شاشات "فيلم ريدر"
Alice e Martin
أليس ومارتان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد: ميسر المسكي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسلوب تشينيه يرتفع عالياً فوق العاطفة المبتذلة
• إخراج: أندريه تيشينه
• دراما عاطفية | فرنسا- 1998
|*| أندريه تيشينه هو واحد أفراد الجيل الثاني من النقاد في مجلة "دفاتر السينما" والذين تحولوا إلى مخرجين لامعين في السينما الفرنسية. الجيل الأول بالطبع ضَمّ أسماء تحولت إلى أيقونات كما فرانسوا تروفو، جان-لوك غودار، كلود شابرول...
السيرة المهنية الطويلة لتيشينه (73 عاماً) من كتابة السيناريو إلى الإخراج أهّـلته ليكون واحداً من أبرز السينمائيين لمرحلة ما بعد الموجة الجديدة.
تيشينه، في العديد من أفلامه، يبدو مولعاً بتلك الحالات التي تروي العلاقات الإنسانية الهاجسة بتناقضات أطرافها. وهو بهذا إنما يُـكمل في تفصيل اللوحة الكبيرة عن تعقيد شرط الوجود الإنساني ولوعة المشاعر التي طالما رسمتها كاميرا مخرجين فرنسيين عديدين. قبله كان تروفو في "جول وجيم" (1962) و"الإنكليزيتان والقارّة" (1971) (أغلب أفلام تروفو تناولت هذا الموضوع)، شابرول في "الجزّار" (1970)، كلود غوريتا في "صانعة الدانتيلا" (1977)...وغيرهم.
هنا، الحب ليس الحكاية. هو المناخ العام الذي فيه تكتشف الشخصيات قسوة، وأحياناً، إستحالة التواصل. حكاية الحب تبدو هنا أقرب إلى الذريعة التي تُبرر الدخول إلى العوالم الداخلية للشخصيات والبحث في ذكرياتها وإضطرابها وكوابيسها التي غالباً ما توصلها إلى....الإنكسار!
في "أليس ومارتان" نحن أمام شخصيتين تحاولان الوصول إلى نقطة تلاقي إنسانية غامرة. لكن دائماً تبدو المحاولة مبتورة بهواجس الماضي وصعوبة التواصل والبوح، وكذلك مصاعب الحياة اليومية. أليس (جولييت بينوش مُـدهشة كما في كل فيلم تقريباً) أمرأة، في الثلاثينات من عمرها، تلعب الكمان لكنها مُـصابة بإحباط عدم قدرتها على الحصول على عمل يؤهلها للتفرغ للعزف الإبداعي بدلاً من اللعب ليلياً مع فريق من الموسيقيين في هذا المطعم أو حفلة العرس تلك. مارتان شاب في العشرينات مسكون بالماضي القمعي المُضطرب لوالده الطاغية وعائلته (سوفانياك) الثرية. مارتان هو الإبن الغير شرعي لهذه العائلة من علاقة عابرة بين كبير عائلة سوفانياك وأمرأة عادية تدير صالوناً لتصفيف شعر السيدات.
يروي تيشينه الحكاية بسياق زمني غير متتالي، لكنه لا يُبالغ في العبث بتركيب الزمن في الفيلم. فهو لا يريد أن يطغى الأسلوب البصري والسينمائي على البحث العميق في روح مارتان المُضطربة والتي تجعل العلاقة مع أليس دائماً على حافة الإنهيار. يُخصص تيشينه الدقائق الأولى من الفيلم لحياة مارتان وهو طفل ليؤسس الخلفية النفسية والمعرفية لحالة مارتان. ثم فجأة وبمونتاج حاد نرى مارتان يندفع مهرولاً من بيت والده. بعدها يبدأ الغوص في كوابيس مارتان الداخلية التي سيعيدنا من خلالها تيشينه مُجدداً إلى اللحظة التي سبقت ذلك المونتاج الحاد.
"أليس ومارتان" ليس عن علاقة الحب بين رجل وأمراة تكبره بعشرة سنوات. هو عن الذاكرة والفقدان والموت. عن ذلك الشرخ الكبير الذي يخلقه الماضي المُضطرب فينا. عن عدم قدرتنا على تجاوز عتبات روحنا المأسورة بعجزها عن النسيان.
أسلوب تيشينه يرتفع عالياً فوق العاطفية المُبتذلة وسهولة التسطيح. هو ليس فيلماً صعباً، أبداً. لكنه لا يريد أن يكون مُجَرّد قصة حُبّ تتوسل التعاطف وبعضاً من الدمع.
ما يمكن أن تلاحظه من المشاهدة الأولى (ربما ستلتقط المزيد في المشاهدة الثانية) هو طريقة بنيان الفيلم. فالسيناريو يذهب دون ثرثرة إلى تكوين صورة الماضي ثم يعود بسرعة إلى الحاضر ليدخل في دراسة أثر ذلك الماضي على مارتان وعلاقته مع محيطه، من عائلته إلى أليس. كل ذلك يساعد على تحقيقه مونتاج (مارتين جيوردانو) ذكي، لمّـاح ورشيق. فالقطع بين مشهد وما يليه يترك لك مسافة زمنية لتملأها بخيالك كمشاهد. أما ضمن المشهد الواحد فالكاميرا تلتقط الوجوه والحالات والمشاعر في فواصل سريعة تكاد لا تلحظها ودون أن تؤثر على سياق المشهد أو تأثيره.
يستند تيشينه في دراسته النفسية في "أليس ومارتان" على أداء خلاب، هادئ، شديد الرهافة من جولييت بينوش. أما في دور مارتان فـ أليكسيس لوريه هو إكتشاف تيشينه الذي أعطاه دوراً واسعاً في أول ظهور له. ثم عاد وأداره في غير عمل كان آخرها "أن تبلغ السابعة عشر" (2016) والذي لقي ترحيباً نقدياً في دورة مهرجان برلين السادسة والستين.
The Age of Shadows
عصر الظلال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد: محمد رُضــا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكشن رفيع المستوى مع لمسات نوارية
• إخراج: كيم جي- وون
• أكشن/ فيلم نوار [مغامرات، العشرينات] | كوريا الجنوبية - 2016
• تقييم: ★★★★★
|*| في السنوات العشر الأخيرة تكاثرت عدد الأفلام الكورية والصينية التي تتناول موضوع احتلال اليابان لأراضيهما خلال الحرب العالمية الثانية. هذا الفيلم يعود لما قبل تلك الحرب ليصوّر فترة احتلال أخرى، من ناحية، وليدمج الموضوع بحبكة جاسوسية مثيرة كحكاية ومثيرة كأحداث.
من مطلعه وحتى نهايته بعد 140 دقيقة، يوفر الفيلم ضروباً جديدة في فن تصميم حركات القتال ويكشف عن حقائق حول عشرينات القرن الماضي لم يكن يعرفها سوى من لا يزال حياً من أهل البلدين أو من دوّنها في سجلات ووثائق. لكن هذه الحقائق لا ترد هنا كدليل الهاتف، بل تستفيد من رغبة المخرج كيم جي- وون، العائد إلى الإخراج بعد ثلاث سنوات من الغياب، إنجاز شروط الفيلم التشويقي والحركي القائم على المغامرة الجاسوسية.
يبدأ الفيلم بمحاصرة رجل أسمه جان-أوك (بارك هي سون) مطلوب من البوليس الياباني كونه أحد قادة المقاومين الكوريين ضد الإحتلال. لنحو خمس دقائق، نتابع الرجل وهو ينفذ من فخ ليدخل آخر ثم ينطلق هارباً فوق أسطح المنازل وفي الأزقة عبر سلسلة من التصاميم الإخراجية المتسارعة واللافتة. في النهاية يصاب جان-أوك في أصبع قدمه فيزيل أصبعه ثم يطلق النار على نفسه منتحراً.
من البداية إذاً، هناك ذلك التناقض بين الممكن والمحتمل وبين المحتمل والغريب، لكن الفيلم يوظف كل ذلك في طيات بحثه عن الجديد والمثير ولا يأبه لتفسير منطقي بقدر ما يهتم بتوريد مشهد غريب أو غير متوقع. حسب الفيلم أيضاً فإنه من حقائق التاريخ أن تجار السلاح آنذاك كانوا مجريين وأنهم كانوا يمدون الثوار الكوربيين بما يرغبونه من سلاح لقاء ما يطلبونه هم من ثمن. مهمّـة الكابتن جونك-سكول (سونغ كانغ-هو) هي القضاء على هذه التجارة وإلقاء القبض على الثوار الكوريين. مهمّـة صعبة لوجهتين: الأولى أن عليها أن تكون صعبة لكي يوفر الفيلم فصولاً من التشويق والحركة، والثانية لأن الكابتن جونك-سكول هو كوري بدوره ولو أنه اختار التعاون مع القيادة اليابانية.
لا يوفر المخرج جيم-وون سبيلاً لتقديم أحداث مثيرة الا وعمد إليها. هناك مشاهد مطاردات ومشاهد تحريات ومشاهد درامية من المواجهات. هناك مطاردات على الأرض وفوق السطوح وفي القطارات. والعنف ليس بعيد المنال بالنسبة لهذا الفيلم ولو أنه لا يثيز الإنزعاج بقدر ما يثير غرابة الموقف.
كل هذا ضمن إنتاج يضمن مشاهد لا تحصى منضبطة تحت قبضة مخرج يعرف ما يريد وكيف يصل إليه. وفي وقت تزداد نجاحات الأفلام الكورية تجارياً حول العالم (تم عرض هذا الفيلم سينمائياً في صالات الولايات المتحدة) فإن «عصر الأشباح» هو خير دعاية لها ومن أكثرها إثارة للشغف.
Manchester By the Sea
مانشستر على البحر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد: محمد رُضــا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن الأشياء المعطلة بالجملة في حياة رجل محبط
• إخراج: كنيث لونرغن
• دراما إجتماعية | الولايات المتحدة - 2017
• تقييم: ★★★★★
|*| يستخدم الكاتب والمخرج كنيث لونرغن المشاهد الإسترجاعية (فلاشباكس) على نحو متحرر من التقليد. ليس أنه يبتكر في عملية استخدام هذه المشاهد أي جديد أو يمنحها وظيفة فعلية مختلفة تماماً عن وظيفتها المعهودة، لكنه يعمد إليها مراراً وتكراراً من دون أن تتسبب في خروج الفيلم عن سكة حديده. لا تحيد به ولا تضيع الحاضر أو تختصره أو تطيح به. في الواقع تفيده من حيث من النادر أن تجد في هذا الإستخدام أكثر من ورقة تنويع.
بطله هو لي (كايسي أفلك الفائز بأوسكار أفضل ممثل) الذي نراه من مطلع الفيلم في «فلاشباك»، ثم ننتقل إلى حاضره حيث يعمل في أشغال التصليحات المنزلية: هذا أنبوب معطل وذاك مرحاض مسدود وهناك ثلج عليه أن يزيله من أمام منزل. وهو في كل هذه الحالات شخص لا تتوفر لديه لا الرغبة في التواصل مع الآخرين ولا الطريقة لذلك لو أراد. ندرك من مشاهد استرجاعية أخرى بأنه فقد ثقة زوجته (ميشيل وليامز). غيرت رأيها به وتركته. ولاحقاً فقد شقيقه جو (كايل شاندلر) الذي مات على سرير المرض ليكتشف لي أنه ترك له بعض المال وإبنه المراهق لكي يتولى رعايته.
المفاجأة تزيده شعوراً بالكآبة والإحباط. يخبر المحامي بأنه ليس أهلاً لذلك، لكنه يجرب رغم إدراكه أنه لن ينجح وإن الفشل واقع لا ريب. إبن أخيه (لوكاس هدجز) لا يساعده كثيراً في هذا الشأن. يأخذ عليه عيوباً وينقده كثيراً ويرفض أن يعود معه إلى مدينة بوسطن التي يعيش لي فيها إذ أن بلدة مانشستر البحرية ما هي إلا المكان الذي أراد لي زيارته لأسبوع يسوّي فيها هذه المشاكل ويعود.
ليس فقط أن هذه الإرادة تتعطل بوضوح وأن الكثير من رغبات لي لا تتحقق. «مانشستر على البحر» هو فيلم عن أشياء معطلة بالجملة في حياة هذه الشخصية وفي حياة بعض الشخصيات المحيطة به. هناك نقد لإبن أخ لي الذي لا يستطيع أن يشعر بالحب الحقيقي لأنه ما زال بكراً لكنه يستطيع التباهي بأنه على علاقة بفتاتين معا. أم واحدة منهما تعيش وحيدة وتتوخى أن تجد لي رفيقاً لها. هناك نظرة على إحدى الفتاتين وكيف تقضي وإبن الأخ وقتها في الغناء. تنصت للكلمات الفارغة وتستمع للموسيقا التي لا معنى لها. هذا ليس رأيك فقط، بل حقيقة يود المخرج لونرغن (في ثالث أفلامه) إيصالها إليك.
أما تلك المشاهد التي يعود بها إلى الوراء ليسرد خلفية حياة بطله، فيختارها لونرغن بلا مميزات. لا يكتب على الشاشة "ستة سنوات سابقة» ولا «قبل شهرين» أو «ثلاثة». لا يحدد الزمان ولا المكان بل يدمجهما معا في الحاضر. في البداية يدهمك ذلك لأنه سيتطلب منك أن تفكر أكثر مما يجب. لكن بعد قليل ترتاح للمحاولة مدركاً الغاية منها ومعتاداً على ما تضيفه من ثراء للدراما التي يسردها الفيلم ولو مع بعض التطويل في نصفه الثاني.
Arrival
وصول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد: مهند النابلسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغرباء الذين حطّـوا على كوكب لا يفهمهم
• إخراج: دنيس فيلينييف
• خيال علمي | الولايات المتحدة- 2016
• تقييم: ★★★★★
|*| انه فيلم الخيال العلمي الجديد للكندي- الفرنسي دينيس فيلينوف، من كتابة أريك هايسدر، إستنادا لقصة قصيرة بعنوان «قصة حياتك»، من كتابة تيد شيانغ، ومن تمثيل آمي آدامز، جيرمي رَنر وفورست ويتاكر، وقد تم افتتاح الفيلم في مهرجان فينيسيا الدولي...مدح النقاد الفيلم لسياق قصته الغريبة وأجواءه الشيقة، وكذلك أثنى معظمهم على أداء آمي آدامز، وحقق الفيلم 197 مليون دولار من العروض الأميركية والعالمية.
يبدأ الفيلم مع عالمة اللغات لويزا بانكس (أدامز) وقصة حياتها الحزينة مع ابنتها التي ماتت صغيرة بسبب نوع نادر من السرطان.
تهاجم كوكب الأرض بشكل متزامن 12 سفينة فضائية غامضة ضخمة تشبه العدسات اللاصقة، ويطلب منها الكولونيل فيبر (ويتيكر) بأن تنضم لفريق متخصص لبحث أسباب وصول هذه المراكب الفضائية للأرض، ويصاحبها في مهمتها عالم الفيزياء الكونية ايان دونلي (رَنر). ويحدث أن يدخل العالمان للمركبة كل ثمان ساعات عندما تفتح دوريا من خلال مصعد خاص، وعندئذ تتواجه لويزا مع رفيقها الفيزيائي مع كائنين فضائيين ضخمين بسبعة اطراف كالسحالي وتسمى هيتابودز، ويسميهم ايان آبوت وكوستيلو...ثم تكتشف لويزا ان الغرباء يستخدمون لغة مكتوبة ذات رموز دائرية معقدة، وتحاول جهدها لتعلم الرموز المرتبطة بمفرداتهم البدائية بغرض التواصل، ونلاحظ أنها كلما توغلت اكثر في معرفة أسرار لغتهم الدائرية الغريبة، تداهمها تخيلات حلمية تتعلق بحياتها وذكرياتها القصيرة الحزينة مع ابنتها الصغيرة المتوفاة.
تحاول لويزا التواصل مع المخلوقات ومعرفة سبب قدومها، فيجيبون بأنهم يحتاجون لأسلحة. هذا يدفع ببعض الدول لاستنفار قواتها العسكرية بعدما شعروا بتهديد المخلوقات لها، ويسعى الأميركيون للحذو بالمثل بينما تصر العالمة على التواصل معها ويسحرها قدرة تلك المخلوقات على محاولة التواصل بدورها. لكن القيادة الأميركية تقرر زرع متفجرات قبل أن تكتشف أن العالمة وزميلها موجودان بالقرب من المركبة التي يتم التواصل مع مخلوقاتها. عند هذه اللحظة تقرر المخلوقات التوقف عن التواصل وتغادر الأرض.
يطرح الفيلم الشيق والاستثنائي عدة اسئلة: هل هم علماء ام سياح ام غزاة أذكياء؟ وما مدى صدقهم؟ ثم التميز بتصميم السفينة الفضائية البيضوية التي تشبه العدسات اللاصقة. انه تشويق فضائي بلا معارك ومطاردات ساخنة، وبدا هذا الفيلم وكأنه لا يتحدث فقط عن هذه الكائنات الفضائية الغريبة، بقدر ما يتحدث عن سحر التواصل البشري وأهميته لفهم عالمنا المضطرب.
لقد انغمست د. بانكس لتعلم لغة الغرباء ليس لمعرفة ما يقصدون فقط وانما لمعرفة ذواتنا ودهاليز هواجسنا كبشر تائهين، أسهب هذا الشريط في توضيح قيمة المعرفة ودفء الاتصال وحيوية التواصل البشري، وبدا وكأنه برنامج تعليمي حول اهمية الانصات والتعلم والصبر والحلم والسيطرة على ردود الأفعال، كما شرح العلاقات الهشة بين الدول وضعف التنسيق وهيمنة سوء الفهم والشكوك والعدوانية التي ما زالت سائدة في السياسة الدولية، مما يصعب من خلق اجواء الثقة وحل المشكلات، وطرح الفيلم سؤالا محوريا ملحا حول وجودنا كبشر: فهل نفتقد كبشر مجتمعين لرؤيا استراتيجية طويلة الأمد لانقاذ كوكب الأرض؟! وفي الخلاصة فهذا فيلم مناهض للحروب والكراهية والنزاعات، ويحمل في طياته رسائل مجازية حول اهمية التفاهم وحسن النوايا والسلام.
أظهرت الممثلة آمي آدامس تألقا بانغماسها التقمصي، وتفهمت تعقيدات وهواجس شخصية البطلة عالمة اللغات المكتئبة التي تعاني من حزن فقدانها لابنتها الصغيرة الوحيدة، وبدت خائفة ومعجبة في آن من هذه الكائنات الفضائية الفريدة، وواجهت التحديات بشجاعة وحماس وشغف، وبدت حقا وكأنها الممثلة الأكثر ملائمة لهذا الدور الصعب المتداخل ببعده الظاهري والنفسي والتفاعلي...وبدا الشريط متماثلا ومكملا لأفلام خيال علمي لافتة مثل: لقاءآت قريبة من النوع الثالث لسبيلبيرغ، كما تماثل لحد ما مع اداء جودي فوستر وساندرا بولاك في فيلمي Contact («إتصال»، 1997) وGravity («جاذبية»، 2013)، وتكامل ضمنيا مع أفلام «2001: أوديسا الفضاء» و«سولاريس»، وأبدع المخرج وكاتب السيناريو وواضع الموسيقى التصويرية الصادحة التي اتسمت بالحنين والروحانية يوهان جوهانسون مستعيداً بعض مكونات موسيقى براهامس ببعدها الرومانسي الآخاذ، ناهيك عن روعة المؤثرات الخاصة التي وضعتنا في اجواء واقعية جذابة وشيقة بعيدا عن ضجيج وصخب النمطالهوليوودي الدراج في مثل هذه الأفلام، كما بدت نهاية الفيلم ميتافيزيائية كشريط Installer («بين النجوم»، 2015) لكريستوفر نولان. باختصار فهذا الفيلم هو تحفة سينمائية أنيقة وساحرة يصعب نسيانها.
روحي
Go Home
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد: محمد رُضــا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ندى تعود للماضي لكي تتصالح مع الحاضر ومع نفسها
• إخراج: جيهان شعيب
• دراما إجتماعية | لبنان- 2016
• تقييم: ★★★★★
|*| يسبق الصوت الصورة. صوت عجلات الحقيبة التي تجرها بطلة الفيلم، ندى (غولشفتة فرحاني) وراءها قبل أن نراها على طريق جبلي. شاحنة تمر بجانبها وتطلق بوقاً. ثم هاهي الفتاة الشابة تنظر إلى الفيللا التي تقصدها شابكة يديها ربما كما كانت تفعل حين كانت صغيرة.
«روحي» هو نوع من الأفلام أنتجت مثله السينما اللبنانية العديد. ذلك النوع الذي يبحث في الحرب اللبنانية وتبعاتها على الشخوص الحاضرة. لكنه يختلف في معالجته الحانية والدقيقة لما يتفاعل في شخصيته الرئيسة من عواطف. المخرجة جيهان شعيب تنتقل من الفيلم القصير إلى الفيلم الروائي الطويل بجدارة. تضع بطلتها في محوره وتجعل الجميع بمن فيهم المشاهدين، يدورون حولها. لقد عادت بعد غربة طويلة. تركت لبنان صغيرة وعادت شابة تجر تلك الحقيبة الصغيرة لتجد بيت الأهل في قرية قرب مدينة "عاليه" خاو ومهجور. تدخله كما لو كانت تدخل أتون متحف عابق ومهجور. سيكون هذا البيت الكبير، بتصميمه العمراني القديم، محطتها إذ لن تتركه رغم محيطها الرافض لها ورغم ما يكتنفها من اسئلة حول ماضي أسرتها وموقف أهل «الضيعة» منها. في النهاية تقرأ "نحبك يا لبنان". عبارة لا تسعى لتسجيل هدف وطني بل لتحديد قرارها بالبقاء.
لا يتأخر الفيلم في فتح النافذة على الماضي. مقابلة ندى لعمتها نور قد تزيد موقفها غموضاً، لكنها تزيدها رغبة في المعرفة. الفعل الأول إزالة الهجر من البيت. هاهي تنطلق لتنظيفه وعلى شريط الصوت صوتها وهي صغيرة تغني وموسيقا ذات وتيرة حادة تعكس ما تمر به ندى في ذلك الحين. حين تغفو تزورها ندى الصغيرة التي تعيش داخلها وهي زيارة ستتكرر بفعل فني هو أكثر من فلاشباك. لعله مشاركة وجدانية تربط بين نصفي ندى الصغير والكبير.
Go Home كتب أحدهم على جدار غرفتها. الأجواء الليلية وعنصر الحلم والموسيقا تشترك في رصف ما يشبه عالم أفلام الرعب للحظة، لكن الفيلم لا يتجه إلى هذا الحل ولا هو معني. ستدرك ندى أنها كانت على خطأ عندما اعتقدت أن جدّها الذي جاءت تبحث عنه، أو تقف عند رفاته، هو الضحية. عمّـتها نور أخبرتها، قبل وفاتها (مشهد جيد آخر ذاك الذي نرى فيه ندى الصغيرة إلى جانب المرأة الراقدة على السرير قبل أن تتقدم ندى اليوم إلى السرير ذاته لتقف عنده)، أن الجيران قتلوه. لا تفصح من هم الجيران (دروز؟ مسيحيون آخرون؟) لكنها توعز بأن جدّها مات قتلاً. لاحقاً ستتذكر وستكتشف أن القتل كان مزدوج الإتجاه. جدها له نصيبه من قتل «الجيران». ستمضي، وقد انضم إليها شقيقها سمير (أو سام كما سمّـى نفسه)، في سعيها لمعرفة الحقيقة وستنتقل وشقيقها (ماكسميليان سيورين) إلى الجنوب بعدما تأكدا أنه مات هناك.
هنا تبرز هنات الفيلم الوحيدة: السعي لقول أشياء من دون تحديد. طبعاً لا ينوي الفيلم تسمية «الآخر» وحسناً فعل أنه نقد الذات بلا تردد، لكن هذا يترك بعض الخيوط بلا ربط. مثلاً، نعلم أن الأب رفض أن يكون كأبيه وغادر لكن هذا العلم يجعل سعي الحفيدة لنبش الماضي أغرب مما يجب أن يكون خصوصاً وأن والدها ما زال يعيش في باريس. ولا يوجد توضيح لماذا ترك الجد جوار عاليه إلى الجنوب اللبناني؟ هل الجنوب أكثر أمناً (كان هناك نزوح مسيحي من الجنوب أيضاً)؟ ويترك السيناريو فرصة ضم الفريق الآخر إلى الواجهة عندما يختار أن يجعل الفتى الذي تتعرّف ندى عليه من قومها عوض أن يكون من «الجيران». لو فعلت لحمل وجوده معنى أعمق بكثير مما يأتي به الفيلم. ثم هل القرية، حيث تقع الأحداث، مسلمة بينما ندى وزبائن المقهى مسيحيون؟ عاليه، بالجوهر وخلال الحرب وقبلها، كانت بلدة درزية والدروز لا يؤمون المساجد أو يتلون منها القرآن الكريم لكن صوت الشيخ وهو يقرأه مسموع في أكثر من مشهد. لماذا؟
تشكيل الصورة في كل ما سبق جيّـد. الإضاءة. العتمة. الوقت من النهار. المشاهد الداخلية معنى بها كاللوحات والخارجية معنية بالمكان. سرد الحكاية، لولا هنات السيناريو، متكامل وعلى وتيرة فنية واحدة. الكاميرا عندما تأتي محمولة لا تفرض وجودها بكثير من الهز. سعي المخرجة لكي تعبّـر الصورة عما لا تنطق به الكلمات رائع.
وصول شقيقها سام إلى البلدة يخفف من عبء وحدتها ويخفف عن الفيلم عبء الإعتناء بها وحدها. إختارته المخرجة شاباً وسيماً مع نظرة تائهة بعض الشيء تناسب مشاهده الأولى وليس كل مشاهده بعد ذلك. غولشفته تتشرب الدور بأكمله. عيناها تنطقان. تنظر إلى شقيقها وهي تجلس بجانبه وقد قال شيئاً. تنظر إلى الأمام كما نفعل حين نفكر. ثم تعود بعينيها تلقيهما عليه. لا تقل شيئاً. ينتهي المشهد بكل التعابير الصحيحة.
Fences
سياجات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد: محمد رُضــا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بنى تروي سياجات ضد العالم فحبس نفسه
• إخراج: دنزل واشنطن
• دراما إجتماعية [إقتباس لمسرحية] | الولايات المتحدة- 2017
• تقييم: ★★★★★
|*| اللقطة التي يفتتح بها المخرج- الممثل دنزل واشنطن هذا الفيلم علوية لشاحنة الزبالة وهي تمر تحت الكاميرا في أحد الشوارع الضيّـقة. على جانبي الشاحنة من الخلف يقف رجلان واحد أسمه تروي (يؤديه واشنطن) والآخر جيم (ستيفن هندرسن). كلاهما أفرو-أميركيين ولو أن جيم فاتح البشرة. الشاحنة تمر في الشوارع بينما جيم يتولى الحديث بصوت عال فوق الضجيج: "ألم تسأل نفسك كيف حدث أن سائقي شاحنات الزبالة دوماً من البيض، بينما نحن السود نعمل في جمع الزبالة؟". يعترف جيم بأنه لم يسأل نفسه هذا السؤال، لكن تروي لا يسكت. من هذا المشهد الأول يقرر الفيلم أن ما يتفاعل في صدر تروي هو غضب عميق. لاحقاً سنراه متمثلاً في نواح أخرى من الحياة.
تروي ولد في الثلاثينات (الأحداث تقع في الخمسينات) والتغيير الإجتماعي مقبل في الستينات. لكن تروي ليس متفائلاً. إنه ناقم على أنه وُلد قبل حدوث هذه المتغيرات الموعودة. عاش حياة صعبة وعانى فيها من العنصرية المباشرة. الآن هو متزوّج ولديه ولدين ومنزل يدفع ثمنه كل شهر. يريد أن يؤكد، من المشهد الثاني وما بعد، إنه سيد هذا الحيّـز من الوجود. سيد البيت ورجله وهو يؤكد ذلك حتى حين يداعب زوجته (ڤيولا ديڤيز).
فوق ذلك، هو حريص على بناء ذلك السياج حول منزله و-على نحو غير مباشر- حول نفسه. ينتظر من ولديه التواجد داخل السياج الذي سيفصلهما عن العالم الخارجي كما يحب تروي فصل نفسه. لكن ولديه ليسا في وارد العيش بمقتضى تلك المفاهيم. إنه اختلاف الأجيال والثقافات. أحد الولدين (أكبرهما سناً) يريد أن يعزف الجاز، بينما والده لا يرى له مستقبلاً في ذلك. الآخر، من إمرأة أخرى، لا يريد الإعتراف بسلطة أبيه فيطرده هذا من البيت فيلجأ إلى الإنضمام الى البحرية.
كل هذا وسواه مقتبس عن مسرحية بالإسم نفسه لأوغست ولسون. لم أشاهدها لكنها توفرت قبل عامين على الإنترنت وقرأت أجزاءاً منها. هذه الأجزاء (تحديداً المشاهد الأولى داخل البيت وما بعد ثم المشهد الأخير في الموقع نفسه) تعود للذاكرة سريعاً حالما ينقلنا دنزل واشنطن إلى الموقع الرئيسي للفيلم. صحيح أنه يحاول كسر الشروط المسرحية بالخروج من البيت أحياناً إلى مواقع أخرى (كما في مطلع الفيلم وكما في مشهد يقع في حانة) إلا أنه واشنطن ليس في وارد تمييع المسرحية شكلاً حتى لا يضر بها وبأمانة نقلها إلى الشاشة.
يؤمن واشنطن تمثيلاً من باب أول من الجميع خصوصاً من ڤيولا ديڤيز (نالت أوسكار أفضل ممثلة مساندة عنه) التي كانت لعبت دور الزوجة أيضاً في المسرحية. في الواقع، الفيلم من الأمانة بحيث أنه في النهاية يبدو مسرحية مصوّرة أكثر منه فيلماً مقتبساً عن مسرحية.
____________________________________________________________
©
كل الحقوق محفوظة للمؤلف بحكم قانون الملكية البريطانية
All rights are reserved by Mohammed Rouda
____________________________________________________________
0 comments:
Post a Comment