أخيراً تأكدت من أمر كنت كتبته هنا من باب الملاحظة. في العدد 49 من هذه المجلة النقدية كتبت عن فيلم "عجمي" لمخرجيه اسكندر قبطي (في الصورة لجانب روبرت دينيرو خلال مهرجان الدوحة السينمائي الأول) ويارون شاني. وذكرت الملاحظة التالية: "الإنتقال من البيئة العربية بالكامل الى بيئة يهودية بالكامل (٠٠٠٠) يبدو محشوراً بسبب الطريقة التي تم فيها توليف الفيلم (وفي الأساس كتابته). إذا ما كان لديك سرد نية في سرد جانبين متوازيين او متناقضين وكيف أنهما، كما الحال هنا، سيلتقيان عند خط معين، فإن ذلك يستدعي التمهيد للنقلة (...) حتى لا ذلك الإنتقال مفاجئاً وعلى حساب وحدة الفيلم"٠
وأكملت: "الغالب، في اعتقادي، أن اسكندر قبطي لم يكن من صوّر ونفّذ المشاهد الوديعة التي تقع في الجانب اليهودي ذاك، لهذا فإن أسلوب العمل اختلف (هذا من دون أن أعلم كيف عمل المخرجان معاً في تصوير المشاهد العربية. يا ليت السيد قبطي يكتب لي حول ذلك) وهو أمر يدعو للتمعّن كيف أن المخرج العربي سمح لنفسه بنقذ البيئة العربية، بينما لم يسمح المخرج اليهودي (شاني) بنقد البيئة اليهودية"٠
حسناً، لم يكتب المخرج قبطي لي، وبل لم يعلم بأني كتبت عن فيلمه. لكني التقيت به قبل أيام وسألته حول هذا الموضوع فأكّد صحة ما ذهبت إليه: نعم شاني صوّر المشهد الذي يقع في بيت العائلة اليهودية لذلك فإن إيقاع الفيلم يصبح أكثر تمهّلاً ووداعة بينما يبقى أكثر توتّراً في المشاهد التي تقع في الجانب العربي من المدينة. والكثير من تصوير ذلك الجانب وتوليفه هو نتيجة تصميم وتنفيذ المخرج الفلسطيني ما يجعل الفيلم أقرب الى التعبير الفني عن رؤيته ٠
طبعاً لو كان هذا هو الممارس لكانت النتيجة وبالاً٠
بمناسبة ذكر الأخوين كووَن فإن فيلمهما المقبل هو وسترن (الثاني بعد "لا بلد للمسنين" الذي هو وسترن حديث الزمن) بعنوان "جرأة نادرة"، وهو إعادة صنع لفيلم أنجزه هنري هاذاواي بعنوان
سنة 1969 مع جون واين، غلن كامبل وكيم داربي في البطولة True Grit
في فيلم الأخوين يؤدي جف بردجز شخصية المقاتل العنيد التي لعبها جون واين، ومات دامون شخصية الشاب الذي ساعده في مهمّة كان يقوم بها لصالح فتاة طلبت مساعدته. دور دامون كان لعبه المغني غلن كامبل ودور الفتاة لعبته كيم داربي وتؤديه في الفيلم الجديد هايلي ستانفيلد. وأعتقد أن جوش برولِن الذي كان من وجوه "لا بلد للمسنين" يؤدي دور الشرير الأول الذي لعبه في الفيلم السابق روبرت دوفال٠
هذا سيكون ثاني فيلم يقوم الأخوين بإخراجه مأخوذاً عن فيلم سابق (ريمايك). الأول كان الفيلم
The Ladykillers الفاشل بجدارة "قتلة السيدة"٠
الذي تم اقتباسه عن سيناريو لويليام روس تم تنفيذه سنة 1955 فيلماً بريطانياً من إخراج ألكسندر ماكندريك وبطولة أليك غينس وهربرت لوم وبيتر سلرز وسيسيل باركر من بين آخرين. الأصل جاء أفضل من نسخة كووَن التي قام ببطولتها توم هانكس بينما كان لا يزال يبحث عن تنفيذ سليم لشخصيته. هل يكون "جرأة نادرة" كما حققه هنري هاذاواي أفضل من النسخة المقبلة؟ هذا جائز ومحتمل لكنه ليس مؤكداً بعد
الولايات المتحدة - 2010 ٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مغامرات تاريخية [سيرة ] | فيلم جديد عن شخصية عولجت العديد من المرّات يستفيد من حنكة المخرج في هذا النوع ويبتعد عن الكليشيهات التقليدية٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نهاية فيلم "روبِن هود" الماثل أمامنا هي بداية كل الأفلام السابقة التي تناولت هذه الشخصية التي عاشت في أواخر القرن الثاني عشر ومطلع القرن الثالث عشر. روبِن هود الذي تعوّدنا عليه هو فيما سيلي بعد انتهاء الفيلم، أما ما يسبق تلك النهاية، فهي حكاية رجل ينتقل من المحارب العادي الى المحارب ذي القضيّة الإجتماعية. من المواطن الصالح الى المواطن الذي يجد أن الطريقة الوحيدة لتخليص الرعايا الفقراء من تلك الضرائب الباهظة التي يفرضها الملك، هي قطع الطرق والإستيلاء على الأموال والثروات لتوزيعها على الفقراء والمعوزّين٠
طالما بدت الحكاية مثيرة وبطلها محق وقضيّته فيها عادلة. لكن الأفلام الأولى، سواء نسخة المخرج مايكل كورتيز سنة 1938 التي قام ببطولتها ايرول فلين او نسخة ألان دوان التي أنجزها صامتة سنة 1922 مع دوغلاس فيربانكس في دور البطولة، تمتّعت بمسحات رومانسية مناسبة في أزمنة كان معظم الجمهور يبحث عن هذه الرومانسية في كل الأفلام المتعاطية مع التاريخ، من "علاء الدين" الى "على بابا" ومن "لص بغداد" الى لص مقاطعة نوتينغهام روبِن هود٠
كان عنوان الفيلم سنة 2007 حين أمّ المخرج ريدلي سكوت العمل هو إسم تلك المقاطعة الساكسونية البريطانية. لكن المخرج، كما قال لي مؤخراً، وجد أن على الفيلم أن يفصح ما يقصده بالعنوان: "ما حاجتي لعنوان يجهله الناس وعليه أن يفسّر نفسه بكلمات أخرى؟". تغيير العنوان كان صائباً لكنه ليس الفعل الأهم، فأفضل ما قام به سكوت هو تحويل الحكاية من محض عاطفية الى بحث في الحياة ومكوّنات الأسطورة والتعامل والتاريخ بنظرة جدالية تطرح رؤيته ورؤية العمل ككل فيما اتّفق الناس من قبل على اعتباره مجرّد حكاية قاطع طريق سليم النيّة واقع في حب إبنة السيد وولتر لوكسلي (ماكس فون سيدو) التي أسمها ماريون (وتقوم بها كايت بلانشيت)٠
الملك رتشارد قلب الأسد (داني هوستون)، عاد من توّه من الحرب الصليبية. عاد منهكاً ومتراجعاً ومهزوماً روبِن لونغسترايد، او روبِن هود كما اشتهر لاحقاً (راسل كراو) من بين الذين عادوا معه كونه خدم كجندي. هناك اقتحام لقلعة بريطانية في مطلع الفيلم تشي بما يختزنه المخرج لاحقاً من مشاهد قتال بارعة التصميم والتوليف. لكن الآن هناك نزاع بين روبِن هود الذي يلعب الثلاث ورقات، وبين محارب عملاق يتّهم روبِن بالتزوير. معركة تنشب بينهما فيمتثلان أمام الملك الذي يسأل من بدأ المعركة. ينبري روبِن لتحمّل المسؤولية فيمتدح الملك شجاعته، ثم يسأله ما رأيه بالحرب الصليبية فيقول له روبِن أن قيام الصليبيين بقتل 2500 مسلم في قلعة عكّار هي مجزرة وليست حرباً وأنها لم تكن مباركة من الله. يقول له الملك: أنت لست شجاعاً فقط، بل ساذج أيضاً ويأمر بحبسه. خلال ذلك يُصاب الملك ويُقتل وروبِن هود وصحبه (بينهم العملاق الذي كان في نزاع معه) يهربون من الإعتقال ليكتشفوا أن آل على نفسه تسليم التاج الى العائلة المالكة قد أصيب في محاولة سطو قادها المتمرّد غودفري (مارك ستون) ووصيّة هذا قبل موته هو أن يُعيد روبِن سيفه الى والده السير وولتر لوكسلي. روبِن يعد ويدفن الجثّة لكن ليس من قبل أن يرمي غودفري بسهم لامس وجهه وكاد يقضي عليه. روبِن يريد تسليم شيء آخر: التاج الملكي بات معه ويريد التوجّه به الى الأمير الشاب جون (أوسكار إيزاك) شقيق الملك الراحل لكن حتى يقوم بالمهمّتين معاً عليه أولاً أن يتقمّص شخصية المحارب المقتول مدّعياً بأنه إبن السير لوكسلي الأعمى٠
بعد هذا التأسيس تنطلق الحكاية في دروب تفحص العلاقات البشرية في عالم مضطرب: الأمير الذي اعتلا المنصب الجديد فأصبح ملكاً قبل أن ينضج. وأمه التي تريد أن تلجمه إذا ما استطاعت وزوجة المحارب القتيل ماريون (كايت بلانشيت) التي كانت تنتظر عودته، ثم علاقتها الحذرة بروبِن هود التي تتحوّل الى إعجاب وتقدير ثم حب٠
في الوقت ذاته، هناك تلك المؤامرات الخفية: الفرنسيون يريدون غزو البلاد والملك الجديد لا يدري أن غودفري، الذي تم تعيينه رئيساً للجيش عوض وليام مارشال (وليام هيرت) هو خائن على صلة بالفرنسيين وسيقود الحملة المضادة للملك بنفسه٠
خلال ذلك، سنسمع الكثير من الحوار حول الضرائب الفادحة والحرب الخاسرة التي كان على الشعب البريطاني آنذاك أن يدفع ثمنها وعن العلاقة الصحيحة الغائبة بين الحاكم والمحكوم والتي يدعو روبِن هود في خطاب له الملك لتنفيذها. فيعد هذا بأنه سيفعل إذا ما ساعد روبِن هود في الحملة التي ستعترض عملية إنزال الفرنسيين لجنودهم عند الساحل الإنكليزي٠
روبِن سيفي بوعده وسيشترك في قيادة المحاربين الأفذاذ في معركة من تلك التي يجيد المخرج تصميمها مع فريقة وشحنها بالمشاهد الواقعية غير المفرطة لا عنفاً ولا واقعية ولا خيالاً أيضاً. فقط المقدار اللازم لكي تبدو حقيقية. سيلتقي روبِن بغودفري في رحى المعركة وسيعود منتصراً وسوف نرى الملك الشاب وهو يتنصّل من وعده ويأمر بإعتبار روبِن هود خارجاً عن القانون هو وكل من يساعده ويؤيّده، وهنا المكان الذي سينطلق منه الجزء الثاني إذا ما أنجز هذا الفيلم النجاح الجماهيري الذي يصبو إليه٠
الفيلم ممتع لعدّة أسباب: هو خامس فيلم تاريخي يقدم عليه المخرج مقترحاً مدى رغبته في التعامل والمسائل التاريخية التي لم تحسمها الأفلام السابقة. إنه هو ذاته مخرج "غلادياتور" الذي بمثابة رسم خارطة طريق للأفلام التاريخية التي تبعته، وهو مخرج "مملكة السماء" الذي تناول فيه تحديداً الحرب الصليبية فوق الأراضي المقدّسة وأدانها وصوّر غياب القضيّة الحقّة واختلاف الأوروبيين فيما بينهم حول منهجها ورغباتهم منها. كما سبق له وأن رسم رؤيته الخاصة لحملة كريستوفر كولومبوس التي "اكتشف" فيها أميركا وذلك في فيلم "1492: قهر الفردوس". وقبل ذلك هو من تناول حقبة نابليون بونابرت في "المتبارزان" (1971) حيث يقود صراع فردي مجنّدين فرنسيين للإقتتال في أكثر من مناسبة مشحونين بالثأر والفخر والحاجة لإثبات القوّة والذات٠
أيضاً، هو خامس لقاء بين المخرج وممثله راسل كراو بعد "غلادياتور" (2000)، "سنة طيّبة" (2007) و"أميركان غانغستر" (2008) ثم "كيان من الأكاذيب" (2009). والإثنان يعملان جيّداً معاً. راسل يجسّد شخصية البطل الحامل اخلاقيات ومزايا الرجولة الغابرة، والمخرج يمنحه الإدارة التقنية والفنية لكي يساعده على التألّق حتى حين يمثل شخصية العميل الخبيث (في "كيان من الأكاذيب")٠
لكن أهم من هذا كلّه، هو أن سحب عنصر الرومانسيات ليس كاملاً. هناك قصّة حب ترتفع عن أرض العراك ولو أن شخصية ماريون ليست معمّقة بل تقف عند حدود العناوين الكبيرة، وقصّة الحب هذه معالجة بالنظرات والحوارات ومشاهد ركوب الخيل كما بمشاهد في المعركة النهائية للفيلم ووسط كل ذلك قبلة واحدة بمثابة ختم خاص لتطوّر العلاقة العاطفية بينهما. ريدلي سكوت لم يكن يوماً مخرج قصص حب، وهو حسناً يفعل إذ يتجنّب أن يحاول ذلك الآن. يكتفي بالدلائل المشار إليها ويتجاهل تلك السذاجة التي عادة ما صاحبت حكايات المغامرات التاريخية حيث على المشاهد أن يضحك ويبكي ويقع في حب البطل والبطلة الواقعين في حب بعضهما البعض٠
التفاصيل الصغيرة مهمّة في هذا الفيلم ومستخدمة من دون إسفاف، لكن المشاهد الكبيرة، تلك التي تتناول المعارك الحربية الشرسة والتي يبدأ الفيلم وينتهي بها، تستولي على المُشاهد لنجاح معالجتها وتصاميمها الدقيقة. تلك المشاهد ملحمية شاسعة ولا يمكن تصوّر الفيلم من دونها هذه الأيام. الناتج هو فيلم يحمل رغباته على كفّة يده: يريد التماثل مع بعض أفضل ما تم تحقيقه من فانتازيات كبيرة (يذكّر مثلاً بـ "سيد الخواتم") كما يريد تقديم حكاية لا تبقى حكراً على المشاهدين الذين سمعوا بروبِن هود او شاهدوا بعض الأفلام السابقة له٠ هناك قدر من التعميم الشعبي للشخصية والمواقف ولو أن العمل يبقى أكثر تعاملاً مع الراشدين وليس المراهقين٠
الولايات المتحدة - 2010
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكشن [مقتبس عن شخصية كوميكس] | روبرت داوني جونيور يرتدي البذلة الحديدية ويقدّم إداءاً مقرقعاً٠
الجزء الثاني من "أيرون مان" فيلم شائك من حيث أنه يدرك أنه مبني على قاعدة شعبية كبيرة وأن كل ما عليه القيام به هو توفير ما ستبحث عنه تلك القاعدة في الفيلم من مغامرات ومشاهد أكشن ومؤثرات وضوضاء وقرقعة معادن. لكن ما يجعل الفيلم شائكاً هو أنه لا يحمل ما يُثير الإعجاب ببطله ولا بطله يؤدي ما يثير الإعجاب به. هو ليس فيلم تحبّه بل فيلماً تراه وصانعوه وثقوا بأن هذا ما يريده الجمهور الى درجة أنهم لم يكترثوا مهنياً لإنجازه على النحو الصحيح٠
إنه كما لو أنه لم يعد مهمّاً أن يكون البطل محبوباً، تماماً كما لو أنه لم يعد مهمّاً لروبرت داوني جونيور أن يجعل نفسه محبوباً. وفي حين أن غموض الشخصيات أمراً محبوذاً في أصناف من الأفلام ومنها هذا النوع القائم على التشويق، ولو نظرياً، فإن غموضها يجب أن يكون له سبب مفهوم وأن ينجلي عن تركيبة من الأحداث والسلوكيّات نفسية كما درامية بحيث تشكّل عنصراً مفاجئاً. ماذا يهم، مثلاً، أن يعرف المشاهد أن شخصية توني ستارك، المعروف بـ "آيرون مان" تخشى على نفسها من الموت، إذا ما كانت هذه الخشية لا تشكل فاعلاً حقيقياً على الأحداث او تؤثر في تصرّفاته او تضعه في مشهد يحتوي على صراع حاد بين الحياة والموت. نعم هناك هذا التردد في شخص توني من أنه قد يموت، وهناك حفلة عيد ميلاد يسمّيها الأخيرة، لكن الطريقة التي يتصرّف بها توني حيال هذا الموضوع طريقة مراهقين وليست طريقة صانعي أعقد بذلة حديدية تم تركيبها على جسد بطل سينمائي. حتى ولو كانت الغاية إظهار خشيته حيال الموت فإن المعالجة من الهزل بحيث تتلاشى الغاية مثل دخان السيغارة٠
الموضوع عن تلك البذلة العسكرية المعدنية الحمراء التي تحوّل توني، كما رأينا في الجزء الأول، من رجل عادي القدرات، الى ترسانة أسلحة. يصبح طائرة وقاذف قنابل ومطلق إشعاعات متفجّرة وفوهة رشاشات أتوماتيكية وإذا ما اضطر للضرب بذراعه فإن ضربتين متتاليتين من شأنهما أن تُسقط بناية او تقتلع العدو من مكانها وتلقيه بعيداً. الحكومة الأميركية تريد من توني تسليمها هذه البذلة لأنها سلاح يتعلّق بأمن الدولة، وهو يقول لأعضاء الكونغرس في مطلع الفيلم وخلال التحقيق معه: هذه البذلة أنا. كلانا واحد ولا تستطيعون الحصول عليها لأنكم بذلك تحصلون عليّ أنا"٠
بكلمات أخرى، كيف سيسمح لها استحواذ اختراعه هذا إذا ما كان هو، بدنياً، جزءاً من هذا الإختراع؟ حجة في محلّّها والمشاهد له الحق في أن يتوقّع أن الفيلم سيمشي على هذا المنوال، لكن الحكاية تنتقل بعد ذلك على محاور أخرى: توني يكتشف أن القلب الصناعي الذي يخفق في صدره لم يعد يعمل كما كان يعمل سابقاً (في الجزء الأول مثلاً) لأن المفاعل الذي يزرعه في صدره يسبب تسمماً في الدام. ومنافسه في سوق الأسلحة هامر (سام روكوَل) يسعى لكسر شوكته بتشويه سمعة البذلة وتأليب الحكومة عليه، وهناك روسي أسمه إيفان (ميكي رورك) يود الإنتقام من توني ستارك لأن والد توني كان تسبب في حبس والد ايفان في سايبيريا لعشرين سنة. إيفان يعلم قدرة توني/ أيرون مان ويصنع سلاحاً موازياً في قوّته (لا نعلم كيف ومن موّله لكن قد يجد البعض أن هذا لا يهم). وهامر يقرر أن إيفان هو من سيحقق له رغبته في هزيمة توني والقضاء على ما يشكّله من منافسة٠
كنا صغاراً نلعب أبطال وحرامية وكانت حكاياتنا أفضل من هذه الحكاية. ذلك لأن لا أحد في الفيلم، وأساساً صانعيه، لديه تبريراً مفهوماً هنا حيال ما تقوم به أي شخصية بما في ذلك مسألة والد إيفان والإنتقام الذي يدفعه لاختراع بذلته الخاصّة ذات السلاسل الكهربائية التي يضرب بها أي شيء فيقطعه الى قسمين. وهو يكاد أن يقطع آيرون مان الى نصفين أيضاً لكن أيرون مان محمياً بالسيناريو الذي يطالبه بالبقاء حيّاً حتى النهاية، وعليه فإنت تعلم أن الشرير هو من سيتم القضاء عليه وليس البطل ... المسألة مسألة وقت لا أكثر٠
ومسألة الأب مهمّة في العديد من الأفلام المأخوذة عن منشورات "مارڤل" وهي دار النشر المتخصصة بالمسلسلات الشعبية المصوّرة التي باتت "الكل في الكل" في شركة باراماونت تبعاً لعقد أبرم مع الاستديو الأميركي المعروف حديثاً. في "سوبرمان" يتم بحث حب سوبرمان لوالده الفضائي وتضحية الثاني لأجل أن يعيش سوبرمان فوق الأرض، ثم العلاقة الإيجابية الثانية بين سوبرمان والمزارع الأميركي وزوجته الذي وجداه في الحقل طفلاً وأشرفا على رعايته. العلاقة معقّدة أكثر في "سبايدر مان" حيث يحمل بطل الفيلم عقدة ذنب بسبب موت أبيه. وفي سلسلة أفلام "باتمان" حيث عقدة الذنب ذاتها محمّلة بالرغبة في الإنتقام أولاً لمقتل أبيه ثم بالرغبة في عدم جعل الإنتقام عنصراً في حربه ضد الأشرار. هنا، يعاني "آيرون مان" من فهمه أن والده لم يكن رعاه جيّداً ولم "يقل لي مرّة واحدة أني أحبك"، لكنه سيكتشف في هذا الجزء أنه قالها حين خصّه باختراعه. إذاً يتصالح توني ستارك مع ماضيه لكن على عكس الأفلام المذكورة سابقاً هذا التصالح، على أهمية مضمونه، يمر بلا أثر درامي أيضاً. ليس أن المفترض أن يحتوي الفيلم على خطاب في هذا الشأن، لكن المسألة كلّها ليست عميقة. كذلك مسألة أن الروسي إيڤان إنما ينطلق في تدميره وشروره بسبب حبّه لأبيه الذي عانى في حياته طويلاً. الى ذلك، فإن "آيرون مان" يلتقي و"سبايدر مان" في أن والد الشرير مات بسبب غير مباشر من البطل او أبيه، لذلك فإن الإبن ماض في سلسلة أفعال شريرة بهدف قتل السوبر هيرو٠
يضع بطل "آيرون مان" توني وسط إمرأتين: هناك مساعدته الأولى التي يعيّنها رئيس مجلس الإدارة في مؤسسته (غوينيث بولترو) والفتاة ذات الجدّية العسكرية التي يتم تشغيلها في المؤسسة (سكارلت جوهانسن) والتي تكشف لاحقاً عن أنها هنا لكي تدافع عن مصلحة توني أفضل دفاع. لكن من بين ما لا يضعه الفيلم في حسبانه هو إبقاء بطله حالة عاطفية خفيفة وغير مستقرّة في يوميات العلاقة مع كل من هاتين المرأتين. هو لا يحب ولا يكره أحداً منهما وتراه كما لو كان يخشاهما أكثر مما يقودهما في مؤسسته. وحين يأتي الأمر الي المشاهد التي تجمعه مع غوينيث بولترو، فإن كاتب السيناريو جوستين ثيرو، كما المخرج، يعمدان الى ردح متبادل عبر كلمات موجزة بطريقة الكوميديات العاطفية التقليدية. كلمة او كلمتين منه وكلمة او كلمتين منها من دون أن يشرح أي منهما ما يريده في هذا الإيجاز المتسارع وغير الضروري٠
بقرار صانعي الفيلم فإن "ايرون مان 2" فيلم خفيف الوزن وبل فيه مطارح كوميدية تعصف بما تبقّى من رغبة المشاهد متابعة بطل خارق له موقف واضح وشخصية قويّة. هذا ليس طلباً يعكس موقفاً سياسياً (كأن يكون المشاهد محبّذاً للحلول العسكرية) بل درامياً. فإذا أضفت الى هذا، شخصية البطل غير الواضحة في تصرّفاتها وترددها، ثم كيف يمثّل روبرت داوني هذه الشخصية وجدت أن الفيلم لا يعمل جيّداً على هذه الأصعدة٠
في هذا الخصوص فإن المرء يرقب روبرت داوني وهو يحاول وضع نفسه أمام الشخصية التي يؤديها. كما نذكر لعب معظم مشاهده في الفيلم الأول وهو يرتدي البذلة. لم نشاهده يمثّل كثيراً، لكنه خلق بنجاح امتزاجاً جيّداً بين توني وآيرون مان فإذا بهما واحد فعلياً. هنا، مع إتاحة المزيد من المشاهد لروبرت داوني يؤدي شخصية توني فإن المناسبة مُتاحة لقيام داوني بلعب نفسه أمام الكاميرا وكما يحب سواء أكانت الشخصية في الأساس كُتبت هكذا او لا. تبعاً لذلك فهناك الكثير من روبرت داوني والقليل من توني ستارك وهي الممارسة ذاتها التي ضمّنها روبرت داوني لشخصية شرلوك هولمز في فيلمه الأخير "شرلوك هولمز" فإذا بنا نتابع ممثلاً يتصرّف كنجم أكثر مما يضع نفسه في تصرّف الشخصية على نحو ممعن ومخلص٠
في المقابل، هناك نجاحات محددة في هذا الفيلم وأذكر في مطلعها أنه في حين يفشل كل الممثلين الآخرين في الخانة المخصصة لهم (وهي التمثيل) يزيح ميكي رورك كل منافسيه بحذق مانحاً شخصيته الإستثناء المناسب. رورك يبرهن على أنه يستطيع أن يأكل روبرت داوني في مبارزة تمثيلية من دون جهد حقيقي. ربما كانت لكنته الروسية غير صحيحة دائماً لكنه لم يغلّبها على باقي عناصر إدائه. لقد صاغ رسماًِ للشخصية كما يريد أن يلعبها ودخل فيها من دون اكتراث لوضع شخصيّته أمام الشخصية التي يؤديها. في مشهد حواري واحد يجمع بين البطل وعدوّه هذا، تستطيع أن ترصد السبيل المختلف الذي يعالج كل من هذين الممثلين شخصيّته. وإذا كان صحيحاً أن رورك لم يقرأ السيناريو بل قرأ فقط مشاهده فإنه على الأرجح أقصى نفسه من البداية عن سخف التمثيل الآتي من معظم الممثلين الآخرين بخلق مسافة بينه وبين العمل. لقد توقّعت أن لا يكترث رورك لكيفية تأديته الدور على أساس أنه دور في فيلم آلي مصنوع للتجارة وليس للفن. لكنه فعل العكس في حدود المشاهد القليلة نسبياً التي أتيحت له٠
كذلك يتحسّن الفيلم من مستوى دردشات تتلوها مشاهد أكشن تتلوها دردشات، الى مستوى أكشن فاعل جدّاً على صعيد حتمية الصراع بين الخير والشر وذلك في ثلث ساعته الأخيرة. هذا لا يحسّن الفيلم مطلقاً لكنه ينقذه من إنحداره ويعيده الى بعض ناصيته المقصودة. إخراج جون فافرو (الذي يحشر لنفسه دور السائق الخاص في هذا الفيلم) يشبه كثيراً قرقعة التنك التي نسمعها. إنه يتعامل وقرقعة الأفكار التي تجعل من "ايرون مان" سوبرهيرو من تنك. يريد أن يأخذ الأمور بخفّة وبجدّية، لكن الناحيتين لا تعملان معاً على النحو المنشود فكلاهما يصبو لخلق صياغة ومزاج مختلفاً عن الآخر، وهذا ما يجعل من الفيلم، وعلى حد قول شكسبير "لغطاً كبيراً حول لا شيء"٠
.....................................................................
أوكرانيا / ألمانيا - 2010
دراما إجتماعية | مشاهد جيّدة التأليف بصرياً ضعيفة السياق درامياً تؤدي الي فيلم يُقدّر لجماله الموحش فقط٠
رحلة شاقّة لبطل الفيلم غريغوري (فكتور نيمتس) وأخرى أشق لمشاهدي فيلم المخرج سيرغي لوزنتزا الذي كان وُلد في روسيا لكنه هاجر الي ألمانيا حيث لا يزال يعيش ويعمل فيها منجزاً أفلاماً وثائقية في العادة٠
إنه فيلم متوحّد مثل بطله الذي يعمل سائقاً لشاحنة (نعرف لاحقاً أنها تحمل طحيناً) تنطلق الأحداث في الزمن الحاضر والشاحنة من نقطة في روسيا (غير واضحة) في خريف رمادي. حين تصل الشاحنة الى نقطة أمنية يتعرّض غريغوري الى معاملة فظّة من الشرطيين اللذين يحمي كل منهما ظهر الآخر. يواصل طريقه بصحبة رجل عجوز يطلب منه إيصاله وفي المقابل سيروي له قصّة. القصّة نراها في فلاشباك وتحكي قصّة ذلك العجوز حين كان لا يزال شابّاً خلال الحرب العالمية الثانية وتعرّض لموقف من ضابط فاسد ما استوجب قيامه بقتله. الراكب الثاني فتاة في السادسة عشر من عمرها تعمل عاهرة لكنه يمتنع عنها. يصلان الى ساحة بلدة في مناسبة من الفيلم للحديث عن عالم موحش من الناس الذين فقدوا الأخلاقيات والمباديء بصرف النظر عن هويّاتهم الإجتماعية. حين يترك السائق البلدة ممتنعاً عن ممارسة الغرام مع الفتاة (هو الأخلاقي الوحيد في الفيلم) يصل الى غابة ليلاً ويتوه فيها فيتوقّف بشاحنته في وسطها. ثلاثة رجال يتربّصون به لسرقة الشاحنة وأحدهم يضربه على رأسه ما يفقده الوعي لفترة طويلة هذا قبل أن يقرروا أن البضاعة لم تكن تستحق كل هذا العناء٠ تكتشفه عائلة تعيش على مقربة: تبيع الطحين في السوق والسيارة لمشترين (عملية البيع تكشف المزيد من فساد الذمم) والمرأة التي تشرف على كل شيء تجلس فوق السائق غير الواعي وتمارس الحب عنوة معه. بذلك تكمل حلقة استغلاله من كل النواحي٠ ينفصل الفيلم هنا وراء أحداث وشخصيات جديدة تنتقل أيضاً ما بين الزمن الحاضر والحرب العالمية الثانية حيث تروي قيام جنديين روسيين بقتل مزارع رغبة في السطو على منزله (بعدما كان استقبلهما ضيفين) وترك إبنه الصغير غير مدرك لما حدث. هل الإبن هو سيرغي اليوم؟ ربما خصوصاً وأن هذا الإحتمال هو، في الواقع، السبب الوحيد الذي من أجله نرى هذه القصّة الجانبية وهي تحتل جزءاً محسوباً من الفيلم. مهما يكن، ها نحن نعود الى السائق وهو عائد من حيث أتي. في الوقت ذاته، يوقف الشرطيّان الفاسدان اللذان شوهدا في مطلع الفيلم رجلاً وإمرأته ويقودان الأول الى المخفر. هناك يعتديان على الرجل ويطلبان من رجل آخر التوقيع على أن المعتدى عليه هو الذي بادر بالإعتداء. هنا يصل سيرغي ويتابع ما يحدث ويطلق النار على الشرطيين٠
كما لا سبب مفهوم للحكاية المنتصفية حول الجنديين القاتلين، ليس هناك سبب مفهوم لمشهد صغير في بداية الفيلم حيث يتم طمر جثّة رجل لا نعرف من هو في الأرض وصب الباطون فوقها وردمها. لكن على ذلك، فإن الناتج طوال الوقت مشدود الوتيرة والأسلوب. تصوير جيّد من الروماني أوليغ موتو الذي سبق له وأن أنجز فيلم "موت السيد لارنزو"، و"أربعة شهور، ثلاثة أسابيع ويومين" وكلاهما من أبرز إنتاجات رومانيا في السنوات الأربع الأخيرة)٠ في سياق التصوير، فإن الإعتماد علي شاشة عريضة وإدارة كلاسيكية غالباً للكاميرا يساعدان الفيلم علي إنجاز تأثير بصري نوعي جيّد. لكن هناك الكثير من الإعتماد على هذا التأثير بغية تمرير مشاهد ليست مبررة. بالنتيجة، محاولة المخرج لوزنتزا تمرير فصوله غير المترابطة وتفضيله سياق القفز فوق وحدة الحدث صوب أحداث أخرى في أزمنة أخرى تبقى موضع ضعف فني ودرامي على الرغم من أجواء الفيلم وقوّة مشاهده منفردة٠
غضب (انتهاك) | إخراج: تاكيشي كيتانو
.....................................................................
ياباني - 2010
تشويق [عصابات/]| عنف زائد عن الحاجة في فيلم أخطأت لجنة الإختيار في ضمّه للمسابقة لكنه لا يزال يحمل طابع سينما مخرجه٠
أفلام المخرج الياباني تاكيشي كيتانو لم تخل من العنف قبل هذا الفيلم. لكنها لم تخل من مادّة درامية وأحياناً إنسانية تمنح المتفرّج تنويعاً مطلوباً بحيث إذا رمشت عينه من وقع الصدمة، وجد عقله تبريراً لما يراه او، على الأقل، داعياً له٠
فيلمه الجديد يتبع تلك الفئة من أفلامه التي تتناول الحياة من داخل العصابة ذاتها، مع تاكيشي كيتانو ممثّلاً لدور لا يعفيه من ارتكاب الجرائم. كما الحال في فيلمه السابق "أخوة" قبل ثماني سنوات، هاهو يشترك في الجريمة نائياً عن أن يكون واعظاً او تائباً او أكثر من قاتل في خضم حياة هادرة ومهدورة من الجريمة والعقاب٠
كل شيء هنا ينطلق من اجتماع لعدد من رؤوس الياكوزا، بينهم كيتانو . إنهم في حضرة رئيس مجلس إدارة العصابة الكبيرة سانو-كاي (سويشيرو كيتامورا) المستاء من قيام أحد أتباعه بعقد صفقة منفردة مع زعيم منافس يتاجر بالمخدّرات. عملية التخلّص من أحد أتباعه ومن الزعيم المنافس تقع على كاهل كيتانو، الذي ينطلق وبعض رجاله للمهمّة. يبدأ عنف كيتانو كيتاشي كشخصية (يؤدي دوره بإسمه الآخر بيت تاكيشي) وكمخرج على التوالي حيث القتل يتم بمراحل التعذيب في مقدمتها مستخدماً ورجاله في ذلك كل شيء من قبضات اليدين الى السكاكين والمسدّسات، وحتى العيدان التي تُستخدم لتنخر في الجسم. إذا ما رجع المشاهد الي الخلف قليلاً سيلحظ أنه في حمى هذا القتل الذي يحوّل الفيلم الى آلة طاحنة، تغيب القضية المطروحة، او لعلها لم تُطرح أساساً. بذلك الفيلم موصوم بوجود فراغ كبير يمتد فيه كما العمود الفقري. نعم الإخراج تقنياً متقن، الفيلم فيه فن الإدارة المحكمة، لكن هذه المرّة، وعكس معظم مرّات كيتانو السابقة، لا يوجد ذلك البعد لا كتفسير لحالة إجتماعية او ترجمة لحالة نفسية فردية، ولا المخرج مكترثاً لمنح شخصياته في نهاية المطاف نوعاً من الشعور بالندم. إنه
بالنسبة لهذه الزمر المتناحرة والأفراد الذين يقتلون بعضهم بعضاً Business as usual
في تصفيات تستمر حتى النهاية حتى يختلط الأمر، وربما هذا مقصود، فيمن قتل من في حين أن الـ "لماذا؟" لا تعد ذات أهمية على الإطلاق
عام آخر | إخراج: مايك لي
.....................................................................
بريطانيا - 2010
دراما | شخصيات مايك لي المعذّبة تسطو على الحواس بينما يتابعها المخرج بأسلوبه الحياتي القائم على الملاحظة وقليل من السخرية والكثير من التعاطف والإشفاق٠
بين البريطاني مايك لي والأميركي وودي ألن علاقة سينمائية مموّهة. كلاهما يستخرج من واقع الحياة شخصيات واقعية وحكايات تنتمي الى المجتمع وليس الى أي نوع حاد من الخيال. لكنهما يختلفان بعد هذه النقطة الى حد النقيض. مايك لي يسبر غور الشخصيات من دون تغريب ويبقي كل شيء، بما فيها أداءات ممثليه وطبيعة شخصياته، طبيعية وحياتية كما لو أن عين المشاهد، وليس عين الكاميرا، هي التي كانت هناك. أما وودي ألن فيغريه الموقف المبني على الموقف السابق له منتقلاً بأحداثه وشخصياته من التأسيس الطبيعي وشبه الواقعي الى شريحة لا تستبعد الخيال بل تستخدمه لإيصال الرسالة٠
في "عام آخر" يتابع المخرج البريطاني حياة بضعة أفراد. لا يقف ليقول شيئاً كبيراً، بل يقول الشيء الكبير من دون أن يتوقّف. لا يشغل نفسه بعملية الإيصال، بل يترك لأسلوبه الممعن والهاديء القيام بالإيصال. المشاهد يدرك بعد حين أنه يعيش مع هذه الشخصيات في مشاقاتها لأنها حتى ولو اختلفت في الثقافة والسلوك، الا أنها تلتقي معه إنسانياً٠
توم (جيم برودبنت) وزوجته جيري (روث شين) تجاوزا الخمسين ولا زالا يعملان في مهنتيهما (هو جيولوجي وهي خبيرة إجتماعية). لديهما إبن أسمه جو (أوليفر مولتمان) يعمل محامياً في مطلع حياته المهنية. زميلة جيري في العمل أسمها ماري (لسلي مانفيل) وماري إمرأة مطلّقة في الأربعينات. تعيش وحيدة وهي وحيدة حتى وسط الناس رغم محاولاتها المستميتة للتعارف والتواصل. ما يمنعها من ذلك هو أنها ودّعت الشباب وثقتها بالباقي من حياتها، وبنفسها، ليست كبيرة. عيناها على رجل ما لكنها لا تنال الا الأقرب الى متناولها: الشرب. من ناحية توم، هناك صديق طفولته كن (بيتر وايت) الذي لا يقل عن ماري شراهة في طلب الخمر. حياته أيضاً انتهت من دون أن يموت. بدين. يأكل كل شيء ويشرب كل شيء ويبقى وحيداً٠
هذه الشخصيات، بالإضافة الى أخرى تلتئم في منزل كن من حين لآخر، قوام الحياة الإجتماعية الماثلة. لا شيء كثير يحدث وذلك بالتماشي مع طبيعة الأشياء. الدراما هنا ليست عبارة عن بناء يرتفع بل ليصل الى منتهاه، بل جملة من الأحاسيس مغزولة في نسيج فردي واجتماعي لا يقبل دخول عنصر غريب إليه٠
ليست كل أفلام مايك لي على ذات المنوال. فيلمه السابق "سعيدة محظوظة" او
Happy-Go-Lucky
كان أكثر حركة وإيقاعاً، لكن كل أعماله تختزن الحزن والمرح الممزّق بالألم ذاته. ربما بطلة "سعيدة ومحظوظة" لديها ما تردأ الوحدة والحزن عنها بالبقاء مبتهجة وربما تنتصر في ذلك، لكن الحزن والوحدة موجودان في حياتها أيضاً. هنا هما في حياة الجميع. ليس خفياً بل ظاهراً. حتى توم وزوجته اللذان يبدوان في مطلع والى منتصف الفيلم كما لو أنهما منيعان (هما أكثر أمنا اقتصادياً) هما معرّضان لاحقاً لخضّات من هذا النوع٠
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2010٠
1 comments:
:
داخل المدونة كالمعتاد تفاجاة بنزول عدد فيلم ريدر , ابو رضا كاتب يوم السبت يصدر العدد أستغربب ليه مبكر الصدور واليوم الخميس !(تذكرة انه انا متاخر عن الناس يومين هذا كله نتيجة اني عاطل الايام تستمر وانا انتظر الوظيفه وانتظر تكميل الدراسه , يالله المهم
أكثر الافلام اللى كانت منتظره قرءاتك له هو فيلم غضب لـ ( المجنون السوداوي ( كما أحب ان اسميه وان صحة التسميه أساسآ ) يعني جاء كغير المعتاد من سينما كيتانو كبناء درامي لقصه واحداثها ولا عمق في تناول الشخصيات
أنا سمعت انه صراحه ان فيلمه عنف لأجل العنف من غير دوافع ولا أسباب
يوم سمعت عن انتاج روبن هود قالت ايش راح يقدم غير المعتاد من هذي الشخصيه اذا كان بس تطوير بتصميم المعارك ولا أظافة تقنية وجرافيكس مايلزم فيلم من الاساس بس يوم تاكد ان ريدلي سكوت وراء المشروع قالت اكيد راح يقدم شي ما ختلف وجديد بس السؤال الى طرحه نفسه ايش هو المتخلف والجديد
وجاء قراءتك أستاذي على ماكنت افكره فيه
كنت أتمني اني شاهدة الافلام عشان اقدر اتفعل معك في وقت نزول القراءه
وخاصه فيلم مايك لي
بالنسبه له مدونة ظلال وأشباح ياليت تكثر اذا مافيه أمر طبعآ
من مقالات مثل "مفكرتي العزيزة "والمعذره وكل المعذره لكثرة تواجدي وتعليقاتي
عبدالعزيز منصور
Post a Comment