Interstellar | The Homesman | Decor | Al Jazeera 2| Ouija | Big Hero 6 | Dumb and Dumber To | 25th Hour | Attack|Investigation about a Citizen Above All Suspicion | Silkwood


العدد 204 | السنة 8 | رئيس التحرير: محمد رُضــا
  أفلام 2014 
*: رديء | **: وسط | ***: جيد | ****: ممتاز | *****: تحفة

 أفلام   2014         
Interstellar *****
The Homesman ***
  ديكور  **
الجزيرة**
Big Hero 6 ***
Ouija **
Dumb and Dumber To
 أفلام الأمس            
25th Hour | سبايك لي  ****
Attack  | روبرت ألدريتش ****
Investigation about a Citizen Above All Suspicion | بييترو جرمي  ****
Silkwood | مايك نيكولز ****

بين النجوم | Interstellar    
★★★★★
إخراج: كريستوفر نولان Christopher Nolan

النوع: وثائقي | تاريخ شخصي وسياسي 
الولايات المتحدة [2014- 162 دقيقة]
ملحمة فضائية على نسق «أوديسا الفضاء»
و«سولاريس». تأخذ من الأول الإنجاز التقني
ومن الثاني الفحوى الإنساني | محمد رُضا

ينطلق «بين النجوم» على الأرض. الرحلة ذاتها إلى الأجواء الفضائية لا تبدأ سريعاً، بل تتهادى لما بعد أكثر من ثلث ساعة على بداية الفيلم. المخرج كريستوفر نولان ليس مستعجلاً للإبهار ولرحلة الغد وتلوين الشاشة بظلام المحيط الفضائي. لديه ما يؤسسه قبل ذلك على الأرض.
خلال هذه الفترة التمهيدية يقدّم سيلاً من المشاهد الريفية. إنه ليس الريف الجميل الذي نطالعه في أفلام أخرى (ترنس مالك أو سواه)، بل ريف يحتضر. الأسرة التي يلجأ إليها السيناريو (كتبه المخرج وشقيقه جوناثان) مكّـونة من الجد (جون ليثغو) والأب كوبر (ماثيو ماكونوهي) والولدين توم (تيموثي شالامت) والأصغر سنّـاً مورف (من مورفي، ماكنزي فوي). لكن البيئة حاضرة. منذ البداية ندرك أن العالم الذي نعيش فيه هو مستقبل وككل مستقبل ترسمه السينما الحالية لا يبشر بالخير. 
هنا  الأوكسجين انفخض وما عادت الحياة سهلة. بإنخفاضه وارتفاع نسبة النيتروجين، يقول الفيلم، يعاني الناس، كما المحصولات الغذائية، من خطر اضمحلال شروط الحياة في أميركا و(تبعاً) العالم.  ما عاد ينفع زراعة أي شيء بإستثناء الذرة وحتى هذه لن تعيش طويلاً. النهاية مخيفة، لكن كوبر ربما ما زال لديه أمل ما. هنا في هذه الفترة من الفيلم يبني نولان أرضيّـته ليس للحكاية وحدها، بل للعلاقات الإنسانية الحميمة بين أفراد الأسرة الواحدة. 
وهذه الحالة الإنسانية المتجددة لا تنضوي بمجرد إنتقال كوبر (الذي كان ملاحاً سابقاً) إلى الفضاء، بل ترتكز عليها وتتوسع: كوبر الآن بمعية أميليا (آن هاذاواي) العالمة الفضائية إبنة العالم المسن براند (مايكل كاين) الذي بعث بملاحيه هذين، وبإثنين آخرين، إلى الفضاء البعيد لإكتشاف كوكب آخر يمكن أن يكون صالحاً لحياة الإنسان على الأرض.
براند يريد الخير، لكنه يخدع كوبر وإبنته عندما يخبرهما قناعته بأن رحلتهما (مع ملاحين آخرين) ستتوّج بالنجاح في هدفها لإيجاد كوكب آخر صالح للحياة. الرحلة خطرة وهي تحط على أكثر من كوكب وفوق كل كوكب شروط حياة مختلفة. هناك، مثلاً، تلك البحيرة الهادئة والجميلة لكن فجأة هناك أمواج بإرتفاع جبال تتقدّم إليها. تتقدّم إلينا. تجتاح المكان (والشاشة)  وتقتل أحد الملاحين قبل أن تهرب المركبة بجلدها. 
لاحقاً ندرك  أن مخاطر الفضاء، والتي يعود إليها الفيلم في ساعته الأخيرة، ليست وحدها التي يعايشها كوبر: لقد مرّت سنوات كونية على رحلته خلالها كبرت إبنته وأصبحت جسيكا شستين وكبر إبنه وأصبح سايسي أفلك، لكنه ما زال هو، وتبعاً لفارق الحياة والزمان بين الأرض والفضاء صغيراً كما بدأ، وبل إذا ما عاد إلى الأرض (وأنا لن أقول هنا إذا كان سيعود أم لا) سيكون شابّـاً وإبنته عجوزاً (إيلين بيرستين).
المخرج نولان يأخذ من فيلم ستانلي كوبريك الإبهار التقني في «2001: أوديسا الفضاء» ويستوحي الهم الإنساني من فيلم أندريه تاركوفسكي في «سولاريس» ويعالجهما مضاعفين. لا تعرف ما تتوقع على أي صعيد ولا يشتتك الفيلم بين المغامرة الخيالية العلمية وبين البوح الإنساني الرائع الذي يربط بين شخصيات الأرض وشخصيات الفضاء. يتوه قليلاً قبل ربع ساعة من نهايته، لكنه يعود إلى خطّـه المستقيم سريعاً من بعد، لكن توهانه ذاك ليس نتيجة ضعف أو ركاكة، بل مجرد مد خط إضافي كان يمكن تجاوزه (المشهد الذي يرى فيه كوبر إبنته من وراء عالم مواز بخمسة أبعاد)
العائلة أساسية بالنسبة لأبطال نولان. كل آلام بطله باتمان في السلسلة الشهيرة ناتجة عن فقدانه حنان الأب. في «تمهيد» يتطلع بطله ليوناردو دي كابريو للعودة إلى عائلته. هنا يريد ماثيو ماكونوهي العودة إلى إبنته التي تتهمه بأنه تخلى عنها وعن أهل الأرض عندما قبل بمهمّـة قد لا يعود منها. في الفضاء الخارجي، هناك ما يتبلور بينه وبين شريكته في الرحلة، لكنك لا تستطيع أن تقول أنها قصّـة حب ولو أنها قد تنتهي كذلك.
عالم نولان الحالي، متّـسع. شاسع وبعيد. ذلك الفضاء الكبير الذي يضع فيه الجزء الأكبر من حكايته مجهول عنيد. لا يربط المخرج الخلق بالخالق. لا يتطرّق إلى الأديان، بل على العكس هناك خيط من الإلحاد تلقيه الحكاية أمامها تاركة حرية الإختيار للمشاهد. يمتد مكوّناً من فهم علمي  للممكن وغير الممكن. أو ربما هو مجرد ضياع في فهم الخلق ولماذا هو ما هو عليه.
الأرض في المقابل (أو ما نراه منها في سهوب محدودة) تبدو محروقة (حتى من قبل مشهد الحريق الذي يلتهم محصول الذرة في نهايات الفيلم). مكان لم يعد يصلح للخيال، فكيف يصلح للبشر؟

 رجل البيوت   •  The Homesman    
★★★✩✩

إخراج: تومي لي جونز    Tommy Lee Jones
النوع:  وسترن 
تمثيل: تومي ملي جونز، هيلاري سوانك، جون ليثغو
الولايات المتحدة [2014- 99 دقيقة]
رجل وإمرأة غريبـا الأطـوار في
البرية مع ثلاث نساء مجنونات:
وسترن مختلف | محمد رُضا



«رجل البيوت» هو وسترن جديد الإنتاج قديم الشكل والنبرة، من ممثل-مخرج يريد أن يعكس انتماءاً لعالم مضى لكنه لا يرغب في تمجيده في الوقت ذاته.
إنها نبراسكا منتصف القرن التاسع عشر. هناك، حسب رواية لغليندون سوورتآوت، رجل منفرد في حياته أسمه جورج بريغز (تومي لي جونز) يرضى القيام، لقاء أجر، بمساعدة إمرأة أسمها ماري بي (هيلاري سوانك) على نقل ثلاث نساء مجنونات من البلدة الواقعة قرب نهر ميسوري إلى بلدة إسمها هبرون في ولاية إيوا حيث سيتم إيواء النساء في المصحّـة. 
إنها رحلة طويلة (ويشعر المشاهد بطولها أحياناً) على الرجل فيها أن يشارك الأخريات متاعب ومصاعب المهمّـة. هناك هنود (قلّـة) وهناك بيض أشرار وستؤول المواجهات إلى القتل. وعندما يجد جورج أن العدالة لن تتم من دون ثمن يحرق فندقاً ضن عليه وصحبه ببعض الطعام. لكن الفيلم أبعد ما يكون عن فيلم مغامرات، أو قصّـة تتيح للمشاركين فيها القيام بأفعال بطولية. ليس عملاً يشاهده المرء لأنه مليء بالحركة والتشويق أو لأن ممثليه من النوع الذي لا يمكن مقاومة حضورهم على الشاشة. أكثر من ذلك، هو فيلم وسترن لكن لا يبدو بالضرورة فيلم وسترن.
تومي لي جونز، في أحاديثه القليلة، قال بأن هذا الفيلم ليس فيلم وسترن، لكنه لا يعلم- بالتالي- كيف يصنّـفه.  إنه ثاني فيلم له خارج التصنيف بعد «ثلاث مدافن لملكيديس إسترادا» سنة 2005 ومثل ذلك الفيلم يتّـسم الفيلم بملامح داكنة حتى في ربوع البرية المشمسة والمفتوحة. مثله أيضاً، يؤدي جونز دور البطولة ولا يبتسم، وحين يفعل فهي إبتسامة ناشفة تخلو من السعادة. مثل سحابة رقيقة لا تكفي لحجب شمس محرقة.
ما يسجّـل للفيلم هو ما استلهمه من الرواية: علاقة ذلك الرجل الغريب بإمرأة توازيه وحدة عاشت حياتها من دون زواج كما فعل هو. كلاهما لا يدري أين ستذهب الحياة به لكن ذلك لا يجعلهما متحابين ولا يولج العمل في خطوط وخيوط رومانسية. النساء اللواتي تسحبهن العربة. سجن على دواليب تجرها البغال في أراض وعرة وخطرة. كل شيء لا يمكن أن يوحي بأي تجاذب بين الشخصيات إلا إذا ما تم تطويع الحكاية ما يفقدها الأجواء التي تنتمي إليها والعالم البائس الذي صاغ كلماتها ومشاهدها.
كان الفيلم يحتاج لتفعيل بعض المعطيات. ذلك الشرير الذي خطف واحدة من السجينات كان بوابة لإنقاذ العمل من سباته لكن تومي لي جونز يبقي المارد في القمقم ليعود إلى رتابة العمل ومرجعيّـته كفيلم عن الناس وليس عن الغرب. عند نهاية الفيلم تظهر ميريل ستريب في دور المرأة التي تستقبل المجنونات في مصحّـتها. جونز يمنحها إطاراً معتدلاً. هذه المرأة هي الوحيدة بين الممثلات اللواتي لديهن عقلاً راجحاً. لكن أجمل ما في الفيلم هو كيف آلت مسؤولية إيصال هؤلاء النساء إلى المصحّـة إلى جورج بريغز الذي كان متأففاً عن الإشتراك بها أساساً وما يفعله لأجل نجاحه في هذه الغاية. لذا فإن قيامه بحرق الفندق يحمل في الوقت ذاته عفوية التصرّف والرد على لا إنسانية القادرين على التضحية، وغرابة الفعل ضمن سياق الفيلم وتوقيت حدوث المشهد. 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أوديسا عراقية | The Judge | The Look of Silence | Shadow of the Vampire | Anna Karenina


العدد 203 | السنة 8 | رئيس التحرير: محمد رُضــا
  أفلام 2014 
*: رديء | **: وسط | ***: جيد | ****: ممتاز | *****: تحفة

 أفلام   2014         
أوديسا عراقية | وثائقي من المخرج العراقي سمير ينبش في تاريخه وتاريخ العراق الحديث 
نظرة الصمت (The Look of Silenc)  | تسجيلي حول المذابح الإندونيسية التي ما زال الغبار يطمرها لكي تُــنسى.
القاضي (The Judge) | روبرت داوني جونيور بلا رداء واق هذه المرّة في فيلم بلا هدف
 آنا كارنينا (Anna Karenina) | ميسر المسكي يكتب عن كلاسيكية حديثة من جو رايت
 ظل مصاص الدماء  (Shadow of the Vampire) | مهنـد النابلسي يعيد اكتشاف فيلم رعب مهجور.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أوديسا عراقية   
★★★✩✩
إخراج: سمير 
إنتاج:  عراق، سويسرا
النوع: وثائقي | تاريخ شخصي وسياسي [2014- 162 دقيقة]
مهرجانات: تورنتو، ريو دي جنيرو، أبوظبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجربة قاسية يرويها المخرج العراقي سمير
على جانبيها الشخصي والعام. يروي ويكثر
من الروي


يعجبك في هذا الفيلم ذلك البذل الكبير والدقيق الذي صرفه المخرج سمير لتحقيق هذا العمل، تأليفاً وتشكيلاً وكجمع للمعلومات ثم لتنفيذ هذا الكم الكبير من الساعات المصوّرة سواء أكانت مقابلات أو لقطات إضافية خاصّـة بالفيلم ثم مزجها (بتوليف جيّـد أشرفت عليه صوفي برونر) بالمواد الوثائقية المستخدمة بدقة لا يعيبها سوى عدم قدرته على التخلّـص من نصف ساعة أو نحوها رغم أنه الإمكانية متوفرة.
تسأل نفسك عن الغاية. ليس أنها ليست موجودة، وليس فيها ما يبررها، بل لما تحتويه من خضم كبير من المعلومات الشخصية والتاريخية العامّـة: هل أراد المخرج الحديث عن نفسه أساساً؟ الحديث عن تجربة أقاربه أساساً؟ أم الحديث عن تجربة العراقيين في أزمنة متداولة؟ أم كل ذلك معاً؟ 
بما أن كل هذه متوفّـرة فإنه من المفهوم والمقبول أن يتّـسع الفيلم لساعات من العرض تحتوي على مناهج مختلفة تدخل ضمن توثيق التجربة. فهو مقابلات، وهو شرائط وثائقية من مصادر أرشيفية، وهو تصوير حي لمشاهد مضافة. هو تسجيلي بمعنى أنه يسجل لمن يقابلهم مع قدر من إتاحة الفرصة للتعرّف على حياتهم الحاضرة، ولكنه وثائقي الهدف والتسديد، وفي ذلك هو مزيج من فيلم منزلي كبير وبيد محترف وكشف للمشاهدين عموماً عن حياة العراقي في مراحل القمع المتوالية التي عاشها (ولا يزال).
ينطلق سمير (أسمه الكامل سمير جمال الدين) من التعريف بأقاربه المنتشرين حول العالم: ستة أعمام، عشرون أولاد عم وخمسة أشقاء وهو يختص بمتابعة ما حدث لخمسة من أقاربه الذين تركوا العراق على مراحل وكل إلى بلاد مختلفة حول العالم. 
في كشفه لما حدث لأفراد العائلة وأقاربها يتابع المخرج بمقابلاته كل ما يجسد الحرمان والتشتت والإحباط الذي أصابه ومن يستطلعهم ويقابلهم أمام الكاميرا. وهو إذ يفعل ذلك يفتح دفاتر الجميع وتواريخهم الخاصّـة فإذا بالمشاهد أمام حشد من الشخصيات التي تعاطت والسياسة على نحو حثيث ما عرّضهم لنقمة المسؤولين في العراق و-أحياناً- خارجه. في غمار ذلك يكشف عن تجارب إنسانية متواصلة مؤلمة ولو أن المخرج لا يسعى، تحديداً، لمعالجة عاطفية.  يسبر المخرج غور التاريخ العراقي الحديث من أيام الإحتلال البريطاني إلى نهاية النظام البعثي. وفي حين أنه ينتقد غياب الحريّـة والنزعة للسُـلطة وغياب الديمقراطية في كل العهود إلا أنه يسدد لنظام صدّام حسين أكثر نقده وما يعرضه من أسباب (وصور) تستدعي الموافقة على ذلك النقد. 
تعليق المخرج واف وهاديء. إطارات لقطاته الثابتة محددة وهناك مسافة جيّـدة لكي تلتهم عين المشاهد حركة اليدين من دون أن تبتعد عن الوجه. 
في المقابل على المخرج الإعتراف بأنه أطول مما يجب بنحو ثلث ساعة على الأقل. في نصف الساعة الأخيرة، هناك انتقالات أمامية ثم عودة إلى مرحلة كان البحث تم فيها أو إلى شخصية أنهت ما قالته وها هو يطلبها أن تعيد. ماذا لو أنه ألغى معظم ما ورد في ثلث الساعة الأخيرة بعدما وصل إلى مرحلة حرب الخليج بما أنها قريبة يعرفها كل الناس؟ 
كذلك فإن الكلمات المكتوبة عربياً وإنكليزياً (ودائماً بطريقة الظهور نفسها) تتكرر وتظهر على نحو شبه متواصل إحتاج إليها المشاهد أو لم يحتج. بذلك التكرار تفقد قيمتها خلال دقائق محدودة. تظهر وتختفي من دون أن يكترث المرء لقراءتها بعد الدقائق العشر الأولى أو نحوها.


 نظرة الصمت   •  The Look of Silence    
★★✩✩✩

إخراج: جوشوا أوبنهايمر Joshua Oppenheimer 
إنتاج:  دنمارك، فنلاند، إندونيسيا
النوع:  تسجيلي | أحداث واقعة [2014- 99 دقيقة]
مهرجانات: ڤينسيا، توليورايد، تورنتو، زيورخ، أبوظبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعود جوشوا أوبنهايمر إلى إندونيسيا التي قدّم فيها
فيلمه التسجيلي السابق «فعل القتل»، لكنها عودة
ناقصة كما كان فيلمه الأول ناقصاً أيضاً.


على الرغم أن مقترعي الأوسكار من أعضاء أكاديمية العلوم والفنون لم يتوّجوا نجاحات المخرج أوبنهايمر فلم يمنحوا فيلمه «فعل القتل» The Act of Killing أوسكار أفضل فيلم تسجيلي، إلا أن ذلك الفيلم جال وصال وحظى بتقدير كاسح من آراء النقاد وبجوائز من مهرجانات عدّة. لابد، والحال هذه، أن يعود أوبنهايمر إلى الموضوع ذاته: الوضع الذي نشب عقب قيام العسكر بإنقلابهم الفاشي في إندونيسيا سنة 1965 وكيف فتحوا باب جهنّـم على المثقفين واليساريين والليبراليين المطالبين بالديمقراطية وأطلقوا عليهم أسم «شيوعيون». مليون قتيل، تقول بعض الإحصاءات ولا تختلف الأخرى كثيراً، سقطوا ضحية هذا الهجوم الكاسح على الحريّـات العامة بعدما قامت الحكومة العسكرية بتبني عصابات وتركتها تعمل على اعتقال العزّل المتهمين بأنهم شيوعيين والفتك بهم.
ألوان الفتك مختلفة عرّفنا عليها جوشوا أوبنهايمر في فيلمه السابق ويقدّم ألوانا أخرى منها هنا. هناك تقطيع الجثة وهي حيّـة، ذبحها من الوريد للوريد، قطع أعضائها التناسلية وفي بعض الحالات شرب دمائها. أشياء كهذه تذكّـرنا بجرائم الفاشية الدينية الحديثة، وتسبقها. لكنها على الشاشة تثير التقزز وهو ما يطلبه المخرج منها. 
الفيلم الجديد تكملة للموضوع، لكنه ليس تكملة للشخصيات. الفيلم السابق عمد إلى الطلب من سفاكي الدماء وزعماء بعض العصابات تمثيل جرائمهم ووظّـف ذلك من دون إكتراث للضحية. بعض النقاد، ومعهم حق، وصفوا الفيلم بأنه بدا كما لو كان اكتفاؤه بتصوير هؤلاء المجرمين موافقة ضمنية صامتة. فهو لم يشر في ذلك الفيلم إلى الضحايا كثيراً، بل ترك الجلادين يتحدّثون عن أعمالهم كما لو كانوا يتذكرون أحلى قصص الحب التي عاشوها.
هنا يلاحق الجانب الآخر، جانب الضحايا. لكن قبل الإنتقال وراءه لهذا الجانب، لابد من القول أن تقديم الضحية هنا لا يغفر له تجنّـب البحث عنها وتقديم معاناتها في الفيلم السابق. طالما أن أوبنهايمر يقول أن هذا الفيلم ليس تكملة للفيلم السابق وليس جزءاً ثانياً، فهو مسؤول عن غياب الموقف الصحيح في الفيلم السابق، ذاك الذي انتهى بأحد المجرمين وهو يبكي كما لو أنه فاق نادماً على جرائمه. تصوير الفيلم لذلك الموقف يعني قبوله هو مبدأ الغفران نيابة عن الضحايا وتعميم رسالة مفادها أن دموع الندم تستطيع أن تغسل الدم المراق.
هنا يوفّر الفرصة أمام رجل قتل السفّـاكون شقيقه وقطّـعوه في مكان بالقرب من النهر (الذي امتنع الناس عن الصيد فيه لكثرة الجثث التي رميت فيه والتي تناولتها الأسماك، كما يقول). في مثال هذا الرجل فإن المجرمين اللذين قاما بذبح شقيقه والتمثيل فيه ينتميان إلى واحدة من تلك العصابات التي تم إستئجارها. وهما يمثلان (من دون دموع في النهاية) الجريمة ويصلّـح كل للآخر إذا ما نسى ذلك الآخر تفصيلة.
هناك مواقف كثيرة يفضّـل فيها المعدِمون (هذين وآخرين) عدم الإجابة أو التذكير بأن موعد الزيارة انتهى، أو قيام الإبن بانتقاد صانعي الفيلم لإعادتهم الكشف عن ماض مطمور. وذلك الزنديق الذي اتهم شقيق المقتول ذبحاً بأنه شيوعي مثله. حجّـة الرجل الساعي لمقابلة قتلة أخيه وآخرين من لونهم تصبح ضعيفة عندما يطالبه البعض بأن يغفر وينسى وبذلك تصبح حجة الفيلم أيضاً.
أشك في أن المخرج يكترث لأحد الجانبين بقدر إكتراثه لاستثمار المسألة لنجاح مادي ونوعي. وفنياً، هناك مشهد واحد جدير بالذكر وهو لشاحنة تشق طريق ترابياً في عتمة الليل. باقي المشاهد هي استرسال صوري يتراوح بين تصوير المقابلة مباشرة وتصويرها مبثوثة على «المونيتور». العشق النقدي لهذا الفيلم مثل رغبة إقتناء ابتكار جديد (الهواتف الذكية)، قائم على التقليد والإكتفاء بما تم تقديمه لإظهار وحشية الإنسان ضد الإنسان (وكلاهما مسلم). لكن الفيلم أبعد ما يكون عن البحث في الفترة وظروفها وأبعد من ذلك عن نقد الفاشية والتطرّف والقمع أو فتح صفحات جديدة لمعرفة حقائق التاريخ على الأقل.



 القاضي   •  The Judge    
★★✩✩✩

إخراج: ديڤيد دوبكِـن    David Dobkin 
إنتاج:  الولايات المتحدة
النوع:  دراما محاكم | [2014- 142 دقيقة]
عروض: دولية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 القضية المرفوعة ليست إذا ما ارتكب الأب جناية القتل
عمداً، بل إذا ما انتحر روبرت داوني جونيور عندما اختار
أن يمثل دور الطاووس.  

حالة غريبة تنتاب فيلم «القاضي»، الفيلم الذي أراد المخرج ديڤيد دوبكن العبور به من نطاق الأفلام الكوميدية والخفيفة إلى نطاق الدراميات الإجتماعية: كلما أراد المخرج بث شيء كشعور سام ووجداني نبيل، كسره في النهاية بحركة لا معنى لها تقلل من وقع وقيمة المشهد أساساً. هذا يحدث في مشهدين على الأقل. الأول عندما يركب بطله (روبرت داوني جونيور) الدراجة الهوائية ويفتح ذراعيه مستقبلاً نسيم الطبيعة ليسقط عن الدراجة فجأة، والثاني عندما يدخل داوني على والده العجوز في الحمّـام ليساعده وقد سقط أرضاً ووسّـخ بدنه على نحو استدعى من الإبن غسله. هنا ينتهي هذا المشهد، الذي حاول أن يكون نوعاً من التصالح بين الإثنين، بإبنة داوني وهي تطرق الباب تريد الدخول فيتحوّل المشهد إلى كوميديا تطيح بما سبق.
لكن الحقيقة الأكبر هي أن الفيلم لا يعرف وجهة نظر محددة فيما يعرضه وكلما قدّم مشهداً من شأنه إلى يقود إلى مرحلة جديدة، انكفأ عنه ليعيد المسألة إلى نقطة البداية. هذا يتّـضح أكثر ما يتّـضح في المشاهد التي تجمع بين الأب القاضي وإبنه المحامي. بعد فتور في العلاقات وتجنّـب التواصل، يبتكر المخرج وكاتبيه نك شنيك وبيل دوبوك، مشهدا يقرّب بين هاتين الشخصيتين ويبث بعض الحرارة بينهما. ثم يعود فيقدم مشهد نزاع آخر ومشهد تقارب آخر وهكذا من دون أن يكون في الحكاية ما يستدعي الخلاف الذي يعود الفيلم إلى كل حين.  
«القاضي» فيلم هش في معظمه، والمخرج دوبكين لا يستطيع العمل من دون أن يميل إلى ما يناقض أفكاره الرئيسة حول ما يريد بالفعل معالجته في فيلمه هذا. لا أتحدّث عن أن داوني يظهر في المشاهد المتناوبة لحظة بشنب ولحظة بلا شنب (أليس هذا غريباً؟) ولا عن بداية عابثة له وهو يبول على مدع عام (بينما من المفترض به أن يكون أحد أفضل محامي نيويورك)، بل عن المعالجة ذاتها وسهولة تضييع الفرصة تلو الفرصة دالفاً من باب معالجة دراما عائلية إلى باب دراميات المحاكم ومنهما إلى مناطق طرية تلتقط من الكليشيهات المعتادة قدراً لا بأس به.
حكاية هانك بالمر (داوني جونيور) المحامي الذي لم يخسر قضيّـة بعد والمتزوّج من إمرأة إكتشف خيانتها. ذات يوم يستلم رسالة هاتفية بأن أمّـه ماتت. ينطلق إلى بلدة والدته الصغيرة في ولاية إنديانا ليحضر الجنازة. والده القاضي جوزف بالمر (روبرت دوفال) يزدرأ حضوره فالرجل لم يكترث لزيارة العائلة منذ سنوات بعيدة. وهناك ثلاثة مشاهد على الأقل يتداول فيها الإثنان نقد الواحد للآخر. الأب يتهم إبنه بأنه كان نبتة غير مسؤولة منذ شبابه وأنه إذ غادر البلدة قطع علاقته بالجميع والإبن يتهم أبيه بأنه كان السبب في هجرته فهو شعر دوماً بقسوته عليه. على ذلك يرد الأب بأن قسوته هي ما صنعت منه الرجل الماثل الآن.
سمعنا هذا الكلام في أفلام كثيرة (كثيرة جدّاً)  والفيلم، في محيط حكايته (القاضي سيصبح متهماً بقتل متعمّـد وإبنه المحامي سيدافع عنه) لا يأتي بجديد. لكن كان بإمكان هذا «اللا جديد» أن يثمر عن فيلم أفضل خصوصاً وأن المشاهد التي تقع في المحكمة مكتوبة جيّـداً ومنفّذة بدراية وحكمة. 
ما ينسف الجهد ليس فقط رغبة المخرج في عدم السعي لتقديم فيلم جاد على طول الخط، ولا التغلّـب على منوال سخيف أراد له أن يثمر عن ضحكات قليلة (أوساخ الحمّـام، التبويل على رجل آخر) بل عدم توظيف الممثلين في شخصيات جيّـدة التأليف.
داوني يمثل للكاميرا وليس للفيلم. تتابع حركات يديه وتوتر عينيه وتدرك أنه لا يجد في الشخصية ما يثير حماسه لأن يوغل فيها على النحو الصحيح. يبقى على السطح مدّعياً أنه في العمق. يمثل على نحو طاووسي «يفرش» ريشه لكي ينال الإعجاب. هذا أسوأ ظهور له في فيلم خارج شخصيّتيه في «شرلوك هولمز» و«آيرون مان» وبذكرهما هو استكمال لرداءتهما.
في المقابل، هناك مدرسة في أداء روبرت دوفال وبيلي بوب ثورنتون (دور مدعي عام آخر غير الأول الذي بوّل داوني عليه). حاول الإنتاج استثمار وجود داوني (وهذا مشروع) لكن داوني هو الذي لم يحاول استثمار فرصته في تقديم ما هو بعيد عن شخصياته الكرتونية في أفلامه المسلسلة. والمخرج أضعف من أن يفرض رأياً. لعله اعتقد أنه يستطيع أن يطفو على السطح في كل الأحوال.
التصوير من عند يانوش كامينسكي الذي يسيء إضاءة كل المشاهد الداخلية لكنه يصر على محاولة تنويع مصادر الضوء فيوزع أشعة الشمس من نوافذ متقابلة كما لو أن الشمس تشرق وتغرب في وقت واحد.
يلفت الإنتباه أيضاً إلى أنه لا وجود لأي شبه بين الأب وأولاده الثلاث، ولا بين أي من أولاده الثلاث أيضاً. أحياناً ما تختلف الملامح، لكنها لن تختلف في كل شيء. تبقى في حدود العينين أو الأنف أو لون البشرة، لكن ما لدينا هو روبرت دوفال وروبرت داوني (وجه كبير، وجه صغير) وشقيق داوني الأكبر (فنسنت د أونوفرو) الذي يبدو كما لو أنه قادم من جينيات أخرى، والإبن المتخلّـف عقلياً (جيريمي سترونغ) الذي- لجانب أن لا دور فعلياً له- داكن البشرة وكبير الأنف… لا عجب أن هذه الأسرة لا تلتقي في شيء.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ