The BFG | The Nice Guys | The Shallows نقد أفلام| Independence Day: Resurgence | Cell



------------------------------------------------------------------------------------------
العدد 239 | السنة 8
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Screen  1
[أفلام عرض أول]

★★★★  
إخراج ستيڤن سبيلبرغ   Steven Spielberg
فانتازيا  | الولايات المتحدة (2016)  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 عملاق كبير ودود يوفر أمانة النص وبعض الحسنات

لم يعد خافياً أن «العملاق الكبير الودود» (The Big Friendly Giant وإختصاراً كما عنوان الفيلم رسمياً The BFG) سقط في عروضه التجارية منذ إفتتاحه في الأسبوع الماضي. وبينما ينتظر صانعو الفيلم نتائج عروضه العالمية، فإن تلك الأميركية انتهت إلى 26 مليون دولار وحل الفيلم رابعاً وراء الفيلم الكرتوني «إيجاد دوري» (المتمرس في المركز الأول منذ ثلاثة أسابيع) و«أسطورة طارزن» الفانتازي و«التطهير: سنة الإنتخابات» المرعب . أمر غير معتاد لفيلم من إخراج ستيفن سبيلبرغ!


كل مخرج له كبوته ولو كان سبيلبرغ، وهذا كان شهد أكثر من كبوة في الواقع. أولها فيلم «1941» سنة 1979 لكن ذلك الفيلم تكلّـف 35 مليون دولار بينما تكلف الفيلم الحالي 150 مليوناً بالإضافة إلى نحو 80 مليون دولار للدعاية وشؤون الإعلام والترويج.
إيرادات «توايلايت زون» (1987) و««دائماً» (1989) و«أميستاد» (1997) كانت بدورها معتدلة للغاية، لكن كلفة الواحد من هذه الأفلام لم تتجاوز الأربعين مليون دولار. فما هو المختلف اليوم عما كانت عليه الحال في تلك الآونة؟

باعث الأحلام
«العملاق الكبير الودود» فانتازيا مأخوذة عن رواية لرولد دال المنشورة سنة 1982. وهي ليست المرّة الأولى التي يتم تحقيق هذه الرواية فيلماً للشاشة، بل سبق وأن أقدم البريطاني برايان كوزغروف على تحقيق مسلسل تلفزيوني مأخوذ مباشرة وبأمانة (كحال هذا الفيلم) من تلك الرواية. كما أن عدداً من روايات دال الأخرى تم تحويلها إلى أفلام سينمائية مثل «الساحرات» (1990) و«ماتيلدا» (1996) وخصوصاً روايته الأشهر والأنجح إقبالاً «ويلي وونكا ومصنع الشوكولا» التي أنجزها سنة 1971 الأميركي مل ستيوارت وعاد إليها سنة 2005 تيم بيرتون في نسخة أفضل). كذلك صنع وز أندرسون عملاً جديراً بالإعجاب سنة 2009 مأخوذ عن رواية دال «فانتاستيك مستر فوكس».
الحكاية تدور حول العملاق الطيب الذي يختطف فتاة صغيرة أسمها صوفي (أهدى دال هذه الرواية إلى إبنته أوليفيا وسمّـى بطلتها الصغيرة، صوفي على إسم حفيدته) إلى حيث يعيش في بعض الجبال العالية. إنه عملاق ودود ولا يأكل البشر على عكس عادة شعب من العمالقة (أكبر حجم منه) وصداقة متينة تنمو بينهما قبل أن تسهل له الفتاة الوصول إلى ملكة بريطانيا التي تتعرّف عليه في قصرها قبل أن تأمر فتنطلق طائراتها للقبض على تلك الوحوش.
طريقة التواصل منذ البداية هي الحلم، فالعملاق يوعز بالأحلام عبر آلة نحاسية (كالترومبيت) وعندما يكتشف أن الفتاة اليتيمة (روبي بارنهل) شاهدته يخطفها ليبقي أمره سراً. أما تواصله مع الملكة فيتم ببث الحلم أيضاً قبل أن تقوم صوفي بمهمة التعريف.
كل ما نراه في فيلم سبيلبرغ هو ما قرأناه في هذه الرواية فالإقتباس أمين إلى حد كبير وقامت به مليسا ماثييسون التي كانت كتبت «إي. تي: الخارج عن الأرض» سنة 1982 (السنة التي ظهرت رواية دال هذه). لم تكتب للسينما كثيراً بعد ذلك لكن علاقتها بفيلم «إي تي» كان من بين الأسباب التي دفعت العديد من النقاد لإجراء مقارنة بين الفيلمين على أساس أنهما يتداولان موضوعاً شبيهاً: مخلوق غريب قد يثير الخوف لكنه في الواقع صديق للصغار. لكن الواقع أن الفيلمان يتباعدان فيما عدا هذا الخط النحيف بينهما. 
وهذا التباعد قد يكون سبباً خفياً في إنحسار الجمهور الكبير الذي أحاط، سابقاً، أفلام سبيلبرغ بإقبال حاشد. لأن الإحتمال الكبير هو أنه لو قام سبيلبرغ اليوم بتحقيق جزء ثان من «إي تي» عوض The BFG لكان استعاد ذلك الجمهور الكبير على الفور. المشكلة بين العملين هي أن الحماس والحوافز الإثارية التي شهدها الفيلم السابق، مفقودة إلى حد بعيد من هذا الفيلم الجديد. 

الحس المفقود
أيامها كانت المؤثرات البصرية ما زالت أكثر تواضعاً وأقل هيمنة على روح الشخصيات وبل روح المخرج الذي يتعامل معها. العناية الكبرى كانت لا تزال من نصيب الشخصيات البشرية من ناحية وابتداع مواقف يفعّـل فيها المخرج دور الكاميرا كعين المشاهد القريبة مما يدور. في هذا الفيلم، العكس هو السائد. كل مشهد في ساعتي الفيلم، هو تذكير بما وصلت إليه الخدع والمؤثرات (تم تصوير شخصية العملاق التي قام بها مارك رايلانس بأسلوب "موشن كبتشر" القائم على تصوير الممثل فعلياً ثم إدخال النتيجة الكومبيوتر وإعادة صنعه بالشكل المرغوب). إلى ذلك، فإن الحوار الكثيف ووقوع معظم الأحداث في مكان واحد أجهز على تلك الروح الأولى التي مارسها سبيلبرغ في أفلامه السابقة (أو معظمها على الأقل).


في كل هذه الفترة السابقة للقاء العملاق الودود بالملكة البريطانية لا يقع الكثير من التنويع ولا توجد أحداث حقيقية بإستثناء مداهمة العمالقة الأشرار لمكان العملاق بحثاً عن الفتاة لالتهامها (لماذا لا يلتهمونه هو كونه أصغرهم حجماً؟). أما الإنتقال إلى قصر الملكة وما يقع فيه من أحداث فإنه نقطة منحدرة أخرى حتى على صعيد أعمال سبيلبرغ عموماً. المشاهد مطوّلة والنبرة كوميدية القصد والمعالجة لكنها لا تُـضحك حتى عندما يستنجد المخرج بمشهد تعرض الملكة وكل من حولها إلى غازات معوية نتيجة مشروب دعاها العملاق لشربه.
أين سبيلبرغ السابق الذي كان يعرف ما يختار ويحرص على حس المغامرة وما تتطلبه من تنوّع المفارقات وتعدد الأحداث وقبل ذلك وبعده كيفية إثارة المشاهدين لعالمه المعروض؟ «العملاق الودود» هو فانتازيا تماماً كحال «جوراسيك بارك» و«لقاءات قريبة من النوع الثالث» و«إي تي» و«إنديانا جونز» وسواها، لكن من دون الإثارة التي عرفتها كل تلك الأعمال السابقة.
الجانب الآخر من أعمال سبيلبرغ هي تلك الواقعية أو الجادة.
وهو حقق فيها أيضاً نجاحات كبيرة، كما حال «لائحة شيندلر» (1993) و«إنقاذ المجند رايان» (1998) و«ذ ترمينال» (2004) و«ميونخ» (2005). العامل المشترك الموجود بين أفلامه الخيالية (حتى هذا الفيلم) وبين أفلامه الواقعية هو شغفه العاطفي بمصائر أبطاله خصوصاً الصغار. هذا موجود في هذا الفيلم إنما يكاد لا يظهر لكل الأسباب الآنفة الذكر، لكنه كان بارزاً ومحورياً في «إمبراطورية الشمس» (1987) و«إي تي» (1982) وفي مشهد الفتاة الصغيرة الهاربة من الإعتقال النازي في «لائحة شيندلر» (1993) ضمن أماكن أخرى.
جزء من فشل «العملاق الكبير الودود» يكمن في موقف جماهيري حتى من قبل معرفته بتفاصيل العمل والإطلاع عليه. هذه الأسباب السلبية المذكورة هنا كانت ستؤدي لإنحسار الإقبال بعد أسبوع أو أسبوعين (كما حدث مع «لينكولن» قبل ثلاثة أعوام مثلاً)، لكن الجمهور  الذي لم لا بها مسبقاً اتخذ موقفاً من الفيلم لن تتبلور أسبابه الخاصة ولا تداعياته إلا لاحقاً.
ربما سرعة انتقال الرأي السلبي بين الناس عبر «التويتر» و«الفايسبوك» سبباً مهماً، لكن يبقى أن الكهرباء لم تمس الغالبية وأن الناس لم تتدافع لتكتشف بنفسها وأن إسم سبيلبرغ لم يكن ضمانة هذه المرّة كما في غالبية المرّات السابقة.