Blade Runner 2049   

إخراج | Directed By
دنيس ڤيلينييڤ  |  Denis Villeneuve

خيال علمي  | ألوان: 164 د. 
الولايات المتحدة  | ألوان- 2017  
تمثيل:   رايان غوزلينغ، هاريسون فورد، روبن رايت، إدوارد جيمس أولموس، هيام عبّـاس
تصوير: روجر ديكنز | موسيقا: بنجامين وولفيش، هانز زيمر | توليف: جو ووكر
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ★★★★ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 فيلم مكمّـل لما سبق لا يقل إجادة عن الأصل


منذ سنوات طويلة اختفت، أو كادت، الأفلام التي تعد بمستقبل مشرق، باهر، قابل للحياة أو يمكن التطلع إليه بشوق. أفلام الخيال العلمي في غالبيتها توفر صورة قاتمة حول المستقبل على الأرض سواء قالت ذلك مباشرة أو اكتفت بتقديم حكاياتها التي تقع على بعد سنوات منظورة.
بذلك، تتحدث هذه الأفلام عن عالم مدمر، بيئة ملوّثة بالكامل، مجاعات، تقسيم بشري بين من يملك ومن لا يملك ومخاطر كثيرة أخرى مثل انتشار أوبئة تحوّل الناس إلى مصاصي دماء أو آكلي لحوم بشر.
Blade Runner 2049 هو أحد الأفلام الجديدة التي توفر هذه الرؤية بلا اعتذار. في 163 دقيقة داكنة ليس هناك من بارقة أمل بغد أفضل بقي بطلنا جو على قيد الحياة أو لم يبق. هو جزء ثان متأخر 35 سنة عن الجزء السابق الذي أخرجه ريدلي سكوت سنة 1982. آنذاك، تحدث الفيلم عن مستقبل داكن يحتوي على صياد بشر من أولئك المصنوعين في المختبرات الممنوحين كافة خصائص السلوكيات البشرية وملامحها العامة. الكلمة التي استخدمها فيلم Blade Runner الأول هي Replicants. أما «بْـلْايد رَنر» فهو صائد تلك المخلوقات عندما يقرر أمن مدينة لوس أنجيليس أن الوقت حان لاقتلاعهم.


أحداث الفيلم الأول تدور في العام 2019. آنذاك بدت المسافة الزمنية كبيرة بين تاريخ إنجاز الفيلم وبين موقع أحداثه الزمني. لكنها كانت أكبر في رواية المؤلف فيليب كنراد دِك إذ نشرها سنة 1968 ومات، عن 53 سنة في العام ذاته الذي شهد إنجاز الفيلم الأول. عنوان الرواية حمل تساؤلاً: "هل تحلم الأندرويدز بالماشية الكهربائية". القرار المبكر لريدلي سكوت هو استخدام اللقب الذي يحمله بطل الفيلم كرنين خاص لم يسبق لهواة السينما أن سمعوا به. «بلايد رنر» هو صائد الجوائز الذي يبحث عن البشر المصنّـعين والمستنسخين للقضاء عليهم. وحسب الرواية والفيلم على إثره، فإن هذا الصياد، وأسمه رك ديكارد، سيكتشف في نهاية المطاف أنه ليس بشراً بدوره.
ما فعله فيلم سكوت حينها هو أنه أبقى هذا الإكتشاف  هائماً كونه ورد كإتهام غير ثابت من قِـبل ضابط شرطة في المدينة.

عن سطح الواقع
الطقس في ذلك الفيلم لافت. هو جزء من موهبة مصممي الإنتاج والمناظر الذين ضمنوا لنا مشاهدة عالم موبوء. المطر الملوث ينهمر. الشمس لا تكاد تسطع حتى تحجبها غيوم غريبة ملبّدة والمدن داكنة ومكتـظة.


لكن هذا الفساد البيئي جاء مصحوباً بفساد سياسي حسب فلسفة الكاتب الذي وجد في جل رواياته الحيز المناسب للحديث عن تضارب المصالح الإنسانية العامة بتلك النخبوية وانحدار القيم المعمول بها.
«بلايد رَنر 2049» للكندي دنيس فيلينييف يحافظ على هذه المواصفات. يغير في بعض المظاهر لكنه يهضم الفكرة الأساسية جيداً. المطر لا ينهمر دوماً لكن لون السماء مثل لون الجثث. المدن ركم من المباني المهدومة. الحياة ذاتها هي نسخة رديئة جداً من تلك السابقة في فيلم سكوت. بالمقارنة، إذ عمد الفيلم السابق (تصوير جوردان كروننوذ) الى أحداث أقرب شأناً ليومنا هذا، سمح بالمدن أن تكون عامرة. في الجزء الجديد (تصوير اللامع روجر ديكينز مستخدماً أنواعاً متعددة من كاميرا الدجيتال Arri Alexa) المدن أقل عمراناً. على الأرض أقل زحاماً وإذ تطير المركبات فوق المدن نجد أن الطرق تحت تلك المركبات خالية من السيارات. لا شيء يذكر بقي على قيد الحياة سوى «بلايد رَنر» جديد. شرطة المدينة. مؤسسة تصنع البشر وبضعة «موديلات» بشرية وبعض مهمشي الحياة الذين باتوا أكثر تهمشاً مما كانوا عليه ذات يوم.


القصّـة المكتوبة هنا خصيصاً للسينما، تتعاطى حكاية صياد أسمه الأصلي جو والميكانيكي المستخدم في المهام المسنودة إليه هو  K. المهام لا تختلف عما كانت عليه في الفيلم السابق، لكن جو ليس مثل رك (الذي أداه في الفيلم السابق هاريسون فورد) من حيث أنه لا يتحرك بتفاعل مكثف مع مهمّـته. رك كان مثل التحري الخاص الذي ينطلق بكل مشاعره لتأدية عمله. رجل تخشاه في الوقت ذاته فإن هذا الرجل لديه ما يخاف منه في ذلك العالم المتلبد. لكن جو (كما يؤديه رايان غوزلينغ) هو أكثر انعزالاً. اللقاء بينهما يؤكد شخصيتيهما المختلفتين: رك ما زال رجل الواقع في حين أن جو هو الرجل الذي ترتفع قدماه عن سطح الواقع. شخص حائر تساعده نظراته الهائمة على تشخيص الحالة.
هناك مسافة بينه وبين ما يقوم به. فراغ لا يفهم سبب وجوده والأحداث الواردة ستملأ بعض هذا الفراغ، لكن بالحكم على المشهد الأخير حيث يهطل البَـرد فوقه وهو جالس على بعض عتبات مبنى مهجور، فإن الفراغ الناتج عن عدم الإيمان بالدور وبالذات باق. 
على النقيض من شخصية رك فإن جو كان يعتقد أنه مستنسخ قبل أن يكتشف العكس. لكن هذا أيضاً أمر معلق في الهواء كما لو أن جو هو نموذج للإنسان أو ما سيؤول إليه. فلسفياً، هو شخص حائر وبلا هوية وتكاد مسألة ما إذا كان إنساناً عضوياً أو مصنوعاً أقل أهمية مما يجب أن تكون.

مرئيات داكنة
اللقاء بين الممثلين رايان غوزلينغ وهاريسون فورد جيد وإن كان مستوى البحث الدائر خلاله لا يرتفع إلى ما يتوقعه المشاهد من حكاية تبدو بحاجة ملحة إلى «فوكاس». هذا الإفتقار إلى الوضوح ناتج عن أن الدوافع غير واضحة بدورها. في بعض الأحيان غير موجودة ما يبقي المضمون ضبابياً
بعد أكثر من ساعة من الفيلم تخرج علينا الممثلة هيام عباس فجأة. الممثلة الفلسطينية التي تعيش وتعمل في باريس على مدار الساعة هذه الأيام لا تبقى طويلاً. دورها محدود، لكنها تمثله بجدارة. هي رئيسة فريق من المصطنعين الذين قرروا الثورة وعلى جو أن يحدد موقفه. لكن غايته الأهم بالنسبة إليه البحث وايجاد رك نفسه لكي يطرح عليه بعض الأسئلة التي قد تزيده وضوحاً بعدما  وجد تاريخاً لميلاده قد تؤكد أن جو هو إنسان فعلي. 
المرأة هنا هي التي تمسك بزمام الأمور. بالإضافة إلى شخصية هيام عباس، فإن المسؤول الأول عن جو في قسم البوليس هو إمرأة. العدو الأول لجو الذي يطارده لقتله هو أيضاً إمرأة.
ما يعرضه فلنييف رائع كصورة. قبضته على الفيلم لغوياً من تصميم مناظر إلى مفردات العمل والإرتقاء بمستوى بصرياته رائع. لكن، وعلى امتداد مدة عرضه لنحو ثلاث ساعات (هناك نسخة أخرى من ساعتين)، فإن ما يحتويه من أحداث فعلية هو أقل مما يجب لفيلم لديه الكثير ليقوله.
المهمة المسنودة إلى المخرج فلنييف ليست سهلة: من ناحية لديه فيلم كلاسيكي قائم بحد ذاته ليس من السهل مقارعته لذا يتوجب الصعود إلى مستواه. من ناحية أخرى هو جزء تال (كان يمكن للقصة ذاتها أن تشكل نواة فيلم آخر منفصل) عليه أن يتصرف كعمل مستقل لجيل جديد من المشاهدين بعضهم لم يشاهد الجزء الأول أو يعي قيمته.
الموسيقا التي تصاحب هذه المرئيات الداكنة والملتقطة بدقة وموهبة مدير التصوير، كتب بعضها هانز زيمر (بعضها الآخر لبنجامين وولفيش) وما كتبه زيمر يشبه كثيراً ما كتبه لفيلم كريستوفر نولان الأخير «دنكرك». هناك تلك الموسيقا التي تتحوّل إلى همهمات صوتية. مؤثرات خلفية مسموعة. على تكرارها، تخدم ما يرد في هذا الفيلم جيداً. تناسب ذلك البحث الذي يتولاه جو طوال الفيلم حول نفسه وحول تاريخ حياته الذي لا يعرف عنه شيئاً.
بطبيعة الحال وتبعاً لأسلوب عمل واهتمام كل من المخرجين ريدلي سكوت ودنيس فلنييف، فإن الفيلمان لا يتشابهان الا في تلك المقومات المذكورة أعلاه. كلاهما عن صراع بين الإنسان والعلم. كل من الإنسانية والعلم على خطأ. كلا الفيلمين يتحدثان عن مستقبل داكن. لكن فيلم سكوت يحمل تشويقاً أعلى (وتمثيلاً أفضل)
Blade Runner 2049 هو إنجاز لمتعة النظر وأقل من ذلك لمتعة الدراما. خيالي علمي صارم في انتمائه يطرح عدة مسائل كان يمكن لكل منها أن يكون مادة فيلم منفصل. لكنها تجتمع هنا على نحو من يمعن في الشيء لاكتشاف دلالاته فيطيل النظر ولا يكتشف كثيراً. الحكاية التي تتحرك أمامنا واضحة بذاتها وكأحداث متوالية أكثر من المضامين والأفكار التي تنضح بها. 


_______________________________________________________
©
كل الحقوق محفوظة للمؤلف بحكم قانون الملكية البريطانية
2008-2017
All rights are reserved by Mohammed Rouda
_______________________________________________________



0 comments: