Jurassic World
"جوراسيك وورلد"
إخراج: كولين تريڤورو Colin Trevorrow
خيال علمي [وحوش] • الولايات المتحدة (2015)
★★✩✩✩
أسنان أكثر، مخ فاضي.
في نهاية «جوراسيك وورلد»، وبعد ان التهمت الدينوصورات الكثيرين من المواطنين الأبرياء الذين أمّـوا الجزيرة للفرجة على المخلوقات الكبيرة بعدما تم تدجين معظمها، هناك ذلك المشهد الذي يسير فيه بطل الفيلم أووَن (كريس برات) مع بطلته كلير (برايس دالاس هوارد) وقد أدركا أن مستقبلهما معاً قد بدأ من تلك اللحظة النهائية.
لقد واجها بعضهما البعض في خناقات زاعقة، ثم أنقذ كل منهما حياة الآخر عندما واجها الدينوصورات معاً. الآن سيعملان على تكليل هذا التعاون بالحب وربما بالزواج. حلم لذيذ لنهاية سعيدة بعد ساعتين من مشاهد تلك الوحوش الضارية وهي تنقض على البشر لالتهامهم كوجبات سريعة.
لكن في الواقع، ولنتصرّف كما لو أن هذه الفانتازيا تستطيع أن تحوي واقعاً، أن كلير، بكونها الرئيس التنفيذي لمشروع «جوراسيك وورلد»، سوف تمضي معظم السنوات التالية وهي تردأ عن نفسها الدعاوى التي لابد أن أهالي الضحايا وللناجين الذين كان من الممكن التحول إلى ضحايا سيرفعونها ضد المؤسسة. ليس فقط أنها كانت متشبّـثة برأيها من أن «البارك» الذي تم تشييده ليضم مخلوقات ما قبل التاريخ لأجل استثماره سياحياً، بل هي اشتركت في تجاهل الحقائق إلى حد أسهم في الكارثة التي حطته. لا شيء يستطيع أن يقنعها بأن ذلك الخلل البسيط هنا أو الحذر الواجب هناك سبب كاف لكي تنتبه. وحين يطالبها الموظف أووَن (برات) بإغلاق حديقة المخلوقات الضخمة هذه، تثور عليه: "لا نستطيع إغلاقها لمجرد حادث". تدرك من تلك اللحظة أنها خسرت الرهان من قبل أن تنتهي من نطق الكلمات. ما هي إلا ربع ساعة وأحد هذه الوحوش وأشرسها، وأسمه إندومينوس ركس، يقتحم الجزء "الآمن" من جوراسيك وورلد ويبدأ بالقتل، أحياناً لأجل القتل. وضحاياه من الوحوش الأصغر حجماً والرجال السمان وكل من شاء طالعه السيء التواجد على أرض المكان مصدّقاً أن الجزيرة مكان آمن لتمضية الوقت… بإستثناء من آلت إليه البطولة: رجل وإمرأة وولدين. كلهم يقتربون من الموت أكثر من مرّة، وفي كل مرّة يعجز الوحش عن فعل صغير مثل تحطيمهم بضربة واحدة كما يفعل مع باقي البشر.
فوضى كبيرة
فيلم ستيفن سبيلبرغ منتجاً وكولين تريڤورو مخرجاً ترفيه متواصل مثير ويحمل للمشاهد مغامرة تفوق في فداحة أحداثها ما وقع سابقاً في «جوراسيك بارك» (1993) و«عالم مفقود: جوراسيك بارك 2 (1997) الفيلمان اللذان أخرجهما سبيلبرغ نفسه. الجزء الثالث «جوراسيك بارك 3»، الذي أخرجه جو جونستون، خارج حسبان الفداحة لأن حيواناته الكاسرة سبحت وطارت وحطت في مدينة سان فرانسيسكو وحوّلتها إلى ركام (ألم تشاهد CNN؟).
الفيلم الجديد أقرب إلى الفيلمين الأولين. الخروج إلى الساحل الأميركي الغربي في الجزء الثالث كان شطحاً عن الفيلمين السابقين اللذين، كهذا الجزء الرابع، اكتفيا بأحداث تقع فوق تلك الجزيرة التي تم اكتشافها ليست بعيداً عن جزيرة كوستا ريكا. ما يفتقر إليه الفيلم الجديد بالمقارنة، هو الحميمية الناتجة عن قلّـة الشخصيات الماثلة في فيلمي سبيلبرغ. آنذاك كان المقاتلون والضحايا عبارة عن مجموعة محدودة العدد وجدت نفسها في معركة منفردة أمام تلك الوحوش. الفيلم الجديد يضاعف العدد إلى ألوف وينطلق في تصوير فوضى كبيرة ناتجة عن محاولات الهروب والنجاة نصف الموفقة مع ضحايا تحملهم الطيور الكاسرة أو يلتهم إندومينوس ركس بلا رحمة. فبعد عشرين سنة أو أكثر بقليل، تغلّـب العامل الإقتصادي على الحذر وأنشأ في الجزيرة ذاتها حديقة دينوصورات. تم تدجين العديد منها. للدلالة ها هم السياح يركبون بعضها وها هو أووَن يعلّـم أربعة من تلك التي لا زالت تفكّـر في الإنقضاض عليه كيف تنصاع لأوامره.
أووَن، من ناحيته، هامس دينوصورات (على غرار «هامس الحصان» كما مثله روبرت ردفورد في فيلم إنساني بريء). المزعج في الموضوع محاولة الفيلم إقناعنا بأن الدينوصورات والكلاب تتشابه، فالأولى، مثل الثانية، يمكن أن تسمع التوجهيات وترضخ للأوامر. "أجلسي" تجلس، "أصمتي" تصمت… شاهدي هذا الفيلم، تشاهد!
علم وعسكر
المزعج أكثر هو معالجة الفيلم لكل الدينوصورات قائم على حشر هذا التشابه غير المقنع بتاتاً. حين تتصرّف الدينوصورات (وهذا حدث حتى في الفيلم الأول من المسلسل) في الغابة وهي تطارد ضحية محتملة تخالها كلاباً من نوع جديد. تتحرّك تفصيلياً وعموماً وتتصرف على النحو ذاته. حتى الوحش الكبير إندومينوس له تصرّفات عجيبة هو الآخر: ينجح في قتل كل من هب ودب بإستثناء بطلي الفيلم والشقيقين الصغيرين اللذين جاءا لتقضية ويك- إند لطيف.
منذ البداية، تطرّقت السلسلة إلى مسألة ما إذا كان الدافع الإقتصادي كاف للتحرش بتلك المخلوقات التي نسيها الزمن. شاهدنا (الراحل) رتشارد أتنبورو يعاين المسألة تجارياً ويرى فيها مكسباً كبيراً.
الفيلم الجديد يرينا أن حلم مدير المشروع الراحل تحقق وها هو المشروع ينجز مئات الملايين من الدولارات كل سنة ولو أن الروّاد بدأوا يتذمّـرون، وعلى حسب أحدهم في الفيلم: "لم يعد أحد مندهشاً. يريدون الوحوش أكبر وأعلى صوتاً ومع أسنان أكثر". لذلك تم صنع إندرومينوس ركس في المختبر. خلايا DNA مع عناصر لا يتم الكشف عنها (ربما لا يعرفها كاتبو الفيلم) صنعت الوحش الماثل. بل تم صنع وحشين وليس وحشاً واحداً… لكن هذا الماثل أكل الآخر، كما يعلمنا الفيلم.
المسألة الإقتصادية مطروحة هنا تلقائياً، لكن ما هو أكثر حضوراً هو العاملين العلمي والعسكري: الأول يؤمن، كما في العديد من أفلام الوحوش والخيال العلمي، بقيمة الإبتكار وضرورة الحفظ عليه مهما كانت التضحيات (عدة مئات من القتلى لم يعد رقماً كبيراً)، بينما العامل العسكري، ممثلاً برجل أسمه هوسكينز (فنسنت د إنفورو) يعمل، كما يبدو ولو أن هذا ليس واضحاً، لصالح البنتاغون ويجد أن هذه الوحوش خير سند للقوات الأميركية في حروبها الخارجية. يقول متحسراً: "لو كنا نملكها في موقعة تورا بورا". الفيلم لا ينتصر لأي منهما لكن هذا لا يجعله منتصراً.
تحت إدارة تريڤورو هناك مشاهد مثيرة للعين، فقيرة في البال وركيكة في التنفيذ. بطلة الفيلم تركض طوال الفيلم بالكعب العالي. وهذا ليس أمراً تفصيلياً والا لما حاول الفيلم منحها التبرير عندما يعيب عليها أووَن ذلك كما لو أن هذا التعليق كفيل بمحو معارضتك أنت والتغلب على سخريتك.
«جوراسيك وورلد» في بعض أجزائه أكثر تلقائية من فيلمي سبيلبرغ، لكن بصمة سبيلبرغ كمخرج لا زالت دامغة تلاحظها مثل ظل يلاحق صاحبه. في الأساس لا تختلف الفكرة، في صلبها، عن فيلمه الأسبق Jaws سنة 1975: هناك سياح أبرياء في صيف ممتع، وبطل فيلم يحذر من كارثة هجوم سمكة قرش ضخمة، لكن المسؤولين لا يصدّقونه لأن «بزنس» السياحة سيتضرر. الكارثة تقع ولا أحد يتعلم منها.
المشكلة أنه بحضور فيلم من هذا النوع فإن الرغبات جميعاً تلتقي في وجوب استثمار كل كليشيه ممكن وعدم التفريط به. مثل "البارك" نفسه هو استثمار لا يريد أحد أن يتخلّـى عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2015
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ