Dance of Reality | After Earth | Byzantium | باب شرقي


Year 5/ Issue: 161

شوهدت هذا الأسبوع

Tennessee's Partner **** 1/2
بمثابة إكتشاف من مخرج منسي اليوم.  طالع زاوية «وسترن» أعلاه.
Dance of Reality *** 
فيلم أليخاندرو يودوروفسكي (الصورة) «رقصة الواقع» مستوحى من مذكراته بحريّـة شديدة وفوضى أشد [أفلام مهرجانات على الصفحة الرئيسية].
باب شرقي **
أول فيلم روائي عن الأحداث السورية يكمن في العمل الجديد للمخرج أحمد عاطف الذي كاد أن… [عروض خاصّـة- الصفحة الرئيسية].
Byzantium **
فامبايرز من المخرج نيل جوردان: لا فن حقق ولا جماهيرية [أفلام جديدة- الصفحة الرئيسية].
After Earth *
أهذا أسوأ فيلم حققه م. نايت شيامالان إلى اليوم؟ [أفلام جديدة- الصفحة الرئيسية].


أفلام جديدة


After Earth *

إخراج: م. نايت شيامالان  M. Night Shyamalan
أدوار أولى: ول سميث، جادن سميث، صوفي أوكونيدو، زاو إزابيللا كرافيتز.
سيناريو: غاري ويتّـا، شيامالان | تصوير: بيتر سوشيتزكي (ألوان) | توليف: ستينف روزنبلوم (92 د) | موسيقا: جيمس نيوتن هوارد | منتجون: ول سميث، كاليب بنكت، جادا بينكت سميث، جيمس لاسيتر.
خيال علمي |أميركي | ألوان- 100 د

«الخطر حقيقي. لكن الخوف هو إختيار» حكمة تسمعها من ول سميث وهو يقول لإبنه (في الواقع كما في الفيلم) بعدما أرسله إلى التهلكة.  نحن على بعد 1000 سنة من بعد أن هجر الناس الأرض إلى كواكب أخرى. هناك مشهد قصير عن هذا الرحيل. قصير لأنه لا يريدك أن تفكّـر في كيف تمّ لبلايين الناس فعل ذلك… هل تطلّب الأمر بليوني مركبة فضائية؟ 
لكن الحكمة ليست من فراغ إلا إذا كانت نوعاً من توارد الخواطر، ففي كتابه المؤسس لكنيسة «السيانتولوجي» وضع ل. رون هوبارد قواعد للخوف حين كتب أن هناك خمسة طرق يتصرّف فيها الإنسان حين يواجه خطراً وهي الهجوم، الهرب، التحاشي، الإهمال والإستسلام"، حسب قوله… لكن أيام ما كتب هوبارد فلسفته هذه لم يكن هناك فيلم بعنوان «بعد الأرض»، ولو شاهد الفيلم لأضاف: "أو مشاهدة هذا الفيلم للقضاء على أي منطق"، لأنه بغياب المنطق لا يعد هناك حاجة للشعور لا بالخطر ولا بالخوف.
لكن المسألة في «بعد الأرض» جادّة. حين يكرر الأب الطلب من إبنه أن يركع ليستعيد منطقه ويمسك بزمام نفسه، فإن الفتى ليس أمامه سوى أن يجلس سانداً كوعه على ساقه كما التمثال الشهير لأرسطو. 
لكن لحظة. أشعر أنني أخذت القاريء إلى النتائج قبل الوقائع فعذراً… سأنسحب إلى البداية.
«بعد الأرض» فيلم خيالي علمي كان طموح الممثل ول سميث ولذا قام بتبنيها منذ البداية. ولا علم لي إذا ما كان هو من إختار المخرج م. نايت شيامالان لها أو أن شركة كولمبيا هي من إختارته. الشركة سبق لها وأن انتجت سلسلة «رجال في الأسود» التي شارك ول سميث في بطولتها، وموّلت فيلم سميث «فتى الكاراتيه» بطولة إبنه جادن سميث الذي يضطلع ببطولة هذا الفيلم. هي أيضاً منتجة فيلم «كتاب إيلي» من كتابة غاري ويّتا، كاتب هذا الفيلم. لكنها المرّة الأولى التي تتعامل فيها مع المخرج م. نايت شيامالان وأعتقد أنها ستكون الأخيرة لفترة طويلة من الزمن.
القصّـة تبدأ بمشاهد ملتحمة لا خيط واصل بينها كثير منها سيعاود الظهور في مراحل لاحقة. وحين تنتظم لتسرد الحكاية نجد أنفسنا في مركبة عليها طاقم من الملاحين كما قائد الرحلة سيفر (ول سميث) وإبنه كيتاي (جادن سميث). لب المشاهد المذكورة نفهمه لاحقاً، لقد خسر سيفر إبنته سنشي (زاو إيزابيللا كرافيتز) عندما هوجمت من قِـبل مخلوقات تم صنعها في المختبرات وأطلق عليها إسم أورساس (Ursas). هذا يمر كما لو أن الفيلم يدرك أن هناك نحو عشر دقائق من اللا-حدث، وعليه إذاً أن يبتكر تلك المشاهد لاستحواذ الإهتمام. 
على متن هذه المركبة (التي تبدو بدائية الديكور) نرى الفتى كيتاي (الذي يلوم والده على موت سنشي) وهو يدخل القسم المحظور من الطائرة. أحد الملاحين يخيفه بحكاية تجمّده في مكانه لكن والده يستردّه والده طالباً منه البقاء جالساً. بعد لحظات، تتعرّض المركبة إلى حادث فضائي عندما تمر بمجموعة من المجرّات التي لم يكن بالإمكان تفاديها (الفضاء ليس شاسعاً بما فيه الكفاية!). عليها الآن أن تحط على كوكب ما. الكوكب الأقرب هو الأرض… هناك تحذير من أن كوكب الأرض لم يعد صالحاً للتنفس، لكن السيناريو ينص على ذلك إذاً لا يهم. ستحط المركبة فوق الأرض. سيموت كل من عليها بإستثناء الأب وإبنه. 
الأب مصاب بساقه ولا يستطيع الحراك. الإبن الخائف من ظلّـه هو الوحيد الذي يستطيع أن يصل إلى ذيل الطائرة المرمي على مسافة 300 كيلومتر لكي يسترد آلة إغاثة. لماذا هي موجودة في ذيل الطائرة وليس في الكابينة الأمامية؟ لا تسأل. الجواب الوحيد المنطقي هو لأن السيناريو ينص على ذلك أيضاً وذلك ليتيح أن يطلب الأب من إبنه أن يقوم بهذه الرحلة فوق كوكب الأرض بإتجاه ذيل الطائرة الذي حدده له على حارطة إلكترونية. يطلب منه ألا يخاف، لأنه سيتابعه على الشاشة وسيتواصل معه. كما يطلب منه أن يركع كلما مرّ بأزمة حتى يبعد الخوف عنه لأن الخوف «إختيار» … إلى آخره… كذلك يعطيه ستّة أقراص تساعده على التنفّس لأن الأرض باتت ملوّثة والأوكسجين فيها شبه معدوم. هذا لا يمنع بالطبع أن الحيوانات والأشجار لا زالت حيّة ولا تفسير لذلك أيضاً. إذ ينطلق الصبي في مهمّـته، هناك تواصل دائم في البداية بينه وبين أبيه الذي يخبره عن وجود من يطارده. يتطلّع كايتي حوله فيجد سعادين البابونز وقد أحاطوا به. يركض هرباً وفي تلاحقه وبالكاد يفلت منها عندما يرمي نفسه في نهر. الماء أنقذ حياته هنا، وسينقذ حياته مرّتين متتاليتين في هذه القصّـة.
رحلة كايتي تتم فوق الطبيعة. هناك غابات ممتدة بلا نهاية وجبال متتالية وشلالات أطول بكثير من شلال «أنجل» المعد أطول شلال في العالم (يقع في فنزويلا على إرتفاع 807 أمتار). هذا مبهج للعين لولا أن المشاهد لابد له وأن يلاحظ أن الفتى لا يضيع. ذكّرني ذلك بفيلم شيامالان الأسبق «القرية» (2004) عندما نشاهد عمياء (بروس دالاس هوارد) بعبور الغابة وهي لا تبصر ومن دون أي مشكلة. كايتي يبصر لكنه في غابة مترامية فيها طرق مقطوعة ووديان سحيقة وجبال مرتفعة وهو يركض شمالاً ويميناً وجنوباً وشرقاً لكنه على الطريق الصحيح في كل مرّة. وحتى حين يأخذ فوق الحصّـة المحددة له من أقراص الأوكسجين، يبقى حيّـاً بعدما وصل إلى ذيل الطائرة ووجد أقراصاً أخرى. 
على الطريق، وغير تلك السعادين، هناك وحوشاً أخرى: نسر بحجم المركبة الفضائية التي تحطّمت. وحوش تشبه الضباع ثم مشروع وحش غريب يبدو كما لو أنه من مخلّفات فيلم آخر تم إلغاؤه. المهم هو أن كايتي ينتصر عليها جميعاً ويصدر إشارة الإنقاذ. إنقاذنا نحن كون النهاية باتت قريبة في تلك اللحظة.
التواصل بين الأب وإبنه يتقطّع ثم يكاد ينعدم لأن حالة الأب الصحية باتت حرجة. لكن الخلاف بينهما (الذي يبني عليه الفيلم ما تحت الأحداث من مضامين) يضمحل ليسود الإحترام المتبادل والثقة. هذا كلّه كان يمكن القبول به لو أن الفيلم احتوى على حكاية فعلية وهذا يتضمّـن تبريرات للكثير مما يُطلب منّـا قبوله على هنّـاته. الملف الصحافي المرسل إلى الصحافة يتضمّـن صفحات من الحكايات الخلفية للحدث الماثل. لكن لا شيء يُـذكر منها مجسّم هنا. ذلك الملف يبدو كما لو كان يهدف إلى تأسيس عالم متكامل للفيلم على غرار ما فعله جيمس كاميرون في «أڤاتار»، لكن هناك سنوات ضوئية بين الفيلمين.
هذا فيلم عائلي لا من حيث توجهه الجماهيري (ولو أنه ممنوع علامة 12A التي تخوّل لمن هم دون المئة سنة مشاهدة الفيلم بلا إستثناء) بل من حيث صنعه. ول سميث كاتب القصّة ومنتج الفيلم وبطله. إبنه جادن بطله الأول. زوجة سميث جادا بينكت سميث منتجة فيه أيضاً، كذلك شقيقها (على الأرجح) وأسمه كاليب بينكت… الواضح أن المسألة كانت إجتماعاً بين أطراف ليسوا على بيّنة من القرار الصحيح وأن الفيلم هو هدية من الأب لإبنه الذي سبق وأن ظهر معه في «مطاردة السعادة» سنة 2006 قبل أن ينتج له والده «فتى الكاراتيه» الذي هو إعادة لفيلم سابق من السبعينات. جادن لا يحمل وسامة أبيه، وكلاهما لا يحملان موهبة أداء فائقة (ولو أن والده أكثر خبرة منه). والفيلم بدوره لا يبرهن إلا عن فشل عائلي في تجربة حك الظهر هذه.
كل هذا أشبه بتلك المجرات الصغيرة التي تضرب سفينة الفيلم، لكن المجرّة الأكبر هو هذا المخرج شيامالان الذي لا يريد أن يفكّـر قبل أن يصوّر. كل حساباته هنا خاطئة في التوقيت وفي التنفيذ وفي التصميم والسرد. صحيح أنه لا يسعى لفيلم يضع فيه رأياً راضياً أن يكتفي بالسرد وحده، لكن سرده هو بدوره مشكلة لا حل لها سوى الإستقالة. في خانة التصوير، استخدم مدير التصوير بيتر سوشيتزكي كاميرا دجيتال جديدة من إنتاج صوني… أمّنت له صورة عامّة جيدة،  لكن بأقل قدر من التجسيد اللوني للمكان وإضاءته. 

Byzantium **

إخراج: نيل جوردان  Neil Jordan
أدوار أولى: جيما أرترتون، ساويرس رونان، باري كاسن، دانيال مايز
سيناريو: مويرا بوفيني | تصوير: شون بوبيت (ألوان) | توليف: توني لوسون (118  د) | موسيقا: جافييه نافاريتي | منتجون: سام إنغلبارت، وليام جونسون، إليزابث كارلسن، ألان مولوني، ستيفن وولي.
خيال علمي |أميركي | ألوان- 100 د

ما يبدأ عند نيل جوردان كبوادر فيلم فامباير مختلف، يتوقّـف عن النبض الفاعل بعد ربع ساعة ويتحوّل إلى تجوال في الفكرة دون بلوغ هدفها على نحو مفعم وصحيح. إنه عن أم وإبنتها (هذه المرّة ممثلتان من عائلتين مختلفتين جيما أرترتون في دور الأم كلارا وساويرس رونان في دور إبنتها إليانور). تقتل الإبنة الشابّة بعرز ظفرها الحاد كسكين لتمتص دمه ثم تهرب وأمها من الشقّـة الوضيعة التي يسكنان فيها بعد إشعال النار فيها لكي يتم إخفاء هوية القتيل أو كيف مات. تتعرّف الأم، التي تجيد رقص الملاهي، إلى رجل محبط أسمه نوول (دانيال مايز) ماتت والدته التي أدارت فندقاً قديماً وتركته مفلساً. تقنعه بأن يحوّله إلى ماخور وهي مهنة ارتكبتها قبل مئتي سنة. في الوقت ذاته، تتعرّف الإبنة على الشاب فرانك وتنخرط معه في إحدى المدارس وحين يُطلب منها كتابة قصّة تكتب حكاية تعود إلى ذلك التاريخ البعيد وتسرد فيها حياتها وحياة والدتها الخاصّة.
يعمد جوردان إلى توظيف التعليق (ڤويس أوڤر) لسرد ما يلزم (وما لا يلزم أحياناً) وهي عادة قام بها في أكثر من عمل له في السنوات الثلاثين الماضية. ما يمنحه التعليق الصوتي هو قدر كبير من السُلطة. سُـلطة الفرد- الحكواتي ومرجعيّته. لكن وإن كان النص المستخدم في هذا المجال جيّد، فإن الحوار بين كل الشخصيات يبقى ثانوياً وثقيل الوطأة كذلك إخراج المشاهد. إنه كما لو أن جوردان يريد تقديم ما هو كلاسيكي في مجاله، بميزانية ضئيلة عازماً استحداث صورة عاطفية حديثة لحكايات الڤامبايرز، من دون التخلّـي عن البعد التاريخي لها.
حتى مع هذه المتطلّبات المعذورة، فإن الفيلم يبقى ثقيل الوطأة يمر مثل شاحنة تسد الطريق. في نحو ما لا يحقق الفيلم الغاية الفنية المرجوّة التي تصر على إستثناء هذا الفيلم من كل الأعمال التي تدور اليوم حول مصاصي الدماء، ومن ناحية أخرى فإن هذا الإخفاق لا يواجهه نجاح في إيجاد رقعة تجارية ترفيهية جاذبة. بكلمات أخرى، لا يحقق الفيلم تلك الإضافة الفنيّـة لأعمال جوردان السابقة، ولا يوفّـر لمن يطلب التشويق ما يبحث عنه في فيلم من هذا النوع. نعم، «بيزانتيوم» هو أعلى درجة أو درجتين من أفلام تافهة مثل سلسلة «أنشودة الغسق» المعروفة، لكنه ليس بأهمية فيلمه السابق عن مصاصي الدماء وهو «مقابلة مع مصاص دماء» Interview With A Vampire  الذي حققه في العام 1994 مع توم كروز وبراد بت (وفيه تعليق صوتي كذلك) ولو أن غاية المخرج طرح مسائل مثل وحدة مصاص الدماء وحبّـه وأوهامه. 
أرترتون جميلة والفيلم يقدّمها كإمرأة فاتنة مقنعة كمصاصة دماء وقاتلة (ولو أنها تقتل فقط للدفاع عن نفسها أو إبنتها) لكن ساويريس؟ أكثر ما تقوم به هو النظر للأفق، وهو أضعف الإداءات خصوصاً حين يكون المطلوب من النظر هو التأمل الوجودي أو الفكري أو ما شابههما. إنها تحدّق هناك لما وراء الكاميرا طويلاً وكل هذا التحديق لا يعود بالفائدة على الفيلم بأي شيء يذكر.



أفلام مهرجانات                                            
CANNES

Dance of Reality **1/2
La Danza de la realidad

إخراج: أليخاندرو يودوروفسكي Alejandro Jodorowsky
دراما إجتماعية | تشيلي | ألوان- 130 د 

مثل أفلام يودوروفسكي السابقة، يأتي «رقصة الواقع» مختلطاً من دون تجانس. إنه سيرة حياة المخرج مغلّـفة بمشاهد رمزية وبشخصيات ناشزة ومواقف مستعصية وخطابات حيناً ثورية وحيناً فلسفية. قليل من المستوى الشعري مع كثير من التخيّلات والهلوسات وكل ذلك في شكل سردي ينتقل عبر أزمنة ليقدّم حاضر عائلة (نظرياً عائلة المخرج نفسه) وماضيها ولكي يفحص، ولو عرضاً، معايير سياسية مختلفة ثم… لا يصل بكل ذلك إلى شيء غير العرض ذاته.
العنوان في الأساس هو عنوان كتابه البيوغرافيّ الذي وضعه قبل سنوات قليلة والذي تحدّث فيه عن نشأته ووالده وأمّـه. كيف أن والده الشيوعي هاجر من أوكرانيا إلى تشيلي وكيف ترعرع هو هناك متحمّلاً صرامة أبيه. على الشاشة نشاهد نماذج كثيرة على هذه الصرامة لكن المرء لا يملك ما ما يفرز به المشاهد: أي منها وقع فعلاً، أي منها مستمد من شيء واقع وأي منها غرائبي تماماً. هل والد الصبي هنا (يؤديه إبنه في الواقع برونتيس يودوروفسكي) حافظ على عقيدته الشيوعية حين لجأ من أوكرانيا إلى تشيلي؟ هل عاش وعائلته في تلك القرية التي لا معالم واقعية لها؟ ثم هل كانت والدة أليخاندرو بدينة وذات ثديين ضخمين ولا ترتدي تحت ملابسها أي كيلوت؟
جواباً على بعض هذه الأسئلة، نعم القرية حقيقية (أسمها توكوبيلا) لكنها لم تكن على هذه الغرابة ما يفسّر ليس فقط كيف يمزج المخرج الحقيقة بالخيال والمنطق بالسوريالي، بل كيف يودي بالفكرة الثابتة وجدواها إلى رمزيات تقبلها أو لا تقبلها سيقوم بتحقيقها على المنوال الذي يريده. لا يمكن مثلاً أن تكون والدته أسيرة الأوبرا فلا تتحدّث كما نفعل بل تغني كلامها على هذا النحو. والمشهد الذي نراها فيه تبوّل على زوجها فتبعث فيه طاقة الحياة من جديد بعدما كان وصل إلى دكّـان العائلة مضروباً ومنهكاً لا يمكن أن يكون حقيقة. لكن ربما حقيقة أن والده تركه ووالدته وراح يجوب البلاد بحثاً عن هويّته الفكرية. لا هو قادر على أن يبقى شيوعياً ولا هو قادر على أن يقتل الحاكم الدكتاتوري كما نوى. لاحقاً، ما يشتغل لحساب الدكتاتور ليعتني بحصانه ويرفض في المقابل أي أجر وذلك إلى أن يحاول قتل الدكتاتور فتجمد عروق يديه وتصابان بتيبّس شديد سيستمر معه حتى ما قبل النهاية. 
البحث عن الهوية ليس فقط سياسي هنا، بل ديني. المخرج يتحدّث عن والده يهودياً، يستخدم الصفة الدينية مراراً في أحداث الفيلم، ها هم المتظاهرون ينددون بـ «يهودية» الأب، ورفاق المدرسة يسخرون من «الصبي اليهودي البشع». حين يعطف مسيحي ملتزم على الأب فيطعمه ويمنحه عملاً ثم رزمة من المال، يكاد الأب يتحوّل إلى المسيحية لا يوقفه عند هذا الإلتزام سوى ملاحظته أن تأبين ذلك المسيحي في الكنيسة تحوّل عن غايته. بذلك ينتقد المخرج الكنيسة ولا يصل إلى تحديد منطلقات ذلك البحث ولا نتائجه.
تفسير هذه المعالجة الغريبة لما كان من المحتمل أن يكون سيرة ذاتية أكثر وضوحاً في هذا الأساس هو أن المخرج لا يود الإلتزام بما وقع لكنه يريد تفسير ما وقع على المنحى الذي يلائم تفكيره وآرائه في الدين والحياة والسياسة والمجتمع والبشر. مثل فديريكو فيلليني، يستلهم اللحظات ليبني خيالاً منسوجاً من الذاكرة أماركورد» مثلاً)، لكن على عكسه لا يكترث يودوروفسكي ليكون رقيقاً وشاعرياً وجميلاً. لا يهتم بكيف يسوق حكايته لكي تتوالى على نحو جيّـد، بل يريد أن ينفصل متى أراد عما يسرده ليدخل في فصل طويل لرحلة الأب تاركاً البناء السابق في مكانه دون تحريك. لا يكترث حتى للقطع بين الرحلة وبين ما يمكن أن يكون حدث لزوجته وإبنه في غيابه.
على الرغم من كل هذه الفوضى هناك نتاج إيجابي للحكاية: الأب يعود إلى قريته وقد تبدّل عما كان عليه. الصورة الإيجابية تخلف كل مشاعر العداء التي كنّها الفيلم له. وهناك في طيّات هذه الفوضى غير المنظّـمة (إلا في تصاميم صاحبها) أكثر من مشهد خلاب يمنح المشاهد سبباً لأن يعتبر يودوروفسكي فنّـاناً (ليس الفنان المدهش والرائع والذي يتجاوز معظم الآخرين عندي، لكنه فنان على أي حال) خصوصاً حين النظر إلى الفيلم ككل وليس كمشاهد مقضي، تقنياً، عليها كون المخرج استخدم كاميرا فيديو لتصوير الفيلم بعد أن قضى أكثر من عقدين بلا عمل. 
على ذلك، «رقصة الواقع»، كما أفلام المخرج القليلة السابقة إلتوبو»، «الدم المقدّس» الخ…) هو ذات الخط مما يُسمّـى بـ "الواقعية السحرية". ومثلما ينتقل من في الفيلم طمعاً في فهم الحياة، ينتقل الفيلم في أطر من التجريد والسوريالية والواقعية السحرية كما لو كان يبحث عن الشكل الأفضل بينها، لكنه في الواقع يجد شكله الأفضل في هذا التمازج على ما يفرزه من أخطاء ونقاط ضعف.
هناك ذلك المشهد الذي يتعلّـم فيه الصبي واحداً من المعاني المطلوبة للحياة: يصهر رجل يرتدي ما يستر عورته الأمامية الرموز الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية في أيقونة واحدة على أساس أنها ديانات واحدة. هذا ليس مفهوماً ساذجاً على الإطلاق. ويتمنّى المرء لو أن يودوروفسكي تمحور قليلاً حول هذه النقطة عوض العودة إلى عقدة اليهودي أكثر من مرّة.
الفيلم هو عن الصبي (والمخرج يودوروفسكي يظهر كروح تقود الصبي أكثر من مرّة) لكن صلب الموضوع هو الأب وما الإنتقال بينهما سوى نتيجة تباين غير مريح ولو أنه دائماً مثير وربما ساحر.



عروض خاصّة                                            

باب شرقي **
إخراج: أحمد عاطف
تقييم الناقد: ** (من خمسة)


فيلم المخرج أحمد عاطف الجديد «باب شرقي» أفضل من ذاك الذي كان حققه قبل نحو خمس سنوات تحت عنوان «الغابة» في جوانب متعددة، لكنه لا يزال أقل قدرة من أن يسجل الأهداف المطلوبة على صعيد إيصال المضمون كما يجب أن يصل. 
وفي حين كان السبب في «الغابة» يعود إلى فوضى كتابية وتنفيذية، فإن المشكلة الأولى هنا تكمن في السيناريو الذي كتبه الأخوين أحمد ومحمد ملص (ليس محمد ملص المخرج السوري المعروف) وشاركهما به المخرج عاطف، والقائم على اجتهادات في الكتابة ومنوال من الأماني والتمنيّـات في دراما كانت تطلب، حسب مادتها الجادة، ما هو أكثر واقعية.
إنه عن أخوين توأمين سوريين (أحمد ومحمد ملص) علّمهما والدهما كره الواحد للآخر طالباً من كل منهما أن يقوى على أخيه وبذلك زرع في ذات كل منهما كرهه للآخر. حالياً هما في القاهرة. أحدهما مناويء للرئيس بشّار الأسد والثاني موّيد له. الأول يعمل في منظمة إعلامية تلاحق أخبار ونشاطات الثورة السورية، والثاني مرسل من قِـبل النظام لكي يصفّي شقيقه. والمعركة الكبيرة بينهما تنتظر المشاهد في النهاية لكنها بلا غالب أو مغلوب. في الوقت ذاته ها هو الأب الذي كان يصدح شعراً وثناءاً على النظام ورئيسه يكتشف أنه خُدع تماماً واكتشافه (المتأخر) هذا يقوده إلى الإنتحار بعدما تركته زوجته التي كانت مع صف الثوار. 
وزيادة على ذلك، هناك الضابط العامل في قصر الرئاسة الذي يكتشف أيضاً مساويء رئيسه فيقدم على قتله. حسب الفيلم إذاً، فإن بشّار الأسد مات قتلاً برصاص أحد رجال مكتبه ما يترك المشاهد حائراً ما إذا كانت هذه أمنية أم نبوءة. والأرجح أنها أمنية لكن إذا ما تم قتل الرئيس يوماً فسيتبنّى الفيلم أنه تنبأ بذلك فعلاً.
«باب شرقي» هو فيلم لصالح الثورة السورية، خطابه يصب فيها. لكن الثورة السورية ليست بحاجة إلى فيلم تملؤه الإفتراضات وتغيب عنه المبررات الدرامية الصحيحة. فيلم ضعيف في خطابه وخال من التحليل السياسي. يتجاهل ما هو أقرب إلى الوقوع متبنيّـاً ما هو إفتراضي. انقلاب الأب على أعقابه لأن الرئيس شتمه هو أضعف من أن يكون دافعاً كافياً. التكلّف في التمثيل هو أيضاً مشكلة تنتاب من مثّل دور الأب ومن أخرج مشاهده التي تصوّر أزماته. حتى تمثيل الشقيقين متفاوت مع تكلّف واضح بالنسبة لذاك الذي قام بدور الشرير بينهما.
حين يصل الأمر إلى الإخراج فإن المدهش إلتزام أحمد عاطف بالمكتوب دون تطوير فعلي أو حضور شخصي. هذا ما يجنّبه التعامل مع تفاصيل الكتابة وفي الوقت ذاته يبعده عن الحضور الذي يتمنّاه المرء له. يعتمد الفيلم على الكثير من «الكليبات» الواقعية وعلى عدد من تلك الممثلة لحشد الموقف السياسي أو تبنّـيه إنما بصورة بدهية كان الأجدى تغييبها لصالح مواقف تستلهم عمقاً فعلياً. العناصر التقنية، ضمن ميزانية إنتاجية محدودة، لا بأس بها والمخرج يعرف كيف يسرد الموقف قصصياً. ما كان ينقص الفيلم فعل إيمان بأن فكرته (الجيدة) كانت تستحق معالجة أفضل.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

0 comments: