No Body Wants the Night, Taxi, Hob, Theft and Other Entanglements, Knights of Cups, Hiroshima Mon Amour, Bound For Glory, Queen of the Desert, Shane, | أفلام برلين | أفلام الأوسكار | أفلام كلينت ايستوود الحربية


السنة 8 | العدد 209 
 "فيلم ريدر" مجلة للنقد السينمائي يرأس تحريرها: محمد رُضـا

 من أفلام مهرجان برلين |  محمد رُضـا

"فارس الكؤوس" لترنس مالك (الولايات المتحدة)  | "ملكة الصحراء» لڤرنر هرتزوغ (ألمانيا/ الولايات المتحدة) | "حب، سرقة ومشاكل أخرى" لمؤيد عليان (فلسطين) | "تاكسي" لجعفر باناهي (إيران) | "لا أحد يريد الليل" لإيزابل كواكست (أسبانيا).
KNIGHT OF CUPS ★★★★  
فارس الكؤوس    

فيلم ترنس مالك يستحق أن يشهد التفاوت الحاصل في الآراء، حتى وإن كان معظم ما سمعناه منها أو قرأناه، سلبياً. في الواقع ترنس مالك في «فارس الكؤوس» لا يحفل بنا وبآرائنا اليوم كما لم يحفل بها بتاتاً من قبل. في النهاية يحقق الفيلم الذي يريد بالطريقة التي يريد. مشكلة بعض النقاد الرافضين هي أنهم، ببساطة، لم يجدوا المنفذ الملائم لدخول فيلم مؤلّـف من نحو 3000 لقطة أو أكثر كل منها من 4 إلى 8 ثواني، بإستثناء بعض لقطات البداية والنهاية حيث تصل اللقطة إلى أطول فتراتها: 20 ثانية.
«فارس الكؤوس» هو ترنس مالك منذ «شجرة الحياة» مجسّـداً في موضوع جديد حول كاتب السيناريو ريك (كرستيان بايل) الذي يعيش مطلع نجاحاته في هوليوود. يحيا حياة الليل. مقبل على السهر والحفلات الماجنة. يحضر، في واحد من المشاهد، مناقشة للسيناريو الذي قام بكتابته.  يدخل ملهى ليلياً للرقص ويجالس الراقصة مستمتعاً بحديثها له. لديه صديقة يتركها (ناتالي بورتمان) لسواها (فريدا بينتو) ثم يغيّـر هذه لسواها أيضاً (تيريزا بالمر) علماً بأن المخرج سينهي سرد هذا الجانب من حياة بطله بلقاء متجدد مع مطلّـقته (كايت بلانشيت).
لكن كل هذه العلاقات هي جانب واحد من شخصية تبحث عن ذاتها وما حدث لحالها منذ أن سعت لتصبح ما أرادت أن تصبح عليه. نسمع صاحبها، بطل الفيلم، يتساءل أكثر من مرّة عمن أراد أن يكون ولماذا لم يتحقق؟ إنه غير راض ومحمّـل بمعاناة إحتواء العلاقة المتشرذمة بينه وبين شقيقه وبينهما وبين والدهما (برايان دنهي) الذي كان ممثلاً و، بدوره، لم يحقق ما انطلق في مطلع حياته لتحقيقه.
لا شيء مما سبق شرحه يرد هنا كقصّـة تستمع فيها لحوارات متبادلة حول هذه المشاغل. ولا شيء يرد هنا في سياق سرد تم صف أحداثه على نحو متتابع ليساعد الجمهور على الوصول إلى الرسالة. كما الحال في أعمال ماليك السابقة (آخرها «إلى العجب») الفيلم مسرود في شذرات مثل شرائط نارية تصعد من موقد. أنت هنا مع ريك وهو يقود سيارته. قطع لمشهد للساحل وهو يركض على شاطئه. قطع لطائرة مروحية تمر في سماء المدينة. السيارة. البيت. ريك مع شخص آخر. ريك وحيداً. غرفة نوم. لصان يداهمان ريك. كاميرا تحت سطح الماء… الخ….
لا عجب أن الجمهور يضيع من بعد الدقيقة الأولى مباشرة غير قادر على إستيعاب جامع لمعظم ما يرد على الشاشة من لقطات. وبما أن الحوار يخرج بالقطّـارة بدوره (نسمع دوماً الشخصية وهي تبدأ كلاماً ثم يخفض المخرج صوته وهو لا يزال يتكلم ويبتعد صوب أصوات أو بصريات أخرى) فإن المشاهد يسأل نفسه السؤال ذاته في كل مدة عرض الفيلم (118 دقيقة): ما الذي يحدث؟
صحيح أن من حقه أن يعلم، لكن الحق الأول للمبدع في أن يصيغ ما يريد بطريقته وعلى المشاهد أن يصعد الدرجات ويدخل الفيلم وليس من الضروري أن يكون لديه إجابة على كل شيء. في نهاية المطاف، فإن القلّـة التي فهمت لوحات سلفادور دالي أو كل أبعاد كتابات وليام شكسبير. ومالك هو رسام بالكاميرا يودعها حيث يشاء (بإدارة طيّـعة وجميلة من إيمانويل لوبزكي). ترتفع. تنخفض. تتوقف في مكانها أو تسرح بعيداً. هذا شأن المخرج وهو شأن لا يمكن أن يرضي كل المشاهدين وهذا ما ساد هنا حين تم عرض الفيلم على جمهور إحتشد في كل صالة عرضت الفيلم (ثلاثة عروض).


QUEEN OF THE DESERT ★★★✩✩  
ملكة الصحراء    

في فيلم الألماني فرنر هرتزوغ «ملكة الصحراء» كل عناصر الفيلم الساحر بصرياً وفي مقدمتها تلك الصحراء المترامية برمالها الذهبية. مثل ديفيد لين في «لورنس العرب»، ينقل هرتزوغ الصحراء  جميلة ومخيفة في الوقت ذاته. جميلة لطبيعتها الغريبة (ترليونات من حبات الرمل في كل متر مربع؟) وتضاريسها المتنوّعة، ومخيفة إذ تعود الكاميرا إلى الوراء لتحوّل الناس إلى مجرد ظلالات فوق أرض شاسعة.
هؤلاء الناس هم غرترود بل، الرحالة البريطانية التي جابت الصحراء العربية بحثاً عن نفسها أولاً، ثم في محاولة منها للتواصل مع زعماء القبائل في الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية مبدية أيما إعجاب بالثقافة الإسلامية (تستشهد بأقوال للرسول محمد صلى الله عليه وسلّـم) والبدوية ومبدية الإستعداد لمساعدة البريطانيين رسم خطوط فوق الرمال تكون بمثابة حدود لدول المنطقة مستقبلاً. ينطلق الفيلم بنا معرّفاً إياناً بإمرأة جميلة (تؤديها نيكول كيدمان) تشعر بالملل في دارها البريطاني الأرستقراطي وتستخدم نفوذ والدها للسفر إلى طهران، في مطلع القرن العشرين، كموظفة في السفارة البريطانية. إنها المرّة الأولى التي نرى فيها إيرانيين بطرابيش تركية، لكن تجاهل هذا الخطأ التفصيلي تدخل قصّـة حب بين غرترود والسكرتير (الثالث) في السفارة البريطانية هنري (جيمس فرانكو هشّـاً) هي مفاجأة محسوبة: هرتزوغ هنا يقدّم حكاية عاطفية. هذا الأمر الذي يصلح عنواناً لمقال كون المخرج الألماني المعروف لم ينجز عملاً رومانسياً في حياته. الآن هو يستوحي من حياة غرترود المناسبة لفعل ذلك ويصرف نحو 40 دقيقة ثمينة متابعاً تلك الحكاية. لكنها في مكانها الصحيح كون غرترود تحمل لهنري (الذي مات في حادثة) الحب وتعتبر نفسها وقد تزوّجت منه رغم أنها لم تفعل. "لقد قررت أن لا أكون مع رجل آخر"، تقول لثاني حب في حياتها (داميان لويس) الذي يموت بعد ذلك (خارج الفيلم كالحب الأول) خلال اشتراكه في الحرب العالمية الثانية.
غرترود مغامرة من طراز أول، كما نراها في هذا الفيلم. جريئة وذكية. تحب الصحراء وتحترم التقاليد وتكن ألفة كبيرة لرئيس القافلة الصغيرة التي تصاحبها (أسمه فتوح ويقوم به جيّـداً جاي عبدو) وحين يسألها أحد زعماء العرب مستقبلاً: "لماذا تحبين العالم العربي إلى هذه الدرجة" تأتي بجواب ينم عن مدى تقديرها لفتوح وما تعلّـمته منه. وتقف بالند ضد محاولة تجيير معلوماتها كجاسوسة بريطانية من قبل أحد الضباط (ولو أنها لاحقاً ما تنخرط في عمل الحكومة البريطانية) فتقول له: "لدى البدو ما تفتقده أنت وحكومتك: الحرية والكبرياء".

حب وسرقة ومشاكل أخرى ★★★✩✩  
تاكسي    

كما لو أن صانعي هذا الفيلم إحتاروا في إختيار عنوان لهذا العمل الأول فقرروا عنواناً يشمل كل شيء، يأتي «حب، سرقة وتشابكات أخرى» وفيه بعض الحب وبعض السرقة وبعض التشابكات الأخرى. في الواقع، عنصرا الحب والسرقة هما من بين تلك الأشياء المتشابكة التي يريد الفيلم عبرها تصوير زبدة من الحياة الفلسطينية عبر حكاية جديدة ومثيرة للإهتمام.
إنه حول لص أسمه موسى (سامي مطواسي) لا زال على علاقة مع إمرأة كانا مرتبطين قبل زواجها ولها منه إبنة صغيرة. في أحد الأيام يسرق سيارة مصطفة أمام منزل ويقودها إلى منطقة معزولة (تقع الأحداث في الأراضي المحتلة خارج القدس) حيث ينوي بيع قطعها. هو يحلم بالهجرة وعليه أن يدبّـر المبلغ بأي شكل ممكن. لكن موسى لا يعلم عما تحتويه السيارة. ففي صندوقها الخلفي يقبع مجنّـد إسرائيلي (يقوم به رياض سليمان) خطفته إحدى المنظّـمات (غير مذكورة بالإسم لكن ليس من الصعب الإستدلال عليها) لكي تبادله بالأسرى الفلسطينيين المخطوفين لدى العدو. لك أن تتصوّر أهمية هذا الصيد الذي انتهى إلى يدي موسى حيث مستقبل مئات الأسرى الفلسطينيين قد يتوقف على إستعادة ذلك الجندي. لكن موسى الآن بات مطارداً من قبل الخاطفين، وحتى يبقى طليقاً ويحقق حلمه بالهجرة يقرر بيع الجندي المخطوف للمنظّـمة التي لا تستطيع الآن فعل شيء سوى القبول بالمقايضة: عشرة آلاف دولار مقابل الجندي الإسرائيلي. لكن الخاطفين الفلسطينيين ليسوا وحدهم الذين يريدون استرداد المخطوف. هناك السلطة الإسرائيلية التي تتعقّـب موسى بدورها واثقة من أنه يعرف أشياءاً قرر إخفاءها عنها.
موسى يضع المشكلة في إطارها الصحيح عندما يشرح للمجند الإسرائيلي وضعه على النحو التالي: إذا ما سلّـم المجنّـد للإسرائيليين تم إعدامه من قبل الفلسطينيين، وإذا ما سلّـمه إلى الفلسطينيين عليه أن ينتظر نهاية وخيمة مشابهة من قبل الإسرائيليين.
يعالج المخرج مؤيد عليان فيلمه على نحو كوميدي قائم على وضع مأسوي فردي لكنه مفهوم إجتماعياً. يسير على الحافة بحذر. يريد أن يتواصل والجمهور العالمي ويعرف أن عليه أن لا يكون حاداً في نقده، لكن عليه في الوقت ذاته أن يكون واضحاً وانتقادياً في عدد من المسائل. وهو ينجح في ذلك على نحو جيّـد. صوّره بالأبيض والأسود وضمّـنه مفارقات جديدة في فيلم فلسطيني  ولم يبتعد عن ناصية السرد الممكن فهمه وقبوله من فئات متعددة واشتغل عليه بحيوية واضحة،  لكنه اعتمد على سيناريو يؤصـل للحدث ثم لا يعود لديه الكثير من المفارقات فيضطر للدوران حوله. الروابط بين المشاهد ليست دائماً صحيحة إلا إذا اعتبرنا أن رغبة المخرج في تقديم سينما طليعية كتلك التي سبقه إليها مخرجون فرنسيون في الستينات، هي الدافع.
العلاقة القائمة بين موسى والمرأة المتزوّجة تشكل دعماً للقصّـة بكل تأكيد، لكن هناك استعجالاً في تنفيذ دخول وخروج المواضيع الجانبية ضمن الهيكل الأكبر للفيلم. 


TAXI ★★✩✩✩  
تاكسي    

كيف يمكن لمخرج إيراني محكوم عليه بعدم  ممارسة أي نشاط سينمائي لعشرين سنة، إضافة إلى حكم آخر بحبسه في منزله من دون مغادرته لبضع سنوات أخرى، يستطيع أن يركب سيارة ويجول بها في طهران ويحقق فيلماً عن نفسه وهو يفعل ذلك؟
هل هناك من اتفاق بينه وبين السلطات الإيرانية فإذا بالسلطات تخفف ذلك الحكم الجائر لصالح أن تبرز إعلامياً في فيلم يحمل هويّـة البلد؟ أم أن المخرج جعفر باناهي خرق الحكم وانطلق يجوب شوارع طهران متحدياً؟ 
إذا كان الإحتمال الأول هو الصحيح فإن في الأمر لعبة، وإذا ما كان الإحتمال الثاني هو الصحيح فإن المخرج حكم على نفسه بعقوبة إضافية. لكن في كل الأحوال «تاكسي»، الفيلم الجديد المقدّم ممهوراً بإسم جعفر باناهي ليس فيلم مسابقات، ولا حتى فيلماً سينمائياً جيّداً. إنه مجرد فيلم.
هناك كاميرا ثبّـتها المخرج على رف السيارة الأمامي الداخلي ذات يد يستطيع عبرها إدارة الكاميرا حيث يرغب. واللقطة الأولى للفيلم من تلك الكاميرا (فرضاً) على طريق مزدحم في طهران والناس والسيارات تتقاطع. ثم يُضاء النور الأخضر فتتقدّم السيارة لتجتاز تقاطع الشارعين ولتتوقف لرجل يشير لها. إنها سيارة تاكسي والسائق ليس سوى المخرج نفسه. ثم يلتقط إمرأة. وبعد ذلك رجل ثان وهذا الرجل هو من يتعرّف على باناهي بعد نزول الراكبين الآخرين لأنه هو الذي يبيعه الأفلام المقرصنة التي يطلبها. ينزل هذا الراكب من مكانه في المقعد الخلفي ويركب لجانبه ويأخذه إلى طالب في مدرسة الفنون ليبيعه أفلاماً أخرى يختارها للطالب المخرج نفسه.
بعد ذلك هو مع إمرأتين تودان رمي سمكتين في نهر قبل الظهر وإلا، تبعاً لبعض الأوهام، ستموتان. باناهي ليس لديه وقت لسماع تلك الخرافات وينزلهما من السيارة إلى أخرى ثم يذهب إلى المدرسة حيث إبنة شقيقته ذات الأربعة عشر سنة تحمل كاميرا دجيتال وتصوّر بها كل ما تراه بما فيها هو نفسه.
كل هذا ونحن لا زلنا بعيدين عن نهاية فيلم لا يوجد سبب فعلي له سوى رغبة المخرج في العمل. ولا يوجد سبب لوجوده على شاشة هذا المهرجان إلا للإستفادة من إسمه الذي حققه عبر أفلام أفضل سابقة. لكن «تاكسي» فيلم ثرثار مصوّر بكاميرا لا يلمسها أحد ممتزجة بما تصوّره إبنة أخته وبالتأكيد بلقطات من كاميرا أخرى غير كاميرا السيارة. 
إذا ما كان باناهي «جريئاً» و«مذهلاً» و«ذو بصيرة» (كما كتب بعض النقاد) لمجرد قيامه بتمثيل دور سائق تاكسي في فيلم يعتمد على ثرثرة طويلة (هناك مشهد البداية ومشهد النهاية بلا حوار يذكر) فلم لم يكن جريئاً لتحقيق فيلم أفضل؟ حكاية أخرى؟ تحد أعلى؟ بكلمات أخرى: إذا ما كان قرر الخروج من منزله مخالفاً الحكم عليه، ألم يكن بإمكانه إختيار وإنجاز عمل أفضل من هذا؟
هناك، ومنذ أن تتحرّك السيارة تبعاً للإشارة الخضراء تدرك أن كل شيء مرتّـب في الوقت الذي أراد فيه باناهي تمويه المشاهد لبعض الوقت. الرجل  الأول الذي أوقف السيارة صرف سيارة تاكسي أخرى توقفت له. لاحظها تدرك بأنه كان يعلم أي سيارة ليركب ليؤدي أي دور.
الأفلام الإيرانية التي تستخدم سيارات خاصّـة أو عامّـة مكاناً لبث حكاياتها كثيرة. باناهي قام بذلك في «الدائرة» (2000) وعبّـاس كياروستامي في «عشرة» (2002) و«حكايات لراخشان بنيمعتمد (2014). السيارة هي حصن داخلي بعيد عن أعين الرقباء ولا أجهزة تصنّـت تتيح للركاب تبادل الحديث (لكن بحذر) كما الحال هنا. لكن إذ أن الركّـاب في هذا «التاكسي» يعرفون أنهم جزء من التمثيلية الدائرة فإن ما يقع على الشاشة (وهو قليل جدّاً) غير مثير إلا لدى من يعتقد أنه يمكن التضحية بالفن مقابل تقديم العذر للمخرج كونه لا يستطيع، في ظروفه الخاصّـة، تحقيق ما هو أفضل أو أهم.

NO BODY WANTS THE NIGHT ★★✩✩✩  
لا أحد يريد الليل    

ساعتان من المشاق الذي حط على كاهل المخرجة الأسبانية إيزابل كواكست التي هدفت لفيلم لا تستطيع تحقيقه. سيناريو ميغويل باروس المستوحى عن قصّـة يُـقال في مطلع الفيلم أنها واقعية لكنها لا تبدو كذلك على الشاشة،  احتاج إلى نحو ثلاثة أرباع الساعة من تحضير الحكاية إلى الحدث المفصلي وهو إلتقاء إمرأتين قادمتين كل من مجتمع بعيد عن الآخر على كل نحو ممكن في ظرف بعيد عن أن يكون مثالياً.
جوزفين (جولييت بينوش) هي زوجة المكتشف الأميركي روبرت بيري الذي كان حط في القطب الشمالي على الرغم من مخاطر الطريق. التمهيد الطويل المشار إليه هو لتعريفنا بها وبقرارها وكيف سمعت الكثير من التحذير حول صعوبة تلك الرحلة (تقع الأحداث في العام 1908) خصوصاً وأن موعد الشتاء وعواصفه العاتية فوق المنطقة الأدرياتيكية بات وشيكاً.
بعد ذلك، ها هي تنطلق مع مجموعة من مواطني الأسكيمو لبلوغ المكان. لكن عزيمتها القوية لا تفيد في منح طاقم المساعدين الكثير من الثقة باختياراتها أو الإكتراث لما تنوي القيام به. وها هي الآن وحيدة بإستثناء مواطنة من قبيلة إينويت أسمها ألاكا (رينكو كيكوشي)  في الموقع الذي كان من المفترض أن يتواجد فيه زوجها. كل إمرأة لديها شكوك حول الأخرى، وكلاهما مرتاب وغير قادر على التواصل مع الآخر لأسباب أقلها اللغة غير المشتركة. لكن ومع شح في المؤونة ووسط العواصف الثلجية العاتية، على كل منهما أن تعيش وتتعايش مع الأخرى قبل أن يسود بينهم التفاهم المنشود. 

يحتل اللقاء ذلك النصف الثاني من الفيلم لكن مفاداته محدودة. المواقف الدرامية ليست خارج المتوقع حالما نفهم من البداية شعور كل أنثى حيال الأخرى. العدائية التي تشعر بها مروراً بالتوقع المناسب بأن الفيلم سيجد طريقة تلتحم فيه المشاعر ليسود التفاهم إثر كل أنواع العواصف الداخلية منها وتلك الخارجية. إلى جانب أن المواقف الدرامية محدودة وأن الدوافع بأسرها لا تبدو واقعية (حتى وإن حدثت الحكاية على هذا النحو أو ذاك)، هناك حقيقة أن قيام جولييت بينوش بتأدية دور إمرأة أميركية يقف حائلاً طوال الوقت دون قبولها. ليس أنها لا تجيد الإنكليزية، لكنها لا تجيد السلوكيات التي من غير الممكن تقليدها بسهولة.