Year 2. Issue 59 | Clash of the Titans | Irena Sandler | Chloe| The Secrets in Their Eyes (again)

مقهي "فيلم ريدر"٠

حوار حول فيلم  "السر في عيونهم":  لمَ لم يبح بحبّه 
وكيف تم تصوير مشاهد المطاردة ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أربع خطابات وردت حول نقد فيلم "السر في عيونهم" في العدد 57 من هذه المجلة النقدية. أبدأ بأولها وروداً وهي رسالة الأخ عبد العزيز منصور من السعودية. يقول

أذكر منذ شهرين كتبت ملاحظاتك عن الفيلم الرائع
The Secret in Their Eyes
كنت قبل قراءة الملاحظه متردد من شاهدة الفيلم , مما دفعني بعدها الى مشاهدته. منذ ذاك الوقت الى امس وانتظر قراءتك البدعيه لهذا الفيلم المذهل للغايه. شاهدته مرتين في اسبوع واحد ومشتاق ايظن الى مشاهدة مره ثالث ومازلت غارق في جماليات الفيلم وجماليات الموسيقي التصويريه له
عند مشاهدتي حفل توزيع جوائز الاوسكار كنت اتمني ان لا تخرج  عن هذا الفيلم او فيلم " نبي "  بعدها زادت مشاهدتي لأفلام أميركا اللاتينية بعد أن كانت  لا تتجوز افلام من البرازيل والمكسيك  ومن حسن حظي انها  جميل للغاية، وها انت الان استاذي بمجرد ملاحظه بسيطه تفتح افاق لي  لروائعه السينمائيه ولروائع اخري من مختلف انحاء العالم. يا استاذي اصبح دخولي مدونتك مثل شرب الماء

جواب |  في الحقيقة حين أوردت تلك الملاحظة  العابرة عن فيلم "السر في عيونهم"  كنت في حالة ذهول من قدرة الفيلم على جذبي بقوّة عمله ومضمونه واختيار المخرج لطريقة هي في ذات الوقت منيعة وسهلة لسبر غور شخصياته، لذلك اكتفيت بتلك العبارة قبل أن أعود الى الفيلم لاحقاً وأشاهده -للآن- مرتين إضافيّتين. شكراً للتحية٠

والأخ مراد عبد الله كتب معلّقاً يقول
الفيلم الأرجنتيني نال إعجاب كثيرين ومع إعجاب محمد رضا كان لابد وأن أشاهده. الفيلم جميل للغاية
  للغاية فيه تمكن المخرج وسعيه للابتكار والمعالجة الواقعية المؤثرة في الوجدان ... يعي ويهضم كل العناصر والتفاصيل كما لو أنه مخرج مخضرم
باختصار عمله هذا يحتوي على كل ما يتطلبه الفيلم البوليسي الكلاسيكي من مفاجآت غير متوقعة و صنعة واقعية غير مملة او غير فانتازية مع جوانب درامية ورمانسية وحتى كوميدية لا تنقص من جديته او صدقيته ٠
الشيء الوحيد الذي لم يقنعني كثيرا هو المبرر الذي من أجله رفض بنجامين التعبير عن حبه في الفترة التي كان ذلك ممكناً جداً على عكس الوضع في حياته الحالية حيث أصبحت هي مع زوج وأولاد وهو يعاني من الهوس والخوف من آلام الماضي ... لا أدري أذا فاتني شيء لكن ليس هناك من أسباب تبعده عن التعبير عن حبه لها حين كان يعمل معها أو عندما غادر القطار ... أتمنى منك أستاذ محمد أن تشرح أكثر ربما أنا قد أغفلت عن شيء معين ٠
وإضافة الى ذلك لدي سؤال صغير هو من الذين قاموا بقتل ساندوڤال و ما هو السبب من وراء ذلك ؟ كانوا يريدون قتل بنجامين ...ولكن ألم يعرفوا لاحقاً أن بنجامين لا يزال حياً يرزق؟

جواب | الفيلم يا صديقي مراد مليء بالإسقاطات حول هذه النقطة. بدءاً من السر في عينيه هو. أولاً، فقط العاشق قد يلحظ أن العاشق مثله ينظر الى المرأة التي يحب في صورة فوتوغرافية لكن الأهم هو أن هناك حوارات متعددة تكشف طبيعته الخجولة. بدءاً بالمشهد الذي ييتغزّل فيها صديقه بابلو ساندوفال (غيلريمر فرانشيللا) بالرئيسة إرين (سوليداد فيلاميل) فيقول لها حين تدخل من المكتب (وهذا ما يؤكد روح النكتة التي ذكرتها أنت في تعليقك) "لابد أن قديساً مات اليوم حتى هبطت الملائكة"  وإذ ترد عليه بلطف يواصل بطلنا بنجامين النظر اليه، وحال تدخل غرفة مكتبها وتغلق الباب ينسل إليه ويسأله من أين يأتي بهذه الكلمات فيقول له بابلو شيئاً مثل "أنا لست واقعاً في الحب لكي لا أعرف ما أقول". هذا لا يجيب على سؤالك حول لماذا لم يبح لها بحبّه، لكن المخرج ترك ما يكفي من مشاهد النظرات. هي تعرف أنه يحبّها والمشاهد بينهما تؤكد ذلك. لو قال لها مباشرة لتغيّرت نبرة الفيلم. لما أصبح الفيلم قادراً على بث تلك المشاهد الرومانسية (المحطّة، النظرات) ولفقد أهميّة الزاوية التي انطلق منها في معالجته لناحية العودة الى الأمس. تصوّر لو أنهما تزوّجا مثلاً، لما كان هناك فيلم٠
الى ذلك، هناك المشهد الذي يدخلان فيه الى ذلك المسؤول الذي عيّن القاتل موظّفاً لديه. يكشف له المسؤول ما يعرفه المكتب بأسره: بنجامين يحب إرين. في كلماته التي تتساقط مثل مسامير من السماء: "متى ستدرك أنك ليست لك. هي خريجة هارفرد وأنت لا، هي ثرية وأنت لا، هي محمية وأنت لا وهي أصغر منك سنّاً" ليس بهذا الترتيب لكن بتلك الكلمات على أي حال٠
 في الرد على الناحية الثانية أخ مراد: أدرك ساندوڤال بأنهم لا يعرفون إذا ما كان هو بنجامين او لا، لذلك اتجه الى صورة بنجامين وقلبها على وجهها حتى لا يلاحظوا الفرق ولم ينف إنه بنجامين. كذلك لم يستطيعوا اللحاق به لأنه هرب من المدينة الى المنطقة التي يعيش بها والد إرين. المشهد مناسبة لكل كلمات الحب التي لا تُقال والأسرار التي في العيون٠

والصديق عبد الله العيبان من الكويت كتب

شاهدت النصف ساعة الأول،للسر في عيونهم ويبدو جديرا بالنجوم الخمس.  اني على نحو غريب وجدت نفسي اربط بين بطل الفيلم ومحرر المدونة!٠ شكراً على هذا الموضوع، بصراحه توقعت هذا الفيلم الارجنتيني على شاكلة الجزيره المغلقة، الذي وبكل صراحة خيب ظني، خصوصا اختيارالقصة٠
هل لاحظت استاذ محمد مشهد دخان السيجاره كيف نفذه سكورسزي بطريقة البلاي باك موشن؟

جواب | كثيرون وجدوا فيلم مارتن سكورسيزي غير جدير بالإعجاب وهو على عكس ما وجدتّه أنا. لكن كل يحمل رؤيته بالطبع. القصّة بحد ذاتها جيّدة لكني أفهم أن كل مخرج كان من الممكن له أن يعمد إليها من زاوية مختلفة. لا أعرف، لكي أكون صريحاً معك ومع القراء، الطريقة المسمّاة ببلاي باك موشن. أفهم أن هذا المصطلح مستخدم في التسجيلات الموسيقية، لكني لا أستطيع التعقيب عليه قبل أن ألم ّ به. إذا كانت لديك معرفة أوردها لنا جزاك الله خيراً٠

سعيد بإنضمام الصديق محمد طارق من الأردن الينا في هذا المكان. ورسالته الأولى تبحث في هذا الفيلم الفريد أيضاً وتدلّنا على بعض المواقع المفيدة. يقول

تحياتي للأستاذ محمد رضا و جزيل الشكر على نقده لفيلم السر في عيونهم .. كما على وفائه بوعده حين وعدنا بتقديم نقد لهذا الفيلم .. و ذلك في مدونته الأخرى ظلال و أشباح

قبل إعلان ترشيحات الأوسكار كان هذا الفيلم هو الوحيد الذي لم أسمع به من الأفلام التي وصلت للقائمة النهائية للأفلام المرشحة في فئة الأفلام الناطقة بلغة أجنبية .. فالشريط الأبيض و نبي نالنا التقدير على عدة مستويات .. و حليب الأسى خطف جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين .. في حين كان اشتراك مخرج فلسطيني و مخرج من الكيان الصهيوني في إخراجه كافيا لإثارة ضجة حول فيلم عجمي

و هكذا قررت أن أشاهد السر في عيونهم .. سأتجاوز مسألة الحصول على نسخة عبر التنزيل من الإنترنت لأن هذا ليس موضوعنا الآن .. و لأنها معضلة أخلاقية لا مجال لحسمها ههنا

شعوري الأول كان .. يا الله كيف للعيون أن تمثل بهذه الطريقة .. و حقا لم أعرف هل هو تأثير العنوان عليّ ما جعلني أنتبه لعيون البطل و البطلة (دون إغفال تأثير العيون و النظرات من جميع الممثلين و دورها في الفيلم) .. أم أنهما فعلا في حواراتهما و مشاهدهما معا كانا يقولان الكثير بحيث أنك تسمع الحوار بينهما و تشاهد آخر كلما أعطتنا الكاميرا فرصة للنظر في عيونهما .. الأكيد أن اختيارات المخرج كانت موفقة تماما لأدوار البطولة

في الكلام عن جماليات الفيلم و أجزائه أعتقد أنك لم تترك لنا مجالا لذكر شيء .. باختصار هذا الفيلم يقدم ساعتين من عالم السينما الجميلة لمحبي الفن
 نقطة لا بد أن تلفت انتباهنا .. هي تلك اللقطة الطويلة التي أشرت لها سيدي .. و هنا رابط لها عبر موقع اليوتيوب
و حقا لنا أن نتساءل كيف صُنعت .. و كيف ظهرت هذه اللقطة على الشاشة دون أي قطع في التصوير .. و لتوضيح الطريقة بعض الشيء .. هنا رابط لفيديو آخر على موقع يوتيوب يظهر بعضا من العمل الذي ساعد في إنجاز تلك اللقطة
لا أدري إن كان من الممكن أن تضيء لنا كمشاهدين غير متخصصين على بعض جوانب العمل في هذه اللقطات .. أو ربما تشير لنا بمواقع تشرح أكثر عنها .. مع جزيل الشكر و خالص التحية لك أستاذ محمد

جواب | هذه أصعب رسالة وصلتني في الأعوام الثلاثة الأخيرة منذ لجوئي الى الإنترنت. لقد شاهدت الفيلم للآن ثلاث مرّات وفي المرّة الثالثة راقبت المشهد المذكور كادراً كادراً محاولاً أن اكتشف أين توقّفت الكاميرا ليتم تغيير موقعها ثم دمج ما سبق مع ما تلا ليبدو الأمر طبيعياً. لكني لم ألحظ أي اختلاف. ذهبت الى الموقع الذي ذكرته وراقبته مرّتين. أيضاً لا يكشف الكثير لكنه يوحي بأن مزيجاً من التصوير والدجيتال، والفيلم  صٌور دجيتال، قد لعبا دوريهما في هذا المشهد. المؤكد إنه تصوير معقّد من فيليكس مونتي، الذي
Assassination Tango  صور لروبرت دوڤال فيلمه
وهو ما ورد ذكره في مقابلتي مع الممثل/ المخرج في "ظلال وأشباح"٠
كما تعلم يبدأ المشهد من لقطة عليا نفهم أنها من طائرة تهبط فوق الملعب على مقربة من أحد جوانبه حيث يوجد بنجامين وسط حشود مهتاجة. الكاميرا تهبط على المكان بأسره ثم تتوجّه الى جانب منه وتقترب ومع اقترابها تتبيّن ملامح بنجامين بين الصفوف. من دون توقّف الكاميرا الآن على أرض المكان ولاحظ أنها أوقفت بنجامين عند طرف الممر بين جزأين من المقاعد (يمين وشمال) ثم كيف جاورته لتعبّر عما ينظر اليه ثم لتلتفت الى اليسار حيث يأتي ساندوڤال من القسم الثاني مخترقاً الصفوف. وتبقى الكاميرا بعد ذلك معهما وهما ينتقلان بين الصفوف الى حين يمرّان بالقاتل ثم يعود اليه بنجامين فيهرب ويتبعانه. في المطاردة، والكاميرا ما زالت من دون توقّف، يصل المجرم الى حافة وعليه أن يقفز منها الى أرض ثانية. يفعل ذلك وتفعل الكاميرا المنوال نفسه. مرّة أخرى لا اهتزاز. لا وقوع. سلاسة متناهية٠
إذا لم يكن العمل برمّته تم بالمزج بين مشاهد مصوّرة عولجت على الكومبيوتر، فإن نزول الكاميرا من الطائرة تم بخطوة واحدة حين هبطت الطائرة الى مكان يصلح لوقوفها. واللقطات التي تحرّكت فيها الكاميرا وسط الجموع منفّذة بكثير من التدريبات المسبقة وكل واحد من الموجودين في الفيلم (كل هؤلاء العشرات) يعرف تفصيلة دوره. القفزة من مستوى أرض الى مستوى أرض آخر يمكن له أن يتم بنصب رافعة بلا أبواب  (وهذا سبق فعله في فيلم آخر أكشفه أدناه) يدخلها الكاميرا مان وتتحرك تلقائياً ستّة أمتار لتحت ثم يخرج منها٠
هذا هو التفسير الوحيد إذا لم يتم "طبخ" كل شيء على الكومبيوتر٠


أما إذا تم الطبخ هناك، فإن المشاهد مجزّأة ومجموعة ويمكن زرع الممثلين وسط الجموع في أي وقت وفي أي مكان وبناءاً عليه يمكن فعل كل شيء آخر. من دون أن أنفي إحتمال القيام برتوش على الكومبيوتر، أميل الى الإعتقاد بأن المشهد صُور بمعظمه بالكاميرا حسب الشرح السابق٠
<<    Red One Camera  الكاميرا المستخدمة هنا هي
وهي استخدمت مؤخراً  في "كتاب إيلاي" و"العظام المحببة" و"المخبر" و"المقاطعة 9" من بين أخرى٠
لكن -وبما أن السيرة مفتوحة- ألفت النظر الى فيلمين فيهما لعب بالكاميرا كما ليس في أي فيلم آخر، وعلى أيام لم يكن هناك شيء أسمه دجيتال٠
الفيلم الأول (تاريخياً)  من إخراج أورسن وَلز سنة  1958 ومن تصوير راسل مَتّي  وعنوانه
Touch of Evil  لمسة شر
 يقع في مطلع الفيلم حيث تنساب الكاميرا في حركة واحدة من مستوى الأرض ثم ترتفع ثم تهبط وتتقدّم وتجتاز حواجز وتصعد هنا وتهبط هناك (لم أشاهد الفيلم منذ سنتين وبعض التفاصيل غائب عني الآن لكني سأكون سعيداً بالعودة الى الموضوع إذا ما طُلب مني) قبل أن ينتهي المشهد الطويل بإنفجار سيّارة٠
الفيلم الثاني روسي/ كوبي تم إنجازه سنة 1964  أخرجه ميخائيل كالاتوزوف تحت عنوان
I, Cuba
 وهو من تصوير (الروسي أيضاً) سيرغي أوروسفسكي وهذا فيه مشهداً تخرج فيه الكاميرا من داخل مصنع قماش في طابق علوي من النافذة الى الشارع وتلتوي لتصعد أعلى البناية حيث يوجد مسبح كبير تابع لفندق قبل أن ينتقل الى طابق آخر ليس باستخدام السلالم بل من خارج البناية أحياناً٠ كتبت عن هذا الفيلم بالتفصيل سابقاً ويمكن البحث عنه وسأكون سعيداً إذا ما طُلب مني إعادة نشر المقال٠

شكراً لكل الأصدقاء والان لنطفأ الأضواء ونجلس متباعدين لنشاهد أفلامنا الجديدة لهذا الأسبوع. الرجاء إقفال أجهزة الهاتف النقّال منعاً للإزعاج٠


سام وورثغتون يبحث عن نجاح جديد في أساطير اليونان

Clash of the Titans **
صدام العمالقة
إخراج: لويس لترييه
أدوار أولى: سام وورثغتون، ليام نيسِن، داني هوستون، راف
فاينس، ألكسا داڤالوس.
النوع: فانتازيا تاريخية/ مغامرات | الولايات المتحدة - 2010
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


في أحد المشاهد يصيح ليام نيسِن: "أطلقوا الكراكن" او كما قال بالإنكليزية
Release the Kraken
وكراكن وحش كاسر. ربما نظر الإغريق إليه كنظرة العالم اليوم الى الصواريخ النووية، ذلك أنه مخلوق يستطيع تدمير مدينة كما هي بضربات سريعة، ومن كان يستطيع تدمير مدينة يونانية في الزمن القديم، كان لابد أهلاً لتدمير العالم بأسره. فيلم "صدام العمالقة" يتعامل والأساطير الإغريقية لكن ليس من باب تخليد حكاياتها المليئة بالحكمة والفلسفة والكثير من القيم الإجتماعية، بل ليغرف منها ما يستطيع تحويله الى مؤثرات خاصّة تبرق وتلمع وتضج لنحو ساعتين مزوّدتين بالأبعاد الثلاثة لمن يجرؤ

لكن مهما كانت مبررات العودة الى الفيلم القديم بنفس العنوان الذي أخرجه سنة 1981 بمؤثرات ذلك العصر دزموند دايڤيز، فإن إطلاق إسم "كراكن" على وحش أمر يدعو الى الضحك، فالكلمة ليست أغريقية، ولا هي إنكليزية ولا ذات أصل لاتيني ولو أن فيها شبهاً من مفردات أيرلندية إذا ما لُفظت بطريقة معيّنة. لكن فليكن فمصير العالم القديم معلّق بإذا كان كراكن سيدمّر اليونان، بدءاً بمدينة أرغوس التي تجرأت على عصيان أوامر الآلهات. لكن هناك أكثر من رياح الإستقلال في هذا لافيلم، بيرسوس (سام وورثنغتون طازجاً من "أڤاتار") شبّ صغيراً على شاطيء البحر إبناً بالتبنّي لصيّاد طيّب القلب (بيت بوسلوايت) غير مدرك أنه إبن غير شرعي للآلهة زيوس (ليام نيسن) الذي كان ذات مرّة تقمّص شخصية آدمي واغتصب إمرأة من البشر فحبلت من بيرسوس. بعد مقتل والديه وقد أصبح شابّاً يقرر بريسوس الإنتقام من القاتل ومن يقف وراءه حتى من قبل أن يدرك أنه نصف بشر نصف إله. وهو سيصطف لجانب حق أهل مدينة أرغوس الذين تجرأوا على رفض نظام الآلهات ما دفع بالآلهة هاديس (راف فاينس) بالطلب من زيوس مساعدته بإطلاق الوحش كراكن الذي لابد أنه كان بمثابة سلاح الردع النووي آنذاك. لكن بيرسوس سيعرف كيف يواجه لا هذا الوحش فقط، بل سلسلة متمادية من المخلوقات الغريبة بعضها شوهد في الفيلم الأول، وبعضها جديد، ممتشقاً سيفه بقوّة وعناد. والمسألة تتعقّد حين يطلب هاديس من ملك مدينة أرغوس تسليم إبنته إليه وأسمها أندروميدا (ألكسا داڤالوس) لقاء تخلّيه عن تدمير مدينه
القصّة لا تختلف كثيراً عن الأصل الوارد في العام 1981 لكن بالمقارنة، يدرك من شاهد الفيلم السابق وسيشاهد الفيلم الجديد، كم تقدّمت السينما على صعيدي تعليب الشخصيات وترويجها لأغراض تجارية، والمؤثرات الخاصّة
بالنسبة للصعيد الأول، فإن «صدام العمالقة» نوميرو أونو ورد في وقت كان دخل الأفلام شبه الوحيد هو من العروض التجارية. اليوم، العروض التجارية، على أهميّتها القصوى، هي واحد من أسباب الدخل ومن الأسباب الأخرى بيع الشخصيات كألعاب يدوية وكألعاب فيديو وكملصقات وكأفكار لشخصيات كرتونية الى كل وسيط سمعي/ بصري ممكن. لذلك، فإن الكثير مما يرد في هذا الفيلم يبقى في نطاق المتوقّع وليس في نطاق الجديد الفعلي، لأن البعض يخاف إذا ما تجرّأ وأنجز شيئاً مختلفاً عن العادة أن لا يبيع.
والتنميط يصبغ أيضاً القصّة لا لكونها وردت في الفيلم السابق، بل لأنها تمشي على درب عادة ما تسير عليه الأفلام التي ليس لديها شيئاً تقوله سوى لغة الأكشن: بيرسوس، نصف آدمي ونصف بشر يشبه، في هذا الكيان، شخصية وسلي سنايبس في "بلايد" الذي كان نصفه آدمي ونصفه الثاني مصّاص دماء، لكن من دون النزاع بين النصفين فويسلي سنايبس كان يحارب نفسه ساعياً ليبقى آدمياً طوال الوقت، اما بيرسوس فكان لا يحب أن يصبح آلهة لكن ذلك لا يشغله كثيراً٠

على صعيد المؤثرات فإن موقف المشاهد غير موقف الناقد في أغلب الحالات
نحن نتحدّث عن غالبية من المشاهدين ولدوا مباشرة بعد الفيلم السابق، اي في الثمانينات، وبالتالي ليسوا في وارد البحث عن الأصل وتقييمه او رد الإعتبار إليه. ليس هناك من داعياً الى ذلك. لكن الناقد، شابّا كان او لا، لابد أن يعرف خصائص الفيلم السابق ملاحظاً النقلة الكبيرة للمؤثرات التي تُصنع اليوم على الدجيتال عوض أن تُصنع باليد طريقة راي هاريهاوزن الذي صنع وحوشاً كثيرة في حياته، بمن فيها وحوش النسخة السابقة من «صدام العمالقة". هاريهاوزن كان يصنع دمى من الطين على الشكل المطلوب ويلتقط لها مئات اللقطات كل لقطة تختلف عن سابقتها على نحو طفيف، حتى إذا عرض ما صوّره بدا كما لو أن ذلك الشكل يتحرّك بروح من عنده
طبعاً لم يكن أمام هاوزن وسيلة أخرى، لكن هذا ليس المسألة. المسألة هي أنه بتلك الإمكانيات الخاصّة أنجز وحوشاً إذ تراها اليوم في أفلام مثل »رحلة السندباد الذهبية»، «20 مليون ميل الى الأرض»، »العوالم الثلاث لغاليفر» و»الجزيرة الغامضة»، تدرك أن الرائع في المؤثرات هو أنك تدرك أنها ليست حقيقية ومع ذلك تحبّها وأن بطء حركتها هو أمر طبيعي لأنها وحوشاً ثقيلة الحركة وليس كما الحال في أفلام اليوم تتحرك بسرعات ضوئية لأجل خلق الرهجة السريعة.
مثل «أڤاتار» هذا الفيلم بالأبعاد الثلاثة. على عكس فيلم جيمس كاميرون فإن هذه الأبعاد ليست إنجازاً بحد ذاته، بل حيلة لبيع المزيد من التذاكر وبأسعار أعلى من النسخة ذات البعدين. الفيلم صُوّر، ككثير من الأفلام التي سنشاهدها بالأبعاد الثلاثة، بكاميرا واحدة كالمعتاد ولاحقاً تم صرف نحو ثلاثة ملايين دولار على برنامج الكومبيوتر الذي سيخلق الوهم بالبعد الثالث. طبعاً لو كان هذا الوهم متكاملاً (والسينما كلها وهم جميل) لكان الأمر لا يستدعي الذكر، لكن النتيجة الماثلة هي مشكلة طالما أنك تشاهد الفيلم بالنظّارة. فالمشاهد النهارية لامعة  والليلية داكنة وكل من اللمعان والدكانة يقعان على نحو غير طبيعي. الحل هو أن تخلع النظّارة من عينيك، كما أفعل عادة، وتستمتع بفيلم كان يمكن مشاهدته بالبعدين والإستمتاع فيه أكثر، وهو معروف بالبعدين فعلاً.
إنها خطوة تجارية تماماً بالنسبة لسام وورثنغتون. ليس أن «أڤاتار» كان فيلماً فنيّاً، لكن على الأقل كان وورثنغتون فيه يحمل شخصية لديها رسالة تخصنا اليوم ولو أنها تدور في المستقبل البعيد. هنا هو في إطار الماضي البعيد من دون رسالة ما. يُلاحق سلسلة من الوحوش التي تقف حائلاً بينه وبين التغلّب على الآلهة هاديس وشرورها، لكن هذه ليست رسالة بل مهمّة
وهو يبدو مرتاحاً  وواثقاً من دون أن يكون في معطيات الفيلم ضرورة. شخصية مثل شخصية هذا المحارب من الطبيعي أكثر أن تكون قلقة ومفكّرة وبل مضطربة. يكفي أن عدوّها هو واحد بإسم كراكن، لكن ارتياحه ربما كان لعلمه بأنه سيستطيع رفع أجره مباشرة بعد هذا الفيلم. من يعلم؟ في كل الأحوال فإن سام له حضور جيّد والمخرج الفرنسي لوي لترييه عرف كيف يصنع فيلماً متماسكاً في نهاية الأمر وسام وورثنغتون واحد من أسباب هذا التماسك خصوصاً وأن الحكاية تتبع خطّاً مستقيماً لا خلفيات لها او أبعاد٠



 أتوم إيغويان في "كلووي": لم يكتب السيناريو 
وربما استسلم لهوليوود
Chloe **
كلووي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: أتوم إيغويان
أدوار أولى: جوليان مور، ليام نيسن، أماندا سيفرايد
تبويب: دراما/ إعادة صنع | إنتاج: فرنسا/ الولايات المتحدة [2009]٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


استخدم المخرج الكندي (من مواليد الإسكندرية في مصر) الجنس في أفلامه السابقة كوسيلة لرسم شخصيات تعيش لحظات أزماتها العاطفية من ناحية ولإثارة قدر كبير من الرغبة الإيروتيكية لدى المشاهدين، او بعض المشاهدين على الأقل، متعاملاً مع الموضوع بفضول ومع الكاميرا كما لو كانت عينا بصباص٠
ليس هنا٠
فيلمه الأخير "كلووي" لا يصل الى الدرجة التي تجيز إنجاز هذا المستوى من التفنن في العرض والمعالجة، بل يبقى في إطار هدف لا يتحقق. كجسد مصاب يدخل النقاهة لكنه لا يتحسّن، بل في الواقع ينتهي أسوأ مما بدأ٠
ربما هذا عائد الى أن «كلووي» هو أول فيلم يحققه إيغويان من دون أن يكون كتب السيناريو بنفسه، وربما هذا عائد الى أن «كلووي» هو أول إعادة صنع يقوم بها، إذ أن الفيلم مأخوذ عن سيناريو وضعته إرين كريسيدا ولسون عن فيلم «نتالي» الفرنسي لآن فونتان (2003) الذي كتبته حينها فونتان مع فيليب بلاسبلان وفرنسوا أوليفييه روسو وجاك فيشي٠
لم أر ذلك الفيلم لكن ما يمر تحت سماء فرنسا من أفلام يبقى، عادة أنجح، مما يمر تحت سماء السينمات الأخرى إذا ما أرادت اقتباس أفلام فرنسية. خذ في الإعتبار، إذا شئت، كل تلك الأفلام الفرنسية البوليسية والكوميدية والعاطفية التي تم إعادة إنتاجها وصنعها في هوليوود: »الخطيئة الأصلية»، «قفص الطيور»، »المرآة لها وجهان»، تاكسي»، »ثلاثة رجال وطفل«، »لاهث«، »والدي بطل« الخ... تجدها أنها إما أسوأ من الأصل او قريبة منه لا تضيف شيئاً عليه٠
لكن إذ أذكر ذلك، لا أعني أن قيام إيغويان باقتباس فيلم فرنسي هو السبب ولا يجب أن يكون عدم قيامه بكتابة السيناريو بنفسه السبب أيضاً. كمخرج عليك أن تتعامل مع أي وضع طالما قبلت التعامل معه أصلاً. الإحتمال الوحيد الذي يقف وراء هوان هذا الفيلم ربما يعود الى أنه إنتاج هوليوودي والكلمة الأخيرة ليست للمخرج. لكن هذا يزيد من المشكلة ومن مسؤولية المخرج ولا يعفيه٠
في مطلع الفيلم يأتينا صوت كلووي (أماندا سايفرايد) وهو يقول: "أعتقد أنني دائماً ما كنت جيّدة بالكلمات" ومن قبل أن نعرف ما تقصده تذكر بعد قليل: "أحاول أن أبحث عن الشيء الجيّد في كل شخص". لكن لا العبارة الأولى لها مدلولها الأدبي او ما يوازي ذلك سينمائياً، ولا الثانية تعني الكثير بحد ذاتها. كلووي هي فتاة ليل (وتعمل في النهار أيضاً!) تشاهدها الطبيبة النسائية كاثرين (جوليان مور) من نافذة مكتبها وهي تغادر المبنى مع آخر صيد لها قبل أن تنصرف لفحص إمرأة تعترف لها بأنها لا تشعر بالإثارة مطلقاً. تقول لها مطمئنة إنها مشكلة عضوية وينتهي المشهد عند هذا الحد. ليس مطلوباً من المخرج الإستمرار فيه، فهو مشهد يرد كمثال على عمل كاثرين، لكن شيئاً مفقوداً منذ هذه البداية حتى في الدلالة على أن كاثرين ربما لا تكترث كثيراً لشكاوى مريضاتها. إذا كان هذا المقصود، فلقطة إضافية او لقطتان كانتا ستضيفان قيمة على هذا المشهد عوض أن يمر كما لو كان شوكة في الخصر٠
كاثرين ترتاب أن زوجها، بروفوسور الموسيقا، ديفيد (ليام نيسن) يخونها وتتوصّل الى فكرة مفادها استخدام كلووي (بعدما شاهدتها مرّة ثانية أمام المبنى) لأجل التعرّف على زوجها للتأكد من ردّة فعله. كلووي تقبل المهمّة لقاء مبلغ من المال وتعود الى كاثرين لتخبرها بالنتائج ذاكرة لها ما حدث بينهما. كرد فعل على رد الفعل نجد كاثرين وكلووي يمضيان ليلة معاً، بعدها تقرر كاثرين اعتبار ما حدث شيئا إستثنائياً لكن كلووي تهدد بفضح العلاقة بعدما التقطت صوراً. كاثرين وديفيد يتواجهان. كلووي تتسلل الى غرفة إبنهما مايكل حيث تكمن خاتمة المطاف بالنسبة لهذه الدراما.
الفيلم لا يبدأ جيّداً، لكن بعد ربع ساعة كان لا يزال قادراً على أن يتحسّن. حينما تفقد كاثرين بوصلة لتدلّها على كيف تتصرّف، يفقد الفيلم بوصلته المشابهة أيضاً. لذلك تأتي النهاية نوعاً من الإرتطام بالجدار يشابه إرتطام واحد من شخصيات الفيلم بالأرض بعد سقوطه من عل في نهاية الفيلم.
بصرياً الفيلم جيّد. هناك ما يشغل العين بالنسبة لتفاصيل الحركة وأداء جوليان مور شهادة أخرى في قدراتها الفائفة، فقط لو أن الحوار كان أفضل. أماكن التصوير  في مدينة تورنتو في فصلها الثلجي جميلة وموحية فبرودة الشخصيات من برودة الأجواء  ولو أن ذلك لم يكن يجب أن يعني برودة الفيلم. ككثير من الأفلام، لا نعد نرى الشخصيات تعمل كثيراً في مكاتبها. لا البروفوسور يذهب الى الجامعة، ولا الطبيبة الى عيادتها (الا لكي تنظر من النافذة!) ولا إبنهما مايكل يذهب الى المدرسة. الفيلم بنفسه لا يذهب الى أي مكان٠



كلّما كانت الصهيونية في ورطة ..... فيلم عن الهولوكوست

    The Courageous Heart of Irena Sendler **
 القلب الشجاع لإرينا سندلر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: جون كنت هاريسون
أدوار أولى: آنا باكوين، مارسيا غاي هاردن، فيونا غلاسكوت٠
تبويب: دراما/ سيرة  [هولوكوست]. إنتاج: محطة CBS الولايات المتحدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


حسب مركز إسرائيلي متخصص بالكشف عن غير اليهود الذين ساعدوا في حماية او تهريب اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، تأتي بولندا في المقدّمة. فقد تم إحصاء 6135 مواطناً بولنديا مسيحياً قدّموا تلك المساعدة حينما كانت القوّات النازية تجمع اليهود او ترحلهم الى معسكرات اعتقال خارج وورسو ومدن بولندية رئيسية أخرى٠ والمركز نفسه يقول أن العدد الإجمالي للأوروبيين المسيحيين (او غير اليهود) الذين ساعدوا اليهود للهرب او في الإختباء بعيداً عن أعين النازيين خلال الحرب العالمية يبلغ 22765 مواطناً. ما يعني أن نسبة كبيرة من المواطنين المسيحيين (الكاثوليكيين على الأخص) عرّضوا حياتهم وممتلكاتهم للخطر في سبيل القيام بالفعل الصحيح في تلك الظروف. نسبة لا يوجد ما يوازيها من الأفلام الباحثة في الهولوكوست، وعددها بالمئات، التي عادة ما تتحدّث عن الجلاد والضحية من دون طرف ثالث٠
إرينا سندلر هي واحدة من اولئك البولنديين الكاثوليكيين الذين قاموا بمحاولات ناجحة في هذا السبيل. المراجع القليلة المتاحة تتحدّث في أسطر معدودة حولها فتقول أن أسمها الكامل إرينا ساندلروڤا وولدت سنة  1910  وتوفيت  في العام  2008 وأنها مسؤولة عن إنقاذ حياة نحو  2500 طفل  ولو أن الفيلم يحذف كلمة نحو ويحدد العدد بـ 2500 من دون التباس على ذات النحو الذي حددت فيه الحركات الصهيونية أن عدد الضحايا اليهود في تلك الحرب (البشعة ككل الحروب) كانوا ستة ملايين بالضبط. أرقام مبكّلة ولو أن أي رقم آخر، بصرف النظر عن حجمه، كاف لوصم الفاعل بمثل تلك الجرائم غير الإنسانية٠

«القلب الشجاع لإرينا سندلر» ليس لديه الكثير حقّاً ليحكيه: إنه قصّة العاملة في لجنة الخدمات الإجتماعية إرينا التي نراها في أوّل الفيلم تدخل، بتصريح خاص، الى الغيتو اليهودي في قلب وورسو لتواسي وتداوي وتطعم بعض المحتاجين. كدليل على ذلك نراها تخرج من حقيبتها كسرة خبر لا يزيد حجمها عن نصف كف لتعطها الى صبي يهودي وشقيقته. هل كانت هذه الكسرة هي كل ما تستطيع إدخاله او أن ميزانية الفيلم لم تكن كافية لشريحة خبز كاملة؟
لا هذا ولا ذاك. المشهد، والكثير من المشاهد التالية، هو المقصود بذاته على نحو يُراد به الرمز الى الواقع عوض الحديث عنه. وإذ يواصل الفيلم الحديث عن إرينا وما تواجهه من حالات فإن الكثير من المشاهد هي تتوالى في السياق نفسه. لا شيء يفي بجهد لدراسة وضع ولا يحاول الفيلم تعميق ما نراه لتشكيل وضع يتجاوز  حالة  إعلان عن الموضوع من دون سبر غوره.  هذا النوع من المعالجة، غير الغريب عن الكثير من أفلام الهولوكوست يلخّصه على نحو نموذجي مشهد لاحق نرى فيه الثلج ينهمر على ضوء مصباح ليلي. الغريب في ذلك الثلج أنه لا يصل الى الأرض، فاللقطة ذاتها تظهر الأرض بلا ثلج. الغاية هنا هي مناخية تبعاً لما تثيره مثل تلك اللقطة عادة من معاني مرتبطة بالفترة من العام واستخدامها وقفاً على الفكرة وليس تعميقاً طبيعياً وعملياً. على هذا المنوال تأتي المشاهد بأسرها مصحوبة بتلك النقرات المنفردة على البيانو لزوم المسحة الحزينة.
كذلك، لا تبلور للشخصيات ولا ترسيخ لشخصية إرينا سندلر ذاتها لا في الواقع ولا في الواقع الإفتراضي الذي تدور فيه الأحداث. بذلك فإن الدراما تتحوّل الى عملية تقديم حالة ما على الشاشة من دون القدرة على النفاذ داخلها او التعامل معها درامياً على النحو الذي تعامل فيه ستيفن سبيلبرغ مع موضوع فيلمه »قائمة شندلر» او رومان بولانسكي مع موضوع فيلمه «لاعب البيانو» وكلاهما يتضمّنان، كهذا الفيلم، شخصيات ساعدت يهوداً على النفاذ من العنصرية النازية٠

بكاء ونحيب
لكن «القلب الشجاع لإرينا سندلر»  هو أكثر هذه الأفلام الثلاثة استغلالاً لفكرة الحديث عن سندلر ليتحدّث عن اليهود والهولوكوست وبشكل تعاطفي ساذج واستعراضي لا أصالة فيه او عمق. ما يزيد من هذا الشأن حقيقة أن الممثلة آنا باكوين، التي لعبت دور إبنة روبرت دينيرو في Cape Fear  في التسعينات، تبدو معنية بتمثيل الإمارات البادية للإهتمام. الحق ليس عليها لأن الشخصية كُتبت كسرد للأحداث وليس كبحث في دواخلها، لذلك كل التعابير تبقى على السطح والإداء يصبح توظيفياً غير مقنع٠
بالتأكيد، ارتفعت الأفلام التي تتحدّث عن شخصيات غير يهودية عملت على إنقاذ ضحايا يهود منذ أن أنجز سبيلبرغ فيلمه ذاك سنة 1984 لكن الوظيفة المناطة لا زالت واحدة: الحديث عن المحنة التي تعرّض إليها اليهود وهو حديث استهلك حتى من قبل فيلم سبيلبرغ وما زاده سبيلبرغ الا استهلاكاً٠
البادي هو أن هذه الأفلام تتكاثر كلّما كانت هناك أزمة ضمير أوروبي وأميركي حيال ما يحدث في فلسطين. بعد حرب غزّة الدامي، وما سبق ذلك من قتل عشوائي للأبرياء من المدنيين في لبنان وفلسطين بأسرها، ومع المزيد من فتور درجة التعاطف التقليدي حيال الكيان العنصري القائم، تأتي هذه الأفلام تحاول ترقيع ما تمزّق مذكّرة بالأوضاع المأسوية (بلا ريب) التي عانى منها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية٠
وفي غضون العام الماضي ومطلع هذا العام شاهدنا حفنة لا بأس بها: "تحدِ" لإدوارد زويك حيث بطولات لمسلّحين يهود حاربوا القوّات النازية في بروسيا، "الولد في البيجاما المخططة" لمارك هرمان حيث إبن نازي يتقرّب من صبي يهودي ويرتدي مثله بيجاما مخططة، »آدام منبعثاً» لبول شرادر حول اليهودي الذي لا يزال يعاني من شرخ نفسي حين وجد نفسه ناجياً دون باقي اليهود.
في «تعليم» للون شرفيك يبدو الموضوع العاطفي الإجتماعي الكامن بأسره في لندن مناسبة للحديث أكثر وأكثر عن يهودية الشخصية الرجالية التي يؤديها بيتر سارسغارد. «اليهودي سوس« لأوسكار رولر ينتهز فرصة الحديث عن الممثل الألماني الذي اضطر ليلعب شخصية اليهودي القذر في فيلم بروباغاندا نازي ليعرض الوضع ذاته. وفي الفيلم السلوڤاكي «وعود مكسورة» شاب يهودي يعاني الأمرّين للبقاء حيّاً وسط ظروف غير مواتية.
ليس أن هذه القصص ليست جديرة بحد ذاتها، او أن المرء عليه أن يطالب بمنعها، لكن المشكلة هي أنها تواصل الحديث عن الضحية بذلك النَفس البكائي والناحب ذاته الذي نستنكره في أفلام ميلودرامية هندية ومصرية قديمة، فما الذي يجعلها مقبولة إذا ما جاءت من الغرب؟ 
كذلك فإن بعض هذه الأفلام لا تقول الحقيقة مثل «تحد» الذي يرتكز على عصبة مسلحة فعلية قام ثلاثة أشقاء يهود بتأليفها للدفاع عن اليهود وتحوّلت الى قوّة من بضع عشرات في غضون أشهر قليلة. ما لا يذكره الفيلم أن هذه العصبة تعرّضت بالقتل لعائلات مسيحية بريئة وأن بعض هذه العائلات رفعت دعوات قضائية لم يبت فيها الى اليوم٠

في المقابل، فإن هناك بوادر لمعالجات مختلفة حول الموضوع موجودة: فيلم روبرتو بينيني «الحياة حلوة» (1997) يتحلّى بالجرأة ليكون كوميدياً من دون أن يكون ساخراً.  »القاريء« لستيفن دولدري يطرح للنقاش مسألة الغفران مطالباً بأن يتم ردم الماضي بأكمله. ومؤخراً رسم المخرج كونتين تارانتينو تاريخاً مغايراً للمسألة برمّتها في فيلم Inglourious Basters حين أظهر مساواة في الجنون والعنف بين الطرفين اليهودي والنازي فالمجنّدين اليهود القادمين للإنتقام من الألمان دمويون يقدمون على سحق رؤوس أعدائهم او اجتزاز فروات رؤوسهم. أكثر من ذلك، فإن الضابط الألماني أكثر ثقافة وجاذبية من الجنود الأميركيين اليهود وغير اليهود بمن فيهم براد بت الذي يقود الفريق٠
على ذلك، فإن الأفلام الساذجة حول هذا الموضوع. تلك التي تتعامل والعناوين الخارجية للمحنة، والتي تغفل عن لفت النظر الى أن ما فعلته النازية باليهود يكرره اليهود حيال الفلسطينيين، مثل «القلب الشجاع لإرينا سندلر» لا يزال له موضع قدم في هذا الخضم. صحيح أن معظم أفلام الهولوكوست لا تحقق نجاحات تجارية لكن المسألة عند صانعيها أن الموضوع يستحق الطرح بصرف النظر عن الجانب التجاري٠


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2010٠

1 comments:

Anonymous said...

Mohammed I guess you were right, regarding The Secret of their Eyes opening, please see this clip:
The Secret of their Eyes - VFX Breakdown Huracan (Part1)
from YouTube.
Thanks
Abdullah Alaiban- Kuwait