World War Z, The Attack, Before Midnight, Monsters University, The Good the Bad and the Ugly


Year 5/ Issue: 163
في هذا العدد
الحرب العالمية ز | مارك فورستر
سينما الرعب تكسب فيلماً فوق المعتاد يتحدّث، من دون عنف فعلي أو رخص عن سيناريو آخر لنهاية العالم كما نعرفه | تقييم الناقد: ****
الهجوم | زياد دويري
باشر عروضه العالمية المحدودة وسط إستقبال جيد عموماً من النقاد مصحوباً برغبة المخرج توظيف موضوع حول المسألة الفلسطينية- الإسرائيلية لخدمة إعلانية وذاتية. | تقييم الناقد: ***
قبل منتصف الليل | رتشارد لينكلتر
الجزء الثالث من الحكاية العاطفية التي تقع على مدار 18 سنة والتي بدأت بـ «قبل الشروق» (1995) ثم استكملت بـ «قبل الغروب» (2004) وصولاً للفيلم الحالي | تقييم الناقد: 1/2***
جامعة الوحوش | دان سكانلون
من شركة «بيكسار» التي رفعت سقف التوقعات بالنسبة لأفلام الأنيماشن هذا الفيلم الأقل مستوى مما اعتادت توفيره. كانت التحقت بديزني ومن يومها…  | تقييم الناقد: 1/2**

الطيّب والسيء والبشع | سيرجيو ليوني
معاد عرضه في لندن (متى ندخل التاريخ فنعرض تجارياً أفلاماً كلاسيكية قديمة؟) ويجمع بين كلينت ايستوود (الصورة) وإيلاي والاك ولي فان كليف في وسترن ملحمي | إفتح في «وسترن» أعلاه | تقييم الناقد: ****



 World War Z ****               

إخراج: مارك فورستر Mark Forster
كتابة : ماثيو مايكل كاناهان، درو غودارد، دامون ليندلوف.
تمثيل: براد بت، ميراي إينوس، دانييلا كيرتز، لودي بوكن، فانا موكووينا
تصوير: بن سيريزن (ألوان) | توليف: روجر بارتون، مات تشيس (116 د) | موسيقا: ماركو بلترامي
منتجون: براد بت، إيان برايس، ديدي غاردنر، جيريمي كلاينر


هناك القليل جدّاً من أفلام الرعب التي تدور حول الزومبيز والموتى- الأحياء التي تخرج منها وأنت تنظر حولك مترقّـباً. أخرها، قبل هذا الفيلم، كان فيلم داني بويل «بعد 28 يوم» الذي أنجزه سنة 2002 أثار الإحساس نفسه. هذا الناقد خرج من صالة العرض في مدينة لوس أنجيليس ينظر حوله ويفكّـر ما إذا كان المستقبل ينضوي على مثل هذه النهاية المفجعة: سقوط العالم في قبضة ناهشي الأجساد. «الحرب العالمية ز» ينقل المرء إلى ما بعد هذه النقطة: المستقبل- يقول الفيلم- بدأ الآن.
مهما قيل في ملابسات وظروف الإستعانة بالمخرج مارك فوستر، وعن المصاعب الإنتاجية التي حصدها هذا الفيلم في طريق إنجازه، فإن فوستر وضع على الشاشة عملاً يتميّـز بمعالجة واقعية. حتى وإن اعتبرنا أن ما نراه خيالاً وبل حتى إذا كان من المستبعد كثيراً حدوثه، إلا أن معالجته لم تقصد أن تخرق المستحيل بل تطويعه ليصبح أقرب احتمالاً. فجأة سيجد المشاهد نفسه شريكاً فيما يدور من زاوية أن الفيلم لا يسخر ولا يمزح ولا يفضي إلى درب من البطولات وليس هدفه تقديم فرضياته كخيال بل ينقلها إلى حيّز واقعي يجعل المشاهد غير مرتاح لما يراه.
من اللقطات الأولى، براد بت (في دور خبير سابق عمل لصالح الأمم المتحدة)، يتابع ما يدور على شاشة التلفزيون. لا نسمع تفاصيل الخبر الوارد لكنه ونحن ندرك أن هناك شيئاً غير عادي يحدث. يحاول جيري (بت) الإنصات لما يدور، لكن أصوات زوجته والأولاد يمنعه من ذلك عن دون قصد. أنهم يحضّرون أنفسهم لرحلة بسيارة العائلة التي- في المشهد التالي- نراها وسط زحمة سير لا تبدو عادية. 
تابع بداية المشهد. التوتّـر الذي نلحظه على وجه جيري (عنونة عن زوجته وأولاده) هو التوتّر الذي يعترينا. نستمده من معرفتنا بسبب هذا الزحام وما يحدث في الخلفية وما يدور الفيلم عنه. نحن نعرف أكثر مما يعرف جيري، لكننا سنعتمد على أدائه لكي نبقى على خط التوتر العالي.
فجأة المخاوف تتأكد. جموع البشر تركض. الناس تترك سياراتها وتحاول الهرب. إنفجار بعيد. شاحنة زبالة تنطلق متقدّمة ساحقة في اندفاعها الهارب السيارات الصغيرة. جيري يدرك. العائلة لا زالت تتساءل…  ثم هاهم الزومبيز يظهرون بين الناس يتسابقون على نهش الأحياء الذين يسقطون موتى لعشر ثوان ثم يعاودون الحياة كزومبيز. 
يفلت جيري وعائلته من الخطر المحدق. يقودون حافلة إلى خارج المدينة ثم إلى منطقة سكنية غمرها الزومبيز. عليهم الصعود إلى سطح المبنى لكي يستطيعوا ركوب المروحية التي سيتم إرسالها لهم لنقلهم إلى ظهر بارجة حربية في عرض البحر (من غير المحتمل وصول الزومبيز إليها). في المبنى تتعرّض العائلة لهجوم هي والعائلة اللاتينية التي استضافتهما. جيري قبل ذلك كان دخل متجراً منهوباً وانتزع بندقية وبها أخذ يدافع عن نفسه والجوار. العائلة اللاتينية تسقط في الوباء بإستثناء إبن صغير سيأخذه جيري معه وسيصبح إبناً بالتبني.
على ظهر البارجة تسند إليه، وهو كان خبيراً عاملاً في الأمم المتحدة، مهمّة الذهاب إلى كوريا للبحث عن دلائل كون الحالة الأولى سُـجّلت هناك (في الرواية الحالة الأولى سجّـلت في الصين، لكن الفيلم خاف منع الحكومة الصينية للفيلم فتم تعديل ذلك).
هنا يدخل الفيلم فصلاً آخر: تحط الطائرة في ليلة ماطرة في قاعدة عسكرية أميركية باتت بدورها مسيّـجة بالموتى الأحياء. هناك شيء خاص في هذا الفصل من حيث أن المطر المنهمر والليل الكالح يزيدان من الشعور باليأس من إمكانية فعل شيء. يظهر الزومبيز كشلالات من المخلوقات التي ليس هناك ما يوقفها. لا تشعر فلا تخف. ما نتعلّمه هناك هو أن العسكري سوف لن يسمح لنفسه بالتحوّل إلى زومبي إذا ما وصلت إليه أنياب البشر. سيقتل نفسه على الفور.
من كوريا إلى الوطن الفلسطيني المحتل. ها هي إسرائيل بنت جداراً عالياً جدّاً (وهي لديها خبرة في بناء الجدران) في مدينة القدس لمنع دخول الزومبيز. جيري يشعر بأنه أخيراً ما وجدت دولة ما حلاً قد يكون نافعاً. الجنود الإسرائيليون يتابعون دخول العرب واليهود إلى القدس للإحتماء فيها من البوابة الوحيدة. داخل المدينة يتظاهرون فرحين، لكن لا أحد يدرك أن الزومبيز وصلوا إلى الجدار. مئات منهم سوف تشكل قاعدة يصعد عليها مئات آخرين فإذا بهم يعتلون الجدار ويهاجمون الجميع… حتى إسرائيل لن تكن سالمة.
سأترك ما يلي ذلك، والفيلم لا زال في منتصفه لمن سيشاهد الفيلم. هذا سيناريو من باب أوّل لكن حتى أصبح كذلك تعرّض لإعادات كثيرة. لا أعرف أي نسخة تلك التي اعتمدت أو من كتبها تحديداً، لكنها تقوم على مفاصل جغرافية. من مدينة فيلادلفيا إلى كوريا ومن كوريا إلى فلسطين ومن فلسطين إلى ألمانيا في الفصل الأخير. ما يضطر الفيلم للقفز فوقه هو توفير سبب يؤهله للبحث عن النهاية السليمة لإيقاف هذه الجرثومة المسببة لعدوى الزومبيزم. الفيلم لا يمنح المشاهد سبباً، لكنه إذ يفعل يستعيض عن السبب بوضعنا المباشر أمام الحالة. لا يهم السبب، يقول الفيلم، تعالوا نرى ما يحدث.
براد بت لا يمثّـل الدور كما لو أنه سوبرمان ينقذ العالم ولو أنه ينقذ العالم فعلاً إذ يجد المصل المضاد. الفارق هو أن البطل الخارق سيستخدم وسائل غير منطقية لتحقيق غايته (قد يطير، قد يقضي بضربة واحدة على دزينة أعداء أو أكثر الخ…) لكن المنهج هنا هو تقديم رجل عادي وبراد بت يفهم المطلوب ويؤمنه. هذا التأمين يتجانس مع غاية الفيلم في أن يكون بدوره قابلاً للتصديق، نظرياً أو إفتراضياً. وما ينجزه مارك فورستر تماشياً هو الإبتعاد عن الرخص في استخدام المواقف والإقلال من سطوة المؤثرات ووضع كل شيء في إطار الحدث ذاته. والنتيجة أننا نعايش ما يقع أكثر قليلاً مما نتفرّج عليه.

واحد من حسنات الفيلم هو انضباطه. ليس هذا وقت الضحكات وجمل الفكاهة التي تميد عادة بالقيمة المتوخّاة. هؤلاء الذين يطلبون التنفيس عن التوتر بنكتة ما عادة ما يتمنون عكس ذلك بعد قليل من تلك العبارات المكتوبة للغرض. هنا أمام فيلم لا يكترث لأن يسليك على الهامش. وينجح في ذلك إلى حد بعيد. كذلك هو فيلم كوارثي عن نهاية العالم اليوم أو في الغد. وإذ انتشرت منذ أن قام جورج أ. روميرو بتحقيق «ليل الموتى- الأحياء» سنة 1968 إلا أن القليل منها أنجز لهذا النوع من الأفلام ما حققه روميرو في ذلك الفيلم، وما يحققه فورستر هنا.


 The Attack ***               

إخراج: زياد دويري
كتابة : محمد مولسهول 
تمثيل: علي سليمان، إيفينجيا دودينا، ريموند أم سالم، أوري غافرييل، ربي سلامه
تصوير: توماسو فيرويللي (ألوان)| توليف: دومونيك ماركومبي ( 102 د) | موسيقا: إريك نيفو
منتجون: رشيد بوشارب، جان بريهات.


مضطر لأن أترك الجانب السياسي من قضية قيام المخرج اللبناني زياد الدويري بتصوير الفيلم في إسرائيل، وعما إذا كان ذلك يعتبر خيانة للقضية أو لا. أولاً لأن الفيلم فيه ما يكفي من الطرح السياسي لكي نتداوله، وثانياً، لأن هذا ليس من إختصاص هذا الناقد الا من زاوية واحدة هي إنتاجية محضة: زياد الدويري أراد إستحواذ الفرصة المتاحة له: مشروع يعد بأن يعيده إلى الأذهان بعد غياب سنوات حقق فيها فيلمين فقط هما «بيروت الغربية» (الذي لم يخل من حسنات في مواجهة سلبيات) و«ليلى تقول» الذي لم يترك أثراً يُذكر. أعتقد أنه دفع نفسه بسهولة لقبول العمل كون العناصر الإنتاجية صارت جاهزة. السيناريو النهائي موافق عليه والتمويل حاضر… الشرط الوحيد هو أن يتم تصوير الفيلم في داخل إسرائيل. وزياد لم يستطع أن يفوّت الفرصة ويقول لا. بذلك ضحّى بمباديء نفترض أنه ترعرع عليها لقاء طموح لم يتحقق. بمثل سياسية مقابل وعود  إفتراضية قد تدفع صوبه ببعض الأعمال التجارية الأخرى، لكنها ستكون كهذا الفيلم عبوراً غير ذي أثر.
عن رواية للكاتب الجزائري محمد مولسهول الذي يوقّـع أعماله بإسم ياسمينة خضرة (سبق له وأن وضع القصّـة التي قام بإخراجها الجزائري عكاشة تويتا تحت عنوان «موريتوري»- فيلم جيد مرّ من دون تقدير يٌـذكر). تم نقل أحداث هذا الفيلم. الكاتب معجب دائم بشخصياته النسائية ووضع رواية بطلتها إمرأة فلسطينية تستجيب لدواعي القضية وتفجّـر نفسها وسواها من ركّـاب حافلة من المدنيين في قلب تل أبيب. وحسب مصادر، لم يعترف موسهول بالسيناريو الذي تمّ كتابته عن روايته معتبراً أن المنتجين غيّروا الحكاية لتناسب مفهومهم السياسي حول الصراع الفلسطيني. والمخرج نفسه يقول أن السيناريو واجه مصاعب قبول إذ تمت إعادة كتابته أكثر من مرّة قبل أن يجهز للتصوير. بعد مشاهدة الفيلم يحق للناقد أن يتساءل ما إذا كانت التنازلات تتابعت مع كل نسخة فإذا بالبطولة النسائية تتحوّل إلى فعل أرعن وإذا بوضوح القضيّـة يصبح فعلاً للنيل من الفلسطينيين.
بعض هذا يتضّح في القصة: الزوج (علي سليمان) جرّاح فلسطيني من عرب الداخل وصل إلى قمّـة المجد مع مطلع الفيلم إذ احتفى به الجسد الطبّي الإسرائيلي. في الليلة ذاتها يقع إنفجار كبير وتهرع سيارات الإسعاف بالمصابين ويقرر الفيلم أكثر من مرّة أن معظمهم من الأطفال (كما لو أن إصابة الكبار مبررة!). ما يكتشفه الزوج سريعاً يذهله: زوجته هي التي أقدمت على العملية. لا يصدّق في مطلع الأمر ويواجه المحققين بذلك، لكنه يتحقق من الموضوع ويدرك أن تلك المكالمة الهاتفية التي استلمها قبل صعوده المنصّـة في حفلة تكريمه، والتي أدرك حينها أنها آتية من زوجته، كانت لتخبره فيها كلمات وداع مناسبة. 
في محنته الحالية تقف إلى جانبه إمرأة يهودية متفهّمة لكن حتى ولو لم تكن فإن الفيلم قرر أنه الحق لن يكون على كل الإسرائيليين (أصدقاء وزملاء والمحققين والجيران على حد سواء) إذا نظروا إلى الطبيب نظرة عداء وريبة. لقد منحوه ثقتهم، إحتفوا به، إعتبروه واحداً منهم، وها هو- نظرياً على الأقل- شريك في جريمة مروعة. 
الآن عليه أن يبحث عمن قاد زوجته إلى حتفها. من "ضحك" عليها وأوعز لها بهذا الفعل لا لشيء إلا لأنه وضعه في موضع حرج. مع إنتقال البحث إلى نابلس يتهاوى العمل أكثر ليس سياسياً فقط (لا يأتي بمقابل سياسي من الحجم ذاته) بل كفكرة. قضيّة الفلسطيني المثارة لا تشكّل واعزاً مقبولاً هنا. حتى وصول الزوج في بحثه إلى ركام مخيم جنين الذي دكّه الإسرائيليون وهو المشهد الذي يريد منح الفلسطيني بعض التبرير لمحاولة الإنتقام، يأتي متأخراً وغير ذي نفع. 
يبدأ الفيلم من الإحتفاء بالجرّاح  وتقديم جائزة شرفية في حفلة تكريم كبيرة يلقي فيها الطبيب، وأسمه أمين جعفري (إسم العائلة ليس- تقليدياً- فلسطيني لكن ذلك ربما عائد لعدم معرفة الكاتب والمخرج لذلك) كلمة يتحدّث فيها عن تقديره للجسم الطبي الذي احتفى به. بعد ذلك يعود للمستشفى وقت إنفجار "إرهابي" يقع في مكان غير بعيد. وما تلبث الأبدان المدمّـاة أن تصل إلى مباضع الجراح الماهر أمين الذي يحاول إنقاذ حياة مزيج من البشر بينهم رجال ونساء وأطفال. في الحصيلة سبعة عشر قتيلاً بينهم إحدى عشر طفلاً (يقول الفيلم شفهياً). عالم الجرّاح ينقلب رأساً على عقب، فالأدلّـة تشير إلى أن زوجته سهام (ريموند أم سالم) هي التي قامت بالعملية. وفي معالجة قابلة للتصديق، يقرر الفيلم أن الزوج لم يكن يعلم أن زوجته التي أحب منذ سنوات بعيدة كانت على علاقة بالخلايا الإرهابية وإنها قد تكون متورّطة في هذا الحادث. يُـساق إلى التحقيق. يمر بفترة تعذيب (عدم السماح له بالنوم، ضجيج موسيقي، أنوار قويّـة) ثم يطلق سراحه ليجد نفسه أعزل في مواجهته المجتمع الذي عاش فيه واعتبر نفسه جزءاً منه. لابد القول إن الميزان مائل إلى الوجهة الإسرائيلية. لا أحد يمكن له أن يوافق على النيل من المدنيين في أي نزاع والعملية الإنتحارية لزوجة الجرّاح كانت من هذا النوع. هنا يشرأب الموقف الإسرائيلي برأسه عالياً، فما تقوم به السلطات من تعنيف لأمين في محاولتها معرفة الحقيقة هو، في عرف المشاهد أيضاً، معذور. هذا مجتمع بحاجة لحماية من "الإرهابيين".

أمين على مفترق طريق الآن. صحيح إنه خرج بريئاً من تهمة معرفة غايات زوجته أو إلمامه بتورّطها الا أن الصحيح أيضاً أن الحادثة تركته عارياً من معظم الصداقات ومن العمل ومن إحترام المجتمع له ("قاتل أطفال" كما الكلمات العبرية التي كُـتبت على جدار منزله). لابد له أن يذهب إلى أهل زوجته في نابلس لإستقراء الحقيقة. ليعلم من كان وراء تجنيد زوجها. والشكوك الأولى تحوم حول الشيخ مروان الممتنع عن مقابلته. التحذير يوجّـه إليه بالعمالة وبأن وجوده في نابلس إنما قد يجذب المخابرات الإسرائيلية فيكون بذلك طعماً لرصد الحركة.  المشهد الأهم من حيث محاولة خلق معادلة بين موقفين متناقضين يدور بينه وبين راعي الكنيسة (رمزي مقدسي) (كون زوجة الجراح مسيحية) الذي يطلب منه أن يفتح عيناه على الواقع وأن ينظر إلى كيف يعيش الفلسطينيين في هذا الجزء من الأرض في مقابل حياته التي لم تعد ترى سوى إستغلال ما وصلت إليه من مكانة: "تشعر بأنك محظوظ كون المجتمع الإسرائيلي أنعم عليك بالقبول" مذكّراً إياه بأنه قبول مشروط.
في النهاية أمين العائد إلى تل أبيب يجد نفسه وقد انشطر إلى قسمين: لا يزال ضد الإرهاب، لكنه بات يعرف الدوافع التي تحدو بفلسطينيي الضفّة القيام بمثل تلك الأعمال. 
فكرياً يحمل الفيلم سذاجة (خصوصاً وأنه لا يتعمّق سياسياً في المبدأ الذي يتمحور حوله) والقسم الثاني محاولات لضم الموقف الآخر إلى صلب الفيلم لكن المحاولة لا تنجح في رأب الصدع الناتج عن نصفي الفيلم: واحد بالعبرية يدور في الداخل والآخر بالعربية يدور في الضفّة. الأول يظهر مدينة لها كل مزاياها العصرية وإسرائيليين لهم كل الحق في رد الفعل حتى ولو كان المتّـهم جرّاحاً نال التقدير الرسمي ("منحناك أوسكار المهنة التي أنت فيها"، كما يقول له المحقق)، والثاني يظهر تلك الحياة الفوضوية التي يعيشها الشارع بعشوائيته وزحامه والشخصيات الرمادية التي يلتقي أمين بها.
فنيّـاً، الفيلم مثل بطله يقف على حياد موضوعي. هناك قدر من التشويق لكن الفيلم ليس تشويقياً. وقدر من السياسة من دون أن يلج الفيلم أسباب قضيّته على نحو مثمر. ما هو بارز في هذا المضمار القدرة على حشد الدراما التي تفوح من السيناريو وتجسيدها بصرياً على نحو صحيح. 
ما يلاقيه بطل الفيلم من حالة فصام داخلية هو ما عاناه الفيلم بأسره. هناك الجمود عند اللحظة التي على الفيلم أن يقرر في أي إتجاه يريد إلقاء الحجرة الأخيرة، أفي إتجاه الفلسطينيين كخطر على الوجود الإسرائيلي، أو على الإسرائيليين كمحتلّـين وممارسين لعمليات سقط خلالها من الجانب الفلسطيني أكثر مما سقط من الإسرائيليين. الفيلم لا يقرر، والمشهد الذي يمشي فيه بطله أمام ركام مخيّم جنين المدمّـر لا يجسّـد سوى حجارة متراكمة. طبعاً يوعز بأن هناك سوابق للصراع لكن المسألة بأسرها تبقى أشبه بقارب في عرض البحر تتجاذبه وركّـابه الأمواج المتلاطمة.
أداء علي سليمان، وهو من فلسطينيي الداخل بدوره، جيّـد. لديه الحضور القوي الذي طلع به حين قام هاني أبو أسعد بتحقيق «الجنة الآن»، ذلك الفيلم الذي قدّم سليمان للعالم، وذلك البارع الذي وفّـره لنا في فيلم «الجمعة الأخيرة» للأردني يحيى عبدالله (فاز عنه بجائزة أفضل ممثل في العام الماضي).



 Before Midnight ****               

إخراج: رتشارد لينكلتر Richard Linklater
كتابة : رتشارد لينكلتر 
تمثيل: إيثان هوك، جولي دلبي، سيموس دايفي فتزباتريك، جنيفر بريور.
تصوير: كريستوف فودوريس (ألوان)| توليف: ساندرا أدير (108 د) | موسيقا: غراهام رينولدز
منتجون: رتشارد لينكلتر، كريستوف كونستانتاكوبولوس،سارا وودهاتش.


في العام 1995 قام المخرج الأميركي رتشارد لينكلتر بتقديم فيلم صغير عنوانه «قبل الشروق» أسند بطولته فيه إلى إيثان هوك وجولي دبلي. هو كاتب أميركي واعد أسمه جسي  وهي إمرأة فرنسية أسمها سيلين. كلاهما «غريبان في القطار» (أستعير هنا عنوان فيلم شهير لألفرد هيتشكوك) المنطلق من بودابست إلى فيينا والوقت يمضي وهما يتبادلان الحديث. مع وصولهما إلى فيينا، يقترح جسي أن تشاركه التجوال في المدينة إلى حين تقلع الطائرة به عائداً إلى بلاده. يقول لها: "ربما بعد عشر سنوات أو عشرين سنة ستستيقظين من زواج غير سعيد وتتساءلين كم كان الأمر سيختلف لو أنك التحقت برجل آخر". لكن جسي مفلس حالياً وعليه فإن كل ما يستطيعان القيام به هو السير في أرجاء المدينة والحديث طوال الليل لحين توجّهه إلى المطار فجراً.
بعد تسع سنوات يلتقي جسي وسيلين مرّة أخرى وفي فيلم آخر صُـمّم ليكون تكملة للفيلم السابق. بات عنوان الفيلم الثاني «قبل الغروب» ونجد جسي قد وضع رواية واحدة وهو حط في باريس لحضور حفلة توقيع  وها هي سيلين بين الموجودين، ترقبه مبتسمة. ينتبه لها ويتذكّرها. حال إنتهائه من توقيع النسخ يخرجان معاً في شوارع المدينة ويمشيان في أزقّتها وشوارعها ويستقلان مركبة تمضي بهما فوق مياه نهر السين كأي سائحين. الحديث هنا، في معظمه، هو كاشف عما حدث ما بين 1995 و2004 في حياة كل منهما. جسي يخبرها بأنه تزوّج ولديه صبي صغير وأنه يبحر تجاه الإكتفاء بالكتابة الروائية، وهي تخبره بأنها زارت أميركا وتعرّفت على صديق وانخرطت في مجال العمل دفاعاً عن البيئة.  لكنه في الوقت ذاته هو عن الآن. الوضع الحالي. يلتقط بطليه في الزمن الحاضر لنرى ما الذي يمكن أن يحدث معهما وقد باتا معاً… هل سيفترقان من جديد؟ هل هما سعيدان؟ ما هي المسؤوليات الملقاة على كتفي كل منهما حيال الآخر؟
إذا كانت حوارات الفيلم الأول كشفاً للشخصيات في مرحلتها الآنية، فإن حوارات الفيلم الثاني جاءت كشفاً لخيبات أمل اعترضت كل منهما وتركته غير راض تماماً عن حياته الخاصّة. «قبل الغروب» إنتهى بسؤال واضح عما سيكون عليه مستقبلهما بعدما أشبعا ماضيهما وحاضرهما بحثاً.
الآن، وبعد تسع سنوات أخرى، يأتينا الجواب على ذلك السؤال. نلتقي بجسي وسيلين مرّة ثالثة في فيلم جديد للمخرج ذاته، لينكلتر، بعنوان «قبل منتصف الليل». هذه المرّة لا يتواعدان على لقاء بل هما زوجان قادمان معاً إلى اليونان حيث سيمضيان فترة إستراحة. وهما يصلان مع إبنتيهما التوأمين وإبنه من زوجته السابقة (التي لا نراها) التي نفهم أنها أصبحت مدمنة شرب. جسي وسيلين يبدوان سعيدين بحياتهما وفي أحد الحوارات يتعجّبان من كونهما صمدا معاً كل هذه السنوات.
الفيلم الجديد يكمل ولكن من غير المعروف بعد إذا ما كان سينهي قرابة عشرين سنة من متابعة المخرج لحياة شخصيّتين خياليّتين بأسلوب طبيعي يقترب من أسلوب سينما المؤلّفين الفرنسيين إن لم نقل يندمج بها. رتشارد لينكلتر هو إريك رومير وروبير بريسون مع تعديل. الممثلون الذين يقفون تحت إدارته هم في الواقع أكثر إثارة للمتابعة من أولئك الذين وضعهم رومير في بعض أفلامه أو بريسون في كل أفلامه (كون بريسون كان يصر على تجريد ممثليه من كل فعل تمثيل).
كنوع كل واحد من أفلام لينكلتر الثلاثة، وعلاوة على كونه فيلم- مؤلف، هو قصّـة حب رومانسية أصبح ممكناً الآن تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء كل جزء يتبع مرحلة معيّنة من حياة بطليه. والمعالجة الفنية مناطة  بكاميرا تلاحق من أمامها من زوايا مختلفة لتحيط بهما وهما يمشيان ويتكلّمان. هناك الكثير من المشي والكثير من الكلام، برنّة طبيعية وبحوار يبني الدراما كما قلّما يفعل حوار آخر في أي فيلم سابق.  وكان الإيراني عبّاس كياروستامي قبل أربع سنوات قدّم حكاية عنوانها «نسخة مصدّقة» من بطولة وليام شيمل وجولييت بينوش مسحوبة من حبكة الجزء الثاني من ثلاثية لينكلتر «قبل الغروب» على إعتبار أن «نسخة مصدّقة» يبدأ بحفل لكاتب في جولة ترويج (كما كان حال جسي في الفيلم الآخر) يتعرّف على فرنسية تعيش في مقاطعة توسكاني ويمضيان الوقت بعد ذلك في أحاديث طويلة. كما في «قبل الغروب» هناك تقمّـص لحالة غير واقعة بينهما ضمن لعبة تخيّـل ثم هناك بالطبع الكثير من مشاهد «الحكي والمشي» المتوفّرة، ولو أن كياروستامي يستعمل «الحكي وقيادة السيارة أيضاً».
من مطلع الفيلم حتى نهايته يحافظ إيثان هوك وجولي دلبي على مستوى إدائي جيد. هما من يدعيان أنهما هما، كما لو أنهما بالفعل الشخصيتين اللتين نصرف الوقت على متابعتهما والإستماع إلى ما يشغلهما.




 Monsters University ***               

إخراج: دان سكانلون   Dan Scanlon
كتابة : دان سكانلون،  دانيال غرسون، روبرت ل. بيرد. 
أصوات: بيلي كرستال، جون غودمان، ستيف بوشيمي، هيلين ميرين، ألفرد مولينا
تصوير: جان كلود كالاش (ألوان)| توليف: كريغ سنايدر (110 د) | موسيقا: راندي نيومان.
منتجون: رتشارد لينكلتر، كريستوف كونستانتاكوبولوس،سارا وودهاتش.

تأثير ديزني، التي إبتاعت بيكسار، واضح على هذا الفيلم الذي هو من إنتاج الأولى عبر الثانية. ليس أن الفيلم منفّذ كرسومات ديزني، بل لأن الوجهة ما عادت كما كانت في الماضي، تحمل فكراً جيّداً يصاحب الشخصيات المرسومة. طبعاً «مونسترز يونيفرسيتي» هو جزء ثان (على نحو معيّـن) لفيلم من 2002 هو «مونسترز إنك» Monsters Inc. لكن القلب في هذا الفيلم تائه.
في واقع الحكاية، فإن الأحداث التي هنا تعود لما قبل الأحداث في الفيلم السابق لنتابع طفولة واحد من تلك الشخصيات العجيبة (لا هي حيوانات ولا هي حشرات ولا هي بالطبع بشر) وكيف أنها أرادت أن تصبح مخيفة تبعاً لتقاليد أترابها. ثم ننتقل بعد سنوات حيث نرى ذلك المخلوق في الجامعة يشارك الغرفة مع آخر مثله أسمه بوغس (ستيف بوشيمي) ويواجه معه شرور الأستاذ جيمس (جون غودمان). ضمن هذا المحيط تتوالد الشخصيات الأخرى. النسيج متكامل  لكنه ليس آسراً إلا لمن يجد في تلك المخلوقات سبب إحتفاء ما. 
الفيلم بالأبعاد الثلاثة وهو مليء بالتفاصيل المصنوعة تقنياً ما يجعل الصورة النافرة مزعجة لمن لا يزال يفضل الأفلام مسطّـحة. الرسم الدقيق والألوان الكثيفة تمنحان الفيلم حضوراً والشاشة إمتلاءاً، لكن الحكاية لا دلالات مهمّة لها خارج حبكتها ما يجعل المتابع يتذكّر كيف كان الحال مع «إيجاد نيمو» و«سيارات» و«راتاتويل» وسلسلة «توي ستوري». 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Man of Steel


Year 5/ Issue: 162
Man of Steel **

حرف S المطبوع على صدر اللباس الأحمر والأزرق للرجل الطائر في فيلم زاك سنايدر الجديد «رجل من فولاذ» ليس الحرف الأول من «سوبرمان»، يقول كال إل للويس لاين، بل تعني «أمل» بلغة أهل كريبتون. هل سمعت عظام جو شستر وجيري سيغال تهتز في كنفيهما بعدما قرر صانعو الفيلم إجراء هذا التحويل الكبير في مفهوم ملايين المعجبين بسوبرمان؟ ربما لا. ربما ما سمعته هو مجرد قناعتي الداخلية من أن إذا ما كان هناك من فيلم هذا العام تكلّـف أكثر من  200 مليون دولار لكي يتفذلك، فإنه «رجل من فولاذ» في كل الأحوال.
الحكاية الأصلية مطلوبة حتى مع رغبة سنايدر وكاتبي السيناريو ديفيد غوير وكرستيان بايل الخروج عنها قليلاً والفيلم يحتوي عليها وبل يتطوّع للإضافة إليها. إيجازاً: كال إل وُلد فوق كوكب كريبتون في آخر أيام الكوكب الذي لم يعد بالإمكان معالجة التغيير المناخي فوقه. هناك عصيان يقوده الجنرال زود لكن والد كال- إل، وأسمه جور-إل يضع طفله في كبسولة ويرسله عبر الفضاء إلى الأرض قبل أن يتعرض لمكروه من زود. يحط جور- إل في مزرعة في ولاية تكساس. يجده مزارع طيّب محروم وزوجته من الأولاد. يترعرع جور- إل الذي أصبح أسمه الأرضي كلارك كنت ويظهر تميّزه عبر قوّة غير طبيعية. حين يصبح رجلاً في مقتبل العمر ينزح إلى مدينة نيويورك ويلتحق بالعمل في صحيفة «دايلي بلانت» (الكوكب اليومي) كمصوّر. هناك صحافية طموحة أسمها لويس لا تعرف حقيقته وهو يبقي نفسه في خدمة كل محتاج محققاً العدالة ومنقذاً الأرواح من دون أن يعلم أحد أنه هو نفسه المصوّر. ثم يهرب زود من الكوكب المهجور ويحط مع أصحابه إلى الأرض ويواجه سوبرمان لمقاتلته وانتزاع قوّته منه. 
نسخة رتشارد دونر المسمّاة «سوبرمان» (1978) لم تخرج عن هذا الخط: مارلون براندو في دور والد سوبرمان. كريستوفر ريف في دور سوبرمان. ترنس ستامب في دور زود. مارغوت كيدر في دور لويس. غلن فورد في دور الأب وفيليس تاكستر في دور الأم. توسّع الفيلم قليلاً فقدّم عدوّا أرضياً شرساً ضد سوبرمان أسمه لكس لوثر (جين هاكمان) ومساعده الأحمق أوتيس (وورن بيتي) والنتيجة فيلم ممتع من حيث أنه تشويقي وفكه في الوقت ذاته. كذلك كان حال الجزئين الثاني الذي حققهما رتشارد لستر قبل أن يشتري المنتج الرخيص مناحيم غولان رخصة تحقيق فيلم رابع هو الأسوأ بينها جميعاً (أخرجه سيدني ج. فيوري سنة 1987)
في حين بقت الأفلام الثلاث الأولى ضمن إطار المغامرة السوبرمانية المرحة والخفيفة، وحاول الجزء الخامس بعنوان «سوبرمان يعود» (برايان سينجر- 2006) فتح نافذة جديدة وفشل، يأتي هذا الفيلم مخالفاً لكل ما سبقه. وبدأ من الحكاية التي لم تعد سلسلة وبسيطة وسهلة الوصول إليها، بل أصبحت ركامات من الإسهاب.
يبدأ حيث البداية: كريبتون. الأب (راسل كراو) الأم (الممثلة الإسرائيلية أيليت زورر) ، ولادة الطفل، قيام الأب بإرساله في كبسولة. زود (مايكل شانون). التمرّد العسكري. كل شيء ورد سابقاً من دون إيجاز. مشكلة الفيلم تنطلق مواكبة: فجأة صار التركيز على الجانب الديني من الحكاية ليستمر بعد ذلك.

الكاتبان مبتدعا شخصية سوبرمان هما يهوديان (كذلك شأن معظم رسّامي الكوميكس في أميركا). كلمة إل في العبرية هي الله (تعالى) وهما كتبا شخصية مستلهمة من شخصية النبي موسى (عليه السلام). سوبرمان هو، في الأساس، الرد على السيد المسيح وهم يأخذون على المسيح إبن مريم أنه لم يكن محارباً ومقاتلاً كما كان ديفيد. أكثر من ذلك، هناك علاقة بين سوبرمان وبين شخصية «غولام» اليهودية التي اخترعتها الثقافة اليهودية في المجر (أساساً) في القرن الثامن عشر ومفادها أنها شخصية تقاوم وتقاتل كل من يعادي اليهود (هناك الكثير مما يمكن لي كتابته في هذا الموضوع لكنه موضوع منفصل تماماً عن هذا النقد). 
لا نحتاج بعد ذلك لكثير من الشرح ولو أن سيغل وشوستر أبقيا كل هذه الخلفية الدينية محدودة ودفينة. لم أقرأ في مجلات الكوميكس التي وضعاها (وقد قرأت دزينتين منها وشاهدت تمهيداً لكتابة هذا النقد حلقات سوبرمان التلفزيونية مقتبسة منها) أي ذكر ديني (لكن المفهوم الديني موجود بالفعل). للتأكيد، أميركا كانت قبلت في الخمسينات وحتى حين قريب أن ينتمي سوبرمان الآتي من الفضاء إلى أهل الأرض: لمَ لا؟ إنه شاب وسيم. أبيض البشرة. تربّى على حب الخير. منحه والديه بالتبنّي تعليماً أخلاقياً وفوق ذلك يقاتل في سبيل الخير ضد المعتدين. ينقذ أرواحاً كل يوم. أميركا ذلك الحين لم تكن تنظر إلى الأجنبي كأجنبي إذا ما انخرط في الحياة الأميركية وهذا ما كان عليه الحال. 
في نسخة سنايدر (الذي أخرج «300» عن كوميكس للكاتب -اليهودي- فرانك ميلر حملت- كالفيلم- معاداة للإسلام) فإن المشكلة هي أن سوبرمان لا ينخرط بسهولة. من ناحيته لا زال متمسّكاً بتاريخه وأن حرف S يعني أمل (Hope) حسب اللغة الكربتونية،  وليس «سوبرمان» Superman. من ناحية الأرضيين هناك من يرتاب به (العسكر) ومن ناحية الفيلم يريد أن يبقي بطله في  موضع بحث عن إنتمائه: هل هو كريبتوني أو أرضي؟ إنه يحاول أحياناً أن يمارس قواه الكوكبية، لكن والده الأرضي (كڤن كوستنر هنا- وهو أفضل ممثلي الفيلم) يمنعه. يريده أن ينتمي إلى أهل الأرض وأن لا يلفت الأنظار إلى قواه. الفيلم يقول بوضوح أن هذه الرغبة تعرقل سوبرمان وأنه مجبور على الإلتزام بطلب أبيه حتى حين كان يستطيع أن ينقذه من الموت لو سمح له والده بذلك.
قرب النهاية يسأل القائد العسكري سوبرمان: «كيف أثق بك؟» فيخبره سوبرمان بأنه عاش ثلاثين سنة في ولاية كنساس "لا تستطيع أن تكون أميركياً أكثر من ذلك"
كل ذلك يبدو جيّداً. المفهوم الناتج هو أن الفيلم يبحث في تجربة الهجرة إلى أميركا ولماذا على المهاجرين أن ينخرطوا ويصبحوا أميركيين. لكن سينمائياً، فإن لا شيء مسروداً بسهولة الكلمات السابقة: بعد مشاهد الكوكب البعيد. نحط على الأرض. ومن تلك اللحظة يواصل الفيلم إنتقاله من الحاضر (وأي حاضر بالتحديد هو أمر منفصل) إلى الماضي. تارة إلى الماضي البعيد. تارة إلى ماضي قريب، ثم عودة إلى ماض يكمن في حقبة ثالثة مرّة وحقبة رابعة مرّة أخرى. صحيح أن الجهد المبذول لعدم التسبب في إضاعة وعي المشاهد بما يحدث ناجح. لكن كل هذا الإنتقال من نقطة إلى أخرى، ثم إلى ثالثة ورابعة والعودة إلى الأولى ثم الخامسة ثم العودة إلى النقطة الثانية والذهاب يميناً ويساراً بالحكاية لنحو ساعة وربع من الفيلم قبل تخصيص المعركة الكبرى بـ 45 دقيقة مضجّة، هو فذلكة مغالى في توفيرها تسحب من المشاهد القدرة على التواصل مع ما يدور. 
طبعاً المشاهد القتالية منفّذة صحيحاً، لكن هناك أكثر من خمسين بالمئة منها في هذا الفيلم ما يعني أن سنايدر أخرج أقل من نصف الفيلم وأشرف على المؤثرات فيما تبقّى. تلك المشاهد القتالية منفّذة صحيحاً حسب آخر مستحدثات الكومبيوتر. المشكلة هو ما تم تنفيذه على الورق ومن مشاهد آدمية حيث يتعرّض الفيلم لأكثر مما ينبغي من الطروحات التي يخفق كثير منها في إثارة فكرية فعلية لدى مشاهد دخل لكي يتمتّـع بما يراه.
هل نطالب المخرج بأن يقدّم فيلماً بلا فكر؟ طبعاً لا. لكنه إذا ما أراد أن يفكّر عليه أساساً أن يبتعد عن رصف المشاهد كركامات مختلقة. أن يقدّم مادّة حقيقية تدافع عن وجهة نظر وقضية عوض عرضها على طراز عناوين الصحف.
سنايدر يغيّر حالات أخرى ويقدّمها جميعاً في مستوى واحد من الإهتمام من دون أن يربط بينها: لويس لم تعد الصحافية التي لا تكتشف هوية سوبرمان إلا بعد سنوات من العمل معاً. هنا تكتشفه من البداية. والصحيفة التي تعمل بها تظهر من دون تميّز في حين أنها كانت ذات نبض واقعي في الأفلام السابقة. ثم هناك أم سوبرمان بالتبنّـي (دايان لين) التي يستعين بها الفيلم كلّما أراد أن يمنح المشاهد جرعة عاطفية

الأكثر لفتاً هو أن الدمار الذي يقع لأميركا أريد له أن يكون أكثر فداحة من كل دمار حدث لها في أي فيلم سابق. المدينة هي نيويورك. قبل 2001 كان الدمار محدوداً. بعد ذلك سعي لتصوير الدمار بموازاة العملية الإرهابية. بعد ذلك صار الدمار أشمل. هنا أشمل من كل شيء شوهد من قبل. الرقعة كبيرة والمباني تهوى كبيت من ورق. سنايدر يوزّع المشاهد بين صراع سوبرمان ضد أعدائه، وبين مشاهد لناطحات سحاب وهي تتساقط. ورئيس تحرير «دايلي بلانت» وهو يركض مع موظفين هرباً. لم هو (وشخصيّته لها فعل درامي محدود) وليس عشرات ألوف الأبرياء. صحافية تسقط بين الركام لكنها تخرج سليمة. لم سقطت بين الركام إذاً؟
سنايدر يصوّر أكثر مما يحتاج وشخصية رئيس التحرير (لورنس فيشبورن) ليست وحدها التي لا تفعل شيئاً يذكر، بل لديك شخصية عالم أسمه إميل هلتون (يقوم بها ممثل أسمه رتشارد شيف). كل ما هو مطلوب منها هو أن يتعجّـب. ينظر إلى ما يدور مشدوهاً. في المشاهد التي يتم وضعه فيها تتجه إليه الكاميرا لتجعله شاهداً (صامتاً معظم الوقت) على طريقة حركة الكاميرا في المشاهد الأخيرة من فيلم ستيفن سبيلبرغ «لقاءات قريبة من النوع الثالث» عندما كانت تحوم حول وجه فرنسوا تروفو. لكن تروفو كان له حضور مهم في ذلك الفيلم. في أحد المشاهد يلوي وجهه جانبياً وهو يعاين ما يراه تماماً كما يفعل الكلب (أقصد التشبيه الواقعي وليس الشتيمة)... لكن  ليس هناك من دور حقيقي. ليس هناك من حضور أو فعل إلا إذا كانت الرغبة هي إعلان مجاني (وبل براتب مدفوع) للممثل من باب: "إذا أردت ممثلاً يجسد التعجّب عليك برتشارد شيف"


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Dance of Reality | After Earth | Byzantium | باب شرقي


Year 5/ Issue: 161

شوهدت هذا الأسبوع

Tennessee's Partner **** 1/2
بمثابة إكتشاف من مخرج منسي اليوم.  طالع زاوية «وسترن» أعلاه.
Dance of Reality *** 
فيلم أليخاندرو يودوروفسكي (الصورة) «رقصة الواقع» مستوحى من مذكراته بحريّـة شديدة وفوضى أشد [أفلام مهرجانات على الصفحة الرئيسية].
باب شرقي **
أول فيلم روائي عن الأحداث السورية يكمن في العمل الجديد للمخرج أحمد عاطف الذي كاد أن… [عروض خاصّـة- الصفحة الرئيسية].
Byzantium **
فامبايرز من المخرج نيل جوردان: لا فن حقق ولا جماهيرية [أفلام جديدة- الصفحة الرئيسية].
After Earth *
أهذا أسوأ فيلم حققه م. نايت شيامالان إلى اليوم؟ [أفلام جديدة- الصفحة الرئيسية].


أفلام جديدة


After Earth *

إخراج: م. نايت شيامالان  M. Night Shyamalan
أدوار أولى: ول سميث، جادن سميث، صوفي أوكونيدو، زاو إزابيللا كرافيتز.
سيناريو: غاري ويتّـا، شيامالان | تصوير: بيتر سوشيتزكي (ألوان) | توليف: ستينف روزنبلوم (92 د) | موسيقا: جيمس نيوتن هوارد | منتجون: ول سميث، كاليب بنكت، جادا بينكت سميث، جيمس لاسيتر.
خيال علمي |أميركي | ألوان- 100 د

«الخطر حقيقي. لكن الخوف هو إختيار» حكمة تسمعها من ول سميث وهو يقول لإبنه (في الواقع كما في الفيلم) بعدما أرسله إلى التهلكة.  نحن على بعد 1000 سنة من بعد أن هجر الناس الأرض إلى كواكب أخرى. هناك مشهد قصير عن هذا الرحيل. قصير لأنه لا يريدك أن تفكّـر في كيف تمّ لبلايين الناس فعل ذلك… هل تطلّب الأمر بليوني مركبة فضائية؟ 
لكن الحكمة ليست من فراغ إلا إذا كانت نوعاً من توارد الخواطر، ففي كتابه المؤسس لكنيسة «السيانتولوجي» وضع ل. رون هوبارد قواعد للخوف حين كتب أن هناك خمسة طرق يتصرّف فيها الإنسان حين يواجه خطراً وهي الهجوم، الهرب، التحاشي، الإهمال والإستسلام"، حسب قوله… لكن أيام ما كتب هوبارد فلسفته هذه لم يكن هناك فيلم بعنوان «بعد الأرض»، ولو شاهد الفيلم لأضاف: "أو مشاهدة هذا الفيلم للقضاء على أي منطق"، لأنه بغياب المنطق لا يعد هناك حاجة للشعور لا بالخطر ولا بالخوف.
لكن المسألة في «بعد الأرض» جادّة. حين يكرر الأب الطلب من إبنه أن يركع ليستعيد منطقه ويمسك بزمام نفسه، فإن الفتى ليس أمامه سوى أن يجلس سانداً كوعه على ساقه كما التمثال الشهير لأرسطو. 
لكن لحظة. أشعر أنني أخذت القاريء إلى النتائج قبل الوقائع فعذراً… سأنسحب إلى البداية.
«بعد الأرض» فيلم خيالي علمي كان طموح الممثل ول سميث ولذا قام بتبنيها منذ البداية. ولا علم لي إذا ما كان هو من إختار المخرج م. نايت شيامالان لها أو أن شركة كولمبيا هي من إختارته. الشركة سبق لها وأن انتجت سلسلة «رجال في الأسود» التي شارك ول سميث في بطولتها، وموّلت فيلم سميث «فتى الكاراتيه» بطولة إبنه جادن سميث الذي يضطلع ببطولة هذا الفيلم. هي أيضاً منتجة فيلم «كتاب إيلي» من كتابة غاري ويّتا، كاتب هذا الفيلم. لكنها المرّة الأولى التي تتعامل فيها مع المخرج م. نايت شيامالان وأعتقد أنها ستكون الأخيرة لفترة طويلة من الزمن.
القصّـة تبدأ بمشاهد ملتحمة لا خيط واصل بينها كثير منها سيعاود الظهور في مراحل لاحقة. وحين تنتظم لتسرد الحكاية نجد أنفسنا في مركبة عليها طاقم من الملاحين كما قائد الرحلة سيفر (ول سميث) وإبنه كيتاي (جادن سميث). لب المشاهد المذكورة نفهمه لاحقاً، لقد خسر سيفر إبنته سنشي (زاو إيزابيللا كرافيتز) عندما هوجمت من قِـبل مخلوقات تم صنعها في المختبرات وأطلق عليها إسم أورساس (Ursas). هذا يمر كما لو أن الفيلم يدرك أن هناك نحو عشر دقائق من اللا-حدث، وعليه إذاً أن يبتكر تلك المشاهد لاستحواذ الإهتمام. 
على متن هذه المركبة (التي تبدو بدائية الديكور) نرى الفتى كيتاي (الذي يلوم والده على موت سنشي) وهو يدخل القسم المحظور من الطائرة. أحد الملاحين يخيفه بحكاية تجمّده في مكانه لكن والده يستردّه والده طالباً منه البقاء جالساً. بعد لحظات، تتعرّض المركبة إلى حادث فضائي عندما تمر بمجموعة من المجرّات التي لم يكن بالإمكان تفاديها (الفضاء ليس شاسعاً بما فيه الكفاية!). عليها الآن أن تحط على كوكب ما. الكوكب الأقرب هو الأرض… هناك تحذير من أن كوكب الأرض لم يعد صالحاً للتنفس، لكن السيناريو ينص على ذلك إذاً لا يهم. ستحط المركبة فوق الأرض. سيموت كل من عليها بإستثناء الأب وإبنه. 
الأب مصاب بساقه ولا يستطيع الحراك. الإبن الخائف من ظلّـه هو الوحيد الذي يستطيع أن يصل إلى ذيل الطائرة المرمي على مسافة 300 كيلومتر لكي يسترد آلة إغاثة. لماذا هي موجودة في ذيل الطائرة وليس في الكابينة الأمامية؟ لا تسأل. الجواب الوحيد المنطقي هو لأن السيناريو ينص على ذلك أيضاً وذلك ليتيح أن يطلب الأب من إبنه أن يقوم بهذه الرحلة فوق كوكب الأرض بإتجاه ذيل الطائرة الذي حدده له على حارطة إلكترونية. يطلب منه ألا يخاف، لأنه سيتابعه على الشاشة وسيتواصل معه. كما يطلب منه أن يركع كلما مرّ بأزمة حتى يبعد الخوف عنه لأن الخوف «إختيار» … إلى آخره… كذلك يعطيه ستّة أقراص تساعده على التنفّس لأن الأرض باتت ملوّثة والأوكسجين فيها شبه معدوم. هذا لا يمنع بالطبع أن الحيوانات والأشجار لا زالت حيّة ولا تفسير لذلك أيضاً. إذ ينطلق الصبي في مهمّـته، هناك تواصل دائم في البداية بينه وبين أبيه الذي يخبره عن وجود من يطارده. يتطلّع كايتي حوله فيجد سعادين البابونز وقد أحاطوا به. يركض هرباً وفي تلاحقه وبالكاد يفلت منها عندما يرمي نفسه في نهر. الماء أنقذ حياته هنا، وسينقذ حياته مرّتين متتاليتين في هذه القصّـة.
رحلة كايتي تتم فوق الطبيعة. هناك غابات ممتدة بلا نهاية وجبال متتالية وشلالات أطول بكثير من شلال «أنجل» المعد أطول شلال في العالم (يقع في فنزويلا على إرتفاع 807 أمتار). هذا مبهج للعين لولا أن المشاهد لابد له وأن يلاحظ أن الفتى لا يضيع. ذكّرني ذلك بفيلم شيامالان الأسبق «القرية» (2004) عندما نشاهد عمياء (بروس دالاس هوارد) بعبور الغابة وهي لا تبصر ومن دون أي مشكلة. كايتي يبصر لكنه في غابة مترامية فيها طرق مقطوعة ووديان سحيقة وجبال مرتفعة وهو يركض شمالاً ويميناً وجنوباً وشرقاً لكنه على الطريق الصحيح في كل مرّة. وحتى حين يأخذ فوق الحصّـة المحددة له من أقراص الأوكسجين، يبقى حيّـاً بعدما وصل إلى ذيل الطائرة ووجد أقراصاً أخرى. 
على الطريق، وغير تلك السعادين، هناك وحوشاً أخرى: نسر بحجم المركبة الفضائية التي تحطّمت. وحوش تشبه الضباع ثم مشروع وحش غريب يبدو كما لو أنه من مخلّفات فيلم آخر تم إلغاؤه. المهم هو أن كايتي ينتصر عليها جميعاً ويصدر إشارة الإنقاذ. إنقاذنا نحن كون النهاية باتت قريبة في تلك اللحظة.
التواصل بين الأب وإبنه يتقطّع ثم يكاد ينعدم لأن حالة الأب الصحية باتت حرجة. لكن الخلاف بينهما (الذي يبني عليه الفيلم ما تحت الأحداث من مضامين) يضمحل ليسود الإحترام المتبادل والثقة. هذا كلّه كان يمكن القبول به لو أن الفيلم احتوى على حكاية فعلية وهذا يتضمّـن تبريرات للكثير مما يُطلب منّـا قبوله على هنّـاته. الملف الصحافي المرسل إلى الصحافة يتضمّـن صفحات من الحكايات الخلفية للحدث الماثل. لكن لا شيء يُـذكر منها مجسّم هنا. ذلك الملف يبدو كما لو كان يهدف إلى تأسيس عالم متكامل للفيلم على غرار ما فعله جيمس كاميرون في «أڤاتار»، لكن هناك سنوات ضوئية بين الفيلمين.
هذا فيلم عائلي لا من حيث توجهه الجماهيري (ولو أنه ممنوع علامة 12A التي تخوّل لمن هم دون المئة سنة مشاهدة الفيلم بلا إستثناء) بل من حيث صنعه. ول سميث كاتب القصّة ومنتج الفيلم وبطله. إبنه جادن بطله الأول. زوجة سميث جادا بينكت سميث منتجة فيه أيضاً، كذلك شقيقها (على الأرجح) وأسمه كاليب بينكت… الواضح أن المسألة كانت إجتماعاً بين أطراف ليسوا على بيّنة من القرار الصحيح وأن الفيلم هو هدية من الأب لإبنه الذي سبق وأن ظهر معه في «مطاردة السعادة» سنة 2006 قبل أن ينتج له والده «فتى الكاراتيه» الذي هو إعادة لفيلم سابق من السبعينات. جادن لا يحمل وسامة أبيه، وكلاهما لا يحملان موهبة أداء فائقة (ولو أن والده أكثر خبرة منه). والفيلم بدوره لا يبرهن إلا عن فشل عائلي في تجربة حك الظهر هذه.
كل هذا أشبه بتلك المجرات الصغيرة التي تضرب سفينة الفيلم، لكن المجرّة الأكبر هو هذا المخرج شيامالان الذي لا يريد أن يفكّـر قبل أن يصوّر. كل حساباته هنا خاطئة في التوقيت وفي التنفيذ وفي التصميم والسرد. صحيح أنه لا يسعى لفيلم يضع فيه رأياً راضياً أن يكتفي بالسرد وحده، لكن سرده هو بدوره مشكلة لا حل لها سوى الإستقالة. في خانة التصوير، استخدم مدير التصوير بيتر سوشيتزكي كاميرا دجيتال جديدة من إنتاج صوني… أمّنت له صورة عامّة جيدة،  لكن بأقل قدر من التجسيد اللوني للمكان وإضاءته. 

Byzantium **

إخراج: نيل جوردان  Neil Jordan
أدوار أولى: جيما أرترتون، ساويرس رونان، باري كاسن، دانيال مايز
سيناريو: مويرا بوفيني | تصوير: شون بوبيت (ألوان) | توليف: توني لوسون (118  د) | موسيقا: جافييه نافاريتي | منتجون: سام إنغلبارت، وليام جونسون، إليزابث كارلسن، ألان مولوني، ستيفن وولي.
خيال علمي |أميركي | ألوان- 100 د

ما يبدأ عند نيل جوردان كبوادر فيلم فامباير مختلف، يتوقّـف عن النبض الفاعل بعد ربع ساعة ويتحوّل إلى تجوال في الفكرة دون بلوغ هدفها على نحو مفعم وصحيح. إنه عن أم وإبنتها (هذه المرّة ممثلتان من عائلتين مختلفتين جيما أرترتون في دور الأم كلارا وساويرس رونان في دور إبنتها إليانور). تقتل الإبنة الشابّة بعرز ظفرها الحاد كسكين لتمتص دمه ثم تهرب وأمها من الشقّـة الوضيعة التي يسكنان فيها بعد إشعال النار فيها لكي يتم إخفاء هوية القتيل أو كيف مات. تتعرّف الأم، التي تجيد رقص الملاهي، إلى رجل محبط أسمه نوول (دانيال مايز) ماتت والدته التي أدارت فندقاً قديماً وتركته مفلساً. تقنعه بأن يحوّله إلى ماخور وهي مهنة ارتكبتها قبل مئتي سنة. في الوقت ذاته، تتعرّف الإبنة على الشاب فرانك وتنخرط معه في إحدى المدارس وحين يُطلب منها كتابة قصّة تكتب حكاية تعود إلى ذلك التاريخ البعيد وتسرد فيها حياتها وحياة والدتها الخاصّة.
يعمد جوردان إلى توظيف التعليق (ڤويس أوڤر) لسرد ما يلزم (وما لا يلزم أحياناً) وهي عادة قام بها في أكثر من عمل له في السنوات الثلاثين الماضية. ما يمنحه التعليق الصوتي هو قدر كبير من السُلطة. سُـلطة الفرد- الحكواتي ومرجعيّته. لكن وإن كان النص المستخدم في هذا المجال جيّد، فإن الحوار بين كل الشخصيات يبقى ثانوياً وثقيل الوطأة كذلك إخراج المشاهد. إنه كما لو أن جوردان يريد تقديم ما هو كلاسيكي في مجاله، بميزانية ضئيلة عازماً استحداث صورة عاطفية حديثة لحكايات الڤامبايرز، من دون التخلّـي عن البعد التاريخي لها.
حتى مع هذه المتطلّبات المعذورة، فإن الفيلم يبقى ثقيل الوطأة يمر مثل شاحنة تسد الطريق. في نحو ما لا يحقق الفيلم الغاية الفنية المرجوّة التي تصر على إستثناء هذا الفيلم من كل الأعمال التي تدور اليوم حول مصاصي الدماء، ومن ناحية أخرى فإن هذا الإخفاق لا يواجهه نجاح في إيجاد رقعة تجارية ترفيهية جاذبة. بكلمات أخرى، لا يحقق الفيلم تلك الإضافة الفنيّـة لأعمال جوردان السابقة، ولا يوفّـر لمن يطلب التشويق ما يبحث عنه في فيلم من هذا النوع. نعم، «بيزانتيوم» هو أعلى درجة أو درجتين من أفلام تافهة مثل سلسلة «أنشودة الغسق» المعروفة، لكنه ليس بأهمية فيلمه السابق عن مصاصي الدماء وهو «مقابلة مع مصاص دماء» Interview With A Vampire  الذي حققه في العام 1994 مع توم كروز وبراد بت (وفيه تعليق صوتي كذلك) ولو أن غاية المخرج طرح مسائل مثل وحدة مصاص الدماء وحبّـه وأوهامه. 
أرترتون جميلة والفيلم يقدّمها كإمرأة فاتنة مقنعة كمصاصة دماء وقاتلة (ولو أنها تقتل فقط للدفاع عن نفسها أو إبنتها) لكن ساويريس؟ أكثر ما تقوم به هو النظر للأفق، وهو أضعف الإداءات خصوصاً حين يكون المطلوب من النظر هو التأمل الوجودي أو الفكري أو ما شابههما. إنها تحدّق هناك لما وراء الكاميرا طويلاً وكل هذا التحديق لا يعود بالفائدة على الفيلم بأي شيء يذكر.



أفلام مهرجانات                                            
CANNES

Dance of Reality **1/2
La Danza de la realidad

إخراج: أليخاندرو يودوروفسكي Alejandro Jodorowsky
دراما إجتماعية | تشيلي | ألوان- 130 د 

مثل أفلام يودوروفسكي السابقة، يأتي «رقصة الواقع» مختلطاً من دون تجانس. إنه سيرة حياة المخرج مغلّـفة بمشاهد رمزية وبشخصيات ناشزة ومواقف مستعصية وخطابات حيناً ثورية وحيناً فلسفية. قليل من المستوى الشعري مع كثير من التخيّلات والهلوسات وكل ذلك في شكل سردي ينتقل عبر أزمنة ليقدّم حاضر عائلة (نظرياً عائلة المخرج نفسه) وماضيها ولكي يفحص، ولو عرضاً، معايير سياسية مختلفة ثم… لا يصل بكل ذلك إلى شيء غير العرض ذاته.
العنوان في الأساس هو عنوان كتابه البيوغرافيّ الذي وضعه قبل سنوات قليلة والذي تحدّث فيه عن نشأته ووالده وأمّـه. كيف أن والده الشيوعي هاجر من أوكرانيا إلى تشيلي وكيف ترعرع هو هناك متحمّلاً صرامة أبيه. على الشاشة نشاهد نماذج كثيرة على هذه الصرامة لكن المرء لا يملك ما ما يفرز به المشاهد: أي منها وقع فعلاً، أي منها مستمد من شيء واقع وأي منها غرائبي تماماً. هل والد الصبي هنا (يؤديه إبنه في الواقع برونتيس يودوروفسكي) حافظ على عقيدته الشيوعية حين لجأ من أوكرانيا إلى تشيلي؟ هل عاش وعائلته في تلك القرية التي لا معالم واقعية لها؟ ثم هل كانت والدة أليخاندرو بدينة وذات ثديين ضخمين ولا ترتدي تحت ملابسها أي كيلوت؟
جواباً على بعض هذه الأسئلة، نعم القرية حقيقية (أسمها توكوبيلا) لكنها لم تكن على هذه الغرابة ما يفسّر ليس فقط كيف يمزج المخرج الحقيقة بالخيال والمنطق بالسوريالي، بل كيف يودي بالفكرة الثابتة وجدواها إلى رمزيات تقبلها أو لا تقبلها سيقوم بتحقيقها على المنوال الذي يريده. لا يمكن مثلاً أن تكون والدته أسيرة الأوبرا فلا تتحدّث كما نفعل بل تغني كلامها على هذا النحو. والمشهد الذي نراها فيه تبوّل على زوجها فتبعث فيه طاقة الحياة من جديد بعدما كان وصل إلى دكّـان العائلة مضروباً ومنهكاً لا يمكن أن يكون حقيقة. لكن ربما حقيقة أن والده تركه ووالدته وراح يجوب البلاد بحثاً عن هويّته الفكرية. لا هو قادر على أن يبقى شيوعياً ولا هو قادر على أن يقتل الحاكم الدكتاتوري كما نوى. لاحقاً، ما يشتغل لحساب الدكتاتور ليعتني بحصانه ويرفض في المقابل أي أجر وذلك إلى أن يحاول قتل الدكتاتور فتجمد عروق يديه وتصابان بتيبّس شديد سيستمر معه حتى ما قبل النهاية. 
البحث عن الهوية ليس فقط سياسي هنا، بل ديني. المخرج يتحدّث عن والده يهودياً، يستخدم الصفة الدينية مراراً في أحداث الفيلم، ها هم المتظاهرون ينددون بـ «يهودية» الأب، ورفاق المدرسة يسخرون من «الصبي اليهودي البشع». حين يعطف مسيحي ملتزم على الأب فيطعمه ويمنحه عملاً ثم رزمة من المال، يكاد الأب يتحوّل إلى المسيحية لا يوقفه عند هذا الإلتزام سوى ملاحظته أن تأبين ذلك المسيحي في الكنيسة تحوّل عن غايته. بذلك ينتقد المخرج الكنيسة ولا يصل إلى تحديد منطلقات ذلك البحث ولا نتائجه.
تفسير هذه المعالجة الغريبة لما كان من المحتمل أن يكون سيرة ذاتية أكثر وضوحاً في هذا الأساس هو أن المخرج لا يود الإلتزام بما وقع لكنه يريد تفسير ما وقع على المنحى الذي يلائم تفكيره وآرائه في الدين والحياة والسياسة والمجتمع والبشر. مثل فديريكو فيلليني، يستلهم اللحظات ليبني خيالاً منسوجاً من الذاكرة أماركورد» مثلاً)، لكن على عكسه لا يكترث يودوروفسكي ليكون رقيقاً وشاعرياً وجميلاً. لا يهتم بكيف يسوق حكايته لكي تتوالى على نحو جيّـد، بل يريد أن ينفصل متى أراد عما يسرده ليدخل في فصل طويل لرحلة الأب تاركاً البناء السابق في مكانه دون تحريك. لا يكترث حتى للقطع بين الرحلة وبين ما يمكن أن يكون حدث لزوجته وإبنه في غيابه.
على الرغم من كل هذه الفوضى هناك نتاج إيجابي للحكاية: الأب يعود إلى قريته وقد تبدّل عما كان عليه. الصورة الإيجابية تخلف كل مشاعر العداء التي كنّها الفيلم له. وهناك في طيّات هذه الفوضى غير المنظّـمة (إلا في تصاميم صاحبها) أكثر من مشهد خلاب يمنح المشاهد سبباً لأن يعتبر يودوروفسكي فنّـاناً (ليس الفنان المدهش والرائع والذي يتجاوز معظم الآخرين عندي، لكنه فنان على أي حال) خصوصاً حين النظر إلى الفيلم ككل وليس كمشاهد مقضي، تقنياً، عليها كون المخرج استخدم كاميرا فيديو لتصوير الفيلم بعد أن قضى أكثر من عقدين بلا عمل. 
على ذلك، «رقصة الواقع»، كما أفلام المخرج القليلة السابقة إلتوبو»، «الدم المقدّس» الخ…) هو ذات الخط مما يُسمّـى بـ "الواقعية السحرية". ومثلما ينتقل من في الفيلم طمعاً في فهم الحياة، ينتقل الفيلم في أطر من التجريد والسوريالية والواقعية السحرية كما لو كان يبحث عن الشكل الأفضل بينها، لكنه في الواقع يجد شكله الأفضل في هذا التمازج على ما يفرزه من أخطاء ونقاط ضعف.
هناك ذلك المشهد الذي يتعلّـم فيه الصبي واحداً من المعاني المطلوبة للحياة: يصهر رجل يرتدي ما يستر عورته الأمامية الرموز الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية في أيقونة واحدة على أساس أنها ديانات واحدة. هذا ليس مفهوماً ساذجاً على الإطلاق. ويتمنّى المرء لو أن يودوروفسكي تمحور قليلاً حول هذه النقطة عوض العودة إلى عقدة اليهودي أكثر من مرّة.
الفيلم هو عن الصبي (والمخرج يودوروفسكي يظهر كروح تقود الصبي أكثر من مرّة) لكن صلب الموضوع هو الأب وما الإنتقال بينهما سوى نتيجة تباين غير مريح ولو أنه دائماً مثير وربما ساحر.



عروض خاصّة                                            

باب شرقي **
إخراج: أحمد عاطف
تقييم الناقد: ** (من خمسة)


فيلم المخرج أحمد عاطف الجديد «باب شرقي» أفضل من ذاك الذي كان حققه قبل نحو خمس سنوات تحت عنوان «الغابة» في جوانب متعددة، لكنه لا يزال أقل قدرة من أن يسجل الأهداف المطلوبة على صعيد إيصال المضمون كما يجب أن يصل. 
وفي حين كان السبب في «الغابة» يعود إلى فوضى كتابية وتنفيذية، فإن المشكلة الأولى هنا تكمن في السيناريو الذي كتبه الأخوين أحمد ومحمد ملص (ليس محمد ملص المخرج السوري المعروف) وشاركهما به المخرج عاطف، والقائم على اجتهادات في الكتابة ومنوال من الأماني والتمنيّـات في دراما كانت تطلب، حسب مادتها الجادة، ما هو أكثر واقعية.
إنه عن أخوين توأمين سوريين (أحمد ومحمد ملص) علّمهما والدهما كره الواحد للآخر طالباً من كل منهما أن يقوى على أخيه وبذلك زرع في ذات كل منهما كرهه للآخر. حالياً هما في القاهرة. أحدهما مناويء للرئيس بشّار الأسد والثاني موّيد له. الأول يعمل في منظمة إعلامية تلاحق أخبار ونشاطات الثورة السورية، والثاني مرسل من قِـبل النظام لكي يصفّي شقيقه. والمعركة الكبيرة بينهما تنتظر المشاهد في النهاية لكنها بلا غالب أو مغلوب. في الوقت ذاته ها هو الأب الذي كان يصدح شعراً وثناءاً على النظام ورئيسه يكتشف أنه خُدع تماماً واكتشافه (المتأخر) هذا يقوده إلى الإنتحار بعدما تركته زوجته التي كانت مع صف الثوار. 
وزيادة على ذلك، هناك الضابط العامل في قصر الرئاسة الذي يكتشف أيضاً مساويء رئيسه فيقدم على قتله. حسب الفيلم إذاً، فإن بشّار الأسد مات قتلاً برصاص أحد رجال مكتبه ما يترك المشاهد حائراً ما إذا كانت هذه أمنية أم نبوءة. والأرجح أنها أمنية لكن إذا ما تم قتل الرئيس يوماً فسيتبنّى الفيلم أنه تنبأ بذلك فعلاً.
«باب شرقي» هو فيلم لصالح الثورة السورية، خطابه يصب فيها. لكن الثورة السورية ليست بحاجة إلى فيلم تملؤه الإفتراضات وتغيب عنه المبررات الدرامية الصحيحة. فيلم ضعيف في خطابه وخال من التحليل السياسي. يتجاهل ما هو أقرب إلى الوقوع متبنيّـاً ما هو إفتراضي. انقلاب الأب على أعقابه لأن الرئيس شتمه هو أضعف من أن يكون دافعاً كافياً. التكلّف في التمثيل هو أيضاً مشكلة تنتاب من مثّل دور الأب ومن أخرج مشاهده التي تصوّر أزماته. حتى تمثيل الشقيقين متفاوت مع تكلّف واضح بالنسبة لذاك الذي قام بدور الشرير بينهما.
حين يصل الأمر إلى الإخراج فإن المدهش إلتزام أحمد عاطف بالمكتوب دون تطوير فعلي أو حضور شخصي. هذا ما يجنّبه التعامل مع تفاصيل الكتابة وفي الوقت ذاته يبعده عن الحضور الذي يتمنّاه المرء له. يعتمد الفيلم على الكثير من «الكليبات» الواقعية وعلى عدد من تلك الممثلة لحشد الموقف السياسي أو تبنّـيه إنما بصورة بدهية كان الأجدى تغييبها لصالح مواقف تستلهم عمقاً فعلياً. العناصر التقنية، ضمن ميزانية إنتاجية محدودة، لا بأس بها والمخرج يعرف كيف يسرد الموقف قصصياً. ما كان ينقص الفيلم فعل إيمان بأن فكرته (الجيدة) كانت تستحق معالجة أفضل.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ