أفلام الأسبوع: "وجدة" من جديد | "ذ غولم" | "عيادة د. كاليغاري" | الفيلم المغربي "جيش الخلاص"



أفلام اليوم 
"وجدة" في المحصلة النهائية


الفيلم: وجدة
إخراج: هيفاء المنصور.
أدوار أولى:  عبدالرحمن الجهاني، ريم عبدالله، وعد محمد، أبو سلطان العسّاف.
النوع: دراما إجتماعية [سعودي- 2013]
تقييم الناقد: ***  
Film # 294

قبل أن أدلف بنقد هذا الفيلم بعد مشاهدته مجدداً وبمناسبة بدء عروضه الأميركية واستمرارها في عواصم أوروبية، لابد أن القاريء بات مدركاً للمدى البعيد من الإعجاب الذي حظي به هذا الفيلم بين النقاد العالميين. المخضرم فيليب فرنش في «الأوبزرفر» البريطانية يقارنه بـ «الكلب الأندلسي» للوي بونويل و«الرجل الهاديء» لجون فورد. كلاوديا بويغ كتبت تقول «ليس فقط أن الفيلم منفذ بحرفية حذقة وبتمثيل فائق، لكن «وجدة» يسلط ضوءاً على ما تواجهه المرأة منذ طفولتها في ظل نظام قامع". من ناحيته وصف أنطوني لاين المخرجة: "ذكية جداً لحد أنها لن تبالغ في لعب رمزيتها…. لكن دفع الفيلم، عند النهاية، لا يمكن أن يكون أكثر ضرورة".
هؤلاء وهناك عشرات سواهم ليسوا من مراجعي الأفلام التي سمحت لهم تقنيات العصر إبداء الآراء، بل من محترفي النقد. هناك نسبة تتجاوز السبعين بالمئة من نقاد العالم الغربي (أميركا، كندا وأوروبا) الذين استحسنوا الفيلم بمعدّل جيد إلى تحفة. ما يجعل هذا الناقد يراجع موقفه هنا: هل أخطأت حين اعتبرت الفيلم متوسط القيمة؟ أم كنت مصيباً وغير متنازل؟
علينا أن نعترف أن المخرجة عرفت كيف تدخل قلوب الغربيين (مشاهدين أيضاً): فتاة صغيرة. حلم صغير (عادي جداً لدى أي فتاة في البلاد الغربية). ظروف قاهرة. مجتمع ذكوري. والباقي حياكة القصّـة وسردها بمهارة، وهذا متوفّـر بوضوح. طبعاً ذلك موضوع أمام مشاهدين يدركون ويتمنون تغييراً إيجابياً في التقاليد الصارمة. هيفاء المنصور لا تطرح هذه التقاليد للدرس ولا تستطيع، في فيلم من حقّـه ألا يكون وعظياً، أن تحوّل المادة إلى جدال حول ما هو الصواب وما هو الخطأ، وهل تلك التقاليد هي من صلب الدين أو من خارجه. هنا، مع فيلم يطرح أحلام الحريّـة، لابد للمرء تقدير هذا الموقف والدفاع عن حريّـة رأيه. لكن- ولا يهم ماذا يعرف الناقد أو لا يعرف- ليس بمنأى عن معاينة الفيلم كنتاج فيلمي- سينمائي بالدرجة الأولى. 
بطلة فيلم «وجدة» (وعد محمد) تشبه المخرجة السعودية التي تقدّمها، هيفاء المنصور في ناحية واحدة على الأقل: إذ تشاهد الفيلم  يساورك الشعور بأن المخرجة إنما تتحدّث عن نفسها من خلال بطلتها وأحلامها. الدرّاجة التي تطمح وجدة لركوبها، هي الكاميرا التي كانت المخرجة تطمح للعمل عليها وتحقيق حلمها بالعمل السينمائي. كلاهما أنثى يعيشان في مجتمع محافظ. كلاهما يجدان تشجيعاً محدوداً وصدّاً كبيراً. كلاهما يحقق ما يريد في النهاية.  
إنه الفيلم الروائي الأول للمخرجة الطموحة التي كانت حققت عدداً من الأفلام القصيرة بعضها أفضل من بعض، لكن ليس من بينها ما هو رديء. على ذلك، تحقيق فيلم روائي طويل هو أمر مختلف. الأفلام القصيرة تستطيع أن تتخلّـى عن شروط الرواية وعناصر القصّـة، لكن الفيلم الطويل ليس متحرراً من الحاجة- إذا ما كانت الإجادة مطلباً- إلى تلك العناصر الا إذا أريد للفيلم أن يكون طليعياً او تجريبياً او منتمياً إلى وضع سوريالي. 
أول ما يلحظه المرء هنا هو أن ملكية المخرجة للكتابة (بما في ذلك كتابة الحوار) وصفية ومن مصدر واحد يطغي بمواقفه على الجميع. فالأم تتصرّف حسب المنهج المرسوم لها،  والمعلّـمات حسب المنهج المرسوم لهن. لا مناطق رمادية تثري الشخصيات، ولو أن ما يفعله الفيلم، ولو تعويضاً، هو استخدام هذه المواقف الممنهجة كأنماط لإيصال رسالة مفادها العالم المحبط والممانع لبطلتها التي تحلم بأن تشتري دراجة (هوائية) تركبها أسوة بالطفل قريبها. 

تبدأ المخرجة فيلمها بلقطات على أقدام الفتيات المتوجّـهات إلى المدرسة. ثم تفتح على نحو عريض لتشمل الصف الذي تدرس فيه وجدة. ثم تتابعها إلى البيت وتعرّفنا بوالدتها الطيّبة وبأبيها الذي سترغمه أمّـه الزواج من إمرأة أخرى، لأن الأولى (ريم عبدالله رائعة) لم تنجب له صبياً. الفيلم ينجح هنا كما في المفاد الأخير المكوّن من مشاهد نهائية، في تسليط الضوء مزدوجاً على مأزق (او سمّـه أزمة إذا أردت) الفتاة والأم، فكما أن الأولى تمر في عنق زجاجة الوضع الإجتماعي المحافظ، مرّت الأم به وبل لا تزال من خلال النظرة المتداولة وهي أن على المرأة أن تنجب ولداً ذكراً لزوجها كشرط لاستمرار الحياة الزوجية من دون ضرّة (ربما).  
بعد التمهيد يدخل الفيلم في توليفة من المشاهد المتكررة التي تعيد شرح وضع الفتاة في المدرسة وموقف المديرة المتجمدة صوبها نتيجة ما تراه خروجاً لها عن التقليد الذي يجب أن يُـتّبع. فهي تطلب منها تغطية شعر رأسها، وتطلب منها تغيير حذائها (الملوّن إلى واحد أسود) وتصادر بعض ما كان في حقيبتها من صور وكتب تصفها بالغرامية. وجدة لديها إبن عم أسمه عبدالله ربما يصغرها بسنة او إثنين ويصاحبها أحياناً ما بين المدرسة والبيت: المسافة التي تشعر وجدة بأنها حرّة لدرجة أنها قد تغيّر طريقها إلى البيت او تركض الشارع مع إبن عمّـها من دون خشية من عواقب او محظورات. في أحد الأيام تشاهد الدراجة في محل فتقرر أن تشتريها. لا تملك بالطبع ثمنها ووالدتها لن تعطها هذا الثمن لأنها تعارض أن تقوم إبنتها بركوب الدراجة لأن ذلك عيب إجتماعي. 
هذا الفصل من الأحداث هو ما يمر باهتاً، وهذا القول لا علاقة له بأهمية المضمون وطرحه، بل بالكيفية التي تصيغ فيها المخرجة حاجاتها من المشاهد فإذا بها عامّـة، لا خصائص فنيّة لها لا تصويراً ولا توليفاً ولا أجواءاً. إنه كما لو أنها تعتقد أنها تتوجّـه لجمهور إذا ما تعبت على مثل تلك العناصر خسرته. والتطوّر الذي يفاجئنا ليس في أن الفتاة الصغيرة تبدأ بجمع المال بطرق خاصّـة، مثل بيع بعض مقتنياتها او تفرض مبلغاً من المال لإيصال رسالة ثم تفرض مبلغاً مماثلاً ممن استلم الرسالة، بل بالتبرير الذي توفّـره المخرجة لبطلتها لتفعل جل ما تستطيع. روائياً، ليس لدى هيفاء المنصور طريقة أخرى لتظهر أضطرار بطلتها لمثل تلك التصرّفات كرد فعل للمنع الذي تواجهه حيال قيامها بشراء درّاجة. لكن أن تفعل ذلك بتلك الخفّـة وبقدر من الخبث وافتعال الحذق يحوّل عنها صفة الضحية. تلك الإبتسامة الماكرة وهزّة الرأس الهازئة هما أكثر قليلاً مما تحتاجه المخرجة لتبرير أفعال بطلتها. 
هناك حكاية جانبية لا تترك الا القدر المحدود من الأهمية بصرياً ودرامياً، رغم أنها تضيف لطروحات الفيلم طرحاً مهمّـاً آخر، وهي حكاية العلاقة بين المرأة الممنوع عليها قيادة السيارات، والسائقين الآسيويين الذين يوظّـفون هذا الضعف لمعاملة غير لائقة (مثل خروجهم عن اللياقة حين التعامل مع المرأة ورفع الصوت عليها الخ…). هذه المسألة معروضة بنفس الأسلوب العابر لأن الهمّ هو عرض وطرح الموضوع وليس إلحاقه بأسلوب بصري فاعل. 
سيبقى الفيلم عملاً مهمّـاً لصاحبته كما سيلقى ردّ فعل إيجابي مستند إلى أنه أول فيلم سعودي لإمرأة، لكن المسألة تبقى عند هذا الحد. لا استغلال للفرصة لإطلاق فيلم يمكن له، لجانب إثارة القضايا (وهو أسهل الأمور في كل الفنون) طرح ما هو فني وإبداعي وتشكيلي في المقابل. 
إثر مشاهدتي الأولى إكتفيت بنجمتين للفيلم. هذه المرّة كان لابد لي من الإعتراف بالقوّة الواضحة للمادة على بساطتها. أو بكلمات أخرى، قوّة البساطة وأثرها في إيصال الرسالة. لا زلت أتمنّـى لو أن المسائل الفنية تدخّـلت ولعبت دوراً أعلى، ولا زلت أجد الفيلم ساذجاً في بعض مواقفه، لكن قوّة بعض مشاهده الأخرى، رمزياً وكمضمون، لا غبار عليها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


0 comments: