أفلام الأسبوع: "وجدة" من جديد | "ذ غولم" | "عيادة د. كاليغاري" | الفيلم المغربي "جيش الخلاص"



أفلام اليوم 
"وجدة" في المحصلة النهائية


الفيلم: وجدة
إخراج: هيفاء المنصور.
أدوار أولى:  عبدالرحمن الجهاني، ريم عبدالله، وعد محمد، أبو سلطان العسّاف.
النوع: دراما إجتماعية [سعودي- 2013]
تقييم الناقد: ***  
Film # 294

قبل أن أدلف بنقد هذا الفيلم بعد مشاهدته مجدداً وبمناسبة بدء عروضه الأميركية واستمرارها في عواصم أوروبية، لابد أن القاريء بات مدركاً للمدى البعيد من الإعجاب الذي حظي به هذا الفيلم بين النقاد العالميين. المخضرم فيليب فرنش في «الأوبزرفر» البريطانية يقارنه بـ «الكلب الأندلسي» للوي بونويل و«الرجل الهاديء» لجون فورد. كلاوديا بويغ كتبت تقول «ليس فقط أن الفيلم منفذ بحرفية حذقة وبتمثيل فائق، لكن «وجدة» يسلط ضوءاً على ما تواجهه المرأة منذ طفولتها في ظل نظام قامع". من ناحيته وصف أنطوني لاين المخرجة: "ذكية جداً لحد أنها لن تبالغ في لعب رمزيتها…. لكن دفع الفيلم، عند النهاية، لا يمكن أن يكون أكثر ضرورة".
هؤلاء وهناك عشرات سواهم ليسوا من مراجعي الأفلام التي سمحت لهم تقنيات العصر إبداء الآراء، بل من محترفي النقد. هناك نسبة تتجاوز السبعين بالمئة من نقاد العالم الغربي (أميركا، كندا وأوروبا) الذين استحسنوا الفيلم بمعدّل جيد إلى تحفة. ما يجعل هذا الناقد يراجع موقفه هنا: هل أخطأت حين اعتبرت الفيلم متوسط القيمة؟ أم كنت مصيباً وغير متنازل؟
علينا أن نعترف أن المخرجة عرفت كيف تدخل قلوب الغربيين (مشاهدين أيضاً): فتاة صغيرة. حلم صغير (عادي جداً لدى أي فتاة في البلاد الغربية). ظروف قاهرة. مجتمع ذكوري. والباقي حياكة القصّـة وسردها بمهارة، وهذا متوفّـر بوضوح. طبعاً ذلك موضوع أمام مشاهدين يدركون ويتمنون تغييراً إيجابياً في التقاليد الصارمة. هيفاء المنصور لا تطرح هذه التقاليد للدرس ولا تستطيع، في فيلم من حقّـه ألا يكون وعظياً، أن تحوّل المادة إلى جدال حول ما هو الصواب وما هو الخطأ، وهل تلك التقاليد هي من صلب الدين أو من خارجه. هنا، مع فيلم يطرح أحلام الحريّـة، لابد للمرء تقدير هذا الموقف والدفاع عن حريّـة رأيه. لكن- ولا يهم ماذا يعرف الناقد أو لا يعرف- ليس بمنأى عن معاينة الفيلم كنتاج فيلمي- سينمائي بالدرجة الأولى. 
بطلة فيلم «وجدة» (وعد محمد) تشبه المخرجة السعودية التي تقدّمها، هيفاء المنصور في ناحية واحدة على الأقل: إذ تشاهد الفيلم  يساورك الشعور بأن المخرجة إنما تتحدّث عن نفسها من خلال بطلتها وأحلامها. الدرّاجة التي تطمح وجدة لركوبها، هي الكاميرا التي كانت المخرجة تطمح للعمل عليها وتحقيق حلمها بالعمل السينمائي. كلاهما أنثى يعيشان في مجتمع محافظ. كلاهما يجدان تشجيعاً محدوداً وصدّاً كبيراً. كلاهما يحقق ما يريد في النهاية.  
إنه الفيلم الروائي الأول للمخرجة الطموحة التي كانت حققت عدداً من الأفلام القصيرة بعضها أفضل من بعض، لكن ليس من بينها ما هو رديء. على ذلك، تحقيق فيلم روائي طويل هو أمر مختلف. الأفلام القصيرة تستطيع أن تتخلّـى عن شروط الرواية وعناصر القصّـة، لكن الفيلم الطويل ليس متحرراً من الحاجة- إذا ما كانت الإجادة مطلباً- إلى تلك العناصر الا إذا أريد للفيلم أن يكون طليعياً او تجريبياً او منتمياً إلى وضع سوريالي. 
أول ما يلحظه المرء هنا هو أن ملكية المخرجة للكتابة (بما في ذلك كتابة الحوار) وصفية ومن مصدر واحد يطغي بمواقفه على الجميع. فالأم تتصرّف حسب المنهج المرسوم لها،  والمعلّـمات حسب المنهج المرسوم لهن. لا مناطق رمادية تثري الشخصيات، ولو أن ما يفعله الفيلم، ولو تعويضاً، هو استخدام هذه المواقف الممنهجة كأنماط لإيصال رسالة مفادها العالم المحبط والممانع لبطلتها التي تحلم بأن تشتري دراجة (هوائية) تركبها أسوة بالطفل قريبها. 

تبدأ المخرجة فيلمها بلقطات على أقدام الفتيات المتوجّـهات إلى المدرسة. ثم تفتح على نحو عريض لتشمل الصف الذي تدرس فيه وجدة. ثم تتابعها إلى البيت وتعرّفنا بوالدتها الطيّبة وبأبيها الذي سترغمه أمّـه الزواج من إمرأة أخرى، لأن الأولى (ريم عبدالله رائعة) لم تنجب له صبياً. الفيلم ينجح هنا كما في المفاد الأخير المكوّن من مشاهد نهائية، في تسليط الضوء مزدوجاً على مأزق (او سمّـه أزمة إذا أردت) الفتاة والأم، فكما أن الأولى تمر في عنق زجاجة الوضع الإجتماعي المحافظ، مرّت الأم به وبل لا تزال من خلال النظرة المتداولة وهي أن على المرأة أن تنجب ولداً ذكراً لزوجها كشرط لاستمرار الحياة الزوجية من دون ضرّة (ربما).  
بعد التمهيد يدخل الفيلم في توليفة من المشاهد المتكررة التي تعيد شرح وضع الفتاة في المدرسة وموقف المديرة المتجمدة صوبها نتيجة ما تراه خروجاً لها عن التقليد الذي يجب أن يُـتّبع. فهي تطلب منها تغطية شعر رأسها، وتطلب منها تغيير حذائها (الملوّن إلى واحد أسود) وتصادر بعض ما كان في حقيبتها من صور وكتب تصفها بالغرامية. وجدة لديها إبن عم أسمه عبدالله ربما يصغرها بسنة او إثنين ويصاحبها أحياناً ما بين المدرسة والبيت: المسافة التي تشعر وجدة بأنها حرّة لدرجة أنها قد تغيّر طريقها إلى البيت او تركض الشارع مع إبن عمّـها من دون خشية من عواقب او محظورات. في أحد الأيام تشاهد الدراجة في محل فتقرر أن تشتريها. لا تملك بالطبع ثمنها ووالدتها لن تعطها هذا الثمن لأنها تعارض أن تقوم إبنتها بركوب الدراجة لأن ذلك عيب إجتماعي. 
هذا الفصل من الأحداث هو ما يمر باهتاً، وهذا القول لا علاقة له بأهمية المضمون وطرحه، بل بالكيفية التي تصيغ فيها المخرجة حاجاتها من المشاهد فإذا بها عامّـة، لا خصائص فنيّة لها لا تصويراً ولا توليفاً ولا أجواءاً. إنه كما لو أنها تعتقد أنها تتوجّـه لجمهور إذا ما تعبت على مثل تلك العناصر خسرته. والتطوّر الذي يفاجئنا ليس في أن الفتاة الصغيرة تبدأ بجمع المال بطرق خاصّـة، مثل بيع بعض مقتنياتها او تفرض مبلغاً من المال لإيصال رسالة ثم تفرض مبلغاً مماثلاً ممن استلم الرسالة، بل بالتبرير الذي توفّـره المخرجة لبطلتها لتفعل جل ما تستطيع. روائياً، ليس لدى هيفاء المنصور طريقة أخرى لتظهر أضطرار بطلتها لمثل تلك التصرّفات كرد فعل للمنع الذي تواجهه حيال قيامها بشراء درّاجة. لكن أن تفعل ذلك بتلك الخفّـة وبقدر من الخبث وافتعال الحذق يحوّل عنها صفة الضحية. تلك الإبتسامة الماكرة وهزّة الرأس الهازئة هما أكثر قليلاً مما تحتاجه المخرجة لتبرير أفعال بطلتها. 
هناك حكاية جانبية لا تترك الا القدر المحدود من الأهمية بصرياً ودرامياً، رغم أنها تضيف لطروحات الفيلم طرحاً مهمّـاً آخر، وهي حكاية العلاقة بين المرأة الممنوع عليها قيادة السيارات، والسائقين الآسيويين الذين يوظّـفون هذا الضعف لمعاملة غير لائقة (مثل خروجهم عن اللياقة حين التعامل مع المرأة ورفع الصوت عليها الخ…). هذه المسألة معروضة بنفس الأسلوب العابر لأن الهمّ هو عرض وطرح الموضوع وليس إلحاقه بأسلوب بصري فاعل. 
سيبقى الفيلم عملاً مهمّـاً لصاحبته كما سيلقى ردّ فعل إيجابي مستند إلى أنه أول فيلم سعودي لإمرأة، لكن المسألة تبقى عند هذا الحد. لا استغلال للفرصة لإطلاق فيلم يمكن له، لجانب إثارة القضايا (وهو أسهل الأمور في كل الفنون) طرح ما هو فني وإبداعي وتشكيلي في المقابل. 
إثر مشاهدتي الأولى إكتفيت بنجمتين للفيلم. هذه المرّة كان لابد لي من الإعتراف بالقوّة الواضحة للمادة على بساطتها. أو بكلمات أخرى، قوّة البساطة وأثرها في إيصال الرسالة. لا زلت أتمنّـى لو أن المسائل الفنية تدخّـلت ولعبت دوراً أعلى، ولا زلت أجد الفيلم ساذجاً في بعض مواقفه، لكن قوّة بعض مشاهده الأخرى، رمزياً وكمضمون، لا غبار عليها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


Film Reviews of: Jobs | The Conjuring | Elysium


                                                       Year 5/ Issue: 167

شاشات محمد رُضــا
بطلا أفلام «هامر» المرعبة: كريستوفر لي وبيتر كوشينغ

  وجدت هذه الصورة منشورة في موقع مجلة Films in Review وفوجئت بها. كنت أعلم أن الشخص الأول (من اليمين) والثالث عملا معاً في عدّة أفلام. الأول هو بيتر كوشينغ، الذي لعب دور قاتل دراكولا في أفلام «هامر» البريطانية في الستينات. الثالث هو كريستوفر لي الذي لعب دور دراكولا في تلك الأفلام (والذي ترك أفلام الرعب ليلتحق بأنواع عديدة ومؤخراً شاهدناه في The Hobbit: An Unexpected Journey. كذلك شاهدت الممثل الثاني (من اليمين أيضاً) وهو فنسنت برايس مع الممثل الرابع (جون كارادين) لكن ما لم أكن أعرف وجوده هو أن الأربعة التقوا معاً أمام كاميرا هذه الصورة.

  هامر كانت شركة إنتاج تخصصت بسينما الرعب. كانت بدأت الإنتاج سنة 1935 بأنواع متعددة. لكن من بعد نجاح فيلم رعب + خيالي علمي لها عنوانه The Quatermass Xperiment سنة 1955 رفعت معدّلها من أفلام الرعب. في العام التالي كانت وراء فيلم بعنوان X: The Unknown  ثم في سنة 1957 عالجت حكاية كلاسيكية عندما أنتجت «لعنة فرنكنستين» The Curse of Frankenstein من إخراج ترنس فيشر وبطولة كوشينغ وكريستوفر لي لأول مرّة معاً

حتى ذلك الحين كان المخرج ڤال غست ذي القدرات الفنية المحدودة (أحياناً لدرجة العدم) هو نجم أفلام شركة هامر، لكن ترنس فيشر كان أكثر إجادة ومع نجاح «لعنة فرنكنستين» بات الطريق أمامه معبّداً لصنع فيلم رعب آخر مع النجمين فكان أن وُلد «رعب دراكولا» Horror of Dracula سنة 1958 من بطولة الثنائي، كما إلى فيلم فرنكنستيني آخر هو «إنتقام فرنكنستين» The Revenge of Frankenstein أخرجه في العام ذاته فيشر لكن بكوشينغ من دون لي. 

في العام التالي، 1959، التقى المخرج وبطليه في «كلب باسكرفيل» The Hound of the Baskerville واحد من أشهر ما كتب آرثر كونان دويل مؤلّـف روايات التحري شرلوك هولمز. والثلاثة عملوا معاً في فيلم «المومياء» في العام ذاته ثم التقوا أيضاً سنة 1960 في «عروسات دراكولا» The Brides of Dracula ولاحقاً تكررت اللقاءات إلى أن تفرّق الدرب بين كوشينغ ولي فأكمل الثاني لعب شخصية دراكولا واختار كوشينغ أفلام رعب أخرى. 

ترنس فيشر كان أحد أفضل مخرجي النوع حينها، لكنه لم يعد وحيداً في الستينات. أذكر من الذين اشتغلوا لحساب شركة هامر روي وورد بايكر وفردي فرنسيس وكلاهما جيّد، ثم بيتر ساسدي وكان جيّداً لكنه أكثر إنغماساً بالدم. كذلك جيمي سانغستر ودون شايڤي (أسوأ من ڤال غست).

والى موعد قريب مع أوراق جديدة.


أفلام اليوم 
___________________________________________________________________
جنة عن كثب لا يصعدها إلا الأثرياء

الفيلم: Elysium
إخراج: نيل بلومكامب  (2013)
أدوار أولى: مات دامون، جودي فوستر، وليام فيتشنر، إيما ترمبلاي.
النوع: خيال علمي [الولايات المتحدة- 2013]
تقييم الناقد: ** (من خمسة)
Film N. 289



العنوان مشتق من ميثالوجيا إغريقية تفترض أن هناك، في ركن بعيد عند أطراف الدنيا، يكمن مكان للخالدين حين يسلمون الروح. لكن في الفيلم هو كوكب آخر تم صنعه لينتقل إليه القادرون وحدهم من الناس في أحداث تقع سنة 2154. هناك لا هموم ولا مشاغل ولا ديون متراكمة ولا مرض أو شيخوخة…. ربما هناك ضرائب وإلا كيف يمكن للكوكب الذي تديره الحكومة الأميركية أن يصرف على نفسه. الحكومة بدورها هناك. الرئيس (يحمل إسماً هندياً أسيوياً ويقوم به فاران طاهر) يريد لكل هذا العالم المتميّـز القائم على حق الطبقة الثرية في الحياة المترفة أن يمشي حسب القانون. لكن وزيرة دفاعه (جودي فوستر) لها طريقة مفضّلة في إستتاب الأمن يقوم على منع كل واحد يأتي من الأرض راغباً في المعالجة أو في الحياة على الكوكب. تأمر فيتم إطلاق صواريخ على مراكبهم فتنفجر في الفضاء. 
كوكب الأرض لا زال في مكانه، لكن إذا ما كانت لوس أنجيليس نموذجاً لمدنه، فلك أن تتصوّر حياة تترعرع وسط الزبالة والدمار والهواء الملوّث وتضم مئات الملايين الذين هم في المستقبل، كما هم الآن، من العوزة والفقراء. أحد هؤلاء هو ماكس (مات دامون) الذي كان يقوم بعمله في أحد المصانع عندما يتعرض لإصابة قاتلة ستقضي عليه في خمسة أيام. لا يريد أن يموت، بل أن يصعد الكوكب السعيد ليستشفي فيه. تحقيق ذلك، حسب سيناريو كتبه المخرج نيل بلومكامب، صعب وهو يزداد صعوبة لأن سيناريو بلومكامب يختار أن يدلف من زقاق إلى آخر فيه رامياً فيه كل ما يخطر له على بال. شخصيات جانبية ومفارقات صغيرة وأحداث كبيرة ومشاغل للعين والذهن تتفتق عن تأثير بصري لكنه باهت درامياً. كل ما من شأنه إظهار الفيلم كما لو أن المخرج لا يثق بمادته فأضاف إليها في الكتابة الثانية والثالثة المزيد من التفاصيل بحيث أصبحت رتلاً من الخردة.
إلى ذلك، لديك الضجيج الذي تحاول موسيقا موحية من كتابة الجديد رايان أمون التغلّـب عليه، لكن حين تأتي مشاهد القتال بين ماكس وأعدائه (أشدّهم بطشاً مجرم يلعبه شارلتو كوبلي يعمل لحساب الشريرة فوستر) يتصاعد الضجيج كما تفعل الأفلام الأخرى الأقل شأناً.
نيل بلومكامب هو ذاته الذي حقق فيلم إنطلاقته «المقاطعة وفيه حمل على العنصرية والتفرقة ومعاملة الأغراب في حكاية خيال علمية أيضاً. هنا يوفر لمادته تربة نقدية أخرى عبارة عن إظهار المستقبل كمدفن للفقراء وخلوداً للأغنياء وتصوير التباعد وتأثيراته. لكن حال يضغط المخرج على زر الأكشن تتحوّل الأحداث إلى مجرد فعل ورد فعل وتلتهم المشاهد التشويقية كل العناصر الإجتماعية  حتى تخبو وتصبح مجرد عناوين فرعية للعمل.
لا زال «فردوس» مثيراً للإهتمام والمتابعة بحد ذاته فلديه ذلك الإيقاع المتواصل والحيوية التي تحسده عليها أفلام أخرى.  لكن المخرج فقد الخط الذي كان يمكن أن يتوقّف عنده وتجاوز خطوطاً أساسية لها علاقة بالإيقاع ومنح الفيلم هيكلاً صحيحاً لما يرغب الإدلاء به.
الأرض التي نحن عليها، وعلى نحو مفهوم، خالية من الشجر ولا يمكن تصوّر ماء نقيّة ناهيك عما إذا كانت متوفّرة بالفعل. حياة الناس مدقعة والبؤس يركبهم بلا تفرقة. لم أر عصفوراً ولا نبتة خضراء لكن فجأة هناك صياح الديك (مرّة واحدة). من أين أتى؟ ربما من فيلم آخر أو أحب المخرج أن يقول أن بعض ما زال مألوفاً اليوم سيبقى بعد أكثر من مئة سنة مقبلة. 


كيف تشتري بيتا في الريف وتندم
الفيلم: The Conjuring
إخراج: جيمس وان  (2013)
أدوار أولى: باتريك ولسون، فيرا فارميغا، ليلي تايلور، رون ليفيغستون
النوع: رعب [الولايات المتحدة- 2013]
تقييم الناقد: ** (من خمسة)
Film N. 290


دائماً ما تنتقل العائلة التي ستقع ضحية لأرواح شريرة من المدينة إلى الريف. دائماً ما تصل في مطلع الفيلم إلى ذلك البيت القديم الكائن وسط الطبيعة بحماس وسعادة. ثم دائماً ما تتوقّـع أن تعيش في جوّه الهاديء ومع محيطه بعيداً عن زحمة المدن وغلائها. 
«الشعوذة» لجيمس وان لا يختلف في ذلك عن العديد من الأفلام المشابهة: عائلة من سبعة أفراد (عادة ما تكون أقل) تصل إلى ذلك البيت المبني في الريف وتفترشه سريعاً. «الصوفا في غرفة الإستقبال»، يأمر الزوج روجر (ليفينغستون) المشغول رجلين يحملان الأثاث إلى داخل المنزل. حركات عفوية وحيوية ملحوظة تسيطر على الجميع كما هو مفترض بعائلة وافقت على هذه النقلة «التاريخية». لكن أفراد العائلة (وكلبهم) سريعاً- وحسب المتوقّـع- سيكتشفون أنهم لا يعيشون وحدهم في هذا المكان الرحب. الصرخة المذعورة الأولى تقع بعد عشر دقائق… إنذار كاذب. بعد خمس دقائق أخرى… صرخة ثانية. إنذار حقيقي. حياة هؤلاء بعد ذلك ليست هناءاً وسعادة واستقبال مشرق لمستقبل جديد في ريف نقي… لقد إكتشفوا أن البيت مسكون.
الأحداث تقع في السبعينات (بمعظمها) ما يطرح عودة إلى سينما رعب ما قبل التسعينات الدموية (تلك التي شارك وان فيها عبر فيلم من سلسلة Saw). وهذا بدوره  يمنح الفيلم  قيمة معنوية وسط أفلام اليوم التي إذا ما أمّـت الرعب وظّـفته لإثارة رخيصة وعنيفة.  
إلى ذلك، تضيف هذه العودة  مناوشات إجتماعية تجعل الفيلم، وتماشياً مع سينما السبعينات أيضاً، واقعي الأثر فتلك العائلة التي تركت المدينة وحطّت في ريف «رود آيلاند» تتصرف واقعياً. البيت رخيص والأب يعمل سائق شاحنة ويبحث عن عمل ملتقطاً ما هو مُـتاح ولو كان منهكاً والزوجة (ليلي تايلور) تعي الوضع الإقتصادي ومخاوفها ليست حكر الأحداث التي على الشاشة، بل تلك التي خلفها. إختيار المخرج للممثل تايلور، التي دائماً ما عكست شخصية حقيقية وواقعية أكثر من معظم الممثلات العاملات اليوم، إختيار ذكي. هناك، في خط ثان سيلتقي والرئيسي، عائلة من شخصين هي عائلة وورن (باتريك ولسون وفيرا فارميغا) التي تخصصت بمحاربة الأرواح الشريرة والتي تهب لنجدة العائلة الأولى المنكوبة من يومها الأول في البيت.
وبينما يعلّـق المخرج  وان على وضع العائلة الأولى المعيشي الضيّـق، يوظّـف وجود عائلة وورن لتعليق إجتماعي آخر: التطرّف الديني الذي يعتلي ظاهر الأشياء ليصبح الموجّـه الفرد للطريقة التي سيتعامل بها الثنائي (الزوج خصوصاً) مع الأزمة العاصفة. الأحداث، يقول الفيلم، مأخوذة عن «ملفّـات حقيقية» كذلك شخصيّتي وورن اللذان اشتهرا بكونهما «طاردي أرواح». لكن القليل من الكتابة يأتي بجديد على صعيد الأحداث. هذا ما يدفع المخرج للتحايل بمهارة معالجته وأسلوب عرضه وسرده لتقديم الفيلم الجيّـد قياساً بأفلام رعب أخرى. 

سيرة تبحث عن معنى

الفيلم: Jobs
إخراج: جوشوا مايكل شتيرن.
أدوار أولى:  أشتون كوتشر، درموت مولروني، جوش غاد.
النوع: خيال علمي [الولايات المتحدة- 2013]
تقييم الناقد: ** (من خمسة)
Film N. 291

سارعت شركتا الإنتاج أوبن رود وفايف ستار فيتشر بإنتاج هذه السيرة لحياة ستيف جوبس مؤسس شركة «آبل» التي رغب لها أن تجسد الفن في صناعة الكومبيوتر والذي قال ذات مرّة «نحن نخلق فنّـا ولا نتبع أذواقا». كان مضى ثمانية عشر شهراً فقط على وفاة جوبس بسرطان الأمعاء عندما طُـرح الفيلم في الأسواق. 
أحد كان عليه أن يتأكد قبل أن يتم صرف عشرات الملايين على هذا الإنتاج، ما إذا كانت شهرة ومكانة جوبس كافيتان لجذب الجمهور الكبير. فهناك فرق بين أن يتمتّـع المرء بشهرة ونجاح في حياته التي يقضيها بيننا، وبين أهمية أن تنتقل إلى الشاشة وسريعاً بعد رحيله. 
عادة ما يفعل التلفزيون ذلك. يثب على المناسبة قبل فوات الفرصة أو قيام أحد من هذا الوسط باقتناصها قبله. لكن السينما كانت دائما تقيس أعمالها تبعاً لموازين أخرى تبدو اختفت من التقدير حين تمّـت الموافقة على تحقيق فيلم لم يعاني فقط من فقدانه الأهمية، بل من سوء الطالع عندما تدحرج الفيلم سريعاً بعيداً عن القمّة الموعودة.
الفيلم يلاحق حياة الشخصية التي يمنحها الممثل أشتون كوتشر حضوراً يزيد من الإحساس بأن العملية بأسرها لم تكن مدروسة وأن الفيلم صُـنع على نحو مستعجل. كوتشر ممثل من درجة رابعة حتى حين لا يكون مطلوباً منه تأدية شخصية معروفة. ما البال هنا عندما يصبح لزاماً عليه تشخيص رجل كان يحمل في داخله ذاتاً معقّـدة لم يستطع الممثل التعبير عنها إلا بترداد المواقف المنصوص عليها في السيناريو. هذا إلى جانب أنه يفتقد الخبرة التي تؤهله التغلّـب على نواقص السيناريو في خانة توفير ملامح وعناصر الشخصية التي يقوم بتأديتها.
هذا السيناريو يقرر المرور على عدّة مراحل مهمّـة في حياة جوبس مثل المرحلة التي عمل فيها لصالح مؤسسة أخرى غدت عملاقة هو «زيروكس» ولمرحلة أخرى كان خلالها أحد روّاد شركة بيكسار الشهيرة في مجال سينما الأنيماشن. بهذا التجاهل أقدم الفيلم على تخصيص نفسه بالرابط بين جوبس وتأسيسه شركة «آبل» ما جعل الفيلم يبدو كما لو كان أشبه بإنتاج آخر لآبل إنما من دون «الفن» الذي وضعه جوبس أساساً لمنتوجه هذا. 
للمخرج شتيرن طريقته في الإيحاء بأن جوبس كان ولعاً بالآفاق التي كان يراها بوضوح حتى قبل تحقيقها. هناك ذلك المشهد الذي يقف فيه وسط حقل ويفتح ذراعيه للحياة والمستقبل. إختيار المخرج الساذج هو أن يجعل الكاميرا تطير من حوله. على الأرجح لو لم تقم الكاميرا بدورتها تلك لوصلت الفكرة أكثر نقاءاً. متى يعلمون أن الكاميرا لا حق لها أن تصبح القضيّـة؟
ولا الموسيقا أيضاً. لكنها هنا مستخدمة كما هو متوقّـع من فيلم يستلهم عناصر أخرى لإثبات رؤيته الإحتفائية بصعود جوبس على سلم النجاح. خلال ذلك لا مكان عند صانعي الفيلم لتقديم حياة جوبس كما كانت بالفعل، وكما وردت في كتاب وولتر إيزاكسون عنه. تلك التي سمعنا أنها كانت زاخرة بالشغف والقوّة والإحباط والخوف وحب السيطرة. ما يبقى هو فيلم ما لا يستطيع أن يغنيك عن كتاب.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ