أبطال الخيال الجامح يعودون
موجة من الأفلام الوطنية حول أبطال الحروب الأميركية

محمد رُضـا
12 Strong

هناك مجند سابق يمشي في بعض حقول إحدى البلدات الواقعة في الشمال الأميركي. هو عائد من حرب فييتنام وقاصد بيت رفيق سلاح تعرّف عليه هناك. تقابله أم رفيقه وتعلمه بأن صديقه ذاك مات. 
يعاود المجند المشي قاصداً البلدة ذاتها. يمر «شريف»  البلدة بسيارته بذلك المجند وهو يعبر الجسر صوبها. يوقفه ناظراً إلى هندامه وشعره الطويل وسلوكه المنطوي ويطلب منه أن يعود أدراجه فأمثاله غير مرحب بهم في تلك البلدة. 
يعود به إلى مطلع الجسر ويتركه هناك ثم يستدير الشريف بسيارته ويمضي. حين ينظر إلى مرآته الخلفية يرى أن المجند استدار بدوره وفي نيّـته دخول البلدة. 
ذلك هو الفصل التمهيدي من فيلم «دم أول» First Blood الذي سارعت شركة أورايون بيكتشرز، سنة 1982، بشراء حقوقه من الروائي ديفيد مورل الذي كان وضع روايته مستوحياً أحداثها وأبعادها من موقف جبهة عريضة من الأميركيين نظروا إلى الجنود العائدين من حرب فييتنام كما لو كانوا هم المسؤولين عن خسارة أميركا تلك الحرب. في نهاية الفيلم، الذي يتحوّل إلى أحد أفضل أفلام الأكشن في حينه، يلقي المجند رامبو (سلفستر ستالون) خطبة عصماء حول كيف ضحى الجنود الأميركيين بأرواحهم في تلك الحرب التي كانوا سينتصرون فيها لولا تقاعس السياسيين في واشنطن عن مؤازرتهم.

دزينة رجال
الوضع لم يتغير كثيراً في الحقيقة فيما تبع من حروب أميركية أخرى. الأفلام التي دارت حول الحرب في فييتنام هي، بخطوط عريضة، ذاتها التي دارت حول الحرب في العراق وهي ذاتها التي دارت حول الحرب في أفغانستان من حيث أنها تتناول أحد الجانبين: هي أفلام عن الجنود الأميركيين في رحى الحرب، أو عنهم بعد عودتهم إلى وطنهم. سياسياً، هناك أفلام ضد الحروب وأخرى معها وثالثة تتحاشى أن تكون ضد ومع وتختار الحديث عمن حارب فيها من الأميركيين.
ثلاثة أفلام حاضرة الآن تدور في هذا الوضع وتنتمي إلى النوع الوطني حيث البذل والفداء سمات على الأميركيين احتضانها وتبنيها وسط ضبابيات المشهدين السياسي والإجتماعي.
هذا تحديداً ما يتكوّن أمامنا عقب مشاهدة «قوة من 12» (12 Strong) الذي تقع أحداثه في أفغانستان مباشرة عقب قرار البيت الأبيض فتح جبهة قتال في ذلك البلد الآسبوي إثر أحداث 2001. كانت القاعدة أعلنت مسؤوليتها عن تلك العملية الإرهابية فقرر الرئيس آنذاك جورج و. بوش مهاجمتتها في عقر دارها. للغاية تم إنتخاب إثنا عشر جندياً من القوّة الخاصة لتكون رأس الحربة. والفيلم، الممهور بتوقيع مخرج جديد هو نيكولاي فوغلسيغ يتحدث عن بطولة هؤلاء وتفانيهم في المهمة الصعبة الموكلة إليهم. يقود كريس همسوورث فريقه ويقدم استعراضاً مناسباً، في الأداء كما في التجسيد الفيزيائي لجانب مايكل شانون ومايكل بينا. إنه الضابط الذي هزه الهجوم المريع فانطلق يبحث عن دور له في رد الصاع صاعين إلى أفغانستان. هذا في الأساس ما تمحور حوله كتاب Horse Soldiers الذي قام دوغ ستانتون بوضعه قبل تسع سنوات. وفي حين أن معلوماتنا عن الرواية لا تفيد في معرفة كيف يمكن لإثني عشر جندياً تحقيق إنتصارات مبهرة ضد مئات المقاتلين الأفغان، فإن الفيلم يتجاوز هذا السؤال بتحويله إلى واقع.  هو فيلم معارك من تلك التي عليها أن تثبت قضيتها الوطنية حتى وإن تخلت عن المعقول.

بلا سياسة
الأمر يختلف في «شكرا لخدماتكم» (Thank You for Your Services) فجنوده (براد باير، هايلي بانِت، جايسون وورنر سميث) خاضوا حرب العراق (يبدأ الفيلم بها) ثم عادوا منها بمشاكل نفسية وعاطفية. إخراج جاسون هول يحافظ على النبرة الدرامية عالية بعد مشاهد معارك مبكرة ولا يطرح العمل كفيلم حربي كما حال «قوّة من 12». والحكاية التي يسردها تتيح ذلك لأن معظم أحداثها تقع في رخاء الوطن الذي عاد الجنود إليه متعثرين بمشاكلهم النفسية التي لا ينجح الطب في معالجتها والتي تجعلهم، كما نرى في أكثر من حالة ماثلة، شخوصاً مهزومة داخلياً وغير قادرة على العودة إلى سابق حياتها الإجتماعية والعائلية.

Acts of Violence

هناك أفلام عديدة في الماضي القريب طرحت مثل هذه المشاكل: هناك «في وادي إيلاه» لبول هاجيز (2007) و«بلد الشجعان» لإرفن وينكلر و«قناص أميركي» لكلينت ايستوود وStop-Loss لكمبرلي بيرس (أكثر هذه الأفلام إمعاناً جاداً في دراسة الحالة). لكن هذا الفيلم إذ يكرر المفاد حول حال العائدين من الحرب يؤكد على أن المجتمع متقاعس في تقديره لدورهم الذي قاموا به في الحرب التي خاضوها في العراق.
لابد من الإشارة هنا إلى أن كل من «قوة من 12» يلتقي و«شكراً لخدماتكم» في استبعاد أي حديث يتداول نقاطاً سياسية. كذلك يلتقيان في الرسالة الوطنية. الأول عبر فيلم عسكري والثاني عبر أداء تحية عسكرية لمن يعتبرهم عائدين بلا تقدير كاف تماماً كما كان حال رامبو في «دم أول».
إليهما ينضم الفيلم الثالث في هذا الإستعراض. وهو ظاهرياً ليس فيلماً عن الحرب ولا عن العسكر ولو أنه يبدأ، كذلك، بمشاهد قتال في العراق. مثلهما هو فيلم يغرف من تيار السينما الوطنية حيث البطولات محققة بأشكال مختلفة.
الفيلم هو «أفعال عنف» ومخرجه، برت دونوهو، هو أيضاً جديد على المهنة. في الإنتماء هو فيلم أكشن يبحث، كالعديد من الأفلام، عن تنفيذ فعل انتقام ضد من اختطف خطيبة أحد ثلاثة أشقاء واقتادها لتجارة رقيق عصرية. في البداية نتعرف على دكلان (كول هاورز) وشقيقيه في فلاشباك آت من سنوات الصغر وهم يتعاركون ضد صبيان آخرين. ننتقل بعد ذلك إلى العراق وها هو دكلان يبلي بلاءاً حسناً، لكن- وبشطحة سريعة أخرى- يعود الى أميركا حيث يتشاجر مع الطبيب النفسي المعيّـن لمساعدة العائدين من الحرب على التأقلم مجدداً مع المجتمع. من بحاجة للتأقلم عندما يُفرض عليه أن يحارب الجريمة من جديد؟ 
هذا هو وضعه وشقيقيه عندما يواجهون عصابة قوية يرأسها ماكس (مايك إيبس) فشل البوليس، ممثلاً ببروس ويليس نفسه، في مجابهتها بفعل ما تتميز به من علاقات سياسية مع جهات نافذة هي ذاتها التي تدخلت لحماية كل عصابة شبيهة في الأفلام السابقة.

الفحوى هنا ليس فقط ترفيه الجمهور بحكاية معلوكة سابقاً عدة مرّات، بل إظهار أن القوّة هي في وحدة الأشقاء والإنصياع وراء التجربة العسكرية التي خاضها أحدهم، كما نرى في الفيلم إثر تدريب دنكلان لشقيقيه. الباقي هو كيف أن هذه الوحدة وتلك التجربة هي الفعل الوحيد الذي سيحقق القضاء على الجريمة.

0 comments: