الرجال فقط عند الدفن



الرجال فقط عند الدفن              
إخراج | Directed By
 عبدالله الكعبي  


إخراج:   عبدالله الكعبي
تمثيل:   هبة صباح سليمة يعقوب، عبدالرضا نصاري، إنعام الربيعي، حورية الكعبي، عواطف السلمان.
•  النوع:   دراما نفسية | الإمارات العربية المتحدة (2017)
نقد:  محمد رُضا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ★★★★ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خطوة كبيرة للأمام بالنسبة للمخرج وللسينما الإماراتية ايضاً



|*| على الرغم من العنوان، إلا أن وجود الرجل محدود بصرياً. فقط وجوده في خلفية المشاهد وكمظلة مخفية تعيش النساء تحتها وتتبع تقاليد فرضها المجتمع عليها. ما هو إنساني وطبيعي مهدور إذا كانت المرأة هي الفاعلة. مسموح ومسكوت عنه إذا كان الرجل هو الفاعل. على ذلك، هذا الفيلم الذي بوشر بعرضه في الإمارات هذا الأسبوع بعد أن ربح أحد جوائز مهرجان دبي الأولى في نهاية العام الماضي  ليس صرخات ضاربة الأطناب في دعوتها لتحرير المرأة. في الواقع، يتجنب الكاتب والمخرج عبدالله الكعبي في هذا الفيلم الروائي الأول له، أي دعاوى مباشرة ويعمد إلى جعل الأحداث الماثلة تتضمن ما يكفي من أسباب وتفاصيل إنسانية كافية لأن تشكل الرسالة حول تأثير التقاليد على نماذجه النسائية.
في مطلع هذا الفيلم المفاجئ في مستواه، تطلب الأم فاهمة (حورية الكعبي) من إبنتها غنيمة (هبة صباح) العاملة في إحدى المحطات الإذاعية أن تترك كل شيء وتحضر. الأم عمياء (مع مفاجأة لاحقة في هذا الصدد) وعندما تجلس على سطح المنزل مع شقيقتها عارفة (سليمة يعقوب) وإبنتها غنيمة وتبدأ بالإفصاح عن سبب هذا اللقاء، تنقلب بها الكرسي فتهوى من على السطح إلى الأرض. هي لا زالت حيّـة لكن لدقيقة واحدة إذ يدهسها زوج غنيمة (عبدالرضا نصاري) بسيارته بعدما فوجئ بها أمامه.
لا تدع هذه الصدفة تهز إيمانك بالفيلم، لكنها من وجهة نظر نقدية لا تلعب دوراً حاسماً. كان يمكن لها أن تموت من شدة السقطة ما يبعد عن الفيلم شبح الصدفة رغم أن المخرج يستفيد من هذا الوضع قدر الإمكان. 
إذ تقع الأحداث في الإمارات لكن وباللهجة العراقية تبعاً لهوية الوافدين في أعقاب حرب 1988، ينقسم الفيلم إلى ثلاثة أجزاء هي أيام العزاء المتوالية. ما يحدث في هذه الأجزاء هو وصول نساء أخريات للبيت للتعزية وفي الوقت ذاته للكشف عن احداث تعود إلى الماضي حيث لا شيء مما في ذلك الماضي كان ظاهراً للعيان حتى للنساء المجتمعات. هناك أسرار تعرفها العمّـة وأخرى تكشفها الجارة أو الصديقة. مواقف تفاجأ غنيمة وأخرى تدهم الجميع. ومثل حياكة سجادة بالطريقة اليدوية القديمة تشترك كل هذه الأسرار والحكايات والمواقف الصادرة من عواطف مكبوتة في صياغة ما يحدث خلال تلك الأيام  الثلاث. وما يدور يخلق شخصيات من لدن شخصيات أخرى. غنيمة، الأكثر عناداً، تضطر لتفهم أوضاع سواها وتدفع ثمن جهلها السابق وتخسر حين يقرر زوجها أن لا وجود له في حياتها. 
عبدالله يتخلص من هذا الفيلم الأول من شظايا الأساليب التقليدية في سرد الحكاية. لا مشاهد تطوف بك في أوجه عديدة لتقول ما يمكن لمشهد واحد أن يعبر عنه داخل المنزل، في عتمة الليل، صمتاً أو همساً.
الكاميرا ثابتة (بيد مدير التصوير بيمان شادمنفاز) تتخلص من عبء تصميم كان سيخفف وطأة الثبات على أسلوب الفيلم البصري. لا تتحرك ولا تتقدم ولا تتأخر بل تنصب نفسها في كادرات محسوبة همها الأول أن تنقل مباشرة ما يحدث مع ولكل شخصية على حدة. هنا يبرز تصميم المخرج لكل كادراته. إنها رسوما لشخصيات بينها مسافات محسوبة، لقطات من زوايا تعبر عن الموقف النفسي السائد في المشهد الذي تقوم بتصويره. كل هذا يؤلف عملاً فنياً غير مسبوق إماراتياً وقليل التطرّق إليه عربياِ (يشبه إلى حد أعمال التونسيين فاضل الجعايبي وفاضل الحريري ذات المصادر المسرحية  في الثمانينات).



_______________________________________________________
©
كل الحقوق محفوظة للمؤلف بحكم قانون الملكية البريطانية
2008-2017
All rights are reserved by Mohammed Rouda
_______________________________________________________




  نقد فيلم                                           

الفيلم:     The Wall | الجدار
إخراج:   دوغ ليمان
تمثيل آرون تايلور-جونسون، جون سينا، ليث نقلي.
•  النوع:   حربي | الولايات المتحدة  (2017)
•  تقييم: ★★★


أصعب الدراميات تلك التي يقودها ممثل واحد تبقى الكاميرا معه طوال الفيلم أو ربما شاركه ممثل آخر أو إثنان. روبرت ألتمن حقق أفضل فيلم عن شخصية الرئيس الأميركي رتشارد نيكسون في «شرف سري» (1984) وسيجد المنقب أفلاماً أخرى جيدة. لكن ليس بفاعلية فيلم ألتمن ذاك
الصعوبة ليست غامضة، بل يمكن أن يشير لها المشاهد بأصبعه: محاولة إشغال المشاهد بمشاهد غير متنوعة المكان (عادة) يقودها جميعاً فرد واحد عليه تقع كل الأحداث الواردة أو تنتج عنه. الكاميرا تبقى معه كذلك الخط النحيف من الحكاية الذي عليه أن لا يتأثر بمحدودية المكان أو الفرد الوحيد الذي تدور الأحداث حوله ومعه.
المخرج دوغ ليمان إنذار بورن» «بعيداً عنها») يؤم هذا الوضع في «الجدار»: مجند أميركي أسمه إيزاك في موقع صحراوي مع رفيق له أسمه ماثيو. كلاهما الناجيان الوحيدان من فرقة تعرضت لهجوم ما (قبل بداية الفيلم) وذلك في العام الذي أعلن فيه جورج بوش الإبن بأن الحرب العراقية انتهت بالإنتصار (2007). الحركة ساكنة في مطلع الفيلم ثم ينهض ماثيو من مخبأه ويتقدم صوب ذلك الجدار أو ما بقي ماثلاً منه معتقداً أن لا أحد وراءه. لكن قناصاً عراقياً ما زال في الجوار. لا نراه وطوال الفيلم سنسمع صوته فقط (يؤديه ليث نقلي). هذا القناص يرمي الجندي الأميركي ماثيو برصاصة تصيبه في امعائه فيسقط مضجراً. الجندي الآخر آيزاك (آرون تايلور- جونسون) يهب لنجدة رفيقه الجريح فيصاب بطلقة في ساقه ما يضطره للجوء إلى ذلك الجدار الذي سيذكّـره القناص العراقي بأنه كل ما بقي من مدرسة القرية التي دمرها الأميركيون.
جل الفيلم عن ايزاك المحاصر في مكانه والقناص المختفي الذي لا نرى له وجهاً. بعض الحوار الناشيء بينهما يتعاطى ومنظور كل منهما للحرب مع إعطاء الحجة أكثر من مرّة للعراقي الذي يسأل، على سبيل المثال، ايزاك إذا كان يعرف لماذا هو هنا. وعندما يصفه ايزاك بالإرهابي، يذكره القناص بأنه، اي الأميركي، هو الذي جاء ليغزو أرض سواه.
ليس أن الفيلم يصطف لجانب قضية أحدهما، لكنه- على الأقل- يعرضهما بضوء واحد وكان هذا ما فعله المخرج في فيلمه السابق الذي تناول، من بعيد، الحرب العراقية وهو «لعبة عادلة» (Fair Game) قبل سبع سنوات.
الفيلم (بميزانية تقل عن مليون دولار ومن إنتاج مؤسسة أمازون الإلكترونية،  ولو أن الفيلم شهد عروضاً أميركية ودولية في صالات السينما) يقوم على تصوير ذلك المأزق الصعب للجندي الأميركي في موقع لا يمكن له الخروج منها حياً بمفرده. إنه ذات المأزق الذي واجهته السياسة الأميركية أيام الحرب العراقية ما يفسر أن النهاية ليست في مقتل العراقي وبقاء الأميركي على قيد الحياة، بل العكس. عندما تصل النجدة أخيراً بطائرتين مروحيّـتين وتلتقط ايزاك عن الأرض يطلق عليها القناص الرصاص فتسقط بمن فيها كما لو أنها حطت في الأساس فوق طمى متحركة. 
طبعاً ما يقلق المشاهد هو أن احتمالات وجود قناص في موقع صحراوي خال من الحياة ضئيلة. عما كان يدافع عنه. حتى القرية التي يتحدث عنها ممحية. لكن كذلك يُـطرح السؤال حول الجنود الأميركيين (نرى جثث بعضهم هنا وهناك) وماذا كانوا يفعلون في موقع انتهى تدميره. بعض هذا العطب يزول باعتماد النظرة الرمزية التي يوفرها السيناريو (كتبه دواين وورل) والمخرج ليمان.