Mohammed Rouda's FILM READER
العدد 242 | السنة 8
------------------------------------------------------------------------------------------
Hacksaw Ridge "هاكسو ريدج"
★★★★★
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: مل غيبسون Mel Gibson
حرب | ألوان (131 د)
دور أول: أندرو غارفيلد | مساندة: سام وورثنغتون، ڤينس ڤون، لوك براسي، هوغو ويفينغ، تريزا بالمر
المنتج: تيري بندكت، بول كوري، بروس دايڤي، وليام جونسون| سيناريو: أندرو نايت، روبرت شنخان | تصوير: سيمون دوغان | موسيقا: روبرت غرغسون- وليامز | توليف: جون غيلبرت.
استراليا/ الولايات المتحدة (2016) | إنتاج: Cross Creek Pictures.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحرب كما عاشها من لم يحمل السلاح
• «هاكسو ريدج» هو فيلم العودة للممثل والمخرج مل غيسبون إلى الإخراج. فقبل عشر سنوات بالتحديد قام بإخراج عمله الرائع «أبوكاليبتو» ثم مرّ عليه عقد من الزمان عانى فيه من مشاكل تسبب بها وتناولتها الصحافة بكل ما فيها من تناقضات واستنتاجات.
ألقي القبض عليه مخموراً، فشتم السود وأكمل على اليهود فهبت هوليوود تدين كلامه وقامت مراكز القوى فيها بقرار شطبه من قوائم من تتعامل معهم. لم ينفع إعتذاره كثيراً، لكن غيبسون صبر وأخذ يقضم العراقيل واحداً تلو الآخر إلى أن عاد إلى الحضور سينمائياً وعاود احتلال مكانته في وسط النشاطات السينمائية.
عودته إلى نشاطه، أو عودة النشاط إليه، بدأ قبل خمس سنوات فعلياً عندما تجرأت جودي فوستر على قرار الحظر غير المعلن وأسندت إلى هذا الفنان الموهوب بطولة فيلمها The Beaver. لم يتح غيبسون للإعلام أن ينال منه. قدّم تمثيلاً جيداً دفع النقاد للإشادة به. في العام 2012 عمد إلى فيلم أكشن جيد التنفيذ بعنوان «أقبض على الأميركي» (Get the Gringo) شهد رواجاً في بعض العواصم ونجاحاً كبيراً على الأسطوانات.
عامان بعد ذلك التقطناه أحد ممثلي فيلم «المستـّهلكون 3» (The Expendables 3)، السلسلة التي يقوم على بطولتها سلفستر ستالون. في الحقيقة تمثيل غيبسون كان الأفضل بين كل من جمعهم ستالون من وجوه معروفة بمن فيها هو نفسه.
«هاكسو ريدج» (Hacksaw Ridge) هو فيلمه الخامس مخرجاً بعد «رجل بلا وجه» (1993) و«قلب شجاع» (1995) و«عشاء المسيح» (2004) و«أبوكاليبو» (2006). فيلم حربي بكل مواصفات هذه الكلمة. لثلث ساعة يبدأ المخرج بتوفير خلفية لذلك الشاب دزموند دوس (أندرو غارفيلد) الذي كاد أن يتسبب في أذى بالغ لأخيه عندما كانا صغيرين، ثم، وفي مشهد فلاشباك لاحق وقد أصبح شاباً، يدافع عن أمه بعدما تعرض لها والده بالضرب. يشهر عليه مسدساً ويهدده. يتعلم دزموند من الحادثتين أن ينبذ العنف، لكن الحرب العالمية الثانية تنشب والقتال بين أميركا واليابان على أشدّه بعد إعتداء اليابان على بيرل هاربور. يتطوع دزموند في وحدة الإسعاف ويرفض حمل السلاح وبل لمس البندقية لأجل التدريب. يتم تقديمه إلى المحكمة بعد تهديده بالعقاب كونه يرفض الأوامر. رسالة من جهة عسكرية عليا تجيز له الإنضمام إلى الجيش الذي سينتقل لتحرير جزيرة أكيناوا. هناك يخوض الجيش الأميركي حرباً ضروساً فيها مشاهد تذكّـر بـ «سفر الرؤيا الآن» لفرنسيس فورد كوبولا دون أن تصل إلى عمقه السياسي، وتتجاوز ما جاء به ستيفن سبيلبرغ في «إنقاذ المجند رايان».
خلال القتال الدامي الذي خسر فيه الجيش الأميركي موقعاً يقع على سلسلة مرتفعات تشبه المنشار (عنوان الفيلم) يبقى دزموند وحيداً على قمة ذلك الجبل باحثاً بين من سقطوا عن جرحى يسعفهم وينقلهم بحبل يتدلى من رأس الجبل إلى قعره المنبسط حيث ما زال للجيش الأميركي وجوداً. يفعل ذلك بضع عشرة مرّة بنتائج مذهلة. وأكثر ما هو مذهل فيها أن القصّـة حقيقية.
المشاهد غريبة ولو وردت من الخيال لكان ذلك أسهل تصديقاً من ورودها في الواقع. لكن دزموند فعل ذلك مرات ومرات. يرسل إلى الجنود الأميركيين في أسفل الجبل العالي الجرحى بحبل، ثم ينطلق بحثاً عن جرحى آخرين بعد معركة هائلة خسرها الأميركيون أمام جحافل يابانية لا نهاية لها.
يُـبقي غيبسون الفيلم متماسكاً ويغذيه برؤيته شبه العبثية لعنف الإنسان من دون أن يدين هذه الجهة أو تلك أو يمجد الحرب أو ينبذها. أندرو غارفيلد يبرهن مجدداً عن حسن تقمصه لما يُسند إليه. هذا فيلمه الأول منذ 99Homes قبل عامين وكان برع فيه رغم الإختلاف الشاسع بين الدورين. هذا ليس تميّـزاً له وحده، لكنه تأكيد على أنه استلهم في غضون تسع سنوات منذ أن مثل فيلمه الأول (Lions for Lambs) الأدوار التي تستحق أن تُـمثّـل.
------------------------------------------------------------------------------------------
Elle هي
★★★★★
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: بول فرهوڤن Paul Verhoeven
دراما | ألوان (130 د)
دور أول: إزابَـل أوبير | مساندة: لوران لافيت، آن كونزيني، شارل برلينغ، فرجينيا إفيرا.
المنتج: سعيد بن سعيد، ميشل ميرك | كتابة: فيليب جيان | المصدر: رواية لديفيد بيرك | تصوير: ستيفاني فونتين | موسيقا: آن دَدْلي | توليف: جون تربيرغ.
فرنسا (2016) | إنتاج: SBS Prods.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكاية إمرأة تعرف كيف لا تنتقم
• من بين ما تتميز به أفلام المخرج الهولندي بول فرهوفن الأناقة الشكلية خصصاً تلك التي حققها، في مسيرته الطويلة، في أوروبا قبل ثم بعد مرحلته الهوليوودية. العناية بالتصماميم العامّـة وبالألوان والتصوير الخالي من الشوائب تمنح أعماله، وآخرها هذا الفيلم، ما يشابه الثياب التي ترتديها بطلة الفيلم إيزابيل أوبيرت أناقة ونظافة.
ميشيل (إزابَـل أوبير) تدير مؤسسة لصنع ألعاب الفيديو الإلكترونية وتعيش وحيدة في بيت كبير في ضواحي باريس. يبدأ الفيلم بمشهد صراخ ثم لقطة لقطّـة تتابع ما يدور ثم وميض مما يقع: حادث إغتصاب يقوم به ملثم وضحيته ميشيل. هذه تلملم نفسها سريعاً بعد ذلك وتنطلق لمتابعة يوميات حياتها. لا تولول ولا تنهار ولا تتصل بالبوليس، بل تقرر مواصلة حياتها كما هي علماً بأنها ترتاب في أن أحد موظفيها قد يكون الفاعل. في الوقت نفسه هي محور وقائع عائلية مختلفة محاطة بظروف من صنع الذات البشرية والقرارات غير الصائبة. فهي مرتبطة بعلاقة تريد إنهاءها مع روبير (كرستيان بركل)، زوج صديقتها آنا (آن كونزيني). وإبنها الشاب (جوناس بلوكيه) تزوّج من فتاة حبلى تلد طفلاً أسود البشرة (من علاقة سابقة مع صديقه الأفريقي عمر). أما والدتها (جوديث ماغري) تختار شاباً جديداً لكي تعيش حياتها الجنسية كما ما زالت تشتهي. وصديقها السابق ريشار (شارل برلينغ) يحاول أن يستعيد مجداً مضى ككاتب.
في غمار كل ذلك وأحداثه (المكتظة) تبقى حادثة الإغتصاب ماثلة أمامها ثم تتعرض لها مجدداً بعدما اكتشفت أن جارها باتريك (لوران لافيت)، الذي بدأت تهواه، هو الفاعل. وقبل نهاية الفيلم (الذي يمتد رافضاً الإيجاز) يقدم باتريك على محاولة جديدة كونه لا يستطيع المعاشرة الجنسية إلا إذا اغتصب.
بقدر ما الفيلم مبني على حبكة لغزية، بقدر ما هو دراما ترفيهية ساخرة فيها ما يكفي من عناصر جذب الإعجاب لكل ما يدور فيها، بما في ذلك تناول المخرج المخفف لموضوع الإغتصاب وردات الفعل عليه. يستند لحسنات أكيدة في الكتابة والتصوير والتوليف كما في أداء أوبير لدورها بدراية وتلقائية مثيرة للتقدير. على ذلك، يبقى الفيلم نطناطاً من دون عمق. مثرثر بلا توقف من دون فسحات تأمل مطلوبة.
هذا هو فيلم بول فرهوفن الأبرز له في عشر سنوات، والأول له في إطار سينما وأحداث فرنسية كاملة كما أول تعاون بينه وبين المنتج الناجح سعيد بن سعيد. إيزابيل أوبير هي ذاتها من فيلم لآخر هذه الأيام لكنها مجتهدة هنا في دور صعب في شتّى مراحله. غاية فرهوفن تبدو مزدوجة: من ناحية يريد تقديم فيلم جاد وفني حول موضوع بطلته كجزء من حياة غير مستقرة، ومن ناحية أخرى لا يريد أن يدير ظهره للجمهور السائد. وهو يحقق هاتين الغايتين على نحو مرض.
------------------------------------------------------------------------------------------
La La Land لا لا لاند
★★★★★
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج/ سيناريو: داميان شازيل Damien Chazelle
ميوزيكال/ عاطفي | ألوان (126 د)
دور أول: إيما ستون، رايان غوزلينغ | مساندة: ج. ك. سيمونز، كالي هرنانديز، فِن ويتروك.
المنتج: فرد برجر، غاري غيلبرت، مارك بلات، جوردان هوروفيتز| تصوير: لينوس ساندغرن | موسيقا: جوستين هورفيتز | توليف: توم كروس.
الولايات المتحدة (2016) | إنتاج: Black Label Media.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عودة ناجحة للميوزيكالز من مخرج Whiplash
• هو فيلم موسيقي- رومانسي كبير ورائع وبالسينما سكوب. والشاشة العريضة هي أكثر من مجرد حجم عرض ملائم، هي تذكرة من صانعي الفيلم للعودة به إلى أيام ما كانت السينما الإستعراضية ذات المشاهد الراقصة والأغاني العاطفية الصادحة منوالاً شبه دائم حتى الستينات. ومع أن مثل هذه الأفلام تكررت وتبلورت بعد تلك الفترة أيضاً إلا أن عصرها الذهبي كان قد انقضى. كذلك فإن النتاج اللاحق، خلال السنوات الثلاثين الماضية، لم ينشد التماثل مع أفلام ما قبل الستينات لا من حيث مواضيعها الفرحة ولا من حيث أساليب تنفيذها البصرية. أفلام مثل «كل ذلك الجاز» لبوب فوسي (1979) و«بوباي» لروبرت ألتمن (1980) و«آني» لجون هيوستون (1982) ثم «شيكاغو» لروب مارشال (2002) كانت جميعاً جيدة، إنما حاملة هموماً مختلفة ورسالات إجتماعية- سياسية محددة، على عكس أفلام الميوزيكالز السابقة التي لم تعد مشاهديها (وكانوا بمئات الملايين) بأكثر من ترفيه عاطفي مناسب للعائلات والمراهقين على حد سواء.
«لا لا لاند» لا يخجل من أن ينتمي إلى تلك الأفلام الأولى، لكنه يفعل ذلك بفن غامر. بإدارة متقنة للأحداث وبقدر رائع من تزاوج الخيال الضروري لتلك الأفلام مع ما هو قابل للتصديق. المخرج داميان شازيل يعرف تماماً ما يريد ويحققه تماماً كما يريد. مباشرة بعد نجاحه اللائق بفيلم Whiplash («طرف السوط») في العام الماضي، والذي دار أيضاً عن الموسيقا كأرضية، ها هو يقدم عملاً أفضل من سابقه. خال من الدكانة التي لصقت بالفيلم السابق ويتعامل مع حكاية عاطفية تعيد بث تلك العواطف الصحيحة إلى المشاهدين الذين نسوا كيف كانت السينما تقدّمها.
يبدأ «لا لا لاند» بـ "نُـمرة" راقصة جيدة تقع فوق طريق رئيسية في لوس أنجليس. الكاميرا تهبط من لقطة للسماء الزرقاء إلى أوتوستراد مزدحم توقفت فيه السيارات عن التقدم كما لو كانت مصطفة في مرآب مفتوح للسيارات. الكاميرا تتحرك بين هذه السيارات وكل منها يصدح بموسيقا مختلفة. فجأة تهبط إمرأة من إحدى تلك السيارات وتبدأ بالرقص، وما هي الا لحظات حتى يتحوّل الشارع بأسره إلى مرقص في وضح النهار. الركاب والسائقون نزلوا من سياراتهم واشتركوا في ذلك الإستعراض الكبير لنحو خمس دقائق حسنة التصميم وجيدة المونتاج قبل أن يعود كل إلى سيارته.
مثل هذه المشاهد منتشرة في عموم الفيلم. هناك عين جيدة للمخرج يلتقط فيها الأفكار التي ينفذها. وحكاية شاب إسمه سيباستيان (رايان غوزلينغ) مغرم بموسيقا الجاز. يعزف البيانو بمهارة ويبحث عن عمل ثابت. الفتاة هي ميا (إيما ستون) ممثلة مبتدأة تبحث بدورها عن عمل ثابت. لقاؤهما في البداية ليس لقاءاً عاطفياً من تلك التي تؤسس لقصة حب، بل هما لقاءان عاصفان على نحو غير ودّي، ثم تعارف بعد أشهر والوقوع كل في حب الآخر.
ما يشد كل منهما صوب الآخر حلمه بالنجاح. هو يريد افتتاح ناد للجاز يعزف فيه وهي تريد أن تحقق رغبتها في التمثيل. لكنهما يواجهان ظروفاً صعبة تفرض على الأول التنازل وعلى الثانية الإنسحاب لحين. في النهاية سيحقق كل منهما أمله ورغبته لكن ذلك سيكون على حساب قصّـة حبه وديمومة البقاء إلى جانب الآخر.
عند المخرج شازيل تلك الرؤية المتينة لما يتطلبه فيلم جيد من هذا النوع والقدرة على ضبط الأحداث بحيث لا تسقط في الميلودراما أو في عاطفة رخيصة الشأن. قبل النهاية يبتدع مشهد حلم في اليقظة: العازف شاهد حبيبته، وقد تزوّجت، جالسة بين الجمهور تتابعه. يبدأ العزف ثم، من دون خيط فاصل، يتوجه صوبها ويرقص معها ثم ينطلقان إلى باريس ويعودان إلى أميركا. يعيشان حياة جميلة تنتهي بالزواج. تعتقد أنها تطلّـقت بالفعل، فهذه المشاهد تبدو كما لو كانت استطراداً لأمنية تحققت لكن فجأة ما يعود الفيلم إلى الواقع فإذا به لا يزال يعزف وهي لا زالت جالسة في مكانها.
علاوة على ذلك، يضم كل من غوزلينغ وستون إلى مواهبهما موهبتي الرقص والغناء. وعزف غوزلينغ على البيانو لا يمكن أن يكون تمثيلاً. هي أصابعه الفعلية تتلاعب بالمفاتيح في معزوفات تتلوّن بحسب الظرف التي تمر بها شخصيته. هذا لا يمنع من القول أن حركة قدميه خلال نمر الرقص قد لا تكون خفيفة كحركة قدمي فرد أستير، لكنه صاغ لنفسه برهاناً على أن موهبته تنجز تقدّماً من فيلم لآخر.
------------------------------------------------------------------------------------------
Sully صولي
★★★★★
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: كلينت ايستوود Clint Eastwood
دراما | ألوان (96 د)
دور أول: توم هانكس | مساندة: آرون إكهارت، ڤاليري ماهافي، لورا ليني، مايك أومالي.
المنتج: كلينت إيستوود، فرانك مارشال| سيناريو: تود كومارنيكي | تصوير: توم ستيرن | موسيقا: كرستيان جاكوب، تييرني سوتون باند | توليف: بلو موراي.
الولايات المتحدة (2016) | إنتاج: Malpaso/ FilmNation/ Warner Bros.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطائرة التي حطت على سطح النهر
• المسافة من مطار لا غوارديا في نيويورك إلى حيث سقطت الطائرة المدنية التابعة للخطوط الجوية المعروفة بـ US Airways لا تزيد عن بضع كيلومترات. الطائرة أقلعت من المطار نهار الخامس عشر من يناير (كانون الثاني) سنة 2009 وبعد دقائق أصيب محركاها بعطل نتيجة اصطدام الطائرة بسرب من الطيور فحطت فوق مياه نهر الهدسون.
من المقدرة بمكان رفيع أن يمكن استغلال هذه الدقائق اليسيرة لصنع فيلم جيد لا يبحر كثيراً في أي إتجاه آخر سوى سرد حكاية ما حدث من وجهة نظر الكابتن تشسلي صولنبيرغر المعروف بـ «صولي». لقد واجه قراراً صعباً حالما احترق المحركان. كان لديه ثلاثة إختيارات: الأول العودة إلى مطار لا غوارديا والثاني التوجه إلى مطار آخر والثالث أن يحط فوق سطح الماء.
صولي (يقوم به توم هانكس بدرايته الدرامية النافذة) يختار الحل الأخير على خطورته. ذلك لأن ارتفاع الطائرة عن سطح الأرض كان لا يزال غير كاف للعودة إلى مطار المطار الذي انطلق منه ولا للتوجه إلى أي مطار آخر. الحل الوحيد هو الهبوط على سطح الماء في ذلك الشهر البارد معتمداً على حسه ومداركه ومواجهاً فيما بعد تحقيق مجلس «أمن المواصلات الوطني». تلك المواجهة التي على المجلس أن يثبت خطأ صولي وعلى صولي أن يثبت صواب قراره.
تحت يدي كلينت ايستوود الخبيرة، نتابع حكاية ندرك كل تفاصيلها الممكنة. لقد أنقذ صولي حياة كل فرد على الطائرة (155 شخص بمن فيهم طاقمها) وهو متمتع بخبرة ثلاثين سنة من الطيران ومئات الرحلات. متزوّج (من لورا ليني) ويعيشان مع إبنتيهما في سعادة. منطقي وطبيعي وواثق من نفسه إلى حين تؤدي التحقيقات إلى أن يبدأ بطرح السؤال حول ما إذا فعل الشيء الصحيح على نفسه.
على ذلك يدرك أنه فعل الشيء الصحيح. ويعلم ما لا يعلمه المحققون في الحادثة وهو أن استنتاجاتهم مبنية على إفتراضات خاطئة وكحصيلة لتجارب غير مكتملة لا يدخل فيها العنصر البشري.
كل ما نشاهده من سجال بين الملاح والمحققين يدفع بنا إلى تبين أن القرارات في عالم اليوم تنفذ تبعاً للمصالح والرغبة في التهرب من مسؤولية عدم الإلتزام بالقوانين حتى وإن لم تكن صالحة للتطبيق في كل وضع أو حال. رغم ذلك ايستوود أبعد من أن يصوّر اللجنة ككيان شرير. يترك للمشاهد حرية اختياره الموقف الذي يريد.
رغم إدراكنا لكل هذه التفاصيل، ومعرفتنا بالحادثة (أو سهولة الرجوع إليها على المواقع) إلا أن ايستوود يمارس قبضته التشويقية بإحكام. لا يضغط حتى لا ينفجر الفيلم في وجهه لكنه لا يكف عن الإمساك بقوة على جوانب القضية المثارة منتقلاً ما بين ما هو شخصي وما ينتمي إلى الحدث نفسه. ومع أنه يكرر بعض المشاهد عدة مرات (سواء من خلال فلاشباك أو من خلال وقوع الحدث نفسه) إلا أن المشاهد لا تراه يعبأ بذلك بل يستقبل ذلك التكرار كجزء فعال من التوليفة الكاملة للعمل.
____________________________________________________________
©
كل الحقوق محفوظة للمؤلف بحكم قانون الملكية البريطانية
All rights are reserved by Mohammed Rouda
____________________________________________________________