Year 8 • Issue 206 | قهوة لكل الأمم | قدرات غير عادية | The Hobbit: The Battle of the Five Armies | The Interview | Annie | Targets | Days of Heaven


أفلام العدد 
قدرات غير عادية | داوود عبد السيد ***
قهوة لكل الأمم ****
Annie | Will Gluk **
Days of Heaven | Terrence Malick  ****
Targets | Peter Bogdanovich ****
The Hobitt: The Battle of the Five Armies **
The Interview | Evan Goldberg, Seth Rogen *
 The Legend of Rita | Volker Schlondroff  *** 1/2
 Viktoria | Maya Vitcova   *** 


•  داوود عبد السيد 
  قدرات غير عادية   ★★★✩✩  
_______________________________________
إخراج: داوود عبد السيد.
أدوار أولى: خالد أبو النجا، نجلاء بدر، عبّـاس أبو الحسن، مريم تامر
مصر | دراما إجتماعية [2014]
الفيلم المنتظر لداوود عبد السيد ليس جديداً عليه لكنه لا يزال مثيراً للإهتمام رغم هناته | محمد رُضا


العرض العالمي الأول لفيلم المخرج المصري داوود عبدالسيد هو من بين الأفلام المنتظرة والمثيرة للنقاش. كان منتظراً لأن المخرج، وسط الظروف الحالية، مقل. وكان منتظراً بسبب أنه أحد الأسماء الكبيرة في السينما المصرية اليوم منذ أن كتب أخرج فيلمه الروائي الأول «البحث عن السيد مرزوق» سنة 1991
كما فيلم داوود عبد السيد الأول «البحث عن السيد مرزوق» سنة 1991،  الذي بحث فيه عن تناقضات الشخصيات من خلال موظّـف على قدر من السذاجة (كما لعبه نور الشريف). وكحال  أفلامه بعد ذلك (منها «أرض الأحلام» و«أرض الخوف» و«مواطن ومخبر وحرامي» و«رسائل البحر») التي دارت حول موضوع البحث ومن يقوم به ومن يلتقي به خلال بحثه، ينشط هذا الفيلم الجديد في المهمّـة ذاتها. 
البحث في «قدرات غير عادية» (مع خالد أبوالنجا ونجلاء بدر مع إشتراك محمود الجندي وحسن كامي وكريم المصري وعبّاس أبو الحسن) منصب على فكرة تناول موضوع أولئك المتميّـزين بقدرات غير عادية مثل توقع أن يحدث شيء فيحدث، أو مثل النظر إلى الشيء البعيد فيقترب أو تحريك الأشياء في الهواء وسواه. ينطلق من فكرة قيام الباحث (أبو النجا) بطرق باب لا يستطيع إستيعاب ما ورائه، ومن ثم دخوله عالماً يتحوّل فيه إلى مجرد أداة تحت مجهر غامض.
حتى البداية فيه رنّـة من بعض الأعمال الماضية. في الدقيقة الأولى يُـطلب من يحيى (أبوالنجا) أن يواصل العمل على بحث كتبه حول الأشخاص الذين يتمتعون بتلك القدرات الفائقة غير الطبيعية ما يذكّـرك بمطلع «مواطن ومخبر وحرامي» (الذي مثّـله أيضاً أبو النجا) عندما يُـمنح بطله وقتاً غير محدد للغياب عن العمل والنزول إلى الشارع  ليستكشف أمر الناس وينقل معلومات عنهم. الطلب هنا هو نوع من منحه تذكرة ليذوب ويغيب. لينتقل من الحضور إلى الإختفاء.
كذلك هناك عنصر المراقبة من بعيد. المختلف هو أن يحيى، في الفيلم الجديد، لا يذوب لحد أن أحداً لم يعد يسأل عنه، ولو أن ذلك يكاد أن يقع. أول ما يفعله بعد أن أخبره مديره أن عليه أن يأخذ إجازة «وما تورنيش خلقتك لشهر» هو النزوح إلى بنسيون يقع على مقربة من مدينة الإسكندرية حيث يستأجر غرفة فيه ليعيش (ونظرياً لكي يقرأ ويدرس).
هناك يكتشف أن صاحبة البانسيون (الجميلة والجيدة نجلاء بدر) وإبنتها فريدة (مريم تامر) تملكان قدرات غير عادية. الأولى، مثلاً، تستطيع أن تتنبأ بقدومه إلى الإسكندرية وملاقاته فيها حتى من دون موعد متّـفق عليه. الثانية تستطيع أن تحرّك الأشياء من مكانها. هذا ما يدخل صميم بحثه، لكن بحثه ليس علمياً. يترك يحيى نفسه ينساب إلى عالمهما من دون كوابح. يصبح جزءاً من حالة عامّـة ويكتشف أنه تحت المرصاد وأن هناك رجل أمن على قدر كبير من التأثير في مجريات الأمور أسمه عمر (عباس أبوالحسن) كان يموّل أبحاثه ويدير الجهاز الذي يريد التعرّف على من يمتلكون مثل تلك الطاقات العجيبة. وهذا يعترف لاحقاً أنه وكّـل إلى الطفلة فريدة مسألة مساعدته في التحقيق مع متّـهمين مختلفين في مسائل أمنية.
لكن يحيى الذي يبدأ بالتعرّف على تلك الطاقات في الآخرين، وبقرار غير حكيم من الكاتب- المخرج، يبدأ بالتساؤل عما إذا كان هو من يملك هذه القدرات وهو من سيّـر الأم وإبنتها منذ البداية. قرار غير حكيم لأن الفيلم يبدو، وبطله، تائهاً منذ البداية وما يفعله المخرج هو أن يزيده توهاناً عبر لا قدرة بطله على الوثوق من شيء، خصوصاً وأنه يعود فيؤمن بأن الأم وإبنتها مخلوقتان موهوبتان على النحو المذكور وليس هو. ثم يزيد هذا التوهان عندما يبدأ بالحديث عن إحتمال أن تكون الأم وليس الإبنة هي الأنثى ذات القدرات غير العادية، وهذا من بعد أن قاد الفيلم نفسه، وجمهوره، في فحوى مفاده أن الإبنة هي صاحبة هذه القدرات.
يلامس الفيلم هنا خطوط أفلام أخرى. يوحي بـ «غير قابل للكسر» و«الحاسة السادسة« للأميركي م. نايت شيامالان و«كاري» (في نسختيه السابقة سنة 1976 و2013) ولما تقوم عليه سلسلة «رجال إكس». ليس أننا نرى الطفلة تنظر إلى خالد أبوالنجا وتقول له «أرى أمواتاً»، لكن على نطاق الطرح المستمر لأسئلة موحية بالغرائبيات. لكن شيامالان أجاب على تلك الأسئلة في حين أن عبدالسيد يبقيها نصف مجابة ويترك أيضاً الثغور بينها. لا أقول أن المخرج نقل من هذه الأفلام (وهو أبعد بكثير من أن يصنع فيلماً لاهياً مثل أفلام «رجال إكس») بل هناك قدر من الأحداث التي تجعل المرء يتذكّـر منزعجاً.
النقطة السلبية الأخرى هي في أداء خالد أبوالنجا. ليس خطأه أن الدور صعب بل خطأه والمخرج في أنه يحافظ على مستوى واحد من التعبير حتى مع إختلاف الظروف وردّات الفعل ما يجعل الشخصية ذاتها أقل أهمية ولو أن ذلك قد يكون مقصوداً عبر تذويب البطل في حلقة مفرغة. من ناحية موازية، يحرص الفيلم على المحافظة على منوال معيّـن من السرد وإيقاع لا يمكن الهروب من استخدام كلمة «رتيب» في وصفه.
الكثير من الشجن وأكثر منها من الأفكار التي أحياناً ما تصعد إلى أعلى ما يمكن للفيلم بلوغه من إنجاز (الفصل الذي تدور فيه مشاهد نزول يحيى إلى الحفلات الدينية وحالة الغربة التي يعيشها روحياً ومدنياً). تصوّر فقط لو ترك هذه المشاهد من دون تعليق. لو ترك للكاميرا أن تعبّـر. وبل لو كان الفيلم بكامله من دون تعليقات. ساعة من يحيى وساعة من المرأة التي أحب لحين (الأم) كما لو أن المخرج لم يختر مرجعية الشخصية المراد لها أن تقود. 

______________________________________________________

•  فانتازيا بيتر جاكسون  

 ذ هوبيت: معركة الجيوش الخمسة |     The Hobbit: The Battle of the Five Armies ★★✩✩✩  
_______________________________________
إخراج: بيتر جاكسون    Peter Jackson 
أدوار أولى: رتشارد أرميتاج، مارتن فريمان، أورلاندو بلوم، لي بايس، آيدن تيرنر.
الولايات المتحدة | فانتازيا [2014]
يبرهن بيتر جاكسون عن أنه بالإمكان صنع فيلم ضخم من دون حرارة | محمد رُضا


القاريء محمد الجليطي من الرياض، المملكة العربية السعودية، كان أوّل من لفت نظري إلى أن عدد الجيوش التي في فيلم بيتر جاكسون الجديد هذا هي أربعة وليست خمسة. الفارق كان بضع ساعات قبل أن أتابع الفيلم وأحصي عدد الجيوش المتلاحمة: جيش الأقزام الذي يدافع عن جبل الذهب، جيش الفارس (لوك إيفانز) الذي يقود أهل البلدة للمطالبة بنصيب من ذلك الذهب، جيش قبيلة الملك ثراندويل (لي بايس) الذي يركب حيوان المها الكبير، وجيش الوحوش المسماة بـ «أوركس» تبعاً للكلمة التي تعني مخلوقات آدمية الشكل متوحشة الطباع قيل أنها عاشت في قرون مضت.
إذن هي أربعة وليست خمسة لكن القليل توقّـف عند هذه الناحية إلا إذا اعتبرنا أن الجيش الخامس لم يصل إلى المعركة في الوقت المناسب ولم يشترك فيها. «معركة الجيوش الخمسة» (حسب تعداد الفيلم) هو ثالث الثلاثية التي قدّمها المخرج بيتر جاكسون تحت عنوان «ذَ هوبيت» وذلك تبعاً لرواية المغامرات الفانتازية التي وضعها ر ر ج تولكاين. وهي رواية تقع أحداثها قبل روايته الضخمة المعروفة بـ «سيد الخواتم» Lord of Rings التي قام المخرج ذاته بنقلها في ثلاثية رائعة في مطلع العشرية الأولى من هذا القرن وحتى العام 2004
المشكلة الأخرى هنا هي أن المنطق يقول أن شخصية مثل شخصية غاندالف العجوز (يؤديها إيان ماكيلين) ومثل شخصية ليغولاس (أورلاندو بلوم) يجب أن تكون أكثر شباباً في ثلاثية «ذ هوبيت» منها في «سيد الخواتم» بما أن حكايات «ذ هوبيت» تأتي أولاً حسب الرواية. في سلسلة «ستار وورز» التي عرضت أحداثاً متوالية في الثلاثية الأولى ثم انتقلت إلى ما قبلها في ثلاثية ثانية، لم يكن ذلك الأمر مهمّـاً لأن المخرج- المنتج جورج لوكاس قام، ببساطة، بتغيير الممثلين. أما هنا فإن المقارنة تبدي أن غاندالف، مثلاً، هو أكثر شيخوخة في أحداث ما قبل «سيد الخواتم» مما كان عليه في تلك الثلاثية.
ناهيك عن كل هذا، يبدأ الفيلم جيّـداً. التنين الطائر الذي كان هدد أهل الجزيرة القريبة من جبل الذهب بالإبادة يحلّـق فوق الجزيرة ومدينتها (الوحيدة) ويغير عليها نافثاً ناره التي تحرق كل شيء. فوضى شديدة تجتاح أهالي الجزيرة المتراكضين في كل إتجاه ما يدفع ببارد (لوك إيفانز) بالتصدي للتنين بواسطة القوس والسهم ويصيبه إصابة قاتلة في آخر الدقائق الإثني عشر المخصصة لهذا الفصل. بعد ذلك ننتقل إلى فصل جديد يقوده ملك الأقزام ثورين (رتشارد أرميتاج) الذي بات الذهب ملكه فأثر على طباعه وشهامته التي كان عليها في الجزئين السابقين. الآن سوف لن يرغب بالوفاء بوعده ومنح أهل الجزيرة الذين وقفوا إلى جانبه بعض ذهبه وسيواجههم وجيش تراندويل (لي بايس) من داخل الجبل كما من خارجه. هذا قبل أن تتغيّـر القواعد ويسود القتال فإذا بالجميع ضد تلك المخلوقات التي تحارب الجميع أيضاً.
من الممكن القول أن الفيلم يحاول الجمع بين مشاهد القتال كعنصر إثاري ومشاهد من الدراما النفسية، لكن هذه الأخيرة تصبح مألوفة لا ينقذها أي تمثيل. والفيلم يفتقد الحرارة على كثرة ما لديه من معارك. كل شيء تحت رحمة المؤثرات وبالكاد لدى الممثل الواحد مدى من الإنخراط في الشخصية التي يؤديها على نحو جيّـد.

__________________________________________________            ____

•  فيلم الأزمة  

 المقابلة |     The Interview ✩✩✩✩  
_______________________________________
إخراج: إيڤان غولدبيرغ، سث روغن    Evan Goldberg, Seth Rogen 
أدوار أولى:  جيمس فرانكو، سث روغن، ليزي كابلان، راندال بارك، دايانا بانغ
الولايات المتحدة | كوميديا [2014]
عمل مفتعل كما الأزمة التي تسبب بها، وفوق ذلك هو أحد أردأ ما يمكن لهوليوود أن تطلقه من قذائف على أعدائها | محمد رُضا


«كيم جون حيوان»، يقول دايف سكالارك (جيمس فرانكو) مفتخراً. قبل ذلك، كان كيم جون-أون (راندال بارك) قد أخذه في عهدته. وثق به. جعله يطلق قذيفة من دبابة على مجموعة من الأشجار. عرّفه على دزينة من الفتيات الجميلات وامضيا سهرة من الشرب والجنس. حين وصفه بالحيوان، لم يعن شيئاً مقيتاً أو شاتماً، بل عني بأنه مجنون حفلات وسهر تماماً كما لو كان يصف أحد نجوم غناء الراب أو الروك.
«المقابلة» هو الفيلم الذي هز العلاقة غير الموجودة أساساً بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.   ذلك الذي اعتبرته كوريا الشمالية، منذ ربيع العام، بمثابة إعلان حرب، بينما كان لا يزال في التصوير. وهو الفيلم الذي زج- ولو جزئياً- باستديو سوني الضخم في أتون ساخن من العلاقات السياسية المتوترة بينه وبين البيت الأبيض وبينه وبين صالات السينما كما بينه وبين الرأي العام.
هل يستحق الفيلم كل ذلك؟
ولا بمعيار ملم واحد.
هل من حق الحكومة الكورية أن تعتبره عملاً مهيناً لها؟ بالطبع، لكن وجهة النظر هنا هي أنها تستحق ما يوجهه العالم إليها من عداء، لكن عبر فيلم جيد ومدروس ويتحدّث في الإنسان والسياسة منتقداً غياب الحرية والديمقراطية والعدالة أو، على الأقل، يطرح هذا الغياب في نص جاد وجيّـد. أمر أصعب بكثير من تحقيق هذا الفيلم الذي يقتات على مواقف هشّـة سطحية وسخيفة منذ مطلعه وحتى نهايته.
إنهما آرون رابابورت (سث روغن) ودايف سكالارك (فرانكو). الأول منتج تلفزيوني لبرنامج مقابلات يقدّمه، بنجاح الثاني. منذ بداية الفيلم، الذي قام روغن وإيفان غولدبيرغ بإخراجه، هناك نزعة صوب التحقير. يصوّب في مطلع الفيلم ماسورة بندقيّـته للمثليين ثم لمن يعتبرهم معادين للمثليين لكن حين يضغط على الزناد يتفوّه بشتائم متتالية من تلك التي تكتب على جدران المراحيض. تستدير الماسورة بعد قليل صوب المرأة التي هي أنثى للجنس في البداية ثم مديرة أعمال سيئة الطباع فيما بعد.
المرأة هنا هي لاسي (ليزي كابلان) التي تطلب من دايف وآرون، بعدما تلقيا دعوة لإجراء مقابلة مع كيم جون-أون، تسميمه وذلك عبر سم زعاف يلصق باليد وعند المصافحة ينتقل السم في إتجاه اليد الأخرى.
حين وصولهما إلى مطار العاصمة الكورية تستقبلهما سوك (ديانا بانغ) وتنقلهما إلى القصر الذي يشبه القلعة حيث يعيش رئيس البلاد. وهذا يظهر بعد حين لكي يقابل دايف فهو من عشاق برنامجه. هنا يرتفع الهذر والهزل. الرئيس الكوري يبدو شابّـاً رياضياً لطيفاً وعلى قدر من الخناثة ما يثير إعجاب دايف كونه شخصية ساذجة بالفطرة. سريعاً ما يعتبر أن ما يُـقال في حق كيم جونغ- أون هو دعاية غربية، وأن الرجل مغبون و«حيوان» بالمعنى الإيجابي للكلمة.
هذه القناعة تستمر إلى أن يحضر إجتماعاً حكومياً يرأسه كيم جونغ-أون (عليك أن تصدّق أن كيم جونغ-أون من الغباء بحيث يترك لأميركي حضور مجلس حرب). في ذلك الإجتماع يتوعّـد الرئيس الكوري العالم بأسره بشن حرب تدميرية. هذه الكلمات والإنفعال الغاضب يقلب إعجاب دايف إلى مخاوف. هنا فقط يدرك أن الرجل مجنون وخطر وأن عليه وآرون تنفيذ المهمّـة التي جاءا لأجلها.
كلمة «السوريالية» أنعم وأعمق من أن تصف ما يحدث بعد ذلك. المقابلة التي في العنوان تقع بالفعل. دايف و«الرفيق» كيم يجلسان للمقابلة التي يبدأها دايف بأسئلة يبتسم لها الرئيس كيم لأنها تناسبه، لكن دايف ينقلب لاحقاً إلى ما خطط له ويسأله "كيف تكون قائداً وتترك شعبك جائعاً؟». كيم ليس لديه إجابات مقنعة. المقابلة تتم على الهواء حول العالم وها هو كيم يبكي أمام المذيع الأميركي ثم يوسخ سروالهعلى الهواء
في هذا الوقت يقف آرون في غرفة الأستديو مع الكورية سوك التي باتت من صفّـه يدير العملية الفنية. يشعر المخرج الكوري بأن هناك مؤامرة ويهجم على آرون ويعض أصبعا في يده ويقطعه. آرون يعض أصبع المخرج ويقطعها. وبهذا المستوى يستمر الفيلم وينتهي بقيام كيم بقصف المروحية التي استقلها كيم ونسفه من الوجود. لم يعد هناك كيم جونغ-أون. لقد حرر دايف وآرون كوريا الشمالية من دكتاتورها وخلّـصا العالم من شرّه.
طبعاً لا أحد في الفيلم أو حوله يطلب من المشاهد تصديق كل هذه الخزعبلات لكن ما هكذا تُـربح الحروب لا ثقافياً ولا فنياً ولا حتى ترفيهياً.
«المقابلة»، يقول الناقد تود ماكارثي في «ذَ هوليوود ريبورتر» يوم أول من أمس "فيلم له حاشية كوميدية رديئة مماثلة لـ «إسكتش» من برنامج «سترداي نايت لايف" (برنامج ساخر يبث كل ليل سبت)
جو مورغنتسن يختم مقالته في «وول ستريت جورنال» بالقول:  "في عالم هذا الفيلم ليس هناك نقاش، لكن مشاهدة «المقابلة» هو عذاب من بدايته حتى نهايته".
كلاهما على حق، لكن الأكثر من ذلك هو أنه حتى عندما يصوّر الدكتاتور كحاكم ظالم لشعبه وعسكري خطر يؤمن بأفكار لم يعد لها مجال في الحياة الحاضرة، يأتي بالمقابل الغربي فإذا به شتائم وألفاظ وأفعال جنسية شائنة وإيحاءات مثلية ومخدرات. هذا التقابل ليس مقصوداً نقد الذات والآخر معاً، بل كسياق يحتفي بنوعية الحياة الغربية كما لو أن التغيير صوب الأفضل لا يعني سوى تطبيق هذا المستوى الدوني من الأخلاقيات.
ما أن يكشف «المقابلة» عن مستواه (لمن لم يشاهد بعد فيلماً من تحقيق إيفان غولدبيرغ على الأقل) حتى يتبدّى للمشاهد بأن هذا الفيلم ليس ما كان يجب أن يراه. رديء في كل خاناته بلا توقف. ضحل في نقده وسخيف في منواله ومهين ليس للشرير الكوري إذ يتحوّل إلى صورة كاريكاتورية لا يمكن تصديقها، بل لصانعيه. 


__________________________________________________            ____

•  ميوزيكال   
آني |     Annie  ★★✩✩✩  
_______________________________________

إخراج: ول غلوك    Will Gluck 
أدوار أولى: كوڤنزاني ووليس، كاميرون داياز، جايمي فوكس
الولايات المتحدة | موسيقي [2014]
«آني» الجديد ليس له مكان في سينما الغد ما يجعل نسخة جون هيوستون في الثمانينات تحفة، بالمقارنة | محمد رُضا


عندما قام المخرج الراحل جون هيوستون بتحقيق نسخة سينمائية من «آني» سنة 1982 شد نقاد أميركا رحالهم (نقاد العرب لم يشاهدوه وإن شاهدوه لم يكتبوا عنه) وهاجموا الفيلم بنعوت غريبة. هؤلاء اليوم يكتبون أن لا مقارنة بين تلك النسخة ونسخة اليوم الجديدة من الفيلم كما حققها واحد جديد أسمه أعلاه.
في الأساس، «آني» هو رسم كرتوني (كوميكس) من العشرينات حول الفتاة التي تعيش في ميتم بإسم آني تحت وطأة مشرفة قاسية القلب. وعن ذلك الثري الكبير دادي وورباكس الذي يقرر أن يأخذها تحت جناحه ويتبناها لعفويتها وصدقها وجمال روحها. عظيم؟
يعتمد الجواب على منهجك السياسي: وورباكس (Warbucks والإسم من War أي حرب وBucks الكلمة الشعبية للدولارات) ثري رأسمالي بنى ثروته في الوقت الذي كانت أميركا تمر بأقسى ظرف إقتصادي حيث انتشرت البطالة والفقر في شتّـى الربوع. آني هي التي تحاول معالجته إنسانياً وعلى قدر من النجاح. 
«آني»، نسخة هيوستون، وفّـرت هذا الوضع من منطلق أن الفقراء والأثرياء عليهم بناء الوطن، وليس الأثرياء فقط أو الفقراء وحدهم. 
«آني» اليوم لا يعرف عما يتحدّث فيه. مشغول جدّاً بتصوير الكلب الظريف الذي تأخذه آني في كل مكان. سياسياً مثل صفحة بيضاء لا تعبّـر عن شيء. يريد أن يطعم كل الشخصيات آيس كريم حتى المشرفة الأنانية هانيغن (كاميرون داياز) التي تفهم من اللقطة الأولى عنها أمرين: لا تمثّـل بل تتدحرج، وستؤدي دور الشريرة إلى حين يُضاء لها الضوء الأخضر فتنقلب إلى نعامة. في الفيلم السابق، كان ذلك متوفّـراً لكن إلى حد لا يزعج الصرح ذاته. النص مشدود وشخصية هانيغن لديها الكثير مما تعكسه كشريرة ولمعظم الفيلم. هنا المسألة شخصية وعلى داياز أن تولد من جديد حسب الدارج بين الممثلين المعروفين الذين يقومون بتمثيل الأدوار الشريرة ويصرون على أن يمنحون الفرصة لتعديل الوضع قبل نهاية الفيلم.
نتعرّف على آني وأصدقائها من الأولاد المعوزين في بيت للرعاية الذي تديره هانيغن المتصابية الباحثة عن شريك حياة قبل الذبول، والتي ربما لديها قلب أبيض كل ما يحتاجه هو بعض الغسيل لكي ينبض من جديد. في إحدى المرّات تنطلق آني في شارع نيويورك وراء كلبها (ربما أراد الهروب فعلاً من الفيلم) لتصطدم بوورباكس الجديد (جايمي فوكس). وبعد ذلك اللقاء آخر على مقربة يكون بداية قيام رجل الأعمال المشغول على هاتفه النقال بجلب آني والأولاد إلى منزله العامر ليعيشوا ويلعبوا وليكملوا الحكاية التي في الفيلم. هانيغن تحاول، مرّة تلو المرّة، الإستفادة من هذه الفرصة لكنها تفشل تماماً كما يفشل الفيلم تماماً في إحداث أي شعور مع أو ضد أي من الشخصيات.
الطفلة كوڤنزاني ووليس هي على بعض الإستثناء. لطيفة وذكية لدرجة أنها تعرف كيف تفوز بالقلوب كلها. هي أيضاً سمراء  بينما آني في الأصل بيضاء. مهما يكن من أسباب لقيام الإنتاج باختيارها أفرو-أميركية فإن النتيجة لم تتجاوب والغاية. وورباكس هو أيضاً أفرو-أميركي يؤديه جايمي فوكس كما لو كان يطلب رقماً هاتفياً. لا عمق في الشخصية ولا عمق في التمثيل. بذلك الفيلم يتيح لنفسه دخول سوق الأسود والأسود في العلاقات الإجتماعية (عوض الأبيض والأبيض سابقاً). وفي حين أن هذا أمر لا غبار عليه أساساً إلا أن لا شيء ينتج عنه على الإطلاق. لو كانت هي سوداء وهو أبيض أو العكس لحفر الفيلم بعض المعاني المثيرة للإهتمام في زمن اليوم. لكن  المخرج ووليس يكتفي بوضع آني في عالم اليوم، الذي وحسب نتائج الفيلم التجارية، لديه شؤون أهم من أن يصرف وقته على حكاية لم تعد تعني له شيئاً.
يبدأ الفيلم واعداً إلى حد. تكاد تلهيك تلك الحركات السريعة للكاميرا عن ملاحظة الهوة الفاصلة بين الواقع المفترض وبين الرغبة في وضع الشخصيات والأحداث والزمن المعاصر بأسره في إناء من عسل. بذلك لا يوجد لأي أزمة فعلية أو حقيقية سوى تلك التي تتبادلها الكلمات من حين لآخر. الصراعات بدورها مرسومة برقّـة والأداء متّـكل على حوار التلكسات التي اشتهرت الأعمال الرديئة به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ٌYear 8 • Issue 205 | Film Reviews: Fury | The Lesson | Exit


العدد 205 | السنة 8 | رئيس التحرير: محمد رُضــا
  أفلام 2014 
*: رديء | **: وسط | ***: جيد | ****: ممتاز | *****: تحفة

 فيوري | Fury    
★★★★
إخراج: رتشارد آير  Richard Ayer
أدوار أولى:  براد بت، لوغان لرمان، شايا لابوف، مايكل بينا، جون برنثول.
النوع: حربي | الحرب العالمية الثانية
الولايات المتحدة [2014- 162 دقيقة]

   ينتقل أبطال "فيوري" من معركة حربية إلى
أخرى في الوقت الذي يؤسس فيه لشخصيات
جيّـدة في نوع يختلف عن السائد | محمد رُضا

هناك، قبل نحو نصف ساعة من نهاية الفيلم، مشهد يعبّـر عن كل ما جسّـده الفيلم من رسالة: أربع دبابات أميركية تتقدّم على الطريق داخل الخطوط الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تدور أحداث «فيوري».  فجأة تُـصاب إحداها بقذيفة تطيح بها. الدبابات الثلاث الباقية تشكل، تحت إدارة السيرجنت "ووردادي" (براد بت) صفّـا واحداً وتتقدّم صوب مصدر النار الذي هو دبّـابة ألمانية معادية تقف وحدها لتردع هذا التقدّم. الدبابات تتواجه والقذائف تنطلق من وإلى كل دبابة. الدبابة الألمانية تكسب الجولة أولا بتدميرها دبابتين أخريين من تلك الأميركية، هذا قبل أن يتمكّـن منها ووردادي وفريقه. 
في هذه المنازلة (التي تشبه منازلة أفلام الوسترن كمبدأ) يضعنا المخرج ديفيد آير أمام شتّى الإحتمالات. من يعيش ومن يموت هو واحد منها، لكن الأهم منها جميعاً ذلك المفاد بأن الدبابة التي يُـخشى أمرها والتي تعد من أساسيات الحرب البرية، قد تتحوّل سريعاً إلى فرن ملتهب يحرق من فيه. إلى تابوت صالح للإستخدام وسريع الإصابة. وهناك مشاهد سابقة لمعارك مماثلة، وإن كان بجغرافية وتصميم مختلفين، نجد ذلك مطبّـقاً. ها هو أحد الجنود الألمان يخرج من الدبابة مشتعلاً قبل أن يموت بإطلاق النار عليه. وجندي أميركي يشتعل فيطلق النار على نفسه. وفي المعركة المذكورة أساساً تصيب القذيفة قائد إحدى الدبابات فتقطع رأسه.
إنها الحرب وفيها هنا كل ما تحتويه من وحشية وعنف. المخرج الذي كان بدأ السينما بكتابة سيناريو فيلم عن حرب الغواصات بعنوان U-571 الذي أخرجه الجيد جوناثان ماستو سنة 2000، ينبري في فيلمه الرابع كمخرج (وأفضلها) إلى تصويرها كما هي ما يجعل كل الأفلام الحربية التي تم إطلاقها في فترة ما بعد «سفر الرؤيا الآن» لفرنسيس فورد كوبولا (1979) و«الخيط الأحمر النحيف» لترنس مالك (1998) و«إنقاذ المجنّـد رايان» لستيفن سبيلبرغ (1998) مجرد نزهات ترفيهية. 
براد بت هنا جندي محنّـك يقود فريقاً من العسكريين الذين أمضوا الوقت في الحرب بإستثناء فرخ جديد تم إرساله إلى الجبهة الألمانية سنة 1945، أي قبل أشهر قليلة من نهاية الحرب. إنه نورمان (لوغان لرمان) الذي يرفض إطاعة الأوامر وقتل الأعداء إذا ما استسلموا، لكنه بعد أن أجبره ووردادي على ذلك عمد إلى الزناد مدافعاً عن نفسه وباقي رفاقه حتى المشهد الأخير. طاقم الدبابة (خمسة) متباينون بطبيعة الحال، ولدى الكاتب والمخرج آير الوقت لكي يسهب في مشاهد توضح إختلافاتهم، من بينها نحو ثلث ساعة من أحداث تقع في بيت فيه إمرأتين ألمانيّـتين. على بعض الضعف في المدلول الذي يصر المخرج استحواذه كونه مفهوماً منذ البداية، إلا أن ينأى عن نفسه بعيداً عن المعارك. صحيح أن طاقم الدبابة بعيدون، ولحين عن القتال ضد العدو، لكنهم في قتال داخلي. 
التمثيل من قبل الجميع جيّـد وإن يتفاوت بعد ذلك المستوى. براد أبرزهم مكانة وإثارة للإهتمام كممثل وشاي لابوف أقلّـهم خصوصاً عندما ينبري لتقليد لكنة جنوب أميركية. والفيلم لا يجعل من الألمان أعداءاً فقط، بل ضحايا أيضاً. في الساعة الأولى من هذا الفيلم تكاد تشعر بأن «فيوري» يتحدّث عن الأميركيين كجناة.

الراغبون من المعلّـقـين الغربيين وصفوا المشهد الذي يتبادل فيه براد بت وشاي لابوف النظر طويلاً، بينما يعالج الثاني جرح الأول، بأنه عاطفي. دليل مثلية بين الإثنين. وذهب البعض للقول أن الفيلم يحتوي على الكثير منها (!!). هذا ما يتمنّـاه البعض للفيلم، لكن الواقع هو أن المشهد آت في سياق طبيعي. الإثنان يعرفان أن النهاية صارت قريبة والموت محتّـم وهذا هو السبب في تبادل النظرات. إذا لم يكن هذا هو السبب، بل كان في عاطفة مثلية جانحة، فإن المشهد ضعيف كون لا شيء تم بنائه سابقاً ليخدم هذا الموقف.
المشهد الأهم هو ما يقتطعه الفيلم من الحرب ويدور في داخل شقّـة فتاتين ألمانيّـتين حال دخول القوات الأميركية قريتهما. ووردادي ونورمان يداهمان الشقة. ووردادي يسمح لنورمان بمضاجعة إحدى الفتاتين التي كانت توددت له (في هذا التودد منحة مجانية للفيلم) ثم يدخل باقي الطاقم والجميع جائع، لكن ووردادي يضع حدّاً ويمنع عن الفتاتين أي أذى.
المراد هنا تصوير علاقات وتضارب شؤون واهتمامات. المنفّـذ كان يمكن أن يكون أفضل. إختيارات الكاتب-المخرج من التصرّفات التي كان عليها توفير هذا التصوير ليست دقيقة أو واقعية بل فرضية واستنتاجية.
عدا عن هذا الضعف الفيلم جيّـد جدّاً في منواله كفيلم يعود بنا إلى معارك الحرب العالمية الثانية في وقت تتجنّـب فيه هوليوود تنفيذ هذا النوع من الأفلام.



 من مهرجان "بوشان" (كوريا الجنوبية
 مَخرج |  Exit 
إخراج: شيين هسيانغ  Chienn Hsiang
النوع: دراما إجتماعية/ عاطفية 
تايلاند [2014- 94 دقيقة]    
★★★1/2
نقد: محمد رُضــا 

إستلهم المخرج الفكرة من تمعّنه في وجه
إمرأة في منتصف العمر ركبت الحافلة التي
كان يركبها. فكّر: "لابد أنها كانت جميلة قبل
20 سنة"٠ فاز الفيلم بجائزة مهرجان بوشان
الأولى. 

في المشهد الأول من الفيلم تحاول الفتاة المراهقة فتح باب الشقة لكي تخرج منها لكن شيئاً يمنع الباب من أن يُـفتـح. تأتي أمها لتساعدها ثم
تذهب إلى الهاتف لكي تطلب النجدة. قبل أن تفعل، تنجح الفتاة في فتح الباب وتخرج. تعالج الأم السبب وتجرّب الباب بلا مشكلة.
عند النهاية، والأم وحيدة، تحاول أن تفتح الباب ذاته، فإذا به يتعطّـل من جديد. تدفعه بكتفها. تخبط عليه. تعاود الدفع. ترفسه. لكن لا شيء يحدث وتبدأ بالبكاء. هذا قبل أن تمنحه كل قوّتها فيستجيب بعدما انهكها.
الغاية رمزية تلتقي وحياة هذه الأم التي تمر أمامنا ما بين بداية الفيلم ونهايته. فهذه  تعيش بلا زوج كونه نزح إلى شنغهاي للعمل (أحدهم يقول لها: "لم تعد الحياة كما كانت. كلهم يهاجرون إلى الصين. صارت أساساً". وهي تعمل خيّـاطة في مشغل. والدتها مريضة في المستشفي، وإبنتها متبرّمة منها وحين خرجت في مطلع الفيلم لم تعد. شاهدتها أمها ذات مرّة تغازل شابّـاً في مطعم لكنها لا ترد على إتصالاتها الهاتفية. الحياة تبدو داكنة أمام عيني تلك الأم حتى من قبل أن تفقد عملها. لكن ما يمنعها من السقوط إنها تبدأ بالإهتمام بمريض سريره مقابل سرير والدتها. مريض لا يرى بسبب حروق تعرّض لها. تمنحه وقتاً موازياً للوقت الذي تصرفه على أمها وتعتني به بعد خروج الممرضة من الغرفة. تداويه بما تعرفه وهي بذلك الفعل تسترجع الزوايا المنسية في داخلها. تبتسم. تتجمّـل. تجد عملاً في مدرسة تعلّـم الرقص. فقط لو أن إبنتها ترد على مكالماتها.
في النهاية كل شيء سينهار لأن ما تعيشه هو مجرد حلم عابر. المريض سيسترجع صحّـته وبصره وسوف يرى أنها كبيرة السن. لا تريد ذلك. تعود ذات ليلة إلى البيت ثم تحاول الخروج لترمي الزبالة ويقع ما يقع في المشهد النهائي.
دراما حسّـاسة وجيّـدة التأليف لولا أن المشهد النهائي يبقى مقحماً. بدأ المخرج شيين هسيانغ بمشهد الباب الموصد لكي ينهي الباب وقد أوصد مرّة أخرى. لكن في المشهد الأول لا رمز هناك. لا يستطيع أن يكون رمزياً لأن الفيلم بدأ للتو ولا زال بلا دراما. في الأخير هو رمزي ويلتقي مع عنوان الفيلم، لكنه لقاء هش. المرأة (تمثيـل جيّـد استحقّـت عليه تشن شيانغ-شيي جائزة أفضل ممثلة من المهرجان ذاته) وجدت "المخرج" وفقدته، لذا دفعها للباب لكي تخرج من شقّـتها لا يعدو أكثر من حالة فيزيائية/ بدنية. لأنه لو لم تجد المخرج (بإستعادتها الأمل والتغيير الإيجابي الذي شعرت به بعد طول هوان) لحمل فتح الباب عنوة المعنى الرمزي الذي يبشّـر بما هو آت. أما وقد فقدت ذلك "المخرج" النفسي والعاطفي، فإن الباب العنيد لا يشكّـل أكثر من إضافة على وضع إذا ما أُخـذ رمزياً. كان أفضل، والفيلم ينتهي حزيناً على أي حال، لو لم تتمكن المرأة من فتح الباب كما لو أن العالم كله أوصد عليها.
قبل ذلك، يسير الفيلم بثقة في مزج الدراما الشخصية بالمعالجة الفنية. الكاميرا، محمولة لكنها ليست متحركة إلا فيما ندر، أدارها المخرج نفسه الآتي من خلفية طويلة كمدير تصوير. إضاءاته وتأطيره وبعد الكاميرا عن الموضوع المصوّر المتفاوت من لقطة لأخرى، كله جيّـد. التعبير عن حالة إمرأة أفنت عمرها حبّـاً بالغير (الزوج الغائب، الإبنة المتمرّدة، الأم المريضة) ولم تحصد شيئاً رائع. نجد أنه حتى اهتمامها بالشاب الصامت والموجوع هو آيل أيضاً إلى الغياب، وهذا ما تختاره في النهاية. لا تستطيع أن تحضر وهو واع. 
ومع أن الفيلم يبقى في إطار درامي ذاتي، إلا أنه إجتماعي عام بنفس القوّة. هذه المرأة الوحيدة تتكل على عملها الذي تخسره. وهي متوسّـطة العمر. هذان الشأنان منتشران تماماً في أي موقع مع العالم. داخل الفيلم هما تعبير عن حالة واسعة سنّـاً وكقطاع إقتصادي (طبقة) لذلك فإن المكتسب من صعود الآمال والآلام وهبوطها له تردداته في المجتمع الذي تقع فيه الأحداث (وخارجه). هذا مع العلم أن الممثلة ليست محترفة. إختارها المخرج من صفوف الدراسة (بروفسيرة في الكليّـة) بالتالي هي ميسورة لكنه أرسلها إلى مشغل للخياطة لكي تتعلّـم وصرف الكثير من الوقت عليها لكي تتلاءم والطبقة الدون. 




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Interstellar | The Homesman | Decor | Al Jazeera 2| Ouija | Big Hero 6 | Dumb and Dumber To | 25th Hour | Attack|Investigation about a Citizen Above All Suspicion | Silkwood


العدد 204 | السنة 8 | رئيس التحرير: محمد رُضــا
  أفلام 2014 
*: رديء | **: وسط | ***: جيد | ****: ممتاز | *****: تحفة

 أفلام   2014         
Interstellar *****
The Homesman ***
  ديكور  **
الجزيرة**
Big Hero 6 ***
Ouija **
Dumb and Dumber To
 أفلام الأمس            
25th Hour | سبايك لي  ****
Attack  | روبرت ألدريتش ****
Investigation about a Citizen Above All Suspicion | بييترو جرمي  ****
Silkwood | مايك نيكولز ****

بين النجوم | Interstellar    
★★★★★
إخراج: كريستوفر نولان Christopher Nolan

النوع: وثائقي | تاريخ شخصي وسياسي 
الولايات المتحدة [2014- 162 دقيقة]
ملحمة فضائية على نسق «أوديسا الفضاء»
و«سولاريس». تأخذ من الأول الإنجاز التقني
ومن الثاني الفحوى الإنساني | محمد رُضا

ينطلق «بين النجوم» على الأرض. الرحلة ذاتها إلى الأجواء الفضائية لا تبدأ سريعاً، بل تتهادى لما بعد أكثر من ثلث ساعة على بداية الفيلم. المخرج كريستوفر نولان ليس مستعجلاً للإبهار ولرحلة الغد وتلوين الشاشة بظلام المحيط الفضائي. لديه ما يؤسسه قبل ذلك على الأرض.
خلال هذه الفترة التمهيدية يقدّم سيلاً من المشاهد الريفية. إنه ليس الريف الجميل الذي نطالعه في أفلام أخرى (ترنس مالك أو سواه)، بل ريف يحتضر. الأسرة التي يلجأ إليها السيناريو (كتبه المخرج وشقيقه جوناثان) مكّـونة من الجد (جون ليثغو) والأب كوبر (ماثيو ماكونوهي) والولدين توم (تيموثي شالامت) والأصغر سنّـاً مورف (من مورفي، ماكنزي فوي). لكن البيئة حاضرة. منذ البداية ندرك أن العالم الذي نعيش فيه هو مستقبل وككل مستقبل ترسمه السينما الحالية لا يبشر بالخير. 
هنا  الأوكسجين انفخض وما عادت الحياة سهلة. بإنخفاضه وارتفاع نسبة النيتروجين، يقول الفيلم، يعاني الناس، كما المحصولات الغذائية، من خطر اضمحلال شروط الحياة في أميركا و(تبعاً) العالم.  ما عاد ينفع زراعة أي شيء بإستثناء الذرة وحتى هذه لن تعيش طويلاً. النهاية مخيفة، لكن كوبر ربما ما زال لديه أمل ما. هنا في هذه الفترة من الفيلم يبني نولان أرضيّـته ليس للحكاية وحدها، بل للعلاقات الإنسانية الحميمة بين أفراد الأسرة الواحدة. 
وهذه الحالة الإنسانية المتجددة لا تنضوي بمجرد إنتقال كوبر (الذي كان ملاحاً سابقاً) إلى الفضاء، بل ترتكز عليها وتتوسع: كوبر الآن بمعية أميليا (آن هاذاواي) العالمة الفضائية إبنة العالم المسن براند (مايكل كاين) الذي بعث بملاحيه هذين، وبإثنين آخرين، إلى الفضاء البعيد لإكتشاف كوكب آخر يمكن أن يكون صالحاً لحياة الإنسان على الأرض.
براند يريد الخير، لكنه يخدع كوبر وإبنته عندما يخبرهما قناعته بأن رحلتهما (مع ملاحين آخرين) ستتوّج بالنجاح في هدفها لإيجاد كوكب آخر صالح للحياة. الرحلة خطرة وهي تحط على أكثر من كوكب وفوق كل كوكب شروط حياة مختلفة. هناك، مثلاً، تلك البحيرة الهادئة والجميلة لكن فجأة هناك أمواج بإرتفاع جبال تتقدّم إليها. تتقدّم إلينا. تجتاح المكان (والشاشة)  وتقتل أحد الملاحين قبل أن تهرب المركبة بجلدها. 
لاحقاً ندرك  أن مخاطر الفضاء، والتي يعود إليها الفيلم في ساعته الأخيرة، ليست وحدها التي يعايشها كوبر: لقد مرّت سنوات كونية على رحلته خلالها كبرت إبنته وأصبحت جسيكا شستين وكبر إبنه وأصبح سايسي أفلك، لكنه ما زال هو، وتبعاً لفارق الحياة والزمان بين الأرض والفضاء صغيراً كما بدأ، وبل إذا ما عاد إلى الأرض (وأنا لن أقول هنا إذا كان سيعود أم لا) سيكون شابّـاً وإبنته عجوزاً (إيلين بيرستين).
المخرج نولان يأخذ من فيلم ستانلي كوبريك الإبهار التقني في «2001: أوديسا الفضاء» ويستوحي الهم الإنساني من فيلم أندريه تاركوفسكي في «سولاريس» ويعالجهما مضاعفين. لا تعرف ما تتوقع على أي صعيد ولا يشتتك الفيلم بين المغامرة الخيالية العلمية وبين البوح الإنساني الرائع الذي يربط بين شخصيات الأرض وشخصيات الفضاء. يتوه قليلاً قبل ربع ساعة من نهايته، لكنه يعود إلى خطّـه المستقيم سريعاً من بعد، لكن توهانه ذاك ليس نتيجة ضعف أو ركاكة، بل مجرد مد خط إضافي كان يمكن تجاوزه (المشهد الذي يرى فيه كوبر إبنته من وراء عالم مواز بخمسة أبعاد)
العائلة أساسية بالنسبة لأبطال نولان. كل آلام بطله باتمان في السلسلة الشهيرة ناتجة عن فقدانه حنان الأب. في «تمهيد» يتطلع بطله ليوناردو دي كابريو للعودة إلى عائلته. هنا يريد ماثيو ماكونوهي العودة إلى إبنته التي تتهمه بأنه تخلى عنها وعن أهل الأرض عندما قبل بمهمّـة قد لا يعود منها. في الفضاء الخارجي، هناك ما يتبلور بينه وبين شريكته في الرحلة، لكنك لا تستطيع أن تقول أنها قصّـة حب ولو أنها قد تنتهي كذلك.
عالم نولان الحالي، متّـسع. شاسع وبعيد. ذلك الفضاء الكبير الذي يضع فيه الجزء الأكبر من حكايته مجهول عنيد. لا يربط المخرج الخلق بالخالق. لا يتطرّق إلى الأديان، بل على العكس هناك خيط من الإلحاد تلقيه الحكاية أمامها تاركة حرية الإختيار للمشاهد. يمتد مكوّناً من فهم علمي  للممكن وغير الممكن. أو ربما هو مجرد ضياع في فهم الخلق ولماذا هو ما هو عليه.
الأرض في المقابل (أو ما نراه منها في سهوب محدودة) تبدو محروقة (حتى من قبل مشهد الحريق الذي يلتهم محصول الذرة في نهايات الفيلم). مكان لم يعد يصلح للخيال، فكيف يصلح للبشر؟

 رجل البيوت   •  The Homesman    
★★★✩✩

إخراج: تومي لي جونز    Tommy Lee Jones
النوع:  وسترن 
تمثيل: تومي ملي جونز، هيلاري سوانك، جون ليثغو
الولايات المتحدة [2014- 99 دقيقة]
رجل وإمرأة غريبـا الأطـوار في
البرية مع ثلاث نساء مجنونات:
وسترن مختلف | محمد رُضا



«رجل البيوت» هو وسترن جديد الإنتاج قديم الشكل والنبرة، من ممثل-مخرج يريد أن يعكس انتماءاً لعالم مضى لكنه لا يرغب في تمجيده في الوقت ذاته.
إنها نبراسكا منتصف القرن التاسع عشر. هناك، حسب رواية لغليندون سوورتآوت، رجل منفرد في حياته أسمه جورج بريغز (تومي لي جونز) يرضى القيام، لقاء أجر، بمساعدة إمرأة أسمها ماري بي (هيلاري سوانك) على نقل ثلاث نساء مجنونات من البلدة الواقعة قرب نهر ميسوري إلى بلدة إسمها هبرون في ولاية إيوا حيث سيتم إيواء النساء في المصحّـة. 
إنها رحلة طويلة (ويشعر المشاهد بطولها أحياناً) على الرجل فيها أن يشارك الأخريات متاعب ومصاعب المهمّـة. هناك هنود (قلّـة) وهناك بيض أشرار وستؤول المواجهات إلى القتل. وعندما يجد جورج أن العدالة لن تتم من دون ثمن يحرق فندقاً ضن عليه وصحبه ببعض الطعام. لكن الفيلم أبعد ما يكون عن فيلم مغامرات، أو قصّـة تتيح للمشاركين فيها القيام بأفعال بطولية. ليس عملاً يشاهده المرء لأنه مليء بالحركة والتشويق أو لأن ممثليه من النوع الذي لا يمكن مقاومة حضورهم على الشاشة. أكثر من ذلك، هو فيلم وسترن لكن لا يبدو بالضرورة فيلم وسترن.
تومي لي جونز، في أحاديثه القليلة، قال بأن هذا الفيلم ليس فيلم وسترن، لكنه لا يعلم- بالتالي- كيف يصنّـفه.  إنه ثاني فيلم له خارج التصنيف بعد «ثلاث مدافن لملكيديس إسترادا» سنة 2005 ومثل ذلك الفيلم يتّـسم الفيلم بملامح داكنة حتى في ربوع البرية المشمسة والمفتوحة. مثله أيضاً، يؤدي جونز دور البطولة ولا يبتسم، وحين يفعل فهي إبتسامة ناشفة تخلو من السعادة. مثل سحابة رقيقة لا تكفي لحجب شمس محرقة.
ما يسجّـل للفيلم هو ما استلهمه من الرواية: علاقة ذلك الرجل الغريب بإمرأة توازيه وحدة عاشت حياتها من دون زواج كما فعل هو. كلاهما لا يدري أين ستذهب الحياة به لكن ذلك لا يجعلهما متحابين ولا يولج العمل في خطوط وخيوط رومانسية. النساء اللواتي تسحبهن العربة. سجن على دواليب تجرها البغال في أراض وعرة وخطرة. كل شيء لا يمكن أن يوحي بأي تجاذب بين الشخصيات إلا إذا ما تم تطويع الحكاية ما يفقدها الأجواء التي تنتمي إليها والعالم البائس الذي صاغ كلماتها ومشاهدها.
كان الفيلم يحتاج لتفعيل بعض المعطيات. ذلك الشرير الذي خطف واحدة من السجينات كان بوابة لإنقاذ العمل من سباته لكن تومي لي جونز يبقي المارد في القمقم ليعود إلى رتابة العمل ومرجعيّـته كفيلم عن الناس وليس عن الغرب. عند نهاية الفيلم تظهر ميريل ستريب في دور المرأة التي تستقبل المجنونات في مصحّـتها. جونز يمنحها إطاراً معتدلاً. هذه المرأة هي الوحيدة بين الممثلات اللواتي لديهن عقلاً راجحاً. لكن أجمل ما في الفيلم هو كيف آلت مسؤولية إيصال هؤلاء النساء إلى المصحّـة إلى جورج بريغز الذي كان متأففاً عن الإشتراك بها أساساً وما يفعله لأجل نجاحه في هذه الغاية. لذا فإن قيامه بحرق الفندق يحمل في الوقت ذاته عفوية التصرّف والرد على لا إنسانية القادرين على التضحية، وغرابة الفعل ضمن سياق الفيلم وتوقيت حدوث المشهد. 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ