_________________________________________________________________
مدام كوراج
إخراج: مرزاق علواش
الجزائر/ فرنسا (2015)
دراما إجتماعية
★★★✩✩
رصد لحياة فرد ومجتمع ونقد للدين وتشابه مع "سائق التاكسي"
"مدام كوراج" فيلم عن الجزائر اليوم. شاب أسمه عمر (عدلان جميل). عاطل عن العمل. يفتقر إلى المعرفة والوجهة. مدمن على نوع من الحبوب المخدّرة ويعيش مع والدته وشقيقته العاهرة في كوخ وعلى هامش الهامش من الحياة. شغلته الوحيدة خطف الحقائب والمجوهرات من النساء والهرب مستخدماً دراجته النارية. يبيع ما يبيع ويحتفظ بما يحتفظ به والأمور تمشي، قبل الفيلم وخلاله على هذا النحو.
في مطلع الفيلم مشهد ليلي له وهو مُـطارد من قِـبل ثلاثة شبّـان. لا نعرف، ولن نعرف، السبب لكنه الإيحاء المدهم بأن لهذا الشاب مواقع خطرة وسوابق كانت ستؤدي إلى تعريضه للضرب على الأقل.
الفيلم يبدأ عملياً بترصد عمر تلك الفتاة سلمى (لاميا بزواري) وهي تسير مع رفيقاتها الى المدرسة. يلطش العقد منها ويهرب. مساءاً ينتظرها ويترصدها مرّة ثانية ويعيده. لقد راقبها وشعر حيالها بأنها لا تستحق أن تُـسرق. عندما يعيد إليها العقد ينظر كل منهما إلى الآخر. باب الحس العاطفي يُـفتح في إتجاهين.
لا يغيّـر عمر من طباعه وعمله. يواصل السرقة ويواصل الهرب لكنه يبدأ بتمضية بعض وقته في باحة البناية السكنية التي تعيش فيها سلمى مع شقيقها ووالدها العاجز. يطرده شقيقها ويحذّره من العودة. لكن عمر يعود فيوعز الشقيق لبعض معارفه بخطفه حيث يحقق معه (ليس واضحاً ما هي صفة الشقيق وما قيمة هذا التحقيق الذي لا ينجز إلا القليل من الأثر في مجرى الأحداث).
خلال كل ذلك يلقي المخرج الضوء ساطعاً على كنية عمر العائلية. الأم التي تواكب مشاهدة البرامج الدينية (نسمعها ولا نراها) والشقيقة التي تعمل عاهرة (وداخل الكوخ ذاته بعلم أمّـها). هناك خيط ملتصق بالحكاية الأصلية وتمنحها تكاملاً مهمّـاً هو كيف يعامل القواد شقيقة عمر وكيف يسعى عمر للإنتقام. لكن الإنتقام أكبر من عمر. مرزاق علواش يوصم المجتمع بأسره (من فوق متمثلاً بالشقيق والنظام الذي يستند إليه) ومن تحت (الطبقة الشعبية) بالشلل والعجز الذي يشبه تماماً عجز عمر عن أي فعل لإنقاذ نفسه وللتواصل مع الفتاة التي يحب ومع المحيط الذي ينتمي إليه.
وسط كل ذلك تأتي الإيحاءات التي تلقي باللوم على الدين. ليس فقط من خلال انصياع الأم لما تسمعه من آفات الفتاوى، وهي التي تحتاج قبل كل شيء لثورة تنهض بها وبعائلتها، بل من خلال استخدام المخرج للأذان دائماً وطويلاً وفي كل مناسبة أو دونها. الغاية هنا هي الربط بين الدين وبين الواقع المر الذي نتابعه كما لو أن الأول مسؤول برمّـته. هذا قصور في القراءة لأن الدين شيء والتطبيق شيء آخر. ما هو روحاني وإلهي لا يُـمارس والفهم الخاطيء ليس بسبب الدين بل بسبب طغيان الطبقة الدينية واستخدام المؤسسات لها لإبقاء الناس في حظائرهم التحتية تلك.
ما عدا ذلك يكاد "مدام كوراج" أن يكون جيّـداً في كل جزء آخر من حرفته. تمثيل مدهم من بطله واستخدام عضوي لصمته شبه الدائم، وتصوير يذكر، في استعراضه للبيئة المدنية وفي هوسه، باستعراض مارتن سكورسيزي لنيويورك في بعض أفلامه الأولى ومنها "سائق التاكسي".
في ذلك الفيلم تحدّث سكورسيزي، عن سيناريو وضعه بول شرادر- عن سائق التاكسي الذي يتابع الوضع الإجتماعي الأخلاقي منذ أن التقى بفتاة قاصر تعمل عاهرة (جودي فوستر) ويشعر أن عليه إخراجها من الخطيئة التي تعيش فيها. هذا الشعور ناتج عن موقف أخلاقي ناتج بدوره عن إرتباط وفهم ديني يؤدي به إلى التطرّف. هذا نقيض موقف عمر رغم علاقة البنية الدينية بوضعه ووضع عموم الناس حوله. كلا الفيلمان يربطان الأوضاع بالدين، لكن في فيلم سكورسيزي التطرّف صوب الدين هو التوجه الذي يقوم به سائق التاكسي (كما أداه روبرت دينيرو) في حين أن التطرّف الديني موجود ومتأصل أساساً وعمر هو ضحيّـته.
مثل "سائق التاكسي" ينتهج "مدام كوراج" منهج تصوير الشارع كبيئة (نيويورك في الأول، ضاحية ساحلية لمدينة مستغانم). مدير تصوير "مدام كوراج"، أوليڤييه غواربوا، يستخدم، بطبيعة الحال، الإضاءة الطبيعية والكاميرا المحمولة كما فعل مايكل شامبان مدير تصوير "سائق التاكسي". الفارق أن الفيلم السابق استخدم الفيلم بينما استخدم "مدام كوراج" الدجيتال والنتائج الفنية الأعلى هي من نصيب الفيلم طبعاً، رغم أن تصوير غواربوا ليس، تقنياً، معيباً بل يؤمن المطلوب جيّـداً.
وهناك العلاقة المعبّـر عنها في الوسيلة التي يتّـخذها بطل كل فيلم: ترافيز (دي نيرو) يقود السيارة وعمر (جميل) الدراجة النارية. كما كون الفتاة التي يقع كل منهما في نوع من الحب، ضحية تحتاج إلى إنقاذ. ترافيز سيقدم على مجزرة يقتل فيها القوّاد والزبائن وكل من حدث أنه كان موجوداً عندما اقتحم الشقة، وعمر يكاد يقتحم الشقة ويكاد يقتل الأب العاجز لولا تصدي الفتاة ثم يبقى مسلحاً بسيف قصير بإنتظار الشقيق. الفتاة في "سائق التاكسي" منسابة حسب الخطيئة التي استدرجت إليها تبعاً للظروف الإجتماعية وترافيز هو المرجع الديني المتطرّف الذي سيسعى لتخليصها. سلمى في "مدام كوراج" ليست خاطئة، لكن عمر يريد حبّـها (كما ترافيز) ويواجه عجزه بالعنف (كما ترافيز).
المشهد النهائي يختلف في مضمونه: تراڤيز يصحو بفعل نشاط التأثير الديني ومحاولته تطبيق الأخلاق، عمر يغفو نتيجة إدمانه وعدم وجود منشّـط سياسي في حياته.
مرزاق علواش: فيلموغرافيا
"عمر قتلاتو" (1977) *** | "مغامرة بطل" (1979) *** | "رجل النوافذ" (1986) *** | "حب في باريس" (1987) | "بعد أكتوبر" (1989) | "مدينة باب الواد" (1994) **** | "مرحبا، خال" (1996) ***| "شوشو" (2003) ** | "باب الواد" (2005) *** | "حراقات" (2009) *** | "نورمال" (2011) | "التائب" (2013) *** | "السطوح" (2014) ** | "مدام كوراج" (2015) ***
_________________________________________________________________
The Postman Always Rings Twice
ساعي البريد يدق مرتين دائماً
إخراج: تاي غارنت Tay Garnet
الولايات المتحدة (1946)
دراما بوليسية / فيلم نوار
★★★★✩
رواية جيمس م. كاين عن الرجل الواقع في فخ الحياة
جيمس م. كاين من أفضل كتّاب القصّة البوليسية وأعماله التي تحوّلت الى أفلام بلغ عددها نحو عشرين عملاً منها "تأمين مزدوج" [بيلي وايلدر- 1944] و"ملدرد بيرس" [مايكل كورتيز- 1945]. "ساعي البريد يدق مرّتين دائماً" (وبالترجمة الحرفية المتعبة "يرن الجرس" بدل يدق) تم نقلها ثلاث مرّات الى السينما. مرّة على يدي الإيطالي لوكينو ڤيسكونتي في فيلمه المحاك إيطالياً بإمتياز "هاجس" سنة 1943 ومن دون ذكر مصدر القصّة، ومرّة على يدي تاي غارنت، واحد من جنود هوليوود الممتازين والمجهولين، وذلك سنة 1946 (النسخة التي أستعرضها هنا)، والثالثة بإدارة المخرج بوب رافلسون سنة 1981 مع جاك نيكولسون وجسيكا لانغ في البطولة٠
رواية "ساعي البريد دائماً يدق مرتين" كانت أكثر جرأة من أن تقدم هوليوود على تحويلها إلى فيلم في ذلك الحين. ففيها نقل كاين أعباء الشعور الديني (المسيحي ـ الكاثوليكي نسبة للكاتب) بالذنب، والخطيئة، وأورد اسم الكنيسة في مواضع ترتبط بمكان الجريمة وكأن هذا تعبير عن السبب الذي من أجله يرى أن أبطاله يعانون الإحباط والأزمات الأخلاقية ويتحملون وزر ما يفعلونه مضاعفاً.
القصة، في تلخيص، تدور حول رجل بلا مستقبل يجد نفسه في مكان متعدد الخدمات ومنزوِ خارج المدينة: محطة وقود ومطعم للعابرين ومنزل للنوم في الطابق العلوي. فرانك (جون غارفيلد) يحل ضيفاً وعاملاً بفضل رعاية الرجل الطيّب نك (كالاواي)، لكن فرانك فيطمع في جمال الزوجة (لانا تيرنر) ويهيم بها شغفاً حتى يقوده ذلك إلى الاتفاق معها على قتل الزوج. بعد عدة أشهر، يحمل كل منهما عبء الجريمة المشتركة، لكن بطل كاين إلى جانب ذلك العبء الخفي يتأكد من أن علاقته بتلك الإمرأة ليست عابرة، وإنه يحبها فعلاً. وفقط عندما يبدو المستقبل وقد استقر لهما، تقع حادثة طريق تقتل فيها امرأته في نفس الصورة التي دبرا فيها قتل الزوج. هذه المرة الماضي سيعود، ولن تصدق لجنة المحققين أن الحادثة الجديدة هي قدرية، وستفتح مجدداً ملف الحادثة السابقة. هذه المرة سوف يتحمل بطل كاين وزر الجريمة وحده، بل وسوف يتحمل وزر جريمة أخرى لم يرتكبها.
لم تستطيع هوليوود، على الرغم من إعجابها بالرواية والموافقة عليها كقصة، تحويل العمل إلى فيلم حتى عام 1946، أي بعد 12 سنة من خروجها إلى الأسواق، والسبب في ذلك إن أحداً لم يستطع تجاوز المنطلقات العنيفة والمحرمات الأخلاقية التي كانت الرقابة تحرمها آنذاك، وتقديم فيلم بوليسي جيد في الوقت ذاته٠
لدينا رجل مقطوع ومفلس يدخل المطعم ليأكل فيعتقد أن السماء استجابت له ومنحته لا الطعام فقط، بل العمل والمرأة الجميلة. مثل أبطال آخرين للمؤلف، فإن المال مرتبط بالجنس (قوام فيلم النوار الآخر من تأليف كاين "تأمين مزدوج" عن موظّـف الشركة التي يمزج حب المال بحب المرأة ويخسر). لكن الشغف الذي ينتاب غارفيلد لا حدود له وتيرنر (كشخصية وكممثلة) من الفتنة والإغراء بحيث سيكون من غير المجدي تقديم رجل يستطيع مقاومتها ضمن هذه الظروف٠
غارنت، في محاولة منه لتفادي الرقابة الأخلاقية، استبدل المشاهد العاطفية بالدلالات. طبعاً سنرى ما هو عاطفي بلا إلتباس، لكن خذ مشهد البداية حين يرمي فرانك اعلاناً كان الزوج وضعه أمام محطّة البنزين يقول: "مطلوب رجل"، وهو يقصد بذلك عاملاً يساعده في الشغل. العبارة ذاتها تعكس أيضاً حالة الزوجة التي يتبدّى أن زوجها الطيّب لا يلبّيها، بذلك هي عبارة مزدوجة لا تغيب عن بال فرانك/ غارفيلد الذي قرر أن يثب الى الفرصة المزدوجة٠
غارنت (الذي أخرج 77 فيلماً ما بين 1920 و1975) يدرك أن موضوعه هنا كامل العناصر. ليس عليه إنجاز أسلوب "نواري" لأن القصّة وشخصياتها حافلة بالشروط الملائمة. السيناريو يغط في النوم ما بين الفصلين الأول والثالث، لكن اخراج غارنت ينقذ الموقف كذلك تمثيل غارفيلد وتيرنر٠
تاي غارنت (1894-1977):
من المخرجين الأميركيين المغمورين على جودة العديد من أفلامه. بدأ كاتب سيناريو وتحول إلى الإخراج في منتصف العشرينات. أهم أفلامه:
Her Man (1930) ***, One Way Passage (1932) ***, China Seas (1935) ****, Slave Ship (1937) ***, Bataan (1943) ****, The Postman Always Rings Twice (1946) ****, One Minute to Zero (1952) ***, Cattle King (1930) ***
_________________________________________________________________
لانا تيرنر (1921-1995):
مثلت منذ سن السابعة عشر بدءاً من العام 1937 لكنها أصبحت نجمة معروفة بعد نحو عشر سنوات ما يزيد عن 50 فيلم. أهم أفلامها (الفيلم، المخرج، التاريخ، التقييم):
Dr. Jekyll and Mr. Hyde | Victor Fleming *** (1941), Johnny Eager |Mervyn LeRoy *** (1941), Postman Always Rings Twice | Tay Garnett **** (1946), A Life of Her Own | George Cukor *** (1950), The Bad and the Beautiful | Vincent Minnilli *** (1952), The Sea Chase | John Farrow **** (1955)/
_________________________________________________________________
جون غارفيلد (1913-1952):
حسب أحد المصادر، فإن جنازة جون غارفيلد (إثر موته في الحادي والعشرين من أيار/ مايو 1952) كانت الثانية بين الممثلين، بالنسبة لحجم المعجبين الذين حضروها، من بعد جنازة رودولف ڤالنتينو. ممثل جيّـد وجاد واتهم بإنتمائه اليساري خلال الحقبة المكارثية ما عطّـل مسيرته الفنية في ذلك الحين. أهم أفلامه:
Four Daughters | Michael Curtiz *** (1938), They Made Me a Criminal |Busby Berkeley **** (1939), Juarez | William Dieterle *** (1939), The Sea Wolf | M. Curtiz *** (1951), Dangerously They Live | Robert Florey *** (1941), The Fallen Sparrow | Richard Wallace *** (1043), Destination Tokyo | Delmer Daves *** (1943), Postman Always Rings Twice | Tay Garnett **** (1946), Gentleman's Agreement | Elia Kazan *** (1947), We Were Strangers | John Huston *** (1050).
2 comments:
لم أشاهد فيلم الإعادة مع نيكلسون هل تنصح به؟
رمي اليافطة فعلاً كان مشهدا بسيطاً ومعبرا بنفس الوقت.
عزيزي تأخرت عليك في الرد واعتذر. كنت على سفر ومهرجانات ومشاغل الكتابة
نعم أنصح بفيلم الإعادة مع جاك نيكولسون وجسيكا لانغ خصوصاً إذا كنت شاهدت النسخة السابقة٠
تحياتي
Post a Comment