300: The Rise of an Empire | Iranian | 40 Days of Silence | After the Tone | The Congress


300: صعود إمبراطورية  300: Rise of an Empire 
*****
النوع: حربي/ تاريخي | الولايات المتحدة (2014)
إخراج: نعوم مورو
نقد: محمد رُضــا 

 المزيد من العنف والوحشية والدم المتطاير في فيلم يؤيد
كما الجزء الأول، الحرب والفاشية بإسم الدفاع عن الوطن


في مطلع «300: صعود إمبراطورية»، يرمي بطل الفيلم ثيميستوكليس سهماً من مسافة لا تقل عن ثلاث كيلومترات. هذا بعدما حدّق بعيني عدوّه وحدّق عدوّه بعينيه لبعض الوقت. السهم يطير ثم يصيب قلب ذلك العدو. إبن ذلك الملك المقتول ينظر إلى ثيميستوكليس وثيميستوكليس ينظر إليه… نعم على مسافة بعيدة (نحو 3 كيلومترات أو ربما أكثر). ليس فقط أن السهم له عينين ثاقبتين ومدى طويلاً يطير فيها قبل أن يسقط، وليس فقط أن مطلق السهم يستطيع إطلاق سهم بقوّة كافية لقطع تلك المسافة، بل تتشابك عيناه بعيني الآخر. كل منهما يرى الآخر بوضوح ويتفرّس في وجهه.
من الواضح بما فيه الكفاية أن فيلم «300: صعود إمبراطورية» هو فانتازيا والفانتازيا لها الحق في لوي ذراع الحقيقة. المشكلة أن هذا الفيلم، الذي أخرجه نعوم مورو بنفس الروح الذي أخرج بها زاك سنايدر الجزء الأول قبل سبع سنوات، لا يكتفي بلوي ذراع الحقيقة بل بكسرها. هناك فارق بين أن يصوّر فيلم فانتازي حصاناً بجناحين، لكن أن يصوّره بجناح واحد… هذا من الصعب شرب مائه. أن يصوّر مركبة فضائية تحط على نجم بعيد، لكن أن تتحوّل إلى دجاجة فهذا لم يعد فانتازيا بل شيء أقرب إلى الكذب الأعمى.
«300: صعود إمبراطورية» ليس جزءاً ثانياً من حيث تكملة الحكاية، بل فقط من حيث الإنتاجفقصّـته تمتد في خط مواز مع قصّـة  الفيلم السابق. فبينما كان الإسبرطي ليونيديس (جيرار بتلر) يقود 299 إسبرطي  للدفاع عن المضيق المؤدي إلى أثينا، كانت معارك أخرى تقع بين الفرس واليونانيين في البحر.
في الفيلم السابق «300» قام سنايدر بتقديم حكاية الـ 300 إسبرطي الذين هزموا جحافل الفرس. هذا مثبّـت في التاريخ. كذلك موقعتي يوبيّـا وثيميستوسيليس البحريّـتين. وهذا ليس للقول أن هذا الفيلم واقعي أو ملتزم بالوقائع والحقائق التاريخية، يكفيه مثلاً أنه يحصي عدد السفن الفارسية التي توجهت للإستيلاء على السواحل الإغريقية بـ «الآلاف» بينما كان عددها 1200 سفينة غرق منها 200 أو نحوها في عاصفة بحرية هوجاء. لكن الفيلم السابق ذكر أن عدد القوات الفارسية التي هاجمت مضيق ثيرمويبيليا (سنة 480 قبل المسيح) كانت مليوناً بينما كانت في حدود الـ150 إلى 200 ألف.
هنا يأتي ذكر المليون على أساس أنه عدد سكان أثينا حينها. لا تسعى للبحث فهو أيضاً أمر غير معقول في تلك الحقبة من التاريخ. إذا ما وضعنا التفاصيل، على أهميّـتها جانباً، فإن ما يبقى لدينا هو فيلم معارك حربية تاريخية تحوم حول قيام الأثيني ثيميستوكليس (كما يؤديه الأسترالي سوليفان ستابلتون) بحشد ما تيسر له من قوات وسفن لصد الحملة البحرية الفارسية التي تقودها إمرأة شرسة أسمها أرتيميسيا (إيفا غرين)، التي، يفيدنا مستر فلاشباك، شهدت الويلات منذ أن قام مسلّـحون يونانيون باغتصاب أمها وقتلها ووالدها وأخوتها أمام عينيها وهي صغيرة. ثم، نفهم، تم إغتصابها وسجنها متعة لمن يشاء. عندما كبرت ألقي بها في أحد شوارع مدينة فارسية ليلتقطها الملك الفارسي داريوش (إيغال ناوور)  ويعلّـمها، بنفسه، فنون القتال. بعد دقيقة واحدة تفوّقت عليه.
داريوش هو من يموت بذلك السهم طويل المدى ليخلفه إبنه (البرازيلي رودريغو سانتورو) الذي نراه في أحد المشاهد يغرق نفسه في بركة ماء ليخرج منها بشخصية جديدة بدناً وإرادة. من هذه اللحظة سيمشي كما لو كان مومياءاً مصرية في فيلم رعب قديم.
يخوض ثيميستوكليس المعركة غير المتكافئة ويوصي رجاله: "مقدّمة السفن الفارسية قويّـة. إضربوها في الوسط". وهكذا كان. أرتيميسيا شهدت (لا تنسى أن عيون الجميع ترى عن بعد كيلومترات) الموقعة رغم السحب الضبابية والعتمة التي تسود الفيلم،  وانتقمت من أحد معاونيها لفشله في تحقيق النصر. في الموقعة الثانية التي خسر فيها الإغريق معظم سفنهم تأخذ النشّـاب وتطلق  السهم بإتجاه أحد معاوني ثيميستوكليس. بعده تطلق سهمين آخرين وكلها تصيب الهدف وكلها أيضاً مصوّبة أفقياً، لكنها تقع على جسد المعاون هاوية من فوق. ليس فقط أن الأسهم لديها عيون ترى فيها ومحركات ذاتية طويلة الأمد بل يبدو أنها تستطيع أن ترتفع وهي لا زالت طائرة لكي تحط من فوق رغم أنه أطلقت بإتجاه مسطّـح. المعركة الأخيرة، تأتي بعد طن من الكلمات موزعة في خطب القائد ثيميستوكليس وفيها يلتقي هذا بأرتيميسيا للمرة الثانية (الأولى حين دعته للحديث في سلام محتمل وارتدت له زي السهرة الذي ينحسر عن صدرها) ويتلاحم معها في معركة أريد لها أن تكون، بتعريف المتحمّسين، رهيبة. هذا في الوقت الذي كان الرجال من الجانبين يخوضان القتال. والقتال بالسيوف في هذا الفيلم لا يتطلّـب مهارة. المحارب له ضربتين في المتوسط. الأولى يهوى بها على سيف عدوّه والثانية على أي جزء من جسده. إنتهى الأمر. 
لكن النزال بين أرتيميسيا وثيميستوكليس يستمر أطول بقليل قبل أن (لست هنا لأفصح عن التفاصيل حتى لا أفسد مشاهدة القراء إذا ما رغبوا في مشاهدة الفيلم).

زاك سنايدر لم يبتعد عن هذا الفيلم، بل انتقل إلى كرسي الإنتاج وجلب من إسرائيل مخرج أفلام دعائية وقال له قلّـد فيلمي «300» وهكذا كانالعنف ذاته، الدم نفسه، الوحشية كما هي وفي خضم ذلك قدر كبير من الفاشية العسكريةفي أحد المشاهد يصل ثيميستوكليس إلى معسكر إسبرطي ويشهد تمارين قتال. هناك محارب يتلقى من الضرب المبرح والركل والجروح ما يكفي مبرراً لإنتحاره. الدم يخرج من فمه مثل خرطوم الأطفاء وحنكه يتعرض للكسر لكن كل ذلك في سياق التدريب. ثيميستوكليس يبتسم ويقول «يا للإسبرطيين». لكن المشهد يحتوي على أكثر من إعجاب ثيميستوكليس. يحتوي على إعجاب صانعيه بالقوّة وممارسيها والمنتصرين فيها. الضعفاء ليس لهم خبز في هذا المجتمع. وإذا ما كنت تذكر فإن هذه النقطة موضّـحة أكثر في الفيلم السابق. 
تكاد بعض اللحظات أن تتميّـز (مشهد لقاء ثيميستوكليس بأرتيميسيا) رغم أن مصنوعة ومتكلّـفة كالفيلم بأسره. ما يمنعها من ذلك أن المعالجة بأسرها ميكانيكية ولا تكفي تلك اللحظات لكي تمنح الفيلم أي توازن. الفيلم عبارة عن كتل متراصّـة من خدع الدجيتال كما الفيلم السابق. القمر يبدو مثل جبل هيمالايا في أحد المشاهد كما لو أنه نزل من السماء وحط على مقربة. إيقاف المشهد الدائر للحظة ثم إستكمال المشهد لإبراز يد مقطوعة أو كيس من الدم المنفجر على الشاشة عادة تتكرر. ثم هل في حياتك كلها شاهدت شرر نار مثل تلك التي يحاول هذا الفيلم تقليدها؟ أقصد تلك الشرر الصغيرة التي تنتج عن حرق فحم أو أشجار للتدفئة… في الفيلم هي في كل الفضاء… تنطلق من تحت أو تهبط من فوق … تعبر الشاشة إلى اليمين أو من اليسار… ودائماً كبيرة. أعتقد أن صانعي المؤثرات كانوا يفكّـرون في حركة الأسماك في البحار لأن هذه الشرر كانت تعبر الشاشة بنفس الشكل والطريقة.
طبعاً كل ما نراه من محيط للمشاهد مصطنع. المقدّمة فقط لبعض البشر والباقي من نتاج الكومبيوتر غرافيكس. في الفيلم السابق هذه الناحية كانت مشغولة أفضل. كذلك كان تمثيل جيرارد باتلر في دور قائد الإسبرطة ليوناديس أفضل مما أدّاه ستابلتون هنا. أما الفرس فلا زالوا يرتدون دشاديش وعُـقل عربية. كل ما في الأمر أنها سوداء لأنهم أشرار الفيلم. لكن في حين أن الفيلم الأول ضمّ إليهم عرباً وهنود وأفارقة وعناصر أدنى مرتبة من الإغريقي (وصف ذلك الفيلم) يتحاشى هذا الفيلم التقسيم المركّـز هذا. 
إذ يلتقي «300: صعود إمبراطورية» مع «300» في المنهج والأولويات، يختلف في أن للمرأة وجوداً أقوى من السابق. ذلك الدور الممنوح لإيڤا غرين (التي كانت لعبت دورها الأول تحت إدارة برناردو برتولوتشي في «الحالمون» سنة 2004)  والآخر للملكة غورغو (لينا هيدي التي نسمع صوتها معلّـقة ولها حضور ولو قصير بصرياً) هما كل هذا الحضور عدداً، لكن الشخصيات أقوى والتنويعة القتالية في هذا الصدد مفيدة كونها بين رجل وإمرأة وليس بين رجلين فقط. 


  40Days of Silence    
*****
طاجكستان/ أوزباكستان (2014) | إخراج: سعادات إسماعيلوفا Soadat Ismailova
مهرجانبرلين (فورام)  
نقد: محمد رُضــا
الفيلم الأول للمخرجة سعادات إسماعيلوفا تأملات تاركوڤسكية
في المرأة والطبيعة

من تلك الأعمال التي تستفز المرء بصمتها وبطء حركتها قبل أن يدرك أن صانعيها يحسنون التقاط خيوط الصمت والصوت والصورة في تناسب جيّـد. على الرغم من ذلك، هذا الفيلم الذي شاركت هولندا بتمويله وتقدم عليه مخرجة لم يسبق لها الوقوف وراء الكاميرا من قبل، لديه حكاية محدودة يرويها. ما يثير الإعجاب أنها صنعت من هذه الحكاية المحدودة عملاً مثيراً للإهتمام، ثري الصورة ولو أنه خاو في أكثر من مكان.
بطلة الفيلم فتاة في مطلع الشباب إسمها بيبيشا (روشان صاديكوڤا) نلتقي بها وقد انتقلت للعيش في بيت جدّتها سعادات (سعادات رحيمنوڤا) الكائن في قرية جبلية بعيدة. معهما في البيت عمّـتها التي تنوي الإنتقال من القرية لتكون قرب من تحب وقريبة أخرى حبلى. العجوز مصدر الحكمة والفتاة الصغيرة رمز البراءة. المخرجة تحسن إلتقاط الأحاسيس حتى وإن بدت في لحظات ورودها غريبة: يد الفتاة على الجدار المتعرج وهي تمشي بجانبه. لحس العسل الصافي بأصبعها. النظر إلى الرعاة وهم يسوقون الماشية. تأمّـل السحاب وهو يحط على الوادي الخ… لكن لجانب أنها مناظر بديعة هي مناظر موحية بعزلة تخفي قساوة تلتقي وذلك الرباعي الأنثوي (لا وجود لأدوار رجالية ناطقة، بل أحياناً ما نرى ملامحهم بعيدة كرعاة الغنم). بقليل من الجهد الإضافي، كان يمكن للمخرجة تحقيق عمل يحمل ما يضيف إلى القصّـة. ما يجعل المتابعة المتأنية (أحياناً أكثر من اللازم) حافلة بثراء من المضامين المناسبة. 
تلتقط المخرجة وجوهاً مألوفة. على بعد المسافة هي ذات الوجوه الساكنة في أرياف تركيا وسوريا ولبنان. ذات تجاعيد الوجه تحت ذات الملاءات وبالشفاه ذاتها حين تدعو وتسبّـح وتذكر إسم الله ورسوله. إنه نقل يقترب من الروحانية تعايشه المخرجة عن معرفة وإدراك.


إيراني  Iranian    
*****
النوع: تسجيلي (أديان) فرنساسويسرا (2014)
إخراج: مهران تامادون
نقد: محمد رُضــا 

 مخرج إيراني لديه وقت يضيّـعه في فيلم يقوم على نقاش
بينه وبين أربعة رجال حول الدين والدنيا! 

كلمة السر هنا هي لقاء المخرج الذي يكنّـي نفسه بالليبرالي والذي يعيش وأسرته في باريس مع أربعة رجال في بيت عائلته الريفي جاؤوا ليتطارحوا معه "إمكانية التعايش السلمي" بين الأفكار والأيديولوجيات. هؤلاء رجال مبحرون في شؤون الدين ومدافعون عن الدولة الإسلامية في إيران وفكرها.
حسب المخرج، الذي يروي عبر التعليق الصوتي، تجربته، تطلب الأمر منه 12 سنة من البحث إلى أن وجد أربعة يوافقون على الجدل معه. طبعاً هو لا يقول أنه أمضى هذه الأعوام الطويلة داخل إيران بحثاً، بل ربما منذ أن إنطلق بفكرته تلك. طبعاً خلال تلك الفترة كان لابد له أن يعمل فأخرج فيلمين وثائقيين واحد قصير سنة 2004 وآخر طويل، عنوانه، «باشيدي» سنة 2009 الذي قدّم له بذكر البذل الزمني الذي صرفه عليه: ثلاث سنوات. لكن ما بين الفيلمين السابقين وهذا الفيلم هناك ما يكفي للريبة أنه قضى 12 سنة بحثاً. أمر كان يمكن أن نغفله لو أن النتيجة كانت مثمرة.
بداية، ينتقل المخرج بكاميرته ملتقطاً أوجه الحياة هنا وهناك، باحثاً عما يصوّره كتمهيد للقاء ولا ينسى هنا القول بأن جواز سفره سُـحب منه حين دخوله، ويكرر في نهاية الفيلم القول أنه مُـنح الإذن بالمغادرة مع تحذير: "إذا عدت فسوف لن تستطيع السفر من هنا ثانية".
ليس أن هذا ليس معقولاً في دولة ذات نظام صارم، لكن الإستخدام هنا ينبؤ بفيلم دعاية شخصية أقرب لمحاولة تقديم أوراق اعتماد حسن سيرة للغربيين.
اللقاء يأخذ الوقت الأطول من الفيلم وهو ما ينقذه لأن متابعة النقاش حول رأي الدين فيما يعرضه المخرج مثير بحد ذاته. هو يعرض مثلاً الحجاب وحرية أن ترتدي المرأة ما تشاء، فيرد عليه رجل، يقود الجانب الآخر، مفنداً المبررات التي تدفع بالمجتمع لتحجيب المرأة. المخرج ينتقل إلى حريّـة الأقليات، فيرد عليه رجل الدين بأن الإنتخابات أثبتت أن النسبة الغالبة (هل قال 98 بالمئة) كانت مع نظام إسلامي. يرد المخرج بالقول: "لكن ذلك تم قبل 34 سنة". نقطة لصالح المخرج.
يستمر الفيلم في محاولة تقديم حجـة كل من الفريقين كل يسجّـل نقطة في صالحه إلى أن يبدو أن موقف المخرج بات مهتزاً. ليست لدى مهران القدرة على النقاش الديني، وهو يبتعد قدر ما يمكنه عن النقاش السياسي. معنى ذلك أن لبنة الفيلم هشّـة تقوم على تبادل آراء (تقطعها ولائم) بين فريقين كل جاء متمسّكاً بآرائه. التمسّـك ليس خطأ، بل الخطأ هو عدم الخرج من الفيلم بمفاد ما. في النهاية رجال الدين يغادرون (وقد كسبوا من النقط أكثر مما كسب المخرج) وهم لا زالوا واثقين من آرائهم، وهو جمع حاجياته وقفل باب المنزل وعاد إلى باريس ووضع ما صوّره في فيلم من 105 دقائق. Big Deal!
كأفلام أخرى تبدّي المضمون على الشكل، يخلو هذا الفيلم من حسنات فنيّـة. بل يخلو من الفن ويكتفي بتقنية نظيفة صوتاً وصورة.


الهيئة   The Congress    
*****
النوع: خيال علمي/ أنيميشن فرنساألمانيا/ بولندا/ إسرائيل (2014)
إخراج: آري فولمان
نقد: محمد رُضــا 

 مستقبل البشر على الأرض لغير البشر حسب رواية لكاتب
«سولاريس» ينقلها على الشاشة صانع «الرقص مع بشير»

هذا الفيلم الحائز على جائزة أكاديمية الإتحاد الأوروبي لأفضل فيلم «أنيميشن» التي تم توزيعها مع نهاية العام الماضي حققه المخرج الإسرائيلي آري فولمان بمعونة من مكتب الدعم في دولة الكيان قبل أن يتوجّـه إلى منتجين شركاء في فرنسا وبولندا (على الأخص) فحصل على التمويل الغالب من الأولى وعلى المعونة التقنية من الثانية. هذا الفيلم، رغم فوزه بجائزة الإتحاد الأوروبي في قسم «الرسوم الإحيائية» (أو المتحرك كما نسميها)  ليس بكامله أنيميشن، لكنه لا يزال يصلح لحمل اللقب و، على أكثر من نحو، صالح للجائزة أيضاً.
في العام 1971 وضع الكاتب البولندي ستانسلاف لَـم رواية قصيرة بعنوان «مؤتمر الرؤية المستقبلية» (The Futurological Congress) ترجمت إلى الإنكليزية سنة 1974. لَـم هو الكاتب الذي وضع قبل ذلك (سنة 1961) روايته الأشهر «سولاريس» التي اقتبس عنها الروسي أندريه تاركوفسكي فيلمه الذي لا يقل شهرة بالعنوان نفسه. آري فولمان، الذي كان إعتلى الشهرة سنة 2008 عندما أخرج فيلم الرسوم المتحركة الطويل «الرقص مع بشير» (حول مذبحة صبرا وشاتيلا) قام في العام 2012  بإختيار هذا المشروع من بين ما كان لديه من أفكار ووجده يتماشى مع إهتماماته الفنية و- إلى حد ما، الإنسانية.
في «الرقص مع بشير» وجدنا فولمان يصوّر شعور المجنّدين الإسرائيليين بالذنب لسماحهم حزباً لبنانياً بإرتكاب المذبحة. لكن المخرج في سياق هذه الإدانة للدور الإسرائيلي مر على بعض الحقائق التاريخية عابراً وارتكب بعض الأخطاء بدوره من بينها تخفيف مسؤولية المذبحة المذكورة  وتحميلها لحزب الكتائب اللبناني، وهو- كغيره من الأحزاب المبنية على عقائد دينية أو موجّـه بها- حزب فاشي. لكن ذلك لا يجب أن يمنع أنه كان عملاً جيّـداً وجرئياً في معظمه  لم ّ شمل المنحى التسجيلي بسينما الأنيميشن على نحو غير مسبوق.
هذه المرّة يترك المخرج السياسة جانباً ويعمد إلى عمل خيال علمي رائع التصميم ومثير للإمعان والتفكير حول مستقبل غير بشري ينتظر البشر. حسب الرواية الأصلية، فإن هيئة حاكمة ستتولّـى تحويل الآدميين إلى روبوتس ومن لا يرغب في الإنضمام، سيبقى معزولاً في عالم لا مستقبل له. هذا الخيط باق في الفيلم لكن مع إختلاف. لنحو أربعين دقيقة أولى نتابع حكاية ممثلة سينمائية أسمها روبين رايت (وتقوم بها روبين رايت نفسها) توافق، بعد تردد شديد، على القيام بتحويل نفسها إلى شخصية مرسومة. يقول لها المنتج جف (داني هيوستون) أن شبابها ولّـى لكنها تستطيع العودة إليه إذا ما سمحت بأن يتم استنساخها لتحويلها إلى شخصية كرتونية. ثمن ذلك أنها ستتوقف عن التمثيل، لكنها ستخلّـد حسب وعده. هذا التحويل يصيب واقعاً ممكناً اليوم. لولا الحقوق القانونية لتم تقديم مارلين مونرو وجون واين وهمفري بوغارت ونجوم الأمس جميعاً في أفلام جديدة. الرابط المختلف هنا هو أن فولمان، بالإستيحاء من ستانسيلاف لَـم، يضع مستقبل البشرية بأسره ضمن هذا الإطار. بعد عشرين سنة تدخل روبين رايت (ساهمت بإنتاج الفيلم أيضاً) إلى عالم من الشخصيات المتحوّلة من الواقع إلى الكرتونيات. في عالم إمتدادي لمستقبل داكن سيعيش هؤلاء، نظرياً على الأقل، حياة سرمدية. سوف لن ينقذ روبين من ذلك سوى حبّـة لو تناولتها لعادت إلى شخصيّتها الأولى، وهي تفعل ذلك حبّـاً في البحث عن إبنها. حين تعود إلى طبيعتها البشرية تكتشف أن إبنها درءاً لمرض يؤدي به إلى فقدان السمع والبصر قام بتـلك الرحلة صوب الخلود الإحيائي (أنيميشن) تخلّـصاً من الخطر.
الفيلم مبهر التنفيذ في شقّـيه الحي والأنيميشن، لكن إيصال الرسالات المقصودة يتعرّض لذلك الإضطراب المونتاجي كلّـما اختار الإنتقال بين العالمين. ألوانه وتقنياته تشغل العين، لكن أداءاته تبقى ضعيفة وإيقاعه يفتقد الإدارة الأفضل.


بعد النغمة  After the Tone    
*****
النوع: بلا تصنيف  هولاندا (2014)
إخراج: ديغنا سينكي
نقد: محمد رُضــا 

كيف تصنع فيلماً روائياً بلا قصّـة وبلا ممثلين و… تفشل  

تقوم الفكرة على أن يتم تسجيل أصوات بضعة أشخاص (أم، عشيقة، شركاء عمل الخ…) يتّصلون على رقم معيّـن ويتركون رسائلهم الصوتية. المكالمات الأولى تبدأ بعد ظهر أحد الأيام التي كان من المفترض بذلك الشخص حضور إجتماع مع رجال أعمال يابانيين والتوجه بعد ذلك لموعد خاص وبعده لمنزل والدته، وتستمر يوماً وراء يوم. المكالمة الأخيرة بعد سنة.
طبعاً لن يرد. بعيداً عن الكاميرا، كان هذا المجهول قرر أن يترك كل شيء ويختفي. طبعاً لم يقرر أن يلغي رقم هاتفه أو يرمي هاتفه نفسه في الزبالة، وإلا لما استطعنا سماع كل تلك الرسائل الصوتية على الجهاز. وهو كل ما نسمعه لنحو ساعة ونصف (85 دقيقة). الأصوات المتّـصلة تتكرر وتفتح بعض الجوانب الكاشفة عن شخصية المتّـصِـل والمتّـصَل به. لكن لا شيء أكثر من ذلك.
هذا الفيلم الأذني لا يحتوي على حكاية ولا على ممثلين بادين للعيان، لكنه ليس فيلماً تسجيلياً كما وصفه بعض الذين شاهدوه في مهرجان روتردام. طبعاً كان لابد من صور والكاميرا تلتقط المبنى الذي يعيش ذلك المجهول  في أحد شققه (أو كان يعيش هناك) وبعض الحدائق العامّـة والنهر القريب وعملية تفريغ شاحنة فيه… ويلحظ اختلاف الوقت من النهار.
في جلّـه كان على هذا الفيلم أن يبقى في حدود ربع ساعة لأن فكرته مثيرة كفيلم قصير، لكنها تتجاوز الملل كفيلم كامل وتنتهي إلى لا شيء ذا قيمة لا في المسموع ولا في المنظور.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

0 comments: