SKYFALL نقد فيلم


ISSUE 4 | N. 139
  وحيداً في الصالة  

[تارانتينو الجديد]
جايمي فوكس

لم تصنع السينما شيئاً في ماضيها لم تعد إليه لاحقاً. نظام الأبعاد الثلاثة كان اعتبر منهج عمل فاشل في الخمسينات، قبل أن تحوّله هوليوود الجديدة إلى تجارة نشطة. هيتشكوك مات جسداً لكن أفلامه وعشرات الكتب والمقالات بالإضافة إلى فيلم جديد عنه، لا زالت تطرحه كعلامة فارقة من علامات عصر السينما. و"الوسترن" لا يزال مطروحاً وإن لم يكن بالقوّة ذاتها والجميع بإنتظار ما سينبلج عنه فيلم كوينتين تارنتينو الجديد «دجنغو غير مقيد».  وأفلام "الإستهلاك السوداء" او ما أطلق عليه Blacxeploitation يطل كذلك برأسه عبر فيلم جديد ينطلق للعروض هذا الأسبوع بعنوان «الرجل ذو القبضتين الحديديّـتين» The Man With the Iron Fists.
  [Blacxeploitation]
RZA

هذا الصنف من الأفلام راج أواخر الستينات ومطلع السبعينات واضعاً في الحسبان إسناد البطولات الأولى لممثلين أفريقيين- أميركيين. بذلك وُلدت شهرة رتشارد راوندتري، جيم براون، بام غير، أنطونيو فارغاس، رون أونيل، تامارا دوبسون، فرد ويليامسون، تلموس رسولالا، ملفن فان بيبلز وآخرون عديدون. وراء هذه العودة مغني الراب RZA الذي لا يكترث أن خبرته لا تشمل التمثيل او الإخراج لكنه مقدم عليهما مندفعاً بموهبة مأمولة. ومعطيات السوق تشير إلى أن  فيلمه هذا سوف يجد ذوّاقون يقبلون عليه ولو في إطار السينما الأميركية وحدها ولو من باب الحنين إلى سينما ولّ نشاطها وقلّ حضورها نسبياً. 

[حفيد جنكيز خان]
 جون ميليوس

وRZA (نسبة لإسمه الكامل: روبرت فيتزجرالد ديغز) لديه موعد آخر مع الشهرة إذ وقّع مع المنتج أندري مورغن (أحد منتجي "العرّاب") على مشروع فيلم بعنوان "جنكيز خان" كتبه جون ميليوس الذي سبق وكتب وأخرج «كونان البربري» وسوف يتم تصويره في الصين متحدّثاً عن فتوحات القائد المغولي الشهير. لكن سؤالي هو أي دور سيؤدّيه مستر ديغز؟ معروف، ليس من باب عنصري بل من باب الواقع، أن لون بشرة المغوليين برمّتهم وملامحهم وقسمات وجوههم لا تشترك وملامح الأفريقيين في شيء. فهل سيؤدي الممثل شخصية حفيد بعيد؟ أو مستشار جيء به للمساعدة؟ او أفريقي جنحت به السفينة إلى أوروبا ومنها وصل إلى مشارف آسيا حيث التقى بجنكيز خان؟ السينما تجعل كل ما سبق ممكناً وهذا جمالها.

[فرانكو نيرو]
فرانكو نيرو

فيلم آخر مقبل يحمل نسمات "البلاكإكسبلويتاشن" هو ذاك الذي أنجزه كوينتين تارانتينو بعنوان «دجنغو غير مقيد» من بطولة جايمي فوكس في دور عبد أسود في أميركا السالفة ينال حرّيته ويبحث عمن خطف زوجته منه وفي الطريق سيبيد كل من يعاديه. إنه فيلم وسترن أيضاً وعنوانه يعود إلى تلك النوعية التي أدمن على صنعها الإيطاليون في صنف كانت له رواجاته أيضاً هو «الوسترن سباغيتي» والتي انطلقت في النصف الثاني من الستينات حتى منتصف السبعينات وأحد أبرز أفلامها هو «دجنغو» الذي أخرجه (المتكاثر حينها) سيرجيو كوربوتشي من بطولة فرانكو نيرو- الذي وعن قصد جيء به لكي يؤدي أحد الأدوار الثانوية في فيلم كوينتين تارنتينو علماً بأنه لم يتوقّف عن التمثيل طوال هذه الفترة في أفلام إيطالية وأميركية. في «دجنغو غير مقيد» (والدال لا تلفظ حين النطق) نلتقي أيضاً بليوناردو ديكابريو وسامويل ل. جاكسون ومن الجيل القديم، ولجانب فرانكو نيرو، الممثل بروس ديرن الذي كان له أيضاً باع في سينما الوسترن في السبعينات.


Skyfall    ****  سكايفول

[الإرهاب لا يعرف بلداً… وليس على الخريطة.
في الحقيقة إنها المخابرات البريطانية التي
عليها أن تلجأ إلى المخبأ]

المخرج
سام مندَز Robert Lorenz
أدوار أولى: 
دانيال كريغ  Daniel Craig
جودي دنش  Judi Dench
خافييه باردم   Javier Bardem
رالف فاينس  Ralph Fiennes
ناوومي هاريس  Robert Patrick
ألبرت فيني  Albert Finney
سيناريو:
بول برفيز  Paul Purvis
روبرت وايد  Robert Wade
جون لوغان  John Logan
تصوير [ألوان- 35 مم]
روجر ديكنز  Roger Deakins 
توليف [143 د]:
ستيوارت بيرد Stuart Baird 
موسيقا:
توماس نيومان   Thomas Newman
المنتج: 
باربرا بروكولي  Barbara Broccoli 
مايكل ج. ولسون  Michael G. Wilson
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
النوع: جاسوسية [مسلسل] | الولايات المتحدة/ بريطانيا (2012)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في النهاية يموت العهد القديم ويتركنا الفيلم مع مرحلة جديدة مقبلة. "م". رالف فاينس يجلس على المكتب الذي شغرته جودي دنش لثمانية أفلام. إسمه سيصبح "م" كما كانت هي "م" ومن قبلها روبرت براون وبرنارد لي، وسيتولّى إسناد المهام المستحيلة لجيمس بوند. في الحقيقة، وقبل أن يسخن مقعده، يطلب بوند إليه ويسلّمه ملفّاً ويقول له: "لدينا الكثير من الملفات يجب العمل عليها". 
هذا يعني الكثير من الأفلام التي ينتظر لها أن تنطلق لخمسين سنة أخرى إذا كان هذا ممكناً. بوند سيبقى في ثلاثينات حياته، والعالم كلّه سيتغير. وهما، بوند والعالم، متناوئان هنا أكثر من أي مرّة سابقة. هذا بوند إنسان ليس لديه وقت للهو لأن العالم ما عاد يتّسع للراحة. هو أقرب إلى كل منّـا من حيث شعورنا بأن العالم الحاضر، ذلك المتمثّل بالسياسة وبالإرهاب وبالفساد والمصالح والتطرّف،  صار الوحش الذي ابتدعه فرنكنستين فصار أقوى منه.
قبل خمسين سنة عندما ظهر جيمس بوند لأول مرّة عبر فيلم «دكتور نو» كان العالم مختلفاً كثيراً عما هو الآن وفي كل شيء: التقنيات، المجتمعات، القوى السياسية الفاعلة على الساحة، السينما ذاتها والهموم البشرية المختلفة من مكان إلى آخر. كان منقسماً إلى شرق وغرب ودول غير حيادية وأخرى لا صوت لها. الآن معظم الدول لا صوت لها، إما لأنها أضعف من أن تصرخ او لأنها شريك للقوّة الأكبر أيما كانت تلك القوّة. جيمس بوند وُلد آنذاك ليحل مسألتين مترابطتين: كيف يمكن مواجهة المعسكر الشرقي (الشيوعي) والقوى المتحالفة معه، وكيف يمكن له أن يذود دفاعاً عن الغرب وحلفائه؟
كانت التركيبة بسيطة والقسمة مقبولة على سذاجتها. لكن الحال، من عقد إلى آخر تبدّل، حتى إذا ما حط «سكايفول» في زمننا الحاضر جاء متشرّباً هموماً ومعضلات بعضها كان مجرد فانتازيات في الستينات والسبعينات، مثل تلك القدرة الهائلة لتقنيات التجسس والإتصالات التي تمحي الهويّة المستقلّة للجميع. أيام شون كونيري وروجر مور كانت تلك الهوية أمراً لا مساس او لبس فيه. بوند عميل مرتبط بسياسة جهاز المخابرات البريطانية التي وحدها تستطيع اختراقه والوصول إليه (أحياناً). في زمن دانيال كريغ في ثالث أدواره البوندية صار بلا دفاعات. مفتوح ككتاب. الكل يستطيع أن يصل إليه. تصيبه رصاصات الحلفاء والأعداء على حد سواء. ليس هو فقط، بل رئيسته "م"… ها هي عاجزة عن التصرّف. في خطر لم تشعر به من قبل. تترك مكتبها فإذا بالشرير سيلفا (جافييه باردم) يفجّره ومركز قيادتها. المخابرات البريطانية عليها أن تلجأ إلى أنفاق لندن القديمة المغلقة منذ الحرب العالمية الثانية وربما قبل ذلك.  "م" نفسها لن تجد نفسها آمنة حتى في مقر الحكومة البريطانية. حين استجوابها يقتحم سيلفا الجلسة ويبدأ بإطلاق النار على الجميع آملاً في أن يقتلها. بوند في أعقابه. هو ومدير العمليات الجديد (رالف  فاينس سينقذانها) وستجد نفسها مع بوند وحده هاربان إلى الريف الأسكتلندي.  إلى قصر قديم أسمه "سكايفول" طلباً للحماية، وبلا أسلحة تذكر. 

هذا أفضل جيمس بوند من عقود. وإذا كان لابد من تقسيم تلك العقود إلى حقبات فإنه أحد قمم ما تم إنتاجه من السلسلة (23 فيلم رسمي وواحد أقتنص خارج إنتاجات الشركة) إلى اليوم. ليس لأن الحكاية على نحو ما تقدّم، بل لأن هذه الحكاية تتحدّث عن عالم بلا ضوابط. عن إرهاب لا يعرف حدوداً جغرافية. عن حاضر ملبّد بالمخاطر لدرجة أن المخابرات البريطانية هي التي تلوذ بالهرب وتحاول درء الخطر عن نفسها.
بوند الجديد يحمل بعض النواحي التي لم تشأ أفلام بوند السابقة الخوض فيها. طبعاً في كل فيلم من السلسلة يشهد الموت ماثلاً أمامه وممثلاً إما تحت أشعّة اللايزر وإما بين قبضتي مقاتل ياباني شديد وإما تحت عجلات القطار او سقوطاً من الطائرة او محاطاً بالتماسيح. لكن في كل مرّة كانت نجاته ذات نكهة كوميدية. لا تستطيع أن تأخذها جدّياً. تقبل بها على أساس المعطيات الفانتازية وعلى مبدأ أن البطل لا يموت. لكن هنا، مع ذلك الحزن المتجلّي في نفس بوند، فإنه في كل مرّة يتعرّض فيها للموت هناك حسّ بأنه وُلد من جديد. حين يتم إطلاق النار عليه بالخطأ تبعاً لتعليمات "م" ويسقط من فوق القطار إلى حتفه. يغيب. ثم يظهر مع حس بأنه مات بالفعل لكنه عاد إلى الحياة. الماء التي سقط فيها جريحاً غسلته. آخر لقطة في تلك البحيرة التركية التي استقبلته كانت لا زالت تظهره غارقاً إلى تحت. 

بوند يعود وفي الوقت المناسب. "م" (جودي لنش) كتبت نعيه ومكتبه أغلق وملفّاته توارت. حين يظهر يتم إرساله إلى فحص عام لاختبار قدراته القتالية، وهو يفشل لكن "م" تخفي النتائج التي لا تليق بعميل مثله وتعيده إلى العمل. ربما ليس لديها حل آخر. المجرم الطليق سيلفا يخترق حصون المواقع الخاصّة لجهاز الإستخبارات البريطاني ويكشف أسماء العملاء معرّضاً إياهم للقتل. "م"، كما ذكرت، في موقع الخطر فهو يريد الوصول إليها. آخر ثلث ساعة من الفيلم هي جديدة على أي فيلم بوند سابق. إنها تكاد أن لا تكون "بوند" على الإطلاق بل جزء من فيلم بوليسي مختلف حدث أنه من بطولة كريغ ولنش.
في كل ذلك، هناك فيلم يحاول أن يمزج القديم بالحديث. الـ "أولد فاشن" بـ "ذ نيو فاشن". وهذا يشمل الحكاية وأماكنها وتضاريسها، ويشمل تصميم الإنتاج والإنتقال من موقع حديث إلى قصر قديم مهجور. يشمل أسلوب الإخراج ودراما الأحداث. يشمل إستخراج سيّارة بوند الأوستن القديمة ثم حرقها والإستغناء عن التقنيات الحديث في المقابل واستبدالها بأخرى أبسط منها وأسهل. من يقف وراء ذلك هو مخرج حقق أفلامه على منواله وليس على المنوال التقليدي. أخرج، بين ما أخرج «جمال أميركي» و«الطريق إلى ردمشن» و«ريفوليوشنري رود» وكلّها لا تمت إلى ما تريده هوليوود. لكن المخاطرة كانت كبيرة جدّاً هنا. بوند الماثل مركّب ولا يقل تعقيداً عن ذلك المزج الدقيق الحاصل. فهو إن كان "خالداً" كونه لا يموت، الا أنه أقرب بوند إلى البشر من أي بوند آخر بمن فيهم هو نفسه في الفيلمين السابقين: يتألّم ويُصاب وحياته عرضة لخطر الموت بأبسط الوسائل. لا لايزر ولا سقوط من طائرة على علو 20 ألف قدم بلا مظلّـة ولا شيء من هذا القبيل. بل صراع فعلي من أجل الحياة.
إنه ليس سرّاً القول أنه منذ أن باشر دانيال كريغ لعب هذه الشخصية أولاً في «كازينو رويال» ثم في «كم العزاء» والسلسلة شهدت تغيّراً إلى الأفضل. «سكايفول» هو ذروة النجاح وأفضل الثلاثة وفي جوانب كثيرة هو أفضل بوند في خمسين سنة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2 comments:

Jamal Wahbi said...

اسمح لي أن أكتب التالي: أقرأ الكثير من النقد والتنقيد بالعربية وبالإنكليزية و هذا أفضل نقد قرأته عن فيلم سكاي فول. ملم وشامل ومباشر ويفهم ما هو الفيلم وما هي السينما- صحيح ان مدوناتك تحب السينما. هذا واضح من طريقة كتابتك لها ومن سعادتك حين تكتب. عندي سؤال بخصوص بوند: ما هو الفيلم الذي تعتبره أفضل أفلامه من بين كل أفلامه؟ وسوال غير بوند: هل لا زلت تعيش في لوس أنجيليس وكيف يمكن الإتصال بك لكي نتعارف؟

جمال وهبي- سان دييغو

Jamal Wahbi said...

اسمح لي أن أكتب التالي: أقرأ الكثير من النقد والتنقيد بالعربية وبالإنكليزية و هذا أفضل نقد قرأته عن فيلم سكاي فول. ملم وشامل ومباشر ويفهم ما هو الفيلم وما هي السينما- صحيح ان مدوناتك تحب السينما. هذا واضح من طريقة كتابتك لها ومن سعادتك حين تكتب. عندي سؤال بخصوص بوند: ما هو الفيلم الذي تعتبره أفضل أفلامه من بين كل أفلامه؟ وسوال غير بوند: هل لا زلت تعيش في لوس أنجيليس وكيف يمكن الإتصال بك لكي نتعارف؟

جمال وهبي- سان دييغو