Gone Girl | The Equalizer | Birdman | Being John Malkovitch | Harold & Maude | Chinatown | ثلاثة أفلام لنجوم الغانم


العدد 201 | السنة 8 | رئيس التحرير: محمد رُضــا
  أفلام 2014 
*: رديء | **: وسط | ***: جيد | ****: ممتاز | *****: تحفة

فتاة مختفية      GONE GIRL
★★★✩✩
إخراج: ديڤيد فينشر
الولايات المتحدة | تشويق | ألوان-149 د.
أدوار أولى:  بن أفلك، روزاموند بايك | أدوار مساندة: نيل باتريك هاريس، تايلر بيري، كيم دكينز، سيلا وورد، ديفيد كلينون، كاري كون، بويد هولبروك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدّم الناقد الزميل هوڤيك حبشيان في العدد الماضي
رؤية معجبة لهذا الفيلم. الدور الآن لمحمد رُضـا الذي
يجد أن الفيلم جيّـد، لكنه ليس جيّداً بما فيه الكفاية

  عندما يتصل جار عجوز غيور لنِـك (بن أفلك) ليخبره بأن قطّـته خرجت من البيت، يترك الحانة التي دخلها ليتناول كأساً على عجل. إنها حانة يملكها وشقيقته مارغو (كاري كون) وهو جاء صبيحة الخامس من الشهر الذي يصادف المناسبة الخامسة لزواجه من المرأة التي أحب آمي (روزاموند بايك). يصل إلى البيت ويجد حطام زجاج في المطبخ. يبحث عن زوجته ولا يجدها. يتّصل بالبوليس. تأتي التحرية روندا بوني (كيم ديكنز) والشرطي جيم (باتريك فوغيت). إذا كنت تعرف شيئاً عن الرواية أو عن الفيلم، من خلال ما قرأته عنه، ستدرك أن متاعب نِـك بدأت للتو. تلاحظ التحرية أن المطبخ الذي يشي بحدوث جريمة ما يشي بقصّـة مختلفة. عادة ما يتم تنظيف البيت إذا ما كان الهدف إخفاء جريمة قتل، أو العبث به إذا ما كان الهدف الإيحاء بحادثة إختطاف. خلال يومين أو ثلاثة، نِـك يصبح المتّـهم الأول. لا يوجد متهم ثان.
يستأجر نِـك محام ماهر (تايلر بيري) بعدما أدرك الخطر الذي فيه، فالرأي العام ضدّه. محطات التلفزيون حكمت عليه قاتلاً. بات شخصية مكروهة ومشكوكة. لا أحد بجانبه سوى شقيقته. وهناك علاقة جمعته بطالبة جميلة (سيلا وورد) تكاد تتكشّـف، وإن تكشّـفت استخدمت ضدّه إذ سيتأكد للرأي العام أنه قتل زوجته وأخفى جثّـتها لأنه يحب سواها. أكثر من ذلك، تركت الزوجة مذكرات ورسائل تقود التحقيق للإعتقاد بأنها كانت حاملاً وأنها كانت خائفة على نفسها. 
عند هذه النقطة ننتقل إلى ما نقطة مختلفة. ها هي في السيارة متنكرة بزي إمرأة أخرى. لقد دبّرت كل شيء لتقود زوجها إلى حب المشنقة (أو الكرسي الكهربائي). ما سيحدث معها وكيف ستعود إلى بيت الزوجية لتنقذ زوجها (من غير خاطرها) هو ما يشغل نصف الساعة الأخيرة أو نحوها.
«فتاة مختفية» فيلم بوليسي مأخوذ عن رواية جيليان فلين التي بيعت جيّـداً. لم أقرأ الرواية بعد لكن بعض الذين كتبوا عن الفيلم في الغرب كشفوا عن أن النهاية التي في الفيلم هي غير تلك التي في الكتاب. هذا جائز. نهاية الفيلم واحدة من أكثر نهايات الأفلام الحديثة إثارة للخيبة ولا أدري إذا ما كانت النهاية مخيبة للأمل أيضاً في الكتاب. ولا السبب الذي دفع المخرج لتغييرها، بصرف النظر عن مستواها. الفيلم من مطلعه إلى تلك النقطة جيّـد  ولو أن بعض دقائقه بعد الساعة الأولى ممطوطة. على جودته، هناك بعض المشاكل الأخرى.
بداية علينا أن ندرك أن هناك أكثر من طريقة لسرد هذه الحكاية، كأن نتابع الأحداث كما تقع ونعرف ما الذي يحدث ونقدّر بعد ذلك الورطة التي وجد نِـك نفسه فيها. هذا يعني معرفتنا بالدوافع الشريرة للزوجة من البداية وتحويل السؤال عما إذا كان بالفعل مجرماً أو لا (وهو السؤال الذي يطرحه الفيلم الماثل علينا لحين كشفه أن زوجته لا زالت حيّـة وهي التي دبّـرت المكيدة التي انزلق إليها زوجها من دون علمه) إلى كيف، ونحن نعلم بأمر براءته، سيثبت تلك البراءة وكل شيء يعمل ضده. هذه هي طريقة هيتشكوك الوحيدة. لا غيرها.
طريقة أخرى ناجحة هو الإنطلاق من البداية نفسها، لكن مع تقديم ظهور الزوجة وإعلامنا بأنها دبرت المكيدة ونحن ما زلنا في مطلع الفيلم. الذي سيتحقق هنا هو النتيجة ذاتها لكن ببناء أسلم في إعتقادي.
ما يحدث بعد نحو ساعة وربع من غرس بضعة شكوك في شخصية نِـك، أي عندما يقرر الفيلم الكشف عن أن آمي لا زالت حيّـة، هو أننا فجأة ننفصل عن متابعة وجهة نظر لننتقل إلى وجهة نظر أخرى. نقلة قسرية تضعنا الآن أمام النصف الآخر من المعادلة الزوجية لتسرد علينا كيف قامت الزوجة بحياكة خطّـتها لكي ترسل بزوجها إلى الإعدام ولماذا (شاهدته من دون علمه مع عشيقته، وسبق لها أن أرسلت بزوجها الأول إلى السجن لعشرين سنة وادعت أن الرجل الثاني (نيل باتريك هاريس) في حياتها يشكل خطراً على حياتها). آمي إنسانة شريرة ومضطربة نفسياً إلى درجة خطرة تترجمها أمامنا كاشفة عن كل ما يمكن أن يكون خفي عنّـا من حقائق ونحن نتابع الحكاية من وجهة نظر الزوج.
من دون أن أفصح عن كل التفاصيل، وهناك الكثير منها، سنجدها تقع في ورطة مع شخصين لا يقلان عنها شرّاً، ما يدفعها للإتصال بالرجل الثاني ذاك الذي تعلم كم ما زال يحبّـها. بعد أن تضمّـه كعنصر في خطّـتها الجديدة (الأولى لم تكتمل بسبب الشريرين اللذين دخلا على الخط) لكي تعود إلى زوجها والقانون والمجتمع لتعلن أنها خُـطفت واغتصبت. 
لكن نك لا يستطيع أن يتنفّـس الصعداء. يعلم الحقيقة ولا يستطيع البوح بها لأنها أحكمت الطوق عليه حتى من بعد عودتها. هذه هي النهاية المخيبة للأمل. تريد للقصّـة أن تنتهي على غير ما انتهت عليه. تريد لنك أن ينتصر أو أن يهزم لكن، وتبعاً لما سبق، لا تريده أن يبقى معلّـقاً.
«فتاة مختفية» ليس من بين أفلام ديفيد فينتشر الأفضل. نعم هو جيّـد لأن المخرج يعرف كيف ينفّـذ ما يريد وكيف يوظّـف كل كادر وكل ما في كل كادر لصالحه. لكنه هنا يمتطي موجة «سيرف» يوجهها إلى حيث تحقق نجاحاً تجارياً من دون طموحات أخرى. 
لكن فينتشر لا يصنع فيلماً رخيصاً. ذكاءه في استخداماته التقنية والسردية أكبر من ذلك. إلى هذا فإن الفيلم يشتغل جيّـداً على صعيدين موازيين: يكشف أوراق الحياة بين الزوجين التي لم يعلم بها أحد، من ناحية، وينتقد ذلك الإعلام الحديث المستعد للإدانة الجاهزة لمجرد أن الضحية (المفترضة) إمرأة تدّعي حبلها. 
بن أفلك جيّـد جداً في هذا الفيلم. إنه الشخصية التي يرتكب حماقات والتي هي بريئة من القصد بالأذى في الوقت نفسه (يسمّونه بالإنكليزية Jerk). يمثل من دون أن يمثّـل إذ هو لا يقصد أن يعكس براءة من الجريمة التي تحوم حوله، بل يشارك في الخدعة قدر الإمكان.
أقل منه قدرة على ضبط المعادلة روزاماند بايك. هناك مشاهد فلاشباك في البداية تؤديها جيّداً. لا يمكن الشك بأنها غير ما تعكسه لاحقاً. لكن ما أن نتعرّف على صورتها الحقيقية حتى تداهمنا بتمثيل خاضع لمتطلبات الكتابة أكثر مما يجب. للتوضيح، الشخصية كما كُـتبت لا تمنحها عمقاً، بل حالة جاهزة. كان مفيداً. لذلك فإن ثلث الساعة الأخيرة، عندما تتحوّل الحبكة من الغموض إلى الوضوح، هي التي يتحوّل فيها الفيلم من مالك لأجوائه إلى خاضع لجو مضطرد يبدو مستعاراً من سواه.



  أفلام ديڤيد فينشر السابقة (فيلموغرافيا كاملة):
بعد سنوات من إخراج أفلام الفيديو الغنائية حقق فيلمه السينمائي الأول سنة 1992 وأنجز حتى الآن  تسعة هي:
Alien (1992) ***
Se7en (1995) ****
The Game (1997) ***
Fight Club (1999) ***
Panic Room (2002) ***
Zodiac (2007) ****
The Curious Case of Benjamin Button ***1/2
The Social Network (2010) ****
The Girl With the Dragon tattoo (2011) ***1/2


بيردمان (أو الفضيلة غير المتوقّـعة للجهل)  
BIRDMAN (OR THE UNEXPECTED VIRTUE OF IGNORENCE)
★★★★
إخراج: أليخاندرو غونزاليس إيناريتو
الولايات المتحدة | دراما شخصية | ألوان-119 د.
بطولة:  مايكل كيتون | أدوار مساندة:  إيما ستون، ناوومي ووتس، إدوارد نورتون، زاك غاليفياناكيس، آمي رايان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«بيردمان»، الذي قد يصل إلى صالات العرض العربية
أو قد لا يصل، عمل رائع سنسمع عنه كثيراً من الآن
وحتى الأوسكار المقبل.


في العام 1989 عرف الممثل مايكل كيتون شهرة عالمية عندما قام ببطولة شخصية باتمان في فيلم حمل الإسم ذاته وأخرجه الجيد تيم بيرتون. إختياره للدور أثار حفيظة المحتفين بالشخصية البطولية كما وردت في مطبوعات الكوميكس الأميركية، إذ تخيلوا الممثل الصالح لهذا الدور هو ذاك الذي يتمتع ببنية جسدية قوية. كيتون لم يكن من هذا النوع، لكنه برهن عن جدارته كونه ممثل جيّد يعرف كيف يمنح ما يقوم به شخصية خاصّـة. نجاح «باتمان» أدّى إلى فيلم آخر من السلسلة هو «باتمان يعود» [إخراج بيرتون أيضاً، 1992] قبل أن يأتي الإنتاج بجورج كلوني ليستلم مكانه. كانت تلك الفترة هي الذروة بالنسبة لمايكل كيتون، الذي لم تشهد أفلامه المتعاقبة بعد هذين الفيلمين أي نجاح قريب. 
هذا التاريخ يأتي مطابقاً مع السيناريو الذي وضعه المخرج أليخاندرو ج. إيناريتو وصحبه. فبطله هو أيضاً من الذين تبوأوا النجومية لاعباً شخصية بطل خارق المواصفات وذلك قبل عقدين من الزمن. الآن يجد نفسه ممثلاً منسياً وعليه أن يجهد لاستعادة مكانته- إذا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. التطابق هو جزء من لعبة الفيلم المنسوجة جيّـداً، فالهدف هنا ليس نقل سيرة للممثل كيتون، ولا الحديث عن شخصية متأثرة بتجربة الممثل المهنية، بل هو، في جزء كبير منه، تداول لما هو حال هوليوود ونجومها وشروط البقاء ممثلاً في نظام يعتمد كلّـياً على العرض والطلب كشأن أي تجارة أخرى. 
"كل ما أريده هو أن أُحب"، يقول ريغان/ كيتون في أحد المشاهد وينقل بتلك العبارة المأزق إلى مستوى الأزمة الوجدانية. في هذا الوضع، يصوّر المخرج إناريتو شخصياته بأسلوب برغماني من دون برغمان ذاته. الأزمة دفينة. الشخصيات متناقضة ومتطاحنة في  مكان مغلق في معظم الوقت (تخرج الكاميرا إلى الشارع لأول مرّة بعد فصل يقع داخل المسرح مدته 34 دقيقة). المختلف هو أسلوب العمل والتعامل مع المادة وشخصياتها. وحين يذكر ريغان زوجته (ناوومي ووتس) بأن الممثلة فرح فوست ماتت في اليوم ذاته الذي مات فيه المغني مايكل جاكسون تصل الرسالة إلى بعد آخر: ضمن هذا النظام السائد، ما عاد هناك إكثرات فعلي لمن يسقط إذا ما كان الضوء إنحسر عنه قبل سنوات من وفاته (هذا يحدث عندنا طوال الوقت). في الصلب هو فن التمثيل ذاته. ربما فرح فوست لم تكن الممثلة القديرة بموهبة توازي تلك التي عند ميريل ستريب، لكنها كانت ممثلة وأحداً لم يلتفت إليها.
في «بيردمان» تتحرك الكاميرا برشاقة وإنسياب في أزقة المسرح وردهاته. تنفعل في طرفة عين ومع كل فعل يقع أمامها. لا يحاول المخرج أناريتو أن يتغلّـب على حدود المكان، بل يبتدع الخروج عنه ومنح الزمن الذي تقع فيه أحداث الفيلم (48 ساعة) شكلاً مطاطياً يدمج الماضي والحاضر ولديه الوقت ليدلف إلى الكثير من الحكايات الجوّانية.
كل مشاهد الفيلم، بلا إستثناء واحد، مشغولة بعد دراسة تنفيذ دقيقة. المشهد المحتوي على شخصية رجل واحد هو بالنجاح ذاته لمشهد يحتوي على مئات (المشهد الرائع لبطل الفيلم وقد اضطر للسير في الشارع عارياً إلا من لباسه التحتي والهرج التي أثاره). هناك حيوية في تصوير الفيلم وتركيبه لا يعتمد على حالة مونتاجية متكررة. لا تدخّـل في المشهد الواحد إلا في أقل قدر ممكن، لكن التوليف يستنبط من الإخراج منواله ولا ينفصل عن رغبة هذا المخرج في تشكيل الفيلم على المنحى الذي أراده في باله. حين يأتي الأمر إلى التمثيل، فإن لا أحد يخفق. كيتون ونورتون متوازيان وبعض أفضل ما في الفيلم المشاهد الأولى التي تجمعهما، لكن كذلك الحال مع ناوومي ووتس وإيما ستون وآمي رايان وزاك غاليفيانكيس. لكن ريغان، وبالتالي كيتون، هو من يبقى عين العاصفة في هذا الفيلم ولسبب آخر لجانب أنه الشخصية التي يدور حولها الفيلم. هذا لأن ريغان إذ يمر بحالة يتداخل فيها الخيال مع الواقع، يفرض على الفيلم الإنتقال بدوره بين الحالتين. تصوير إيمانويل لوبزكي (صوّر كذلك «جاذبية» Gravity الذي افتتح مهرجان ڤينيسيا سنة 2013 وأخرجه ألفونسو كوارون، زميل إناريتو من أيام عملهما في السينما المكسيكية) لا يتغيّر أسلوباً أو كإضاءة بين الحالتين بذلك يبقيان مندمجين على نحو جيّـد. ما يتغيّـر هو القليل من التفاصيل في المكان. هذا وحده كاف للدلالة على أي «جو» نفسي يمر به ريغان في اللحظة التي نراه فيها.
«بيردمان» (وباقي العنوان يُـقصد به الإشارة إلى جهل ريغان بالواقع التي حاولت إبنته تنبيهه إليه أكثر من مرّة منتقدة سعيه لتجاوزه) ليس أقل من تراجيديا ساخرة صاحبها يعيش حالة تشبه إنعدام الوزن تودي به إلى اضطراره الخروج إلى الشارع النيويوركي المزدحم بسرواله الداخلي فقط (إنغلق الباب على «الروب» ولم يستطع إلا خلعه لكي يعود إلى المسرح). تودي به إلى الجدال مع كل الشخصيات الأخرى، وإلى معركة صبيانية بينه وبين الممثل الآخر مايك (إد نورتون الذي بدوره لعب واحداً من شخصيات السوبر هيرو هو The Hulk).
هذه الحالة التراجيدية تبقى خيالية. ليست مبنية على ضرورة تصديقها (وإلا لسقط الفيلم بعد عشر دقائق) وكان عليها أن تبقى كذلك لكنها تنحرف عندما يقوم المخرج وكتّـابه بإدخال شخصية ناقدة مسرحية تكشف عمداً بأنها ستحطّـم المسرحية لأنها تكره ريغان وذلك على الرغم من أنها لم تشاهدها. الشخصية ليست كاريكاتورية ولا كرتونية، لكنها تأتي من منطقة أخرى غير كل عناصر وشخصيات الفيلم. على ذلك يفتح «بيردمان» صفحة من صفحات حديثه حول العلاقة بين الناقد والمبدع. يتساءل الفيلم، على لسان بطله، عن ماهية الجهد الكبير الذي يبذله الناقد في عمله: إنه يكتب ما تم إنجازه فعلاً ويستعين بالكلمات الكبيرة، لكنه لم يصرف لا الوقت ولا الجهد ولا المال في سبيل العمل، بل جاء ليهدمه لأسباب عادة، في نظر الفيلم، ما تكون واهية. في الوقت الذي يأتي فيه هذا الكلام مناسبة لإتمام عالم الموضوع المثار (تداول أزمة الممثل بالترابط مع أزمة الإنتاج وصياغة الجمهور ومشاكل العمل) إلا أنه لا يأتي مناسباً. إذ لا يوجد ناقد فعلي (ناقد بملء الكلمة) يسمح لنفسه (أو تسمح جريدته له) بنقد فيلم أو مسرحية إيجاباً أو سلباً من دون مشاهدة.


  أفلام أليخاندرو غونزاليز إيناريتو: 
حتى العام 2003 عندما أخرج «21Grames» حافظ المخرج (51 سنة) على حبّـه لتعدد الحكايات في الفيلم الواحد. أفلامه هي:
«كلاب الحب» Amores Perros (2000) ***
«21 غرام» 21Grames (2003) ***
«بابل» Babel (2006) ****
«بيوتيفول» Biutiful (2010) **** 



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

The Giver *** | A Walk Among The Tombstones *** | Gone Girl **** | Before I Go To Sleep ***


العدد 200 | السنة 8 | رئيس التحرير: محمد رُضــا
  أفلام 2014 
*: رديء | **: وسط | ***: جيد | ****: ممتاز | *****: تحفة

فتاة مختفية      GONE GIRL
★★★★
إخراج: ديڤيد فينشر
الولايات المتحدة | تشويق | ألوان-149 د.
أدوار أولى:  بن أفلك، روزاموند بايك | أدوار مساندة: نيل باتريك هاريس، تايلر بيري، كيم دكينز، سيلا وورد، ديفيد كلينون، كاري كون، بويد هولبروك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الفيلم الجديد للعبقري ديڤيد فينشر حول زوج
متهم، لكن هل هو بريء؟ وماذا عنها هي؟ هذا
نقد الزميل. العدد المقبل نقد محمد رُضا  
| هوڤيك حبشيان

  عن العلاقة الزوجية والتلاعب ووسائل الإعلام الشعبوية في أميركا وأسئلة شائكة عدة، يقدّم المخرج الأميركي ديفيد فينتشر فيلماً كبيراً من خلال نصّ سينمائي يضع حكاية في مواجهة حكاية أخرى، وينضح بالأفكار الجاهزة التي يجري تحطيمها في لحظة واحدة. يسلك فينتشر طريق الاستفزاز والجريمة والسخرية المبطنة، للنهوض بسينما تشويقية يملك مفاتيحها وسرّ انجازها. "فتاة مختفية" نقد لاذع للمجتمع الاستهلاكي، لأسطورة أميركا وللعقل المنتشر في بلاد الأراضي الشاسعة، لكنه ايضاً على غرار فيلم فينشر الأسبق "غرفة الهلع" (2002)، سينما أبجديتها السينما نفسها. واحد من اهداف الفيلم القول انه يجب الاّ نصدّق كل ما نراه. هذا ايضاً فيلم أميركي في تفاصيله الأكثر دقة، يقول سبب انبهار الكثيرين منّا بهذه الثقافة. "فتاة مختفية" يقول كلّ شي عن أميركا، عن هواجسها كوابيسها وأشباحها.
قيل الكثير عن ديفيد فينتشر. إنه أحد الذين يرفعهم النقّاد على الراحات باعتباره "ثائراً" داخل منظومة هوليوودية تكبّل الموهبة وتسحق الحرية. له مكانة مميزة في ذاكرتهم، فاز بها خطوةً بعد خطوة. هذا التماس بيننا وبين فينتشر حصل ببضعة أفلام: أولها "سبعة"، ثمّ "نادي العراك"، فـ"زودياك". قد تكون له أفلام اخرى مهمة أيضاً، لكن هنا محطات ثلاث في مسيرة المخرج الخمسيني تستوقف الباحث في تفاصيل سينماه.
"فتاة مختفية" من هذه الأفلام التي تنزل كالسيف القاطع على عنق المتفرج، وخصوصاً ذاك الذي يدخل الى الصالة المظلمة من دون أن يكون على علم مسبق بما تتضمنه الحكاية من خبطات مسرحية ومفاجآت وسادية مبرمجة من المؤلف/ المخرج. سادية أقل ما يمكن القول فيها إنها تتلف الاعصاب. مَن يريد أن يعاني من هذا كله ويدخل الصالة نقياً، عليه أن يتوقف عن القراءة هنا. مهمتنا، في المقابل، اختيار الكلمات، أو نصف الكلمات، كي لا نقع في فخّ إفساد التشويق على المُشاهد.
بدايةً، يجب التذكير بأن الفيلم مقتبس من "بست سَـلر"  لغيليان غلـن صدر في العام 2012، وغلـن هي التي حوّلت روايتها الى نصّ جاهز للتصوير، علماً أن خاتمة الفيلم مختلفة عن خاتمة الكتاب، وتقنية كشف الحقائق خضعت لتعديلات شتى. يصوّر الفيلم ثنائياً أميركياً عادياً. هو نـِـك  (بن أفليك) وهي إيمي (روزاموند بيكي). معاً، يجسّدان الـ"كابّل" الأميركي الخفيف النظيف الذي لا تشوبه شائبة. تعارفا في نيويورك، ولكن نتيجة الكساد في العام 2008 ووفاة أمّ نـِـك  اضطرا للهجرة الى الجنوب (ميسوري) والاقامة فيها. نمط الحياة هنا مختلف، لا يشبه مانهاتن في شيء. إيمي البارعة، سوّقت نفسها ككاتبة قصص أطفال، فيما نـِـك  لم ينجح بالإقلاع في الحياة، فـظل الحلقة الأضعف، يتكيء على إيمي في كل شيء. في عيد زواجهما الخامس تختفي إيمي. لا أثر عنها. هل انتحرت؟ قتلت؟ خُـطفت؟ لقطة بعد لقطة تبهت الصورة التي أمامنها.
لا المنزل الفخم بغرفه الواسعة والديكور الأنيق ولا جمال بطلينا الشكلي قادران على اخفاء الأشياء العفنة التي ستطل من داخل العلاقة الزوجية. فما بالك عندما يسيطر الخوف على احدهما؟ ليس الخوف من الذات بل الخوف من الآخر؟ لا أحد أكثر من فينتشر يتلذذ بتصوير هذا الانهيار الفظيع جراء الخوف، ولا أحد مثلنا نحن سيعشق مشاهدة التفكك الاسري. سينما فينتشر تمتلك نزعة جعلنا ننتشي من تلك اللحظات التي لا يمكن الانتشاء منها في الحياة. كوننا نعلم انها ذروة السينما، يعطينا صكّ براءة تجاه الضمير.
الضغط على نـِـك  رهيب، ولا سيما من وسائل الاعلام المتطاولة على الحياة الشخصية. ضغط سيحوله شخصاً آخر. ما يفعله فينتشر هنا بفتاته المفقودة، مشين على أكثر من صعيد. ليست مصادفة أنه اختارها شقراء هيتشكوكية باردة كجمرة تحت كومة ثلج!
عبر مجموعة استعادات زمنية، يروي الفيلم ما حصل داخل العشّ الزوجي كي تتحول حكاية الحب هذه الى عبء على الطرفين. هل هو رفض احد الزوجين الانجاب؟ هل هو الروتين اليومي الذي ينقضّ عليهما؟ أم انه تفاوت الطموح بين الطرفين؟ من خلال هذه الاسئلة التي لن تحظى بأيّ ردّ في نهاية المطاف - بل ستزداد الألغاز المحيطة بها - يحملنا فينتشر الى فيلم يمكن القول انه يتكلم عن العلاقة الزوجية من دون ان يتكلم عنها فعلاً. وفي هذا تكمن ربما عظمة الفيلم. في رفضه تحويل موضوعه الى وثيقة عنه.
هناك في الفيلم شخصيات ثانوية تلقي بظلالها: والدا إيمي، الرجل الذي يطاردها منذ سنوات كي تخرج معه؛ شقيقة نـِـك  التوأم، الشرطية التي ستحقق في قضية اختفاء ايمي في صباح الخامس من ايار (ينطلق الفيلم من هذا التاريخ ويعود بنا الى الفترة التي سبقت الاختفاء). هناك ايضاً الجارة الحامل، والمحامي التي سيتولى الدفاع عن نـِـك  بعد أن يُـتهم بقتل زوجته اثر اختفائها. ومجموعة من وجوه الاعلام المرئي والمسموع التي لا يتوانى فينتشر عن تصويرها كطائفة بربرية متوحشة تتلاعب بالرأي العام، الأكثر من غبي في هذه الحال. كل هذه الشخصيات الثانوية لا يمكن اقصاؤها عن الفيلم. فهي شخصيات تعبّر عن أميركا في صغرها وكبرها، في ما تملكه من عظمة وما تخفيه من انحطاط. عرف النصّ كيف يموضع كل هؤلاء ضمن سياق الحكاية وكيف يوزّع اطلالاتهم.
شخصية نـِـك  محورية، على الرغم من وجود هؤلاء كنوع من دعم لخلفية الفيلم الاجتماعية. ذلك ان الجزء الاول من الفيلم مصوّر من وجهة نظره. وكون بنّ افليك - نجم سينمائي معروف - هو الذي يضطلع بالدور، فهذا يساعد على عدم التشكيك في الرواية التي يقدّمها للشرطة عن اختفاء زوجته. بيد ان هذه الثقة تهتز مع ظهور دلائل تديّنه. تُحشر هنا وهناك تفاصيل تساعد على اثارة الكراهية ضده. لكن الحقائق في السينما مجتزأة. نـِـك  ليس مثالياً. ككل رجل هو عرضة للأغواء، للملل، للشكّ. نـِـك  يكذب. نـِـك  رجل تائه، وفي مثل حالته سيكون المشاهد الذي لن يجد درباً يسلكه في اتجاه المنطق. كل الفيلم هنا، في التضليل الذي يمارسه النص، في الالتباس الذي يحاول بطلنا تفكيكه. في هذا المعنى، نـِـك  هو شخصية فينتشيرية بامتياز، كونه يحاول ترتيب الفوضى التي حلت. وككل شخصية تجازف في هذا المجال، سيدفع الثمن باهظاً.
يتبع فينتشر اسلوباً رشيقاً في التصوير والتقطيع وحبس الانفاس. عهدناه سابقاً بهذه الديناميكية، لكنه هنا يقفز الى درجة اعلى. يضعنا فينتشر في قلب السواد النفسي الحالك، في قلب الضغينة والمشاعر المتناقضة. اسلوبية تثبت انه سيد حرفة وصنعة. هذه المرة، يقترب فينتشر كثيراً من براين دو بالما. هيتشكوك أيضاً في الجوار. يكفي مشهد الجريمة الذي، نادراً ما رأينا بعظمته، منذ مشهد الدشّ في "سايكو".

DIRECTOR: David Fincher | SCREENPLAY: Gillian Flynn | DOP: Jeff Croneneweth | EDITOR: Kirk Baxter | MUSIC: Trent Reznor, Atticus Ross | PRODUCERS: Ceán Chaffin, Joshua Donen, Arnon Milchan, Reese Witherspoon.
PROD. COMPANY:  Artemple [USA-2014]


* نشرت أولاً في صحيفة «النهار» اللبنانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أن أذهب للنوم      BEFORE I GO TO SLEEP
★★★✩✩


إخراج: روان جوفي 
بريطانيا، سويد، فرنسا | تشويق | ألوان-92 د.
أدوار أولى: نيكول كدمان، كولين فيرث، ، مارك سترونغ| أدوار مساندة: دين- تشارلز تشابمان، تشارلي غاردنر أدام ليڤي، آن-ماري دَف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نيكول كدمان في عودة حميدة لاعبة شخصية
شخصية إمرأة وحيدة في محنة، فهي تفقـد
ذاكرة اليوم السابق… كل يوم | مهنّد النابلسي

عمّـان- خاص


  تتلخص فكرة هذا الشريط الغريب بقصة امرأة بريطانية تدعى كريستين لوكاس (نيكول كدمان) تفتقد للذاكرة المتراكمة بسبب حادث عنيف أفقدها ذاكرتها، حيث تعود كل يوم للمربع الأول، فتستيقظ مرعوبة في صبيحة كل يوم جديد بتأثير كوابيس، وبجانب رجل لا تعرفه، يدعي أنه زوجها Ben (كولين فيرث)، والذي سرعان ما يغادر لعمله بمدرسة ثانوية...ثم يرن جرس الهاتف ليخاطبها الدكتور ناش (مارك سترونغ)، وهو الطبيب النفسي المتخصص بأمراض الذاكرة والأعصاب، ليخبرها بأنه ما زال يسعى جاهدا لمعالجتها، هنا نتوه كمشاهدين ولا نعلم حقا أيهما الشرير؟! ونحاول مع  كريستي جاهدين لمعرفة خفايا الحقيقة الغامضة، ثم نسمع الدكتور ناش وهو ينصحها عبر المكالمة الهاتفية بأن تستخدم "كاميرا فيديو تسجيلية" خاصة مخبأة بكرتونة الأحذية بالجرار السفلي لخزانة الملابس، وينصحها بالاستمرار بتسجيل ذكرياتها اليومية لمتابعة ما يحدث بحياتها...فنعلم انها بالسابعة والأربعين من عمرها ومتزوجة ولها ولد صغير لا تتذكر الكثير عنه، ثم تتطور الأحداث بشكل تشويقي  لاهث من حالات يومية عادية  لاكتشاف حقائق مخفية وخدع مرعبة، الفيلم مشتق من رواية للكاتب  S. J واتسون ولاقت رواجا كبيرا بالعام 2011.
قام مخرج غير مشهور اسمه روان جوفي باخراج هذا الفيلم، وتاه وهو يحاول تقليد اسلوبي هيتشكوك وبولانسكي، فوضع الفيلم امام العديد من المتاهات والمسارات والتقاطعات المصطنعة، لكنه فشل من الخروج من عباءة الرواية الرائجة وأفقد الشريط الكثير من التوهج المتوقع بالرغم من براعة الأداء الاستثنائية للثلاثي كدمان-فيرث- سترونغ، وخرج لنا بطبخة "غير مطهية جيدا"، كما فشل بتطوير الحبكة واوقعنا بنهاية الفيلم المشوق بحالة "ميلودرامية" سمجة، فالطبيب  الحاذق يحضر مفاجأة كبيرة لكريسين التي ترقد بالعناية الفائقة وقد نجت باعجوبة للمرة الثانية من اعتداء عنيف لزوجها المزيف (فيرث)، ونرى حينئذ زوجها الحقيقي الذي يشبه فيرث وقد قدم لمواساتها مع ابنها المراهق الذي كانت تتشوق وتحلم دوما برؤيته، ويصدمنا  بعودة ذاكرتها المعطوبة مع صدمة لقاءها بالابن الحبيب! ثم نكاد لا نصدق اطلاقا كلام زوجها الحقيقي وهو يفسر لها ولنا سبب تركها وتطليقها، وقد كانت بأمس الحاجة له بعدالاعتداء الأول الرهيب الذي تعرضت له!
ولكن الحق يجب أن يقال فالأداء القوي للممثلين االرئيسيين أبقانا بحالة تخمين دائمة، كما طور عناصر الاثارة على حساب الدراما السينمائية المطلوبة، كما أن دور آنا ماري دوف (كلير) وظهورها كصديقة حميمة قديمة لكريستي كان حاسما ببناء الأحداث وكشف الحقيقة "الصعبة التصديق"...نجح المصور بالتركيز على عيون كيدمان "المرهقة الجميلة الحمراء"، وبدت بالفعل كامرأة تائهة فقدت ذاكرتها بفعل ضربة شديدة بالرأس منذ ثلاثة عشر عاما، كما تبين لاحقا أن زوجها المزيف "بين" قد خدعها وأخفى الكثير عن زوجته، ومنه ادعاءه بأن كلير قد غادرت للخارج بعد وقوع الحادث،وبأن ابنهما الصغير قد توفي...هكذا تبين لكريستي أن "بين" ليس لطيفا كما يظهر، ونجح المخرج بتلاعبه فأظهر لنا الدكتور ناش كشخص غامض  احيانا ولا يستحق الثقة، بالرغم من انجذاب كريتسي له تدريجيا، وركز على شكله المشوش وطريقة استخدامه الغريب لموقف السيارات!
اقتبست "كيدمان" لمسات من دورها بفيلم "الآخرون" الشهير، وبدت كامرأة ضعيفة-قلقة-ملتزمة"، وهي ساعدت كمحفز ورابط كل من فيرث وسترونغ على بناء كيمياء غامضة بينهما وان كانت عن بعد، فهما لم يلتقيا الا مرة واحدة ، ولم يكن لقاؤهما وديا، حيث طلب فيرث من سترونغ أن يبتعد نهائيا عن زوجته وأن يكف عن محاولة علاجها!
اشترك المخرج الشهير ريدلي سكوت هنا كمنتج واضعاً في الفيلم  العديد من عناصر الابداع والتشويق، كما أبدع المصور السينمائي بن ديفيز ومصمم الانتاج كيف كوين بتقديم مشاهد بصرية-انتاجية لافتة لبناء أجواء غامضة ذات بعد تشويقي جاذب، كما تم اختيار مواقع التصوير بعناية، وبدت بعض اللقطات القريبة والبعيدة ذات طابع سيريالي وهيتشكوكي أحيانا، مثل مشاهد الكوابيس  وتداعيات الذكريات وتفاصيل الغرفة الفندقية  التي وقع فيها الاعتداء على كريستي (لمرتين)، كذلك تحديدا بالمشهد الغامض الجميل  المحير، الذي يستعرض عن بعد كيفية ملاحقة دكتور ناش لكريستي الهاربة فوق طريق علوي، ثم ليهاجمها فجأة بابرة مخدرة وكأنه "الشرير" الذي أفقدها الذاكرة!

DIRECTOR: Rowan Joffe | SCREENPLAY: Rowan Joffe | DOP: Ben Davis | EDITOR: Melanie Oiver | MUSIC: Ed Shearmur | PRODUCERS:  Mark Gill, Ridley Scott, Liza Marshall, Matthew O'Toole.
PROD. COMPANY:  Film I Vast  [UK/ Sweden/ France-2014]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نزهة بين شواهد القبور      A WALK AMONG THE TOMBSTONES 
★★★✩✩

إخراج: سكوت فرانك
الولايات المتحدة | بوليسي | ألوان-114 د.
الدور الأول: ليام نيسون | أدوار مساندة:  أسترو، ديفيد هاربور، دان ستيڤنز، سيباستيان روشي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 تحر متعب، رجـال قـانون فاسـدون، وتجار 
مخدرات يخشون فقدان الحبيب… يا له من 
عالم عجيب  | محمد رُضا

  ماثيو سكودر (ليام نيسون) لا يترك للآخرين إتمام العبارة التي ينطقون بهاأحياناً. يقاطع وينهي الحوار. يفعل ذلك مع الصبي الأسود تي جي (أسترو) ومع كَـني (دان ستيڤنز) وعلى الهاتف حين يتحدّث مع القاتل الذي يبحث عنه. 

في الحقيقة، وفي المشهد الأخير من حمّـام الدم الذي يغرّق فيه الفيلم بين من يستحق الحياة ومن يستحق الموت، يحاول المجرم أل (أدام ديفيد تومسون) أن يقول شيئاً مثل "لم أكن أنوي أن أقطّـعك" لكن ماثيو لا يدعه يكمل. بالكاد تصله جملة «لم أكن أنوي…» قبل أن يطلق عليه النار. لا يكترث لما كان المجرم ينويه. يكترث لأن يمنعه من الحياة على سطح الأرض. 
آل ورفيفه راي (ديفيد هاربور) قاتلان كانا في سلك بوليس المخدّرات لذلك يعرفان تجّـار مخدّرات ويقومان بخطف زوجاتهم أو بناتهم طلباً للفدية. هذا وحده لم يكن مشكلة بحد ذاتها. في النهاية هي حرب خاسرة لكلا الطرفين: تجار مخدّرات لابد أن ينالوا عقابهم ورجال بوليس فاسدين يوازونهم في حجم الجريمة التي يرتكبونها. لكن ما يجعل المسألة أكثر تعقيداً، والفيلم أكثر إثارة، حقيقة أن هذين الشرطيين السابقين يعمدان إلى تقطيع أبدان  المخطوفات ويضعانها في أكياس ويوزّعونها. بعض الأكياس تظهر على صفحة بركة المقبرة. بعضها الآخر في صندوق سيارة الخلفي. 
ليس هناك أفضل من التمهيد بتلك الخلفية الموجزة قبل الإنتقال إلى صرح العمل. وهنا يقوم المخرج سكوت فرانك بتقديم بطله ماثيو حين كان يعمل تحريّـاً في نيويورك حتى سنة 1991 عندما  قام بقتل شخصين وإصابة ثالث تحت تأثير الشرب. نتيجة ذلك، طرد من الخدمة وامتنع عن الشرب (وحسب قوله «انتهت المتعة»). منذ ذلك الحين. تحوّل إلى تحري خاص غير مرخص. أو كما يقول: "لا يحق لي أن أقبض أتعاباً، لكن من حقي أقبض هدايا". يقول ذلك لتاجر مخدّرات يطلب مساعدته على إستعادة زوجته التي خطفها من لا يعرف. لا أذكر أنني شاهدت فيلماً يعايش فيه تاجر مخدّرات مشكلة إنسانية. لكنه رب عائلة وهو يحب زوجته. ما المانع؟
الآن على ماثيو أن يتعامل وتاجر مخدّرات خطف المجرمان زوجته. قبضا الفدية منه ثم أعاداها مقطّـعة الأوصال في أكياس.
ما يقوم به المخرج فرانك هو نسج شخصية وفيلم يعودان به وبنا إلى سينما التحري الخاص. يذكر الفيلم سام سبايد وفيليب مارلو، وهذه دلالة خصوصاً وأن الكاتب ليس سوى ممتهن التأليف البوليسي أيضاً لورنس بلوك. إذا ما كان حس الفيلم نوار والتحري الخاص موجود، فإن للفيلم تعامله مع جمهور الحاضر وهو يؤمّـن له المعالجة التي يرغب بها. الفيلم ذو نبرتين داكنة وأكثر دكانة ومخرج أفضل كان يمكن له أن يتحاشى التعامل مع العنف الدموي في الدقائق الخمسة عشر الأخيرة بمعالجة أخرى تضمن وحدة العمل وتعفي المشاهد من إنحدار نوعي. «نزهة بين شواهد القبور» هو عن الشخص أكثر مما هو عن الجريمة والمخرج يستند إلى اللغزية والتشويق أكثر من مشاهد الحركة والمطاردة. ليام نيسون يحمل الفيلم على كتفيه. مثل سلسلة «مخطوفة» التي قام ببطولتها، هذا فيلم عن الخطف والرهائن والإنتقام، لكنه أساساً عن الشخص الوحيد الذي تذوب محاسن الحياة أمام عينيه.
للأسف، النهاية عنيفة لأن ما سبق لا يستحقّـها. كان يمكن التحايل عليها بعض الشيء بحيث يبقى المفاد ذاته إنما مع نقاوة. لكنه عالم قاس وموحش وبطلنا رجل وحيد. لا يشرب. وربما ما عاد يؤم النساء. لكنه يعرف أين الصواب وأين الخطأ.


DIRECTOR: Rowan Joffe | SCREENPLAY: Rowan Joffe | DOP: Ben Davis | EDITOR: Melanie Oiver | MUSIC: Ed Shearmur | PRODUCERS:  Mark Gill, Ridley Scott, Liza Marshall, Matthew O'Toole.
PROD. COMPANY:  Film I Vast  [UK/ Sweden/ France-2014]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المانح      THE GIVER
★★★✩✩

إخراج: فيليب نويس
الولايات المتحدة | خيال- علمي | ألوان-97 د.
أدوار أولى: جف بردجز، برنتون ثووايتس | أدوار مساندة: ميريل ستريب ألكسندر سكارسغارد، أوديا رَش، كاتي هولمز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 بحث آخر في المستقبل يختلف من حيث
أن الماضي (الذي هو الآن) ربما كان أفضل
حالاً  | محمد رُضا



  حسب رواية لويس لاوري المنشورة سنة 1993، تحت العنوان نفسه، عالماً مستقبلياً يعيش فيه الناس سواسية في كل شيء. لكي يتم ذلك، تقول الرواية، عليهم أن يقلعوا عما أدّى لانهيار العالم الذي نعرفه، مثل العواطف والمشاعر والفرص لتحقيق الثروة والتسابق على كل شيء. «السواسية» تعني أن لا يتميّـز أحد عن أحد في شيء. يعيشون تحت سقف نظام يؤمن للجميع جوّاً مسالماً ينزع منه كل ما يمكن أن يؤدي إلى شعور أحد بالحب أو بالغيرة أو بالإضطهاد أو بالتفوّق، لأن لا أحد يحب ولا أحد يغار وليس هناك من هو مضطهد ولا من هو متفوّق. كل هذه مشاعر وتبعاً لذلك فالمشاعر محجوبة. تعيش بما تعرف فقط.
على السطح يبدو ذلك نوعاً من النعيم، إلى أن يكتشف بطل الفيلم الشاب جوناس (برنتون ثوايتس) الوجه الآخر. فيلم المخرج الذي مارس سينما التشويق طويلاً، فيليب نويس، منجزاً أعمالاً مشهورة مثل «ألعاب وطنية» و«جامع العظام» و«سولت» من بين أخرى كثيرة، يدور تحديداً عن هذا الوجه. 
النظام اختار ذلك الشاب لكي يحفظ التاريخ. هذه المهمّـة سيقوم بها العجوز المعروف بإسم «المانح» أو «العاطي» الذي آلت إليه كل المعرفة. وطريقة التواصل ومنح المعلومات لن تأخذ وقتاً طويلاً، "لكنها ستكون موجعة"، كما يقول المانح للممنوح لأنها ستريه عالماً كان سعيداً بما اكتسب من معرفة ورائعاً فيما أنجزته ثقافته من إطلاع وبما وفّرته فنونه من رقي. هذا كله اختفى من حياة شخصيات الحياة الحاضرة على الشاشة. لم يبق منها شيء ولا يجوز أن يعود، كما تقرر رئيسة هذا النظام (ميريل ستريب).
يرسم المخرج فيليب نويس عالمان متناقضان: واحد بسعادة مفتعلة وآخر واقعي. يصوّر الأول بالأبيض والأسود غالباً لأنه مزيّـف، وعندما تتفتح الحقائق أمام الشاب الذي سوف يكون عاملاً في التغيير المرتقب، تنقلب الصور إلى الألوان. صحيح أنها ليست تفعيلة جديدة من نوعها، إلا أنها معبّرة خصوصاً وأن المشاهد المنتقاة لكي تعكس ألواناً هي مشاهد جميلة لغابات وأشجار ومنازل وحياة تختلف في طبيعتها عن تلك المركّـبة التي لم يعرف أحد من أهل ذلك المكان النائي شيئاً. 
التصاميم الإنتاجية لا تحفل، لحسن الحظ، بإبتكارات ميكانـِـك ية، كما أن استخدام الدجيتال يبقى محصوراً. الرواية بحد ذاتها ارتبطت بذلك الصنف من الأعمال الأدبية التي تحاول أن تقرأ في المستقبل تحت شريعة نظام «توتاليري» كما حال أعمال جورج أوروَل وألدوس هكسلي لكن بنبرة شبابية (مثل «ألعاب الجوع»). الفيلم لا يحاول تغيير تلك السمات، لكنه لا يتمتّـع بعمق فلسفي كاف مكتفياً بمعاداة ذلك النظام المستقبلي إياه. معالجة نويس تميل إلى وتيرة هادئة مبتعداً عن الإثارة طويلاً حتى إذا ما شارف الفيلم على نهايته رفع سقف التوقّـعات بمشاهد سريعة ولو متأخرة.

DIRECTOR: Phillip Noyce | SCREENPLAY: Michael Mitnick, Robert Weide | DOP: Ross Emery | EDITOR: Barry Alexander Brown | MUSIC: Marco Beltrami | PRODUCERS: Jeff Bridges, Genevieve Hofmeyr, Neil Koenigsberg, Nikki Silver.
PROD. COMPANY:  As Is Productions [USA-2014]



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ