Black Sea | The Water Diviner | Citizenfour | 600 Miles | Cinderella


  السنة 8 | العدد 212   مجلة نقدية يكتبها: محمد رُضـا 



إخراج: كينيث براناه  Kenneth Branaph
تمثيل:  ليلي جيمس (ساندريللا)، كايت بلانشيت، رتشارد مادن، هلينا بونام كارتر، ديريك جاكوبي، نونسو أنوزي.
إنتاج الولايات المتحدة (2015)
عروض: عالمية | العرض الأول: مهرجان برلين (خارج المسابقة)
تبويب:  فانتازيا | رقم: 006/15 

الحكاية المعروفة بمعالجة ساحرة من مخرج يعرف شغله


صلب الحكاية في «سندريللا» الجديد هو نفسه: سندريللا فتاة بالغة الجمال عانت من معاملة زوجة أبيها، بعدما توفي والدها، وسيطرتها وظلمها. عاملتها كما لو كانت خادمة وتركت بناتها يسئن إليها ويوجهن لها الإهانات والسخرية. ذات يوم يلتقي بها الأمير الوسيم ويقع في حبّـها لكنها تختفي. يبحث عنها ولا يجدها. يقيم حفلة كبيرة في قصره يدعو فيها كل بنات مملكته. زوجة الأب التي تطمع في أن يتزوّج الأمير بإحدى بنتيها تلبي الدعوة مع بنتيها وتترك سندريللا لتنظيف البيت. لكن الساحرة الطيّـبة تغدق عليها بالملابس الجميلة والأنيقة وبالحلى وبعربة سريعة وتطلب منها أن تؤم الحفلة بشرط أن تعود إلى القصر قبل منتصف الليل.
في القصر يراها الأمير من جديد ويرقص معها ويبثها حبّـه، لكن عليها أن تعود إلى القصر وهكذا تختفي من جديد. إلى أن يأمر الأمير فيتم البحث عنها في كل بيت وكل ما لدى الباحثين من أدوات تعرّف هو فردة حذاء من الكريستال سقطت من قدم سندريللا وهي تهرع على السلم لكي تلحق بعربتها وتعود إلى البيت. كل فتاة عليها أن تجرّب لبس تلك الفردة للتثـبت من هويتها. من حسن حظ الأمير أن القياس عصي على كل الفتيات.
حين يأتي الوقت لتفتيش البيت الذي تعيش فيه سندريللا، تخفيها زوجة أبيها وتعرض إبنتيها للتجربة لكن الحذاء لا يقبل القدم والعكس صحيح. فجأة هناك غناء. الأمير يأمر فيتم جلب صاحبة الصوت… إنها سندريللا وقدمها تدخل الحذاء من دون جهد. هي ستصبح زوجة الأمير وستصفح عن زوجة أبيها رغم كل ما ذاقته منها.
هناك نحو 200 فيلم وعمل تلفزيوني تم تحقيقه عن هذه الفانتازيا (الأول قصير سنة 1907 وربما كان هناك قبله) لكن إذ شاهدت نحو خمسة عشر منها في أوقات مختلفة، فإن لا شيء منها قريب من إنجاز كينيث براناه هنا.
يؤسس المخرج الإنكليزي كينيث براناه لمقدّمة وافية تمنح سندريللا نقطة إنطلاق لشخصيتها بحيث تصبح وظروفها أكثر قبولاً ومفهومة أكثر من قِـبل الجميع.  ما نشاهده على الشاشة ليس فقط حكاية مسرودة جيّـداً، بل فيلم غارق في التفاصيل الفنية التي ترفع من مستواه من دون أن تفقد عنصر الترفيه. ما يفعله هذا الفيلم، كأي عمل منفّـذ بذكاء، هو أنه يوفر للمشاهد، في أي فئة من العمر، حكاية تبدو- بتفاصيلها وأجوائها- كما لو أنها لم تُـشاهد من قبل. يقودها أداء جيد من قِـبل الجميع مع دور مميّـز لكيت بلانشيت في شخصية زوجة الأب القاسية. ومع أن إبنتيها هنا تقتربان من الرسم الكاريكاتوري، إلا أنه الإقتراب الأصدق والأقل إفتعالاً من سواه كذلك الأقرب إلى لون المادة المنشود.
ليلي جيمس التي تلعب دور سندريللا جميلة وتعكس البراءة كما هو مطلوب منها. لقطة واحدة فقط تجعلنا نقفز قليلاً إلى الوراء هي لقطة تظهر فيها وهي تكشّـر. الوجه العذب يتحوّل إلى سؤال نسبي فجأة، ولسبع ثوان فقط.
الجهد الأكبر هو ذلك الذي يحافظ على ذلك المستوى الذي مارسه طيلة حياته الفنية كمخرج. لقد أنجز سابقاً (على المسرح والتلفزيون وفي السينما) أعمالاً شكسبيرية رائعة مثل «هاملت» و«كل ذلك اللغط حول لا شيء» وبضعة كلاسيكيات أخرى فرنكنستاين» و«الناي السحري») وما يقوم به هنا هو تقديم الحكاية، التي تقع على بعد عشرين ألف فرسخ بعيداً عن أدب وأجواء شكسبير، كما لو كان يقدّم واحداً من روايات الكاتب الألمع.
براناه أصر ونال ما أراد: تحقيق فيلم كلاسيكي في زمن بات منتشراً فيه تنفيذ أعمال لا تتطلب كل ذلك الجهد طالما هي تنتمي إلى مستقبل تجاري واعد. براناه يستخدم التقنيات الحديثة المتوفّـرة في بضعة مشاهد (خصوصاً في المشاهد التي تقع بين الساحرة، كما تؤديها هيلينا بونام كارتر، وسندريللا وما بعد) لكنه يوظّـف هذه المشاهد بدقّـة فنية لا تختلف عن تلك التي يمارسها على مشاهد من صميم عمل المواهب البشرية التي تقوم بها. التصميم الإنتاجي من أثاث وديكورات وتفاصيل بصرية من إبداع دانتي فيريتي، الإيطالي المولد الذي استعان بخبرته رهط كبير من كبار المخرجين من أمثال فديريكو فيلليني وفرانكو زيفيرللي والذي إذ تعرّف عليه مارتن سكورسيزي أول مرّة سنة 1993 (عندما طلبه للعمل على تصميم فيلم «عصر البراءة») طلبه في معظم المرّات اللاحقة لينجز له، من بين أعمال أخرى، «جزيرة مغلقة» Shutter Island و«هيوغو».

سيناريو: كريس وايتز  تصوير (ألوان): هاريس زامباريوكوس موسيقا: باتريك دويل  توليف (105 د): مارتن وولش.

--------------------------------------------------------------------------------------------




إخراج: غبريال ربستين Gabriel Ripstein
تمثيل: تيم روث، كرستيان فيرير، مونيكا دل كارمن، مونيكا دل كارمن.
إنتاج: المكسيك/ الولايات المتحدة (2015)
تبويب:   عصابات | تيم روث | رقم: 007/15 

فيلم طريق مليء بالحفر من إبن المخرج أرتيرو ريبستين

دراما في حلّـة بوليسية حول ذلك الصبي المكسيكي أرنولفو (كرستيان فيرير) الذي يحاول تثبيت قدميه في التهريب عبر الحدود المكسيكية مع أميركا. نتعرّف عليه وصديقه الأميركي. هذا الثاني يدخل محلات بيع الأسلحة في بعض مدن أريزونا يشتري وأرنولفو يهربها ويبيع لعصابات المخدّرات. عند هذه النقطة والفيلم ما زال في طور تأسيس حكايته ترتفع الأسئلة: هل هذا هو المورد الأساسي لعصابات المخدرات من الأسلحة؟ كيف يستطيع شخص واحد شراء سلاح ناري وتهريبه؟ ماذا عن المرّة المقبلة؟ أفي كل مرّة عليه أن يشتري سلاحاً واحداً؟
حتى لو أعتبرنا أن هناك إجابة غير واضحة في الفيلم على هذا الوضع فإن المشكلة هي في أن ما نراه ينتقل من تطوّر درامي إلى آخر من دون السلاسة التي كانت ستؤمنها تلك الردود أو سواها مما يُـستحدث مع توالي المشاهد. أرنولفو لا يعلم أنه مراقب من قِـبل عميل لمكافحة التهريب أسمه فرانك (تيم روث). أول ما يتدخّـل فرانك ليحبط العملية التي تقع، والجميع ما زال في أريزونا، يتم التغلّـب عليه وضربه. هاهو أرنولفو، في المشهد التالي، يقود السيارة الكبيرة التي يسوق وفرانك مضروبا ومقيدا في المقعد الخلفي. 
لا أذكر كيف تماماً لكن أرنولفو وصل بأسيره متجاوزاً نقطتي التفتيش الأميركية والمكسيكية. إنه يحاول تبييض صورته أمام العصابات التي تتنازع السيطرة وفرانك سيساعده قليلاً حتى لا يُـقتل. بعد 600 ميل من القيادة، يصل أرنولفو إلى حيث عمّـه الذي يرأس عصابة أخرى وهذا يؤنبه على جلب عميل حكومي إلى المكان. عندما يقوم رجاله، بعد قليل، بمحاولة قتله يكون فرانك استولى على السلاح وقتل ثلاثة رجال من العصابة وأفرج عن أرنولفو وقاده عائدين إلى الولايات المتحدة. 
يؤسس الفيلم بنجاح تباعداً ثقافياً واجتماعياً بين أرنولفو وفرانك. كل يمنح المشاهد بعض الإمعان في الوضع الماثل من زاوية تلك المنطلقات. لو أن المخرج غبريال ريبستين (وهو إبن المخرج المكسيكي أرتيرو ريبستاين (معروف عندنا بأنه المخرج الغربي الوحيد الذي نقل رواية ما للكاتب نجيب محفوظ إلى السينما الأجنبية) عمل على شحن الفضاء الطويل من المشاهد لشخصيّـتيه الرئيسيّـتين بحوار أعمق، أو بأحداث تطل على بعد أفضل تشخيصاً لخرج بعمل رابح  على أكثر من صعيد.  
سيناريو: ريبستين، إيسا لوبيز  تصوير (ألوان): ألان ماركووَن توليف (85 د): سانتياغو بيريز روشا ليوني.

--------------------------------------------------------------------------------------------


إخراج: كڤن ماكدونالد  Keven Macdonald
تمثيل: جود لو، بن مندلشون، توبياس ماكنزي، سكوت مكنيري، غريغوري دوبرجين
إنتاج: بريطانيا (2015)
تبويب:   تشويق | أحداث داخل غواصة | رقم: 008/15 

كَـڤن ماكدونالد يغوص ورجاله في عمق البحر الأسود بحثاً عما هو أصفر وثمين

بين أن يمضي سيناريو دنيس كيلي وإخراج كَـڤن ماكدونالد بعض الوقت لتقديم الفريق الذي سيصحب بطل هذا الفيلم التشويقي إلى قاع البحر في مغامرة غير محمودة العواقب، وبين أن يوجز التقديم رغبة في الإبتعاد عن تقليد سائد، إختار الحل الثاني. في «بحر أسود» يلتئم جمع عدد من البحارة نصفهم بريطاني ونصفهم الآخر روسي للقيام في مهمّـة يقودها بطل الفيلم الكابتن روبنسون (جود لو) وتشمل البحث عن غواصة ألمانية غارقة بأطنان من الذهب. إذا ما نجح الفريق في تعيين محل غرقها الواقع قرب جزيرة "قمرة" في البحر الأسود، عليه النجاح في إستخراج الذهب وإذا ما نجح الفريق في استخراج الذهب استطاع أن ينعم بحياة رغيدة تنقذه من البطالة والحاجة ومن براثن الفقر إلى الأبد.
كل ذلك يبدأ بشراء غواصة أخرى. ولتكن غواصة روسية صدأة من مخلّـفات الحرب العالمية الثانية كان لها تاريخ في القتال ضد الغواصات الألمانية في بعض البحار. كل شيء على جنوحه وغرابته يتم سريعاً في ربع الساعة الأولى من الفيلم، بما في ذلك لماذا تمت الإستعانة بهذه المجموعة من الرجال تحديداً. من هم وما خصاىصهم الشخصية. لكن ذلك كان سيبعد غواصة الفيلم عن هدفها وتخصيص وقت أطول لتقديم المبررات. إختيار صائب رغم أنه لا يسد كل الثغور.
الكابتن روبنسون واثق من النجاح. مموّل الرحلة أسمه دانيال (سكوت مكنيري) لكن الحذار منه. يخفي سرّاً سوف لن يكشفه إلا من بعد أن تأزم الوضع وارتفعت معدلات الجريمة في تلك الغواصة العتيقة. باقي رجال الفريق منقسم يتوعد الآخر بالنيل منه. لكن الضحية الأولى بريطانية (بيد بريطاني!) وقبل أن ينتهي الفيلم تكون الضحايا الأخرى توالت من الفريقين.
أفلام الغواصات، تلك التي تقع أحداثها داخل ذلك الحيّـز المستطيل السابح تحت سطح الماء، تستفيد من ذلك الحصار المفروض عليها وعلى مشاهديها: الممرات الضيقة. «فوبيا» المكان الداخلي ومحيطه المكوّن من الماء ولا شيء سواه، كذلك من النزاعات الداخلية إذا ما استشرت. وسيناريو كيلي يؤم كل هذه العناصر على نحو تلقائي ويزيد أن إختيار الطاقم تم على أساس "نحن" و"هم" من البداية ومن دون وجود لغة مشتركة أو رغبة في التواصل والتعارف. الشيء المشترك الوحيد هو الوصول إلى الذهب ومنح كل فرد حصّـة متساوية. وأحداث الفيلم ستبرهن على أن ذلك، ضمن تلك الأجواء والإنقسامات، ليس سهلاً.
لا يمكن تفويت صعوبة العمل بطلاقة في داخل غواصة، ولو كانت إفتراضية. الكاميرا، كما يديرها كريستوفر روس (عادة ما يعمل في نطاق مشاريع أصغر) تجد لنفسها المكان الصحيح في كل مرّة من دون أن تشعر بها. التشويق الناتج عن التوتر معالج بإجادة مستفيداً من غرابة المهمّـة المناطة ومن قدرة المخرج على تمييز عمله من إحتمالات الإستسهال. لكن في المقابل، تفلت الحبكة من يدي الكاتب والمخرج في ربع الساعة الأخيرة. على الرغم من ادراكنا أن الفشل ممكن والنجاح كذلك، تأتي النهاية أقل مما طمحنا إليه. 

سيناريو: دنيس كيلي تصوير (ألوان): كريستوفر روس توليف (114 د): جوستين رايت | موسيقا: إيلان إشكيري.

--------------------------------------------------------------------------------------------


إخراج: لورا بويتراس  Laura Poitras
إنتاج: الولايات المتحدة (2014)
تبويب:  تسجيلي [سياسي، شخصية حقيقية] | رقم: 009/15 

كيف وضع إدوارد سنودون نفسه في مواجهة مع النظام

الفيلم الحائز على أوسكار أفضل فيلم تسجيلي قبل أسابيع قليلة، هو ثالث عمل للمخرجة الجيدة لورا بويتراس يتناول الحياة السياسية الأميركية بعد عدوان 2001. الفيلمان السابقان هما «بلدي، بلدي» (2006) و«العهد» (2010) وكلاهما  يشكلان تمهيداً لهذا العمل الأفضل من سابقيه والأكثر أنية.
بويتراس كانت بدأت التحضير لفيلم حول تصنّـت أميركا (ممثلة بمؤسسة "وكالة الأمن القومي") وبأجهزة غير حكومية (تعمل بالتنسيق مع وكالة الأمن القومي) على مواطنيها عندما اتصل بها إدوارد سنودون وعرض عليها أن تجري معه مقابلة يكشف فيها أسرار وكالة الأمن القومي الذي كن يعمل موظفاً مؤتمناً فيها عارضاً الغوص على  كيف تتجسس الوكالة المفترض بها أن تحارب الإرهاب برصد المشتبه بهم على مواطنيها كافة. 
المخرجة لم تكن بحاجة لمن يقنعها. هذا موضوع فيلمها أساساً، وهي لاحظت أنها موضع مراقبة. المقابلة التي تتم بينها وبين سنودون في غرفة صغيرة في أحد الفنادق شاركها فيها صحافيان كانا لهما أثر كبير في نشر أولى التقارير الكاشفة لنشاط الوكالة هما غلن غرينوولد والبريطاني إوان ماكأسكيل لكن المعلومات كانت خطرة ودامغة وهي التي دفعت بإدوارد سنودن إلى البحث عن ملجأ هرباً ممن قد يحاول إعتقاله أو إسكاته. 
بعد أن تلتقط المخرجة ملاحظاتها حول الموضوع، بما في ذلك تصوير محطة رصد ضخمة قامت "وكالة الأمن القومي" بإنشائها في بعض جبال يوتا تستطيع التنصت على كل من في الأرض وحفظ ملفات بعدد سكان العالم، تركن المخرجة إلى ذلك الجزء الطويل من المقابلة التي تتم داخل الغرفة. على عكس المتوقع، تصوّر المخرجة المقابلة التي يجريها غرينوولد وماكأسكيل مع سنودون. لا تلقي أي سؤال بل تلتقط الحوار القائم. فوق ذلك تلتقط الذعر الذي كان سنودن يعيشه ويخيّـم على جو الغرفة. هل هو مراقب؟ هل هناك من يستمع إلى حديثه؟ (يوعز بسحب خط الهاتف من الحائط لأنه بإمكان تقنية اليوم طلب رقم هاتف أرضي من دون أن يرن الهاتف لكن عبره يُـتاح  الإستماع إلى كل ما يُـقال). يقف عند النافذة خلف الستائر ويلقي نظرة على الشارع تحته لعله يلحظ شيئاً. سنودون ليس بطلاً في هذه اللقطات، بل رجلاً يخشى على حياته.
تغذي المخرجة الفيلم أيضاً بمشاهد لجلسات محكمة عليا تنظر في القضية وفي نفي ممثلي الكونغرس أن التنصّـت والرصد المرئي على غير المشتبه بهم (الغالبية) وارد وتحيط بمؤتمرات مناهضة يتحدّث فيها البعض عن الموضوع وخطره. لكن يبقى سنودون نجم الفيلم. ذلك الموظّـف إبن التاسعة والعشرين (حينها) الذي عرّض حياته للخطر عندما أدرك أنه لا يستطيع قبول ما يعرفه أو السكوت عنه.
القول بأن هذا فيلم جريء لا يعكس كل الحقيقة. في الأساس هذا فيلم تسجيلي رائع كعمل سينمائي في وقت بات كل من يصوّر نفسه وأقاربه ويوعز بحركة الجميع تبعاً لاحتياجاته يعتقد إنه يحقق فيلماً تسجيلياً. هو أيضاً فيلم مهم في عصر ابتعدت الحياة فيه عن السلامة وودّعت عصوراً باهية وأزمنة أفضل.


منتجون: ماتيلدي بونفوي، لوريا بويتراس، ديرك ويلوتزكي تصوير (ألوان): كرستن جونسون، تريفور باغلن، كاتي سكوجين، بوتراس توليف (114 د): ماتيلي بونفوي

--------------------------------------------------------------------------------------------


Water Diviner 
إخراج: راسل كراو    Russell Crowe
تمثيل: راسل كراو، أولغا كوريلنكو، يلماز إردوغان، ستيف باستوني.
إنتاج: أستراليا (2015)
تبويب:  دراما [الحرب العالمية الأولى] | رقم: 010/15 

خطوة الممثل المعروف صوب الإخراج ثابتة وذات مغزى

«معمّـد الماء» دراما تاريخية إجتماعية مع معالجة عاطفية ذات بعد إنساني يقدم عليها الممثل راسل كراو، كأول فيلم طويل من إخراجه بعدما كان حقق عدداً قليلاً من الأفلام القصيرة.
سيناريو مكتوب مباشرة إلى السينما من قِـبل أندرو نايت وأندرو أناستاسيوس. كلاهما أستراليان والأول امتهن الإنتاج قليلاً بينما كتب الثاني للتلفزيون الأسترالي أكثر مما كتب للسينما. المادّة التي يوفرانها لهذا الفيلم شاسعة في جغرافيّـتها كما في طموحاتها وراسل مخرجاً ينجز معظم تلك الطموحات وإن كانت يده لا زالت بحاجة إلى مران عندما يصل الأمر إلى استحواذ الفرص العاطفية المتاحة كما إلى معالجة مزدوجة ما بين الحاضر والماضي.
نتعرّف عليه لاعباً دور رجل أسمه كونور، في مطلع الفيلم وهو يبحث عن مكان يحفر فيه ليستخرج الماء من تلك الصحراء المتمادية في الجنوب الأسترالي. هذا كان في العشرية الثانية من القرن الماضي بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى. طريقته في البحث لم تكن علمية لكنه عادة ما تصيب. يتوقف عند نقطة محددة ويطلب من كلبه الإنتظار ثم يحفر ويثبت القوائم الخشبية داخل الحفرة و… ينفجر الماء وقد وصل كونور إليه. 
لكن زوجة كونور نتاليا (إيزابل لوكاس) لا تعترف بأهمية ما قام به زوجها. تنبهنا إلى أصل مأساتهما عندما تقول له  وهو يتعشّـى "أنت ماهر في البحث عن الماء، لم لا تبحث عن أولادك؟". تصدمه. في المشهد التالي تصدمه مرّة ثانية: لقد انتحرت.
يمضي كونور لينفّـذ وصيتها. لقد انقطعت أخبار أولاده الثلاثة الذين زجّـت بهم استراليا في معركة غاليبولي في تركيا العام 1915. يختار كراو اللجوء إلى مشاهد «فلاشباك» ليقدم نتفاً من حكايتهم. هنا يفقد الفيلم بوصلته قليلاً. الفلاشباك حل مناسب للذاكرة، لكنه ليس حلاً سينمائياً لحدث مروي من محور شخص لم يشهد ما يعمد الفيلم إلى إظهاره من أحداث ماضية. 
يحط كونور في اسطمبول العام 1919، وهنك شغل رائع في تصميم الأمكنة وتفاصيلها من مصمم الإنتاج كريس كندي وتصوير جيّـد من أندرو لسني. من المرفأ إلى فندق تديره أرملة أسمها عائشة (الأوكرانية أولغا كوريلنكو) لديها ولد صغير. لا يقع كونور وعائشة في الحب بقدر ما يتواصلان ضمن الهم الإنساني واكتشاف كل منهما لثقافة الآخر. كونور يريد أن يذهب إلى الموقع الذي دارت فيه معركة غاليبولي حيث مات أولاده وهو واثق من أنه سيجد المكان الذي دفنوا فيه كما يجد الماء: بالحدس وحده. دون ذلك عقبات ومشاكل وخط أحداث مواز (ومهم) بطله الجنرال التركي حسن (يلماز إردوغان الذي لفت الأنظار بحسن تمثيله في فيلم نوري بيلج شيلان  «حدث ذات مرّة في أناضوليا»). البحث يقود إلى مغامرة عندما يوسع الفيلم إطار أحداثه ليشمل علاقة تركيا ببريطانيا من ناحية والحرب غير المعلنة رسمياً مع الماليشيات اليونانية. 
«معمّـد الماء» ليس فقط دراما في زمن الحرب وبعده، بل رغبة إنسانية للتواصل بين الثقافات والأديان. كونور المسيحي يكتشف الكثير عن الإسلام وكراو يحسن تقديم صورته في فيلمه. هناك مشهد لدخول كونور/ كراو أحدم مساجد اسطمبول العريقة تلحظ رقرقة الدمع في عينيه. ثم هناك المواقف التي تعكس تعاطفه مع الأتراك في حربهم وليس مع الغرب في حربه ضدّهم.. 

منتجون: تروي لوم، أندرو ماسون، كيث رودجر سيناريو: أندرو نايت، أندر أناستاسيوس تصوير (ألوان): أندرو لسني موسيقا: ديفيد هيرشفلدر توليف (111 د): مات ڤيلا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Battle of the Rail, The Searchers, Hour of the Wolf, Lady of Black Moons, The Miracle Worker,

السنة 8 | العدد 210 
 "فيلم ريدر" مجلة نقدية يكتبها: محمد رُضـا


Battle of the Rail (La Bataille du Rail)   

معركة سكة القطار  ★★★★
مفاتيح: رنيه كليمان | دراما نفسية [الحرب العالمية الثانية] | أفلام "كان" | فرنسا | 1946 |  رقم: 005

بعد أقل من عامين على تحرير فرنسا من الإحتلال النازي، أنجز المخرج الفرنسي رنيه كليمان هذا الفيلم الذي يتحدّث عن بذل المقاومين الفرنسيين ضد الإحتلال موظّـفاً أسلوب سرد روائي مبني على معالجة فنية تسجيلية، شيء مبكر لما اشتغل في إطاره الإيطالي جيلو بونتيكورڤو في «معركة الجزائر» (1966)
ليست هناك بطولة لفرد او أفراد ولا حكايات شخصية، بل عرض لكيف أسهم موظّـفو وعمّـال سكّـة الحديد في المقاومة ضد الجيش النازي بادئاً بمشاهد مقاومة صغيرة مثل تعطيل محرّك او صنع ثقوب في خزنة الزيت، وصولاً إلى معارك فعلية بين المقاومين والجيش النازي ينجل عن قتلى من الطرفين في مشهد طويل أُحسِـن توليفه (من قِـبل ج. دسانيو)
مشهد من الفيلم حيث المناهضون الفرنسيون 

 من عمّـال سكة الحديد في إحدى عملياتهم٠

من بين المشاهد المهمّـة ذلك الذي يتم فيه إعدام بعض من قبض عليهم الجيش الألماني من مقاومين. والإعدام يتم بالترتيب وليس جماعياً بعدما تم أمر الجميع بمواجهة جدار. اللقطة قريبة من وجه آخرهم في الترتيب وهو يرقب عنكبوت أسود أمامه يتعثّر ثم يسقط. لحظات كهذه لا تتكرر كثيراً، لكن حين يختار لها المخرج أن تقع فإنه يوفّر لمسات إنسانية على شكل تفاصيل جميلة. مشهد تدمير القطار الحامل للدبابات الألمانية منفّذ جيّداً ولو أنه لم يكن سوى موديل قطار تم صنعه وما عليه للغاية. 
تصوير هنري أليكان (أحد أهم مديري التصوير في تاريخ السينما) من ذلك الذي يُـطرح دروساً ليس فقط لناحية تشكيل الصورة الأبيض والأسود بل لتأسيسه المعايشة الواقعية للأحداث أيضاً وما تكشفه مشاهدة الفيلم اليوم هو أن الواقعية الإيطالية الجديدة لم تكن وحدها في هذا المضمار ولو أن فيلم رنيه كليمان (وأفلام أخرى لاحقة) خطّـت لنفسها معالجة مختلفة في هذا الصدد.
كان هذا الفيلم أحد الأفلام الفائزة بسعفة "كان" الذهبية سنة 1946 لجانب إحدى عشر فيلماً آخر (تبعاً لنظام خوّل المحكّـمين توزيع هذا العدد من السعف).


The Searchers  

"الباحثون"  ★★★  
مفاتيح: جون فورد | وسترن | الولايات المتحدة | 1956  رقم: 001

تدور معظم أفلام جون فورد حول مفهوم الـ Home. وأكتبها بالإنكليزية لأن الكلمة معنى مزدوج، كما يعرف الكثيرون: هي «البيت» (وليس بمعنى House) وهي وطن، إنما ليس بالمعني الذي تشتق منه كلمات مثل "وطني" أو "مواطن" أو "وطنية"، بل شيء أقرب إلى حيث المكان الذي يحن إليه المرء، والذي قد يكون بيتاً أو منطقة أو بلدا أو حتى كوكباً آخر (كما الحال في «إي تي» لستيفن سبيلبرغ.
«الباحثون» يحمل المفهومين معاً. هو عن البيت الجامع للعائلة وعن ذلك المكان الذي أسمه الغرب الأميركي. في أعماله، إجمالاً، تطرّق فورد إلى معنى أن يكون الرجل معزولاً عن وطنه الذي يحبّه كما الحال في «المخبر» The Informer مثلاً ( 1939). في «الباحثون» هو عن رجل وحيد في كيانه أسمه إيثان (جون واين) صحيح هو آت من أسرة يعود إليها لكنه يتصرّف بمنأى عنها. كان اشترك في الحرب الأهلية لجانب القوات الكونفدرالية (الجنوبية)، هذا وحده يعطينا فكرة عن ميوله السياسية. وبعد أن عاد وجد عدوّاً جديداً بإنتظاره. لقد قام الهنود (قبيلة كومانشي) بإختطاف قريبته الشابّـة دَبـي (نتالي وود) وهي في الخامسة عشر من عمرها. وها هو ينطلق، أحياناً بمعية الشاب مارتن (جفري هنتر) باحثاً عنها في كل شبر من أراضي الغرب المحيطة. خلال ذلك يعترض هنوداً ويعترضه هنود ويقتلهم كونه عنصري النزعة أساساً، لكن غايته ليست إستعادة إبنة أخته بل قتلها حين يجدها لأنها الآن لابد أن عرقها (وشرفها) قد تلوّثا. 
جون فورد يوفّـر هنا وضعاً معقّـداً بعض الشيء: بطله، كما سبق القول، عنصري يعتبر الجنس الأبيض هو السيّـد. حارب ضد منح السود حريّـتهم والآن ضد الهنود. لكن  فورد يوفّـر له الحماية: المشهد الذي يتم فيه إكتشاف مجزرة قام بها الهنود فادح. يجيّـش المشاعر المعادية. الأم اغتصبت وقتلت وإبنتيها اختطفتا.  شعور إيثان المناويء للمجتمع الأبيض والمتميّـز بوحدته ناتج عن رجل يرفض مواكبة الزمن. وهو ليس لديه الكثير من القول في شأن تبرير مواقفه (مارتن الشاب بدوره فيه دماء هندية بعيدة وإيثان يقبل ذلك مجبراً). ولا يطلب منه المخرج التبرير بل يقدّمه لجمهوره (آنذاك على الأخص) كوضع شخصي ممكن القبول به. كلما مضى إيثان (وفي الفيلم تمثيل جيّـد من واين) في حربه المنفردة كلما بدا مدافعاً جديراً بالإعجاب لدى البعض. آنذاك، لم يكن المفهوم الليبرالي ناضجاً ومنتشراً. الجمهور الأميركي يفهم المقتضيات والدوافع ويقبل بها.
قرب نهاية الفيلم عندما يلتقي إيثان (جون واين) بإبنة أخيه (نتالي وود) تقفز
إلى حمايته. لاحظ أنه ليس متحمّساً لها بوحي من يده المفتوحة 

مثل أفلام وسترن أخرى لفورد (إن لم يكن كلها) يحتفي المخرج بالجالية الأيرلندية وإلى حد هزلي في مواقع كثيرة. الشرب والمعارك اليدوية والمواقف المندرجة تحت بند الخامة التقليدية للسلوك الفردي كلها محتفى بها لأنها نتيجة ثقافة لا يمكن نقدها (من قبل المخرج أو أي من أفلامه). منذ إطلاقه، نال الفيلم إعجاب معظم النقاد الغربيين، ولأسباب مقبولة. هو أفضل تمثيل لجون واين في تلك الفترة، وفيه قصّـة، إذا ما نجحت في استبعاد الجانب السياسي منها، آسرة في مواقفها وصراعاتها، ثم هو مصوّر بحنكة ونتون س. هوتش الذي صوّر قليلاً من أفلام فورد السابقة.
تقدير خاص: مدير التصوير هوتش، الممثل جون واين، المؤلف الموسيقي ماكس ستاينر.


Hour of the Wolf  

"ساعة الذئب"  ★★★✩✩  
مفاتيح: إنغمار برغمن | دراما نفسية | سويدي | 1968 |  رقم: 002

في مطلع هذا الفيلم (أبيض/ أسود) تواجه ألما (ليڤ أولمان) الكاميرا وتتحدث عن قراءتها مذكرات أخفاها زوجها يوهان (ماكس ڤون سيدو) الذي ترك الجزيرة التي نزحا إليها قبل ست سنوات في ظروف غامضة. نراهما، في فلاشباك يتحوّل إلى الكيان الأساسي من الفيلم، وقد وصلا الجزيرة فعلاً. حياتهما الأولى فوقها تبدو هادئة وسعيدة في بدايتها. نشاهده يرسم ونشاهدها تقوم ببعض أعمال الخياطة. لكن بطريقة برغمن المعتادة تدرك أن هناك ما يجري تحت السطح مما هو غير مرئي. بعد حين يبدأ يوهان السقوط إلى هاويته النفسية العميقة. الزوج لا يستطيع النوم ويتحدّث عن ساعة الذئب… هي الساعة التي تسبق الفجر. يبدأ بالحديث عن والده الذي كان يخيفه وهو صغير ما جعله يحمل أثر ذلك في نفسه. يقص حكاية مؤلمة في ماضيه (أبطال برغمن يفعلون ذلك عادة). هواجسه وآلامه الداخلية 
 ليڤ أولمن الممثلة المفضلة للمخرج برغمن في أحد المشاهد التي ستتوجه فيها
بالحديث إلى الكاميرا. توظيف دائمـا ما قام المخرج باستخدامه٠ 

تنحدر به وسريعاً ما نراه يقتل ولداً تحرّش به. غريب يدعوه وزوجته لحفلة لدى مالك القصر بعدما شاهده يرسم وعندما يلبيان الدعوة يجدان نفسيهما في ورطة يتداخل فيها الواقعي مع الخيالي. الحقيقة مع الوهم.  في الدقائق العشر الأخيرة، يعايش الزوج كابوساً مخيفاً  يحتوي على دهاليز وغراب أسود يلاحقه وإمرأة (من الخيال)  مستلقية عارية فوق طاولة تدعوه إليها. يوهان يفقد صوابه. سوف يلمسها براحة يده. ثم يعتليها ليمارس الحب ليكتشف أنها جثّـة! حتى من قبل ذلك الفصل السوداوي، يعرج المخرج على ما هو واقع (مشاهد الزوج وزوجته) مع ما هو وهمي (كل ما حدث في القصر) وما سيبقى بين الواقع والوهم (قتل الصبي). 
مثل «برسونا» (الأفضل) قبله، يعرض برغمن الحكاية ويخلطها بالخيال. لا يعرض الخيال كخيال، بل كما لو كان واقعاً بدوره وعلى المشاهد أن يفصل الخيوط عن بعضها البعض بنفسه. في كل مرّة هناك ستار يخفي شيئاً والأشياء تجتمع في النهاية وبالطبع ستكون داكنة. 
بداية الفيلم، وصول الزوجين إلى الجزيرة يمكن مقارنتها ببداية وصول الزوجين (وإبنهما) في فيلم ستانلي كوبريك «اللمعان» The Shining الى الفندق المعزول. كذلك التطوّر غير المألوف لشخصية الزوج، وصولاً إلى فصل النهاية الذي يمكن مقارنته بالفصل النهائي من «عينان مغلقتان بإتساع» لكوبريك أيضاً. 
تقدير خاص: مدير التصوير سڤن نيكڤست


سيدة الأقمار السوداء   ★★✩✩✩  

مفاتيح: سمير خوري | دراما إجتماعية | لبناني | 1972 | H | رقم: 003

في «سيدة الأقمار السوداء» تطلّـع المخرج سمير خوري إلى تحقيق فيلم يختلف برمّـته عن أي فيلم عرفته السينما العربية من قبل. أراد في فيلمه أن يكون أمثولة لانطلاق الفيلم اللبناني خارج حدوده. وفي حين يحترم المرء هذه الرغبة الدفينة إلا أن النتائج تنقض على المبررات وتميد بها بحيث ينتهي الفيلم مجرد نموذج غير صالح للإعتماد (والأيام برهنت على ذلك).
يحكي الفيلم قصّـة إمرأة ثرية (ناهد يسري) تخلت عن خطيبها (عادل أدهم) ليهامها بالسائق (حسين فهمي) الذي يعمل عند خطيبها لأجل إكمال دروسه الجامعية. يمضيان معاً أيام حب طويلة تنتهي بحادث بينهما. الزوج يضرب العشيق معتقداً أنه أقام علاقة بينه وبين شقيقته وهذه تسعى لإنقاذ السائق لأنها تحبه ولاحقاً ما يتزوّجان. لكن الزوجة تفقد توازنها العاطفي. تهيم بأي شاب تختاره لها إحدى سيدات المجتمع لتمارس معه الحب عنيفا وفي النهاية تنطلق في حلم غريب بأنها تنتقم من الرجال بقص أعضائهم الذكورية. 
ناهد يسري كانت جريئة في ذلك الحين. بصرف النظر عن قيمة الفيلم
أو نوعه. قبله وبعده بحثت عن أدوار جيّـدة وإن لم تحصل على العديد
منها٠

خلال هذا السرد المفعم بالمشاهد الجنسية التي بلغت حداً إضطر معه الأمن العام اللبناني منع دخول الفيلم لمن هم دون الثامنة عشر من العمر، عمد المخرج (وربما ليس عن عمد) إنقطع اتصال شخصياته بعالمنا. أعطاها سلوكا غير منتم. لا تملك الشخصيات لقطات تحدد هويتها وشخصياتها الكاملة. وفي حين أن معالجة خوري للمشاهد تقنياً وفنياً جيّـدة، إلا أن السيناريو، الذي شارك فيه أكثر من كاتب، لا ينضبط في سياق جيّـد. هناك مشاهد كاملة تدور ضمن فراغ. وذروة الفيلم ليست موجودة. وإذ يختار المخرج سرد النهاية ثم العودة إلى البداية وصولاً مرّة أخرى إلى النهاية فإن يفقد ميزة التعامل مع هذا الإختيار كأسلوب ولا يبقى منه إلا ما يبدو تكراراً وإضاعة جهد. ومع شخصيات تفتقد الخلفية النفسية والمبررات الكفيلة بتصديقها فإن ما يبقى من العمل (المنسي اليوم) دافعاً ذاتياً لدى مخرج حاول الإختلاف. 
إكتفى سمير خوري بتحقيق ثلاثة أفلام فقط هي «سيدة الأقمار السوداء» (1971) و«ذئاب لا تأكل اللحم» (1973) و-بعد انقطاع- «أماني تحت قوس قزح» (1985).



The Miracle Worker  

صانعة المعجزة  ★★★ 
مفاتيح: آرثر بن | دراما نفسية [إقتباس مسرحي] | الولايات المتحدة | 1962 |  رقم: 004

هذا الناقد لم يشاهد مسرحية وليام غيبسون تحت العنوان ذاته التي قام آرثر بن بإقتباسها فيلماً هو الثاني له من بعد «ذو المسدس الأعسر» The Left Handed Gun سنة 1958. لكن حقيقة أن كاتب السيناريو هو غيبسون نفسه، وبالنظر إلى معالجة المخرج للموضوع وحقيقة أن إحدى بطلتيه، آن بانكروفت  قامت بالتمثيل في المسرحية يؤيد الإعتقاد بأن الفيلم أمين للأصل كثيراً. 
إنها قصّـة مقتبسة بدورها عن الواقع: هيلين كيلر (تقوم بها باتي دوك) كانت فتاة صغيرة صماء بكماء وعمياء، وعائلتها عيّـنت لها أستاذة أسمها آني سولڤن (بانكروفت) لكي تمنحها دروساً خصوصية. المهمّـة صعبة من منطلقها. هي أصعب عندما تكتشف المعلّـمة كم تحمل الفتاة في داخلها من إحباط وشعور بالعدمية والعبث والفشل. لكن بقدر ما المهمّـة صعبة بقدر ما المعلّـمة عنيدة ولحين طويل يصبح الفيلم صراعاً بين إرادتين: إرادة المعلمة خلق إنسان جديد من تلميذتها، وإرادة الفتاة بالمقاومة. أكثر من ذلك، تجد نفسها في مشادات مع والدي الفتاة اللذين يعتقدان إنها قاسية على إبنتهما. 
آن بانكروفت وباتي ديوك والممثل القديم الجيد ڤكتور جوري٠
لاحظ اللقطة المتوسّـطة التي تضع الثلاثة مباشرة أمامها٠

الفيلم لا يتّـخذ شكلاً بحثياً ولا وعظياً. إنه دراما حادّة عن موضوع محدد. لا مجال لممارسة لهو خيالي أو معالجة تخفف من ثقله. ومع أن الفيلم مأخوذ عن مسرحية إلا أن المسرح لا علاقة له هنا إلا من حيث أصل المادة. إما الإخراج فهو سينمائي اللغة تماماً حتى من دون التنويع في مواقع التصوير. ما يجعل الفيلم تجربة خاصّـة حقيقة أن آرثر بن يعرف كيف يحشد المواقف مستنداً إلى حوار لا يبدو أنه اختلف كثيراً عن النص الأصلي، ولا يهرب من مواقف تمتزج بها المشاعر متدرجّـة ما بين التفهم الكامل للحالة التي تعالجها المعلّـمة والوضع النفسي المضطرب للطفلة المتمرّدة والصراع الهادر بين الإثنين. كلا الممثلتين رائعتين في دوريهما. ممعنتان في إداء صميمي وصادق. أحياناً ما يبدو الموقف بينهما معرّض لحسابات المخرج (إدارة مسرحية) لكنهما يتجاوزان المتوقع من إدائهما ويغوصان في ممارسة تبدو كما لو أن الشخصيّـتين على الشاشة هما بالفعل هيلين وآني. 
خطأ واحد يخرج به الناقد هو في المشهد الذي يتمحور في منتصف الفيلم ليعبّـر عن ذروة الصراع بين المعلّـمة وتلميذتها: إنه مشهد الغذاء. آني المعلّـمة تريد من هيلن القيام بتنفيذ وصاياها البروتوكوليّـة على مأدبة الغداء وهيلين تريد أن تبرهن لنفسها أنها مستقلة الإرادة. هنا يعمد بن إلى كاميرا تنتقل بانورامياً بين الممثلتين لأكثر من مرّة (عوض القطع بينهما). في الوقت الذي يناسب ذلك فيه التعبير عن لعبة "بينغ بونغ" نفسية بين بطلتيه، يفرّغ بعض الأثر الدرامي المرغوب ويخفف من التلقائية المنشودة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ