فيلم وقضية
Mudbound
«مدباوند»
لا يسرد هذا الفيلم المعادي للعنصرية الواضح
بقدر ما يدخل تحت بشرته.
| محمد رُضــا
• إخراج: دي ريز Dee Rees
• دراما إجتماعية | الولايات المتحدة، 2017
• تقييم: ★★★★
العدد المتزايد من الأفلام التي تتعامل والتاريخ العنصري في أميركا تأكيد لا يحتاج لكثير توضيح: المسألة العنصرية بأسرها ما زالت مطروحة على الشاشة لأنها ما زالت مطروحة في الحياة. التعامل مع هذه المعضلة زكتها أحداث الأعوام الثلاثة الماضية التي وقعت في مدن أميركية عدة تم فيها قتل مواطنين سود حتى من قبل التأكد من أنهم مذنبون أو أبرياء، ومن دون إغفال ما سبق تلك السنوات من أحداث عنصرية مماثلة،
واللافت أن معظم الأفلام التي تعاملت والقضية العنصرية رجعت إلى سنوات الأمس البعيد («مولد أمّـة» لنات باركر) أو لسنوات الأمس القريب («سلما» لآفا دوفورني) لكنها لم تطلق أفلاماً تذكر حول الوضع الآني رغم ثبوت أنه ما زال يجتر ماضيه («دترويت» لكاثرين بيغلو دار حول واقعة حدثت سنة 1967).
«مدباوند» للمخرجة دي ريز يختلف في أنه إذ يعود بدوره إلى أربعينات القرن الماضي، لا يكتفي برصد الواضح، بل يدخل تحت بشرته ليتحدث عن الأسباب الإقتصادية التي تعزز تلك التفرقة أو- في بعض الحالات- تجمع مصير البيض والسود معاً.
المصدر هو رواية (بالعنوان نفسه) وضعتها هيلاري جوردان سنة 2008 حول عائلتين واحدة بيضاء والأخرى سوداء يتجاوران في مزرعتين متقاربتين. هنري (جاسون كلارك) متزوّج من لورا (كاري موليغن) وظروفهما المعيشية تفرض عليهما الإنتقال إلى منزل ريفي في بعض أنحاء ولاية مسيسيبي. المنزل يجاور منزل عائلة أفرو-أميركية يقودها هاب (روب مورغن) وزوجته فلورنس (ماري بليج).
ترصد المخرجة الحذر في العيون والتساؤل القاسي داخل الأنفس: كيف يمكن للعائلة البيضاء أن ترضى مشاركة العائلة السوداء وضعها المعيشي التعس؟ كيف يمكن لها أن تقبل مجاورتها ثم الحديث معها والقبول بالتعاون معها؟ لكن ما ترصده المخرجة هو أكثر من الإجابتين على هذين السؤالين: دي ريز ترمي (وتحقق ما ترمي إليه) الحديث عن مصير مشترك فرضه وضع إقتصادي واحد. كذلك تتحدث عن كيف أن البيض يتعلم تدريجياً إحترام وضع العائلة السوداء وكيف أنها تنشد منها المساعدة أكثر من مرّة مدركة أن العائلتين إنما يعيشان واقعاً واحداً.
الفيلم جميل بلحظاته وتفاصيله وبتلك المعالجة الشعرية التي تكنها المخرجة للموضوع. وهو أفضل من فيلم آخر دخل مرتع الأوسكارات وخرج فائزاً قبل سنوات أسمه «12 سنة عبداً» تحدث، كسواه، عما يفرق بين الناس وليس عما يجمعها. يسير الفيلم بتؤدة مقصودة. هذا ليس فيلم كر وفر وموقف مجيّـرة للخطب. أكثر من ذلك أنه أقرب فيلم أميركي في الأشهر الإثني عشر الأخيرة إقتراباً من مفهوم الملحمة. دراما تستوعب الحياة الماثلة بأمانة وجمال.
0 comments:
Post a Comment