراج: هيفاء المنصور
أدوار أولى:  وعد محمد، ريم عبدالله، أحد، سلطان العساف دراما إجتماعية [السعودية/ ألمانيا/- 2012] | مهرجانات أخرى: ڤنيسيا/ تورنتو.
دراما إجتماعية [السعودية/ ألمانيا/- 2012] | مهرجانات أخرى: ڤنيسيا/ تورنتو.
مجمل آراء النقاد الآخرين: ****

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• بطلة فيلم «وجدة» (وعد محمد) تشبه المخرجة السعودية التي تقدّمها هيفاء المنصور في ناحية واحدة على الأقل: إذ تشاهد الفيلم ذي الخامسة والتسعين دقيقة، يساورك الشعور بأن المخرجة إنما تتحدّث عن نفسها من خلال بطلتها وأحلامها. الدرّاجة التي تطمح وجدة لركوبها، هي السينما التي كانت هيفاء المنصور تطمح لتحقيقها. كلاهما أنثى يعيشان في مجتمع محافظ. كلاهما يجدان تشجيعاً محدوداً وصدّاً كبيراً. كلاهما يحقق ما يريد في النهاية.
«وجدة» هو الفيلم الروائي الأول للمخرجة الطموحة التي كانت حققت عدداً من الأفلام القصيرة بعضها أفضل من بعض، لكن ليس من بينها ما هو رديء. على ذلك، تحقيق فيلم روائي طويل هو أمر مختلف. الأفلام القصيرة تستطيع أن تتخلّـى عن شروط الرواية وعناصر القصّـة، لكن الفيلم الطويل ليس متحرراً من الحاجة- إذا ما كانت الإجادة مطلباً- إلى تلك العناصر الا إذا أريد للفيلم أن يكون طليعياً او تجريبياً او منتمياً إلى وضع سوريالي. وأول ما يلحظه المرء هنا هو أن ملكية المخرجة للكتابة (بما في ذلك كتابة الحوار) وصفية ومن مصدر واحد يطغي بمواقفه على الجميع. فالأم تتصرّف حسب المنهج المرسوم لها،  والمعلّمات حسب المنهج المرسوم لهن. لا مناطق رمادية تثري الشخصيات، ولو أن ما يفعله الفيلم، ولو تعويضاً، هو استخدام هذه المواقف الممنهجة كأنماط لإيصال رسالة مفادها العالم المحبط والممانع لبطلتها لمجرد أنها تحلم بأن تشتري دراجة (هوائية) تلعب بها.
تبدأ المخرجة فيلمها بلقطات على أقدام الفتيات المتوجّهات إلى المدرسة. ثم تفتح على نحو عريض لتشمل الصف الذي تدرس فيه وجدة. ثم تتابعها إلى البيت وتعرّفنا بوالدتها الطيّبة وبأبيها الذي سترغمه أمّـه الزواج من إمرأة أخرى، لأن الأولى (والدة وجدة) لم تنجب له صبياً. الفيلم ينجح هنا  ثم في المفاد الأخير المكوّن من مشاهد نهائية، في تسليط الضوء مزدوجاً على مأزق (او سمّـه أزمة إذا أردت) الفتاة والأم، فكما أن الأولى تمر في عنق زجاجة الوضع الإجتماعي المحافظ، مرّت الأم به وبل لا تزال من خلال النظرة المتداولة وهي أن على المرأة أن تنجب ولداً ذكراً لزوجها كشرط لاستمرار الحياة الزوجية من دون ضرّة (ربما)
بعد التمهيد يدخل الفيلم في توليفة من المشاهد المتكررة التي تعيد شرح وضع الفتاة في المدرسة وموقف المديرة المتجمدة صوبها نتيجة ما تراه خروجاً لها عن التقليد الذي يجب أن يُـتّبع. فهي تطلب منها تغطية شعر رأسها، وتطلب منها تغيير حذائها (الملوّن إلى واحد أسود) وتصادر بعض ما كان في حقيبتها من صور وكتب تصفها بالغرامية (رغم أننا لا نرى وجدة تقرأها). وجدة لديها إبن عم أسمه عبدالله ربما يصغرها بسنة او إثنين ويصاحبها أحياناً ما بين المدرسة والبيت: المسافة التي تشعر وجدة بأنها حرّة لدرجة أنها قد تغيّر طريقها إلى البيت او تركض الشارع مع إبن عمّها من دون خشية من عواقب او محظورات. في أحد الأيام تشاهد الدراجة في محل فتقرر أن تشتريها. لا تملك بالطبع ثمنها ووالدتها لن تعطها هذا الثمن لأنها تعارض أن تقوم إبنتها بركوب الدراجة لأن ذلك عيب إجتماعي. 
هذا الفصل من الأحداث هو ما يمر باهتاً، وهذا القول لا علاقة له بأهمية المضمون وطرحه، بل بالكيفية التي تصيغ فيها المخرجة حاجاتها من المشاهد فإذا بها عامّـة، لا خصائص فنيّة لها لا تصويراً ولا توليفاً ولا أجواءاً. إنه كما لو أنها تعتقد أنها تتوجّـه لجمهور إذا ما تعبت على مثل تلك العناصر خسرته. والتطوّر الذي يفاجئنا ليس في أن الفتاة الصغيرة تبدأ بجمع المال بطرق خاصّـة، مثل بيع بعض مقتنياتها او تلقي مبلغاً من المال لإيصال رسالة ثم تلقي مبلغاً مماثلاً ممن استلم الرسالة، بل بالتبرير الذي توفّـره المخرجة لبطلتها لتفعل جل ما تستطيع. روائياً، ليس لدى هيفاء المنصور طريقة أخرى لتظهر أضطرار بطلتها لمثل تلك التصرّفات كرد فعل للمنع الذي تواجهه حيال قيامها بشراء درّاجة. لكن أن تفعل ذلك بتلك الخفّـة وبقدر من الخبث وافتعال الحذق يحوّل عنها صفة الضحية. تلك الإبتسامة الماكرة وهزّة الرأس الهازئة هما أكثر قليلاً مما تحتاجه المخرجة لتبرير أفعال بطلتها. 
هناك حكاية جانبية لا تترك الا القدر المحدود من الأهمية بصرياً ودرامياً، رغم أنها تضيف لطروحات الفيلم طرحاً مهمّـاً آخر، وهي حكاية العلاقة بين المرأة الممنوع عليها قيادة السيارات، والسائقين الآسيويين الذين يوظّـفون هذا الضعف لمعاملة غير لائقة (مثل خروجهم عن اللياقة حين التعامل مع المرأة ورفع الصوت عليها الخ…). هذه المسألة معروضة بنفس الأسلوب العابر لأن الهمّ هو عرض وطرح الموضوع وليس إلحاقه بأسلوب بصري فاعل. 
سيبقى الفيلم عملاً مهمّـاً لصاحبته كما سيلقى ردّ فعل إيجابي مستند إلى أنه أول فيلم سعودي لإمرأة، لكن المسألة تبقى عند هذا الحد. لا استغلال للفرصة لإطلاق فيلم يمكن له، لجانب إثارة القضايا (وهو أسهل الأمور في كل الفنون) طرح ما هو فني وإبداعي وتشكيلي في المقابل. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Inheritance  **

إرث | هيام عبّاس
فرنسا/ إسرائيل/ تركيا2012 
دراما إجتماعية | عروض مهرجان فينيسيا (المسابقة).
 ألوان- 35  مم | 88 د.  
مجمل آراء النقاد الآخرين: ***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إختارت الممثلة هيام عبّاس لموضوع فيلمها الأول كمخرجة التعامل مع واقع مثير للإهتمام ووضعه على خلفية قلّما أثارت اهتمام مخرجين روائيين فلسطينيين او حتى إسرائيليين. كذلك اختارت أن تعتمد على تمويل صندوق الدعم الإسرائيلي الذي كان أكثر من مستعد لتمويل هذه التجربة بعد قراءته السيناريو ونظراً لما حققته المخرجة من نجاحات محليّـة سابقاً ثم عالمية.  من ناحيته، يتعاطى الفيلم بعض الشؤون الممكن تفسيرها سياسياً، لكنه يبقى في نطاق الترفيه مع نبرة إجتماعية عالية حول حقوق المرأة الفلسطينية المهدورة من قـِبل مجتمعها فقط. هناك عدّة شخصيات غير سعيدة في هذا الفيلم. إنه عن الفتاة الشابّة (حفصية حرزي) التي تنتمي إلى عائلة محافظة والواقعة في حب رجل مسيحي و"من بريطانيا التي تسببت في ضياع فلسطين" كما يخبرها والدها قبل أن يسقط مشلولاً حين ترفض الإنصياع إلى توجيهاته. هناك إبنه الذي يسعى لجمع التوقيعات لكي يتصرّف بأموال وممتلكات والده حتى يسد ديونه، وشقيقه الذي يتحالف مع الإسرائيليين للفوز بالإنتخابات المحليّـة ويعاني إذلال الفريقين، الفلسطيني والإسرائيلي، له. زوجته ليست سعيدة بدورها لأنها تعاني من معاملته القاسية. هؤلاء وبضعة شخصيات أخرى تعيش حالاتها على الشاشة كما لو أن القصّـة كانت من إنتاج عمل تلفزيوني. "سوب أوبرا" بخامة فنيّة أفضل من سواها، لكنها تبقى "سوب أوبرا". المساحة السياسية الوحيدة هنا هي أن الأحداث تقع خلال الحرب التي اندلعت بين لبنان وإسرائيل صيف 2006 ولو أن كل ما يذكّرنا بتلك الحرب هو أصوات القذائف ومشاهد الطائرات الإسرائيلية المتوجّـهة شمالاً. وفي حين أن توليف الفيلم وتنفيذه يضمن إيقاعاً جيّداً، الا أن الموضوع يبقى هشّـاً وكثير منه مصنوع لإستخدام فولكلوري. التمثيل غير متساو وهو ركيك للغاية من حفصية حرزي غير القادرة على امتلاك لهجة فلسطينية حقيقية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*** يمّـا

إخراج: جميلة صحراوي
أدوار أولى:  جميلة صحراوي، سمير يحيى، علي زاريف | تصوير: رفاييل أو برين/ دجيتال] | توليف:  كاثرين غوز [90 د]   | انتاج:  Neon Prods.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراما ريفية  | إنتاج: جزائري/ فرنسي مشترك (2012|  العرض العالمي الأول:  مسابقة مهرجان فينيسيا
مجمل آراء النقاد الآخرين: ***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 في ثاني فيلم روائي لها (والرابع منذ أن حققت فيلمها التسجيلي الأول «الجزائر، الحياة مهما يكن» سنة 1998) تعاود المخرجة والكاتبة الجزائرية جميلة صحراوي انتقاء موضوع يمت بصلة لما يحدث في الجزائر من صراع بين الأمن وبين المتطرّفين. وكانت في «بركات»، قبل ستّة أعوام، أقدمت على تقديم وجه آخر منه بطلته (رشيدة براقني) إمرأة تنطلق للبحث عن زوجها الذي خطفه متطرّفون في ظل أوضاع سياسية وأمنية غير مستتبة.
«يمّـا» أم») مختلف في الطريقة التي تتعرّض فيها المخرجة (التي تعيش في باريس) إلى ذلك الشأن العام. فهي إن كانت في «بركات» إنطلقت في رحلة تجوب أعالي الجبال القروية ثم تهبط منها إلى بلدات أكبر ومنها إلى الساحل حيث تنهي فيلمها بإعلان حالة من التمرّد على الوضع برمّـته، تقوم هنا بتحديد المكان من مطلع الفيلم وحتى نهايته. إنه مكان منبوذ في منطقة جبلية عالية ومنعزلة. في مطلع الفيلم (لقطة نهارية ساطعة على جبل) تتقدّم من بعيد جارّة وراءها إبنها الميّـت. إنه من قوات الحكومة وسقط في موقعة (تسبق الفيلم) بين القوات النظامية والمتطرّفين. تصل إلى بيتها وتغسل الجثة وتحفر القبر وتوريها جثّة إبنها. نتعرّف بعد ذلك على إبنها الآخر علي (علي زاريفوتصدّه بعيداً حين حاول الإعتراض على دفنها جثّة إبنها. علي يعيّن حارساً (سمير يحيى) قطعت الحرب يده اليسرى، لكنه ماهر الآن في استخدام اليد اليمنى في شؤون الحرث بعدما وجد الأم (تؤديها المخرجة نفسها) تقوم بذلك وبل يمد لها قناة الماء من البئر فإذا ما زرعته أينع ثماراً بعد أشهر قليلة. خلال ذلك يحاول إبنها علي التقرّب إليها أحياناً بطريقته الخشنة والعدائية، لكنها تواصل صدّه وعزوفها عن التواصل معه، وفي انسياب روائي سليم (ولو بطيء) ندرك السبب: إبنها علي يحارب في مجموعة من المتطرّفين الإسلاميين والأم تعتبره مسؤولاً عن قتل أخيه المنتمي إلى قوّات الأمن النظامية. يحاول علي التأكيد لها بأنه ليس مسؤولاً، لكنها في هذا الشأن وفي كل شأن آخر، أكثر صلابة وعناداً من أن تستمع له.
يفرض المكان نفسه سريعاً. جميلة صحراوي كمخرجة لديها إدراك كامل لما تريد تحقيقه وكيف. وبمساعدة مدير تصويرها الفرنسي رافاييل أو بيرن (الذي كان مساعد مصوّر فقط في فيلمها السابق) تنجز فيلماً بديعاً في لغته البصرية والجمالية. الإيقاع بطيء لمحاكاة إيقاع الحياة الرتيب في البلدة. لكن ما لا تحسبه بنجاح أن قيامها بدور الأم (على نجاح المهمّـة) يترك يدها مغلولة في إستكمال المحيط الدرامي الذي تنشده. يترك في المشاهد قدراً من الإعتقاد بأنها صنعت الفيلم ليس لإيمانها برسالته وحدها بل رغبة منها في بطولته أيضاً.
للفيلم نسيم المكان كأجواء معزولة (ولو أنه يفتقر إلى الدقّـة حين تصوير الرياح فإذا بالشجر القريب فقط هو الذي يتحرّك) وسكينته. صمت الممثلين معبّر في معظم الأوقات لكنه ليس كاف لملء الفيلم بالأبعاد. كانت هناك حاجة، منذ وقت كتابة السيناريو، لتعزيز الحالة بوضع إضافي او بخيط مُـلحق. وهناك مشاهد بحاجة إلى،  تفسير (تحرق الأم أثاث منزلها بلا سبب ظاهر ولو كان موجوداً ثم فجأة لديها أثاث جديد!).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Autoreiji: Biyondo ***

غضب: وراء | تاكيشي كيتانو 
إخراج: تاكيشي كيتانو

اليابان- 2012   
بوليسي [عصابات]| مسابقة مهرجان فينيسيا .
ألوان 35 مم | 112 د

مجمل آراء النقاد الآخرين: **
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيلم كيتانو الجديد هو تكملة لفيلمه السابق «غضب» (2010) وفيه لعب شخصية قاتل محترف من عصابة الياكوزا إنتهى إلى السجن حيث تتم محاولة اغتياله فيه. الفيلم الجديد لا يبدأ به بل يأتي ظهوره بعد نحو نصف ساعة من بدايته، ويؤدي فيه دوراً مسانداً في فيلم تتساوى فيه الشخصيات بأسرها إذ لا بطولات فردية. أحد تحريي الأمن (فوميو كوهيناتا) يقنع رؤسائه بأن أفضل طريقة للتخلص من العصابتين القويّتين هو التسبب في قيامهما بتصفية كل للأخرى. يتم إخراج أوتو/كيتانو من السجن لمؤازرة إحدى العصابتين رغم أن لا أحد يحبّـه والجمع يتآمر ضده. في النهاية يتم القضاء على الجميع على نحو أو آخر بمن فيهم التحري. «غضب» كان فيلماً عنيفاً للغاية مشرّب بالدم. الفيلم الجديد ما زال عنيفاً، لكنه غير دموي. كذلك هو مليء بالحوار لدرجة أن نصف مشاهده في الساعة الأولى كان يمكن لها أن تحذف بنحو او بآخر. كذلك فإن تشابه الأماكن (مكاتب وغرف مغلقة) والملابس والتصرّفات (ناهيك عن الملامح والأسماء) يجعل المشاهد في تلك الساعة غير قادر على التمييز إذا ما كان هذا الفرد يعمل لصالح هذه العصابة او تلك. لكن الأمور ترتاح أكثر بعد ذلك وإن لا يؤدي ذلك إلى إرتفاع حاسم. التصوير، من كاتسومي ياناجيجيما جيّـد ومحكم لكن الفيلم كان بحاجة لمساحات من التأمّـل لم يجد المخرج كيتانو سبباً لها.  على كل ذلك، ومن وجهة نظر سينمائية بحتة، لا يمكن الا تقدير كيتانو خلف وأمام الكاميرا. في المركز الأول يدفع الفيلم صوب خضم من التوتر ويبقيه على إيقاع متوتر وفي الثاني، هو أكثر الممثلين تميّزاً هنا وحين يقتل التحري في النهاية برصاصات سريعة وباردة، ترى التشابه بين شخصيّته وبين طريقته في تنفيذ الفيلم: بارد وسريع أيضاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 شاشات العالم
"المستنفَذون 2" استنفذ نفسه أوّلاً  

The Expendables 2 **
إخراج: سايمون وست
أدوار أولى: سلفستر ستالون، أرنولد شوارتزنيغر، بروس ويليس، جاسون ستاذام، دولف لندغرن
النوع: أكشن.
مجمل آراء النقاد الآخرين: **
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

• الفكرة التي رمز إليها الجزء الأول من هذه الثنائية السينمائية هو جمع بعض الممثلين الذين لعبوا أدوار البطولة في أفلام الأكشن في أواخر السبعينات وطوال الثمانينات قبل أن يتحوّل الأبطال إلى قوى خارقة تتعامل مع الكومبيوتر غرافيكس كشريك وتصنع بسببه معجزات لم يكن هؤلاء على علاقة بها. كان «المستنفَـذون» الأول (2010) وقفة أخيرة لستالون وصحبه. طلب إستغاثة من الجمهور أن لا ينسى من صرف أكثر من عقد من الزمان في "أشغال سينمائية شاقّة" من أجل أداء أدوار بطولة تنصر المظلوم وتحقق العدالة وتبطش بمن يستحق البطش. نجاح الجزء الأول ذاك أوصلنا إلى هذا الجزء الثاني الذي يتّـجه إلى السخرية من الذات. ليس أي ذات، بل من ذات الشخصيات الماثلة أمامه. إلى جانب ستالون وشوارتزنيغر وباقي المذكورين أعلاه، هناك جان- كلود فان دام وتشاك نوريس، كلاهما كان غطس في رمال الفشل المتحرّكة وربما تمنّى على ستالون أن يجد له مطرح قدم في الجزء الأول فلبّى قائد هذا الفيلق الطلب في الجزء الثاني. 
سخرية الفيلم من رموزه تنجح فقط لو أنها عمدت إلى لجم نفسها عن التحوّل إلى غاية بحد ذاتها. لكن بما أنها لم تفعل، فإن الناتج هو الشعور بأن الفيلم يريد التودد وإحلال قدر من الإعتذار لقيام أبطال (معظمهم تجاوزوا الخمسين وبعضهم الستين) بفعل ما كانوا تركوه وراءهم من أدوار لجمهور هو إما من النوستالجيين او من الذين لا تفرق كثيراً معهم أي فيلم يدخلونه طالما أنه ليس "تاركوفسكياً"!.
فان-دام لا يلعب كأحد هذا الفريق المحارب لضمان سلامة الغرب من كل شر، بل هو أوروبي خزّن مواد نووية مهرّبة من روسيا، أيام الإتحاد السوفييتي وعلى فريق الأشاوس إحباط المشاريع الشريرة مهما تكلّف الأمر من مشاهد مبتورة ومعاد سلقها بفضل شخصيات حسنتها الوحيدة هي أنها لا تستطيع أن تبتدع فوق ما لديها لذلك فإن أداءاتها (بما في ذلك شوارتزنيغر وستالون) هي أيضاً مسحوبة من رحيق تلك السنوات الماضية.
الوصول إلى مكان تلك الشحنة من المواد لا يستغرق كل الفيلم، ما يفعل هو اكتشافهم أن المهمّة لم تنته هنا بعدما قام الشرير الأول فان- دام بقتل أحدهم. إذاً، جنى هذا على نفسه فالمجموعة سوف تنتقم لمن خسرته ولقد أعذر من أنذر.
التنميط سيّد الإختيارات هنا. الوجه الأحدث في هذه المجموعة هو ليام همسوورث ألعاب الجوع») الذي يعامله ستالون كما لو كان إبناً له. يحن عليه ويساعده ويطلق عليه إسم "الفتى" ما يذكّر بفيلم هوارد هوكس «النهر الأحمر» والعلاقة الأبوية بين جون واين ومونتغمري كليفت. طبعاً في ذلك الفيلم الأربعيناتي تمرّد كليفت الشاب على وصايا الأب الروحي كونها ليست عادلة. لكن هنا كل الوصايا عادلة وبابا ستالون هو من صنع هذه الفرصة لفيلم يجمع بين أيقونات ضائعة وبعضها كان مفقوداً إلى حين نبش الغبار عنه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2016: Obama's America **
   
إخراج: دنيش د سوزا، جون سوليفان
النوع: تسجيلي.
مجمل آراء النقاد الآخرين: **
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما صنعه المخرج مايكل مور بالنسبة للسينما التسجيلية هو أنه جعل من المحتمل إنجاح العروض التجارية كما لم يكن ذلك متاحاً من قبل لفيلم غير روائي ولجمهور يريد أن يتسلّى وأن ينسى وأن يتخيّل عوض أن يعيش الواقع او يلجأ إليه. ومع أن سقف الإيرادات بالنسبة للفيلم التسجيلي لا يزال أقرب إلى مصروف بضعة أيام لفيلم روائي هذه الأيام (المعدّل الحالي 12 مليون دولار) الا أنه من البدهي أن لا يتوقع المرء نجاحاً لكل فيلم تسجيلي لمجرد أن أفلام مايكل مور (وآخرها لا يزال «الرأسمالية: قصّـة حب» قبل ثلاث سنوات) كانت ناجحة.
والمؤكد، فوق كل ذلك، أن أمام الأفلام التسجيلية التي تتعاطى السياسة الفرصة الأكبر لتحقيق النجاح التجاري. هذا ما أثبتته- مرّة أخرى- أفلام مور، وما يثبته فيلم جديد بعنوان «2016: أميركا حسب أوباما». لكن في حين أن أفلام مور كانت يسارية فإن الفيلم الجديد، لمخرجيه جون سوليفان  ودنيش سوزا، يميني- هذا إذا كنت لا تزال تتبع هذا التقسيم التقليدي والسريع للحياة السياسية عموماً.
الفيلم الحالي يقوم على كتاب د سوزا نفسه وعنوانه «جذور الغضب لأوباما»، 
الفيلم، على صعيد التشكيل البصري، معمول على نحو تقني ناجح (بفضل سوليفان) ومدعوم بمونتاج جيّد يخلق إيقاعاً مثيراً و-إلى حد معين- جاذباً. لكن حسنات هذه العناصر تذوب حين يتبدّى أن التوليفة بأسرها تعمل على استخدام هذه العناصر لبث رسائل سياسية غير ثابتة او موثّقة. فالفيلم معاد لأوباما، وليس هناك من اعتراض على ذلك فهو حر، لكن ما يبني عليه موقفه المعارض هذا هو جملة من النظريات التي سبقه إليها محللون إعلاميون معادون للرئيس الأميركي، ومواقع إنترنت عديدة تبث مثل هذه المعاداة 24 ساعة في اليوم. ربما لم تشهد الحياة السياسية الأميركية مثل هذا الحشد من العداء لأوباما الذي- كحال الفيلم- يبتعد عن التحليل السياسي ليصب، في معظمه، تحت خانات المواقف الشخصية. 
أوباما هنا هو راديكالي يساري واشتراكي تم زرع المباديء المعادية للغرب فيه منذ أن كان طفلاً فوالده كان معادياً للإستعمار الأوربي لأفريقيا (يستخدم الفيلم كلمة Colonialism) كما لو أن ذلك أمراً مسيئاً وخريج تعاليم المبشر جيريمايا رايت. هذا بالطبع حين يناسب الفيلم الإدعاء بأن أوباما مسيحي، أما حين يريد القول بأنه مسلم فإن التركيز على مسألة الولادة وإثبات مواطنيّته أمران مشكوك فيهما. والإنتقال إلى الشؤون السياسية فإنه يتعامل مع كل الإنتقادات الموجهّة إليه حالياً، فهو لا يقف مع إسرائيل بكل جوارحه، وهو مسؤول عن فشل الحكومة في كل الميادين إلى غير ما يتردد من مواقف معروفة.
إذ تم إطلاق الفيلم في الأسبوع الماضي وحصد في أسبوعه الأول عشرة ملايين دولار فإن عرض الفيلم قبل الإنتخابات مباشرة هو بيت قصيد العاملين عليه الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Shadow Dancer  ***

راقصة الظل   
إخراج: جيمس مارش.
تمثيل:  أندريا رايزبورو، آيدن جيلن، كلايف أووَن
دراما | الولايات المتحدة 
مجمل آراء النقاد الآخرين: ***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

• أفرزت كل حرب عدداً لا يمكن حصره بسهولة من الأفلام التي تعالجها او تتطرّق إليها. تنتقل إليها او تلقي عليها نظرة بعيدة. تعارضها او تقبل بها. الحرب الجزائرية كانت مثار أفلام كثيرة مختلفة، العديد منها تمّ تنفيذه في الجزائر مباشرة بعد الإستقلال، وبعضها لا يزال يُنتج على جانبي الفيلم، الروائي والتسجيلي، داخل وخارج البلاد من حين لآخر. الحرب الأهلية اللبنانية دفعت بالمخرجين اللبنانيين (وبعض العرب من غير اللبنانيين) لتقديم أفلام أوّلها ما تم إنتاجه خلال الحرب ذاتها ومعظمها ما تبع ذلك. الحرب الأيرلندية، وهي حرب أهلية أمتدت لعقود طويلة، شهدت العديد من الأفلام التي عاينتها على نحو أو آخر.
شاهدنا فيلم كن لوتش البريطاني «أجندة خاصّـة» (1990) والأيرلندي بول غرينغراس تعرّض لها في «يوم أحد دام» (2002) وأندريا أرنولد ألقت بدلوها في «طريق أحمر» (2006). الآن يأتي دور مخرج بريطاني آخر مختاراً موضوعاً شائكاً بمعالجة تشويقية معظمها فاعل وجيّد التكوين لغوياً وأسلوبياً. الفيلم هو «راقصة الظل» الذي يتناول إمرأة تم وضعها على المحك بين إختيارين أحلاهما مر.
إنها كوليت (أندريا رايزبورو) المنتمية إلى جبهة تحرير أيرلندا والتي تترك في مترو الأنفاق في لندن، سنة 1993، متفجـّرة يتدخّـل البوليس لمنع انفجارها وحدوث كارثة. يُلقى القبض عليها وها هي الآن أمام المحقق البريطاني ماك (كلايڤ أووَنالذي يريدها العمل كواشية مقابل الإفراج عنها، ثم مقابل أن تقوم بعمليات ضد المنظّمة الأيرلندية. إذ تقوم بالمهام، لا تتوقّف عن البحث عن مخرج لها ولطفلها، وفي الوقت ذاته نجد التحري يتحوّل من موقف بارد وقاس إلى متفهّم وحان على الرغم من معارضة رئيسته.
إلى جانب القصّـة يؤسس الفيلم لخلفية مقبولة: كوليت تحمل ذكرى مؤلمة منذ أن كانت صغيرة عندما طلب منها والدها الخروج إلى الشارع في دبلن، لشراء علبة سغائر. تحول الطلب إلى شقيقها الذي ينطلق بحماس. خلال رحلته القصيرة تقع معركة بين الأيرلنديين والجيش البريطاني الذي كان منتشراً في المدينة والصبي يسقط قتيلاً برصاص طائش. كوليت سوف لن تنس الحادثة وسوف تعتبر نفسها للأبد بأنها مسؤولة عما يحدث.
قبضة المخرج البريطاني جيمس مارش على الفيلم محكمة على مستوى الحكاية ومستوى التعامل مع الشخصية من زاوية البحث عن مصادرها العاطفية تلك. وهو  يواكب المخرج وضع بطلته الحرج والمتطوّر مستفيداً من قدرة الممثلة إكتناز المشاعر وموضّـحاً، منذ البداية، أنه لا يهدف لفيلم فيه معارك وعمليات عسكرية (لا يخلو الأمر) لكنه يبغي تشويقاً مبنياً على إيقاع جيّد مؤازر بمواقف درامية وشخصية صلبة. في المقابل، هذا الخط من الأحداث متوقّع من بدايته ويزيد تأثيره حدّة التطوّر البطيء للأحداث في نصف ساعته الأولى او نحوها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Total Recall  **

توتال ريكول   
إخراج: لن وايزمان.
تمثيل:  كولين فارل، إيثان هوك، كايت بكنسال، بيل نيفي، 
خيال علمي | الولايات المتحدة
مجمل آراء النقاد الآخرين: **
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 • أول الفوارق بين "توتال ريكول" نسخة هذا العام و"توتال ريكول" العام 1990 هو أن كولين فارل في إعادة الصنع هذه لا يدّعي القوّة البدنية او التكتيكية التي يعلن عنها أرنولد شوارتزنيغر في الفيلم السابق. لا يستطيع، فتركيبته الجسدية لا تمنحه ذلك، ولا يريد لأنه يريد تقديم شخصية تدخل في صميم الفيلم ولا تبقى على سطحه كحالة ظاهرة. هذا هو فارق جيّد وجودته تكاد أن تكون الوحيدة في فيلم ملأه المخرج بالطموحات التقنية ومؤثرات الكومبيوتر غرافيكس بحيث بات يشبه لعبة فيديو مجسّمة أكثر منه فيلماً سينمائياً.
إنه كما ولو أن لن وايزمان، الآتي من رحم سلسلة من أفلام الرعب الصغيرة أسمها Underworld قرر أن يسد ما رآه ثغرة ناتجة عن عدم وجود بطولة من نوعية الممثل السابق بإستدعاء آخر المستحدث من تقنيات الخدع البصرية. هذه تردم بدورها أي دراما ممكنة وأي رغبة نوعية أنجزها الكاتب فيليب ك. دك التي عن روايته المسمّاة بـ «نستطيع أن نتذكر إذا كنت مُباعاً بالجملة».
كوايد (فارل) متزوّج من لوري (كايت بكنسدال) ولوري في الفيلم السابق لعبتها شارون ستون، في حين أنها في هذا الفيلم من تمثيل زوجة المخرج وايزمان وهذا ليس من باب المعلومات الإجتماعية بل ضروري لأنه يكشف عن السبب الذي من أجله وسّـع المخرج من الدور الذي تؤديه زوجته مانحاً إياها ما هو قريب من البطولة المناصفة. مثل الفيلم السابق يتوجّه كوايد إلى مركز علمي لديه آلة متوفّرة، لقاء مبلغ، للعموم وقوامها قدرة تلك الآلة على تحقيق أحلام ورغبات الفرد بنقله إلى عالم آخر هو محروم منه او غير قادر على الوصول إليه.  لكن شيئاً خطأ حدث وقاطني المستقبل ممن سعى كوايد للإبحار به يستخدمون "عربة الزمن" ذاتها للعودة إلى الزمن الحالي ومطاردة كوايد لقتله. 
الأحداث، بطبيعة الحال تقع أساساً في المستقبل حيث سيعيش الإنسان مرحلة وجود إمبراطورية بريطانية أخرى تسود العالم… ليس فقط الدول الصغيرة من العالم، بل دول كبيرة خضعت لها يوماً مثل استراليا. هذا يبقى من باب التنويع لتقديم شرير جديد لكنه لا يدخل باب التجديد في حكاية ربما كان من الأفضل صياغتها بالطريقة التي حققها الهولندي بول فرهوفن حينما أخرج النسخة السابقة. 
حاول فارل  ضخ منهج الأداء الجاد في دور كل ما عداه ليس جاداً. هذا الناقد ليس من المعجبين بأرنولد شوارتزنيغر وما يمثّـله من بعد، لكن ذلك الممثل كان أكثر حضوراً وأكثر مزاحاً وسخرية من صورته نفسها، في مقابل فارل الذي ليس لديه الحضور البدني ذاته ولا يلاؤم منواله من التمثيل عملاً من هذا النوع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ