CASINO JACK | George Hickenlooper **
كازينو جاك | جورج هيكنلوبر
كازينو جاك | جورج هيكنلوبر
النوع: دراما [سيرة حياة] | الفئة: عروض محدودة
Film Review n. 196
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في كتاب يحمل إسم »كازينو جاك« صدر بعد صنع الفيلم محتوياً على كلمة للمخرج (جورج هيكنلوبر) وأخرى لكاتب السيناريو (نورمان سنايدر) ثم السيناريو نفسه وتعليقاً في النهاية من الناقد ف. أكس. فيني، يقول السيناريست سنايدر، إنه عمد الى فيلمي مارتن سكورسيزي
Casino و Goodfellows
لاستيحاء "الموديل" الكوميدي الأسود المُصاغ في عالم العصابة المنظّمة. لا بأس، رغم صحّة هذا الكلام مبدأياً، من الإضافة الى أن سكورسيزي مزج العالمين الواقعي والخيالي بغية توفير وجهة نظره الكوميدية الداكنة، في حين أن »كازينو جاك« أريد له أن يقوم على الواقع. في ذات الوقت تم التدخّل في هذا الواقع ليس على غرار سينمائي لتحلية مياهه المالحة، بل لمحاولة وضع بطله جاك أبراموف في بؤرة غير مضرّة، كما لو أن الفيلم يحاول شق طريق وسط بين الإدانة ومنح العذر لمجرم اقتصادي جمع أرطالاً من المال عبر قبض عمولات طائلة من القبائل الهندية لمساعدتها على فتح كازينوهات وأودع قسماً كبيراً من هذه الأموال في جيوب سياسيي واشنطن الأشاوس. هو -في الواقع- انتهى الى السجن، لكن السياسيين لا زالوا هناك وجيوبهم مفتوحة لأي صفقة يمكن إبرامها مع أي طرف.
ربما لأن أبراموف يهودي (وكاتب السيناريو كذلك) هناك نوعاً من تحييد المنهج الخطأ عن الشخصية ذاتها. لكن المهم هو أن »كازينو جاك« يخسر وقوده سريعاً وهو بعد في نصف ساعته الأولى بسبب من عدم وجود صراع فعلي واضمحلال الإهتمام بما قام به نتيجة الإصرار على تقديمه كرجل طيّب المعشر، متديّن ورب عائلة سعيدة. بذلك يتم تمييع وجهة النظر واستخراج فيلم رسالته السياسية تخرج مهذّبة من دون أنياب تنهش بها على غرار الفيلم الوثائقي عن ذات الشخصية، ذاك الذي أخرجه أليكس غيبني بعنوان
Casino Jack and the United States of Moeny
كَڤن سبايسي في دور جاك أبراموف (الملقّب لاحقاً بكازينو جاك) وها هو مع مطلع الفيلم يقف أمام المرآة ويكلّم نفسه في مونولوغ طويل وحاد النبرة. جاك يتوقّف عن تنظيف أسنانه ليتحدث عن كيف أن العامّة من البشر لا يستطيعون أن ينتموا الى السياسيين كما يُخيّل لهم. هو في الأسطر الأولى من الحوار
People look at politicians and celebrities on the TV, in the newspapers, glossy magazines- what do they see? “I’m jusl like them”. That’s what they say. “I’m a special. I’m different. I could be any one of them” Well, guess what? You can’t. You know why? ‘Cause in reality mediocrity is where most people live”.
والترجمة: "الناس تنظر الى السياسيين والمحتفى بهم على التلفزيون وفي الصحف والمجلات اللامعة وماذا يرون؟ "أنا مثلهم تماماً". هذا ما يقولونه: "أنا خاص. أنا مختلف. أستطيع أن أكون واحداً منهم". حسناً، لا تستطيع. هل تعلم لماذا؟ لأنه في الواقع الضآلة
هي حيث يعيش معظم الناس"٠
برسم جاك فاصلاً بين العامّة والسياسيين لا ينوي إدانة أي طرف بل ليصل الى تبرير ما سنراه به لاحقاً في المشاهد اللاحقة. أما الآن فهو يضيف، وهو لا يزال على ذات الوضع أمام المرآة:
I will not allow my family to be slaves. I will not allow the world I touch to be vanilla. You say I’m selfish? Fuck you? I give back. I give back plenty. You say I got a big ego? Fuck you twice! I ‘m humbly grateful for the wonderful gifts that I’ve received here in America, the greatest country on this planet”.
والترجمة: "سوف لن أسمح لعائلتي أن تكون عبيداً. لن أسمح للعالم الذي ألمسه أن يكون فانيلا (خاو من القيمة). تقول أنني أناني؟ (شتيمة). أنا أدفع في المقابل. تقول لي أن لدي نزعة نرجسية؟ أقول لك (شتيمة) مضاعفاً. أنا ممتن بتواضع للهبات الرائعة التي أحصل عليها هنا في أميركا. أعظم بلد على الكوكب؛٠
الآن وضعنا الكاتب ونفسه في مواجهة بعض المآزق٠
أولاً بتقديم بطله يحدّث نفسه وهو يحدّق في المرآة، من دون أن يأتي هذا المشهد في أعقاب أي مشهد يدفع جاك إليه، فإن السؤال السابق لأوانه، تبعاً للفيلم، هو لماذا يقول ما يقول؟ هل شتمه أحد قبل أن يبدأ الفيلم وكتم غيظه الى دخل الحمّام؟
ثانياً: بتقديم بطله يحدّث نفسسه وهو يحدّق في المرآة كمستهل للفيلم (من دون أن يكون المشهد منقولاً من فصل لاحق) يضع الكاتب حاجزاً لا داعي له. الآن، ومن قبل أن يبدأ الفيلم لدينا شخص يهاجم العامّة (معظمهم من مشاهدي الفيلم) من دون سبب، محدّداً بالتالي وضعه الذي كان على الفيلم بأسره أن يوضحه٠
حين يأتي دور الـ 99 بالمئة من مشاهد الفيلم الأخرى، فإن جديداً فعلياً على ذلك الموقف لا يمكن بناؤه، كذلك فإن قراءة المشاهد لشخص جاك تصبح مشروطة بضوء ما سبق.
طوال الفيلم سنرى جاك يخطط ويحيك ويبتسم لكل الأطراف وعينه على الملايين التي سيجنيها ومعارفه من الجمهوريين. لكن عوض أن يكون في ذلك إدانة له ولنظام فاسد، يمر كما لو أن المسألة ليست من قطعة حلوى كبيرة لكل الحق في الغرف منها. ليس أن الفيلم يتبدّى كتبرير للفساد، لكنه يلاعبه ضاحكاً. يقول لنا أن هذا خطأ، هؤلاء أناس مذنبون، لكني سأعمد الى فيلم غير مُدين، وبل ترفيهي عنهم. في سبيل ذلك، لا يمكن للمشاهد أن يثق بإي شيء يراه. الأحداث مركّبة. الشخصيات مفعول بها لتمنح المشهد هذا التوجّه او ذاك. مع مخرج ضعيف الموهبة فإن ما يطرحه لا يتّخذ مساراً ذات قيمة ومعنى عميقين. إنه ليس فيلماً ثقيل الوزن، بطرحه وفنّه، لكي يُخلّد، وليس خفيف الروح بحيث يثير قدراً من المرح ناهيك عن الترفيه، ولا هو الفيلم الذي يعرف الفرق بين السخرية والهزل. وفي كل هذه القصور هناك حقيقة أن العمل لا يتبلور الا على صعيد سرد حكاية صعود وهبوط كازينو جاك. او بالأحرى نصف صعوده، على أساس أن الفيلم لا يسرد كيف وصل أبراموف الى ما وصل اليه في بداية الفيلم من مكانة فاعلة، ونصف هبوط على أساس أن السجن لن يكون آخر المطاف.
DIRECTOR: George Hickenlooper. CAST: Kevin Spacey, Kelly Preston, Barry Pepper, Rachelle Lefevre, Jon Lovitz. SCREENPLAY: Norman Snider. PRODUCERS: Gary Howsam, Bill Marks, George Zakk. CINEMATOGRAPHY: Adam Swica. MUSIC: Jonathan Goldsmith. EDITOR: William Steinkamp (108 min). PROD. COMPANY: HBO (US- 2010).
THE NEXT THREE DAYS | Paul Haggis ***1/2
الأيام الثلاثة المقبلة | بول هاجز
الأيام الثلاثة المقبلة | بول هاجز
النوع: تشويق بوليسي [إقتباس عن فيلم] | الفئة: عروض دولية
Film Review n. 197
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قرب النهاية يُعاين أحد التحريين موقع الجريمة التي من المفترض أن تكون لارا (اليزابث بانكس) قد ارتكبت جريمتها عنده، ليتذكّر أن لارا كانت ذكرت حين أدلت بشهادتها ملتمسة البراءة، بأنها اصطدمت بإمرأة أخرى وسمعت سقوط زر من سترة تلك المرأة. التحري يذكر أن السماء كانت آنذاك (قبل ثلاث سنوات) تمطر كما هي تفعل اليوم. يقتطع ورقة ويرميها في جدول الماء الصغير الذي عند قدميه ثم يتابع الورقة ليرى الى أين ستذهب. هناك بالوعة على مقربة تسقط فيها. هو ومعاونته سيفتحان البالوعة بحثاً عن ذلك الزر الذي من شأنه إثبات براءة لارا او فتح التحقيق من جديد على الأقل. لكنه لن ير الزر. نحن فقط من سنرى الزر عالقاً وهو يغلق البالوعة من جديد٠
المشهد يقترح أن لارا بريئة من جريمة قتل رئيستها بعد مشادّة، بذلك يُجيب جزئياً عن السؤال الذي بقي عالقاً في سقف المسافة بين المشاهد والفيلم حول ما إذا كانت بريئة او مذنبة. يتوقّف على ذلك إذا ما كان من حق المشاهد أن يتعاطف معها او لا.
سأعود الى هذه النقطة من جديد بعد قليل، لأن موضوع الزر شغلني وأنا أتابع بشغف وإعجاب أفضل فيلم أخرجه بول هاجيز حتى الآن. أولاً، لمَ لم يتذكّر التحري موضوع الزر قبل الآن؟ الجواب على ذلك قد يكون أن لارا، كانت تمضي سنوات العقوبة في السجن ولم يخطر للتحري، وقد انتهت القضية بإدانتها أن يتذكّر. أما الآن وقد نجح زوجها جون (راسل كرو) في تهريبها من السجن، فإن التحري بدأ يستعيد بعض ما كان عليه أن يفكّر به قبل الآن. تفسير أقبله على مضض، لكنه ليس الوحيد الذي أقلقني.
هناك مسألة الزر نفسه. الزر حين يسقط في الماء لا يتحرك كما تتحرّك الورقة. يغوص ويبقى في قعر الجدول فوق الزفت. هذا بالطبع الا إذا كان الماء من قوّة الجرف بحيث يستطيع تحريك الزر الغائص من مكانه. أما كيف عرفت لارا أن ما سقط زرّاً فهذا يمكن تفويته، ولو أنه لم استطع الا وأن أتوقّف عند ملاحظة أخرى. هل أفوّتها؟ لا.
في أحد المشاهد المبكرة من الفيلم لارا وزوجها في البيت مع طفلهما. الوقت صباحاً. تلتقط معطفها قبل الخروج من البيت لتجد بقعة دم على قفا المعطف قرب الياقة. تدخل الحمّام لغسلها (من دون أن يراها زوجها) وحين تفعل نرى قدراً لا بأس به من الدم وهو يلوّن المغسلة. في الوقت ذاته يقتحم البوليس المنزل ويقودها قبل أن تنهي غسل المعطف وإزالة بقعة الدم.
في المشهد المذكور قرب النهاية، نعلم كيف انطبعت تلك اللطخة على المعطف. المرأة الأخرى، القاتلة الحقيقية، وضعت يدها الملوّثة بالدم على ياقة لارا حين اصطدمت بها. طيّب هل كانت يدها ملوّثة او مغموسة بالدم؟ إذا كانت ملوّثة، وهو ما يقترحه الفيللم، فإن كم الدم الغزير الذي اندلق في المغسلة هو أكبر من مجرد لوثة٠
للأسف لم يمنح هذا الفيلم البوليسي هذه التفاصيل ما تحتاجه من انتباه. لكن كل ما عداها رائع الى حد أنني أشعر الآن كما لو أنني أقحمت تلك الملاحظات عليه. »الأيام الثلاثة المقبلة« هو دراما بوليسية هيتشكوكية لولا أن هيتشكوك كان يمسح كل شيء بلمسة ساخرة. هذه اللمسة بالطبع ليست ضرورية او لازمة لا يمكن صنع فيلم تشويقي من دونها والدليل هنا.
إنها قصّة رجل عادي يؤمن ببراءة زوجته ويحاول البرهنة على ذلك، لكن القرائن ضدّها (من بينها لطخة الدم). حين يفشل محاميه في مواجهة تلك القرائن، وتبعاً لما بات يعانيه من عوامل نفسية وعاطفية، وما لاحظه من انطواء إبنه الصغير، يقرر القيام بعملية تهريب زوجته من السجن التي، في هذه الأثناء، تحاول الإنتحار ويتم نقلها الى المستشفى ما يدعم رغبة الزوج بإخراجها مهما كلّفه الأمر. خطّته ستقتضي إعادة إدخالها، وقد مضت ثلاث سنوات على سجنها الى المستشفى بحجّة ما، ثم خطفها من هناك بتدبير محكم. على الشاشة، تلك الخطّة تبدو فعلاً أقل اعتماداً على الصدف مما في الأفلام الأخرى. والمخرج لا يكشف الخطّة بكاملها قبل القيام بها، ولا يجعلها كلّها مجهولة، بل يحقق ما بتنا نعلم أنه سيقوم به، لكن في كل مرحلة هناك تفاصيل جديدة بعضها كان الزوج فكّر به وحسب له حساباً وبعضها الآخر وليد المرحلة ذاتها٠
إيقاع المخرج مشدود بفضل توليف من جو فرانسيس وشخصياته واضحة لكنها مثيرة للإهتمام، وهذه واحدة من مزايا السيناريست الجيّد (كونه كتب سيناريو فيلمه هذا). لم أشاهد الأصل الفرنسي الذي أخرجه فرد كافاييه سنة 2008 تحت عنوان: من أجلها
Pour Elle لكن هذا الفيلم حاضر بقوّة بصرف النظر عن ذلك الأصل ومتشبّع أميركياً. راسل كرو يمنحه البعد الشخصي وبعض العمق المتاح ناتج عن أن السيناريو لا يخلق له، كعادة أفلام أميركية ومصرية وفرنسية عديدة، شخصاً آخر (سنيداً) يتبادل وإياه الوضع حتى (قال أيه؟) نفهم ما يفكّر به البطل٠ وأسلوب المخرج في إدارة مشاهده وتوقيتها مُعنى به. لا يوجد إسراع في الوصول الى الغاية ولا يتحوّل الفيلم الى استطراد. في الواقع، ثلث الساعة الأخيرة او نحوها فخ محكم. لن تستطيع تغميض جفنيك في أي لحظة٠
DIRECTOR: Paul Haggis. CAST: Russell Crowe, Elizabeth Banks, Michael Buie, Moran Atias, Remy Nozik, Tobby Green. SCREENPLAY: Paul Haggis. SOURCE: “Pour Elle” BY: Fred Cavaye. CINEMATOGRAPHY: Stephane Fontaine (35 mm- Col). EDITOR: Jo Francis. MUSIC: Danny Elfman, Alberto Iglesias. PRODUCERS: Olivier Delbosc, Paul Haggis, Marc Missonnier, Michael Nozik. PROD. COMPANAY: Lionsgate/ Fidélité Films. DISTRIBUTOR: Universal [USA/ France-2010]
النوع: دراما عاطفية | الفئة: أفلام مرشّحة للغولدن غلوبس والأوسكار كأفضل فيلم أجنبي
Film Review n. 198
ينشطرالفيلم، عوض أن ينقسم، الى أحداث تقع اليوم وأحداث تقع بالأمس. حكاية تبدأ في العام 1971 ثم تقفز الى اليوم، ثم تعود في سلسلة طويلة من الفلاشباك الى سنوات مختلفة أقربها للحاضر العام 1981. في مطلع الفيلم حفلة ساهرة تحضرها العائلة والأم آنا (مكاييلا مازوتي) تُنتخب ملكة جمال السهرة أمام زوجها الغيور الذي، في مشاهد تقع بعد ربع ساعة او نحوها، يعنّفها حين عودة العائلة الى المنزل فتترك البيت مع طفليها وتنتقل لمعظم الأحداث اللاحقة من منزل الى آخر. نتعرّف في المشاهد التي تدور في الزمن الحالي، والتي تتناوب مع تلك الإستعادات، على أحد ولديها برونو (فاليريو ماستاندريا) وقد اتصلت به شقيقته لتخبره أن والدتهما ترقد في المستشفى. هو لم يسامحها منذ أن كان صغيراً لكنه الآن ومع المستجدّات يراجع حساباته ويوغل في التذكّر ومراجعة النفس ويغيّر موقفه منها.
يحاول الفيلم بيع متاعب أبطاله العاطفية للمشاهدين بقدر مماثل من الإنفعالات القلبية. الأحداث المنتقلة بين الأزمنة تختلف في صياغتها الفنية بعض الشيء. هناك عناية أفضل بتصميم المشاهد التي تقع مع برونو اليوم. ليس أن المشاهد التي تقع في الأمس مرمية على الشاشة كما اتفق، لكن قليلاً منها يبقى في البال. في مقابل مشاهد الحاضر التي تستفيد من وحدة البطل لبضع دقائق ثمينة من الصمت والتأمّل، هناك ثرثرة لا تنتهي في مشاهد الفلاشباك. بعد حين، كل المشاهد تصبح على نحو واحد من كثرة الحوار وقلّة لحظات التأمل. الى ذلك، يصطاد المخرج أسلوبه تبعاً للوضع الماثل. معظم المشاهد مؤلف من لقطات تنساب فيها الكاميرا على عجلات، لكن حين يكون هناك مشهد من نوع الشجار بين الزوجين فإن وضع الكاميرا وطريقة المونتاج يختلفان. يصبحان مثل سمكة خرجت من الماء وأخذت ترتجف على رصيف الميناء. هناك أشياء متعددة يرغب الفيلم قولها تجتمع تحت سقف حكاية عائلة تشتت بفعل أب غيور وأم استغلّت فرصة حريّتها لكي تعتاش على حساب علاقاتها، لكن المخرج يبقي كل تلك الأشياء ضمن خطّة التوجّه الى المشاهدين المحليين الذين لا يطلبون شيئاً سوى حكايات تغازل القلب.
لو أن المخرج اعتنى قليلاً ببنائه لاكتشف، من البداية، أن كثرة الحديث عن الماضي شتت الفيلم بأسره. هناك موضوع أهم يقع في الزمن الحاضر، لكن المخرج تغاضى عن أهمّيته موسعاً المجال أمام مشاهد الفلاشباك لكي تحتل نصف مدة الفيلم تقريباً. استخدامه للمقطوعات الموسيقية وظيفي وبلا قيمة يشبه توظيف هوليوود لها في أفلامها. على تعدد مشاهده وطاقة مخرجه ومدير تصويره، يمر الفيلم من دون فعل ربط بين المخرج وعمله كما لو أن المسألة هي إنجاز الحدث وليس دراسته.
Film Review n. 198
ينشطرالفيلم، عوض أن ينقسم، الى أحداث تقع اليوم وأحداث تقع بالأمس. حكاية تبدأ في العام 1971 ثم تقفز الى اليوم، ثم تعود في سلسلة طويلة من الفلاشباك الى سنوات مختلفة أقربها للحاضر العام 1981. في مطلع الفيلم حفلة ساهرة تحضرها العائلة والأم آنا (مكاييلا مازوتي) تُنتخب ملكة جمال السهرة أمام زوجها الغيور الذي، في مشاهد تقع بعد ربع ساعة او نحوها، يعنّفها حين عودة العائلة الى المنزل فتترك البيت مع طفليها وتنتقل لمعظم الأحداث اللاحقة من منزل الى آخر. نتعرّف في المشاهد التي تدور في الزمن الحالي، والتي تتناوب مع تلك الإستعادات، على أحد ولديها برونو (فاليريو ماستاندريا) وقد اتصلت به شقيقته لتخبره أن والدتهما ترقد في المستشفى. هو لم يسامحها منذ أن كان صغيراً لكنه الآن ومع المستجدّات يراجع حساباته ويوغل في التذكّر ومراجعة النفس ويغيّر موقفه منها.
يحاول الفيلم بيع متاعب أبطاله العاطفية للمشاهدين بقدر مماثل من الإنفعالات القلبية. الأحداث المنتقلة بين الأزمنة تختلف في صياغتها الفنية بعض الشيء. هناك عناية أفضل بتصميم المشاهد التي تقع مع برونو اليوم. ليس أن المشاهد التي تقع في الأمس مرمية على الشاشة كما اتفق، لكن قليلاً منها يبقى في البال. في مقابل مشاهد الحاضر التي تستفيد من وحدة البطل لبضع دقائق ثمينة من الصمت والتأمّل، هناك ثرثرة لا تنتهي في مشاهد الفلاشباك. بعد حين، كل المشاهد تصبح على نحو واحد من كثرة الحوار وقلّة لحظات التأمل. الى ذلك، يصطاد المخرج أسلوبه تبعاً للوضع الماثل. معظم المشاهد مؤلف من لقطات تنساب فيها الكاميرا على عجلات، لكن حين يكون هناك مشهد من نوع الشجار بين الزوجين فإن وضع الكاميرا وطريقة المونتاج يختلفان. يصبحان مثل سمكة خرجت من الماء وأخذت ترتجف على رصيف الميناء. هناك أشياء متعددة يرغب الفيلم قولها تجتمع تحت سقف حكاية عائلة تشتت بفعل أب غيور وأم استغلّت فرصة حريّتها لكي تعتاش على حساب علاقاتها، لكن المخرج يبقي كل تلك الأشياء ضمن خطّة التوجّه الى المشاهدين المحليين الذين لا يطلبون شيئاً سوى حكايات تغازل القلب.
لو أن المخرج اعتنى قليلاً ببنائه لاكتشف، من البداية، أن كثرة الحديث عن الماضي شتت الفيلم بأسره. هناك موضوع أهم يقع في الزمن الحاضر، لكن المخرج تغاضى عن أهمّيته موسعاً المجال أمام مشاهد الفلاشباك لكي تحتل نصف مدة الفيلم تقريباً. استخدامه للمقطوعات الموسيقية وظيفي وبلا قيمة يشبه توظيف هوليوود لها في أفلامها. على تعدد مشاهده وطاقة مخرجه ومدير تصويره، يمر الفيلم من دون فعل ربط بين المخرج وعمله كما لو أن المسألة هي إنجاز الحدث وليس دراسته.
DIRECTOR: Paolo Virzi. CAST:Valerio Mastandrea, Micaela Ramazzotti, Stefania Sandrelli, Claudia Pandolfi, Marco Messeri, Fabrizia Sacchi. SCREENPLAY: Francesco Bruni, Francesco Piccolo. CINEMATOGRAPHY: Nicola Pecorini. EDITORS: Simone Manetti (120).. MUSIC: Carlo Virzi. PRODUCERS: Fabrizio Donvito, Marco Cohen, Benedetto Habib [Russia- 2010].
النوع: دراما عاطفية | الفئة: كلاسيكيات السينما (2891)
Film Review n. 198
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يختار أنطونيوني تلخيص سينماه في هذا الفيلم متابعاً وجهة نظر رجل هو الشخصية الرئيسية في بحثها عن سحر وسر امرأة معينة. هذا الرجل من العمر والخبرة والمكانة الثقافية ما يجعله أهلاً لثقتنا وبالتالي مناسب لأن يتولى سرد الفيلم من وجهة نظره الذاتية٠
أفلام انطونيوني كثيراً ما جمعت رغبة البحث الحارة المنطلقة من ذات البطل والتي تطال النساء اللواتي حوله أو بعضاً منهن. أنطونيوني ذاته يبدو باحثاً مثالياً عن ماهية المرأة أو ـ بالتحديد ـ هويتها. لكن على عكس فدريكو فلليني الذي يشاركه هذا البحث بأسلوب ومنهج مختلفين، لا يميل إلى الفانتازيا ويتجنب النماذج الغريبة وعوضاً عنها يقدم حالات ذاتية واجتماعية تعكس أعماقاً إنسانية كاملة. كل فرد من أفراد أنطونيوني الرئيسيين، أو ربما غير الرئيسيين أيضاً، هو حالة قائمة بذاتها وقابلة للتصديق٠
بطله نيكولو (توماس ميليان) مخرج أفلام، وصديقته «مافي» (دانييلا سيلفريو) هي المرأة التي يبحث عنها بعدما اختفت. موضوع فيلمه القادم هو المرأة المثالية، والفيلم تسجيلي يريد عبره تحديد هوية تلك المرأة، لكن نيكولو لا يعرف بينه وبين نفسه ماهية تلك المرأة. كيف يمكن إذاً تحقيق فيلم عن المرأة المثالية إذا لم يكن يعلم مواصفاتها؟ من دون وعي، وفي عناء بحثه عن صديقته (نعلم منذ البداية أنه قد طلق زوجته حديثاً) ثم في عناء محاولة التعرف عليها من جديد وقد التقاها، يخلط نيكولو بينها وبين الشخصية المثالية التي يبحث عنها، وإذ يفقدها من جديد يعود إلى دائرة البحث المفرغة٠
نيكولو، مع نهاية الفيلم، يبدو قد اقتنع بعدم تحقيق ذلك الفيلم. عوضاً عنه أخذ يبحث في مشروع فيلم علمي ـ خيالي عاكساً قناعته بأنه لن يستطيع فهمها حتى ولو صرف حياته محاولاً. إنها نظرة المخرج الذاتية بلا ريب حمّلها لبطله وهو أيضاً قد يكون أحدنا، او قد لا يكون ففيه نتعرف إلى اختلافاتنا لكننا فيه أيضاً نكتشف ـ نحن الرجال ـ القاسم المشترك الذي يجمعنا: البحث عن المرأة المناسبة. في جزء كبير منه يبدو البحث فارغاً، عبثياً أو غير ضروري. لكن أشكال وموجبات ذلك البحث سريعاً تتكامل بمساعدة أسلوب أنطونيوني الرزين ومدلولاته العميقة في كل مرة يرى المتفرج نفسه أكثر تعلقاً بماهية ذلك البحث وبالهالة العاطفية (الجنسية) التي تنفذ إليه وأحياناً تحركه٠
عالم نيكولو قابل للتصديق ويبحث في أمور نتفاهم حولها، لكنه ليس واقعياً. بحثه فيه خيط رمزي بكل تأكيد. والمشهد الذي يجسّد ذلك الخيط غير الواقعي أكثر من سواه، هو الذي نراه فيه يبحث عن صديقته في مشهد على طريق منقطعة وكثيفة الضباب تمنعه عن الرؤيا. في المشاجرة التي يتم بعضها في ذلك الجو المضطرب ـ وقد سيطر عليه أنطونيوني سيطرة تامة مصمماً تنفيذاً مناسباً تماماً للحالة ذاتها ـ تكتشف هي ونكتشف نحن معها أن نيكولو يستغل اقترابها منه في سبيل إيجاد الشكل النسائي المناسب لفيلمه. إنها مسألة تطويع. إنه مهتم بالشكل وليس بالممثلة. أنه، ولو كررنا، يبحث عن المرأة المثالية ويواجه في إغراء إزالة الحواجز بين المرأة المهتمة به والمرأة التي يريدها لفيلمه. بمعنى أن «مافي» حين أرادته، أرادته لنفسها وليس من أجل أن يجد فيها المرأة المثالية٠
خلط المواقع عنده يتكرر حين يتعرف على الفتاة الأخرى أيدا (كريستين بواسون) بالرغم من كونها امرأة مختلفة الطباع والموقف الاجتماعي. أيدا تريد أن تصير امرأة أخرى لكن لا تدري أي امرأة تريد أن تصير، وبالرغم من هذه المعايشة غير المستقرة في ذاتها إلا أنها أدركت بدورها هو أن نيكولو هو أقل استقراراً منها.
هذا الثلاثي يؤلف في النتيجة قصة حب واحدة. لكن في الوقت الذي كانت فيه قصص الحب تعني الكثير في أي مجتمع، نرى أن نيكولو ومافي وأيدا والمخرج من ورائهم يقللون من قيمتها الفعلية في حياة اليوم، مدركين أن العصر الذي يعيشونه قد تغيّر وبتغيره ما عاد للحب مفعوله وصار حدوثه مناسبة لتبادل التصرفات من حوله ولفتح الأبواب المؤدية إلى الداخل (داخل الأنفس) أو إغلاقها. بالتالي قد يمر الحب دون التعرف عليه مثل المقطوعة الموسيقية الناعمة التي لا بد أن تمر على أذن كل إنسان لكن أصوات الضجيج من حوله والصخب الحياتي المتزايد قد يجعلها تمر دون أن يصغي إليها أو دون أن يسمعها أصلاً٠
أنطونيوني يهتم جداً بالأصوات هنا، إنها عنصر إضافي فوق العناصر التي بها يصمم مشاهده: الدرج الحلزوني، البحيرة المنقطعة، الطرق الضبابية، أو بعض تصرفات أبطاله ـ وبالأخص تصرفات نيكولو الصغيرة (في بداية الفيلم) أو الكبيرة ( لاحقاً)٠
نيكولو قد يرفض أن يكون ضحية، لكنه ضحية شاء أو أبى: في المشهد الأول نراه يعاني، رمزياً، من آثار زوجه السابق عندما يحاول دخول شقته فإذا بصفارة الإنذار التي وضعتها زوجته ضد اللصوص تنطلق. لاحقاً يعاني من مطاردته لــمافي ومن تقربه لأيدا، لكن مثل الفيلم كله هذه المعاناة لها مبرران أحدهما عاطفي والآخر فني. مثل «نقطة زابرسكي» و«المهنة: مخبر صحفي» وغيرهما من أعمال أنطونيوني النفيسة السابقة، فإن «هوية امرأة» فيلم عن محاولة رجل الخروج من ذاته بحثاً عن المرأة المناسبة في أكثر من رمز، ومثل تلك الأفلام الأخرى يرفع أنطونيوني الموضوع إلى مستوى الهاجس الشخصي في الوقت الذي يقدم فيلماً يدعو للتمعن مرة ويدعو للتمعن أكثر في كل مرة لاحقة٠
إنه ليس أفضل أفلام أنطونيوني (حين شاهدته في المرّة الأولى حملت له تقديراً أعلى من المرّة الثانية بقليل) لكنه كأعماله جميعاً تبقى آسرة للبعض ومضجرة للبعض الآخر. يعتمد ذلك على نوعية السينما التي يحبّها المرء٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2010٠