نقد أفلام برلين | نقد أفلام روتردام | Side Effects| Mama| Chinese Zodiac | Parde| Child's Pose | etc.. |


ـزيارة ثانية لفيلم «زيرو دارك ثيرتي» بالإضافة إلى "الخروج للنهار» لهالة لطفي وخمسة أفلام برلينية وثلاثة من مهرجان روتردام في صفحات العدد (أعلاه).ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفلام العدد
Side Effects
فيلم ستيفن سودربيرغ الجديد «أعراض جانبية» (الذي يقول أنه سيكون فيلمه الأخير) له أعراض جانبية عديدة تجعله أقل أهمية مما قُـصد له أن يكون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Mama
كونه فيلم رعب لا يعني أنه سيء وخفيف. يكفيه أن جسيكا شستين تقبل عليه كعمل جاد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظرة ثانية:
جوانب أخرى لم يتح نقدي السابق بحثها من بينها ردُّ على بعض ما نشر حول هذا الفيلم من معلومات خاطئة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Chinese Zodiac
هل لا يزال جاكي تشان مهمّـاً حتى لهواته السابقين؟ فيلمه الجديد يقصد أن يحيي فيهم الإعجاب السابق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قراءات موجزة:
ABC of Death
End of Watch
Trouble With the Curve
War Witch
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفلام من روتردام
ثلاثة أفلام جاءتنا من روتردام أحدها («قاتل قلبي») نال جائزة أولى وعبر الحدود صوب برلين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفلام من برلين
جزء أول من معاينة أفلام المسابقة التي تم عرضها في برلين هذه السنة ومن بينها الفيلمين الفائزين بجائزة الدب الذهبي ولجنة التحكيم الخاصّـة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 أعراض جانبية              SIDE EFFECTS        **
إخراج: ستيفن سودربيرغ
تمثيل: جود لو، روني مارا، كاثرين زيتا جونز.
النوع: تشويق | الولايات المتحدة- 2013
عروض: دولية | مهرجان 

أفلام ستيفن سودربيرغ، على نحو عام، تبدو دوماً كما لو كانت مسودّات عمل لمشاريع أفضل. أحياناً ما يتعامل مع حكاية من القوّة وحسن التأسيس بحيث يتجاوز بها تلك الثغرة، لكن حين تخفق الحكاية في تبرير أفعال شخصياتها، أو عندما يحمّـلها المخرج مفارقات مفتعلة، ينكشف الستار عن عمل مثقل بالنوايا التي لا تتحقق.
«عوارض جانبية» الذي ينطلق في عروضه العالمية بدءاً من هذا الأسبوع، من هذا النوع: تجربة في الدراما المحمّـلة بالغايات التي لا تتحقق والمفارقات المضخّـمة و-أحياناً- المفتعلة. ما يحاول أن يكون الفيلم عليه هو تشويق نفسي حول دواء لمعالجة الإدمان على اليأس. ما يتسبب به من تأثير جانبي هو إغلاق المعابر بين الواقع والخيال ما يجعل التفريق بينهما صعب على المريض. هذا بدوره، وتبعاً للحكاية كما كتبها سكوت بيرنز، يؤدي- حسب الفيلم- إلى نتائج خطرة… ماذا لو أن المتعاطي أصيب بعارض السير نوماً؟ ماذا لو أنه أخذ يحضّـر السلطة وهو نائم ثم ماذا لو عاد شريك حياته من الخارج والمريض لا يزال يعد العشاء وهو نائم؟ والأدهى: ماذا لو استدار فجأة صوب شريك حياته وطعنه بالسكين وهو… أيضاً لا زال نائماً؟
ما ذكرته هنا هو ما نشاهده على الشاشة: روني مارا هي الزوجة الشابّـة إميلي التي، من دون دوافع مفهومة، تقود سيارتها سريعاً لتصطدم، عمداً، بالجدار. لا تموت من شدّة الصدمة (ولا حتى تُصاب بجروح ظاهرة) لكنها تتطلب عناية الطبيب النفسي جوناثان (جود لو) الذي يصف لها دواءاً لشفائها من اليأس خصوصاً بعدما حاولت الإنتحار مرّة أخرى بإلقاء نفسها أمام قطار المترو. بعد أن يصف لها دواءاً يساعدها على التخلص من الشعور باليأس، تعلن تحسّـن حالتها، وتقول للطبيب ولزوجها مارتن (تشانينغ تاتوم) أنها أفضل وترفض التخلّـي عن هذا الدواء. لكن من علامات التحسّـن كما نرى فيما بعد طعن زوجها بسكين المطبخ عندما يتقدّم منها آملاً ضمّـة حنان فتعالجه ببعض عوارضها. طعنتان في القلب وطعنة في الظهر ويخرج شانينغ تاتوم من الفيلم.
لكن الطبيب هو من يجد نفسه في موقع المسؤولية رغم أنه ينفيها عن نفسه. لقد وصف لها الدواء المتاح قانونياً ولا يمكن له تحمّـل تبعات ما قامت به رغم تضامنه مع حالتها. في المقابل تصر طبيبة أخرى أسمها فكتوريا (كاثرين زيتا جونز) على أن جوناثان أخطأ المعالجة. وفقط عندما نعتقد أن الفيلم أنجز التفافاته حول نفسه طارحاً جوانب نفسية غير ثابتة وقائمة على الإفتراضات يكشف عن مفاجأة أخرى: فكتوريا وإميلي على علاقة عاطفية بينهما ما يضع جوناثان في موقف أصعب من ذي قبل.
العوارض السريعة لهذا الفيلم هي أن المشاهد يشعر، عوض التشويق المفترض، بحب الإسترخاء في عالمه الأكثر أمناً وأمانة. هناك حرفية سرد عالية كالمعتاد في أفلام سودربيرغ عموماً وإيقاع سريع يحفز المشاهد على المتابعة. لكن المشكلة التي يطرحها الفيلم تنتقل من العام (تأثير العقاقير المرخصة الجانبي على متعاطيها) إلى حالة خاصّـة (وضع الطبيب المتأرجح عائلياً ومهنياً وعلاقة الحب بين إميلي وفكتوريا). وإذ ينتقل الفيلم من حدث يعتبره مفاجئاً إلى حدث آخر يعتبره مفاجئاً يترك مشاهديه غير عابئين تماماً بما يحصل لهذه العوارض الجانبية.

 ماما              MAMA        ***
إخراج: أندي موشييتي
تمثيل:  جسيكا شستين، نيكولاي كوستر- والداو، ميغن كاربنتييه
النوع: تشويق/ رعب | الولايات المتحدة- 2013
عروض: دولية 


معها حق الممثلة جسيكا شستاين عندما تقول أن «ماما» ليس أي فيلم رعب، بل فيلم رعب جيّد وإلا لما مثّـلته. على كثرة ما نراه من أفلام رعب صار الواحد حذر من دخول أحدها مخافة أن يجده منقولاً عن آخر فيلم شاهده من النوع.
لكن «ماما» يختلف فعلاً. عوض أن ينشغل المخرج في المؤثرات الخاصّـة وفي كيف يستخرج مشاهد عنف جديدة مع دلو من الدم يدلقه فوق ضحاياه، نجد هنا عملاً ذكياً يتعامل والخوف كناتج حقيقي عن ظروف موضوعية. ويمكن تلمّـس هذا الإختلاف من بدايته: رجل فقد صوابه في ظرف إجتماعي مُـعين وتحت ضغط نتبيّـنه لاحقاً فيقتل رئيسيه في المكتب حيث يعمل ثم ينطلق إلى بيته ليأخذ طفلتيه الصغيرتين إلى حيث سيختبيء في منزل في غابة معزولة. بعد خمس سنوات يتم إكتشاف وجود الفتاتين في ذلك المنزل المهجور وهما في حالة موحشة تعيشان كالجرذان بعدما اختفى والدهما. يعرض شقيق الأب (نيكولاي كوستر والداو) تبنيهما ونقلهما إلى منزل وفّرته أحد المستشفيات ويعرض ذلك على صديقته أنابل (جسيكا شستين) عارضاً عليها مساعدته في المهمّـة، وهذه تقبل على الرغم من أنها لم ترحب بالفكرة مطلقاً. المشكلة التي تتأرجح دون أن تطور أو حل هي في الفتاة الأصغر التي لا زالت تتصرّف على نحو غريب ولا تستطيع النطق جيّـداً أو التصرف على نحو بشري. التأثير الذي عاشته طوال خمس سنوات من القوّة بحيث بات من الصعب إشفائها من متاعبها النفسية ضمن مدّة منظورة.
سريعاً ما يدرك الرجل وصديقته (كما المشاهدين) أن المسألة لا تتوقّـف عند هذا الحد، بل تمتد لتشمل وجود أرواح غريبة انتقلت مع الشقيقتين من ذلك البيت الذي عاشا فيه وحيدين إلى البيئة الجديدة. 
المنتج المنفّـذ لهذا الفيلم هو غويلمرمو دل تورو، الذي لديه منحاه الخاص من أفلام الفانتازيا الداكنة. صحيح أنه لا يتدخل في التنفيذ أو في شغل المخرج موشييتي، إلا أن يتدخل لصياغة الإنتاج على نحو يؤمّـن تميّـز الفيلم عن أترابه وعلى النحو الذي يمنح المشاهد وضعاً خاصّـاً محوره محاولة دؤوبة للبرهنة على أنه يمكن خلق كيان عائلي قادر على الدفاع عن نفسه ضد ما هو شرير أو خطر. فالفتاتان ليستا شريرتين بل سنجدهما لاحقاً يعانيان من الظواهر غير الطبيعية التي أخذت تعصف بأهل البيت جميعاً.
جسيكا شستين التي شاهدناها تلعب شخصية قويّـة الجانب في «زيرو دارك ثيرتي» تؤدي هنا شخصية صلبة أخرى. طبعاً ستخاف وستفزع وستصاب بالإحباط لكن الكثير مما يحدث في الفيلم متمحور حولها كما تمحور فيلم Alien الشهير حول شخصية الممثلة سيغورني ويفر.
ما قام به المخرج ماشييتي هو العودة إلى فيلم قصير حققه منذ حين وأعاد كتابته (مع دانيال كاش وباربرا موشييتي) مضيفاً إليه المزيد من المشاهد (تلك التي تتعامل وشخصية أنابل/ شستين) لجانب مشاهد أخرى لا تخل بالفكرة الرئيسية بل تقوّيها. للأسف يعتمد المخرج على موسيقى ضاجّـة وضعها فرناندو فيلازكيز تشبه أي موسيقا أخرى تفرض علينا في أفلام رعب أخرى هذه الأيام.

نظرة ثانية:   **** Zero Dark Thirty
إخراج: كاثرين بيغلو
تمثيل:  جسيكا شستين، 
النوع: تشويق/ رعب | الولايات المتحدة- 2013
عروض: دولية 

لم يحدث أن شهد فيلم أميركي تجاذباً سياسياً بين محافظين يمينيين وليبراليين يساريين في الولايات المتحدة في الأعوام العشرة الأخيرة على الأقل، كما يشهد لليوم فيلم كاثرين بيغيلو الجديد «الثانية عشر والنصف ليلاً». المخرج مايكل مور قسّـم الولايات المتحدة إلى نصفين حين أخرج فيلمه التسجيلي «باولينغ فور كولمبيا» متّهماً أثرياء الصناعة الأميركية بالإتجار بأرواح البشر بسبب دفاعهم عن تجارة السلاح. بعد ذلك،  تابع منواله الداعي لإعجاب فرقاء ونقمة فرقاء آخرين محافظاً على رسالته السياسية دون إلتباس، فهو انتقل مهاجماً إدارة الرئيس بوش الإبن بسبب توظيفها كارثة نيويورك لشن حروب على دول لا تهدد سلامتها بشيء في «فهرنهايت 11/سنة 2004  ثم هاجم النظام الصحي في الولايات المتحدة الذي يفتك بذوي الدخل المحدود في «سيكو» (2007) وبعده كال لطبقة كبار أصحاب المصالح الإقتصادية والإستثمارية في الولايات المتحدة متّـهماً إياها بالتسبب في أزمة 2008 والهروب من المسؤولية في الوقت ذاته وذلك في «الرأسمالية: قصّـة حب» (2009).
فهم مايكل مور كان سهلاً على مؤيديه ومعارضيه. لم يكن هناك أي غموض في موقفه، لكن قراءة فيلم كاثلين بيغيلو الجديد «زيرو دارك ثيرتي» (وهو تعبير عسكري يعني الساعة الثانية عشر والنصف ليلاً) صعب جدّاً لأنه فيلم روائي. أيما كان صانعه، يستطيع هذا تلوين الوقائع من دون إغفالها وتطويع الحقائق من دون التقليل من شأنها. لقطة واحدة قد يقرأها مشاهد من صف اليمين على نحو مؤيد أو معارض واللقطة ذاتها قد يقرأها آخر يساري على نحو مؤيد أو معارض من دون أن يتّـفق الإثنان على قراءة واحدة.
فيلم كاثلين بيغيلو الجديد شهد مقالات ضد ومقالات مع ولم يحظ بمواقف حيادية كون لا أحد يستطيع أن يكون حيادياً حيال رسالته. المشكلة هي أن هذه الرسالة مكتوبة على صفحتي ورقة واحدة وما هو مكتوب على الصفحة الأولى قد يتناقض مع ما هو مكتوب على قفا الورقة ذاتها.
لكن كمبدأ، آخر ما في غاية المخرجة التي فازت قبل ثلاثة أعوام بأوسكارين رئيسيين عن فيلمها «خزنة الألم» (أفضل فيلم وأفضل مخرجة) هو تقديم فيلم يتناول تحليلاً سياسياً. في الواقع لم نعد نرى أفلاماً غربية تحلل أوضاعاً سياسية الا بقدر محدود جدّاً. المنتشر على نحو واسع هو أفلام تطرح مواقف سياسية أو تنتمي إلى وجهة نظر سياسية محددة، وأحياناً بلا تحديد إذا ما كان التحديد سيدلف بالفيلم إلى مستوى تقديم الأسباب الخلفية لكل شيء ومن ثم العمل على تحليلها. ليس هناك من خلفية سياسية مثلاً لفيلم «أرغو» لبن أفلك، وليست هناك خلفية سياسية لفيلم «في بلد العسل والدم» لأنجلينا جولي ولا حتى لفيلم «الإرهابي المتمنّـع» لميرا نير رغم أنه الأفضل في هذا الإتجاه. فالخلفية السياسية للفيلم ستطرح مواضيع شائكة. في «الثانية عشر والنصف ليلاً» كان عليها أن تعود بالأحداث جميعاً إلى العلاقات العربية- الأميركية حتى من قبل نشوء القاعدة ووضع القضيّة الفلسطينية كأحد أهم العوامل التي جعلت أميركا -بموقفها المؤيد لـ "إسرائيل"٠ مكروهة.  
هذا ليس وقته ومكانه. الحكاية هنا تنطلق من أحداث محددة: في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر سنة 2001 هوجمت أميركا بعملية جوّيـة نتج عنها إنهيار برجي مركز التجارة الأميركي في نيويورك وضياع أرواح عدد يقترب من ثلاثة آلاف ضحية. نقطة على سطر الخلفيات. أميركا لابد أن تنتقم من القاعدة ورئيسها أسامة بن لادن. جهاز الإستخبارات المركزي الأميركي (السي آي أيه) هو أداتها الرسمية لذلك. على هذا الجهاز أن يتحرك بكل ما أوتي من قدرات. هذه هي الأرضية الوحيدة للموضوع. لن يدخل الفيلم في السبب السياسي الخلفي ولا في نظريات المؤامرة التي تزداد رسوخاً منذ ذلك الحين. المهمّـة الكشف ليس عن الفاعل فهو معروف، بل عن طريقة الوصول إليه لإعدامه. مايا (جسيكا شستين) تقرر أن تكون هي من ينجز هذه المهمّـة التي تصبح شاغلها. ليس لمايا حياة إجتماعية ولا صداقات ولا حتى مواقف. كل ما لديها هوس بمهمّـة عليها أن تنجح بها من دون أن تكترث لأخلاقيات هذه المهمّـة كما كانت تفعل حين تابعت في مطلع الفيلم تعذيب السجناء العرب.
نصف الساعة الأولى من الفيلم تتداول التعذيب الذي يقوم به رجال الجهاز. لو أرادت المخرجة عدم إنتقاده لما صوّرته بحذافير مثيرة للرفض. لكنها في الوقت ذاته نجدها تنتقل من أن التعذيب أمر غير إنساني إلى أمر أنه ضروري. ما أن تشبّعت بطلتها بالحاجة لصيد بن لادن بات التعذيب لا يضيرها. هنا ينتقل اللوم أو يتّسع ليشمل إمرأة تعمل لصالح هوسها وينحسر عن بحث الجانب غير الأخلاقي وغير الإنساني للتعذيب. مايا حين تتشرّب الوضع وتمنحه تحديها الخاص تتلمّـس طريقها لقبول التعذيب. 
ينفذ الفيلم إلى عظام مشاهديه محدثاً قشعريرة كافية لتحويلهم إلى مدركين بشاعة ما يدور وبشاعة ما سبق ذلك أيضاً. فأميركا- الفيلم لم تعتد ولم تنتهك القوانين الدولية إلا من بعد أن اعتدي عليها وسيجد المشاهد المؤيد للسياسة الأميركية أن الفيلم هنا في مكانه الصحيح، لكن ما سيزعجه هو تأكيد المخرجة أن التعذيب وقع ولو أن باراك أوباما ينفيه في لقطة مأخوذة من مقابلة أجريت معه. 
يخلو الفيلم من البروباغاندا لا مع ولا ضد أي فريق… الموقف الوحيد الذي يمكن وصفه بأنه ترويج لدعاية ما هو أنه يقدّم الوضع كما لو أن إمرأة واحدة فقط هي التي صاغت عملية قتل بن لادن. لكن الفيلم في النهاية، وهو يحتاج لبحث لا تتحه الصفحات هنا، لا يمكن إتخاذه مؤيداً لأي طرف. المرء لا يخرج بشعور يرضيه لا إذا كان مع السياسة الأميركية ولا إذا كان ضدّها. في الحالتين يخرج منزعجاً. النهاية السعيدة لا ترتسم في سماء الفيلم والعمل بأسره ليس مغامرة من مغامرات ستالون أو شوارتزنيغر. وككل فيلم يستند إلى "حقائق" تبقى الكثير من الحقائق غائبة.


 تقويم صيني              CHINESE ZODIA        *
إخراج: جاكي تشان
تمثيل:  جاكي تشان، أوليفر بلات، لورا وايزبيكر.
النوع: أكشن/ كوميدي | الولايات المتحدة- 2013
عروض: دولية 

بشعر مصبوغ ووجه مشدود ينطلق جاكي تشان في محاولة جديدة للبقاء في المهنة التي يجيد: لا التمثيل بل الحضور الخفيف والسريع وبالحركات اللولبية والمشاهد ذات الأسس الكرتونية. «زودياك صيني» يقدم الممثل الذي بلغ الثامنة والخمسين من العمر في مغامرة جديدة ذات إطار جذّاب. لكن مباشرة من بعد هذا الإطار، وأول ما تصل إلى مضامين الصورة وكيف صٌـنعت ورُكّـبت، تجد أن الجذب إنتهى أو كاد وأن الماثل هو فيلم لا يتقدّم على ما قام به جاكي تشان من أدوار وأفكار طوال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
لن ينتهي الفيلم قبل ساعتين وثلاث دقائق، لكن الدقائق الثلاث الأولى كافية لتحديد الفيلم كاملاً، فجاكي ليس فناناً كمخرج بل شخصية محبوبة كممثل وإذا كانت الشخصية المحبوبة لا تكفي لكي تصنع ممثلاً جيّداً، فهي بالتأكيد خالية من مقوّمات المخرج الجيد. على ذلك ينبري تشان للمهمّتين ويستطيع الملم أن يدرك أنه ليس وحده في اللعبة بل فريق التقنيين كلّهم مشاركون في إتخاذ القرارات التفصيلية.
الحكاية هنا تدور حول ست قطع "أنتيكة" من قرون ماضية تشكل نصف دزينة من طاقم كامل كل منها يمثّـل حيواناً ترمز إليه الروزنامة الصينية. على جاكي تشان، أن يسترد هذه الستّة المسروقة لاستكمال العدد ولهذا فإن المحطّـة الأولى هي زيارة قصر فرنسي محروس جيّداً. لكن أنت تعلم وكل مشاهد آخر، أن الحرّاس هم هناك لكي يفشلوا في مهمّـتهم. طبعاً في فيلم آخر كنا سنشاهد الحرّاس وهم يُـقتلون أيضاً، لكن في فيلم جاكي تشان العنف غير وارد وهذه حسنة تحتاج إلى فيلم جيّد لكي تؤكد صلاحيّتها.
ليست كل القطع المفقودة في مكان واحد، لذلك سيترك تشان فرنسا ويتّجه إلى جزيرة في المحيط الهاديء حيث هناك قطعتان ولاحقاً إلى جبل بركاني. وهكذا كل بضع دقائق يضم قطعة حتى يصير لديه خمس قطع ليكتشف أن الوكالة التي استأجرته خدعته ولديها القطعة السادسة وعليه فإنها سيجبرها على دفع ثمن باهظ لأنها خدعته. ليست هنا نهاية القصّـة أو الفيلم بل بالكاد منتصفه. ما يلي ذلك مزيد من الكر والفر مع إبتسامة جاكي تشان الفارقة. لكن كل هذا لا يضخ أي قيمة في حسابه الخاص. 
ينطلق الفيلم من نقطة واعدة، لكنه يغادرها سريعاً. وهذا مؤسف. هناك أفكار جيّدة في هذا الفيلم يبددها تنفيذ رخيص لا يريد منح المشاهد أكثر من لمحات منها. الإيقاع المتسارع والمشاهد المنفّذة (بنسبة كبيرة) على الكومبيوتر والدجيتال تطيح بكل ما يلزم الفيلم من رصانة لأجل أن تكون متعة الفيلم التشويقي مبنية على قدر من الدراما.


 جديدة مختصرة               
ABC Of Death *
نيوزيلاندا/ الولايات المتحدة 2012
الفكرة هي إسناد مهمّـة تحقيق 26 فيلم لـ 26 مخرجاً مختلفاً ومن بلدان كثيرة وذلك على عدد الأحرف الأبجدية الإنكليزية، على أن يكون نصيب كل مخرج حرف واحد. لا بأس… وبل قد تكون الفكرة مثيرة والأفلام أكثر إثارة. لكن ذلك يتبدد ببلوغك حرف E المعنون E for Exterminate (إ للإبادة) حول رجل يريد قتل عنكبوت لكن حين يفعل تخرج من جسده هو عناكب كثيرة. ما يسبق ذلك وما يتبعه هو أيضاً أفكار لأفلام رعب وغرائبيات كثير منها لا يستحق جهد النظرة السريعة ويتدرج من الرداءة والبشاعة إلى بالكاد مقبول. 

End of Watch  **
الولايات المتحدة 2012
جايك جيلنهال ومايكل بينا رفيقان في بوليس لوس أنجيليس في هذا الفيلم من مخرج Street Kings ديفيد آيار: ليس في الفكرة جديد: برايان (جيلنهال) ومايك (بينا) شريكان في العمل يقومان بمداهمة المطلوبين في محيط "شرقي لوس أنجيليس" المعروفة بفقرها وبخطرها. يطاردون المجرمين ويحلون الإشكالات ويحققون ويقبضون على تجار مخدّرات وكل ذلك في غمار أيام روتينية متشابهة. هناك معضلة مفادها أن الفيلم مبني على أن برايان هو من يصوّر وقائع اليوم لكن بما أن عليه أن يمثّـل أيضاً فإن الناتج شيء مثل «ومن هو المصوّر الذي داخل الفيلم حين لا تكون الكاميرا كاميرة برايان؟". النقاد الأميركيون كانوا أكثر ترحيباً مني لكن الكرم ليس من خصائص هذا الناقد.

Trouble with the Curve  ***
الولايات المتحدة 2012
روبرت لورنز، منتج هذا الفيلم، هو منتج شريك لكلينت إيستوود ويعرف أسلوب ايستوود في التعامل المقتصد مع العمل وطريقته في منح الحكاية بعدها الإنساني الصحيح. «متاعب مع الإنعطاف» (التعبير مسحوب من طريقة ضرب كرة البايسبول) عن مكتشف لاعبين (ايستوود) تجاوز سن التقاعد لكنه لا زال متشبّثاً بعمله ولديه فتاة محامية أسمها ميكي (آمي أدامز) يلجأ إليها صديق أبيها (جون غودمان) لكي تنقذ والدها من عزلته لأنها ستضر بعمله. سيبرهن الفيلم عبر أحداث تبقى خفيفة لكنها ليست سخيفة أو تافهة، عن أن اللُـحمة العائلية ضرورية وأن الخلاف بين الأب وإبنته طريق الأول لتجاوز أزماته. ممثل جيّداً ومصنوع بأقل قدر ممكن من الكليشيهات ويمنح ايستوود تعليقه على نفسه (عجوز متذمّر). هذا هو الفيلم الأول لايستوود ممثلاً منذ «غران تورينو» (2008) وأول فيلم من تمثيله وإخراج سواه من «في خط النار» سنة 1993 (إخراج وولفغانغ بيترسون).

War Witch  **
كندا  2012
الفيلم الذي يمثّـل كندا في سباق أوسكار الأفلام الأجنبية كان من عروض مهرجان برلين في العام الماضي ويدور حول فتاة في الرابعة عشر من عمرها من قرية من أعمال الكونغو (الفيلم لا يحدد المكان أو صفة المتحاربين فيه) كان محاربون غير نظاميين غزوها وقتلوا رجالها واختطفوا أولادها الصغار لتدريبهم وهي من بين المختطفين. أحد رفاق السلاح شاب يكبرها قليلاً ويتزوّج بها لكنه يُـقتل وتبقى هي وحيدة مع طفل في أحشائها وهي لا زالت في الرابعة عشر من العمر. إذا ما كانت الفكرة تحمل نيّـات حسنة فهي أيضاً ميكرو باص يحمل شخصيات مكتوبة ومنفّذة ميلودرامياً بإسم الواقع. المخرج كيم نغوين (صاحب فيلم عن متاعب في شمال أفريقيا هو «مدينة الظلال») لديه كيفية سرد الحكاية مع إستطراد لا جدوى منه في أكثر من مكان.  


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

The Passenger فيلم مايكلأنجلو أنطونيوني


The Passenger  ***1/2




المسافر
إخراج مايكلأنجلو أنطونيوني 
دراما ألوان [35 مم] 126 د 
الولايات المتحدة (2013)  


لا يكتشف ديفيد لوك نفسه في هذا الفيلم الذي يحمل أيضاً عنوان "المهنة: مخبر" Profession: Reporter. على عكس كثير مما قيل فيه منذ أن خرج للعرض أول مرّة، ليس هناك من إكتشاف ذاتي. في الحقيقة قليلة هي شخصيات المخرج أنطونيوني التي تكتشف شيئاً، ناهيك أن تكتشف شيئاً فيها. وهنا الشيء نفسه ولسبب مهم: لا شيء في داخل ديفيد لوك موجود لكي يكتشفه.
المخرج الإيطالي الكبير يقدّم شخصية خاوية إلا من فكرة تبرهن، خلال المفارقات اللاحقة على أنها مدمّـرة: إستبدال هويّته بهوية ميّت يشبهه. بذلك ديفيد، مثل شخصية المصوّر ترنس ستامب في "تكبير" Blow- Up، شخصية متغرّبة عن الواقع حولها تجد نفسها في مواجهة قرار صعب قد ينتج عنه تحمّـل مسؤولية إجتماعية أو سياسية كبيرة، لكنه يقرر التخلّـي عن كل ذلك والإبتعاد عن مسؤوليته. 
كاميرا لوكيانو توفولي تمسح منطقة صحراء عربية قبل أن يدخل الفيلم منطقة بطله. نستعيد لاحقاً أن الفضاء الصحراوي الشاسع الذي يحسن أنطونيوني إلتقاطه يشابه فضاءاً صحراوياً في داخل بطله ديفيد (جاك نيكولسون) الذي بعد مغامرة في ذلك العراء لا ينتج عنها شيء يعود إلى الفندق الصغير المرمي في بلدة لا يعرفها أحد. لا زبائن ظاهرين في هذا الفندق سواه، وسوى رجل في قامته وحجمه وبل يشبهه إلى حد كاف إسمه ديفيد روبرتسون (تشارلز ملڤيل وهذا بقي فيلمه الوحيد ممثلاً إذ تحوّل بعد ذلك إلى منتج) وديفيد لوك يدخل على ديفيد روبرتسون فيجده ميّتـاً بعدما داهمته نوبة قلب. يقترب منه مسجى على ظهره ويتمعن في وجهه. لقد أدرك الشبه بينهما. تبعاً لذلك الإدراك يقوم بجر الجثّـة إلى غرفته هو وإلباسها ملابسه واستبدال هويّته. الآن الزبون النازل في الغرفة التي كان يحتلها ديفيد لوك هو الذي مات… ديفيد لوك الحي من وجهة نظر ديفيد لوك مات. ديفيد روبرتسون الميت لا يزال حيّـاً.

يحاول ديفيد لوك تقمّـص الشخصية كاملاً. يكتشف أن روبرتسون كان مهرّب سلاح لمنظّـمة ثورية في بلد أفريقي وأن عليه الإلتزام بالعملية المقبلة. لكن لوك يدرك أيضاً أنه لا يستطيع الإلتزام. ها هو، بعد زيارة للندن وأخرى للشبونة. يترك ال وفي أعقابه المنظّمة. أيضاً هناك زوجته راتشل (جيني روناكر) التي تصدّق أولاً أن لوك مات، ثم تكتشف أن صاحب الجثّة المعروضة عليها ليس زوجها فتسعى مع البوليس لمعرفة مكانه.
لوك الآن مطارداً لكنه ليس وحده. يتعرّف على فتاة شابّـة لم يمنحها الفيلم إسماً (ماريا شنايدر بعد ثلاث سنوات من مقاسمتها بطولة «آخر تانغو في باريس» مع مارلون براندو) يكشف لها حقيقته. تصبح صديقته لكنه لا يريدها أن تتورّط. كلما أرسلها بعيداً عادت إليه. 
ثم هناك النهاية في بلدة قاحلة (قد تكون في جبل طارق): لوك لا يزال يأمل في أن يتجنّب ملاحقيه، يأوي إلى فندق آخر في بلدة ميّتة أخرى ويستلقي على الفراش طالباً من "الفتاة" أن تغادره. تترك الغرفة والكاميرا تغادره بدورها وتتحوّل إلى النافذة التي تطل على الخارج. نجد الفتاة في منظور الكاميرا في الباحة الترابية. سيّارة تدريب قيادة تمر. رجل يجلس بعيداً. سيارة فيها رجلين غامضين تصل. سيارة بوليس تصل. الكاميرا باتت خارج الغرفة من دون قطع تتابع نشاطاً صامتاً حولها. سبع دقائق لإستعراض بصري أخـاذ من دون عناصر وهّـاجة أو حركة كاميرا سريعة. ثم … ندرك أن لوك مات بدوره في غرفته.
الفيلم يحتوي على فلسفة عميقة بلا ريب، لكن السيناريو (شارك فيه بيتر وولن وميغويل د إيكاري وأنطونيوني ومارك بيبلو عن قصّـة لبيبلو)  يحتاج (أو كان يحتاج بالأحرى) لبعض اللُحمـة. شيء من السبب والحدث عوض أن يبقى سرداً للفكرة كما وُلدت مع قليل من مفارقاتها. المعنى هنا، أن الفيلم لا يخلو من خواء يشابه الخواء الذي في ذات بطله، لكن بينما الفراغ الذي في ذات بطله مقبول وضروري (هو كل الفيلم) فإن ذاك الذي في الفيلم ناتج عن غياب ما هو أبعد قليلاً من تلك الأحداث الصغيرة التي تبدأ وتنتهي على نحو جانبي فقط. 
إختيار أنطونيوني لنيكولسون في مكانه تماماً. منذ أعمال نيكولسون السابقة مع المخرج بوب رافلسون في أواخر الستينات، عكس الممثل قدرته على التمثيل تحت سطح التمثيل. لا ينضح، قصداً، بالتعابير ولا يبني دراما على تشخيصه. وأنطونيوني كان بدأ، من ناحيته بإستعارة ممثلين غير إيطاليين لبطولات أفلامه. منح البريطاني ترنس ستامب (كذلك البريطانية فانيسا ردغراف بطولة «تكبير» (1966) ولجأ إلى الأميركي رود تايلور في «نقطة زابرسكي» (1970) واختار نيكولسون لهذا الفيلم [في الواقع، الفترة بأسرها من منتصف الستينات وحتى منتصف السبعينات أو نحوها شهدت قيام السينما الإيطالية بإستعارة نجوم أميركيين من كلينت ايستوود إلى لي فان كليف وإيلاي والاك في فيلم  سيرجيو ليوني «الطيب والرديء والبشع»)  وبيرت لانكاستر في فيلم لوكينو فيسكونتي «1900» ومارلون براندو في فيلم برناردو برتولوتشي «آخر تانغو في باريس» من بين آخرين]. 
يريد المرء أن يسحب إليه رسالة مؤكدة (والبعض فعل ذلك بناءاً على ما قرر أنه المقصود) لكن الحقيقة هي أن الفيلم لم يصل إلى بلورة عمق للموضوع على نحو مماثل للبلورة الرائعة في تشكيل الفيلم كلغة عمل وتصوير ومونتاج. إختيار المخرج لأماكن التصوير هو إنجاز آخر في هذا الشأن. الفراغ الكبير في الصحراء. العالم البعيد. حيث أي شيء يستطيع أن يحدث من دون أن يُـسجّـل حدوثه. هذا ما توخّـاه ديفيد لوك حين قرر في ومضة عين أن يتقمّـص شخصية الرجل الآخر، ليجد أنه استطاع أن يرتدي الثياب ويحمل الهوية لكنه لم يستطع خداع أحد… ولا حتى نفسه.





DIRECTOR: Quentin Tarantino.
-------------------------------------
CAST:  Jamie Foxx, Chritoph Waltz, Leonardo DiCaprio, Kerry Washington, Samuel L. Jackson. PLUS: Bruce Dern, Franco Nero, Sammi Rotibi
-------------------------------------
SCREENPLAY: Quentin Tarantino |  CINEMATOGRAPHY: Robert Richardson. EDITOR: Fred Raskin | MUSIC: Behzad Abdi | PROD. DESIGN: J. Michael Riva.
-------------------------------------
PRODUCERS: Reginald Hudlin, Pilar Savone, Stacey Sher |   PROD. COMP.: The Weinstein Company/ Columbia Pictures Prods.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ