In The Land of Blood and Honey

Year 6. Issue 122 | Films reviewed till now: 324 | Films reviewed this year: 40
IN FOCUS

ميشيل فايفر تعود بعد غياب ملحوظ إلى الشاشة لتشارك جوني دَب، إيفا غرين، هيلينا بونهام كارتر وآخرين فيلم تيم بيرتون الجديد    Dark Shadows  




بين الأفلام
 جوني ونادين

|*|   التعاون الثامن بين المخرج تيم بيرتون والممثل جوني دَب عنوانه Dark Shadows وهو يُباشر عروضه هذا الأسبوع في معظم العواصم العالمية، وقليل منها (مثل طوكيو واسطمبول وساو باولو) ستطلقه في الثاني والعشرين من الشهر المقبل. دبي والكويت ولبنان والأردن والبحرين والقاهرة ستعرضه على التوالي ما بين الحادي عشر من هذا الشهر والتاسع عشر منه. والتوقّعات كبيرة لا يزعجها سوى الإقبال الضخم الذي يحصده «المنتقمون» حالياً والمنتظر له أن يستمر لبضعة أسابيع. هل سيستطيع «ظلال داكنة» أن يُـزيح خمسة أبطال بمزايا خارقة عن القمّـة او سيقع في الخط الثاني متأثّـراً بكونه فيلم البطل الواحد؟ جوني دَب إسم كبير لكن لولا أنه أغرق نفسه في بحار أفلام القراصنة لما عزّز مكانته الجماهيرية. حين انتقل في العام الماضي عائداً  إلى دور ذا قيمة (بطلاً لفيلم The Rum Diary) تفرّق جمع المشاهدين من حوله وسقط الفيلم بلا غبار. وهذا ليس وضعه وحده: روبرت داوني جونيور بحاجة لسلسلتي «آيرون مان» و«شرلوك هولمز» ليزاول سيادته على السوق التجارية. ضعه في فيلم جاد وسينحسر الإقبال عليه على نحو ملحوظ.

|*|   لكن «ظلال داكنة» جيّد بحد ذاته كونه يُـعيد لُحمة التعاون بين المخرج وبطله المفضّـل إلى ما كانت عليه أيام «إدوارد سيزرهاندز» و«إد وود». في كل من هذين المثلين السابقين لعب جوني شخصية غريبة (الأولى خيالية والثانية حقيقية) لا تنتمي إلى المقبول والسائد لكي يرصد المخرج عبرها مواقف الآخرين حياله. وهذا ما يفعله هنا: جوني دب هو مصّاص دماء مُعمّـر (من قرنين من الزمن) يعود إلى عائلته الأخيرة (تقع الأحداث في مطلع السبعينات) ليجدها تعاني أنواعاً مختلفة من الأزمات ما ينتج عنه المواقف الكوميدية المرصودة بينه وبين باقي الشخصيات ومن بينها ميشيل فايفر وجوني لي ميلر وكليو مورتز وإيفا غرين.

|*|   هذا الأسبوع هو أيضاً الحدث الكبير لشخصية ذات حضور ملموس في حاضرنا السينمائي هي المخرجة اللبنانية نادين لبكي. فيلمها الروائي الطويل الثاني من تحقيقها «وهلأ لوين؟» ينطلق في عروض تجارية أميركية للمرّة الأولى (كان شهد عرضاً محدوداً كشرط لدخوله سباق الأوسكار) توفّره شركة التوزيع صوني كلاسيكس التي ضمنت عروضه داخل الولايات المتحدة والتي كانت ابتاعت حقوق توزيعه في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي حين شهد الفيلم عروضه في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي. في ذلك المهرجان، وقفت المخرجة وفريق عملها أمام الصالة الكبيرة التي امتلأت عن آخرها في كل عرض من عروض الفيلم و، حسب تصريح لها، دمعت عيناها وهي تستقبل تصفيق الجمهور لدقائق كثيرة. بعد ذلك فوجئت بفوز الفيلم بجائزة الجمهور الذي صوّت لأفضل فيلم من بين تلك التي عرضها المهرجان لهم. إنها جائزة تورنتو الوحيدة وكون المهرجان يعرض ما لا يقل عن 350 فيلم في كل دورة يجعل المرء يتوقّف طويلاً عند هذا الحدث سعيداً ومباركاً.

|*|  من ناحية أخرى، كان الفيلم شهد عروضاً ناجحة في العديد من العواصم الأوروبية والعربية وبنجاحات متفاوتة. فهو أنجز إيرادات مرتفعة في بيروت وباريس ومتوسّطة في لندن ومدريد ثم منخفضة في دبي والقاهرة. لكنه رغم ذلك التفاوت يبقى أنجح فيلم عربي خرج للعروض التجارية حول العالم منذ عروضه العالمية الأولى التي انطلقت في مهرجان "كان" السينمائي في العام الماضي. في بعض تصريحاتها الأخيرة لمواقع أجنبية تعترف المخرجة حالياً بأن الفيلم "يحمل أخطاءاً وكان يمكن له أن يكون أفضل" وهذا ما قلناه قبل عام فاعتبر كلامنا قاس بحق الفيلم ومخرجته.
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد 
In the Land of Blood & Honey ***1/2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أرض الدم والعسل | إنجلينا جولي
دراما إجتماعية [حرب البوسنا] | الولايات المتحدة - 2011
إخراج:  Angelina Jolie
أدوار أولى: Zana Marjanovic, Rade Serbedzija, Goran Kostic, Nikola Djuricko
سيناريو: Angelina Jolie
منتجون: Angelina Jolie, Graham King, Tim Moore
تصوير (ألوان) : Dean Simler 
توليف (127 د): Patricia Rommel
تصميم مناظر: Jon Hurtman
موسيقا: Gabriel Yared
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيلم أنجلينا جولي الممتاز يقرأ الحقائق ولا يغض النظر عنها حين الحديث عن محنة نساء البوسنيا اللواتي اغتصبن إيصالاً لرسالة سياسية تخلو من أي قيمة إنسانية | محمد رُضـا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موسيقا. تناغم. رقص. ألفة. ركون القلب إلى كتف الحبيب ثم…. تلخيص انتهاء كل ذلك وبداية مرحلة جديدة من الحرب بدل الحب متمثّلة بانفجار مفاجيء. بذلك تنتقل المخرج جولي من فترة زمنية إلى أخرى حيث يقضي الفيلم معظم فترة أحداثه فيها ليسرد حكاية مأسوية في صلبها حول علاقة عاطفية اخترقت تلك الحرب وإن لم تثمر عما كان يمكن لها أن تثمر عنه فيما لو لم يقع ذلك الإنفجار.
أليا (زانا ماريانوفيتش) ستُساق، كما سواها من البوسنيات المسلمات، إلى سجن كبير حيث سيتم الإعتداء جنسياً ونفسياً وثقافياً على المسلمات من قِـبل القوّات الصربية. قد تسأل نفسك "كيف يمارس الرجل بشاعة في مثل هذا الحجم ولا يتأثّر"، فإن تساءلت، فإنك على طريق تعاطفي صحيح يمتد لما بعض إظهار التعاطف إلى البحث في اسئلة جوهرية يريدك الفيلم أن تطرحها على نفسك (وبالتأكيد يريد لمجرمي الحرب الذين مارسوا هذه الجرائم) طرحها على أنفسهم. لا تدع مشهداً (يبدو عابراً) لنساء بوسنيات في حديقة السجن (الذي ربما كان قاعة مكتبة او مستشفى وتحوّل إلى معسكر اعتقال) وإحداهن مستلقاة على الأرض وهي حبلى. لقد ذكرت المخرجة بأن ما نقلته هو جزء يسير من الوحشية التي مارسها الصرب، وأفضل ما أنجزته (في فيلمها الروائي الأول كمخرجة- وثاني أفلامها كمخرجة بعد فيلم وثائقي حققته سنة 2007 هو "مكان في الزمن" A Place in Time) جولي هو أنها توقّفت عند حدود يمكن استكشاف ما هو أكثر مما تعرضه ولم تحاول استدرار تعاطف مجّاني كما تفعل- عادة- الكثير من الأفلام التي تتحدّث عما سببته الحرب على فئة من الناس بحكم أنها كانت الأقل قدرة على الدفاع عن نفسها
أنجلينا جولي مع مدير تصويرها دين سملر

أليا تُقاد كسواها إلى ذلك المعسكر ولا ينقذها من نزق الجنود ورغبتهم في نيلها سوى الضابط دانيال (غوران كوستيش) نفسه الذي كانت التقت به قبل بدء الحرب وراقصته. هو إبن كابتن جيش أسمه نيبوسيا (راد صربدزيا) يعتبر إبنه ضعيفاً وهزيل الشأن إذ تربطه علاقة بتلك الفتاة المسلمة. آيلا المسلمة هي فنانة أيضاً وترسم والأب يدخل حجرتها الواسعة   ويطلب منها أن ترسمه. قبل أن تنتهي من رسمها، وبعد أن حدّثها نيبويسا عن سبب كرهه للمسلمين ينهض من مكانه منصرفاً. إهانة تتبعها واحدة أكبر: يبعث بأحد رجال إبنه ليغتصبها. 
لا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك قصّة جيّدة في معمعة الحرب. لا مواعظ ولا خطابات ولا تنديدات، بل انصراف لترك الصورة تتحدّث عن الحب الذي اندثر والعلاقات بين الشخصيات الرئيسية المتوّجة بالرغبة في فعل وممارسة آخر فدانيال يدرك حقيقة الدور الذي عليه القيام به، لكنه يخفق فيه. حين يرصد بوسنياً بمنظار بندقيّته لا يطلق النار عليه. وإنقاذه أيلا من الإعتداء ليس لغاية جنسية، كما سمحه لها بالهرب لم يكن للتخلّص منها، بل لمساعدتها على الخلاص. حين تعود إليه تفعل ذلك كجزء من خطّـة لقتله توافق عليها بسبب تمادي القوّات الصربية في قتل وتهجير المسلمين من بلدتها وتعرّض شقيقتها إلى هذا المنوال.
الأب (صربيدجيا) وإبنه (غوران)

في مطلع الفيلم، إثر مشهد الإنفجار، يتم عرض المختطفات المسلمات في صف واحد، ثم يختار أحد الجنود إحداهن ويغتصبها أمام الأخريات. ليس فقط إيصالاً لرسالة واضحة بأنهن لا يساوين شيئاً وأنهن جميعاً عرضة لمثل هذا الإعتداء، وليس فقط تصغيراً لشأنهن إجتماعياً وثقافياً ودينياً، بل تعبيراً أيضاً عن استخدام الإغتصاب كعنصر في الحرب. هكذا يفعل المتحاربون في كل أفريقيا اليوم. هكذا يفعلون في أماكن أخرى. بل هكذا فعل بعض العرب (من أتباع نظام او آخر) بنساء تم إلقاء القبض عليهن خلال مظاهرات. وبرجال تم اغتصابهن لتصغيرهن لما بعد المحتمل تاركين علامات نفسية ستعذب المتعرّض، رجلاً او إمرأة، إلى الأبد لو خرج حيّـاً. 
زانا ماريانوفيتش
موقف المخرجة من دانيال موقف ذكي وغير مُداهن. لا يهمّـها هنا الحديث عن "شاندلر" آخر عرضه سبيلبرغ بكل سذاجة ممكنة، بل تجد دانيال شخصاً كان يستطيع أن يفعل أكثر مما فعل لو كان إنساناً جيّداً. نسمعه دائماً يتحجج بأن "الحرب هكذا"، وهو كان يستطيع أن يفعل أكثر مما فعله لها او لسواها. لكنه لم يفعل. كان بين مطرقة أبيه والتقاليد والحقد الطائفي والعنصري والرغبة في تدمير الآخر تبعاً لأجندة سياسية وبين سندان مكوّنات إنسانية محدودة تبدو كما لو أنها طفيليات على الجدار، وهو كان أقرب إلى المطرقة من السندان.
جولي في إخراجها الفعلي الأول تعرف ما تريد وتحقق معظمه. تخونها القدرة على الإبتعاد عن حوار مباشر لكنها صادقة في نواياها ما يجعل تلك المباشرة في بعض المشاهد أمراً لا يُعال عليه كثيراً. ولديها، إلى ذلك، حس جيّد. تستطيع أن تخلق فيلماً متشابكاً يؤازر فيه الوضع الخاص الرسالة العامّة، والعكس صحيح. الفيلم متكامل فنيّاً. أكثر بكثير من مجرّد عمل مُوظّـف لخدمة إعلامية. فيه نـبل القضية من ناحية والقدرة البصرية على احتوائها وتوفير عمل ابتعدت السينما السربية نفسها عن إنجاز مداه الإتهامي ربما من باب تجنّـب نقد الآخرين لها بأنها تعزز نار الفتنة من جديد. 
في نهاية الفيلم تتعثّر الخطوات. مشهداً واحداً إضافياً قبل ذلك المشهد الذي يستسلم فيه دانيال لقوّات الأمم المتحدة كان يمكن أن يمنح الخاتمة التبرير الذي كانت تبحث عنه.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved ©  Mohammed Rouda 2008- 2012


Year 6- Issue 830 | The Avengers | The Raven | DVD | مأساة الفيلم القصير



سنوات ضوئية |                                محمد رُضــا

الحياة القصيرة للفيلم القصير!

من "الأركان": أحد الأفلام القصيرة في مهرجان الخليج

العدد الأوفر من الأفلام الخليجية التي عُرضت في مهرجان الخليج الخامس من العاشر وحتى السادس عشر من الشهر الماضي، كانت قصيرة.
لا شيء خطأ في ذلك سوى أن معظم المخرجين سيتوقّفون هنا. لا شيء بعد ذلك يستطيعون فعله وآمال العديد منهم بالإنتقال من الفيلم القصير إلى الفيلم الطويل سوف تنتهي عند حاجز لا يمكن المرور منه او العبور لما بعده.
إذ تابعت العروض السينمائية لمخرجين خليجيين من شتّـى الإتجاهات والمشارب والأساليب، لاحظت   أن السينمائيين يضعون الكثير من الثقة في المهرجان ولو أن بعضهم لا يرى المستقبل من المنظور المتفائل ذاته. صحيح أن السينما الخليجية وسينما المنطقة بكاملها تشهد أعداداً متزايدة من الأعمال السينمائية، الا أن الصحيح أيضاً أن معيقات العمل لا زالت بدورها كبيرة. هذا يفسّر عملياً السبب الذي من أجله نرى معظم الذين باشروا تحقيق أفلامهم في السنوات السابقة لا زالوا في إطار الفيلم القصير وحده، ولم يتخطوا بعد هذه المرحلة إلى ما يمثل طموح العمل على فيلم روائي.
الأسباب تتنوّع لكن التمويل لا يزال العائق الأول بينها. هذا المال الذي لا يأتي بسهولة هو حجرة العثر التي يصطدم بها الجميع. بعضهم يختار أن يواصل العمل في نطاق السينما القصيرة لأن مواصلة العمل في هذا المجال أفضل من اللا-عمل على الإطلاق. والبعض يتوقّف إن لم يكن بعد فيلمين او ثلاثة، فبعد خمسة أو أقل. 
صعوبة إيجاد المال اللازم لمشروع طموح يعود إلى أن المموّل المطلوب، مهما كانت صنعته الأولى،  عادة ما هو مستثمر يريد، على الأقل، إسترجاع كل ما دفعه في سبيل إنتاجه للفيلم الذي اختاره. نعم، قد يكون معجباً بأعمال المخرج السابقة، مؤيداً لخطواته ومحبّـاً للعمل السينمائي بحد ذاته، لكن أبسط ألفباءات الإستثمار هو أن يعوّض المستثمر تكاليفه على الأقل. والوضع النموذجي هو أن يحقق منه أرباحاً.
الوضع الحالي للسينما الخليجية لا يحقق ذلك. فيلم «ظل البحر» للإماراتي  نواف الجناحي، ربما كان استثنائياً من حيث أنه عُـرض في أكثر من صالة في أكثر من عاصمة خليجية، لكنه فيلم من تمويل مؤسسة رسمية تقبل على نفسها تحمّـل الخسارة، إذا ما حدثت، كونها في مرحلة بناء. لكن المنتج التابع لشركة صغيرة، او شركة تجارية من أي حجم، يريد ضمانات لا يستطيع المخرج توفيرها. 
المشكلة تكمن في قنوات توفير العائدات شبه معدومة. المحطّـات التلفزيونية لا زالت غارقة في عرض أفلام محض ترفيهية من خارج الدول الخليجية عوض أن تهتم بسينما المنطقة مؤدية دورها الوطني في هذا الإتجاه.
المشكلة هي أنه ليست هناك خطّة ولا منهج لتحريك الوضع القائم في هذا المجال ورفع مستواه ما يُساعد على توسيع رقعة الإنتاج وتشجيع عملية صنع الفيلم الروائي الطويل وبالتالي صناعة السينما نفسها. ليس أن هناك عيب في مبدأ الأفلام القصيرة، لكن الأفلام القصيرة وحدها لا تحقق صناعة ولا توفّر للمستقبل وضعاً إقتصادياً متيناً. كذلك فإن الفيلم القصير يواجه نفس المعضلات، فعدد الأفلام القصيرة التي تعرضها المحطات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة طوال العام.
المهرجانات تفعل فعلها في سبيل إنجاح الوضع السينمائي، لكنها لا تستطيع أن تفعل كل شيء. 
الوضع المثالي لكل هذا هو أن يجد التمويل حلاً لأزمة العروض وذلك لن يتم من دون وثوب التلفزيون إلى الميدان إما بالإسهام في الإنتاج ما يجعله قادراً على توفير العروض، او- على الأقل- الإكتفاء بشراء تلك الأفلام لعرضها.
لكن التلفزيون وحده ليس أيضاً كل الحل. 
المشكلة ذاتها متأتّـية من موزّعي الأفلام في الصالات. كلنا نعلم أن ولاء هؤلاء هو لصندوق التذاكر، وأنهم ليسوا جمعية خيرية، لكننا في الوقت ذاته، وبمنطقية ووعي، نعلم أيضاً أنهم مشاركون أساسيون في صياغة المجتمع الذين يعيشون فيه وعليهم تأسيس الثقافة السينمائية والإسهام في ترويج صناعتها المحلّـية وهذا هو واجب وطني أوّل. وكل ذلك لا يتطلّب سوى القبول بتخصيص أسابيع محددة كل سنة لعرض نتاج خليجي ما.


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين الأفلام
كل شيء "أفنجرز"

|*|  كل شيء "أفنجرز" هذا الأسبوع. إنه في كل مكان فيه صالة عرض. من موسكو لريو دي جنيرو، ومن كايب تاون إلى هلسنكي، دبي، نيودلهي وما بعد. الإفتتاح، حسب تقديرات خبراء مجلة «ذ هوليوود ريبورتر»، أنجز في أيامه الست الأولى في أوروبا وآسيا ما يزيد عن 200 مليون دولار ومن المرجّح أن ينجز مع نهاية هذا الويك إند 350 إلى 400 مليون. هذا وعروضه الأميركية لم تبدأ بعد، إذ من المقرر لها أن تنطلق اليوم.

|*| هذا النوع من الأخبار تتمنّـاه كل شركة أفلام، منتجة كانت او موزّعة ولا تمانع في وقوعه كل أسبوع إذا ما استطاعت. لكنه أمر لا يتحقق طوال العام لأن عدد الأفلام التي من هذا الحجم وفي الوقت ذاته تتمتّـع بجمهور مخزّن يعرف مسبقاً شخصيات الفيلم ومستعد لمشاهدتها ببعدين او ثلاثة (او حتى أربعة إذا ما تتطلّب الأمر) يبقى أقل من عدد الأفلام الأكثر تواضعاً.  هذا الفيلم الذي آنتجته "مارڤل" مالكة الحقوق والتي جاءت بشخصيّـاتها من عالم مجلات الرسوم الشعبية (الكوميكس) قبل بضع سنوات لتنقل الصور الثابتة إلى أخرى متحرّكة، وساهمت في تمويله شركة ديزني موقّعة فاتورة كلفة بلغت 220 مليون دولار، ينضم إلى أفلام الشركة السابقة التي أنجزت نجاحات موازية عبر شخصياتها "السوبر هيرو"،  مثل Thor الذي حقق 449.3 مليون دولار حول العالم، و«أيرون مان» الذي جمع جزأه الأول 585 مليوناً، والثاني 624 مليوناً ومثل «كابتن أميركا» الذي جمع 368.6 مليون دولار في عروضه قبل نحو عام.

|*| كل هذه الشخصيات موجودة ومجتمعة في الفيلم الجديد «ذ أفنجرز» ما يرسم صورة لحل قد ترتأيه مارڤل في المستقبل: ماذا لو تخلّت عن إطلاق هذه الشخصيات في أعمال منفردة وداومت تقديمها مجتمعة في أجزاء لاحقة من هذا المسلسل؟ الفكرة قد توفّر مئات الملايين بلا ريب، لكنها قد تناسب شخصيات ليست مشهورة بما فيه الكفاية لتقف على قدميها منفصلة، مثل «هوك آي» كما يؤدّيه هنا جيريمي رَنر و«بلاك ويدو» كما تلعبها سكارلت جوهانسن، او شخصيات لم تستطع أن تتمتّع بكثير من النجاح مثل «ذ هَلْك» كما يؤدّيه هنا مارك روفالو (بعدما تناوب على هذه الشخصية  إريك بانا سنة 2003 ثم إد نورتون سنة 2008).

|*| طبعاً هناك أفلام أخرى هذا الأسبوع ولو أن معظمها سيقع تحت أقدام المهرولين لمشاهدة «ذ أفنجرز». هناك مثلاً Safe، الفيلم الجديد لممثل الأكشن جاسون ستاذام الذي سيكون سعيداً إذا ما أنجز فيلمه أكثر من خمسة عشر مليون دولار عالمياً في أسبوعه الأول. ولن يكون هناك متّسع للكوميديا البريطانية The Best Exotic Marigold Hotel لجون مادن مع جودي دنش وتوم ولكنسون حول مجموعة بريطانيين كباراً في السن يصلون إلى الهند لقضاء عطلة في فندق بدا على الورق أفضل منه في الواقع. كما أن الوقت لا يبدو مناسباً لكوميديا غرامية مؤجلة من العام الماضي  عنوانها «قدر صغير من الجنة» مع كيت هدسون وبيتر دينكلايج وكاثي بايتس و(بعد غياب طويل) ووبي غولدبيرغ.

|*| لكن سطوة «ذ أفنجرز» ستنتهى بعد أسبوع واحد من هذا اليوم حين ينطلق «ظلالات داكنة» للمخرج تيم بيرتون مع جوني دب وميشيل فايفر وهيلينا بونهام كارتر. في الوقت ذاته، هو تحد صعب على هذا الفيلم الكوميدي- الفانتازي إذا ما أخفق في انتزاع الريادة من الفيلم المهيمن حالياً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد

****  The Raven  
الغراب 
إخراج: جيمس ماكتيغ  James McTeigue
أدوار أولى: John Cusack, Luke Evans, Alice Eve, Brendan Gleeson, Kevin McNally.
سيناريو: Ben Livingston, Hannah Shakespear
تصوير [ألوان- 35 مم]: Danny Ruhlmann
توليف:  Niven Howie
موسيقا: Lucas Vidal
تصميم مناظر: Roger Ford
منتجون: Marc D. Evans, Trevor Macy, Aaron Ryder
النوع:  تشويق | شخصية حقيقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 حين يذكر فيلم جيمس ماكتيغ الجديد «الغراب» في مقدّمته وقبل الإنتقال من الصورة الأولى أن إدغار ألان بو وُجد على شفير الموت ينازع الروح وأن سبب موته لا زال غامضاً، فإن المشاهد لن يدر أن النيّـة تتجه بهذا الفيلم ليتمحور حول وفاة بو كما يتخيّلها. لكن بعد ساعة وعشر دقائق، إذ يعود الفيلم إلى ذلك المشهد الذي بدأ به، ندرك أن الكتابة أنجزت حركة دائرية ماهرة ولو أن الحكاية هنا تحيل أسباب الموت إلى سم شربه الروائي بو ثمناً لإنقاذ المرأة التي أحب.

طبعاً لا يهم هنا أن لا شيء مما نراه في الفيلم حدث فعلياً مع الروائي الذي احتفى بمئوية وفاته قبل عامين، بما في ذلك أسباب تلك الوفاة. سيناريو هنّا (او حنا) شكسبير وبن ليفنغستون يتضمّن أحداث تستمد من الشخصية الواقعية كل ما تستطيع توفيره من خيال. المزج بين الواقع والخيال يظهر أيضاً في مشهد حلم مقتضب يمر به الكاتب (يؤديه جون كيوزاك ببراعته وموهبته غير المقدّرة حق تقديرها) ليستيقظ منه أكثر اضطراباً من قبل أن يخلد إلى النوم. هذا المزج يستخدم لإتمام أحداثه عدداً من روايات الكاتب ذاتها. ينطلق ويؤسس لـ "الغراب" ويشتمل على "الحفرة وعقرب الساعة" و"القلب الواشي" و"القناع الأحمر" من بين أخرى. السبيل لتأمين هذا المرور الآمن على تلك الأعمال هو جعل بعض الجرائم الواردة فيها تشكّل الجرائم التي يرتكبها المجرم في سعيه، حسب قوله، لتخليد الكاتب. فالقصّـة هنا تدور حول ذلك القاتل (شخصيّته مغلّفة بالكتمان جيّداً لما قبل النهاية بنحو عشر دقائق) الذي يرتكب جرائمه باستيحاء من روايات بو الذي يطلبه البوليس في مدينة بولتيمور في العام 1892 أوّلاً كمتّهم ثم سريعاً لمساعدته كشف الستار عن هوية قاتل يرتكب جرائمه الفظيعة مستخدماً مواقف مشابهة خطّـها الكاتب. وهناك جزء من الفيلم يعكس فيها بو شعوره بالذنب كون أفكاره الداكنة التي ساهمت في تأليف حكاياته وشهرته على حد سواء، كانت من التأثير بحيث دفعت أحدهم لمحاكاتها في الواقع. هذا جانب آخر من المزج بين الواقع والخيال هنا، فالحكايات المكتوبة والمنشورة باتت، بخيالاتها، واقعاً ماديّـاً ملموساً، لكن قيام أحد في الفيلم باستلهامها خيال جانح. الرابط بينهما هو فعلياً ما يميّز كل فيلم ينطلق من حقيقة ثابتة إلى خيال واسع. لكن في حين أن التوازن غير موجود في العديد من تلك الأفلام، فإنه هنا ثابت ما يجعل عملية الإنتقال (وفي غضونها عملية التأثّر والتأثير) من معالم الفيلم الأساسية.
جون كيوزاك يجسّـد الشخصية جيّداً خصوصاً في المشاهد التي عليه فيها أن يمسك بزمام الحديث او الفعل، أما حين تصيبه حالة هلع او يقوم بردّة فعل، فهو أقل إجادة كذلك جيّد لوك إيڤنز في دور التحري الذي يطلب منه مساعدته. يؤسس الفيلم لعلاقة إحترام بينهما. ينتقل التحري من وضع المرتاب إلى وضع طالب المساعدة ثم إلى وضع الصديق والمؤيد. وعندما ينتهي الفيلم باقتناص القاتل (ولن أقول كيف او من هو) فإن الوقع إيجابي. 

جيمس ماكتيغ هو ذاته الذي بشّـر بثورات ربيع أوروبية حين حقق قبل سبع سنوات V For Vendetta ثم أنجز فيلماً هوجم (رغم تنفيذه الجيّد) هو «النينجا القاتل» (2009) والآن يعود في وضع فني ملائم لسرد حكاية يقودها من ترك في أدب الرعب والتشويق البوليسي، كما في عالم التحريات (قبل آرثر كونان دويل وأغاثا كريستي) بالغ الأثر.
على عكس عودة غاي ريتشي إلى شخصية دويل الشهيرة شرلوك هولمز في الفيلمين الحديثين (اللذين نالا من تصفيق النقاد أكثر مما ناله هذا الفيلم)، حافظ ماكتيغ على ثلاثة عناصر أساسية: القيمة التاريخية والأجواء الواقعية للأمكنة وللفترة الزمنية كما على احترامه للكاتب ولشخوصه. هذا الإحترام يشمل التاريخ أيضاً. المخرج ومنتجيه من الشجاعة بحيث لا يكترث لتحلية مادته بالكثير من السكّر وتزويد صورته بمعالجة بلاستيكية لأجل إنجاز نجاح تجاري. الفيلم متعة لمن يقدّر هذه النواحي، ونصف متعة لمن لم يطّـلع على إدغار ألان بو وكوّن معه علاقة القاريء بالكاتب.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
The Avengers ***
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
المنتقمون
إخراج: جوس ويدون Joss Whedon
أدوار أولى: روبرت داوني جونيور، كريس إيڤنز، مارك روفالو، سامويل ل. جاكسون، كريس همسوورث، سكارلت جوهانسن، جيريمي رَنر، توم هدلستون، ستيلان سكارسغارد، غوينيث بولترو.
سيناريو: Joss Whedon
شخصيات: Stan Lee, Jack Dirby
تصوير [ألوان- سينما ودجيتال]: Seamus McGarvey
توليف [142 د]: Jeffrey Ford, Lias Lassek
موسيقا: Alan Silvestri
تصميم مناظر: James Chinlund
منتج: Kevin Feige
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تصوّب سكارلت جوهانسن مسدّسها وتطلق النار… صحيح؟ تتوقّعين أن تقتلي وحوشاً فاتكة أظهرت بطشها وقوّتها برصاص مسدس صغير في الوقت الذي يقوم بها زملائك بممارسة أنواع قواهم البدنية ومزاياهم الخارقة للطبيعة وبالكاد ينجزون المهمّـة؟ غريب.
طبعاً قبل ذلك اشتركت في قتال بالأيدي برهنت فيه عن جدارتها، لكن مشهدها وهي تصوّب وتطلق النار (من دون لقطات لضحايا) تثير قدراً من الهزؤ يساعد في مراجعة حقيقة أن سكارلت جوهانسن حتى وقت ليس بالبعيد كانت ممثلة درامية لافتة. وهي لا تزال تمتلك ناصية تثير الإهتمام حين تجد ما تقوله بالطريقة التي تقوله فيها، حتى هنا في هذا الفيلم. لكن رغم ذلك هذا الدور ليس لها على الإطلاق. فكّـر بتشارليز ثيرون او ميشيل رودريغيز او جادا بنكت سميث… على الأقل إطلاق النار من مسدس صغير لن يبدو سخيفاً.
سكارلت جوهانسن هي واحدة من أبطال هذا الفيلم الذي يجمع بين خمسة شخصيات رجالية كل منهم "سوبر هيرو" بامتياز: كابتن أميركا (كريس إيڤنز)، ذ هلْك (مارك روفالو)، آيرون مان (روبرت داوني جونيور)، ثور (كريس همسوورث) و"هوكآي" (جيمي رَنر). كل واحد من هؤلاء، بإستثناء هوكآي، ظهر في فيلم او أكثر مهّد له. تجربة الجمع بينهم تبدو حتمية طالما أن الفكرة سبق وتم تنفيذها على صفحات الكوميكس فهؤلاء أيضاً ظهروا متفرقين ثم التقوا ثم واصلوا ظهورهم معاً ومتفرّقين. وبعد هذا الفيلم سيتفرّقون: داوني لديه «آيرون مان ، إيڤنز سينجز جزءاً ثانياً من "كابتن أميركا" وهذا هو حال كريس همسوورث الذي سيعود في حلقة ثانية من Thor
أما الباقون فلا يبدو أن مواعيدهم منفردين قريبة. لا يمكن بناء شخصية رامي السهام «هوكآي" (كما يؤديها من دون أثر جيمي رَنر) في فيلم وينتظر له أن يجمع ملايين البشر، ولا شخصية "بلاك ويدو" او نتاشا رومانوف (سكارلت جوهانسن) في فيلم منفرد. الوحيد الذي يمكن له أن يعود إلى الشاشة منفرداً، ولو أن هذا ليس محدداً بعد بتاريخ فعلي، هو «ذ هلْك» كما لعبه مارك روفالو الذي، حضّـر نفسك، أفضل الممثلين الموجودين هنا وذلك بفضل طريقته غير البطولية وغير المسلّـم بحسناتها التي أمّ أداءه بها. 
الحكاية تبدأ من حيث انتهى Thor. شقيقه الشرير ومؤيديه من المخلوقات غير الآدمية سيهبطون إلى الأرض لامتلاكها ومن فيها مخلّصين أهل الأرض من "الحرية" ("الشيء الأكثر أكذوبة" كما يقول لوكي، شقيق ثور). لوكي (توم هدلستون) لديه قوّة لا تضاهيها قوّة منظورة وهي عبارة عن رمح موهّج بطاقة لا تنتهي يمكن للوكي وباقي المخلوقات تدمير أي شيء بما في ذلك الكرة الأرضية كلّـها. مهمّـة هؤلاء الأبطال، تحت إدارة رئيس منظّـمة "شيلدز" (سامويل ل. جاكسون) هي بالطبع مواجهة الأشقياء. من بعد نصف ساعة ملولة في البداية يتدحرج الفيلم مثل كرة ثلج لكن إلى أعلى شاحناً بعض أكثر المعارك حدّة ونجاحاً في مثل هذه الأفلام تم صنعها للشاشة الكبيرة إلى اليوم.


لكن قبل المعركة على هؤلاء الأبطال حل خلافاتهم الذكورية وتحديد من هو أكثر قوّة وأفضل شأناً: هناك صراع بين كابتن أميركا وبين آيرون مان، ثم آخر ينشأ بين ذ هلْك وثور. وفي حين لا يمتد الصراع لأطول مما يجب، الا أنه يوحي، خلال فترته، بأن الفيلم مهدد لأن يتحوّل إلى لعب لأناس غير ناضجين. الصراع الآخر بين الذين انضمّـوا إلى لوكي ثم تابوا. تحديداً «هوكآي» و-إلى حد أصغر- الممثل المساند ستيلان سكارسغارد. 
لكن ما أن يعود كل إلى موقعه، بعد هرب لوكي من الأسر واستعانته بتلك المخلوقات غير المفهومة كعنصر حتى يتحوّل الفيلم إلى كتلة من المعارك التي لا تخيب المعجبين بمثل هذه الأفلام، وبل تزيد من عددهم جاذبة من يفضّلون عادة مشاهدة أفلام بشخصيات بشرية فقط.
جوس ويدون ليس المخرج الذي سبق له وأن خبر هذه الأفلام. في الحقيقة أخرج عملاً واحداً من قبل هو Buffy, the Slayer لكنه يثبت معرفته بالكيفية التي تتيح له توزيع مهام الحديث عن كل سوبرهيرو على حدة في موازاة محسوبة مع الشخصية الأخرى وتوازن عام بينها. ويدون ليس في وارد خيانة الشيفرات المعمول بها في مثل هذه الأفلام لطرح أبعاد ما، بل على العكس يعززها طارحاً نفسه كأحد أفضل المتعاملين مع هذه السينما.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved ©  Mohammed Rouda 2008- 2012