ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ستار ترك | ساحة برلين | عمارة يعقوبيان | إليشا كوك يدفع الثمن
إخراج: فورد بيب وكليفورد سميث
مسلسل في 13 حلقة- إنتاج: يونيفرسال 1936
في مدينة في منغوليا. استعراض لإحتفال ديني
في الشارع. داخل المعبد تُحاك مؤامرة لمنع وصول
الطائرات الغربية بتدميرها٠
يتم التدمير بإحداث صعق كهربائي للطيار ومساعده
يؤدي الي تغييبهما عن الوعي لفترة كافية لتهاوي الطائرة
بمن عليها٠بعد سقوط عدد من الطائرات وانتشار الذعر بين
الركاب يتم انتداب عميل الحكومة الأميركية آيس دراموند
(جون كينغ) على متن طائرة مدنية. ركّاب الطائرة قلقون. آيس
يغنّي لتهدئتهم٠إحدى هذه الطائرات يستقلّها عميل الحكومة الأميركية
بعد تعرّض الملاح ومساعده لصعقة يستلم آيس قيادة
الطائرة. حين يفيق الملاح من غيبوبته يترك آيس القيادة
ويهبط بالمظلة في حقل هبطت فيه طائرة غريبة كانت
تحوم حول الطائرة المنوي اسقاطها٠
قطع لإمرأة أميركية حبيسة في كوخ أسمها بَغي (جين روجرز) ٠
قطع لآيس يفحص الطائرة. يتقدّم منه أميركيين مسلحين حين
سماع صرخة المرأة تطلب النجدة يضرب أحدهما وينطلق
لمساعدتها. يواجه مواطنين صينيين يحاولون منعه. يضعها
في سيارة وينطلقان لكنه يعود بها الى الطائرة ويقلعان بها٠
عن طريق مراوح تستخدم لإيصال الصوت يَصدر
الزعيم الصيني (رئيس العصابة) المسمّى بالتنين/ دراجون
أمره بتدمير الطائرة ومن فيها٠تفقد الطائرة توازنها٠آيس
داوموند: "ستهوي الطائرة وتتحطم"٠الطائرة تهوى فوق قرية ٠٠٠٠
ترى كيف نجا آيس دراموند والمرأة من موت محتّم؟
البقية في العدد المقبل٠
يسلّيك، لكن عليك أن تغض الطــرف
عن أشياء مثل تلك الحفّارة الممتــدة
من عمق الفضاء الى الأرض٠
Mission Impossible 3
حسناته كمخرج أعلى من حسنات غيره من الذين امتهنوا البزنس في هوليوود ولكنها بالتأكيد أقل من اولئك الذين امتهنوا الفن في البزنس٠
هذا الفيلم الحادي عشر من السلسلة العتيدة، التي انطلقت أيضاً من التلفزيون، مناسب جدّاً لأبرامز لأنه يفهم من ناحية تاريخ السلسلة ونوعية قصصها، وهذا الفهم يتيح له، من ناحية أخرى، الخروج من تلك النوعية صوب هامش آخر٠
للتوضيح، سلسلة »ستار ترك« هي في الأساس سلسلة من أفلام الخيال العلمي كتبها جين رودنبيري وعرفت أشكالاً مختلفة من الإنتاجات فهناك المسلسل الرئيسي ومسلسلات متفرّعة منها، وهناك الأفلام الحيّة وهناك ألعاب الفيديو ومسلسلات الكرتون التلفزيوني٠
ما يفعله أبرامز هنا هو تحييد الفيلم الجديد عن ناصية جين روتنبيري، الذي كان كثيراً ما يستغل القصص ليتعرض للدين والسياسة، وتقريبها من ناصية أفلام الأكشن الفضائي كما الحال، مثلاً، مع السلسلة المنافسة »ستار وورز«٠
لكي يفعل ذلك، فإن البديل هو التقليل من الفكر والإكثار من الحواس والبصريات ما يعني الإكثار من المعارك والمواقف التي يتم فيها تسجيل قرع الطبول ثم إدخاله الكومبيوتر ليحدث وقعاً صوتياً أعلى وأضخم٠ وفي غمار ذلك يطلب أبرامز من فيلمه إلقاء تحية الوداع للجمهور الراشد الذي كان اساسياً لتلك السلسلة من الأفلام وفتح الباب لمنتسبين جدد من المشاهدين٠
وهو يفعل ذلك بحنكة تنفيذية جيّدة على صعيد الحركة والتنفيذ التقني واصطياد مناسبات التشويق. لكن في هذا كله ضعفه أيضاً لأنه إذا ما نزعت هذه القشور عن القصّة، كما كتبها مباشرة للسينما الثنائي أليكس كورتزمن وروبرت أوركي فإن الفيلم هزيل بالفعل٠
دعونا نبدأ من البداية٠
الشخصيات الأساسية في »ستار ترك« هي للكابتن كيرك وفريقه ومنهم ماكوي وسكوت والمستر سبوك ومستر سولو ومستر تشيخوف الخ...٠
وفي الفيلم الجديد لا اختلافا كبيراً في هذا الوضع، لكن عوض أن يضعنا الفيلم في أتون موضوع قائم على حالة آنية تستدعي المعالجة، ما يعني صداماً بين الأخيار والأشرار وما يعني هجمات من هذا الطرف او ذاك وطرح لقضايا حول النشأة على الأرض وفي الفضاء، فإن البديل هو العودة الى ما قبل المغامرة الأولى٠
مؤخراً انتشرت هذه الحكايات التي تريد أن تعود الى الوراء. الى ما قبل القصّة الأولى. "هالووين" فعلها، »باتمان يبدأ« فعلها، ذلك الفيلم السخيف »وولفرين« فعلها، وها هو »ستار ترك« يفعلها (وقبل كل هذه الأفلام فعلها »ستار وورز« مطلقاً ثلاثية تقع أحداثها قبل الثلاثية التي أطلقها في الثمانينات)٠
إذ يتم اختيار هذا الرجوع الى الأمس، يفتح المخرج على معركة يخوضها والد الكابتن كيرك في موقعه في مركبة فضائية كبيرة، ضد مخلوقات بإسم رومولان تحتل كوكباً سابحاً في الفضاء من المعادن الحادة وبشكل يشبه شكل الأخطبوط كما نعرفه في افلام الناشونال جيوغرافي٠
هذه المخلوقات كانت هاجمت المركبة التي آلت قيادتها الى والد كيرك في الوقت ذاته التي وضعت فيه زوجته (تعيش معه بين عطارد والنبتون) طفلها. تناديه أن يغادر المركبة قبل فوات الأوان، لكنه يصر على إطلاق سفن النجاة خارج المركبة (وإحدى هذه السفن هي تلك التي وضعت فيها زوجته الطفل) ولكي يفعل ذلك ويؤمن سلامة طاقمه عليه أن يبقى وأن يضحي بحياته٠
نقلة الى كيرك الطفل وقد أصبح صبيّاً يقود سيّارة حمراء على سطح الأرض ويطارده بوليس يستخدم موتوسيكلاً طائراً. لكن ما استوقفني -ونحن والفيلم في القرن الثالث والعشرين على الأقل، أن السيارة من سبعينات القرن الماضي (العشرين)٠ صحيح؟ يريد أن يخبرني الفيلم أن أحداً احتفظ بالسيارة لثلاثمائة سنة او يزيد؟
لكني تركت هذه المفارقة تعدو لأن الصبي الذي ترك السيارة تهوي من رأس جبل الى قعر الوادي (نعم في ذلك التاريخ لاقت السيارة وبعد ثلاثمائة سنة من العمر حتفها!!!) انقلب في المشهد التالي الى شاب مفعم بالحركة (كريس باين) يجلس في الحانات (لا زالت كما هي اليوم) ويتسبب في معارك يدوية يضرب فيها ويُضرب ... هذا الى حين يتقدم منه الكابتن بايك (بروس غرينوود) طالباً منه أن ينضم الى سلاح الجو الفدرالي ويصبح ملاحاً فضائياً ليواصل بطولة أبيه: هو صاحب مشاكل، سكير ولا يبدو أنه يتمتع بأي مواصفات عسكرية او نفسية او رياضية خاصّة لكن ذلك لا يمنع من الطلب منه أن ينضم الى المركبة الأسطورية٠
عبارة يقولها الكابتن بايك تؤثر في كيرك وهي: "والدك في ثمانية عشر دقيقة أنقذ حياة مئات الأشخاص. ماذا تستطيع أن تفعل أنت؟"٠
لا شيء كثير كما سنرى٠
في اليوم التالي يصل الى القاعدة وسريعاً ما يدخل في عراك فتقرر لجنة يقودها أفرو أميركي (الوحيد في الفيلم الذي لديه ما ينطق به) بأنه لا يصلح لصعود المركبة في رحلتها المقبلة. لكن ومع مساعدة من صديقه الطبيب يتسلل الى المركبة وتطير ويفاجأ به بايك. من بين الركّاب سبوك، وسبوك (زاكاري بينتو) نصفه آدمي ونصفه مخلوق من الفضاء كما يذكّرنا الفيلم في مشاهد استرجاعية خاصّة به. وسبوك وكيرك سيتواجهان في مشادّات متعددة قبل وبعد أن يعيّن بايك سبوك لقيادة المركبة علماً بأن سبايك الذي خسر والدته وستة بلايين مخلوق من قومه فوق كوكب إثر هجوم قوم الرومولان، لا يستطيع اتخاذ قرارات صائبة لأنه متأثر عاطفياً٠ كثير من الأخذ والرد بين شخصيّتين يبدوان لي لا تصلحان معاً لاتخاذ أي من قرار، لكن سبوك يعترف لاحقاً بأنه لا يصلح ما يمنح كيرك المجال لقيادة المركبة والمهمّة الأولى إنقاذ الكابتن بايك الذي خطفه الرومولان ليزرعوا في رأسه حشرة تأكل المخ ولإنقاذ الأرض من الدمار الذي كان سبق وأحاق بالكوكب الذي جاء منه سبوك٠
المركبة الشريرة التي يديرها الرومولان لديها على ما يبدو آلة حفر طولها قريب من المسافة بين الأرض والقمر٠ هذه الآلة التي تبدو مؤلّفة من ملايين القطع الحديدية في خيط طويل من الصلب تصل الى الكوكب وتنخر فيه فينهار الكوكب على بعضه البعض قبل أن يتلاشى. لم أفهم ما السبب الذي يريدون نخر سطح الأرض، لكن لابد له علاقة بأقدم حجّة في التاريخ: السيطرة على الفضاء٠
هنا، كان لابد لي أن أتساءل -وأتساءل بسرعة حتى لا أغفل عن شيء- كيف تم لتلك المخلوقات التي تبدو بشرية على أي حال، رغم اختلاف ملامحها، بناء مثل هذه الآلة٠ هل بنوها وهم طائرون او حطّوا على كوكب تبلغ مساحته المسافة بين الأرض والقمر وما بعد فبنوها على سطح ذلك الكوكب قبل أن يرفعوها٠ ثم من بنى تلك المركبة التي يستخدمون٠٠٠٠ أعلم أن الجواب الجاهز هو »لكن هذا هو خيال« لكن هذا لا يعني أن أقبل بخزعبلاته. الخيال يجب أن يكون مسؤولاً. هنا أقبل بأن المستقبل الفضائي سيشهد حركة نشطة بين الكواكب وربما تم الإنتقال من مكان الى آخر بمجرد الوقوف في غرفة إشعاعية ما، لكن شيء كالذي ذكرته لا عذر فيه٠
كذلك لا عذر أن المركبة الشريرة أفضل تجهيزاً وقوّة من مركبة البطل وصحبه لكن النهاية معروفة. بين ديفيد وغوليات الغلبة لديفيد٠
الذي يرتكبه الفيلم هنا هو الرجوع الى أصل نشأة شخصيّتيه الرئيسيّتين سبوك وكيرك. الأول سيلتقي بنفسه في نقلة زمنية لم أر لها ضرورة سوى إعادة ليونارد نيموي (الذي دائماً ما لعب شخصية سبوك في الأفلام السابقة) وصراحة، بعد فيلم ديفيد فينشر الرائع والذي لم يقدر حق قدره
The Curious Case of Benjamin Button | القضية المثيرة للفضول لبنجامين باتون
لا يستطيع أحد أن يقدّم شخصية تلتقي بنفسها وقد أصبحت أصغر او أكبر بذات التأثير الذي في ذلك الفيلم المهم٠
سبوك الشاب يكتشف أن أمّه آدمية ووالده يقول له أنه أحبّها، لكن سبوك ووالده خسراها٠ كونها آدمية يترك سبوك الإبن كما لو كان يبحث عن هوية: هل هو آدمي؟ هل هو سبوكي؟ بالنسبة لكاتبي السيناريو ربما يعتقدان أن هذا إنجازهما الأول. الثاني هو أن كيرك لديه أيضاً مشكلة عائلية: لا ننسى أنه وُلد في اليوم الذي مات فيه أبوه٠
شيء من الاستسهال يسطو على هذا التناولات السهلة التي تعتقد أنها تعمّق الشخصيات، بينما هي في الحقيقة لا داعي لها في فيلم همّه الأول من يضرب من٠
هل الجمهور الداخل الى هذا الفيلم يكترث لماضي يتم سرده لنحو نصف زمن مدّة الفيلم (126 دقيقة)؟ لا أعتقد. لكنه ملء فراغ و-كما ذكرت- نوع من القشور التي إذا ما رميتها بدت القصّة هزيلة٠
CAST & CREDITS
DIRECTOR: J.J. Abrams
CAST: Chris Pine, Zachary Quinto, Leonard
Nimoy, Eric Bana, Bruce Greenwood, Kari
Urban, Zoe Saldana, Simon Pegg.
SCREENPLAY: Roberto Orci, Alex Kurtman
AUTHOR: Gene Roddenbery
CINEMATOGRAPHY: Dan Mindle ( 35mm- Color)
EDITING: Maryann Brandon, Mary Joe
Markey (140 min).
MUSIC: Michael Giacchino
PRODUCTION DESIGN: Scott Chambliss.
PRODUCERS: J.J. Abrams, Damon Lindelof.
PROD. COMP.: Paramount
USA- 2009
الحياة القصيرة، نسبياً، للمخرج الألماني راينر ڤرنر فاسبيندر، لم تمنعه من تحقيق 35 فيلم سينمائي في خمسة عشر سنة من مهنته. لجانب أكثر من عشر مسرحيات وبضعة تمثيليات إذاعية وعدد من الأفلام التي مثّلها وأكثر من 40 فيلم ظهر فيها ممثلاً٠
كل هذا من دون أن يحقق فيلماً رديئاً واحداً. هذا لا يعني أن أفلامه تتفاوت في حسناتها، لكنها لا تطأ أرضاً منخفضة فنيّاً. وكل هذا أيضاً من دون ذكر مسلسلين تلفزيونيين أشهرهما هو
Berlin Alexanderplatz
الذي قام بإخراجه سنة 1980 والمؤلّف من أربعة عشر حلقة تبلغ مدّتها الإجمالية 940 دقيقة (متوفّرة حالياً على أسطوانات)٠
سأستخدم كلمة فيلم لأصف كل هذه الحلقات مجتمعة. هو مقتبس عن رواية وضعها سنة 1921 المؤلف ألفرد دوبلين الذي ولد سنة 1878 ومات سنة 1957 وعُرف بأنه روائي يعمد الى أسلوب التجريب ورواية »ساحة برلين« أشهر ما كتب٠
تدور الرواية (والفيلم أيضاً وهناك فيلم سابق واحد عن ذات المصدر تم تحقيقه سنة 1931 من إخراج بييل جوتز) حول رجل عادي إسمه فريتز (لعبه غونتر لامبركت) خرج من السجن للتو بعدما أمضى فيه أربع سنوات بسبب قتله، غير المتعمّد، لعشيقته. في محاولته التأقلم مع الحياة من جديد يتعرّف على حياة القاع وشخصياتها ويعاشر عاهرة الى أن يقتلها رجل شرير كان استحوذ على آمال بطل الرواية في حياة أفضل إذا ما سمح لنفسه بالتعلّم منه والنزوح أكثر وأكثر الى الدرك الذي هو فيه٠
خروج فريتز من السجن، في عرف الرواية والفيلم، هو العقاب الحقيقي. ففريتز ليس مؤهلاً ليصعد درجات المجتمع، ليس في برلين العشرينات حيث -حسب وصف الفيلم- الفساد والأخلاقيات المعدومة والعالم الموحش للمدينة٠
لكن فريتز ليس مجرماً بالسليقة. لديه كبرياءه الخاص ورغبته في الوضع الإجتماعي والعاطفي الأفضل، لكنه غير قادر على إنجاز هذه الرغبات. ومحيطه من اللصوص والمجرمين الصغار والعاهررات هو العاكس للمدينة وهو، في كل الأحوال، الوجه الوحيد الذي يستطيع أن يتعامل وإياه. لقد حاول شق طريقه بأمانة وحب للآخر ورغبة في الحياة النبيلة، لكن مرّة تلو المرّة كان يجد نفسه وحيداً على محطّة خالية والقطارات لا تتوقّف عندها٠
في البداية يتعرّف على رينولد (غوتفرايد جون) رجل من الحضيض، مريض في النفس والبدن وفريتز يثيره كحالة يمكن تطويعها. إنه كما لو أن رينولد لا يستطيع أن يستمر في الحياة من دون أن يكون قاسياً على غيره. لكن إذا كان هذا مفهوماً، فإن ما ليس مفهوماً تماماً (ولو أن اللافهم هو مقصود بذاته) السبب الذي جعل رينولد يستجيب للوقوع تحت تأثير رينولد. الصداقة؟ الثقة؟ الغباء؟ أم الرغبة في تدمير الذات؟
في حين تألّفت رواية دوبلين من عدّة وجهات نظر (ما يذكّر بأعمال جيمس جويس التي يُقال أن دوبلين أعاد تأليف روايته هذه بعد قراءة »أوليسس« للكاتب الأميركي) عمد المخرج فاسبيندر الى التركيز على بطل الفيلم خالقاً منه نقطة الإهتمام الرئيسية هذا من دون أن يعني ذلك أن اقتباسه أقل أمانة من المصدر٠ ففي حين استخدم الكاتب مراجع مختلفة لوصف الحالة والحدث (عناوين صحف، تعليق صوتي عام وتعليق البطل على وضعه الخ...) نفذ المخرج الى استبعاد معظم هذه الروافد وقدّم الدراما بقيادة بطلها٠ رواية دوبلين تتحدّث عن فريتز والشخصيات الأخرى والمدينة بنفس المساواة تقريباً. نسخة فاسبيندر تضع فريتز في منتصف الحديث والباقي يأتي -كما الحال في أفلامه عادة- كتداعيات تلتقطها من خلال الشخصية والحركة والوضع العام لها٠ لكن فاسبيندر عمد الى فلاشباك يكرره بضع مرّات في ساعات الفيلم الخمسة عشر وهو ذاك الذي يتذكّر فيه فريتز كيف قتل عشيقته (قبل دخوله السجن) وذلك لتأكيد التأثير الذي تركه ذلك في نفسه وتقديم تبرير لحالته النفسية الحاضرة٠
أيضاً يعمد المخرج الى استخدام ما عادة يستخدمه من صور او انعكاسات الشخصية في المرآة. يجد في الصورة او في المرايا ابعاد الذهن لتذكر الحادثة او لقراءة النفس. وهذا يحدث في فيلم فاسبيندر منذ الساعة الأولى (من خروجه كما من حلقات الفيلم) حين يمر بدكان لبيع الجنس. ينظر الى الواجهة ويتخيّل٠ ولاحقاً حين يعود الى شقّته ويجد صوراُ فوتوغرافية له ولعشيقته الراحلة٠
أسلوب فاسبيندر العام لا يتغيّر. المسلسل التلفزيوني الذي أقدم فيه على سرد الحكاية في أربعة عشر حلقة هو ذاته الذي أقدم عليه حين أنجز أفلامه السينمائية المتراوحة بين الساعة والنصف والساعتين٠ تكثيف الصورة لتعكس شرائح نفسية وعاطفية. التصوير من وراء حجب لمنح الحضور الشخصي أبعاداً مرتبطة بالرغبة في إبقائه حالة محصورة (وفريتز لديه حالة اجتماعية بقدر ما هو حالة شخصية) مراقبة عن بعد. وهذا البعد ليس فقط بعد المخرج عن موضوعه من حيث عدم تعاطي فاسبيندر معالجات تعاطفية مباشرة، بل من حيث صياغته لفيلمه (أي فيلم) من زوايا المسرح (الذي مارسه) إنما عبر الصورة المركّبة لونا وإضاءة وحركة كاميرا وحركة ممثل٠ بذلك يضمن ذلك النوع من السرد الذي يقوم على فنين متكاملين بالإضافة الى الموضوع الروائي بذاته٠
في كل ذلك، يحرص فاسبيندر على استخدام الوسيط التلفزيوني لصالح العمل. لا شيء ممطوطاً ولا شيء بليداً. فاسبيندر يمنح كل حلقة ذات الروية والإمعان ويضمن للكاتب ورأيه وشخصياته الوجود الذي يستحقه٠ المسلسل التلفزيوني منح فاسبيندر حريّة العيش داخل الرواية من دون اضطراره لاختزالات٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمثيل: عادل إمام، يسرا، نور الشريف، هند صبري
دراما اجتماعية | مصري - 2006
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستند المخرج مروان حامد يستند الى السيناريو الضخم الذي كتبه والده، وحيد حامد، ويحترمه. عبره يؤسس لفيلم كلاسيكي مفقود في حمى السينما الشبابية المألوفة هذه الأيام. الفيلم بأسره يشبه كتلة ضخمة تحتل مكانها بقليل من التلاؤم مع جمهور العصر. لكن »عمارة يعقوبيان« كان لابد أن يفعل ذلك ومن دون تنازلات على أمل أن يعيد للسينما المصرية بريق تلك الأفلام الكبيرة التي درجت عليها في الستينات والسبعينات. وهو يلبّي الرغبة التي يكتنزها العديد منا في مشاهدة فيلم لا يعترف، أسلوبياً، بالنتوءات التي خرجت بها السينما المصرية في السنوات العشرين الأخيرة ليعيد هذه السينما الى المكانة التي تستحق.
يبدأ »عمارة يعقوبيان« بمشاهد تسجيلية بالأبيض والأسود تتحوّل الى الألوان وتسرد تاريخ العمارة التي بناها أرمني مهاجر الى مصر وكانت بمثابة إنجاز معماري سكني كبير في الأربعينات. ثم يخبرنا الفيلم ما آلت إليه العمارة من حين انتهاء عصر الملكية الى الناصرية ثم المرحلة التي تلتها وصولاً الى الآن حيث تبدأ أحداث القصة الروائية. وهذا تقريباً كل شيء نستلهمه من أمر العمارة باستثناء ما يصيح به زكي الدسوقي (عادل إمام) قرب نهاية الفيلم مترحّماً على الماضي بأسره ناقلاً إحساساً طاغياً بالخسارة يؤلم الكاتب وحيد حامد وهو يرصد الفساد والعنف وإنتشار المصالح الفردية وضيق الفرص واللجوء الى التطرّف كحل ممكن لأزمات لا طاقة للشباب بمعالجتها وسط هذا الكم من الفساد والفوضى. بعد ذلك التمهيد التسجيلي ينطلق الفيلم في صلب موضوعه. يعرّفنا على زكي الدسوقي الذي ورث وشقيقته (إسعاد يونس) الثروة والشقة الكبيرة التي يعيشان فيها. لكن العلاقة بينهما حادّة. خالية من الحب خصوصاً من ناحيتها، فهي تريد الاستيلاء على الشقّة لترثها لأبنائها ويتسنى لها ذلك حينما يفقد زكي خاتماً كانت طلبت منه احضاره من عند الجوهرجي. لقد وضعه في درج مكتبه قبل وصول إمرأة الهوى التي تعرّف إليها في حانة رخيصة (لا تناسب مقامه لكن ذلك ليس مهماً عنده) وبعدما مارسا الغرام أفاق ليجد أنها سرقته. بعد يوم تسطو منه شقيقته الشقة وتطرده منها فيأوى الى مكتبه في نفس العمارة والذي كان بمثابة مخدعاً لغرامياته . المشرف على شؤون البيت قبطي مصري أسمه فانوس (أحمد راتب) وهذا لديه شقيق أسمه عبد الإله (أحمد بدير) وهذا ينتقل الى غرفة من غرف السطوح ليحوّلها الى مشغل تطريز. عينه على الفتاة بثينة (هند صبري) لكي تساعده في ترويج بضاعته. وبثينة مخطوبة لشاب يأمل في أن يصبح ضابطاً أسمه طه (محمد إمام) ومضطرة للعمل في محلات أصحابها لديهم حيالها نيّة واحدة لا تتغيّر: اللمس وإفشاء الكبت ولو من دون مجامعة. تنتقل هي من الرفض المطلق الى القبول بالأمر الواقع بسبب حاجتها الملحة للمال، قبل أن يجد لها عبد الإله عملاً كسكرتير لزكي الدسوقي على أمل أن تساعده في الإحتيال عليه والفوز بتوقيع يحيل شقة المكتب اليه.
في البناية ذاتها يسكن أيضاً الحاج عزّام (نور الشريف) كان يلمّع الأحذية في الحي لكن أموره تحسّنت والقليلون يعرفون كيف. فجأة أصبح ساكناً في العمارة لديه عدة شركات بيع سيارات ومحلات وصاحب عائلة ميسورة ويريد الزواج مرة ثانية لأنه لا يزال »في كامل قدراتي« كما يقول لمحدّثه. الى ذلك، لدى عزّام طموحات سياسية. يفكّر في دخول البرلمان ويطلب مساعدة أحد الوزراء الذي يمكّنه من ذلك ثم يطالبه بـ ٥٢ بالمئة من قيمة العقد السنوي الذي وقْعه مع شركة سيارات يابانية. عندما يتلكأ في التنفيذ، بعدما وافق عليه، يداهم البوليس مكتبه ويجدوا عنده مخدرات (مدسوسة او لا) فيتراجع عن موقفه ولو متأخراً إذ ترغب الحكومة الآن مشاركته الغنيمة »فيفتي- فيفتي«. أما الشاب الفاشل في أن يصبح ضابطاً فقد أنتهى متطرّفاً. يلقى القبض عليه ويضرب ثم يُغتصب فيزيده ذلك تطرّفاً وفي النهاية يعود لينتقدم بعملية إرهابية يقتل فيها الضابط الذي حقق معه. وأخيراً، ومن ساكني البناية أيضاً رئيس تحرير صحيفة فرنسية (خالد الصاوي) شاذ جنسياً يغوي عسكرياً (باسم سمرا) من الأرياف متزوّج ولديه طفل فيعاشره الى أن يعود للأرياف مع زوجته عقب وفاة إبنه الصغير المفاجيء. حين يأتي رئيس التحرير بمشروع عشيق بديل لا يحسن الإختيار إذ أن الشاب ليس سوى لص وقاتل.
كان لابد من تغطية كل هذه المحاور الصغيرة والخيوط القصصية الممتدة منها لأن الفيلم ينتهج هذا التعداد في الشخصيات والقصص ويمضي في كل خط من هذه الخطوط لفترة قبل إنتقاله الى خط آخر او الجمع بين بعضه (تحوّل بثينة الى العمل لدى زكي). لكن ما يبدأ مؤسساً على نحو جيّد ومتآلفاً بشكل جميل يفتقد بعد قليل التوازن فيما هو معروض. في الصميم، زكي هو روح الفيلم ومأساته الوجودية والألم الذي يعصره على مصر سابقة وحياة حلوة خالية من الشوائب شهدها وأصبح أكبر سناً من أن يحافظ عليها. زكي هو الألم الذي يحتاجه الفيلم كثيراً لإيصال باقي رسائله. هذا ما يخلق نبضاً غير متوازن. ففي حين أن الأفلام التي تعمل على منوال الإنتقال بين شخصيات ومواقف رئيسية متعددة، عليها أن تنجح في توزيع أهمية متساوية بين أطرافها، يرتفع مستوى الطرح هنا في القصة التي يؤديها زكي (عادل إمام) وتلك التي يؤديها الحاج عزّام (نور الشريف) وترتاح فيما وراء ذلك. وحتى بين القصّتين البارزتين المذكورتين هناك عدم مساواة. قصة عادل إمام هي، كما ذكرت، روح الفيلم أما قصة نور الشريف فهي وردت في أفلام سابقة (صعود وهبوط رجل الحارة). الأخطر من كل هذا هو أنه في الوقت الذي حافظ فيه المخرج على إناقة شكلية جمالية مطلوبة تعكس ما يدور واقعياً إنما من دون بشاعة، وفي الوقت الذي نفّذ فيه المخرج المشاهد جيّداً، على صعيد إدارة الممثلين كما على صعيد الشغل على الكاميرا واختيار الشكل الأسلوبي الصحيح لسرد الحكاية في مواقعها الطبيعية، فإن قبضة المخرج تضعف على النواحي القصصية. بعد ثلاثة أرباع الساعة من عرض يصل الى ثلاث ساعات، يبدأ الفيلم بصياغة حس بالميلودراما التي تحارب لأجل إنقاذ نفسها من السقوط في بحيرة التكرار والمألوف. وهي بالكاد تنجح في ذلك إنما حقيقة أن الفيلم يتسلل الى المشاهد بمثل هذا الحس وحقيقة أن التطويل يعمل ضد الفيلم وليس لصالحه يجعلان العمل يبدو كما لو أنه كُتب وفي البال مسلسل تلفزيوني قبل أن يتم لجمه وتحويله الى فيلم سينمائي.
هناك مشاهد إذا ما حُذفت لن تؤثر على مجرى الفيلم مطلقاً (لم نكن بحاجة الى المشاهد التي تقع في الفلاش باك حين يتذكر رئيس التحرير كيف أهمله أبوه واكتشفته أمه في أحضان الخادم الأسود) واختيارات عمل لو لم تتم لكان الفيلم أفضل (عوض متابعة بعض الخطوط كان يمكن اختصارها بالنتائج). الفيلم بأسره إختيار لممارسة أفضل الممكن من دون الخروج عن التقليد. وهذا الإختيار ينجح في جانب لكنه كان بحاجة الى الجرأة الكافية للإبداع حتى ضمن هيكله. من نواحي أخرى، هذا أفضل دور مثّله عادل إمام منذ »الحريف« وربما لأنه ليس دوراً كوميدياً (يكاد يلجأ الممثل الى الكوميديا في بعض المواقف لكنه يلجم نفسه او يلجمه التوليف لاحقاً). أما نور الشريف فتشعر بأنه الممثل الذي لا يرضى الا بالبحث عن الجديد في الشخصية حتى ولو كُتبت لتكون نموذجاً منتشراً. الباقون جميعاً جيدون كذلك التصوير والموسيقى (قام بالأول سامح سليم وبالثاني خالد حمد). إنه فيلم عن الفساد في الحكومة وكيف يولد الإرهاب. عن أخلاق الناس التي تهاوت والحياة التي لا ترحم وخيبة الأمل في مصر- المجتمع والفرص وحتى الوطن. كلام جريء السينما (والمجتمع) بحاجة إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠
3 comments:
Mr Reda,
it was a surprise for me that you gave (yakoubian building, hope i translate it,right).;three starts out of five..i thought the film was just a" cut and paste" of about 30 egyptian TV drama series, all together,
i agree that Adel Imam was at his best in this film and i understand that the film could be interesting for foreign (not arab)audiance ...
but just wanna understand why you gave the film 3 out of 5?
and thanks
Dear Anonymous
The exact rate for this film should be **1/2. In the review you'll find an appreciation for the character-driven story which is now rare in Egyptian cinema. But you'll find also what I didn't like. Stars are not known to be exact, but I tried to avoid the 1/2s and the 1/4s and so on.
Thank you for your comment all the way. Please write more often.
Mohammed.
Mr Reda,
thanks for your answer, i see what you mean,...
thank you , and thanks for everything you do
Post a Comment