Man of Steel


Year 5/ Issue: 162
Man of Steel **

حرف S المطبوع على صدر اللباس الأحمر والأزرق للرجل الطائر في فيلم زاك سنايدر الجديد «رجل من فولاذ» ليس الحرف الأول من «سوبرمان»، يقول كال إل للويس لاين، بل تعني «أمل» بلغة أهل كريبتون. هل سمعت عظام جو شستر وجيري سيغال تهتز في كنفيهما بعدما قرر صانعو الفيلم إجراء هذا التحويل الكبير في مفهوم ملايين المعجبين بسوبرمان؟ ربما لا. ربما ما سمعته هو مجرد قناعتي الداخلية من أن إذا ما كان هناك من فيلم هذا العام تكلّـف أكثر من  200 مليون دولار لكي يتفذلك، فإنه «رجل من فولاذ» في كل الأحوال.
الحكاية الأصلية مطلوبة حتى مع رغبة سنايدر وكاتبي السيناريو ديفيد غوير وكرستيان بايل الخروج عنها قليلاً والفيلم يحتوي عليها وبل يتطوّع للإضافة إليها. إيجازاً: كال إل وُلد فوق كوكب كريبتون في آخر أيام الكوكب الذي لم يعد بالإمكان معالجة التغيير المناخي فوقه. هناك عصيان يقوده الجنرال زود لكن والد كال- إل، وأسمه جور-إل يضع طفله في كبسولة ويرسله عبر الفضاء إلى الأرض قبل أن يتعرض لمكروه من زود. يحط جور- إل في مزرعة في ولاية تكساس. يجده مزارع طيّب محروم وزوجته من الأولاد. يترعرع جور- إل الذي أصبح أسمه الأرضي كلارك كنت ويظهر تميّزه عبر قوّة غير طبيعية. حين يصبح رجلاً في مقتبل العمر ينزح إلى مدينة نيويورك ويلتحق بالعمل في صحيفة «دايلي بلانت» (الكوكب اليومي) كمصوّر. هناك صحافية طموحة أسمها لويس لا تعرف حقيقته وهو يبقي نفسه في خدمة كل محتاج محققاً العدالة ومنقذاً الأرواح من دون أن يعلم أحد أنه هو نفسه المصوّر. ثم يهرب زود من الكوكب المهجور ويحط مع أصحابه إلى الأرض ويواجه سوبرمان لمقاتلته وانتزاع قوّته منه. 
نسخة رتشارد دونر المسمّاة «سوبرمان» (1978) لم تخرج عن هذا الخط: مارلون براندو في دور والد سوبرمان. كريستوفر ريف في دور سوبرمان. ترنس ستامب في دور زود. مارغوت كيدر في دور لويس. غلن فورد في دور الأب وفيليس تاكستر في دور الأم. توسّع الفيلم قليلاً فقدّم عدوّا أرضياً شرساً ضد سوبرمان أسمه لكس لوثر (جين هاكمان) ومساعده الأحمق أوتيس (وورن بيتي) والنتيجة فيلم ممتع من حيث أنه تشويقي وفكه في الوقت ذاته. كذلك كان حال الجزئين الثاني الذي حققهما رتشارد لستر قبل أن يشتري المنتج الرخيص مناحيم غولان رخصة تحقيق فيلم رابع هو الأسوأ بينها جميعاً (أخرجه سيدني ج. فيوري سنة 1987)
في حين بقت الأفلام الثلاث الأولى ضمن إطار المغامرة السوبرمانية المرحة والخفيفة، وحاول الجزء الخامس بعنوان «سوبرمان يعود» (برايان سينجر- 2006) فتح نافذة جديدة وفشل، يأتي هذا الفيلم مخالفاً لكل ما سبقه. وبدأ من الحكاية التي لم تعد سلسلة وبسيطة وسهلة الوصول إليها، بل أصبحت ركامات من الإسهاب.
يبدأ حيث البداية: كريبتون. الأب (راسل كراو) الأم (الممثلة الإسرائيلية أيليت زورر) ، ولادة الطفل، قيام الأب بإرساله في كبسولة. زود (مايكل شانون). التمرّد العسكري. كل شيء ورد سابقاً من دون إيجاز. مشكلة الفيلم تنطلق مواكبة: فجأة صار التركيز على الجانب الديني من الحكاية ليستمر بعد ذلك.

الكاتبان مبتدعا شخصية سوبرمان هما يهوديان (كذلك شأن معظم رسّامي الكوميكس في أميركا). كلمة إل في العبرية هي الله (تعالى) وهما كتبا شخصية مستلهمة من شخصية النبي موسى (عليه السلام). سوبرمان هو، في الأساس، الرد على السيد المسيح وهم يأخذون على المسيح إبن مريم أنه لم يكن محارباً ومقاتلاً كما كان ديفيد. أكثر من ذلك، هناك علاقة بين سوبرمان وبين شخصية «غولام» اليهودية التي اخترعتها الثقافة اليهودية في المجر (أساساً) في القرن الثامن عشر ومفادها أنها شخصية تقاوم وتقاتل كل من يعادي اليهود (هناك الكثير مما يمكن لي كتابته في هذا الموضوع لكنه موضوع منفصل تماماً عن هذا النقد). 
لا نحتاج بعد ذلك لكثير من الشرح ولو أن سيغل وشوستر أبقيا كل هذه الخلفية الدينية محدودة ودفينة. لم أقرأ في مجلات الكوميكس التي وضعاها (وقد قرأت دزينتين منها وشاهدت تمهيداً لكتابة هذا النقد حلقات سوبرمان التلفزيونية مقتبسة منها) أي ذكر ديني (لكن المفهوم الديني موجود بالفعل). للتأكيد، أميركا كانت قبلت في الخمسينات وحتى حين قريب أن ينتمي سوبرمان الآتي من الفضاء إلى أهل الأرض: لمَ لا؟ إنه شاب وسيم. أبيض البشرة. تربّى على حب الخير. منحه والديه بالتبنّي تعليماً أخلاقياً وفوق ذلك يقاتل في سبيل الخير ضد المعتدين. ينقذ أرواحاً كل يوم. أميركا ذلك الحين لم تكن تنظر إلى الأجنبي كأجنبي إذا ما انخرط في الحياة الأميركية وهذا ما كان عليه الحال. 
في نسخة سنايدر (الذي أخرج «300» عن كوميكس للكاتب -اليهودي- فرانك ميلر حملت- كالفيلم- معاداة للإسلام) فإن المشكلة هي أن سوبرمان لا ينخرط بسهولة. من ناحيته لا زال متمسّكاً بتاريخه وأن حرف S يعني أمل (Hope) حسب اللغة الكربتونية،  وليس «سوبرمان» Superman. من ناحية الأرضيين هناك من يرتاب به (العسكر) ومن ناحية الفيلم يريد أن يبقي بطله في  موضع بحث عن إنتمائه: هل هو كريبتوني أو أرضي؟ إنه يحاول أحياناً أن يمارس قواه الكوكبية، لكن والده الأرضي (كڤن كوستنر هنا- وهو أفضل ممثلي الفيلم) يمنعه. يريده أن ينتمي إلى أهل الأرض وأن لا يلفت الأنظار إلى قواه. الفيلم يقول بوضوح أن هذه الرغبة تعرقل سوبرمان وأنه مجبور على الإلتزام بطلب أبيه حتى حين كان يستطيع أن ينقذه من الموت لو سمح له والده بذلك.
قرب النهاية يسأل القائد العسكري سوبرمان: «كيف أثق بك؟» فيخبره سوبرمان بأنه عاش ثلاثين سنة في ولاية كنساس "لا تستطيع أن تكون أميركياً أكثر من ذلك"
كل ذلك يبدو جيّداً. المفهوم الناتج هو أن الفيلم يبحث في تجربة الهجرة إلى أميركا ولماذا على المهاجرين أن ينخرطوا ويصبحوا أميركيين. لكن سينمائياً، فإن لا شيء مسروداً بسهولة الكلمات السابقة: بعد مشاهد الكوكب البعيد. نحط على الأرض. ومن تلك اللحظة يواصل الفيلم إنتقاله من الحاضر (وأي حاضر بالتحديد هو أمر منفصل) إلى الماضي. تارة إلى الماضي البعيد. تارة إلى ماضي قريب، ثم عودة إلى ماض يكمن في حقبة ثالثة مرّة وحقبة رابعة مرّة أخرى. صحيح أن الجهد المبذول لعدم التسبب في إضاعة وعي المشاهد بما يحدث ناجح. لكن كل هذا الإنتقال من نقطة إلى أخرى، ثم إلى ثالثة ورابعة والعودة إلى الأولى ثم الخامسة ثم العودة إلى النقطة الثانية والذهاب يميناً ويساراً بالحكاية لنحو ساعة وربع من الفيلم قبل تخصيص المعركة الكبرى بـ 45 دقيقة مضجّة، هو فذلكة مغالى في توفيرها تسحب من المشاهد القدرة على التواصل مع ما يدور. 
طبعاً المشاهد القتالية منفّذة صحيحاً، لكن هناك أكثر من خمسين بالمئة منها في هذا الفيلم ما يعني أن سنايدر أخرج أقل من نصف الفيلم وأشرف على المؤثرات فيما تبقّى. تلك المشاهد القتالية منفّذة صحيحاً حسب آخر مستحدثات الكومبيوتر. المشكلة هو ما تم تنفيذه على الورق ومن مشاهد آدمية حيث يتعرّض الفيلم لأكثر مما ينبغي من الطروحات التي يخفق كثير منها في إثارة فكرية فعلية لدى مشاهد دخل لكي يتمتّـع بما يراه.
هل نطالب المخرج بأن يقدّم فيلماً بلا فكر؟ طبعاً لا. لكنه إذا ما أراد أن يفكّر عليه أساساً أن يبتعد عن رصف المشاهد كركامات مختلقة. أن يقدّم مادّة حقيقية تدافع عن وجهة نظر وقضية عوض عرضها على طراز عناوين الصحف.
سنايدر يغيّر حالات أخرى ويقدّمها جميعاً في مستوى واحد من الإهتمام من دون أن يربط بينها: لويس لم تعد الصحافية التي لا تكتشف هوية سوبرمان إلا بعد سنوات من العمل معاً. هنا تكتشفه من البداية. والصحيفة التي تعمل بها تظهر من دون تميّز في حين أنها كانت ذات نبض واقعي في الأفلام السابقة. ثم هناك أم سوبرمان بالتبنّـي (دايان لين) التي يستعين بها الفيلم كلّما أراد أن يمنح المشاهد جرعة عاطفية

الأكثر لفتاً هو أن الدمار الذي يقع لأميركا أريد له أن يكون أكثر فداحة من كل دمار حدث لها في أي فيلم سابق. المدينة هي نيويورك. قبل 2001 كان الدمار محدوداً. بعد ذلك سعي لتصوير الدمار بموازاة العملية الإرهابية. بعد ذلك صار الدمار أشمل. هنا أشمل من كل شيء شوهد من قبل. الرقعة كبيرة والمباني تهوى كبيت من ورق. سنايدر يوزّع المشاهد بين صراع سوبرمان ضد أعدائه، وبين مشاهد لناطحات سحاب وهي تتساقط. ورئيس تحرير «دايلي بلانت» وهو يركض مع موظفين هرباً. لم هو (وشخصيّته لها فعل درامي محدود) وليس عشرات ألوف الأبرياء. صحافية تسقط بين الركام لكنها تخرج سليمة. لم سقطت بين الركام إذاً؟
سنايدر يصوّر أكثر مما يحتاج وشخصية رئيس التحرير (لورنس فيشبورن) ليست وحدها التي لا تفعل شيئاً يذكر، بل لديك شخصية عالم أسمه إميل هلتون (يقوم بها ممثل أسمه رتشارد شيف). كل ما هو مطلوب منها هو أن يتعجّـب. ينظر إلى ما يدور مشدوهاً. في المشاهد التي يتم وضعه فيها تتجه إليه الكاميرا لتجعله شاهداً (صامتاً معظم الوقت) على طريقة حركة الكاميرا في المشاهد الأخيرة من فيلم ستيفن سبيلبرغ «لقاءات قريبة من النوع الثالث» عندما كانت تحوم حول وجه فرنسوا تروفو. لكن تروفو كان له حضور مهم في ذلك الفيلم. في أحد المشاهد يلوي وجهه جانبياً وهو يعاين ما يراه تماماً كما يفعل الكلب (أقصد التشبيه الواقعي وليس الشتيمة)... لكن  ليس هناك من دور حقيقي. ليس هناك من حضور أو فعل إلا إذا كانت الرغبة هي إعلان مجاني (وبل براتب مدفوع) للممثل من باب: "إذا أردت ممثلاً يجسد التعجّب عليك برتشارد شيف"


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3 comments:

Anonymous said...

استاذ محمد
زاك سنايدر اقل قدرا من كتابة فيلم ريدر عنه، ناهيك عن مناقشة محتوى افكاره!!
ناقش قصة فيلم وورلد وور زي أو الحرب العالمية زي التي كتبها ابن اليهودي مل بروكس ماكس بروكس؟ وكيف ان الحائط العنصري الاسرائيلي هو في الحقيقة منقذ البشرية؟! وكيف ان امل البشر معقود على مجندة اسرائيلية حليقة الرأس؟! مبتورة الذراع؟!
شاهدت فيلم ذا هاوس بيوند ذا باينز؟ انا شاهدته، وللأسف المخرج جعله يبدوكمسلسل تركي او هندي في افضل احواله، الم ينتهي عهد سرد التسلسل الزمني هذا؟ كيف وافق النجوم على ذلك؟! شكرا
عبدالله العيبان -الكويت
@aqrbnnas

Unknown said...

تنسى يا صديقي عبدالله أنني ناقد أفلام ولست ناقد أفلام على ذوقي. أحاول أن أشاهد كل شيء وأن أكتب عن كل شيء أشاهده. لا أشاهد فقط ما يجعبني ولا حتى عندي حظوة الإختيار بل أشاهد كل شيء تصل إليه عيناي٠ بالنسبة لفيلم الزومبي.... هذه هي قراءتك... قراءتي مختلفة وقريباً ستطالعها هنا٠ بالنسبة لفيلم
The House Beyond the Pines
الحق معك. مرّة من تلك المرّات القليلة التي كنت أتمنى لو أن هناك شاشة ثانية في نفس الصالة لكي إنتقل بين فيلمين. قريباً هنا أيضاً٠
شكراً لصداقتك٠

mojack said...


السلام عليكم، مرحبا أستاذ محمد. سعيد ان المدونة ما زالت مستمرة وانك رجعت بأفضل حال . اعتذر عن قلة التواصل لكني متابع لكل ماتكتبه من عام 2008
سواء هنا او بصحيفة الشرق الأوسط
.
حبيت اسألك هل سيكون هناك نقد قريب للأفلام التالية :
Spring Breakers
Seven Psychopaths
The Place Beyond the Pines
To the Wonder
42
The East

وأيضا هل ممكن اذا هناك فرصة تتكلم عن المخرج وودي آلن وأفضل أفلامه ؟

وشكرا