City of the Sun | مدينة الشمس

تسجيلي

City of the Sun
مدينة الشمس
 تاريخ وحاضر بلدة جيورجية صغيرة 
وصفها الروائي بوريس باسترناك بأنها
"كارثة مريعة" 

| نقد: محمد رُضــا

 •  إخراج:  راتي أونلي
  تسجيلي | جورجيا، 2017
•  تقييم:   ★★★ 



لم تشهد قرية شياتورا في جورجيا حياة مزدهرة حتى أيام الإتحاد السوفييتي لكن وضعها اليوم أتعس مما كانت عليه سابقاً. هي الآن آثار عمرانية مهدومة ومناجم مهجورة وعدد محدود من السكان الذين ما زالوا يحاولون بعث حياة ما في أوصالها. بلدة مزروعة وسط منطقة جبلية حرشية واسعة تبدو من بعيد، بعماراتها المتقاربة،  كما لو أنها كانت يوماً مشروعاً كبيراً لم يتم.
أو هل هي كذلك فعلاً؟ 
 هناك اختلاف كبير بين ما يقدمه «مدينة الشمس» الذي نال جائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان ساراييفو الأخير،  وبين المصادر الجغرافية والإجتماعية التي تفيد بأن شياتورا ليست بلدة صغيرة وأنه رغم من ارتفاع نسبة الذين هجروها في السنوات الثلاثين الأخيرة، الا أنها في النصف الأول من المدن الجيورجية نسبة لعدد سكانها. 
في كل الأحوال، مر بها، سنة 1932، الأديب الروسي بوريس باسترناك ووصف العيش فيها بـأنه «بؤس غير إنساني وغير قابل للتصور. كارثة مريعة". لكن المخرج راتي أونَلي، يكتشف، أنه بعد كل هذه السنين، واستقلال جورجيا عن المنظومة السابقة،  ما زالت شياتورا، أو جزء كبير منها، على الوضع ذاته أو أسوأ منه. ففي الثلاثينات وخلال الحكم الشيوعي كانت تصدر 50 بالمئة من المنغنيز أما الآن، وكما يعرض المخرج الجيورجي الذي صوّر الفيلم بعد زيارات متعددة بدأت سنة 2014، ليست سوى طفيف حياة يسعى للبقاء حياً. ليس هناك الكثير مما بقي يستحق الحياة. معظم الناس هجرها والباقون يعملون إما في أحد المناجم أو في أحد المطاعم أو بقايا مباني الحكومة. لكن بعضهم يحاول التمسك بضرورة الحياة النقية في ذلك المكان. هناك معلم موسيقا يحاول عبثاً تعليم الصغار، وبعض الكبار، حب العزف والغناء ومخرج مسرحي وفتاتان توأمان تقومان بالتمارين الرياضية طوال الوقت استعداداً للأولمبياد. كل ذلك في بيئة لا يبدو أنها واعدة على توفير نجاح في أي من هذه المضامير.
تلاحق الكاميرا  شخصيتيه الأساسيّتين طوال سير كل منهما صوب إحدى وجهاته. هناك فرصة، حين متابعة المشاهد المنفصلة لكل منهما، للنظر إلى ذلك المحيط الجميل والكئيب معاً. لكن هذه المشاهد الطويلة التي تتابع فيها الكاميرا الرجلين من الخلف وهما يمشيان فوق طرق موحلة ووسط مبان مهجورة تصبح مكررة بعد حين كلغة عمل وكاختيار تعبير وكمفادات أيضاً. يحاول أستاذ الموسيقا سد ديونه عبر بيع قضبان الحديد بهدم جدران المباني لاستخلاص تلك القضبان منها، لكنه يكتشف دوماً أن هناك من يَغير بعد انصرافه على تلك القضبان ويسرقها. هناك مشهد دال رمزياً لمحنته ومحنة البلدة الصغيرة بأسرها: بقرة في حفرة تشرأب برأسها لتنظر حولها لكنها لا تستطيع الخروج من حفرتها.

تكشف الكاميرا في أكثر من مشهد عن تلك الجبال الخضراء الشامخة التي تصغر في طيها تلك المنشآت.  مشاهد المطر لا تقل إثارة للأفكار. الفيلم عن وحشة حياة محاصرة بأحلام مهدورة وبأبطال فعليين مضت عنهم وعن ذويهم السابقين كل الفرص المتاحة وهي غالباً ستواصل المضي عنهم للأبد.

0 comments: