Flight | Hitchcock | Angelgs' Share | فدائي


هناك جديد في الشاشات العليا
  وحيداً في الصالة  

أفلام حسب الأعمار 

•  هذا الأسبوع هناك إختيار بين فيلمين رئيسيين. هذا الإختيار له علاقة بعمرك. إذا كنت دون الخامسة والعشرين فإنك على الأغلب تريد مشاهدة The Twilight Saga- Breaking Dawn-2 فهو بالطبع من رعيل المسلسل الذي يجمع بين تصاميم الشعر والماكياج للبنات والشباب وبين النظرات الهائمة وبعض الأنياب البارزة لزوم تبعاً لأن أبطاله، أو بعضهم على الأقل، يعيش محتاراً في إنتمائه: أهو بشر أو ذئب؟

أما إذا كنت فوق ذلك السن فإنك على الغالب ستقدم على مشاهدة فيلم ستيفن سبيلبرغ الجديد «لينكولن» بطولة دانيال- داي لويس وسالي فيلد، ديفيد ستراذن، جوزف غوردون ليفيت، تومي لي جونز والعجوز هال هولبروك. والسبب بالطبع أن سبيلبرغ يتوجّـه هنا إلى الراغبين في مطالعة رؤيته حول الرئيس الأميركي السادس عشر في واحدة من أحلك فترات التاريخ السياسي الأميركي وهي فترة الحرب الأهلية.

•  «لينكولن» سيكون فيلماً واحداً وليس مسلسلاً… أما «ملحمة غسق…» فهو الحلقة الأخيرة في مسلسل أفضل ما فيه هو أنك تستطيع قطع مشاهد مختلفة من كل حلقة سابقة وتضمّها في فيلم واحد لتؤلّف جزءاً جديداً خصوصاً وأن الحكاية، التي تشبه السوب أوبرا، يمكن تلخيصها فعلاً في فيلم واحد. لكن نيّـة صانعي هذا المسلسل هو الإكتفاء بما سبق وهذا الفيلم تحديداً تم تصويره من دون توقف مع الجزء السابق مباشرة. ولمن يريد أن يتذكّـر مثلي فإن ما يعتبر الآن الجزء الأول فعلاً خرج سنة 2008 تحت عنوان «غسق» من إخراج كاثرين هاردويك التي تم سحب الفيلم منها عندما قررت شركة سَـمِـت إنترتاينمنت إنجاز جزء ثان أسندت إخراجه إلى كريس ويتز تحت عنوان «ملحمة غسق: قمر جديد» (2009). ديفيد سلايد كان المخرج الثالث للجزء الثالث «خسوف» (2010) وبيل كوندون هو الذي أنجز «ملحمة غسق: إنبلاج الفجر- 1» (2011) كذلك هو مخرج هذا الجزء الثاني من الحكاية الرابعة (هل لا زلت معي؟) .

•  في اليونان، حيث يتوقّـع إنخفاض الإقبال على صالات السينما بسبب متاعب البلاد الإقتصادية وحاجة المواطنين للتوفير، إنتهى مهرجان ثيسالونيكي بفوز فيلم «إختطاف» بالجائزة الأولى وهو فيلم دنماركي من إخراج توبياس ليندهولم الذي كنا قرأنا أسمه كاتباً على فيلمين متواليين لمواطنه توماس فنتربيرغ هما «غواصة» و«الصيد» و«إختطاف» هو فيلمه الأول مخرجاً. وبالمناسبة- ولمن عاد من ثيسالونيكي وكتب داعياً بطول العمر للمخرج اليوناني ميخاليس كوكايانيس مخرج «زوربا اليوناني»: المخرج سلّم الروح في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو من العام الماضي!

•  مهرجان آخر ينطلق بعد يوم غد هو الدوحة في دورته الرابعة. الأولى كانت أشبه بالتجربة. الثانية إنطلاقة حقيقية. الثالثة مضي في الوجهة ذاتها. الرابعة إدارة جديدة وإنطلاقة ثالثة. وبالنظر إلى الأفلام المعروضة في الأقسام المختلفة فإن هذه الإنطلاقة ينقصها التنظيم كما كان ينقص الدورات السابقة. فحين يتألّف البرنامج الرئيسي من أفلام جماهيرية الشأن معرّضة للتوزيع في صالات المول في أي وقت، وعندما يتشكل من نسبة لا بأس بها من الأفلام القديمة مثل «الشجاع سيفوز بالعروس» (1995) و«أطفال الفردوس» (1997) و«سينما باراديزو» (1988)، و«إي. تي- خارج أرضي» (1982) وسواها من الأفلام التي شبعت عرضاً وشوهدت حول العالم قاطبة، لابد أن هناك مشكلة. وماذا عن «معركة الجزائر» (1966)؟ لقد عرضه مهرجان أبوظبي قبل أسابيع… ألم يكن من الممكن استبداله بفيلم آخر عن الثورة الجزائرية؟ وإذا كان ذلك غير ممكن لأي سبب ألم يكن من الأفضل إذاً ضمّه إلى تظاهرة لأفلام المخرج جيلو بونتيكورفو مثلاً خصوصاً وأن أعماله الأخرى نادراً ما عرضت في عاصمة عربية؟

•  ما يثلج الصدر هو وجود أفلام قطرية، ولو قصيرة، في برنامج مواز بعنوان «صنع في قطر»  علماً بأن ما سبق من أفلام قطرية قصيرة خلال الأعوام القليلة الماضية حظى بإهتمام مهرجانات عربية ونال عدداً من جوائزها. كذلك هناك مسابقة للأفلام العربية (طويلة وقصيرة) تضم الفيلم المغربي «خيول الله» لنبيل عيوش (أفضل أعماله)، «جمعية الصاروخ اللبناني» لجوانا حاجي توما وخليل جريج (لبنان) و«فدائي» لداميان عوناري (الجزائر) و«وداعاً المغرب» لنادر موكنيش (المغرب)


Fidaï    ****  فدائي

[ماذا حدث لرجال الثورة وغالبيّتهم مجهولون؟
هذا الفيلم يوفّر الجواب حول واحد منهم]

المخرج
داميَـن عنوري  Damien Ounouri
سيناريو:
داميَـن عنوري  Damien Ounouri
ليندا أميري   Linda Amiri
تصوير [ألوان- دجيتال]
ماثاو لاكلاو   Matthieu Laclau 
توليف [83 د]:
ماثاو لاكلاو   Matthieu Laclau 
المنتج: 
زانغ كلي جيا   Zhang Ke Jia
ماثيو مولييه   Mathieu Mullier
ألكسندر سينجر  Alexandre Singer

النوع: تسجيلي [حرب الإستقلال] | الجزائر/ فرنسا/ ألمانيا/ الصين (2012)
عروض: مهرجان الدوحة السينمائي/ تورنتو


 لا يمكن القول أن فيلم «فدائي» الذي تم عرضه على شاشة مهرجان تورنتو مؤخراً (وينتقل حالياً لمهرجان الدوحة) أستقبل بحفاوة بالغة او بإهتمام لا نظير له. الواقع أن الجمهور ملأ معظم كراسي الصالة وخرجوا بعد 83 دقيقة من العرض وهم أكثر إدراكاً لتاريخنا مع الغرب مما كانوا عليه قبل ذلك. لكن الصحافة غابت، وبعد شهر من انتهاء المهرجان الكندي يوجد أقل من حفنة مقالات عن الفيلم. "الفدائي" كلمة استخدمت في الأيام المجيدة للحرب ضد المستعمر سواء أكان المستعمر الفرنسي في الجزائر او المستعمر "الإسرائيلي" في فلسطين او خلال العدوان الثلاثي على مصر. بعد ذلك إنحسرت هذه الكلمة الجميلة مع إنحسار المسببات وإحلال معاهدات السلام، بهت الإستخدام ولو أن القضية- الدافع بقي موجوداً في أركان شتّى. في البداية تم استخدام كلمة مقاومة ومقاومين، والآن تقوم الأيديولوجية على استخدام كلمة "مجاهدين" المرتبطة- للأسف- بعمل الحركات المتطرّفة.
فيلم «فدائي» يوحي بكل ذلك وأكثر متحدّثاً عن "فدائي" حقيقي أسمه محمد الهادي بندودا. جزائرى كان فتى صغيراً عندما اندلعت الثورة الجزائرية وأخذ يشهد استبداد القوّات الفرنسية وقتلهم للأبرياء: "لم تكن فرنسا قادرة على الوصول إلى أعضاء جيش التحرير الجزائري فقبضوا وعذّبوا وقتلوا أفراداً عاديين إنتقاماً".
يوضّح المخرج (وهو قريب للشخصية الأساسية) بعض ما مرّ به محمد الهادي وما يتلوه من ذكريات. يصوّر الأماكن الصحيحة ويعتمد كلّيـاً على تعليق الرجل المستمر وذكرياته فيما عايشه. ينتقل إلى المواقع ذاتها (قرى، بيوت سكنية، مبنى استخدم كمركز إعتقال وتعذيب) مع القليل من المشاهد التوثيقية المأخوذة من مصادر أخبارية او تسجيلات محفوظة من الخمسينات.
محمد الهادي دبّر طريقه إلى باريس حيث كشف لخلايا التنظيم الجزائري هنا هويّـته ورحّـب بأي مهمّـة يمكن أن تُـسند إليه. يصف واحدة من تلك المهام التي كانت، كما يتبدّى من كلامه، مجرد اختبار. لكن المهمّة الثانية كانت حقيقية: قتل مغربي متعاون مع الفرنسيين ويملك مطعماً في مرسيليا. يُعـيد محمد والمخرج تمثيل الكيفية. يتابع المشاهد وضعاً غير مريح كونه يرى تفاصيل يدين بها محمد نفسه، قانونياً. وكما هرب محمد الهادي من باريس إلى مرسيليا، هرب لاحقاً من مرسيليا عائداً إلى الجزائر. 
يكشف «فدائي» هذا القدر الشخصي من التاريخ متمتّعاً بذاكرة رجل يريد أن يدلي بشهادته على كبر. الكاميرا لا تعرف الا متابعة الرجل وملاحقة أقواله ومحاولة التعبير عنها عبر إعادة تمثيل المشاهد. المخرج الشاب ينجح في إقامة علاقة حانية بين موضوعه وبين أولئك الذين لا زالوا يتذكّرون التضحيات الكبيرة التي أقدم عليها الشعب الجزائري في سبيل إستقلاله.


***  حصّـة الملائكة   The Angels's Share

[كوميديا إجتماعية تكشف عن مواطن
عبثية في عالم غير مثالي]. 


المخرج
كن لوتش  Ken Loach
أدوار أولى: 
بول برانيغن  Paul Brannigan
جون هنشو  John Henshaw
روجر علام   Roger Allam
غاري مايتلاند  Gary Maitland
جاسمين ريغنز Jasmine Riggins
وليام روان  William Ruane
سيناريو:
بول لاڤرتي   Paul Laverty
تصوير [ألوان- 35 مم]
روبي رايان  Robbie Ryan 
توليف [101 د]:
جوناثان موريس Jonathan Morris 
المنتج: 
 ربيكا أو برايان  Rebecca O'Brien

النوع: كوميديا إجتماعية | بريطانيا (2012)
عروض: مهرجانات "كان"/ الدوحة/ تورنتو

بعد فيلمه ما قبل الأخير «طريق أيرلندية»، الذي أخفق في إضافة جديد على ما شوهد من أعمال تتناول أوضاع الحرب العراقية، قرر المخرج المعروف لوتش وكاتبه المفضّـل بول لاڤرتي معالجة مادة خفيفة قياساً. 
«طريق أيرلندية» قدّم مادّة جادّة معادية للحرب التي قام بها الغرب على العراق لكن مشكلته كانت في ذلك السيناريو الذي لم يفتح في موقفه أي ملفّات جديدة وفي التنفيذ الذي وإن لم يرد تقديم حكاية تشويقية، الا أنه انتهى أخـف مما أريد له أن يكون. 
في «حصّـة الملائكة» قرر المخرج المخضرم إنجاز فيلم كوميدي يرتاح فيه من عناء التفكير بأزمات مجتمعه المعيشية كما فعلت معظم أعماله الماضية ويبتعد أكثر عن تجربته غير المرضية التي سادت عمله السابق. النتيجة عمل راقٍ من السينما الساخرة التي قلّما نشاهد مثيلاً لها هذه الأيام. الثنائي المؤلف من الكاتب بول لاڤرتي والمخرج لوتش توصّـل إلى خط قصصي شفاف وجميل وانتقادي في الوقت نفسه حول الحياة في المدينة الاسكتلندية صنع الحاضر حيث الحب وحده لم يعد كافياً للتغلّـب على الأزمات من تلك التي يواجهها بطل فيلمه روبي (بول برانيغن).
الحكاية  تتمحور هنا حول الشاب روبي  الذي يحاول التخلّص من الفقر المدقع وغياب المستقبل الآمن بالتخطيط لسرقة يقوم بها وثلاثة من رفاق محكوم عليهم، مثله، بالخدمات الإجتماعية. نتعرّف عليه وهو يستمع للحكم بعدما ضرب شاباً متسبّـباً في علة دائمة. في الوقت ذاته هو مهدد بالضرب، إن لم يكن بالموت، من عصبة من الرجال بسبب حادثة سابقة وإذا كان هذا لا يكفي فإن أب الفتاة التي يحب، والتي سيتزوّج، غاضب عليه ويتوّعده إذا لم يترك إبنته وشأنها. يرد كل ذلك في مرح لا يخفف من وقع محاولة المخرج إلقاء نظرة فاحصة على عنف المدينة وفساد أخلاقيات من فيها. هذا قبل أن يبلور بطل الفيلم سرقته الفريدة: سوف يتسلل إلى مخزن من براميل الويسكي المعتّـقة ليسرق بعض محتويات أحدها. إنه ليس أي برميل، لكنه البرميل الذي سيباع بمليون من الجنيهات في مزاد علني على أساس أنه ويسكي نادر وقديم. وبطلنا سوف لن يكتف بسرقة ما يملأ أربع زجاجات كبيرة، بل سيغش الويسكي النادر بالويسكي الذي في البرميل بويسكي عادي من البراميل الأخرى ولن يعرف أحد الفرق مهما كان ذوّاقاً.
القصّـة هزلية بلا ريب لكن لدى المخرج مخزوناً من التعليقات الإجتماعية التي تصيب أهدافها النقدية للوضع المحيط بلا تردد. إلى ذلك، يضمن للفيلم كل ما لديه من معالجة طبيعية لا ترغب في أن تبرهن عن شيء. البعض يفضل لوتش جادّاً، لكن تحقيق أي عمل من أي نوع هو مسألة تعود إلى اختياره الشخصي وفنيّـاً يكاد هذا الفيلم يرتفع إلى مصاف معظم أعماله الأخرى. 
لوتش يواصل العمل مع مجموعته المعتادة هنا :المنتجة ربيكا أوبراين مدير التصوير روبي رايان، المونتير جوناثان موريس  لجانب الكاتب لاڤرتي والجميع يؤمن عناصر الخامة الإجتماعية والإنتاجية الملازمة لكيف ينظر هذا المخرج إلى الحياة عبر أفلام ممعنة في تحليلاتها سواء أكانت درامية او كوميدية.

  
هيتشكوك    **    Hitchcock   

يصطدم فيلم "هيتشكوك" بموضوع أكبر من
قدرات مخرجه وبمعالجة تبدو فقدت التركيز.

  
المخرج
ساشا جرفازي  Sacha Gervasi
أدوار أولى: 
 أنطوني هوبكنز  Anthony Hopkins
هيلين ميرين  Helen Mirren 
سكارلت جوهانسن  Scarlett Johansson
داني هيوستون  Danny Huston
توني كوليت  Tony Collette
مايكل وينكوت Michael Wincott
سيناريو:
جون مكلوفلن  John J. McLaughlin
تصوير [ألوان- دجيتال]
روبي رايان  Robbie Ryan 
توليف [101 د]:
جوناثان موريس Jonathan Morris 
موسيقا:
توماس نيومان   Thomas Newman
المنتج: 
 ألان بارنت Alan Barnette
جو مديوك  Joe Medjuch
توم بولوك  Tom Pollock 
إيفان رايتمن  Ivan Reitman
توم ثاير  Ton Thayer


النوع: دراما [سيرة حياة] | الولايات المتحدة (2012)
عروض: عالمية. 

قبل أسابيع قليلة، قامت محطة HBO الأميركية بعرض إنتاج جديد لها بعنوان «الفتاة» تمحور حول الممثلة التي اختارها المخرج الراحل ألفرد هيتشكوك لتكون بطلة أحد أفلامه الرائعة وهو «الطيور». إنها تيبي هردن التي مثلت له بعد ذلك «مارني» والتي عانت من مشكلته مع الممثلات الشقراوات: رغبته المكبوتة في إمتلاكهن التي تدفعه لتشديد قبضته عليهن كممثلات. 
فيلم "هيتشكوك"، أول عمل درامي لساشا جرفازي الذي سبق وأن حقق أفلاماً تسجيلية، يتناول متاعبه النسائية مع ممثلته جانيت لي  ومع زوجته ألما. بذلك يرسم، لجانب الفيلم التلفزيوني، هالة شخصية داكنة لمخرج ربما لولا تلك الدكانة لما كان مبدعاً كما عهدناه.
مشروع فيلم سينمائي عن المخرج الذي يحتل بجدارة لقب "سيد التشويق" بلا منازع وحتى اليوم، كان حلماً داعب كثيرين من الثمانينات إلى اليوم. أحد هذه المشاريع كاد أن يدلف إلى حيّز التنفيذ مع الممثل الراحل بيتر أستينوف لكنه تأخر ثم تم إلغاؤه. السبب في ذلك، والسبب في أن الإقتراب من سيرة المخرج المهنية والخاصّـة أمراَ شائكاً، هو أن معالجة حياة مثل تلك الشخصية لن تكون هيّنة ولن تكون مساوية لإنجازاته. كذلك فإن القليلين من ممثلي اليوم يستطيعون التغلّب على الفوارق البدنية والتعبيرية بينهم وبين مخرج يعرف صورته الصغار قبل الكبار. 
الفيلم الجديد يتجاوز بعض هذه الإشكاليات بالتركيز على علاقة هيتشكوك بزوجته كما وردت في أحد كتابين وضعهما المؤلّـف ستيفن روبيللو عن المخرج الراحل، واحد تعامل وسيرته المهنية والآخر مع حياته الخاصّة، وهو ما أصبح المادّة الأساسية التي ارتكز عليها هذا الفيلم. يبدأ بخيبة أمل هيتشكوك من قيام بعض الصحف بدعوته للتقاعد وهو ما زال على القمّة، وذلك بعد نجاح  فيلمه «شمال شمالي غرب» (1959) وقراره بأن يفاجأ الوسط السينمائي بعمل أقوى من سواه. هذا قاده لاختيار فيلم «سايكو» عن رواية مبنية على واقعة كتبها روبرت بلوك. هذا الإختيار لم يثر موافقة زوجته ألما (هيلين ميرين) التي كانت ترتأي العودة إلى صنف أعمال زوجها الكلاسيكية. لكن هيتشكوك أصر وحقق «سايكو» سنة 1960 الذي تحوّل إلى أحد أهم نجاحاته وربما أكثر أفلامه رواجاً وشهرة. إنه في هذه الفترة وخلال عمله مع الممثلة جانيت لي (سكارلت جوهانسن) تزداد علاقته توتراً بزوجته التي يقدّمها الفيلم ضحية شخصية زوجها. 
ما هو مخيب للأمل فعلاً أن الفيلم يكتفي بالحكاية وزياراتها النمطية لكل هذه الشخصيات التي تقدّمها وعلى نحو من صحافة الفضائح. ليس هناك عمقاً لا في قراءة هيتشكوك ولا في قراءة حياته ولا في قراءة أفلامه.
إنه من هذا المدخل يحاول الفيلم القول أن مشاكل هيتشكوك العملية لم تكن مع هوليوود التي كانت تضغط عليه لقبول شروطها في العمل، بل مع زوجته التي كان يشك في خيانتها له. وهناك مشاهد مثيرة للضحك (ولو أنها لا تقصد ذلك) للمخرج وهو يعاني من كوابيس شكوكه. يبدأ الفيلم بدعابات داكنة مصدرها "هوس" هيتشكوك برواية بلوك، ثم ينحدر الفيلم بعد ذلك إلى صياغة ساخرة وكوميدية من حين لآخر. في محصله يبدو فقد التركيز وعوض أن يلبّي الحاجة  لتحقيق عمل شامل، قرر أن يوفر لبعض المشاهدين ملهاة ترفيهية تناسب مجلات الشائعات. أنطوني هوبكنز جيّد لأنه كذلك، لكن هيتشكوك يخرج مهضوم الحق في تأبين سينمائي مشرّف. 


  
Flight  ***     
من اليمين: دنزل واشنطن، دون شيدل وبروس غرينوود

دنزل واشنطن ينقذ هنا مزيداً من 
الأرواح، لكنه يخسر نفسه.

  
المخرج
روبرت زميكيس  Robert Zemeckis
أدوار أولى: 
دنزل واشنطن  Denzel Washington
نادين فيلازكويز  Nadine Velazquez 
جون غودمان    John Goodman
دون شيدل  Don Cheadle
بروس غريوود  Bruce Greenwood
سيناريو:
جون  غاتينز  John Gatins
تصوير [ألوان- دجيتال]
دون بيرجز  Don Burgess 
توليف [138 د]:
جيرومايا أو دريسكول Jeremiah O'Driscoll 
موسيقا:
ألان سيلفستري   Alan Silvestri
المنتج: 
 لوري ماكدونالد Alan Barnette
ستيف شاركي  Joe Medjuch
وولتر ف. باركس  Tom Pollock 
روبرت زميكيس  Ivan Reitman


النوع: دراما إجتماعية | الولايات المتحدة (2012)
عروض: عالمية. 

أنقذ دنزل واشنطن للآن حياة ركّـاب قطار مرّتين، مرّة في «إختطاف بلهام 123» ومرّة في «غير قابل للتوقّـف». هنا، في هذه المرّة الثالثة، ينقذ حياة نحو مئة راكب كانوا على متن الطائرة. بشهادة الجميع، لا أحد كان يستطيع أن يتصرّف على هذا النحو المفاجيء ويحط بطائرة كان يجب أن تدخل مرآب التصليح قبل أن تقلع. وهو بنفسه يعرف ذلك جيّداً كونه هو كابتن تلك الرحلة المدنية التي كان من المفترض أن لا تستغرق أكثر من 45 دقيقة. الإقلاع كان صعباً جدّاً بسبب العاصفة العاتية التي جعلت الطائرة تهتز بقوّة وتفقد خطّ سيرها. ها هو وراء المقود يطلب من الطائرة الصمود في إرتفاع سريع حتى يرتفع عن الغيوم الثقيلة. حين يفعل يرتاح هو ومن على الطائرة. لابد أنه ربّان ماهر.
لكن المتاعب السابقة لم تكن النهائية في هذه الرحلة القصيرة. ها هي الطائرة، وبسبب ما مرّت به من متاعب عند الإقلاع تفقد بعض أجهزتها الحسّاسة. تبدأ بالهبوط الشديد. الكابتن ويب كان أخذ "غطّـة" من نوع آخر: كان استسلم لنوم سريع قبل أن يوقظه مساعده ليسأله ما الذي يمكن عمله. مرّة أخرى ينصرف الكابتن لمهمّة إنقاذ الطائرة ونفسه وركّابها من موت محق. يفرّغ الطائرة من البنزين، يقفل بعض محرّكاتها ويقلبها رأساً على عقب ليمنعها من السقوط عمودياً. الحيلة تنجح لكنه لا يستطيع أن يواصل السفر والطائرة مقلوبة. هناك حقل وعليه أن يهبط فيه وها هو يجمع كل رباطة جأشه ومعرفته ويتّجه فوقه. تحط الطائرة فاقدة أربعة من ركّابها (ومضيفتان) لكن فعله هذا أنقذ نحو مئة آخرين. الآن هو بطل قومي…. ولكن…
فيلم المخرج روبرت زميكيس هو الأول له منذ سنوات. فبإستنثاء «كريسماس كارول» الذي كان من نوع الأنيماشن ونفّذه قبل ثلاث سنوات بنتائج عادية، لم ينجز هذا المخرج فيلماً مع ممثلين حقيقيين منذ أن قدّم «بيووولف» قبل خمس سنوات. فجأة، ها هو يعود في وضع جيّد متعاملاً مع موضوع يخصّـه، فهو عانى من الإدمان على الكحول خلال معظم تلك السنوات الفاصلة وقبل أن يقرر أن الوقت حان لكي يولد من جديد. لم يكتب سيناريو هذا الفيلم لكنه موجود فيه على نحو حسّـي واضح. فبطله الكابتن "وب" لديه المشكلة ذاتها. تحت ذلك القناع من المهارة والخبرة، هو إنسان ضعيف حيال الخمرة. "هل شربت قبل أن تصعد الطائرة؟" تسأله المحققة. يكذب في مطلع الأمر ثم يعترف: "نعم. شربت قبل إقلاعي وشربت في الليلة السابقة والليلة الأسبق والليلة التي قبل ذلك". أكثر من هذا، بعد أن يتجاوز محنة الإقلاع، يترك مقعده ويمازح الركّـاب ثم يفتح زجاجة عصير برتقال يدلق فيها مكوّنات زجاجة فودكا ويشربها قبل أن يعود إلى مقعده ويغط في النوم. 
حين يوقظه معاونه يكون ذلك بعد أن أخذت الطائرة تهوى. إنها محنة أخرى و"وب" يتصرف بحذق وحين يفيق ليجد نفسه في المستشفى يتلقى تهاني وتقديراً ومحطات التلفزيون تتحدّث عنه بطلاً قومياً. في البداية هو وحده يدرك أنه ليس كذلك، ثم العالم أجمع. 
هناك لحظات كثيرة في الفيلم نعتقد فيها أن بطله سوف يعود إلى رشده ويتوقّـف عن العادة. ها هو يجمع كل ما في البيت من زجاجات خمر ويرميها. ها هو يقطع الوعد لمحاميه (دون شيدل) ورئيس لجنة تحقيق (بروس غرينوود)، وها هو يكرر "أستطيع أن أتوقّـف عن الشرب متى أردت". تعتقد أنه وجد الشريكة المناسبة متمثّـلة في إمرأة درست مهنة ووجدت نفسها في مهنة أخرى   وأدمنت المخدّرات أيضاً. هي، قد تقول، من ستساعده على تخطي وضعه، وهو يبادر بإقتراح السفر إلى بلد آخر في عطلة لكي يفيق. لكنه هو الذي يخفق في إمتحانه بينما تنجح هي وتتجاوز محنتها. قبل ساعات من تلك المحكمة قاوم الشرب قدر ما يستطيع… ثم تهاوى. ثم تماسك صباحاً مستخدماً الكوكايين كمنشّـط، لكنه في نهاية الأمر قرر أنه لا يستطيع الإستمرار في الكذب. لا يتخلّى الفيلم عن جدّيّـته لذلك لا رغبة أمام دنزل واشنطن في إبقاء مسافة ودّية بينه وبين المشاهدين. وكما يمنح المخرج بعضاً من معايشته للمشكلة يوفّر الممثل قدراً كبيراً من الإلتزام بدوره الرمادي هنا. شخص يحتاج لأن يستيقظ من نوم كبير.
هناك حديث عن القدر أكثر من مرّة، وعن الله وما يريد لنا. الدين موجود في أول جمل حوار يتبادلها وَب ومعاونه (المتديّن كما سنرى لاحقاً في مشهد يقع في المستشفى) وفي المستشفى سيلتقي بتلك المرأة التي تتداوى من إدمانها، وبشاب مصاب بالسرطان وهذا الأخير (الذي لن يكون له دور فيما يلي) يقول: "الله خطط لكما اللقاء هنا. أصنعا منه أفضل ما تستطيعان". هذه الأمثلة وسواها تبدو ضربات ريشة خفيفة على لوحة أكثر مما هي دلالات صارمة. الفيلم ليس دينياً لكنه يريد أن يقول أن هناك قوّة إلهية إذا ما استسلمت لها تجنّـبت سوء الأفعال. 
بالنتيجة، وعلى الرغم من حسن تنفيذ زميكيس لكل مشهد (مشهد وَب وهو يضع زجاجة فودكا خارج برّاد الفندق كما لو أنه لن يعود إليها ثم ها هو يخطفها بقبضة سريعة) متعاملاً مع نواحي الشخصية بدراية. لكنه فيلم سيناريو أساساً. زميكيس لن يحاول صنع فيلم علامة على صعيد الإخراج- لديه سيناريو جيّد وهذا يكفيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

SKYFALL نقد فيلم


ISSUE 4 | N. 139
  وحيداً في الصالة  

[تارانتينو الجديد]
جايمي فوكس

لم تصنع السينما شيئاً في ماضيها لم تعد إليه لاحقاً. نظام الأبعاد الثلاثة كان اعتبر منهج عمل فاشل في الخمسينات، قبل أن تحوّله هوليوود الجديدة إلى تجارة نشطة. هيتشكوك مات جسداً لكن أفلامه وعشرات الكتب والمقالات بالإضافة إلى فيلم جديد عنه، لا زالت تطرحه كعلامة فارقة من علامات عصر السينما. و"الوسترن" لا يزال مطروحاً وإن لم يكن بالقوّة ذاتها والجميع بإنتظار ما سينبلج عنه فيلم كوينتين تارنتينو الجديد «دجنغو غير مقيد».  وأفلام "الإستهلاك السوداء" او ما أطلق عليه Blacxeploitation يطل كذلك برأسه عبر فيلم جديد ينطلق للعروض هذا الأسبوع بعنوان «الرجل ذو القبضتين الحديديّـتين» The Man With the Iron Fists.
  [Blacxeploitation]
RZA

هذا الصنف من الأفلام راج أواخر الستينات ومطلع السبعينات واضعاً في الحسبان إسناد البطولات الأولى لممثلين أفريقيين- أميركيين. بذلك وُلدت شهرة رتشارد راوندتري، جيم براون، بام غير، أنطونيو فارغاس، رون أونيل، تامارا دوبسون، فرد ويليامسون، تلموس رسولالا، ملفن فان بيبلز وآخرون عديدون. وراء هذه العودة مغني الراب RZA الذي لا يكترث أن خبرته لا تشمل التمثيل او الإخراج لكنه مقدم عليهما مندفعاً بموهبة مأمولة. ومعطيات السوق تشير إلى أن  فيلمه هذا سوف يجد ذوّاقون يقبلون عليه ولو في إطار السينما الأميركية وحدها ولو من باب الحنين إلى سينما ولّ نشاطها وقلّ حضورها نسبياً. 

[حفيد جنكيز خان]
 جون ميليوس

وRZA (نسبة لإسمه الكامل: روبرت فيتزجرالد ديغز) لديه موعد آخر مع الشهرة إذ وقّع مع المنتج أندري مورغن (أحد منتجي "العرّاب") على مشروع فيلم بعنوان "جنكيز خان" كتبه جون ميليوس الذي سبق وكتب وأخرج «كونان البربري» وسوف يتم تصويره في الصين متحدّثاً عن فتوحات القائد المغولي الشهير. لكن سؤالي هو أي دور سيؤدّيه مستر ديغز؟ معروف، ليس من باب عنصري بل من باب الواقع، أن لون بشرة المغوليين برمّتهم وملامحهم وقسمات وجوههم لا تشترك وملامح الأفريقيين في شيء. فهل سيؤدي الممثل شخصية حفيد بعيد؟ أو مستشار جيء به للمساعدة؟ او أفريقي جنحت به السفينة إلى أوروبا ومنها وصل إلى مشارف آسيا حيث التقى بجنكيز خان؟ السينما تجعل كل ما سبق ممكناً وهذا جمالها.

[فرانكو نيرو]
فرانكو نيرو

فيلم آخر مقبل يحمل نسمات "البلاكإكسبلويتاشن" هو ذاك الذي أنجزه كوينتين تارانتينو بعنوان «دجنغو غير مقيد» من بطولة جايمي فوكس في دور عبد أسود في أميركا السالفة ينال حرّيته ويبحث عمن خطف زوجته منه وفي الطريق سيبيد كل من يعاديه. إنه فيلم وسترن أيضاً وعنوانه يعود إلى تلك النوعية التي أدمن على صنعها الإيطاليون في صنف كانت له رواجاته أيضاً هو «الوسترن سباغيتي» والتي انطلقت في النصف الثاني من الستينات حتى منتصف السبعينات وأحد أبرز أفلامها هو «دجنغو» الذي أخرجه (المتكاثر حينها) سيرجيو كوربوتشي من بطولة فرانكو نيرو- الذي وعن قصد جيء به لكي يؤدي أحد الأدوار الثانوية في فيلم كوينتين تارنتينو علماً بأنه لم يتوقّف عن التمثيل طوال هذه الفترة في أفلام إيطالية وأميركية. في «دجنغو غير مقيد» (والدال لا تلفظ حين النطق) نلتقي أيضاً بليوناردو ديكابريو وسامويل ل. جاكسون ومن الجيل القديم، ولجانب فرانكو نيرو، الممثل بروس ديرن الذي كان له أيضاً باع في سينما الوسترن في السبعينات.


Skyfall    ****  سكايفول

[الإرهاب لا يعرف بلداً… وليس على الخريطة.
في الحقيقة إنها المخابرات البريطانية التي
عليها أن تلجأ إلى المخبأ]

المخرج
سام مندَز Robert Lorenz
أدوار أولى: 
دانيال كريغ  Daniel Craig
جودي دنش  Judi Dench
خافييه باردم   Javier Bardem
رالف فاينس  Ralph Fiennes
ناوومي هاريس  Robert Patrick
ألبرت فيني  Albert Finney
سيناريو:
بول برفيز  Paul Purvis
روبرت وايد  Robert Wade
جون لوغان  John Logan
تصوير [ألوان- 35 مم]
روجر ديكنز  Roger Deakins 
توليف [143 د]:
ستيوارت بيرد Stuart Baird 
موسيقا:
توماس نيومان   Thomas Newman
المنتج: 
باربرا بروكولي  Barbara Broccoli 
مايكل ج. ولسون  Michael G. Wilson
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
النوع: جاسوسية [مسلسل] | الولايات المتحدة/ بريطانيا (2012)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في النهاية يموت العهد القديم ويتركنا الفيلم مع مرحلة جديدة مقبلة. "م". رالف فاينس يجلس على المكتب الذي شغرته جودي دنش لثمانية أفلام. إسمه سيصبح "م" كما كانت هي "م" ومن قبلها روبرت براون وبرنارد لي، وسيتولّى إسناد المهام المستحيلة لجيمس بوند. في الحقيقة، وقبل أن يسخن مقعده، يطلب بوند إليه ويسلّمه ملفّاً ويقول له: "لدينا الكثير من الملفات يجب العمل عليها". 
هذا يعني الكثير من الأفلام التي ينتظر لها أن تنطلق لخمسين سنة أخرى إذا كان هذا ممكناً. بوند سيبقى في ثلاثينات حياته، والعالم كلّه سيتغير. وهما، بوند والعالم، متناوئان هنا أكثر من أي مرّة سابقة. هذا بوند إنسان ليس لديه وقت للهو لأن العالم ما عاد يتّسع للراحة. هو أقرب إلى كل منّـا من حيث شعورنا بأن العالم الحاضر، ذلك المتمثّل بالسياسة وبالإرهاب وبالفساد والمصالح والتطرّف،  صار الوحش الذي ابتدعه فرنكنستين فصار أقوى منه.
قبل خمسين سنة عندما ظهر جيمس بوند لأول مرّة عبر فيلم «دكتور نو» كان العالم مختلفاً كثيراً عما هو الآن وفي كل شيء: التقنيات، المجتمعات، القوى السياسية الفاعلة على الساحة، السينما ذاتها والهموم البشرية المختلفة من مكان إلى آخر. كان منقسماً إلى شرق وغرب ودول غير حيادية وأخرى لا صوت لها. الآن معظم الدول لا صوت لها، إما لأنها أضعف من أن تصرخ او لأنها شريك للقوّة الأكبر أيما كانت تلك القوّة. جيمس بوند وُلد آنذاك ليحل مسألتين مترابطتين: كيف يمكن مواجهة المعسكر الشرقي (الشيوعي) والقوى المتحالفة معه، وكيف يمكن له أن يذود دفاعاً عن الغرب وحلفائه؟
كانت التركيبة بسيطة والقسمة مقبولة على سذاجتها. لكن الحال، من عقد إلى آخر تبدّل، حتى إذا ما حط «سكايفول» في زمننا الحاضر جاء متشرّباً هموماً ومعضلات بعضها كان مجرد فانتازيات في الستينات والسبعينات، مثل تلك القدرة الهائلة لتقنيات التجسس والإتصالات التي تمحي الهويّة المستقلّة للجميع. أيام شون كونيري وروجر مور كانت تلك الهوية أمراً لا مساس او لبس فيه. بوند عميل مرتبط بسياسة جهاز المخابرات البريطانية التي وحدها تستطيع اختراقه والوصول إليه (أحياناً). في زمن دانيال كريغ في ثالث أدواره البوندية صار بلا دفاعات. مفتوح ككتاب. الكل يستطيع أن يصل إليه. تصيبه رصاصات الحلفاء والأعداء على حد سواء. ليس هو فقط، بل رئيسته "م"… ها هي عاجزة عن التصرّف. في خطر لم تشعر به من قبل. تترك مكتبها فإذا بالشرير سيلفا (جافييه باردم) يفجّره ومركز قيادتها. المخابرات البريطانية عليها أن تلجأ إلى أنفاق لندن القديمة المغلقة منذ الحرب العالمية الثانية وربما قبل ذلك.  "م" نفسها لن تجد نفسها آمنة حتى في مقر الحكومة البريطانية. حين استجوابها يقتحم سيلفا الجلسة ويبدأ بإطلاق النار على الجميع آملاً في أن يقتلها. بوند في أعقابه. هو ومدير العمليات الجديد (رالف  فاينس سينقذانها) وستجد نفسها مع بوند وحده هاربان إلى الريف الأسكتلندي.  إلى قصر قديم أسمه "سكايفول" طلباً للحماية، وبلا أسلحة تذكر. 

هذا أفضل جيمس بوند من عقود. وإذا كان لابد من تقسيم تلك العقود إلى حقبات فإنه أحد قمم ما تم إنتاجه من السلسلة (23 فيلم رسمي وواحد أقتنص خارج إنتاجات الشركة) إلى اليوم. ليس لأن الحكاية على نحو ما تقدّم، بل لأن هذه الحكاية تتحدّث عن عالم بلا ضوابط. عن إرهاب لا يعرف حدوداً جغرافية. عن حاضر ملبّد بالمخاطر لدرجة أن المخابرات البريطانية هي التي تلوذ بالهرب وتحاول درء الخطر عن نفسها.
بوند الجديد يحمل بعض النواحي التي لم تشأ أفلام بوند السابقة الخوض فيها. طبعاً في كل فيلم من السلسلة يشهد الموت ماثلاً أمامه وممثلاً إما تحت أشعّة اللايزر وإما بين قبضتي مقاتل ياباني شديد وإما تحت عجلات القطار او سقوطاً من الطائرة او محاطاً بالتماسيح. لكن في كل مرّة كانت نجاته ذات نكهة كوميدية. لا تستطيع أن تأخذها جدّياً. تقبل بها على أساس المعطيات الفانتازية وعلى مبدأ أن البطل لا يموت. لكن هنا، مع ذلك الحزن المتجلّي في نفس بوند، فإنه في كل مرّة يتعرّض فيها للموت هناك حسّ بأنه وُلد من جديد. حين يتم إطلاق النار عليه بالخطأ تبعاً لتعليمات "م" ويسقط من فوق القطار إلى حتفه. يغيب. ثم يظهر مع حس بأنه مات بالفعل لكنه عاد إلى الحياة. الماء التي سقط فيها جريحاً غسلته. آخر لقطة في تلك البحيرة التركية التي استقبلته كانت لا زالت تظهره غارقاً إلى تحت. 

بوند يعود وفي الوقت المناسب. "م" (جودي لنش) كتبت نعيه ومكتبه أغلق وملفّاته توارت. حين يظهر يتم إرساله إلى فحص عام لاختبار قدراته القتالية، وهو يفشل لكن "م" تخفي النتائج التي لا تليق بعميل مثله وتعيده إلى العمل. ربما ليس لديها حل آخر. المجرم الطليق سيلفا يخترق حصون المواقع الخاصّة لجهاز الإستخبارات البريطاني ويكشف أسماء العملاء معرّضاً إياهم للقتل. "م"، كما ذكرت، في موقع الخطر فهو يريد الوصول إليها. آخر ثلث ساعة من الفيلم هي جديدة على أي فيلم بوند سابق. إنها تكاد أن لا تكون "بوند" على الإطلاق بل جزء من فيلم بوليسي مختلف حدث أنه من بطولة كريغ ولنش.
في كل ذلك، هناك فيلم يحاول أن يمزج القديم بالحديث. الـ "أولد فاشن" بـ "ذ نيو فاشن". وهذا يشمل الحكاية وأماكنها وتضاريسها، ويشمل تصميم الإنتاج والإنتقال من موقع حديث إلى قصر قديم مهجور. يشمل أسلوب الإخراج ودراما الأحداث. يشمل إستخراج سيّارة بوند الأوستن القديمة ثم حرقها والإستغناء عن التقنيات الحديث في المقابل واستبدالها بأخرى أبسط منها وأسهل. من يقف وراء ذلك هو مخرج حقق أفلامه على منواله وليس على المنوال التقليدي. أخرج، بين ما أخرج «جمال أميركي» و«الطريق إلى ردمشن» و«ريفوليوشنري رود» وكلّها لا تمت إلى ما تريده هوليوود. لكن المخاطرة كانت كبيرة جدّاً هنا. بوند الماثل مركّب ولا يقل تعقيداً عن ذلك المزج الدقيق الحاصل. فهو إن كان "خالداً" كونه لا يموت، الا أنه أقرب بوند إلى البشر من أي بوند آخر بمن فيهم هو نفسه في الفيلمين السابقين: يتألّم ويُصاب وحياته عرضة لخطر الموت بأبسط الوسائل. لا لايزر ولا سقوط من طائرة على علو 20 ألف قدم بلا مظلّـة ولا شيء من هذا القبيل. بل صراع فعلي من أجل الحياة.
إنه ليس سرّاً القول أنه منذ أن باشر دانيال كريغ لعب هذه الشخصية أولاً في «كازينو رويال» ثم في «كم العزاء» والسلسلة شهدت تغيّراً إلى الأفضل. «سكايفول» هو ذروة النجاح وأفضل الثلاثة وفي جوانب كثيرة هو أفضل بوند في خمسين سنة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ