Year 5/ Issue: 165
ACTION
سقوط البيت الأبيض WHITE HOUSE DOWN
**
أميركي- 2013
إخراج: رونالد إيميرش Roland Emmerich
تمثيل: شانينغ تاتوم، جايمي فوكس، ماجي
جيلنهال، رتشارد جنكنز، جيمس وودز،
راتشل ليفيفر.
سيناريو: جيمس فاندربيلت| تصوير: آنا ج.
فورستر (ألوان) | توليف: أدام وولف (131 د) |
موسيقا: هارالد كلوزر، توماس ووندر
في فيلم رولاند إيميريش الجديد «سقوط البيت الأبيض» تتمكّـن مجموعة من الإرهابيين المنظّـمين من إحتلال البيت الأبيض بالكامل وخلال ذلك قتل عشرات من رجال الأمن وبعض الأبرياء الذين كانوا يزورون البيت الأبيض كسيّاح. أحد هؤلاء هو الجندي السابق الذي أبلى بلاءاً جيّداً في العراق وأفغانستان كال (شانينغ تاتوم) وهو جلب إبنته الصغيرة (راتشل ليفيفر) معه. غاية الزيارة الأخرى هي التقدّم بطلب تعيينه رجل أمن الرئيس. لكن فينيرتي (ماجي جيلنهال) المسؤولة عن رجال أمن الرئيس تعرف ماضيه ولا تطمئن إلى صلاحيته. من الصدفة بمكان أن هذا يحدث في الوقت ذاته الذي تسلل فيه عملاء عصبة إرهابية وأخذوا ينتشرون كتمهيد للهجوم الضاري واحتلال البيت الأبيض. حالما يقع ذلك، يجد كال نفسه مطالباً بالدفاع عن حياة شخصين: إبنته الصغيرة والرئيس الأميركي نفسه (جيمي فوكس) الذي وجد نفسه وسط جثث أعوانه.
إبحث عن المجرم المخطط فتجده ووكر (جيمس وودز) الذي يريد الإنتقام من الرئيس لأنه خسر إبنه في الحرب العراقية ومستاء من خطط الرئيس الإنسحاب عسكرياً من الشرق الأوسط تبعاً لخطّـة سلام جديدة تشمل إنهاء النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبين الولايات المتحدة وإيران أيضاً. ووكر الذي يشغل منصب رئيس الأمن الخاص ليس وحده بل يعاونه خفاءاً حتى المشهد الأخير رافلسون (رتشارد جنكنز) الناطق الرسمي بإسم البيت الأبيض الذي تؤول إليه الرئاسة بعدما ساد الإعتقاد أن الرئيس مات ثم تم التأكد من أن نائب الرئيس أغتيل بصاروخ خلال رحلة طيرانه. أما الإرهابيون المستأجرون للمهمّـة فهم شراذم من العنصريين اليمينيين وهم في المهمّـة الخطرة لأجل الفوز بـ 400 مليون دولار سيتم تحميل طائرة الهروب بها.
حين تبدأ عملية إحتلال البيت الأبيض يثير الإعلام الأميركي أن «العرب» هم من يقف وراء هذا الإعتداء. لكن الفيلم ينقد هذا الإستعداد الإعلامي الجاهز للوم العرب ويبرأ هذا الطرف من كل تهمة. وهذا يكاد يكون أكثر عناصر الفيلم إيجابيّـة. ذلك لأن الفيلم، على بعضه البعض، ليس سوى عمل أكشن إفتراضي المنطلق وسطحي المعالجة مستوحى من الحبكة الأم التي وضعها ستيفن إ د سوزا عن رواية رودريك ثورب بعنوان «داي هارد» وحوّلها جون مكتيرنن إلى فيلم سنة 1988. تلك الحبكة، التي تكررت مراراً ما بين ذلك التاريخ واليوم، تنص على أن رجل أمن أو عسكري يحدث أنه كان في المكان الذي تتم السيطرة عليه من قِـبل عصابة إرهابية منظّمة تقبض على رهائن أبرياء مقابل شروط (غالبها مادي) فيختفي في المكان منفّـذاً عمليات فردية مضادة للقضاء على أفراد المنظّـمة المسلّـحين جيّداً والمتميّـزين بمختلف أنواع المهارات.
الفارق هو أن هذه العمليات لا تنقذ إبنة «البطل» الأبيض ورئيس الجمهورية الأفرو أميركي (مثل أوباما) فقط، بل الولايات المتحدة والعالم بأسره بعدما تم إحباط محاولة ووكر وشريكه إرتكاب مذبحة نووية لدول استعدت بدورها لإطلاق ما لديها من أسلحة مماثلة على كل مدينة أميركية متوسّطة أو كبيرة. لكن الدمار يُصيب البيت الأبيض بالفعل ومحيطه المدني كذلك… على هذا تنص النهاية على أن البيت الأبيض ليس سوى مبنى يمكن إعادة بنائه من جديد.
قبل أشهر ليست بعيدة، قام «أولمبوس سقط» لأنطوان فوكوا (عن سيناريو لكريتون روثنبرغر وكاترين بنديكت) بعملية تدمير شاملة للبيت الأبيض. المهاجمون كانوا عملاء كوريين شماليين بالتعاضد مع خونة أميركيين اخترقوا دفاعات البيت الأبيض بالقوّة. أحبطوا محاولات الجيش الأميركي استعادته، وألقوا القبض على الرئيس الأميركي (آرون إكهارت) وأعضاء الحكومة وأهانوهم كما قتلوا بعضهم بدم بارد. مثل هذا الفيلم هناك شخص واحد يجد نفسه داخل البيت الأبيض ويبدأ بمفرده عملية إبادة عملاء الجيش الكوري والخونة الأميركيين بنجاح لافت.
البيت الأبيض في «أولمبوس سقط»، مع نهاية الفيلم، تم دكّـه بالكامل. المدينة ذاتها نالها خراب أكثر من ذلك الذي في الفيلم الجديد. وكلاهما جاء في أعقاب «جي آي جو» [إخراج جون م. تشو عن سيناريو لريت ريز وبول فرنيك) الذي دار أيضاً حول مؤامرة قتل الرئيس الأميركي (جوناثان برايس) بعد حجزه وقيام شبيه تام به (برايس أيضاً) بالتظاهر بأنه الرئيس الفعلي وذلك تمهيداً للقيام بعمليات عسكرية وخيمة الأثر. اللافت أن شانينغ تاتوم لديه دور في ذلك الفيلم أيضاً ولو أن البطولة هي لدواين جونسون أساساً. كذلك أن تدمير البيت الأبيض أو الوصول إليه لاحتلاله أمر ممكن. وهو ما ورد في فيلم «سولت» [فيليب نويس- 2011] حيث يتم إقتحام البيت المنيع وتهديد حياة الرئيس.
في العام 1996 نجد جذور الموجة. إنه العام الذي قام المخرج تيم بيرتون بتحقيق فيلم خيالي-علمي ساخر بعنوان «المريخ يهاجم» سمح فيه للمخلوقات المحتلّـة دخول البيت الأبيض وقتل الرئيس الأميركي (جاك نيكولسون) بينما كان هذا يحاول التفاوض دبلوماسياً معها.
بعد 2001 إزدادت المؤامرات على البيت الأبيض وتكررت صور الدمار الشامل للمدن الأميركية (نيويورك، لوس أنجيليس وواشنطن أساساً) على نحو يذكّر الأميركيين بكارثة ذلك التاريخ. صور مضروبة بعشرة أضعاف ما خلفّـه الهجوم الإرهابي الفعلي على مركز التجارة العالمي في نيويورك. إنه كما لو أن السينما تحاول أن تبز الواقع عبر التأكيد على إحتمالات كوارثية ممكنة.
«سقوط البيت الأبيض» يكاد أن ينجز الترفيه المنشود لولا أن ما يقع على الشاشة ليس مفاجئاً بقدر ما هو كبيراً. إنه مثل من يعرض عليك آخر أنواع السيارات الفارهة وأنت تعلم أنك لن تشتري منها شيئاً. المشكلة الأخرى هي أن الشخصيات مقطوعة من أي حقيقة. لا تشعر بأنك أمام شخصيات بل ممثلين فقط، والتمثيل الجيّـد يأتي من الشخصية الجيّدة أساساً.
في نهاية الفيلم يتقدّم كال إلى إبنته… هاهي تقف مع زوجته (أمّـها) وها هو يحمل الفتاة ويقبّلها بحنان ويترك زوجته بلا كلمة واحدة، أو حتى نظرة. في مطلع الفيلم يوحي المخرج ببوادر فتور في العلاقة، لكن استبعاد الزوجة/ الأم من المصالحة يبدو كما لو كان إنتقاماً معادياً لها ولا يحمل تبريراً.
WESTERN
ذ لون رانجر THE LONE RANGER
*
أميركي- 2013
إخراج: غور فربينسكي Gore Vebinski
تمثيل: جوني دَب، آرمي هامر، وليام فتشنر،
توم ولكنسون، هيلينا بونام كارتر.
سيناريو: جوستين هايث، تد إليوت، تيري
روزيو| تصوير: بوجان بازيللي (ألوان) | توليف:
جيمس هايوود، غريغ وود (139 د) | موسيقا:
هانز زيمر
آخر مرّة زرت فيها «مونيومنت فالي» وصخورها الحمراء الشاهقة، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات، كانت لا تزال في شمالي ولاية أريزونا. لكن مخرج «ذ لون رانجر» ينقلها إلى تكساس لتزيّن الأحداث المفترض أنها تقع هناك. ويضيف عليها شغل المؤثرات الخاصّة فإذا بالكاميرا تمر بواحدة من تلك الصخور غريبة التكوين كما لو كانت عموداً صغيراً في متجر كبير. المخرج، المسمّى غور فربينسكي، يميل للإعتقاد بأن وضع صخور مونيومنت فالي، أو أي صخور في صقاع الغرب الأميركي، كاف لتحقيق فيلم وسترن أو لحمل الإسم. لكن هذا الفيلم الأهبل الذي أنجزه يشبه لعبة في مدينة ملاهي أكثر مما يشبه فيلماً.
إذا كان نقل تلك الصخور إلى طبيعة تكساس ليس كافياً، فما البال برجال يرفضون خلع معاطفهم الشتوية السميكة وهم تحت أشعة الشمس الصحراوية؟ هل خطر للمخرج فربينسكي أنه لا يعقل أن يرتدي عاقل أكثر من قميص وسترة بلا كم في مثل هذا الطقس الذي يقترحه الفيلم؟ لا أعتقد. الأرجح هو أن كل ما خطر بباله هو كيف يستعير (أو هل أقول يسرق) المشاهد الأولى من فيلم سيرجيو ليوني «حدث ذات مرّة في الغرب» (1968) حين يصل ثلاثة أشقياء إلى محطة مرتدين معاطف كالحة. ولاحقاً مشهد من الفصل الأول من فيلم سام بكنباه «الزمرة المتوحشة» (1969). المشهد الذي يطلب فيه الممثل بو هوبكنز (في فيلم بكنباه) من زبائن مصرف مشاركته الغناء الديني مهدداً من عصى بالقتل. هذا المشهد منقول كما هو بإستثناء أن الزبائن باتوا راكبي قطار لا تعرف من أين أتى وإلى أين يتّجـه. مثله في هذا المصير الفيلم نفسه. هذا أسوأ فيلم وسترن في السنوات العشر الأخيرة ولو وضعته حيال أفلام وسترن صغيرة وسريعة من الأربعينات والخمسينات لاستقر في مركز متواضع بينها أيضاً.
الحق على جوني دَب. يا ليته ما وافق على بطولة فيلم يستنسخ فيه شخصيّـته المزعجة في «قراصنة الكاريبي». لكنه واحد من ثلاث شركاء (الآخران هما المخرج غور فربينسكي والمنتج جيري بروكهايمر) جنوا نجاحاً كبيراً من تلك السلسلة وحاولوا تكرار النجاح ذاته في هذا الفيلم بإستعارة كافّـة معادلات تقديم عمل يستند إلى نوع قديم من الأفلام (سينما قراصنة البحار وسينما الوسترن) بريشة معاصرة تناسب من لم يشاهد فيلماً من هذين النوعين مطلقاً من قبل.
ينطلق الفيلم كما لو أن لديه كل الوقت في الدنيا ليؤسس حبكته: رجل القانون المقنّـع (آرمي هامر) يشكّل مع الهندي الأحمر تونتو (دَب) ثنائياً للدفاع عن الظلم وتحقيق العدالة و(خلال ذلك) الإنتقام من العصابة التي يقودها متوحش (وليام فتشنر) الذي قتل شقيق المقنـع. تمر خمسون دقيقة قبل أن يتشكّـل ذلك الثنائي الذي هو لب المغامرة أساساً والسبب وراء إقبال الناس المفترض على الفيلم.
غور فربينسكي ليس معجباً بالغرب ولا يعرف عنه سوى بعض النماذج التي يحاول تقليدها والتخيّـل بأن الصحراء والصخور والجبال هي بحد ذاتها مواقع ناجحة. لا شيء يملأ الفضاء بينها وبين المشاهد سوى مفارقات تجنح للكوميديا السهلة ولمعان من المشاهد المعجوقة وكاميرا تسعى لتعويض فقر الفيلم الفني بحركة دائمة تهرب دائماً إلى الأمام.
بالنسبة لجوني دَب، فإن المطلوب منه هنا أن يبدو ساخراً وشاذاً شكلاً بالمعنى الواقعي للكلمة ومن الغريب كيف يتحسّـن الفيلم (ولو بمقدار قليل للغاية) حين يغيب عن الشاشة. آرمي هامر لديه مهمّـة صعبة وهي لعب دور البطولة (هو «ذا لون رانجر» في نهاية المطاف) من المقعد الخلفي فحتى مع كون شخصيته هي عنوان الفيلم إلا أنه منح، في أفضل الحالات، نصف بطولة في عمل مثقل بالمتاعب يمضي في إتجاهات عدّة دون أن يكمل أياً منها. وكثير من المكتوب والمصوّر هنا منسوج من خيال من لا يكن أي شعور حيال التاريخ أو الواقع. خذ مثلاً المشهد المبكر الذي يحاول فيه ذ لون رانجر (هامر) إجبار الهندي تونتو (دَب) على البقاء. يمسك به من قدمه منبطحاً على الأرض بينما يعمد تونتو إلى السير فيسحل رانجر وراءه… أردت أن أصرخ حينها: قم من مكانك يا لون رانجر، فأنت في الحقيقة بطل الحكاية، لكني مضيت في قراءة أخرى: فقط بطل مخنّـث وضعيف يمكن له أن يستلقي أرضاً ويستعطف رجلاً آخر بالبقاء معه… هل كان ذا لون رانجر مخنّـثاً؟
THRILLER
التطهير THE BURGE
**
أميركي- 2013
إخراج: جيمس ديموناكو James DeMonaco
تمثيل: إيثان هوك، لينا هيدي، ماكس بوركهولدر،
إدوين هودج
سيناريو: جيمس ديموناكو| تصوير: جاك جوفريه
(ألوان) | توليف: بيتر فوزداس (85 د) | موسيقا:
ناتان وايتهيد
يقرر «حملة التطهير»، كتابة جيمس ديموناكو وإخراجه، أن أميركا في المستقبل غير البعيد سوف تمنح البشر فرصة إرتكاب جرائم من دون عقاب. ففي سنة 2022 ستقوم الولايات المتحدة بتخصيص يوم واحد تستطيع فيه إرتكاب كل مخالفة تريدها ولو كانت جريمة قتل. بعد ذلك اليوم، وحتى اليوم ذاته من العام التالي، يسود السلام والأمن بين الناس. فاليوم المشهود هو للتنفيس عن المخزون داخل النفس البشرية كضرورة لـ 364 يوم من السنة لا ترتكب فيها الجرائم. والمجتمع راض بذلك لأنه، وحسب مطلع الفيلم، تم تسجيل أقل نسبة من الجرائم في تاريخ الولايات المتحدة وهو واحد بالمئة، طبعاً خارج ذلك اليوم الصعب الذي يبدأ به الجميع اتخاذ إحتياطات أمنية مكثّفة حتى لا يكون ضحية عملية قتل أو إعتداء في ذلك اليوم.
جيمس (إيثان هوك) هو عيّـنة هذه الحكاية: رجل أعمال ناجح في مؤسسة تبتكر وتصمم نظم الأمان التكنولوجية متزوّج (من لينا هيدي) ولديه ولد وبنت في سنوات مبكرة. حين يبدأ الفيلم يكون بقي من الزمن 52 دقيقة قبل أن ينسحب الأمن وتهب الفوضى للساعات الإثني عشر التالية.
السخرية المقصودة هو أن المصمم البارع لأجهزة الأمن يجد نفسه وعائلته بلا حماية في تلك الليلة. في البداية يشاهد وعائلته ما تبثّـه المحطات التلفزيونية من مشاهد قتل وعنف وبعد حين هاهو وعائلته أيضاً يشهدون غزواً ويتحوّلون إلى فرجة للمشاهد الذي في الصالة عندما يسمح لمهدد بالقتل (إدوين هودج) باللجوء إلى المنزل هرباً من مطارديه.
هناك تعليق إجتماعي ببضعة رؤوس في هذا الفيلم المنفّـذ، تقنياً، على نحو جيّـد حيث المخرج يعرف كيف يؤسس للمشهد وكيف يبني التوتر المطلوب لما سيلي. هناك مثلاً جانب أن الصراع ينتقل طبقياً ما بين الميسورين وغير الميسورين، وأن المستقبل هو تطوّر لما يحدث اليوم حيث بات القتل ترفيهاً تلفزيونياً يبحث عنه ملايين الناس على شاشات التلفزيون مشدودين للبرامج «الواقعية». أيضاً هناك عنصر مسحوب من «لعبة الجوع» (وبضعة أفلام أخرى) حيث البشر يتحوّلون إلى ملهاة لبشر آخرين. قبل حصول الصدام بين العائلة والغازين، تبدأ بالتحضير للحظة التي سيتم فيها فتح أجهزة التلفزيون على ما ستنقله المحطّـات من مشاهد. من هنا يتفرّع رأس آخر: الأمان لا وجود له في نهاية المطاف. أي شيء قد يحدث لأي واحد في أي مكان اليوم أو غداً.
الفيلم محمّـل بتلك الأبعاد ما يجعله ثقيل الوطأة. وخطابه مباشراً بينما يفتقد الفيلم إلى شخصية فنية مستقلّـة عن المؤثرات الأخرى، بينها فيلم جون كاربنتر اللامع «إعتداء على المقسم 13» (1976) حيث عصابات تحاول دخول قسم بوليس في ليلة بلا قمر. ولا يمكن تحاشي المشاهد قبل وقوعها. الخيارات المتاحة للتنبؤ بما قد يقع محدودة. رغم ذلك يستمر التشويق فعالاً لمعظم مرافق الفيلم خصوصاً عند البداية التي لا يعرف المرء كيف ستنتقل من التحضير لسهرة على شرف الجريمة إلى الإشتراك بها.
DETECTIVE
رجل البوليس UN FLICK
***1/2
فرنسي- 1972
إخراج: جان- بيير ملڤيل Jean-Pierre Melville
تمثيل: ألان ديلون، رتشارد كرينا، كاثرين دينوف،
ريكاردو كوكيولا، مايكل كونراد.
سيناريو: جان- بيير ملڤيل| تصوير: وولتر ووتتز
(ألوان) | توليف: باتريشا ناني (98 د) | موسيقا:
ميشيل كولومبييه
المشهد الأول لهذا الفيلم ينص على يوم مطري عاطف في بلدة ساحلية تبدو مهجورة. ربما كانت من ذلك النوع الذي يخلو من السكان خلال فصل الشتاء. سيارة تقل أربعة رجال تتقدّم من بعيد وتقف بالقرب من مدخل مصرف. النيّة واضحة. الخطّة موضوعة. يدخل رئيس العصبة سيمون (رتشارد كرينا) ويتبعه رجلين منه عصابته قبل لحظات من إغلاق الباب. يشهرون المسدّسات ويجبرون الموظّفين على تفريغ صناديقهم. الإستثناء أن أحد الموظفين استهل مسدّسه وأطلق النار وجرح أحدهم. سيكون عائقاً إذا ما وصل البوليس إليه ما يدفع بسيمون بالطلب من زوجته كاثي (دينوف) بقتله فوق سرير المستشفى الذي يرقد فيه.
خلال ذلك قام ملڤيل بتقديم شخصيّة التحري في العنوان في البدايات أيضاً. يقطع بين السرقة وبين قيام التحري كولمن (ألان ديلون) بجولته المعتادة في أنحاء الشانزليزيه. رغم نجاح العصابة في سرقة وإخفاء المال إلا أن الخطّـة بعد قليل ستقتضي القيام بعملية جديدة: سرقة مخدرات ومال من قطار منطلق بالإستعانة بطائرة مروحية. وطوال ثلث ساعة تقريباً نتابع التفاصيل. التحري كولمان عنيد وعناده يوصله إلى الإمساك بخيط أول يوصله إلى خيط ثان فثالث وها هو رئيس العصابة سيمون محاصر حالما هبط من غرفته في الفندق. يطلب منه كولمن أن لا يتحرّك، لكنه يتصرّف كما لو كان سيخرج مسدّساً من جيبه ما يدفع كولمن لقتله ليكتشف أن الحركة مقصودة لكي يتوهّـم كولمن أن سايمون مسلّح فيطلق عليه النار. بكلمة واحدة هي عملية: إنتحار.
الرجلان يعرفان بعضهما البعض. يلتقيان أحياناً في ملهى سايمون، وكولمن يعرف كاثي ويؤكد لها أن سايمون يعرف بعلاقتهما. لكن الكثير مما ورد أعلاه صامت أو شبه صامت. والتنفيذ بلا هفوات تقنية أو فنيّة. الهفوات من نوع أنه في يوم عاصف كما في بداية الفيلم لابد أن زبائن المصرف وصلوا إليه بسياراتهم، رغم ذلك، ولأجل الأجواء فقط، صوّر ملڤيل الطريق ورصيف المصرف خاليان من أي سيارة أخرى.
لكن الفيلم شبه كامل كمعالجة وكأسلوب. فيلم لملڤيل يعني فيلماً حول أناس مثل الجزر. كل منهم منعزل مهما كان قريباً من الآخر. سيمون مدفوع بالجريمة وكولمان مندفع بمحاربتها، لكن لا الأول سعيد بما يقوم به ولا الثاني راض عن حياته برمّتها. شخصية التحري هنا تثير الإهتمام لأنها لا تقل عن شخصية سايمون إنبهاراً بالعدمية ولحظات الوصول إلى النهاية. لكن تمثيل كرينا أفضل من تمثيل ديلون، رغم أن الفيلم ليس عملاً للمباراة بين الإثنين. الكثير من الأبعاد النفسية والإجتماعية يطرحها الفيلم من دون كلام. مثل عنوانه (رجل بوليس من دون أل التعريف) هو فيلم من دون أن يكون «الفيلم الذي…». لكن ضمن بساطته المراوغة يتضمّن شغل ملڤيل الكثير من الملاحظات حول سلوكيات بطليه ودكانة عالم كل منهما.
DRAMA
أيد خشنة
***
مغربي- 2011
إخراج: محمد عسلي
تمثيل: محمد بسطاوي، هدى ريحاني، عبد الصمد
مفتاح الخير، أمينة راشد
سيناريو: محمد عسلي| تصوير: جيوفاني باتيستا
ماراس (ألوان) | توليف: رايموندو أيليو (98 د) |
موسيقا: ستيفان ميكوس، سارو كوزنتينو
هناك مشهد في فيلم محمد عسلي الجديد يتقدّم فيه صاحب الدور الرئيسي مصطفى (محمد البسطاوي) من مدخل منزل وزير سابق ليجد الوزير السابق المقعد خارج البيت. ويسأله إذا ما كان يريد الخروج للفسحة، وتبعاً للجواب يدفع مصطفي بكرسي الوزير ذي العجلات فوق سلالم الدرج الرخامية ومنها إلى الممشى فالشارع وهو يحادثه. ينتقل المخرج من اللقطات المتوسطة وقد أصبح ممثليه وسط الشارع المقفر إلى لقطة عامّـة من الخلف لتحيط بالمكان ولتمنح الحوار بعض التشبّع بالأجواء المقصودة. مثل هذه الحركة الفيلمية المشغولة بإتقان، كثيرة الظهور في فيلم عسلي الروائي الثاني وهو الذي كان قدّم فيلمه الأول قبل خمس سنوات «الملائكة لا تطير فوق الدار البيضاء»، وأولها في مشهد التمهيد حيث بطله الثاني (عبد الصمد مفتاح الخير) في لقطة ثابتة على خلفية المدينة وهي تبدو كما لو كانت تدور من حوله.
في كلا الحالتين، وفي حالات أخرى كثيرة، المدينة هي المفتاح النهائي: شخصياتها المتعبة التي تقود الحكاية الشاسعة في دروبها المختلفة، هي أمامية بالنسبة لمدينة كئيبة، عاصرة، ساحقة وخطرة. مصطفى ليس شاباً، بل أصبح في الأربعين من عمره. والدته عمياء لكنها تُدير شؤون البيت كالمبصرة. وهو لا يزال بلا زواج. عمله مريب، فهو عبارة عن استلام طلبات من مختلف أصحاب الحاجات والباحثين عن وساطات وقبض مبالغ لقاء إيصالها إلى زوجة ذلك الوزير التي تقدم على تحقيق تلك الطلبات عبر اتصالاتها الخاصّـة او حتى بتزوير تلك الوثائق او الشهادات المطلوبة. مصطفى يقبض من أصحاب الطلبات ويدفع للزوجة المتأففة لقاء حصّـة بسيطة لكنها كافية لكي تدر عليه مبلغاً لا بأس به. مساعده (مفتاح الخير) رجل صامت في معظم الأحيان، يدمن القمار ويتجسس أيضاً على مصطفى مبلغاً عنه شخصية مريبة تعمل لصالح جهاز بلا إسم. مصطفى يحب معلّمة أطفال في مدرسة الحي أسمها زاكيا (هدى ريحاني) تمنّي النفس اللحاق بمن تحب في أسبانيا وللغاية عليها أن تزوّر أوراقاً بمساعدة مصطفى حيث تتعرّض لفحص أيد على أساس معرفة ما إذا كانت عاملة أم لا (ما يفسّـر العنوان).
ليس «أياد خشنة» ذات فيلم «الملائكة لا تطير فوق الدار البيضاء» لكن هناك العديد مما يجمعهما. في الأساس كلاهما عن المدينة كحالة إجتماعية ضاغطة وكخطر قد يقع في أي لحظة. نرى ذلك ماثلاً خلال قيام النادل، في الفيلم السابق، بإيصال الطلبات منتقلاً بين أرصفة الشارع المزدحم بالسيارات المتسارعة، ونراه هنا متمثلاً بأشخاص يركبون الدراجات النارية ويمرون لجانب وأمام السيارات في سرعة. ينحرفون بينها ما يثير التوقّع باصطدام يقع في أي لحظة. إنها صورة أخرى لتلك التي تتراءى منذ المشهد الأول. لا تملك المدينة شيئاً جميلاً تعرضه. وشخصيات الفيلم تعيش تحت وطأتها وليس فيها فقط.
يعمد العسلي إلى المشاهد ذات الكاميرا المسحوبة في بانوراميات جميلة، هناك تلك اللقطات المتكاثرة لكنه أقل والقطع المونتاجي الكثيف الذي يحاول عكس لهاث الحياة. لكن النتيجة هي خلق تناقض أسلوبي لا يساعد الفيلم كثيراً. الحكاية ذات الشخصيات المتعددة تبدو في نصف ساعتها الأولى كما لو كانت تبحث عن حبكة إذ يقضي المخرج الوقت في المتابعة من دون البلورة. ومع أن الرصد يبقى سائداً، الا أن الفيلم يخلص بعد ذلك إلى بلورة رسالته واهتمامه وتكوين القصّـة التي تتدرّج من شمولية الشخصيات وأدوارها إلى قصّـة الحب وقد قرّبت الفيلم إلى وجه عاطفي جديد. على تناقض مفردات العمل التعبيرية المشار إليها، وتأخر تكوين الحبكة التي تمنح المشاهد معرفة ما الذي يتابعه تحديداً ولماذا، فإن العمل ممتاز في مختلف خاناته الأخرى: إخراجاً وتمثيلاً وتصويراً مع اعتماد عسلي المستمر على طاقات إيطالية في التصوير والموسيقا والمونتاج.
WAR
أغرق بيسمارك Sink the Bismark
**
بريطاني- 1960
إخراج: لويس غيلبرت Lewis Gilbert
تمثيل: كينيث مور، دانا وينتر، كارل مونر، لورنس
ناسميث، جفري كين
سيناريو: إدموند نورث| تصوير: كليفتون باركر
(أبيض/ أسود) | توليف: بيتر هانت (98 د) |
موسيقا: كليفتون باركر.
في نهاية الفيلم، وبعد إغراق المدمّـرة الحربية الضخمة التي في عنوان الفيلم، يخرج الكابتن شيبرد (كينيث مور) إلى سطح الأرض برفقة مساعدته آن (دانا وينتر) على أمل أن يتعشيا معاً، لكنه اكتشف أن الساعة ليست التاسعة والنصف ليلاً بل صباحاً. ما يقصده الفيلم، وما أشار إليه في عدد من المرّات، أن الماكثين على مسافة 200 متر تحت الأرض منذ أيام سوف لن يعرفوا ما إذا كان الوقت ليلاً أو نهاراً. هذا صحيح، إذا ما كانوا مدنيين، لكن الكابتن اليقظ والواعي والذي خطط لتدمير البارجة الألمانية بعد تسع أيام فقط على إبحارها، يدير معركة ولابد أنه كان يعرف الوقت من النهار أو الليل.
هذه الهفوة واحدة من محاولات السيناريو الذي كتبه (إدموند نورث) عن كتاب وضعه س. فوستر منح الفيلم بعض الدراما بعيداً عن الأصل المعتني بالحدث توثيقياً وهنا تكمن مشكلته ذلك لأن الفيلم قائم على التناوب ما بين عمليات البحر وخطط الكابتن وفريقه تحت الأرض. مشهد من هنا ومشهد من هناك ولا شيء في الوسط. هناك حبكات صغيرة ترد لسانياً لكن لا شيء آخر ما يجعل الفيلم عبارة عن بينغ بونغ بصري بين موقعين: بحر الشمال وعملياته وغرف تحت أرضية وما يدور فيها خلال خمسة أيام فاصلة.
يطالعنا الفيلم بمشاهد وثائقية عن الإحتفال الذي حضره هتلر وقتما تم إنجاز الباخرة الحربية الضخمة وإطلاقها لتغزو بحر الشمال وتهاجم البوارج والسفن الحربية البريطانية. نرى الكابتن شيبرد يستلم عمله: شخص صارم وهاديء ومنضبط له إبن يحارب في أسبانيا (وخلال الفيلم سيصله نبأ اختفائه ثم نبأ نجاته لاحقاً) ومهمّـته هي تسيير دفة المعركة البحرية لصالح بريطانيا بعدما منيت هذه بخسائر من جراء هجمات البيزمارك. لكننا لا نرى عجائب في العملية بأسرها. كل ما يتابعه الفيلم هو غرق وتدمير القطع البريطانية لثلثي الفيلم، ثم نجاح المدمّرة المعروف بـ «برينس تشارلز» بقصف المدمّرة بعدما تعطلت المدمّرة ولم تعد قادرة على المناورة.
المناورة هو ما كان يحتاجه الفيلم لكي يخلع عنه رداء التوقّـعات المسبقة كذلك شخصية لديها حرارة ولا تثير الملل بعد حين من ظهورها. لكن «أغرق بيسمارك» واحد من أعمال السينما الحربية البريطانية الرصينة التي غرقت بدورها تحت وطأة النسيان، ومثال على ما كان المخرج غيلبرت يقوم به من أعمال فنيّـة قبل أن يؤول مصيره لتحقيق أفلام أنجح تجارياً ومن بينها أفلام حربية أخرى (مثل «العملية: إنبلاج النهار» Operation: Daybreak) وجاسوسية (بعض سلسلة جيمس بوند مثل «الجاسوس الذي أحبّني» The Spy Who Loved Me).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
0 comments:
Post a Comment