Year 8 • Issue: 254 | The Beguiled (The old & the New).



  فيلم الأسبوع                                           

THE BEGUILED 
إخراج: صوفيا كوبولا
Sofia Coppola 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد رُضــا
مقارنة بين فيلمين من مصدر واحد: 
فيلم صوفيا كوبولا ضد فيلم دون سيغل
من هو المخدوع حقاً: رجل يقع ضحية أم نساء يقعن في الشبق؟

★★★★★

• The Beguiled: نسخة صوفيا كوبولا من 

• نسخة دون سيغل/ كلينت ايستوود سنة 1971

العمل السينمائي الوحيد الذي تم نقله إلى الشاشة الكبيرة للمؤلف توماس كولينان (1919-1995) هو  The Beguiled الذي قام دون سيغل بإخراجه سنة 1971 وتعمد إليه ثانية المخرجة صوفيا كوبولا في نسخة جديدة عرضها المهرجان الفرنسي في مسابقته قبل يومين.
العنوان الإنكليزي ليس سهلاً احتوائه بتفسير واحد: Beguiled هو المخدوع الواقع تحت فعل مراوغة أو خطّـة ناتجة عن إغواء. في فيلم سيغال أمكن تسمية الفيلم بـ «المخدوع» (أو «المنخدع») نسبة إلى الرجل الذي يسقط في أسر نساء،  وفي نسخة صوفيا كوبولا تنطبق الكلمة على الإناث الستة اللواتي تسلل الجندي الشمالي إلى مدرستهن الخاصة فوقعن تحت جاذبيته كونهن يعشن في حرمان ما وكونه الرجل الوحيد في ذلك المكان، بالتالي هن «منخدعات» أكثر من خادعات كما ورد في نسخة سيغل.
حاولت طوال مدة عرض الفيلم الجديد (94 دقيقة) تجاهل الفيلم الأصلي، لكن ذلك لم يكن ممكناً. الفيلم الجديد ينقل الحكاية كلها والتغييرات التي في عمل المخرجة ليست حاسمة أو جديدة بحيث تمكن المشاهد من إلغاء فيلم سيغل إذا ما كان شاهده.

براءة ورجولة
في الأصل، وكما ورد على الغلاف الأخير من نسخة «بينغوين» البريطانية للنشر عندما اشترت حقوق الرواية الأميركية الصادرة سنة 1966، تلعب القصّـة على نسيج من العوامل النفسية والعاطفية والمرح الداكن. هذا المزيج ما بين العمق والترفيه الذي تقترحه الرواية والذي عمد إليه المخرج دونالد سيغل جيداً هو ذاته المفقود في فيلم صوفيا كوبولا في أول فيلم لها تقوم بإعادة تصويره (أو كما يسمى بـ Remake)
الحكاية الواردة هي بالخطوط العريضة والمتوسطة ذاتها: جندي جريح (كولن فارل في الفيلم الجديد وكلينت ايستوود في النسخة الأولى) من الجيش الشمالي، خلال الحرب الأهلية الأميركية في مطلع ستينات القرن التاسع عشر، يسقط جريحاً بالقرب من مدرسة فتيات في الجنوب الأميركي وبمعزل عن باقي رفاقه. تكتشفه فتاة صغيرة فيتم نقله إلى داخل المدرسة التي لم تعتد على أن يدخلها رجل. تتم مداواته وعلاجه لكن في هذه الفترة التي يستغرقها العلاج يغوي الرجل فتاتين راشدتين الفتيات  واهماً كل منهما بإخلاصه ما يوقع بينهما وكذلك بين كل الإناث الأخريات. في النهاية هو ضحية فعلته إذ يتم تسميمه (بإقتراح من فتاة صغيرة) للتخلص منه.

• كرستِـن دنست وكولِـن فارل في نسخة كوبولا

نسختا هذا الفيلم تختلفان في التفاصيل. في فيلم  إبنة فرنسيس فورد كوبولا هناك مدرّسة واحدة (نيكول كيدمان) مسؤولة عن حفنة من الفتيات (ستة). في نسخة سيغل هناك مدرّستان وعدد أكبر من الطالبات. أيضاً، يخلو فيلم كوبولا من إمرأة سوداء تخدم في المدرسة وتقوم بمهام التنظيف والعناية بالمكان وهو الأمر الطبيعي (الوارد في الحكاية أصلاً)  لكن هذا لم يغب عن نسخة سيغل. وفي فيلم كوبولا يتم قطع ساق الرجل لكن ساق بطل نسخة 1971 يحتفظ بساقه.
ثم هناك ما هو أهم من فروقات بين العملين. 
دون سيغل، وقد عمل مع كلينت ايستوود خمس مرات كان «المخدوع» ثالثها، وفّـر فيلماً الرجل فيه هو المحور الظاهر وليس البعد العاطفي المستتر. إنه من يسقط فريسة الإناث اللواتي أدخلنه جريحاً وعملن على العناية به. صحيح أنه جلب على نفسه النهاية الوخيمة إذ غرر بهن وألب بعضهن على بعض، لكنه خُـدع بدوره مصدقاً ما تبدى من براءتهن وقبولهن به بينما كن قد خططن لقتله بشوربة فطر مسموم.
في نسخة صوفيا كوبولا تركيز على أن الفتيات هن المنخدعات اللواتي صدقن الرجل وألفن إليه وترددن في تسليمه إلى الجيش الجنوبي فبادرهن بعد ذلك بمحاولة فرض سيطرته عليهن.

بين ممثلين
بوجود عدد كبير من الشخصيات النسائية في نسخة دون سيغل، هناك قدر أوسع من تباين الشخصيات النسائية. مثلاً يجد الرجل نفسه، في كلا الفيلمين، في جنة من النساء وعليه أن يقتنص الفرصة. كذلك فإن إحدى أهم الشخصيات الثانوية هي الخادمة الأفرو- أميركية لكونها تعكس وضعاً واقعياً. غيابها في نسخة كوبولا يخلق تساؤلات، فالحرب الأهلية قامت على مبدأ تحرير «العبيد» ووجودها يجسد هذه الحقيقة كما أنها، في الفيلم السابق، واحدة من الإناث الجميلات التي سوف تخلق لإيستوود بديلاً عاطفياً محتملاً.
في أسلوب كوبولا  المتمحور حول أنثوية الوضع أكثر من ذكوريته، فقدت المخرجة كوبولا وجهة النظر المتوسطة الذي وفرها الروائي  معايناً الموضوع والتاريخ والمكان والإشكالات المترتبة جميعاً. في الوقت ذاته، يفشل الممثل البريطاني كولين فارل (المحتفظ بلكنته الأيرلندية مخففة) في تقديم تشخيص ثري وقوي وليس مجرد أداء تنفيذي. هو ربما جيد فيما أتيح له: تقديم دور الجندي الذي يحاول السيطرة على نساء المكان بالخديعة. لكن ايستوود نفّـذ مشروعاً أكثر أهمية كدراما: هو الرجل الذي يحاول السيطرة على نساء المكان بالخديعة، لكنه الأقدر على تجسيد الشخصية الرجولية (الماتشو) وهو ما كان مقصوداً  في الأساس لشحذ الدراما بالتناقضات الحادة وخدمة لإيستوود كنجم واثب. 
فاريل، حجماً، لا يقنع في هذا المجال والأهم أن المخرجة خلعت أنيابه فإذا به أضعف، بدناً وشخصاً، من أن يجسد تلك الذكورية. 
«المنخدعات»، حسب كوبولا، عليه أن يكون فيلماً نسائياً  لأنها إمرأة. وهذا أضعف مبرر يمكن اعتماده في هذه الحالة. لقطاتها بعيدة ومتوسطة والتمثيل كذلك من الجميع: بعيد عن اثارة الإهتمام أو متوسط. لا ألفة يمكن أن يشعر بها المرء حيال أي من الأوضاع أو الشخصيات ولا يستطيع الفيلم تجسيد أبعد مما يعرضه. وإذا كانت مشكلة فيلم سيغل أن الجمهور لم يعجب بدور ايستوود- الأيقونة لكونه أكثر دكانة من المتوقع له، فإن الجمهور هنا لن يكترث لأن تكون العصمة بيد النساء لأن الشخصيات الواردة منها ضعيفة حتى وإن بدت، في نموذجين هما دور نيكول كيدمان ودور كرستين دنست، غير ذلك.

• كلينت ايستوود يتعرض لحلاقة خطرة في نسخة سيغل

فيلم كوبولا يفتقد عمق الدلالات. في جل أفلامها تعتبر كوبولا أن حكايتها تستطيع أن تسرد نفسها بنفسها. لا تحتاج لأن تكترث للتفاصيل التي تؤلف- بصرياً- الكيان التفاعلي بين المشاهد وبين الفيلم.
هذا يتضح منذ مشهد البداية: الفتاة الصغيرة في المدرسة كانت تجوب الغابة بحثاً عن الفطر فتجد الجندي جريحاً على الأرض. هذه البداية تحمل تمهيداً مقبولاً لكنه غير مركّـز.
في فيلم سيغل يبدأ بالجندي الجريح وهو يسقط أرضاً ثم يتدحرج من مرتفع إلى آخر قبل أن يستقر شبه غائب عن الوعي. هذه البداية تحمل الخلفية والتشويق والتركيز على الرجل في محنته أمام الحرب ولاحقاً أمام عواطفه والمرأة عموماً.
بمقارنة تمثيل جيرالدين بايج واليزابث هارتمان وجون آن هاريس بذلك المتوفر في فيلم كوبولا، تتبدّى أسباب لتفضيل التمثيل في الفيلم الأول عنه في الفيلم الجديد. إنه إختيار المخرجة، غير الصائب، في إبقاء الحدة الناتجة عن هذا الوضع في أدنى قدرة لها على التجسيد.


_______________________________________________________
©
كل الحقوق محفوظة للمؤلف بحكم قانون الملكية البريطانية
All rights are reserved by Mohammed Rouda
_______________________________________________________


0 comments: