American Sniper | The Asphalt Jungle | Exodus: Gods and Kings |


__________________________________________________________________
 Year 8 | Issue: 207 • Editor: Mohammed Rouda   
 American Sniper ★★★★  
قناص أميركي 
نقد: محمد رُضــا (خاص)

إخراج: كلينت ايستوود    Clint Eastwood 
دور أول:   برادلي كوبر | مساندة: سيينا ميلر، كايل غالينر، كول كونيس، بن ريد
الولايات المتحدة | حرب/ العراق [2015]
  هل هو فيلم  يميني؟ طبعاً.  هل هو  فيلم يميني جيد؟
بكل تأكيد. هذا هو كلينت ايستوود: لا توافقه لكن تقدره

من المحرج كما من الصعب تبرير الإعجاب بفيلم يقف على خط النقيض منك. تؤمن بالسلام ويواجهك بتمجيد الحرب. لا ترى فائدة في العنف لكنه يبرره لك. تناويء وجهة نظره لكنه يتشبّـث بها. لكن في النهاية الغلبة، والتقييم المهني الصحيح، لا يُـبنى على رأي الفيلم بل على فنّـه. وفيلم كلينت ايستوود الجديد «قناص اميركي» يكاد يخلو من أي شائبة فنية. في سن الـ 84 لا يزال ايستوود قادراً على وضع غالبية مخرجي أميركا في جيب درايته وخبرته الصغير. يختار سرداً متوالياً. لا وجود  للقطة واحدة تزيد أو تنقص. لا هفوة في المونتاج (لا زال يسند المهمّـة إلى مونتيره الدائم جووَل كوكس) ولا إرتجال في التصوير (توم ستيرن، الذي هو بدوره دائم العمل مع ايستوود) والكثير من البذل البدني منه ومن فريقه خلال التصوير. 
في الثاني من شباط/ فبراير 2013 مات أميركي أسمه كريستوفر سكوت كايل برصاص أميركي آخر أسمه إيدي راوث. الجريمة كانت، على ما يبدو، إبنة ساعتها. كريستوفر كان وصل إلى ميدان تمارين الرمي في أحد سهول ولاية تكساس حيث يعيش، وإيدي، المصاب بمرض الإكتئاب، أطلق عليه (وعلى شخص آخر كان بصحبة كريس) النار وقتلهما.
لكنها جريمة لها دلالات لا تخلو من الغرابة. 
كريس كان شارك في حرب العراق في أربع جولات معرّضاً نفسه للقتل أو الإصابة أكثر من مرّة، لكنه فقط حين عاد للحياة المدنية مات قتلاً. كريس وقاتله كانا مجنّدين قاتلاً في الحرب إحتلال العراق الثانية (عقب كارثة 2001). الأول كان يعود فخوراً بما كان يسجّـله من إصابات مباشرة في أجساد العراقيين، الآخر (الذي لا نعرف عنه الكثير) لم يكن معروفاً إلا عندما ارتكب جريمته وقبض عليه بعد مطاردة قصيرة. قمّـة الوضع الساخر هو التالي: كريس كان بطل حرب. قاتله كان نكرة. لكن كريس كان، على نحو أو آخر، قاتلاً أكثر من قاتله. حسب قيادته العسكرية، هو أكثر قنّـاص حربي قتل "أعداءاً" في التاريخ.

فيلم كلينت ايستوود إحتفائي على طول الخط. لا ينفع تخفيف ذلك. بمرجوعه السياسي، أنجز المخرج اليميني فيلمه رقم 34 عن مجنّد يميني مقتبساً كتابه الذي ألّـفه عن نفسه بعنوان «قنّـاص أميركي». لكن فيلم جيّـد ولا ينفع تخفيف ذلك أيضاً. كلمة جيّـد هنا تشمل كل شيء وخصوصاً الكيفية التي يسرد فيها المخرج حكايته بسهولة من يشرب كأس ماء. سهولة غير مائعة ولا بسيطة أو مبسّـطة ولا متكلّـفة بل ناتجة عن ثقة ونضج وقدرة على أن لا يخرج شيء من العمل نافراً عن باقي الأشياء. كل حقول الفيلم متداخلة من دون إكتظاظ كطرقات صباح يوم جمعة أو أحد. 
في مكان ما، ليس بعيداً عن النهاية، لم يعد كريس (كما يؤديه برادلي كوبر جيداً) محتاجاً لأن يُـدير محطة تلفزيونية أو يعرض شريط الفيديو لكي يعيش في الحرب.  نراه جالساً ينظر إلى شاشة التلفزيون السوداء وهو مغلق لكنه يسمع، ونسمع معه، كل ذلك المعارك الطاحنة التي خاضها تعرض في باله. النقطة الأعلى في قياس المخرج لمراحل التطرّف. لقد عاد كريس من رحى معارك العراق جسداً لا بالاً أو عقلاً أو حتى نيّـة زوجته تقول له ذلك وهو يعلم أنه لم يعد يستطيع التوقف. إنه مؤمن أشد الإيمان بأن ما قام به هو خدمة لـ "أعظم دول العالم" ضد "المتوحشين" وحين يتحدث إلى أحد رفاقه قائلاً: "يوجد شر هنا" يرد عليه ذاك: "هناك شر في أميركا أيضاً". كريس لا يستطيع الجواب على ذلك، ولن يستطيع سوى النظر إلى شقيقه الأصغر الذي تبع خطواته فانضم إلى الحندية وهو يقول له: Fuck this place . غاية الأخ الأصغر هي القول القول بأن الحرب خطأ وهو فيه الخطأ ويتمنّـى لو لم يشترك. كريس أيضاً لا يملك جواباً بل يقف مذهولاً وفي الحالتين لا شيء يغيّـر من رأيه وكلّـما عاد من جولة عاد بجسده إلى زوجته وولديه لكنه بقي هناك يقاتل وينتظر فرصة العودة إلى القتال من جديد.

يبدأ الفيلم بالبندقية (هذه تصاحب معظم أفلام ايستوود): كريس فوق سطح مبنى، ربما في مدينة الرمادي، يصوّب بندقية القنص إلى رجل يظهر ويختفي على الشرفة المقابلة، ثم إلى إمرأة عراقية مع ولد صغير. تخفي شيئاً ما يقول لقيادته، ثم يتضح هذا الشيء… إنه قنبلة تعطيها للولد لكي يلقيها على الجنود الأميركيين. يؤمر بإطلاق النار. ينتهي المشهد. لن نعرف أن المشهد سيعود بعد أكثر من ساعة. هذه المرّة نراه يطلق النار على الصبي ويرديه ثم على الأم التي هرعت فأخذت القنبلة من يد إبنها لكي ترميها. 
بعد المشهد الأول ذاك، نعود إلى الوراء قليلاً. كريس وأخيه ولدان صغيران. والدهما يعلّـمهما: "هناك ثلاثة أنواع من الناس: غنم، ذئاب وكلاب حراسة. لا أريدكما أن تكونا من الغنم، ولا من الذئاب". الخطاب عنيف وواضح. لا سبب أن لا ينشأ كريس على تعاليمه. والده مرّنه منذ أن كان صغيراً على القنص. مشهد آخر يُـصيب الإبن غزالاً ويقتله والأب فرح لذلك. 
عندما تقع كارثة 2001 كريس هو مثل عشرات ملايين الرجال الأميركيين المصعوقين. الإرهاب اعتدى علينا وعلينا أن نرد. الرد هو الإشتراك في الحملة العسكرية على العراق.
طبعاً لا يذكر الفيلم أن العراق وإرهاب القاعدة كانا على بعد 20 ألف فرسخ ولا كيف عمل البيت الأبيض وصقور الحرب المتصلين به آنذاك على تهيئة الرأي العام على أن صدام حسين مسؤول وأن العراق فيها "أسلحة تستطيع الوصول إلى أميركا!". لا يتعامل فيلم ايستوود مع كذب بوش ومحيطه السياسي والعسكري بل يسرد حكاية كريس كايل. 
لكن لحظة، في حين أن الفيلم كان سيحمل نقداً للإدارة الأميركية الخادعة التي زجّـت أبناءها في تلك الحرب التي سقط فيها مئات ألوف الضحايا من العراقيين أيضاً، إلا أن هذا ليست الغاية التي هو بصددها. إنه يسرد حكاية كريس وليس حكاية الحرب ذاتها. يحلل تركيبة شخصية وليس تركيبة وطنية.
كذلك سيكتب، حين يكتب، البعض عن أن «قناص أميركي» لا يذكر معاناة العراقيين بل يصوّرهم كما لو كانوا قتلة بلا قضيّـة، لكن هناك نقطتان: لا نتوقّـع من أحد أن يصنع فيلماً إيجابياً عنا بل علينا نحن أن نصنع الفيلم الذي نريد، وثانياً: هذه قصّـة حياة رجل والفيلم، في إختيار حرفي سليم، ملتزم بروايتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 "تدرك، إذا ما كنت تابعت الفيلم بهدوء، أنه أراد 
تصوير كوبر من حيث انتهى ايستوود: شخصية
 لا تفهم ما كانت تقوم به من عنف ولا تستطيع 
تبريره (رسالة «الخارج عن القانون جوزي وَلــز»)"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كريس، الذي قتل نحو 160 عراقياً، هو يميني متشبّـع بما تمّ تهيئته من مشاعر وضغائن وبخلفيّـته اليمينية المتوارثة. لا تتوقع منه إلا أن يقوم بما قام به وكتبه في قصّـة حياته التي استند إليها الفيلم. هل كذّب؟ كيف لي أن أعلم؟ لكن هناك مناطق تشعر فيها بأنه أراد أن يبرر لنفسه ما ارتكبه ("إذا لم نحاربهم وصلوا إلينا"، "لو لم أقتلها لقتلت جنودنا"، "أنا هنا لأدافع عنكم"- يقولها لرفاق السلاح) وفي أحد المشاهد يرى ولداً صغيراً يهرع إلى قاذفة صاروخية كان كريس قتل حاملها فالتقطها الصبي محاولاً وضعها على كتفه ليطلق القذيفة على دبابة أميركية. يد كريس على الزناد وهو يرجو، بصوت مسموع، أن لا يضطر لقتل الصبي. عليه أن يقتله إذا ما وجد أن الصبي يهم فعلاً بضغط ذلك الزر وإطلاق القذيفة. لكن الصبي يترك كل شيء ويهرب ويتنفس كريس الصعداء.
هذا ليرينا أنه لم يكن متوحشاً. دعاية؟ اعتبرها كذلك، لكنها تأتي في السياق الأكبر على نحو تلقائي. هذا المشهد وذلك الذي يتبادله مع رفيقه حول الشر هنا وهناك ومع أخيه تتبدّى لعلامات تشير إلى أن الفيلم سيبدأ تقديم كريس وقد اكتشف خطأه. لكن كريس حتى بعد عودته إلى أميركا (وظهوره أيضاً على شاشات التلفزيون متحدّثاً، وهو ما لا نشاهده في الفيلم) كرّس موقفه ولم يتغيّـر. نشاهده هنا وهو يبحث المسألة مع طبيب نفسي مؤكداً أنه مرتاح الضمير لما قام به. وندرك إنما يحاول الإستمرار في نهجه حتى بعد تسريحه (بميداليّـتين فضّـيتين) عبر تدريب المعاقين والمصابين على إطلاق النار مؤمناً بأن دوره لم ينته بعد. 
ما يتغيّـر، وهو الجزء الإيجابي غير الملموس في مضمون الفيلم، هو المسافة التي يبدأ المخرج برسمها بينه وبين شخصيّـته. فجأة هو ليس المدافع عنه ولا هو المحبّـذ لمنهجه. حين يخرج كوبر بمسدس بكرة (ست طلقات) يشبه تلك المسدسات التي حملها ايستوود في أفلامه الوسترن، يعكس المخرج موقفه من العنف ومتأثراته. تدرك، إذا ما كنت تابعت الفيلم بهدوء، أنه أراد تصوير كوبر من حيث انتهى ايستوود: شخصية لا تفهم ما كانت تقوم به من عنف ولا تستطيع تبريره (رسالة «الخارج عن القانون جوزي وَلــز»).
ربما الفيلم هنا يريد تقديم الصورة الأخرى لما تأتي به الحرب: إصابات، أطراف مقطوعة، مقعدين، مشوّهين الخ…) لكن إيستوود لن يجعله فيلماً معادياً للحرب إلا بالقدر الذي تتسرّب فيه تلك المعاداة لبعض النفوس كونها في الأصل معادية

كما ذكرت، سينمائياً لا توجد شائبة. في سن الـ 84 لا يزال ايستوود قادراً على وضع غالبية مخرجي أميركا في جيب درايته وخبرته الصغير. يختار سرداً متوالياً لا لقطة واحدة تزيد أو تنقص. لا هفوة في المونتاج (لا زال يسند المهمّـة إلى مونتيره الدائم جووَل كوكس) ولا إرتجال في التصوير (توم ستيرن، الذي هو بدوره دائم العمل مع ايستوود) والكثير من البذل البدني منه ومن فريقه خلال التصوير. 
إذ ينتقل الفيلم مراراً بين حياتَـي كريس المدنية غير السعيدة والقتالية التي تجلب لبطله الحبور، يبرع كثيراً في تصوير المعارك. الكاميرا تتحرك بلا هفوات أو ارتجاجات أو قرارات خاطئة كما لو كانت إخبارية، ثم تذكّـرنا سريعاً بأنها ليست كذلك. بأن هناك قدرة صناعية واحترافية هائلة متوفرة في هذا العمل. تلك البانوراميات التي تمسح الأفق. ذلك التركيز على الجهد البشري للمقاتلين (عرب وغير عرب)، اللقطة الجوية (Eagle's Eye) للمدينة قبيل المعركة الكبيرة الأخيرة. كل ذلك شغل أستاذ في حرفته لا يصرف لحظة على لقطة واحدة لا معنى لها.
ايستوود لا يبدي مشاعر عنصرية، لكنه يسمح لكريس بها. وبالإمعان لا يقدّم كريس كبطل هو مقتنع به، لكنه يقدّم حكايته. في المقابل لا يكترث ليفهم ما الذي حدث، بل يقدّم الحدث نفسه. في غضون نصف الساعة الأخيرة يتغيّـر المنهج والتداول بعض الشيء. ايستوود يريد أن يقول أن بطله موصد الفكر. هناك حقائق أخرى لكنه لا يعترف بها. فقط لو زاد من هذه الجرعة لأنجز فيلماً أنظف بكثير مما هو عليه الآن.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غير المسموح إعـادة نشر أي مادة في «فيلم ريدر» من دون ذكر إسم
المؤلف ومكان النشر الأصلي وذلك تبعــاً لملكية حقــوق المؤلف المسجـلة في 
المؤسسات القانونية الأوروبية.
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1 comments:

Anonymous said...

شكراً لأعطائك أسئلتي صفة الأهمية , لكن هناك لبس حصل بسبب أسلوبي الخاطئ في بلورة السؤال , فالشيخ لم يقتبس ( اللص والكلاب ) من وايلدر بل هو نص رواية لنجيب محفوظ بنفس الاسم , ما عنيته هو هل يمكن اعتبار ( اللص والكلاب ) فيلم نوار بغض النظر عن اقتباس الشيخ سابقاً لأشهر أفلام النوار ( الضمان المزدوج ) وتحوريه إلى فيلم بعنوان ( من أجل امرأة ) – بطولة عمر الشريف _ , ما قصدته تنحية تاريخ الشيخ والتركيز على هذا الفيلم . شكراً لك وأعتذر عن هذا اللبس.

م . ف