"Roundhay Gardens Scene" فيلم العنوان هو لأول فيلم في التاريخ
Louis Aime Augustin le Prince أخرجه سنة 1888 في بريطانيا الفرنسي
لم أعد أذكر تماماً ما وقع في السابع من أيار/ مايو في لبنان سنة ١٩٧٥ما جعلني أتسلل الى مكتبي في جريدة الحياة ذات مساء بعد خروجي من المدرسة الثانوية لأطلب من رئيس التحرير نشر عمودي السينمائي في الصفحة الأولى. سألني: وماذا ستكتب فيه يهم القاريء الى هذا الحد٠ أجبت: أن الحرب تبعد الناس عن السينما٠ ضحك ووجدت نفسي أضحك معه ومن حسن حظّي أنه أعتقد أنني أمزح وانتقل الى مصمم الجريدة يدرس معه خارطة عدد يوم غد تاركاً إياي أخرج من غرفته بلا أذى٠
ذهبت الى البيت وكتبت شيئاً أهاجم فيه العنف الذي يقع بين أقطاب الناس وأتساءل إذا ما كان سيقدر المتحاربون نبذ السلاح وحل الأزمات والقضايا بالسلم وحده٠ بعد ذلك مزّقت ما كتبت وجلست أكتب أوراقي النقدية قدر ما تيسّر لي قبل أن أنجز بعض الكتابات المدرسية المطلوبة
في الخامس عشر من أيار/مايو- أي بعد أسبوع على ما حدث وبعد نحو شهر على أندلاع معارك تلت مجزرة الحافلة المدنية التي أطلق عليها مسلّحون من الكتائب النار بعد إيقافها فقتل وجُرح من كان فيها، أملت صالات السينما في بيروت أن تستعيد بعض قواها. عرضت الفيلم الفيلم الأميركي »هاري وتونتو« في صالة الإلدورادو في الحمرا وعرضت الفيلم المصري »رحلة العمر « والفيلم اللبناني »الأستاذ أيوب« من بين أفلام أخرى٠
الأميركي سقط ذريعاً رغم حصول بطليه آرت غارني وإيلين برستين علي أوسكارين كأفضل ممثلين٠ الفيلم المصري من بطولة شمس البارودي وإخراج الجيّد المنسي سعد عرفة حقق إقبالا متوسّطاً أما الفيلم اللبناني »الأستاذ أيوب« فهو الذي توجّه اليه أكبر قدر من المشاهدين في ذلك الأسبوع الحاسم٠
طبعاً مرارة مطلع سنوات الحرب الأهلية كانت قد أخذت تترك طعمها على ألسنة الداخلين الى الصالة٠ فيلم بول مازورسكي »هاري وتونتو« لم يكن لينجح كثيراً على أي حال بسبب أنه فيلم »مثقّفين« (إذا جاز التعبير)، لكن الفيلم الذي كانت تقود بطولته شمس البارودي كان عادة ما يسطع مثل الشمس في الشتاء حين تفتتحه صالة في المدينة٠
فيلم سعد عرفة »رحلة العمر« أمتاز بأنه لم يكن فيلماً رخيصاً رغم الكم الكبير من القبلات واللقطات العارية وعلى الرغم من كل ما تفعله شمس البارودي لتؤكد لنا أنها بطلة الإغراء والإثارة في العالم العربي. الفيلم قصّة حب عادية وضعها المخرج في جو مختلف عن أجواء الأفلام العاطفية العربية الأخرى وقدّمها ضمن مستوي نظيف وجيّد. صحيح أن الفيلم ليس في أهمية فيلمه السابق »غرباء« (الذي دار حول وقوف التعاليم الدينية والإجتماعية عائقاً في وجه بناء مجتمع أفضل)، لكنه أفضل بمراحل من أية أفلام عاطفية أخرى من تلك التي انساب وراءها عاطف سالم او حسين كمال او باقي الأسماء المعتادة على هذا الصنف من الأفلام٠
فيلم محمد سلمان (رحم الله الجميع) كوميدي بالطبع كان المخرج الهمام بدأ بتصويره تحت عنوان »مرحباً أيها الضحك« ثم استبدل عنوانه بـ »الأستاذ أيوب« نظراً لسهولة هذا الأسم وسرعة حفظه. الممثل الرئيسي من مصر وهو محمد عوض، وشريكه في جريمة التمثيل هنا الممثل اللبناني شوقي متّى (الذي كنت تحادثت وإياه قبل سنين عديدة حول ضرورة أن يلعب شخصية جبران خليل جبران لأنه بدا شبيهاً جدّاً به)٠ أيضاً من مصر فريد شوقي ومنى إبراهيم٠
القصة دارت حول استاذ موسيقا والمقالب التي يتعرّض لها مع بنات صفّه في حين أن صحافيا يلتقط فيلماً عارياً لعشيقة رجل أعمال ثري ويضيع منه في حقيبة الأستاذ فتتقدم بضعة أحداث ومصادفات يبني عليها المخرج قصّة فيلمه كلّها٠
كانت أفلام محمد سلمان دائماً خفيفة ولم ينتم منها واحد لصنف فني او موضوعي او منطقي. وفي إطارها لم تكن متساوية. هناك الرديء جداً والرديء وغير الجيّد وهذا كان غير جيّد . كان المخرج رجلاً خاصّاً يتعامل مع جمهور يحبّه ويبادله الحب ولا شيء من الواجبات التي يمكن للناقد أن يطالبه بها يمكن أن تسري عليه، لأي لا شيء كان أقنعه بأن هذه الأفلام المتهالكة لا مكان لها في التاريخ الا من منظور السقوط فيما لم تستطع الوصول اليه قلباً او قالباً٠
ذات مرّة كتب الناقد سمير نصري نقداً قاسياً بحق محمد سلمان فكتب المخرج عن سمير نصري مقالة أقسى ونشرتها صحيفة »النهار« التي كان الأول يعمل بها. لكن من ناحيتي كنت أصغر من أن يوليني اهتمامه ولاحقاً كانت طريقتي غير فظّة في نقده وهو قبلها- بل دعاني لمشاهدة هذا الفيلم في عرض خاص معه والذي حدث هو أنني وجدت نفسي أضحك في هذا الفيلم من أوّله الى آخره. أفلامه كانت ركيكة نعم. لكن بعضها، مثل هذا الفيلم، بينما لا تفي بأي غرض سام ولا تقدّم فكراً ما، الا أنها مسلية وظريفة وضحكت لها من دون خجل٠
ماذا حدث لييري وايز؟
مات٠
ومن يكون؟
في العام 1965 أنجز هذا المخرج الذي رحل عن 91 سنة سنة 1994 أول فيلم تشيكوسلوڤاكي- بريطاني مشترك وكان عنوانه
31º in The Shade
وكان ذلك حدثاً فنيّاً آنذاك. وايز صنع نسختين واحدة بحوار إنكليزي والآخر بحوار تشيكلي لكن الأحداث بقيت واحدة تدور في براغ حول علاقة عاطفية بين مدير محل كبير (جيمس بوث) وموظّفة (البريطانية آن هايوورد) اشتركا في عملية غش كبيرة (استبدلا الخمر في الزجاجات بالشاي) وحين يتم إكتشاف الأمر توافق الموظّفة على أن تتحمّل عبء الجريمة كما لو ارتكبتها وحدها على أساس أن المدير متزوّج ولديه عائلة٠ وهي كانت صدّقت ان العقاب بسيط إذا ما اعترفت به لكنها اكتشفت ان الرجل كان ينشد البقاء حرّاً طليقاً والإيقاع بها وحدها كما كانت خائفة من عقاب السُلطة التي بدأت التحقيق في الموضوع٠ كل هذا يدفعها للإنتحار لكن الرجل بطبعه نذل فيعيّن موظّفة أخرى ويبدأ معها علاقة عاطفية جديدة كما لو أن شيئاً لم يقع٠
هناك نسخة واحدة من الفيلم موجودة في أرشيف مدينة بيركلي (قرب سان فرانسيسكو) وكان رُشّح للغولدن غلوب بعد عام من إنتاجه لكنه لم يفز به. لا أذكره الا من خلال لمحات بسيطة، إذ شاهدته في مطلع الثمانينات في عرض خاص في مهرجان سان فرانسيسكو الذي كنت أحرص على حضوره (يومها كان أكبر وأهم مهرجان في أميركا الشمالية) ولم أكتب عن هذا الفيلم الا هذه الملاحظات التي ذكرت
تقدير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحية خاصّة للمخرج محمد خان
في أثناء ندوة سياسية أقيمت في أحد أيام مهرجان القاهرة عام 1983، وقف من قال إن عيب المخرجين الجدد يكمن في أن أساليبهم متشابهة ومعالجاتهم واحدة لا تتميز بتميز الفنان الواقف خلفها وذلك على عكس مخرجي الأمس الذي كنت ترى مشهداً من نصف الفيلم فتعرف المخرج من خلاله ولو فاتك قراءة اسمه في المقدمة.
هذا الإعتقاد لم يكن بأكمله بعيداً عن الصواب، لكن حين يأتي الأمر لأفلام بعض المخرجين مثل عاطف الطيّب ومحمد خان وخيري بشارة فإنه غير قابل للتطبيق٠
صحيح أن سينما هؤلاء، تحديداً وهناك آخرون قلّة، تتشابه في منحاها الواقعي وكيفية تصوير واختيار الملامح الواقعية. الا أن أسلوب سرد الحكايات (الأسلوب بمعنى كيف تسرد الفيلم وليس ما تقوله فيه) كان دائماً حافلاً بالتفاصيل المختلفة من مخرج الى آخر٠
قبل ذلك، كانت الشكوى السائدة من أفلام المخرج محمد خان هي أنها لا تعكس هماً اجتماعياً معيناً. من بعد «مشوار عمر» ثم «عودة مواطن» وبالتأكيد »أحلام هند وكاميليا«، خف مثل هذا النقد وإن بقي في الساحة من يعتقد أن فيلماً مباشراً عن آثار الانفتاح الاقتصادي على العائلة المصرية، على طريقة ما انتشر في فجاجة في الثمانينات، أفضل من فيلم فني المعالجة ينتقد عبر القضيّة المطروحة الجانب الذي يتصدّى له من دون صراخ ورفع رايات٠
لكن على الرغم من أن أفلام محمد خان الأولى، «ضربة شمس»، «الثأر»، «الرغبة» لم تحوِ دراسات ما في أي اتجاه اجتماعي مرهون بالفترة الاقتصادية أو السياسية المحددة، لكن لُبُنات المخرج الأولى هذه حوت على تأسيس الاتجاه الفكري والسياسي الذي يميز أعماله عن أعمال غيره. هذا إلى جانب أن السينما ليست منشوراً سياسياً وحده كما أنها ليست، على العكس، فناً خالصاً من كافة علاقاته الأخرى. إنها كالحياة تماماً فيها من كل شيء في كل فترة ومهما كان الموضوع أو المفارقة. هذا بالتحديد ما تقوم عليه سينما محمد خان وما جعلها مميزة بإستمرار على صعيد الموضوع، عن سينما المخرجين المصريين الجدد الآخرين٠
ذلك الحب والحزن
بإختصار
مقتطفات من مقابلة أجريت معه في العام 1968
السيناريو
لا دور لي في صياغة السيناريو، إنما دوري في كيف أُلهمُ الذين حولي باتجاه يحلو لي. طلبت من عاصم توفيق فكرة عن رجل يرجع إلى وطنه وكنت أعرف أن عاصم قضى ثماني سنوات في الغربة، وعارف بأن الكاتب سيضع تجربته الذاتية فيما يكتب. إلى جانب ذلك تثيراً اهتمامي شخصية رجل عائد لذلك لم أكن أريد أن أعبث بسيناريو عاصم توفيق مطلقاً. أحببت المادة كثيراً ولعب البيت (بيت العائلة) دوراً كبيراً في إحياء السيناريو. وكما ذكرت، كنت مهتماً كثيراً بشخصية شاكر التي لعبها يحيى، شخصية الرجل العائد الذي فقد انتمائه، لذلك عندما أخبرني أحد الأصدقاء الذين شاهدوا الفيلم بأني لا أحب أي من الشخصيات التي على الشاشة صدمت، لأني طبعاً متعاطف مع شخصية شاكر٠
استفزاز
سوداوية الظروف التي تعيش فيها شخصيات الفيلم مقصودة. أردت أن تلعب دوراً استفزازياً عند المتفرج. أن تشكل في النهاية عاملاً إيجابياً يدفع المتفرج للشعور مع ما يدور والانفعال فيه. النهاية تصور لنا رجلاً مشلولاً في المطار، فلا هو صعد الطائرة ولا دخل البلد من جديد. نهاية فيها حسرة. حتى الآن وأنا أرى الفيلم تدمع عيناي في تلك اللحظة. أنا أردت المتفرج ان يقول لنفسه عليَّ أن أفعل شيئاً"٠
ـ لكن المتفرج لم يقل ذلك، كما علمت أن إيرادات السوق كانت هابطة جداً٠
هذا غير صحيح على الإطلاق وأنا أعلم ذلك يقيناً. هذا الفيلم توقيت عرضه غلط جداً، نوعية عرضه غلط جداً بل كونه في السينما غلط جداً. إنه موجه لخمسة أو ستة مليون مصري يشكلون الطبقة المتوسطة. هذه الطبقة ترى الفيلم هذه الأيام على الفيديو، وهذا ما يفسره نجاح الفيلم الكبير على الأشرطة. الناس تشعر وكأنما الفيلم يصفعها، ودلالة ذلك النجاح عدد النسخ المطبوعة من هذا الفيلم، فالفيلم ذو النجاح العادي يطبع منه نحو نسخة، بينما طبع من هذا الفيلم 2800 نسخة. رأيي أنه من الأفلام التي ستدوم طويلاً، ستعيش، لأنه يلمس العائلة من الداخل بلباقة شبه مفقودة في سينما هذه الأيام٠
متعة
لقد حضرت نقاشاً أقيم حول الفيلم مؤخراً. بعد العرض قام أحد الشبان الذين، كما قال، سافر إلى الخارج وعاد وادعى أن الفيلم مزيف وليس حقيقي. إنه نوع من الناس الذين يرفضون مواجهة الواقع. متعتي كانت أن أحد الحاضرين قام ورد عليه وعبَّر عن شعوره الكبير بما رآه خاصة بمأساة الشقيق الذي لم يجد وظيفة وأدمن المخدرات. أعتقد أن قيمة الفيلم هي هنا، إنه لخص مصر في العشر سنوات الأخيرة، بعيداً عن تحديد المراحل، فلم يدخل ليقل لك «نحن الآن في مرحلة الانفتاح»، بل تناول الفترة تلقائياً. إنه يلخص العشر سنين في قسوة، في اختصار وفي الصميم٠
صحبة
عاصم توفيق هو مثل بطل السيناريو خريج حقوق، وهو أيضاً يخاف المحافل الحكومية، وعندما مثل يحيى الفخراني الدور كان، بإدراكه لهذه الحقيقة، يلعب دور عاصم توفيق. كان من المفروض أن ننتج الفيلم. عاصم ويحيى وأنا، معاً ونحن نعرف بعضنا البعض جيداً، لكني كنت منشغلاً في الفيلم المالديفي («يوسف وزينب») وعاصم لم تمكنه الظروف، فدفعنا بيحيى لإنتاجه٠
ـ هل واجهتكما مصاعب رقابية؟
لقد وضعنا أيدينا على قلوبنا، لكن الرقابة لم تنتبه تماماً إلى مضامين الفيلم وذلك من حسن حظنا وحسن حظ المتفرج. هنا تكمن لباقة عاصم توفيق في الحوار كما ذكاؤه. الكلمة التي تقال... أين ولماذا؟ مثلاً من أخطر الجمل التي يقولها الخال (عبد المنعم إبراهيم) «نحن عملنا يللي علينا، بكرة أولادنا يعموا اللي ما قدرناش عليه» هذه الجملة هي لب الفيلم لكن أحداً لم يحس بها، وخرج السيناريو دون ملاحظة واحدة، لأنه مكتوب جيداً وبأناقة أدبية٠
عقد
دائماً ما يحدثونك عن الشكل والمضمون والعقد إياها تلك. هنا عندي مضمون أحبه وأشعر به جداً وأعتقد أنه مضمون خطير، وفي نفس الوقت أعطيته الشكل. الكاميرا المتجولة دائماً موجودة في الفيلم. استخدم «الكران« دائماً في الفيلم كأنما أتلمس الجدار. لقد وجدت شكل الفيلم تلقائياً دون أن يعرقل مضمونه. خوفي كان أن يطغى أسلوب عملي على جمال المادة المكتوبة، لذلك كنت حذراً في تعاملي مع هذا الفيلم بالتحديد ٠
الممثلون
يحيى ممثل ناضج جداً، فطري وعلى عكس بعض الممثلين لا يفلسف أدواره، بل يعطي دون حدود، وهذا مهم جداً ونوعيته مطلوبة. وهو من الممثلين القليلين المتوفرين الذين يؤدون دور رجل الشارع بتلقائية. إنه ممتاز ومناسب. أعتقد أنه سوف لن يكون نجماً، بالمعنى المتعارف عليه، إلا بعد سنوات وهذا مما قد لا يعجبه لكنه لا يمس قدراته الفائقة كممثل. وقت يحيى قادم وسيكون مهماً جداً في السينما المصرية. بالنسبة لميرفت أمين، التي أعمل معها الآن على «زوجة رجل مهم» للمرة الثانية، أحس أن «عود مواطن» خطوة أولى في اتجاهها الجديد. إنها من ضمن جيل من النجمات اللواتي نضجن الآن ولم يستغل نضجهن بعد. إنها في الفترة الصحيحة وآمل أن ينتبه زملائي إليها على هذا الأساس من بعد أن يشاهدونها في «زوجة رجل مهم «٠
استعادات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كينغ كونغ الأول: أتكون وِحدَة العاشق سبب موته؟
كل ما شاهده الناقد من أفلام | دودوأباشيدزه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Dodo ABASHIDZE
Louis Aime Augustin le Prince أخرجه سنة 1888 في بريطانيا الفرنسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ISSUE 9 | Mohamed Khan Special| King Kong|
Dodo Abashidze |Films from the Grave.
ISSUE 9 | Mohamed Khan Special| King Kong|
Dodo Abashidze |Films from the Grave.
أفلام العدد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحيداً في الصالة
كنت مستعداً لقبول الحياة على ذلك النحو: قلاقل أمنية لأسبوع وأفلام جديدة لأسبوع آخر. في العام 1975 لم يكن هناك اختياراً وكان هناك دائماً سعد عرفة ومحمد سلمان وفيلم نال أوسكاراً او إثنين. ثم من هو ييري وايز وما هي آخر أخباره؟٠
.......................................................................................................
تقدير
هناك سبباً كبيراً يقف وراء حب الناقد لأفلام محمد خان، وبل لشخصه أيضاً: كلاهما طبيعي متآلف ومرتاح وكلاهما يحب السينما حبّاً كبيراً. نعم... هناك مخرجون لا يحبّون السينما لذلك هم محدودن في تطلّعاتهم وآمالهم وفي نتائج أفلامهم. لكن محمد خان من فصيل نادر لا في السينما المصرية فحسب. التقدير التالي يشمل دراسة عن سينماه ومراجعة لخمسة أفلام من أعماله في الثمانينات ومقتطفات من حوار دار بيننا في تلك الفترة التي كان فيها جيل محمد خان هو عنوان السينما العربية٠
.......................................................................................................
استعادات
King Kong **** فريق من الباحثين يصل الى جزيرة مجهولة. تستقبلهم قبيلة حصّنت نفسها في قلعة٠ وحين يجوب الباحثون في أرجاء الجزيرة يكتشفون إن أرضها لا زالت مرتعاً لحيوانات ما قبل التاريخ. هناك يستقبلهم أكبر غوريللا عرفته الشاشة وعينه تقع على واحدة من أجمل جميلاتها.... فاي راي٠ خلفيات نسخة 1933 تحمل تساؤلات عن رموز مثيرة للأهمية٠
.......................................................................................................
كل ما شاهده الناقد من أفلام٠٠٠٠
دودو أبادازه الذي شارك سيرغي باردجانوف إخراج فيلمين من أفضل أعماله٠
وحيداً في الصالة
.......................................................................................................
حياة وجيزة بين الحروبكنت مستعداً لقبول الحياة على ذلك النحو: قلاقل أمنية لأسبوع وأفلام جديدة لأسبوع آخر. في العام 1975 لم يكن هناك اختياراً وكان هناك دائماً سعد عرفة ومحمد سلمان وفيلم نال أوسكاراً او إثنين. ثم من هو ييري وايز وما هي آخر أخباره؟٠
.......................................................................................................
تقدير
هناك سبباً كبيراً يقف وراء حب الناقد لأفلام محمد خان، وبل لشخصه أيضاً: كلاهما طبيعي متآلف ومرتاح وكلاهما يحب السينما حبّاً كبيراً. نعم... هناك مخرجون لا يحبّون السينما لذلك هم محدودن في تطلّعاتهم وآمالهم وفي نتائج أفلامهم. لكن محمد خان من فصيل نادر لا في السينما المصرية فحسب. التقدير التالي يشمل دراسة عن سينماه ومراجعة لخمسة أفلام من أعماله في الثمانينات ومقتطفات من حوار دار بيننا في تلك الفترة التي كان فيها جيل محمد خان هو عنوان السينما العربية٠
.......................................................................................................
استعادات
King Kong **** فريق من الباحثين يصل الى جزيرة مجهولة. تستقبلهم قبيلة حصّنت نفسها في قلعة٠ وحين يجوب الباحثون في أرجاء الجزيرة يكتشفون إن أرضها لا زالت مرتعاً لحيوانات ما قبل التاريخ. هناك يستقبلهم أكبر غوريللا عرفته الشاشة وعينه تقع على واحدة من أجمل جميلاتها.... فاي راي٠ خلفيات نسخة 1933 تحمل تساؤلات عن رموز مثيرة للأهمية٠
.......................................................................................................
كل ما شاهده الناقد من أفلام٠٠٠٠
دودو أبادازه الذي شارك سيرغي باردجانوف إخراج فيلمين من أفضل أعماله٠
وحيداً في الصالة
.......................................................................................................
لم أعد أذكر تماماً ما وقع في السابع من أيار/ مايو في لبنان سنة ١٩٧٥ما جعلني أتسلل الى مكتبي في جريدة الحياة ذات مساء بعد خروجي من المدرسة الثانوية لأطلب من رئيس التحرير نشر عمودي السينمائي في الصفحة الأولى. سألني: وماذا ستكتب فيه يهم القاريء الى هذا الحد٠ أجبت: أن الحرب تبعد الناس عن السينما٠ ضحك ووجدت نفسي أضحك معه ومن حسن حظّي أنه أعتقد أنني أمزح وانتقل الى مصمم الجريدة يدرس معه خارطة عدد يوم غد تاركاً إياي أخرج من غرفته بلا أذى٠
ذهبت الى البيت وكتبت شيئاً أهاجم فيه العنف الذي يقع بين أقطاب الناس وأتساءل إذا ما كان سيقدر المتحاربون نبذ السلاح وحل الأزمات والقضايا بالسلم وحده٠ بعد ذلك مزّقت ما كتبت وجلست أكتب أوراقي النقدية قدر ما تيسّر لي قبل أن أنجز بعض الكتابات المدرسية المطلوبة
في الخامس عشر من أيار/مايو- أي بعد أسبوع على ما حدث وبعد نحو شهر على أندلاع معارك تلت مجزرة الحافلة المدنية التي أطلق عليها مسلّحون من الكتائب النار بعد إيقافها فقتل وجُرح من كان فيها، أملت صالات السينما في بيروت أن تستعيد بعض قواها. عرضت الفيلم الفيلم الأميركي »هاري وتونتو« في صالة الإلدورادو في الحمرا وعرضت الفيلم المصري »رحلة العمر « والفيلم اللبناني »الأستاذ أيوب« من بين أفلام أخرى٠
الأميركي سقط ذريعاً رغم حصول بطليه آرت غارني وإيلين برستين علي أوسكارين كأفضل ممثلين٠ الفيلم المصري من بطولة شمس البارودي وإخراج الجيّد المنسي سعد عرفة حقق إقبالا متوسّطاً أما الفيلم اللبناني »الأستاذ أيوب« فهو الذي توجّه اليه أكبر قدر من المشاهدين في ذلك الأسبوع الحاسم٠
طبعاً مرارة مطلع سنوات الحرب الأهلية كانت قد أخذت تترك طعمها على ألسنة الداخلين الى الصالة٠ فيلم بول مازورسكي »هاري وتونتو« لم يكن لينجح كثيراً على أي حال بسبب أنه فيلم »مثقّفين« (إذا جاز التعبير)، لكن الفيلم الذي كانت تقود بطولته شمس البارودي كان عادة ما يسطع مثل الشمس في الشتاء حين تفتتحه صالة في المدينة٠
فيلم سعد عرفة »رحلة العمر« أمتاز بأنه لم يكن فيلماً رخيصاً رغم الكم الكبير من القبلات واللقطات العارية وعلى الرغم من كل ما تفعله شمس البارودي لتؤكد لنا أنها بطلة الإغراء والإثارة في العالم العربي. الفيلم قصّة حب عادية وضعها المخرج في جو مختلف عن أجواء الأفلام العاطفية العربية الأخرى وقدّمها ضمن مستوي نظيف وجيّد. صحيح أن الفيلم ليس في أهمية فيلمه السابق »غرباء« (الذي دار حول وقوف التعاليم الدينية والإجتماعية عائقاً في وجه بناء مجتمع أفضل)، لكنه أفضل بمراحل من أية أفلام عاطفية أخرى من تلك التي انساب وراءها عاطف سالم او حسين كمال او باقي الأسماء المعتادة على هذا الصنف من الأفلام٠
فيلم محمد سلمان (رحم الله الجميع) كوميدي بالطبع كان المخرج الهمام بدأ بتصويره تحت عنوان »مرحباً أيها الضحك« ثم استبدل عنوانه بـ »الأستاذ أيوب« نظراً لسهولة هذا الأسم وسرعة حفظه. الممثل الرئيسي من مصر وهو محمد عوض، وشريكه في جريمة التمثيل هنا الممثل اللبناني شوقي متّى (الذي كنت تحادثت وإياه قبل سنين عديدة حول ضرورة أن يلعب شخصية جبران خليل جبران لأنه بدا شبيهاً جدّاً به)٠ أيضاً من مصر فريد شوقي ومنى إبراهيم٠
القصة دارت حول استاذ موسيقا والمقالب التي يتعرّض لها مع بنات صفّه في حين أن صحافيا يلتقط فيلماً عارياً لعشيقة رجل أعمال ثري ويضيع منه في حقيبة الأستاذ فتتقدم بضعة أحداث ومصادفات يبني عليها المخرج قصّة فيلمه كلّها٠
كانت أفلام محمد سلمان دائماً خفيفة ولم ينتم منها واحد لصنف فني او موضوعي او منطقي. وفي إطارها لم تكن متساوية. هناك الرديء جداً والرديء وغير الجيّد وهذا كان غير جيّد . كان المخرج رجلاً خاصّاً يتعامل مع جمهور يحبّه ويبادله الحب ولا شيء من الواجبات التي يمكن للناقد أن يطالبه بها يمكن أن تسري عليه، لأي لا شيء كان أقنعه بأن هذه الأفلام المتهالكة لا مكان لها في التاريخ الا من منظور السقوط فيما لم تستطع الوصول اليه قلباً او قالباً٠
ذات مرّة كتب الناقد سمير نصري نقداً قاسياً بحق محمد سلمان فكتب المخرج عن سمير نصري مقالة أقسى ونشرتها صحيفة »النهار« التي كان الأول يعمل بها. لكن من ناحيتي كنت أصغر من أن يوليني اهتمامه ولاحقاً كانت طريقتي غير فظّة في نقده وهو قبلها- بل دعاني لمشاهدة هذا الفيلم في عرض خاص معه والذي حدث هو أنني وجدت نفسي أضحك في هذا الفيلم من أوّله الى آخره. أفلامه كانت ركيكة نعم. لكن بعضها، مثل هذا الفيلم، بينما لا تفي بأي غرض سام ولا تقدّم فكراً ما، الا أنها مسلية وظريفة وضحكت لها من دون خجل٠
ماذا حدث لييري وايز؟
مات٠
ومن يكون؟
في العام 1965 أنجز هذا المخرج الذي رحل عن 91 سنة سنة 1994 أول فيلم تشيكوسلوڤاكي- بريطاني مشترك وكان عنوانه
31º in The Shade
وكان ذلك حدثاً فنيّاً آنذاك. وايز صنع نسختين واحدة بحوار إنكليزي والآخر بحوار تشيكلي لكن الأحداث بقيت واحدة تدور في براغ حول علاقة عاطفية بين مدير محل كبير (جيمس بوث) وموظّفة (البريطانية آن هايوورد) اشتركا في عملية غش كبيرة (استبدلا الخمر في الزجاجات بالشاي) وحين يتم إكتشاف الأمر توافق الموظّفة على أن تتحمّل عبء الجريمة كما لو ارتكبتها وحدها على أساس أن المدير متزوّج ولديه عائلة٠ وهي كانت صدّقت ان العقاب بسيط إذا ما اعترفت به لكنها اكتشفت ان الرجل كان ينشد البقاء حرّاً طليقاً والإيقاع بها وحدها كما كانت خائفة من عقاب السُلطة التي بدأت التحقيق في الموضوع٠ كل هذا يدفعها للإنتحار لكن الرجل بطبعه نذل فيعيّن موظّفة أخرى ويبدأ معها علاقة عاطفية جديدة كما لو أن شيئاً لم يقع٠
هناك نسخة واحدة من الفيلم موجودة في أرشيف مدينة بيركلي (قرب سان فرانسيسكو) وكان رُشّح للغولدن غلوب بعد عام من إنتاجه لكنه لم يفز به. لا أذكره الا من خلال لمحات بسيطة، إذ شاهدته في مطلع الثمانينات في عرض خاص في مهرجان سان فرانسيسكو الذي كنت أحرص على حضوره (يومها كان أكبر وأهم مهرجان في أميركا الشمالية) ولم أكتب عن هذا الفيلم الا هذه الملاحظات التي ذكرت
تقدير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحية خاصّة للمخرج محمد خان
في أثناء ندوة سياسية أقيمت في أحد أيام مهرجان القاهرة عام 1983، وقف من قال إن عيب المخرجين الجدد يكمن في أن أساليبهم متشابهة ومعالجاتهم واحدة لا تتميز بتميز الفنان الواقف خلفها وذلك على عكس مخرجي الأمس الذي كنت ترى مشهداً من نصف الفيلم فتعرف المخرج من خلاله ولو فاتك قراءة اسمه في المقدمة.
هذا الإعتقاد لم يكن بأكمله بعيداً عن الصواب، لكن حين يأتي الأمر لأفلام بعض المخرجين مثل عاطف الطيّب ومحمد خان وخيري بشارة فإنه غير قابل للتطبيق٠
صحيح أن سينما هؤلاء، تحديداً وهناك آخرون قلّة، تتشابه في منحاها الواقعي وكيفية تصوير واختيار الملامح الواقعية. الا أن أسلوب سرد الحكايات (الأسلوب بمعنى كيف تسرد الفيلم وليس ما تقوله فيه) كان دائماً حافلاً بالتفاصيل المختلفة من مخرج الى آخر٠
قبل ذلك، كانت الشكوى السائدة من أفلام المخرج محمد خان هي أنها لا تعكس هماً اجتماعياً معيناً. من بعد «مشوار عمر» ثم «عودة مواطن» وبالتأكيد »أحلام هند وكاميليا«، خف مثل هذا النقد وإن بقي في الساحة من يعتقد أن فيلماً مباشراً عن آثار الانفتاح الاقتصادي على العائلة المصرية، على طريقة ما انتشر في فجاجة في الثمانينات، أفضل من فيلم فني المعالجة ينتقد عبر القضيّة المطروحة الجانب الذي يتصدّى له من دون صراخ ورفع رايات٠
لكن على الرغم من أن أفلام محمد خان الأولى، «ضربة شمس»، «الثأر»، «الرغبة» لم تحوِ دراسات ما في أي اتجاه اجتماعي مرهون بالفترة الاقتصادية أو السياسية المحددة، لكن لُبُنات المخرج الأولى هذه حوت على تأسيس الاتجاه الفكري والسياسي الذي يميز أعماله عن أعمال غيره. هذا إلى جانب أن السينما ليست منشوراً سياسياً وحده كما أنها ليست، على العكس، فناً خالصاً من كافة علاقاته الأخرى. إنها كالحياة تماماً فيها من كل شيء في كل فترة ومهما كان الموضوع أو المفارقة. هذا بالتحديد ما تقوم عليه سينما محمد خان وما جعلها مميزة بإستمرار على صعيد الموضوع، عن سينما المخرجين المصريين الجدد الآخرين٠
الاختلاف الثاني هو ذلك المرتبط بأسلوب تنفيذ المخرج لأعماله. هذا الأسلوب الذي يبدأ أساساً من اختياره الفكرة التي ترضيه والتي تنتقل إلى الكيفية التي يختار فيها الصورة الماثلة على الشاشة. نعم، فمع محمد خان تستطيع أن تتعرف عليه لو فاتك اسمه في بداية الفيلم، وذلك لأن كل فيلم من أفلامه يتعامل مع بضع عناصر تشكل سينما محمد خان٠
أحد هذه العناصر هي الشخصيات الرئيسية التي يقدمها المخرج. لقد كتب بشير الديك معظم سيناريوهات الأفلام التي حققها المخرج ما بين 1978 (تاريخ أول فيلم روائي طويل حققه المخرج) و1985 (قبل دخول السيناريست عاصم توفيق إلى عالم المخرج بفيلم «خرج ولم يعد») وهذا لا ريب أنه عكس جزءاً من التوجهات الاجتماعية التي قامت عليها فيما بعد أعمال بشير الديك كاتباً ومخرجاً. تعامل محمد خان مع بشير الديك وقع عندما كانت أعمال الديك تتمحور حول شخصية رئيسية واحدة، أو ـ كما في «نصف أرنب» ـ شخصيتين رئيسيتين فقط. لاحقاً، عندما قام الديك بإخراج أول أفلامه، «الطوفان»، ثم ثانيها «سكة سفر»، جعل الكاتب العائلة والبيئة بأسرها هما على قدر واحد من المساواة بحيث ذابت الشخصية البطولية الفردية فيها٠
لكن إذا كان بطل «طائر على الطريق» يقتل حينما خر ج من مدينته وبطل «مشوار عمر» يتعرض لمغامرة كادت أن تقضي عليه في طريقه إلى بور سعيد وبطل «خرج ولم يعد» كان عليه الزواج من ريفية والعيش فوق أرضه حتى يستطيع التأقلم كاملاً مع الريف، فهل يعكس ذلك خوفاً تلقائياً في بال المخرج من الحياة خارج المدينة المكتظة؟
نفس النوع من الأسئلة التي تثيرها أفلام خان تنصب في إطار المرأة التي قدمها أو تناولها المخرج في أفلامه: في «طائر على الطريق» هي الضحية (فردوس عبد الحميد) لكنها الحب الجاذب والمساهم في القضاء على الرجل (آثار الحكيم)، في «موعد على العشاء» هي (سعاد حسني) الحب الذي يدفع ثمنه كل من زوجها والشاب الذي وقع في حبها (حسين فهمي وأحمد زكي) وهي الزوجة القاسية (فردوس عبد الحميد) في «الحريف» والشرك العاطفي في «مخرج ولم يعد» (ليلى علوي) ثم هي الفخ المحكم والمرأة الأنانية في «مشوار عمر» (مديحة كامل)٠
ليس ان المخرج يتقصد الجوانب السلبية في المرأة، بل إنها ليست شريرة على الاطلاق في «خرج ولم يعد» مثلاً أو في «موعد على العشاء» ولا في »زوجة رجل مهم« او في »أحلام هند وكاميليا« ولا في أي من أفلامه- هذا من دون أن يرفع راية إنه مخرج أفلام المرأة٠
اللغة المختصرةأحد هذه العناصر هي الشخصيات الرئيسية التي يقدمها المخرج. لقد كتب بشير الديك معظم سيناريوهات الأفلام التي حققها المخرج ما بين 1978 (تاريخ أول فيلم روائي طويل حققه المخرج) و1985 (قبل دخول السيناريست عاصم توفيق إلى عالم المخرج بفيلم «خرج ولم يعد») وهذا لا ريب أنه عكس جزءاً من التوجهات الاجتماعية التي قامت عليها فيما بعد أعمال بشير الديك كاتباً ومخرجاً. تعامل محمد خان مع بشير الديك وقع عندما كانت أعمال الديك تتمحور حول شخصية رئيسية واحدة، أو ـ كما في «نصف أرنب» ـ شخصيتين رئيسيتين فقط. لاحقاً، عندما قام الديك بإخراج أول أفلامه، «الطوفان»، ثم ثانيها «سكة سفر»، جعل الكاتب العائلة والبيئة بأسرها هما على قدر واحد من المساواة بحيث ذابت الشخصية البطولية الفردية فيها٠
لكن إذا كان بطل «طائر على الطريق» يقتل حينما خر ج من مدينته وبطل «مشوار عمر» يتعرض لمغامرة كادت أن تقضي عليه في طريقه إلى بور سعيد وبطل «خرج ولم يعد» كان عليه الزواج من ريفية والعيش فوق أرضه حتى يستطيع التأقلم كاملاً مع الريف، فهل يعكس ذلك خوفاً تلقائياً في بال المخرج من الحياة خارج المدينة المكتظة؟
نفس النوع من الأسئلة التي تثيرها أفلام خان تنصب في إطار المرأة التي قدمها أو تناولها المخرج في أفلامه: في «طائر على الطريق» هي الضحية (فردوس عبد الحميد) لكنها الحب الجاذب والمساهم في القضاء على الرجل (آثار الحكيم)، في «موعد على العشاء» هي (سعاد حسني) الحب الذي يدفع ثمنه كل من زوجها والشاب الذي وقع في حبها (حسين فهمي وأحمد زكي) وهي الزوجة القاسية (فردوس عبد الحميد) في «الحريف» والشرك العاطفي في «مخرج ولم يعد» (ليلى علوي) ثم هي الفخ المحكم والمرأة الأنانية في «مشوار عمر» (مديحة كامل)٠
ليس ان المخرج يتقصد الجوانب السلبية في المرأة، بل إنها ليست شريرة على الاطلاق في «خرج ولم يعد» مثلاً أو في «موعد على العشاء» ولا في »زوجة رجل مهم« او في »أحلام هند وكاميليا« ولا في أي من أفلامه- هذا من دون أن يرفع راية إنه مخرج أفلام المرأة٠
أفلام محمد خان تعمد إلى لغة مختصرة في التعبير. مشاهده ليست مبنية في الأساس لتكون حوارية، والمواقف ليست جاهزة مستخلصة من التقليد المتمثل في معظم ما أنتجته السينما المصرية من أعمال ومشاهد. مشاهده ثم توليف هذه المشاهد (قامت بمونتاج معظم أفلامه نادية شكري) تقوم على المحافظة على إيقاع نابض بالحركة والمشاعر حتى ولو كانت تلك المشاهد تدور في جو هادىء وغير بوليسي٠
إن في تلك الأفلام كل ما تتطلبه نقلة تقنية / فنية سينمائية في ذات المقدار التي تعبر فيه عن إلمام فني بالسينما الغربية. وسواء أكان الموضوع يدور حول فرد واحد أساساً، أو حول وجوه متعددة لازمة واحدة كما في «عودة مواطن» فإن إلمام خان بالثقافة الفنية الغربية قد التقى بالبحث الاجتماعي الذي وفرته كتابات عاصم توفيق ورؤوف توفيق (لا صلة قرابة) وبشير الديك ولاحقاً وسام سليمان (كاتبة آخر أفلامه »في شقّة مصر الجديدة«) في حدود متفاوتة٠
المثير للملاحظة، رغم كل ذلك ـ وربما بسببه أيضاً ـ أن الجمهور لم يقبل على أفلام محمد خان إقباله على أفلام صديقه سمير سيف («الغول»، «واحدة بواحدة» الخ...) وهو أقرب المخرجين الجدد إلى التأثر كذلك بالسينما الغربية. السببب يكمن في أن سمير سيف قد تناول عن معطيات تلك الثقافة مكتفياً بأشكالها الخارجية. في المقابل احتوى التوليفات القصصية والمعالات المعمول بها. هنا ريما تكمن الأسباب التي جعلت من «الحريف» أكثر أفلام عادل إمام اخفاقاً و«الغول» لسمير سيف من بين أكثر أفلام الممثل ذاته نجاحاً٠
الجزء الأول من كتابات الديك ـ أي تلك التي قامت على بطولات محددة ـ هي ما لاقت عند المخرج قبولاً، ذلك لأن محمد خان، أم البطولات المنفردة في غالب الأحيان: «عودة مواطن» (سيناريو عاصم توفيق) اهتم بالشخصيات المنفردة: نور الشريف في «ضربة شمس»، أحمد زكي في «طائر على الطريق»، محمود عبد العزيز ويحيى الفخراني في «نصف أرنب»، عادل إمام في «الحريف» يحيى الفخراني في «خرج ولم يعد» ثم فاروق الفيشاوي في «مشوار عمر». لاحقاً محمود حميدة في »فارس المدينة« وأحمد زكي في »مستر كاراتيه« وباسم السمرا في »كليفتى«. تلك القليلة التي توزّعت فيها البطولة بين إثنين كانت بدورها محدودة الشخصيات. بإسثتناء »أيام السادات« لم يقدم محمد خان على عمل يشابه ما ورد في أفلام شاهين، أبو سيف، سالم، بدرخان، الخ... القضيّة في أفلامه تتحدّد بشخصيات قليلة لتتحدّث عن كل الناس الواقعة بين الهلالين ذاتيهما
السمة الأولى لهذه الشخصيات هي انفراديتها وحزنها الداخلي الذي لا تبديه إلا في مواقف تبدو للعين كما لو كانت عادية: حين يفيق يحيى الفخراني من نومه في «خرج ولم يعد» ولا يجد ماء يغسل به وجهه، حين يصيب الحب أحمد زكي في «طائر على الطريق»، الثروة المفاجئة التي تصيب محمود عبد العزيز في «نصف أرنب» وكل ما حواه دور عادل إمام من شعور عميق من الوحدة وعدم التلاقي مع الآخرين في «الحريف». حبن بتعاما بحيى الفخراني ومحمود حميدة وباسم السمرا مع ملاحظات كل منهم حول المدينة في »عودة مواطن«، »فارس المدينة« و»كليفتي« على التوالي، او حين تستمع الرائعة ميرڤت أمين الى أغاني عبد الحليم حافظ وهي تفكّر في وضعها تحت وطأة زوجها المضطّهد أحمد زكي في »زوجة رجل مهم«٠
طبعاً هناك حزن في أفلام كثيرة لغيره. لكنه في الغالب حزن من النوع الفضفاض. الحزن الذي على الممثل أن يفبركه للمشهد لأن المخرج أضعف من أن يربطه بما يدور حول الممثل او عبر الحوار وحده لأن الأصعب التعبير عنه شعورياً٠
الشخصيات والمدينة إن في تلك الأفلام كل ما تتطلبه نقلة تقنية / فنية سينمائية في ذات المقدار التي تعبر فيه عن إلمام فني بالسينما الغربية. وسواء أكان الموضوع يدور حول فرد واحد أساساً، أو حول وجوه متعددة لازمة واحدة كما في «عودة مواطن» فإن إلمام خان بالثقافة الفنية الغربية قد التقى بالبحث الاجتماعي الذي وفرته كتابات عاصم توفيق ورؤوف توفيق (لا صلة قرابة) وبشير الديك ولاحقاً وسام سليمان (كاتبة آخر أفلامه »في شقّة مصر الجديدة«) في حدود متفاوتة٠
المثير للملاحظة، رغم كل ذلك ـ وربما بسببه أيضاً ـ أن الجمهور لم يقبل على أفلام محمد خان إقباله على أفلام صديقه سمير سيف («الغول»، «واحدة بواحدة» الخ...) وهو أقرب المخرجين الجدد إلى التأثر كذلك بالسينما الغربية. السببب يكمن في أن سمير سيف قد تناول عن معطيات تلك الثقافة مكتفياً بأشكالها الخارجية. في المقابل احتوى التوليفات القصصية والمعالات المعمول بها. هنا ريما تكمن الأسباب التي جعلت من «الحريف» أكثر أفلام عادل إمام اخفاقاً و«الغول» لسمير سيف من بين أكثر أفلام الممثل ذاته نجاحاً٠
الجزء الأول من كتابات الديك ـ أي تلك التي قامت على بطولات محددة ـ هي ما لاقت عند المخرج قبولاً، ذلك لأن محمد خان، أم البطولات المنفردة في غالب الأحيان: «عودة مواطن» (سيناريو عاصم توفيق) اهتم بالشخصيات المنفردة: نور الشريف في «ضربة شمس»، أحمد زكي في «طائر على الطريق»، محمود عبد العزيز ويحيى الفخراني في «نصف أرنب»، عادل إمام في «الحريف» يحيى الفخراني في «خرج ولم يعد» ثم فاروق الفيشاوي في «مشوار عمر». لاحقاً محمود حميدة في »فارس المدينة« وأحمد زكي في »مستر كاراتيه« وباسم السمرا في »كليفتى«. تلك القليلة التي توزّعت فيها البطولة بين إثنين كانت بدورها محدودة الشخصيات. بإسثتناء »أيام السادات« لم يقدم محمد خان على عمل يشابه ما ورد في أفلام شاهين، أبو سيف، سالم، بدرخان، الخ... القضيّة في أفلامه تتحدّد بشخصيات قليلة لتتحدّث عن كل الناس الواقعة بين الهلالين ذاتيهما
السمة الأولى لهذه الشخصيات هي انفراديتها وحزنها الداخلي الذي لا تبديه إلا في مواقف تبدو للعين كما لو كانت عادية: حين يفيق يحيى الفخراني من نومه في «خرج ولم يعد» ولا يجد ماء يغسل به وجهه، حين يصيب الحب أحمد زكي في «طائر على الطريق»، الثروة المفاجئة التي تصيب محمود عبد العزيز في «نصف أرنب» وكل ما حواه دور عادل إمام من شعور عميق من الوحدة وعدم التلاقي مع الآخرين في «الحريف». حبن بتعاما بحيى الفخراني ومحمود حميدة وباسم السمرا مع ملاحظات كل منهم حول المدينة في »عودة مواطن«، »فارس المدينة« و»كليفتي« على التوالي، او حين تستمع الرائعة ميرڤت أمين الى أغاني عبد الحليم حافظ وهي تفكّر في وضعها تحت وطأة زوجها المضطّهد أحمد زكي في »زوجة رجل مهم«٠
طبعاً هناك حزن في أفلام كثيرة لغيره. لكنه في الغالب حزن من النوع الفضفاض. الحزن الذي على الممثل أن يفبركه للمشهد لأن المخرج أضعف من أن يربطه بما يدور حول الممثل او عبر الحوار وحده لأن الأصعب التعبير عنه شعورياً٠
أفلام محمد خان لم تجيء لتنضم لما كان جاهزاً ومعمولاً به في نهاية السبعينات والثمانينات وحتى اليوم. وكما أن المتابع يستطيع أن يلحظ أن أفلام خان تبتر من أجسادها الشخصيات النمطية صغيرة كانت أو كبيرة، فلا توفيق الدقن («بنصف أرتب»، «خرج ولم يعد») هو ذاته في الأفلام الأخرى. ولا عادل إمام الذي لم يمثل من قبل «الحريف» أو من بعده دوراً مشابهاً في واقعيته وقتامته وبنائه. وحزن هذه الشخصيات ينتشر كالسحاب الرقيق ليحتوي الأفلام ذاتها. لكنه ليس الحزن القاتم ولا أفلام محمد خان بالمآسي التراجيدية، إنها مثل بداية ونهاية فيلم «مشوار عمر» تبحث في شريحة الحياة المستمرة: تلك الآتية من مكان ما قبل أن يبدأ الفيلم والماضية في ذات الاتجاه من بعد نهايته. هذا من دون خطب أخلاقية حول تلكالحياة ومن دون محاولة تطويعها لموقف نمطي جاخز أو عبرة أكثر من تلك المستلخصة من ثنايا المرحلة الماثلة على الشاشة من تلك الحياة٠
إلى حين خرج محمد خان إلى الريف في فيلمه «خرج ولم يعد»، دارت كل أفلامه في المدينة. محمد خان يحب المدينة ربما ليس بالحدة ذاتها التي عند مارتن سكورسيزي في علاقته المتناقضة مع مدينة نيويورك، لكن إلى الدرجة الي تجعله مصراً على تصوير مشاهده في الشوارع والأماكن الطبيعية رغم صعوبات هذا التصوير. في فيلمه البوليسي المثير «نصف أرنب» نماذج كاملة لعلاقة خان العاطفية مع المدينة حيث الكاميرا تستغل جو المطاردة لتمسح مناطق جديدة من القاهرة لم تظهر من قبل. وعندما أراد خان تجسيد وحدة عادل إمام في «الحرّيف» لم يجد أفضل من تلك المشاهد العامة له وهو يسير في عتمة أزقتها. ثم ها هو «مشوار عمر» يبدأ بها في صبيحة يوم أحد وعلى وتيرة بارعة: عمر (الفيشاوي) أشبه بصياد حائر وهو في سيارته منطلقاً نحو ما من غير الهين القول عنه إنه هدفه (الفيلم عن شاب بلا هدف). الراديو على إذاعة مونتي كارلو المستوردة إلى آذان العرب كما السيارات التي يركبونها والكاميرا القابعة داخل السيارة تنتقل حيناً من على وجه الممثل وحيناً على الشوارع الخالية إلى أن تتوقف مع بدء الحياة في الشوارع٠
وهل نستطيع أن ننسى المدينة في »فارس المدينة« و»كليفتي« وهما فيلمين تشويقيين في النَفَس الفني واجتماعيين في الجانب الموضوعي، ؟ او »في شقّة مصر الجديدة«؟. المدينة إذاً لم تكن كحالها في معظم أفلام المخرجين السابقين واللاحقين (وكثيرون منهم لم يكترثوا لها بقليل او كثير) مجرد محيط وشوارع يرتاح الفيلم بتصويرها بين المشهد الداخلي والآخر، بل هي مكمن الحياة وشريان العلاقات الإجتماعية
لكن قبل «مشوار عمر» (الذي لاحقاً ما تنتقل أحداثه إلى طريق ريفي) قام خان بوضع كاميرته بين المدينة والريف في عمل مقارن نادر في السينما المصرية وذلك في «خرج ولم يعد». يحيى الفخراني، ابن المدينة والوظيفة الحكومية ينتقل إلى القرية لبيع قطعة أرض يتزوج من ثمنها. القرية (جميلة في الفيلم) لا تبهر ابن المدينة في الوهلة الأولى لكن الشاري المحتمل (فريد شوقي) يمهله ويستدرجه للبقاء لأنه إذ يريد الأرض، لا يملك ثمنها. في النهاية يقع الفخراني في حب القرية والريف ويدير ظهره للمدينة٠
التالي إستعادة لبضعة أفلام من تلك التي أسست لهذا المخرج الكبير في وجداننا وجعلتنا نأبه لما يفكّر به ولما يواجهه ويلاقيه . نفرح لفرحه ونُحبط لإحباطه ونعتبره عيداً وطنياً حين ينجز فيلماً. به وبأمثاله فقط عاشت السينما العربية أعيادها٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عودة مواطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراما إجتماعية | الشقيق الأكبر للعائلة (يحيى الفخراني) يعود الى مصر بعد
سنوات الهجرة ليكتشف أن جميع أفراد عائلته غائصين في مشاكل المتغيّرات
الإجتماعية الوقعة والرغبات الفردية والإجتماعية التي تعصف بهم جميعاً. كل
هذا يكشف له واقعاً لم يكن في حسبانه فيشهد تفكك الأسرة وانهيار القيم العائلية ٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: محمد خان٠
إنتاج: يحيى الفخراني (مصر- ١٩٨٦)٠
سيناريو: عاصم توفيق
تصوير: على الغزولي (ألوان)٠
مونتاج: نادية شكري (١١٠ د)٠
موسيقى: كمال بكير
تمثيل: يحيى الفخراني، ميرفت أمين، أحمد عبد العزيز،
ماجدة زكي، شريف منير، عبد المنعم إبراهيم، حسين
الشربيني٠
دراما اجتماعية عائلية. المدة: 110د. العرض الأول: القاهرة.
في نهاية الفيلم، إذ يتّجه المواطن يحيى الفخراني إلى المطار نراه يقبع في غرفة الانتظار٠ لا هو يريد السفر فعلاً ولا يدري إذا ما كان يرغب في البقاء٠
هذا هو ثاني تعاون يتم بين المخرج محمد خان والسيناريست عاصم توفيق من بعد «خرج ولم يعد» (المستوحى من رواية «براعم الربعي» لـ هـ. أ. باتس ـ 1958) باستثناء فيلم قصير سابق تم بينهما تحت عنوان «لقاء عائلي» دار موضوعه عن تنظيم الأسرة. مثل «خرج ولم يعد» يدور «عودة مواطن» (وكلاهما من بطولة يحيى الفخراني) حول إنسان المدينة في مواجهتها. لكن إلى هذه النقطة ينتهي اللقاء الأساسي بين الفكرتين، ففي «خرج ولم يعد» (أقرأ عنه أدناه) يجد بطل القصة خلاصه في هجرة المدينة إلى الريف، لكنه في «عودة مواطن» إذ يهم بالهجرة من وطنه كله، يعجز في النهاية عن فعل ذلك ويبقى، مثل فاروق الفيشاوي في «مشوار عمر»، معلقاً بين الوهم والحقيقة٠
أفلام محمد خان ذات مزايا خاصة لم تعهدها السينما المصرية من قبل. أسلوبه ورؤيته للعالم الذي يصوره لا علاقة له بالنمط التقليدي الذي اعتاد عليه معظم المخرجين المصريين بما فيهم أولئك الجدد الذين اختاروا الانصياع لذلك النمط بدلاً من ترويضه والخروج عنه (هذا مع حفظ الاستثناءات القليلة). سرده للقصة مفهوم دوماً، لكنه متخلص من الكليشهات التقليدية ومنحصر في إيقاع ووحدة عمل تجعله أكثر تطوراً وديناميكية من معظم ما تخرج به السينما المصرية. يضاف إلى خصائصه حقيقة أنه منذ «مشوار عمر» الذي كتبه رؤوف توفيق (لا قربى بينه وبين عاصم توفيق) وهو يضيف جديداً إلى تلك المعالجة. ذلك الجديد هو البحث في الهم الاجتماعي العام. صحيح أن بذوره كانت في «الحريف» و«خرج ولم يعد»، لكن نموها السياسي إذا أردت بدأ في «مشوار عمر» (فساد الطبقة الجديدة) ووصل مع «عودة مواطن» إلى نضج واضح وأكيد٠
«عودة مواطن» يتحدث عن ذلك الرجل الذي قطع مرحلة الشباب. لقد حرق تلك المرحلة باختياره عندما قرر الهجرة إلى إحدى الدول العربية الغنية للعمل وتوفير المال بدلاً من البقاء في وطنه والزواج والانفصال عن أسرته في حياة خاصة. مع عودته يستمر ذلك الحرق، فالرجل يجد نفسه مطالب بأن يستمر في البذل وقد وجد نفسه أمام عائلة تنهار بفعل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وليس في انهيار شقيقه الأصغر وإدمانه المخدرات هرباً من الواقع إلا إفرازاً لمتحولات أصابته، كذلك نستطيع أن نفسر حتى الوجهة المناقضة تماماً التي اختارها الشقيق الثاني موغلاً في منهج سياسي. هذا الجانب من الفيلم، جانب اختيار منهج سياسي تكشف عنه المباحث وتضع أعضاءه ـ بما فيهم الشقيق ـ في السجن، هو اهتمام سياسي منفصل عن الشق الآخر واوصلي في الموضوع. فالمخرج يصور كيف أن خال العائلة (عبد المنعم ابراهيم يزداد قوة مع السنين) كان بدوره منضم لتنظيم سياسي حين كان شاباً، وفي لفتة سريعة ينفذ الفيلم من القيود عندما يصور ببلاغة وإيجاز العهود السياسية المتوالية التي يمر بها الفيلم. «عودة مواطن» هنا لا يعمد إلى تفنيد عهد وراء آخر، وإلا لما كان الفيلم الذي نتحدث عنه، بل يمزج بين تلك المراحل في جمل حوارية أو في تأملات لا تفوت الباحث عن المضمون وراء الصورة٠
مشكلة الشقيق الأكبر أنه لم يتآلف مع الوضع السائد. لقد ضحى وحين جاء وقت قطف الثمار وجد نفسه يوزعها على أشقائه بنفس الرضا الذي مارس فيه تلك التضحية. عدم التآلف ذاك ليس نتيجة إلمام سياسي أو ثقافي بالوضع السائد، بل ـ وسواء أقصد المخرج ذلك أو لم يقصده ـ نتيجة ضعفه عن مواجهة صعبة مع ما هو مطروح أمامه من حلول أخرى (مثل اتخاذ موقف متشدد). على العكس نراه رجلاً يخاف الشرطة والمحافل الرسمية، ويتوخى ـ عندما ازداد لفيح الهواء الساخن المنبعث من مشاكل الأسرة ـ التحول إلى زاوية من أركان الحياة يمارس فيها النوم والتعاطي مع المسائل في حيرة وليس في قدرة. وعندما اختار في النهاية حلاً، رآه في العودة إلى حيث أتى، لكنه كان قد أصيب فالمسؤولية وراءه كبيرة، وأفراد العائلة صاروا بحاجة إليه من جديد وهذا ما يتركه في النهاية عاجزاً عن الحركة، فلا هو قادر على فعل الهجرة هرباً ولا هو قادر على فعل العودة ومواجهة كل تلك العصاعب٠
لقد مني الفيلم بصد الجمهور عنه حين عرض في صالات السينما. المشكلة هنا غالباً ما تعود إلى الكيفية التي لا يعمد فيها الموزع للإعلان عن بضاعته. أي غياب الإعلان المتطور، وهذه مشكلة عدد كبير جداً من الأفلام جيدة كانت أو رديئة. ما هو خاص بـ «عودة مواطن» في هذا الشأن، حقيقة أن المخرج يدفع ثمناً لمنهجه غير المتنازل. خان ليس مجرد صاحب أسلوب، فحسن الإمام له أسلوبه أيضاً، لكنه سينمائي ينتهج تطويراً فعلياً في طريقة سرد القصة. إنه لا يبحث عن الوسيلة نه يمتلكها، ما يجب أن يبحث عنه هو حل مشترك مع جميع السينمائيين لإبقاء السوق السينمائي حياً ونشطاً كما كان. أفلامه تنبض بإيقاع المدينة وهاجس العصر كما لا تفعل أفلام أي مخرج آخر، وهذا الفيلم، عنوة على أفلامه الأخرى كلها، يتميز بتطور وسائل تعبيره وبالعمق المضاف إلى معالجته بحيث لا يكتفي بالرونق في الشكل ولا يمضي ـ في ذات الوقت ـ عمودياً في المضمون، بل يولف بين الاثنين ويطوعهما لرؤيته الخاصة في كيفية إخراج فيلم يشعر به كما يشعر به كاتبه (اقرأ المقابلة المنشورة مع محمد خان)٠
يحيى الفخراني، بعد عدد متزايد ومتنوع من الأفلام، ممثل تلقائي. ممثل قابل للتصديق سواء ألعب دور الأستاذ المحكوم عليه بالموت في «للحب قصة أخيرة» (رأفت الميهي) أو دور المخرج الإعلاني الذي يجد فرحته في مساعدة الأقزام على تحقيق مطالبهم كما في «الأقزام قادمون» (شريف عرفة) أو في دوريه تحت إدارة محمد خان في «خرج ولم يعد» و«عودة مواطن». إنه ممثل لم تتلفه الكاميرا ولا الشهرة المتأتية وراءها. كذلك نرى أن ميرفت أمين قد عادت إلى قواعد واعية بعد تجارب متعددة في أدوار أقل مما صارت تتمتع به من موهبة. وإذا كان اعتماد المخرج على الفخراني وأمين كبيراً، فهو كبير أيضاً مع الوجوه الجديدة أو شبه الجديدة التي لعبت أدوار الأشقاء٠
في «عودة مواطن» ينجز خان أهم أفلامه مع ملاحظة أن أفلامه السابقة كلها كانت مهمّة كل على الصعيد الذي اختير لها، وأجمل ما فيها أنها لم تنطلق متعرجة أو متردية، بل جسدت إدراك المخرج وثقافته ونضجه وكذلك عشقه لفن السينما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خَرَج وَلم يَعُد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراما إجتماعية | يقرر الموظّف بطل الفيلم (يحيى الفخراني) الإنتقال الى الريف
لبضعة أيام لحل مشكلة عقار. على أن يعود الى المدينة ومواصلة حياته فيها. هذه
الخطّة تتعطّل تماماً بعد أيام من وصوله الى الريف ووقوعه في غرام كل شيء: المرأة
والطعام والعلاقات البشرية٠
إخراج: محمد خان
سيناريو: عاصم توفيق.
تصوير: طارق التلمساني (ألوان)٠
مونتاج: نادية شكري (9 د)٠
موسيقى: كمال بكير
إنتاج: ماجد فيلم (مصري- ١٩٨٤)٠
تمثيل: يحيى الفخراني، فريد شوقي ، ليلى علوي، توفيق الدقن، عايدة
عبد العزيز٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بداية الفيلم الذكية تحيط بإيجاز واف بكل ما تريد معرفته عن حال ذلك الموظف الذي يستيقظ صباح كل يوم ليؤدي الأعمال ذاتها في الأجواء ذاتها وفي البيئة نفسها. مثل أفلام أخرى لمحمد خان القدرة البلاغية التي لديه توظف في خدمة حس حزين ورتيب للحياة من دون مؤثرات مباشرة أو ابتكارات موجهة أو أية مشاهد تفيض عن الحاجة. مشاهد محدودة تكفي عنده لكي تعكس حياة أبطاله وظروفهم وعلاقاتهم مع تلك الظروف. و«خرج ولم يعد» يبقى نموذجاً على هذا التميز بين أترابه٠
الفكرة مستوحاة من رواية للكاتب الإنكليزي هـ. باتس عنوانها
Darling Buds of May | براعم مايو المحببة
نشرت عام 1958 ولم تصور (حسب علمي) فيلماً من قبل. حين خرجت اعتبرت الرواية عملاً مثيراً للمطالعة لما فيها من أسلوب تأليفي سلس، ومواقف كوميدية سهلة القبول وسلاسة التتابع. على أن القيمة المتعلقة بالحبكة وتلك الخاصة بالروح الأدبية للعمل، اعتبرت ـ من الناحية الأخرى ـ ضعيفة. الفيلم يعكس تماماً هذه الصفات على جانبيها: فهو ممتع، سلس وغير متكلف، لكن حين التحدث عن الحبكة فإنها ليست أساسية. الى حد معيّن غائبة. لكن إذا كان ذلك مأخذاً مهمّاً في العمل الروائي فإن السينما تستطيع تجاوز هذه الناحية إذا ما كان المخرج قادراً على استغلال ذلك في توجيه الفيلم، شكلياً وذهنياً، صوب نواح أخرى. محمد خان يفعل ذلك بنجاح وإذا ببساطة المادة الروائية التي بين يديه تنقلب إلى صالحه كما فعلت في أفلام له من قبل ومن بعد («طائر على الطريق»، «خرج ولم يعد، »مشوار عمر»)٠
يحيى الفخراني يستيقظ في يوم عادي من نومه ليجد أن الماء مقطوع في شقته التي فوق بعض السطوح. إنه موظف بسيط وهناك امرأة تحبه وهو (على الأغلب) يحبها ومتفق وإياها على الزواج. الزواج يعني المال والمال موجود في شكل قطعة أرض في الريف تركها والده له قبل وفاته. بطلنا يأخذ عطلة قصيرة من وظيفته ومن المدينة (القاهرة) التي يعيش فيها ويتجه إلى الريف لكي يبيعها. فريد شوقي، صاحب أراض مجاورة، يريدها، لكنه لا يملك المال ليشتريها به. الإقامة تطول أولاً دون رغبة القاهري الذي يريد العودة إلى وظيفته وإلى مدينته وإلى حبيبته، لكن لاحقاً ما يستسيغ البقاء خاصة وأن المشتري أخذ يفكر في نطاق تزويج ابنته (ليلى علوي) من ذلك الرجل مقابل قطعة الأرض٠
مع انتقال بطلنا من المدينة إلى الريف، ينقلنا المخرج من البيئة الخانقة والطرق الضيقة والغرف التي لا ترى النور الكافي إلى الريف الأخضر والفسيح. إنه الفيلم الأول لمحمد خان الذي يدور ـ بمعظمه ـ في الريف وهو الذي يحب المدينة دون شك ويبدع في تصويرها حتى حين يعمد إلى نقدها. لكن ريف خان هو أيضاً مختلف. هنا لا مكان لمشاهد الفلاحين الطيبين في المزارع ولا للشمس الغاربة عند الأصيل أو للقطة ترتفع من قاعدة شجرة نخيل إلى قمتها العالية. لا كليشيهات ولا صور سياحية. بل صور نظيفة وريف أخضر طبيعي وجميل يقف مناقضاً للمدينة ويربح منها النقاط. هذا بدوره يخدم مضمون الفيلم. «خرج ولم يعد» هو عن الحياة في الريف مقابل الحياة في المدينة. هنا الزمن يتوقف. النظر إلى الساعة وحسبان التوقيت يخرج من عادات الإنسان. الهواء النظيف يفتح الذهن ولا يلبده، يتيح للإنسان السكينة والوداعة. المكان بذاته يقف مضاداً للصخب والأكثر هو أن التغيير يطال، بطبيعته، الطعام (والمخرج يقول إن جزءاً أساسي من فيلمه هو عن الأكل) فالمرء هنا يأكل وبشهية لأنه لا يفكر كأبناء المدن، بالكم والرقم والتوفير والمسائل الصحية الواجب اتباعها لقاء وجبة دسمة. في الريف تقوم بفعل الأكل دون هموم وربما تعيش أكثر وإن لم تفعل فعلى الأقل أكلت في حياتك جيداً٠
يحيى الفخراني ينجح، كعادته، في تصوير الشخصية التي يقدمها والتي تبدو مثل «أليس في بلاد العجائب»، لكن إدارة المخرج لكل ممثليه هي واحدة في حزمها ومقدرتها حتى مع ممثل عتيق مثل فريد شوقي وعلى الرغم من كثرة أعماله الأخيرة. ليلى علوي ساحرة.
الفيلم يتوالى جيداً في معظم أحيانه. الفترة الوحيدة التي شعرت بها بخلل هي عندما أخذت القصة (في الربع الأخير أو نحوه) منعطف اكتشاف ليلى علوي لعلاقة يحيى الفخراني بامرأة في القاهرة وحاول أن يجعل من هذا المنعطف موضوعاً تتصاعد الأحداث بسببه. في الحقيقة أنها لم تتصاعد، أو تتقدم، بقدر ما باغتت وحدة الموضوع وانتزعت منه جزءاً. بقدر ما سارت في درب التوقعات العاطفية المعروفة. ما يؤكد المخرج خان في هذا الفيلم يبقى ـ رغم ذلك ـ أعلى مما يستطيع مثل هذا الأمر الوصول إليه وهو أنه لا يخاف الإقدام على مواضيع غير عادية بشكل سينمائي متطور وغير تقليدي. إلى هذا تستطيع إضافة ملاحظة هامة أخرى وهي أن هذا المخرج إنما يحب الشخصيات التي يقدمها ويحب السينما ذاتها كما لا يفعل سوى قلة غيره٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشوَار عمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراما إجتماعية | رجلان وإمرأة يلتقون في الطريق بين المدن٠ ينسجمون فيما بينهم
ويرتبطون بصداقة، لكنها صداقة طريق رغم الرغبة في توطيدها وهي سريعاً ما تبدو
محكومة برغبات ماديّة تحول دون نموّها٠
إخراج: محمد خان٠
تمثيل: مديحة كامل، فاروق الفيشاوي، ممدوح عبد
العليم، أحمد عبد الوارث
سيناريو: رؤوف توفيق ومحمد خان٠
تصوير: طارق التلمساني (ألوان)٠
مونتاج: نادية شكري (112 د)٠
إنتاج: أفلام الأصدقاء (فاروق الفيشاوي) 1986
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد خان في هذا الفيلم أقرب المخرجين المصريين إلى سينما فنية بسيطة ورفيعة معاً. «مشوار عمر» يتمتع، أول ما ينظر المرء إليه، بإحساس تعبير رفيع يتلاءم والحالات التي يريد المخرج تصويرها: الوحدة الذاتية، الحزن الدفين، التيه والرحلة الصغيرة ـ الكبيرة. الكاميرا في كل ذلك منسابة وغير مقحمة، وهي أيضاً شاهدة على ما يدور أمامها من حالات وعلى ما ينتج من حزن وقسوة. إنها لا تصطاد انفعالات مقصودة، لا تتحرك حسب أغراض مرصودة. إنها تنتمي إلى رغبة المخرج في ملاحظة ما يدور وسرده دون عوائق وتداعيات أو حتى أية حادثة اعتراضية. السيناريو الذي بين يديه بسيط وهو لا يحتمل أن يطغى فيه عنصر ما على آخر٠
إنه قصة ثلاث شخصيات التقت على الطريق. عمر ـ ابن المدينة (الفيشاوي)، شاب لاه بين سيارته ونسائه، لا هدف له ولا عمل، سلبي تجاه الماضي وتجاه الحاضر والمستقبل. يستقل سيارته السريعة لتوصيل علبة مجوهرات من محل والده إلى محل في طنطا، لكنه يضطر لركن سيارته في طريق ريفية جانبية والنوم فيها عندما ينفذ البنزين منه. الشخصية الثانية اسمها أيضاً عمر (أمر طبيعي تحاشته السينما إلا نادراً) وصاحبها فلاح بسيط يعمل في محطة بنزين لجأ إليها عمر (الأول) بحثاً عن بنزين للسيارة ومن هناك تصادقا لما أنقذ الفلاح (ممدوح عبد العليم) ابن المدينة من شريرين أرادا سرقته. الشخصية الثالثة هي نجاح (مديحة كامل) اسم على غير مسمى لامرأة ليل تعمل في بور سعيد وقد جاءت تلك الأنحاء لمعايدة أمها لكن زوج أمها يمنعها من دخول البيت لسمعتها. نجاح تنضم لعمر وعمر حين يشرع الاثنان مغادرة تلك الأنحاء. عمر القاهري سعيد بهذه الصحبة، غير مكترث لإيصال العلبة التي أوصى بها والده، وعمر الفلاح ونجاح لا يقلان عنه سعادة إلى أن يعاود الشريران مهاجمة الثلاثة في ليلة شرب فيها الجميع وتخلى عن رزانته وعكس روحاً قابلة للفساد. حين يستيقظ عمر القاهري صبيحة اليوم التالي يجد أن سيارته (بما فيها) قد سرق فيعرض على عمر ونجاح معاوته في استردادها لقاء علبة المجوهرات ليتقاسماها. عمر يكتشف مكان سيارته. العلبة مفقودة. نجاح تتخلى عنه وعن عمر الآخر وتصعد أول شاحنة تجدها، عمر الفلاح يمشي عائداً إلى منطقته وروح الطيبة تعود إليه. عمر القاهري يجلس وراء المقود وهو يقود سيارته. هذه المرة السيارة لا تتحرك٠
تماماً كحياته٠
العلاقات التي يرسمها محمد خان في هذا الفيلم من أجمل ما رسم في السينما المصرية منذ سنوات. ذلك انها، على بساطتها، علاقات شائكة تنقل الشخصيات من إطار كل منها كضحية إلى إطار كل منها كجلاد ثم تعود إلى صورة الضحية دون مبالغات أو مشاهد ممسرحة. المتفرج يشعر بأن عمر القاهري في حياته العابثة كان لا بد أن يقوم بمثل هذه الرحلة. إنه أهل لها. إنسان لا يحب المسؤولية، يقود سيارته مسرعاً، يستمع إلى مونت كارلو (وليس إلى إذاعة وطنية) إلى الأغاني الغربية (تعبير ثقافي يتيم) ويحب أن تنبسط الطريق أمامه وأن يسرع فوقها وينطلق. لا يهم ـ عنده ـ إذا انتهت الرحلة بإخفاق. مثله، يفيد المخرج في المشاهد الأخيرة، لا يتعلم. إنه يعيش في زمن صعب (الحاضر) والهم المادي للفيلم ليس بعيداً عن سمائه فبطله الأول شاب ثري، ميسور، منتم لطبقة نهضت، أو إذا ما أردت لعائلة من طبقة في طنطا جاءها ريح من التغيير فدلفت إلى اليسر والثراء. وتستطيع أن تلاحظ من خلال مناجاة أحد الشريرين للآخر (أحمد عبد الوارث ليوسف رجائي) النظرة التي يوجهها المجرم لحضيته مذكراً بين الحين والآخر بأنه لم يحصل على شيء من أسباب التغيير والجاه التي تعصف بالبد وأن السطو على ذلك الشاب الوجيه وما يملكه هو «حقه». لكن العلاقة الأعمق تكمن في أن نجاح وعمر ضلا طريقهما عبر الالتحاق بعمر. المرأة اعتقدت أن عمر هو تذكرة الثروة (اكتشفت علية المجوهرات قبل سرقتها) وعمر الفلاح اعتقد أنه السبيل للنزوح إلى القاهرة وتكوين قاعدة اقتصادية ومعيشية واجتماعية صغيرة يسعد بها والده. كلاهما لم يدرك بأن عمر القاهري هو مثل الرياح المسافرة. عابر طريق حتى في حياته الخاصة، فكيف يكون قائد مسيرة؟
المرء من ناحية أخرى كان يتمنى لو كان السيناريو قد حوى موقفاً أكثر صلابة، لكنها لعلها طبيعة الحكاية ولو أني أشعر بأنه كان يمكن للسيناريست رؤوف توفيق جعل الفيلم أكثر إلحاحاً لو رغب ٠
في النهاية، لا بد وأن يذكر الناقد بإعجاب تلك الدقائق الأولى من الفيلم حيث يلتهم المخرج المكان والزمان والأجواء سريعاً ويضعنا أمام شخصيته مباشرة ودون كلمة حوار واحدة مختصراً مسافات شرح طويلة في الأفلام العربية التقليدية. هذا لأن «مشوار عمر» ليس فيلماً تقليدياً٠
إلى حين خرج محمد خان إلى الريف في فيلمه «خرج ولم يعد»، دارت كل أفلامه في المدينة. محمد خان يحب المدينة ربما ليس بالحدة ذاتها التي عند مارتن سكورسيزي في علاقته المتناقضة مع مدينة نيويورك، لكن إلى الدرجة الي تجعله مصراً على تصوير مشاهده في الشوارع والأماكن الطبيعية رغم صعوبات هذا التصوير. في فيلمه البوليسي المثير «نصف أرنب» نماذج كاملة لعلاقة خان العاطفية مع المدينة حيث الكاميرا تستغل جو المطاردة لتمسح مناطق جديدة من القاهرة لم تظهر من قبل. وعندما أراد خان تجسيد وحدة عادل إمام في «الحرّيف» لم يجد أفضل من تلك المشاهد العامة له وهو يسير في عتمة أزقتها. ثم ها هو «مشوار عمر» يبدأ بها في صبيحة يوم أحد وعلى وتيرة بارعة: عمر (الفيشاوي) أشبه بصياد حائر وهو في سيارته منطلقاً نحو ما من غير الهين القول عنه إنه هدفه (الفيلم عن شاب بلا هدف). الراديو على إذاعة مونتي كارلو المستوردة إلى آذان العرب كما السيارات التي يركبونها والكاميرا القابعة داخل السيارة تنتقل حيناً من على وجه الممثل وحيناً على الشوارع الخالية إلى أن تتوقف مع بدء الحياة في الشوارع٠
وهل نستطيع أن ننسى المدينة في »فارس المدينة« و»كليفتي« وهما فيلمين تشويقيين في النَفَس الفني واجتماعيين في الجانب الموضوعي، ؟ او »في شقّة مصر الجديدة«؟. المدينة إذاً لم تكن كحالها في معظم أفلام المخرجين السابقين واللاحقين (وكثيرون منهم لم يكترثوا لها بقليل او كثير) مجرد محيط وشوارع يرتاح الفيلم بتصويرها بين المشهد الداخلي والآخر، بل هي مكمن الحياة وشريان العلاقات الإجتماعية
لكن قبل «مشوار عمر» (الذي لاحقاً ما تنتقل أحداثه إلى طريق ريفي) قام خان بوضع كاميرته بين المدينة والريف في عمل مقارن نادر في السينما المصرية وذلك في «خرج ولم يعد». يحيى الفخراني، ابن المدينة والوظيفة الحكومية ينتقل إلى القرية لبيع قطعة أرض يتزوج من ثمنها. القرية (جميلة في الفيلم) لا تبهر ابن المدينة في الوهلة الأولى لكن الشاري المحتمل (فريد شوقي) يمهله ويستدرجه للبقاء لأنه إذ يريد الأرض، لا يملك ثمنها. في النهاية يقع الفخراني في حب القرية والريف ويدير ظهره للمدينة٠
التالي إستعادة لبضعة أفلام من تلك التي أسست لهذا المخرج الكبير في وجداننا وجعلتنا نأبه لما يفكّر به ولما يواجهه ويلاقيه . نفرح لفرحه ونُحبط لإحباطه ونعتبره عيداً وطنياً حين ينجز فيلماً. به وبأمثاله فقط عاشت السينما العربية أعيادها٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عودة مواطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراما إجتماعية | الشقيق الأكبر للعائلة (يحيى الفخراني) يعود الى مصر بعد
سنوات الهجرة ليكتشف أن جميع أفراد عائلته غائصين في مشاكل المتغيّرات
الإجتماعية الوقعة والرغبات الفردية والإجتماعية التي تعصف بهم جميعاً. كل
هذا يكشف له واقعاً لم يكن في حسبانه فيشهد تفكك الأسرة وانهيار القيم العائلية ٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: محمد خان٠
إنتاج: يحيى الفخراني (مصر- ١٩٨٦)٠
سيناريو: عاصم توفيق
تصوير: على الغزولي (ألوان)٠
مونتاج: نادية شكري (١١٠ د)٠
موسيقى: كمال بكير
تمثيل: يحيى الفخراني، ميرفت أمين، أحمد عبد العزيز،
ماجدة زكي، شريف منير، عبد المنعم إبراهيم، حسين
الشربيني٠
دراما اجتماعية عائلية. المدة: 110د. العرض الأول: القاهرة.
في نهاية الفيلم، إذ يتّجه المواطن يحيى الفخراني إلى المطار نراه يقبع في غرفة الانتظار٠ لا هو يريد السفر فعلاً ولا يدري إذا ما كان يرغب في البقاء٠
هذا هو ثاني تعاون يتم بين المخرج محمد خان والسيناريست عاصم توفيق من بعد «خرج ولم يعد» (المستوحى من رواية «براعم الربعي» لـ هـ. أ. باتس ـ 1958) باستثناء فيلم قصير سابق تم بينهما تحت عنوان «لقاء عائلي» دار موضوعه عن تنظيم الأسرة. مثل «خرج ولم يعد» يدور «عودة مواطن» (وكلاهما من بطولة يحيى الفخراني) حول إنسان المدينة في مواجهتها. لكن إلى هذه النقطة ينتهي اللقاء الأساسي بين الفكرتين، ففي «خرج ولم يعد» (أقرأ عنه أدناه) يجد بطل القصة خلاصه في هجرة المدينة إلى الريف، لكنه في «عودة مواطن» إذ يهم بالهجرة من وطنه كله، يعجز في النهاية عن فعل ذلك ويبقى، مثل فاروق الفيشاوي في «مشوار عمر»، معلقاً بين الوهم والحقيقة٠
أفلام محمد خان ذات مزايا خاصة لم تعهدها السينما المصرية من قبل. أسلوبه ورؤيته للعالم الذي يصوره لا علاقة له بالنمط التقليدي الذي اعتاد عليه معظم المخرجين المصريين بما فيهم أولئك الجدد الذين اختاروا الانصياع لذلك النمط بدلاً من ترويضه والخروج عنه (هذا مع حفظ الاستثناءات القليلة). سرده للقصة مفهوم دوماً، لكنه متخلص من الكليشهات التقليدية ومنحصر في إيقاع ووحدة عمل تجعله أكثر تطوراً وديناميكية من معظم ما تخرج به السينما المصرية. يضاف إلى خصائصه حقيقة أنه منذ «مشوار عمر» الذي كتبه رؤوف توفيق (لا قربى بينه وبين عاصم توفيق) وهو يضيف جديداً إلى تلك المعالجة. ذلك الجديد هو البحث في الهم الاجتماعي العام. صحيح أن بذوره كانت في «الحريف» و«خرج ولم يعد»، لكن نموها السياسي إذا أردت بدأ في «مشوار عمر» (فساد الطبقة الجديدة) ووصل مع «عودة مواطن» إلى نضج واضح وأكيد٠
«عودة مواطن» يتحدث عن ذلك الرجل الذي قطع مرحلة الشباب. لقد حرق تلك المرحلة باختياره عندما قرر الهجرة إلى إحدى الدول العربية الغنية للعمل وتوفير المال بدلاً من البقاء في وطنه والزواج والانفصال عن أسرته في حياة خاصة. مع عودته يستمر ذلك الحرق، فالرجل يجد نفسه مطالب بأن يستمر في البذل وقد وجد نفسه أمام عائلة تنهار بفعل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وليس في انهيار شقيقه الأصغر وإدمانه المخدرات هرباً من الواقع إلا إفرازاً لمتحولات أصابته، كذلك نستطيع أن نفسر حتى الوجهة المناقضة تماماً التي اختارها الشقيق الثاني موغلاً في منهج سياسي. هذا الجانب من الفيلم، جانب اختيار منهج سياسي تكشف عنه المباحث وتضع أعضاءه ـ بما فيهم الشقيق ـ في السجن، هو اهتمام سياسي منفصل عن الشق الآخر واوصلي في الموضوع. فالمخرج يصور كيف أن خال العائلة (عبد المنعم ابراهيم يزداد قوة مع السنين) كان بدوره منضم لتنظيم سياسي حين كان شاباً، وفي لفتة سريعة ينفذ الفيلم من القيود عندما يصور ببلاغة وإيجاز العهود السياسية المتوالية التي يمر بها الفيلم. «عودة مواطن» هنا لا يعمد إلى تفنيد عهد وراء آخر، وإلا لما كان الفيلم الذي نتحدث عنه، بل يمزج بين تلك المراحل في جمل حوارية أو في تأملات لا تفوت الباحث عن المضمون وراء الصورة٠
مشكلة الشقيق الأكبر أنه لم يتآلف مع الوضع السائد. لقد ضحى وحين جاء وقت قطف الثمار وجد نفسه يوزعها على أشقائه بنفس الرضا الذي مارس فيه تلك التضحية. عدم التآلف ذاك ليس نتيجة إلمام سياسي أو ثقافي بالوضع السائد، بل ـ وسواء أقصد المخرج ذلك أو لم يقصده ـ نتيجة ضعفه عن مواجهة صعبة مع ما هو مطروح أمامه من حلول أخرى (مثل اتخاذ موقف متشدد). على العكس نراه رجلاً يخاف الشرطة والمحافل الرسمية، ويتوخى ـ عندما ازداد لفيح الهواء الساخن المنبعث من مشاكل الأسرة ـ التحول إلى زاوية من أركان الحياة يمارس فيها النوم والتعاطي مع المسائل في حيرة وليس في قدرة. وعندما اختار في النهاية حلاً، رآه في العودة إلى حيث أتى، لكنه كان قد أصيب فالمسؤولية وراءه كبيرة، وأفراد العائلة صاروا بحاجة إليه من جديد وهذا ما يتركه في النهاية عاجزاً عن الحركة، فلا هو قادر على فعل الهجرة هرباً ولا هو قادر على فعل العودة ومواجهة كل تلك العصاعب٠
لقد مني الفيلم بصد الجمهور عنه حين عرض في صالات السينما. المشكلة هنا غالباً ما تعود إلى الكيفية التي لا يعمد فيها الموزع للإعلان عن بضاعته. أي غياب الإعلان المتطور، وهذه مشكلة عدد كبير جداً من الأفلام جيدة كانت أو رديئة. ما هو خاص بـ «عودة مواطن» في هذا الشأن، حقيقة أن المخرج يدفع ثمناً لمنهجه غير المتنازل. خان ليس مجرد صاحب أسلوب، فحسن الإمام له أسلوبه أيضاً، لكنه سينمائي ينتهج تطويراً فعلياً في طريقة سرد القصة. إنه لا يبحث عن الوسيلة نه يمتلكها، ما يجب أن يبحث عنه هو حل مشترك مع جميع السينمائيين لإبقاء السوق السينمائي حياً ونشطاً كما كان. أفلامه تنبض بإيقاع المدينة وهاجس العصر كما لا تفعل أفلام أي مخرج آخر، وهذا الفيلم، عنوة على أفلامه الأخرى كلها، يتميز بتطور وسائل تعبيره وبالعمق المضاف إلى معالجته بحيث لا يكتفي بالرونق في الشكل ولا يمضي ـ في ذات الوقت ـ عمودياً في المضمون، بل يولف بين الاثنين ويطوعهما لرؤيته الخاصة في كيفية إخراج فيلم يشعر به كما يشعر به كاتبه (اقرأ المقابلة المنشورة مع محمد خان)٠
يحيى الفخراني، بعد عدد متزايد ومتنوع من الأفلام، ممثل تلقائي. ممثل قابل للتصديق سواء ألعب دور الأستاذ المحكوم عليه بالموت في «للحب قصة أخيرة» (رأفت الميهي) أو دور المخرج الإعلاني الذي يجد فرحته في مساعدة الأقزام على تحقيق مطالبهم كما في «الأقزام قادمون» (شريف عرفة) أو في دوريه تحت إدارة محمد خان في «خرج ولم يعد» و«عودة مواطن». إنه ممثل لم تتلفه الكاميرا ولا الشهرة المتأتية وراءها. كذلك نرى أن ميرفت أمين قد عادت إلى قواعد واعية بعد تجارب متعددة في أدوار أقل مما صارت تتمتع به من موهبة. وإذا كان اعتماد المخرج على الفخراني وأمين كبيراً، فهو كبير أيضاً مع الوجوه الجديدة أو شبه الجديدة التي لعبت أدوار الأشقاء٠
في «عودة مواطن» ينجز خان أهم أفلامه مع ملاحظة أن أفلامه السابقة كلها كانت مهمّة كل على الصعيد الذي اختير لها، وأجمل ما فيها أنها لم تنطلق متعرجة أو متردية، بل جسدت إدراك المخرج وثقافته ونضجه وكذلك عشقه لفن السينما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خَرَج وَلم يَعُد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراما إجتماعية | يقرر الموظّف بطل الفيلم (يحيى الفخراني) الإنتقال الى الريف
لبضعة أيام لحل مشكلة عقار. على أن يعود الى المدينة ومواصلة حياته فيها. هذه
الخطّة تتعطّل تماماً بعد أيام من وصوله الى الريف ووقوعه في غرام كل شيء: المرأة
والطعام والعلاقات البشرية٠
إخراج: محمد خان
سيناريو: عاصم توفيق.
تصوير: طارق التلمساني (ألوان)٠
مونتاج: نادية شكري (9 د)٠
موسيقى: كمال بكير
إنتاج: ماجد فيلم (مصري- ١٩٨٤)٠
تمثيل: يحيى الفخراني، فريد شوقي ، ليلى علوي، توفيق الدقن، عايدة
عبد العزيز٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بداية الفيلم الذكية تحيط بإيجاز واف بكل ما تريد معرفته عن حال ذلك الموظف الذي يستيقظ صباح كل يوم ليؤدي الأعمال ذاتها في الأجواء ذاتها وفي البيئة نفسها. مثل أفلام أخرى لمحمد خان القدرة البلاغية التي لديه توظف في خدمة حس حزين ورتيب للحياة من دون مؤثرات مباشرة أو ابتكارات موجهة أو أية مشاهد تفيض عن الحاجة. مشاهد محدودة تكفي عنده لكي تعكس حياة أبطاله وظروفهم وعلاقاتهم مع تلك الظروف. و«خرج ولم يعد» يبقى نموذجاً على هذا التميز بين أترابه٠
الفكرة مستوحاة من رواية للكاتب الإنكليزي هـ. باتس عنوانها
Darling Buds of May | براعم مايو المحببة
نشرت عام 1958 ولم تصور (حسب علمي) فيلماً من قبل. حين خرجت اعتبرت الرواية عملاً مثيراً للمطالعة لما فيها من أسلوب تأليفي سلس، ومواقف كوميدية سهلة القبول وسلاسة التتابع. على أن القيمة المتعلقة بالحبكة وتلك الخاصة بالروح الأدبية للعمل، اعتبرت ـ من الناحية الأخرى ـ ضعيفة. الفيلم يعكس تماماً هذه الصفات على جانبيها: فهو ممتع، سلس وغير متكلف، لكن حين التحدث عن الحبكة فإنها ليست أساسية. الى حد معيّن غائبة. لكن إذا كان ذلك مأخذاً مهمّاً في العمل الروائي فإن السينما تستطيع تجاوز هذه الناحية إذا ما كان المخرج قادراً على استغلال ذلك في توجيه الفيلم، شكلياً وذهنياً، صوب نواح أخرى. محمد خان يفعل ذلك بنجاح وإذا ببساطة المادة الروائية التي بين يديه تنقلب إلى صالحه كما فعلت في أفلام له من قبل ومن بعد («طائر على الطريق»، «خرج ولم يعد، »مشوار عمر»)٠
يحيى الفخراني يستيقظ في يوم عادي من نومه ليجد أن الماء مقطوع في شقته التي فوق بعض السطوح. إنه موظف بسيط وهناك امرأة تحبه وهو (على الأغلب) يحبها ومتفق وإياها على الزواج. الزواج يعني المال والمال موجود في شكل قطعة أرض في الريف تركها والده له قبل وفاته. بطلنا يأخذ عطلة قصيرة من وظيفته ومن المدينة (القاهرة) التي يعيش فيها ويتجه إلى الريف لكي يبيعها. فريد شوقي، صاحب أراض مجاورة، يريدها، لكنه لا يملك المال ليشتريها به. الإقامة تطول أولاً دون رغبة القاهري الذي يريد العودة إلى وظيفته وإلى مدينته وإلى حبيبته، لكن لاحقاً ما يستسيغ البقاء خاصة وأن المشتري أخذ يفكر في نطاق تزويج ابنته (ليلى علوي) من ذلك الرجل مقابل قطعة الأرض٠
مع انتقال بطلنا من المدينة إلى الريف، ينقلنا المخرج من البيئة الخانقة والطرق الضيقة والغرف التي لا ترى النور الكافي إلى الريف الأخضر والفسيح. إنه الفيلم الأول لمحمد خان الذي يدور ـ بمعظمه ـ في الريف وهو الذي يحب المدينة دون شك ويبدع في تصويرها حتى حين يعمد إلى نقدها. لكن ريف خان هو أيضاً مختلف. هنا لا مكان لمشاهد الفلاحين الطيبين في المزارع ولا للشمس الغاربة عند الأصيل أو للقطة ترتفع من قاعدة شجرة نخيل إلى قمتها العالية. لا كليشيهات ولا صور سياحية. بل صور نظيفة وريف أخضر طبيعي وجميل يقف مناقضاً للمدينة ويربح منها النقاط. هذا بدوره يخدم مضمون الفيلم. «خرج ولم يعد» هو عن الحياة في الريف مقابل الحياة في المدينة. هنا الزمن يتوقف. النظر إلى الساعة وحسبان التوقيت يخرج من عادات الإنسان. الهواء النظيف يفتح الذهن ولا يلبده، يتيح للإنسان السكينة والوداعة. المكان بذاته يقف مضاداً للصخب والأكثر هو أن التغيير يطال، بطبيعته، الطعام (والمخرج يقول إن جزءاً أساسي من فيلمه هو عن الأكل) فالمرء هنا يأكل وبشهية لأنه لا يفكر كأبناء المدن، بالكم والرقم والتوفير والمسائل الصحية الواجب اتباعها لقاء وجبة دسمة. في الريف تقوم بفعل الأكل دون هموم وربما تعيش أكثر وإن لم تفعل فعلى الأقل أكلت في حياتك جيداً٠
يحيى الفخراني ينجح، كعادته، في تصوير الشخصية التي يقدمها والتي تبدو مثل «أليس في بلاد العجائب»، لكن إدارة المخرج لكل ممثليه هي واحدة في حزمها ومقدرتها حتى مع ممثل عتيق مثل فريد شوقي وعلى الرغم من كثرة أعماله الأخيرة. ليلى علوي ساحرة.
الفيلم يتوالى جيداً في معظم أحيانه. الفترة الوحيدة التي شعرت بها بخلل هي عندما أخذت القصة (في الربع الأخير أو نحوه) منعطف اكتشاف ليلى علوي لعلاقة يحيى الفخراني بامرأة في القاهرة وحاول أن يجعل من هذا المنعطف موضوعاً تتصاعد الأحداث بسببه. في الحقيقة أنها لم تتصاعد، أو تتقدم، بقدر ما باغتت وحدة الموضوع وانتزعت منه جزءاً. بقدر ما سارت في درب التوقعات العاطفية المعروفة. ما يؤكد المخرج خان في هذا الفيلم يبقى ـ رغم ذلك ـ أعلى مما يستطيع مثل هذا الأمر الوصول إليه وهو أنه لا يخاف الإقدام على مواضيع غير عادية بشكل سينمائي متطور وغير تقليدي. إلى هذا تستطيع إضافة ملاحظة هامة أخرى وهي أن هذا المخرج إنما يحب الشخصيات التي يقدمها ويحب السينما ذاتها كما لا يفعل سوى قلة غيره٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشوَار عمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراما إجتماعية | رجلان وإمرأة يلتقون في الطريق بين المدن٠ ينسجمون فيما بينهم
ويرتبطون بصداقة، لكنها صداقة طريق رغم الرغبة في توطيدها وهي سريعاً ما تبدو
محكومة برغبات ماديّة تحول دون نموّها٠
إخراج: محمد خان٠
تمثيل: مديحة كامل، فاروق الفيشاوي، ممدوح عبد
العليم، أحمد عبد الوارث
سيناريو: رؤوف توفيق ومحمد خان٠
تصوير: طارق التلمساني (ألوان)٠
مونتاج: نادية شكري (112 د)٠
إنتاج: أفلام الأصدقاء (فاروق الفيشاوي) 1986
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد خان في هذا الفيلم أقرب المخرجين المصريين إلى سينما فنية بسيطة ورفيعة معاً. «مشوار عمر» يتمتع، أول ما ينظر المرء إليه، بإحساس تعبير رفيع يتلاءم والحالات التي يريد المخرج تصويرها: الوحدة الذاتية، الحزن الدفين، التيه والرحلة الصغيرة ـ الكبيرة. الكاميرا في كل ذلك منسابة وغير مقحمة، وهي أيضاً شاهدة على ما يدور أمامها من حالات وعلى ما ينتج من حزن وقسوة. إنها لا تصطاد انفعالات مقصودة، لا تتحرك حسب أغراض مرصودة. إنها تنتمي إلى رغبة المخرج في ملاحظة ما يدور وسرده دون عوائق وتداعيات أو حتى أية حادثة اعتراضية. السيناريو الذي بين يديه بسيط وهو لا يحتمل أن يطغى فيه عنصر ما على آخر٠
إنه قصة ثلاث شخصيات التقت على الطريق. عمر ـ ابن المدينة (الفيشاوي)، شاب لاه بين سيارته ونسائه، لا هدف له ولا عمل، سلبي تجاه الماضي وتجاه الحاضر والمستقبل. يستقل سيارته السريعة لتوصيل علبة مجوهرات من محل والده إلى محل في طنطا، لكنه يضطر لركن سيارته في طريق ريفية جانبية والنوم فيها عندما ينفذ البنزين منه. الشخصية الثانية اسمها أيضاً عمر (أمر طبيعي تحاشته السينما إلا نادراً) وصاحبها فلاح بسيط يعمل في محطة بنزين لجأ إليها عمر (الأول) بحثاً عن بنزين للسيارة ومن هناك تصادقا لما أنقذ الفلاح (ممدوح عبد العليم) ابن المدينة من شريرين أرادا سرقته. الشخصية الثالثة هي نجاح (مديحة كامل) اسم على غير مسمى لامرأة ليل تعمل في بور سعيد وقد جاءت تلك الأنحاء لمعايدة أمها لكن زوج أمها يمنعها من دخول البيت لسمعتها. نجاح تنضم لعمر وعمر حين يشرع الاثنان مغادرة تلك الأنحاء. عمر القاهري سعيد بهذه الصحبة، غير مكترث لإيصال العلبة التي أوصى بها والده، وعمر الفلاح ونجاح لا يقلان عنه سعادة إلى أن يعاود الشريران مهاجمة الثلاثة في ليلة شرب فيها الجميع وتخلى عن رزانته وعكس روحاً قابلة للفساد. حين يستيقظ عمر القاهري صبيحة اليوم التالي يجد أن سيارته (بما فيها) قد سرق فيعرض على عمر ونجاح معاوته في استردادها لقاء علبة المجوهرات ليتقاسماها. عمر يكتشف مكان سيارته. العلبة مفقودة. نجاح تتخلى عنه وعن عمر الآخر وتصعد أول شاحنة تجدها، عمر الفلاح يمشي عائداً إلى منطقته وروح الطيبة تعود إليه. عمر القاهري يجلس وراء المقود وهو يقود سيارته. هذه المرة السيارة لا تتحرك٠
تماماً كحياته٠
العلاقات التي يرسمها محمد خان في هذا الفيلم من أجمل ما رسم في السينما المصرية منذ سنوات. ذلك انها، على بساطتها، علاقات شائكة تنقل الشخصيات من إطار كل منها كضحية إلى إطار كل منها كجلاد ثم تعود إلى صورة الضحية دون مبالغات أو مشاهد ممسرحة. المتفرج يشعر بأن عمر القاهري في حياته العابثة كان لا بد أن يقوم بمثل هذه الرحلة. إنه أهل لها. إنسان لا يحب المسؤولية، يقود سيارته مسرعاً، يستمع إلى مونت كارلو (وليس إلى إذاعة وطنية) إلى الأغاني الغربية (تعبير ثقافي يتيم) ويحب أن تنبسط الطريق أمامه وأن يسرع فوقها وينطلق. لا يهم ـ عنده ـ إذا انتهت الرحلة بإخفاق. مثله، يفيد المخرج في المشاهد الأخيرة، لا يتعلم. إنه يعيش في زمن صعب (الحاضر) والهم المادي للفيلم ليس بعيداً عن سمائه فبطله الأول شاب ثري، ميسور، منتم لطبقة نهضت، أو إذا ما أردت لعائلة من طبقة في طنطا جاءها ريح من التغيير فدلفت إلى اليسر والثراء. وتستطيع أن تلاحظ من خلال مناجاة أحد الشريرين للآخر (أحمد عبد الوارث ليوسف رجائي) النظرة التي يوجهها المجرم لحضيته مذكراً بين الحين والآخر بأنه لم يحصل على شيء من أسباب التغيير والجاه التي تعصف بالبد وأن السطو على ذلك الشاب الوجيه وما يملكه هو «حقه». لكن العلاقة الأعمق تكمن في أن نجاح وعمر ضلا طريقهما عبر الالتحاق بعمر. المرأة اعتقدت أن عمر هو تذكرة الثروة (اكتشفت علية المجوهرات قبل سرقتها) وعمر الفلاح اعتقد أنه السبيل للنزوح إلى القاهرة وتكوين قاعدة اقتصادية ومعيشية واجتماعية صغيرة يسعد بها والده. كلاهما لم يدرك بأن عمر القاهري هو مثل الرياح المسافرة. عابر طريق حتى في حياته الخاصة، فكيف يكون قائد مسيرة؟
المرء من ناحية أخرى كان يتمنى لو كان السيناريو قد حوى موقفاً أكثر صلابة، لكنها لعلها طبيعة الحكاية ولو أني أشعر بأنه كان يمكن للسيناريست رؤوف توفيق جعل الفيلم أكثر إلحاحاً لو رغب ٠
في النهاية، لا بد وأن يذكر الناقد بإعجاب تلك الدقائق الأولى من الفيلم حيث يلتهم المخرج المكان والزمان والأجواء سريعاً ويضعنا أمام شخصيته مباشرة ودون كلمة حوار واحدة مختصراً مسافات شرح طويلة في الأفلام العربية التقليدية. هذا لأن «مشوار عمر» ليس فيلماً تقليدياً٠
بإختصار
نصف أرنب
هذا أفضل شريط بوليسي عربي ظهر ، ربما لليوم. محمد خان يقبض طوال الوقت على خيوط القصة القليلة. موظف في أحد المصارف وعضو صغير في عصابة يلهثان وراء نصف مليون جنيه ووراءهما آخرون من مواقف متباينة بينهم مجرم (يحيى الفخراني في أداء مبهر) يلقى مصرعه في مشهد في نهاية الفيلم٠
محمد خان مخرج مثقف، أي أن ثقافته السينمائية الغربية تمده بحسن معالجته لما يريد إظهاره على الشاشة من مواقف، بل وبكيفية ولوج حبكة معقدة والخروج منها في سهولة، ثم في كيفية إثارة المتفرج وتشويقه بعد ساعة ونصف من اللهث غير المتكلف من المطاردة٠أسلوب عمله ليس له مثيل في السينما المصرية والعربية، ويتحرك المتفرج غالباً بشعور من البهجة والمفاجأة وربما الرغبة في مشاهدة الفيلم ثانية وهو شعور نادر في أتون الأفلام العربية. في مشاهده لا يتوقف عقل المخرج عن الإبداع: الكاميرا ـ المحمولة غالباً ـ تدخل دهاليز أنابيب الأسمنت في أحد المشاهد، وتركب الحمالات المستخدمة في تركيب مواد البناء لكي تصور لقطة من خارج مبنى ما زال قيد العمارة. وهذه التفاصيل إلى جانب إلمامه بالروح المصرية غير المستوردة تجعل من هذا الفيلم متعة سينمائية حقيقية لا مثيل لها. محمود عبد العزيز في أحد أدواره الأفضل كذلك سعيد صالح، ويعطي توفيق الدقن شخصيته التقليدية نظرة أخرى
طائر على الطريق
أحمد زكي كان نجماً صاعداً في تلك الأيام، وهو نسج في ظهوره مع محمد خان، في تلك الأفلام الأولى بينهما (أي قبل »أيام السادات«) شخصيّة لامعة . هنا يؤدي دوراً جيداً كسائق تاكسي يعاني من ضياعه لنفسه واختلاف الأمور أمامه، كما افتراقه عن فتاته المنطلقة (آثار الحكيم) حتى يلتقي بامرأة (فردوس عبد الحميد) زوجها (فريد شوقي) يغار عليها لعجزه معها. القصة ذات الحبكة المبسطة تصير مشكلة ذات أبعاد، فعبر هذا اللقاء يتفجر بين الاثنين كل ذلك الكبت العاطفي والوجداني الذي حمله كل منهما في داخله. لون المخرج محمد خان فيلمه بمعالجة سينمائية يمكن لها أن تكبر مستقبلاً وتصير أسلوباً مميزاً خاصاً به. وأعطاه مسحات حزينة مناسبة وإن كانت لم تنجح في أن تشكل في إثارة الاهتمام بها. ربما ما على المخرج أن يعمل على حله هو علاقته بالكاميرا، التي بقدر ما تحاول هنا أن تكون قريبة وشاعرية في نفس الوقت، بقدر ما هي ـ في الإجمال ـ تفتقر إلى ما يثريها ـ موضوعياً ـ في هذا المجال. خان يمتلك الرؤيا وبدايات الأسلوب، لكن هذا الفيلم لا يبرهن انتقالهما إلى الممارسة الذاتية السليمة. إنه، من ناحية أخرى غير بعيدة، يحاول معايشة الواقع ونقل أحاسيس تنبع مباشرة من الحياة اليومية، لكن هنا، ولا أدري إلى أي حد مسؤولية المعامل غير المتقدمة، تطغي المؤثرات الصوتية على الحوار بحيث يصير من المزعج مجرد الإنصات إلى ما يقال، وتضيع رغبة المخرج في أن ينقل المعايشة المقصودة تحت وطأة الإكثار من استخدامها، كما تحت وطأة استخدامها من دون زخم أو مضمون في السيناريو الذي بين يديه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهذا أفضل شريط بوليسي عربي ظهر ، ربما لليوم. محمد خان يقبض طوال الوقت على خيوط القصة القليلة. موظف في أحد المصارف وعضو صغير في عصابة يلهثان وراء نصف مليون جنيه ووراءهما آخرون من مواقف متباينة بينهم مجرم (يحيى الفخراني في أداء مبهر) يلقى مصرعه في مشهد في نهاية الفيلم٠
محمد خان مخرج مثقف، أي أن ثقافته السينمائية الغربية تمده بحسن معالجته لما يريد إظهاره على الشاشة من مواقف، بل وبكيفية ولوج حبكة معقدة والخروج منها في سهولة، ثم في كيفية إثارة المتفرج وتشويقه بعد ساعة ونصف من اللهث غير المتكلف من المطاردة٠أسلوب عمله ليس له مثيل في السينما المصرية والعربية، ويتحرك المتفرج غالباً بشعور من البهجة والمفاجأة وربما الرغبة في مشاهدة الفيلم ثانية وهو شعور نادر في أتون الأفلام العربية. في مشاهده لا يتوقف عقل المخرج عن الإبداع: الكاميرا ـ المحمولة غالباً ـ تدخل دهاليز أنابيب الأسمنت في أحد المشاهد، وتركب الحمالات المستخدمة في تركيب مواد البناء لكي تصور لقطة من خارج مبنى ما زال قيد العمارة. وهذه التفاصيل إلى جانب إلمامه بالروح المصرية غير المستوردة تجعل من هذا الفيلم متعة سينمائية حقيقية لا مثيل لها. محمود عبد العزيز في أحد أدواره الأفضل كذلك سعيد صالح، ويعطي توفيق الدقن شخصيته التقليدية نظرة أخرى
طائر على الطريق
أحمد زكي كان نجماً صاعداً في تلك الأيام، وهو نسج في ظهوره مع محمد خان، في تلك الأفلام الأولى بينهما (أي قبل »أيام السادات«) شخصيّة لامعة . هنا يؤدي دوراً جيداً كسائق تاكسي يعاني من ضياعه لنفسه واختلاف الأمور أمامه، كما افتراقه عن فتاته المنطلقة (آثار الحكيم) حتى يلتقي بامرأة (فردوس عبد الحميد) زوجها (فريد شوقي) يغار عليها لعجزه معها. القصة ذات الحبكة المبسطة تصير مشكلة ذات أبعاد، فعبر هذا اللقاء يتفجر بين الاثنين كل ذلك الكبت العاطفي والوجداني الذي حمله كل منهما في داخله. لون المخرج محمد خان فيلمه بمعالجة سينمائية يمكن لها أن تكبر مستقبلاً وتصير أسلوباً مميزاً خاصاً به. وأعطاه مسحات حزينة مناسبة وإن كانت لم تنجح في أن تشكل في إثارة الاهتمام بها. ربما ما على المخرج أن يعمل على حله هو علاقته بالكاميرا، التي بقدر ما تحاول هنا أن تكون قريبة وشاعرية في نفس الوقت، بقدر ما هي ـ في الإجمال ـ تفتقر إلى ما يثريها ـ موضوعياً ـ في هذا المجال. خان يمتلك الرؤيا وبدايات الأسلوب، لكن هذا الفيلم لا يبرهن انتقالهما إلى الممارسة الذاتية السليمة. إنه، من ناحية أخرى غير بعيدة، يحاول معايشة الواقع ونقل أحاسيس تنبع مباشرة من الحياة اليومية، لكن هنا، ولا أدري إلى أي حد مسؤولية المعامل غير المتقدمة، تطغي المؤثرات الصوتية على الحوار بحيث يصير من المزعج مجرد الإنصات إلى ما يقال، وتضيع رغبة المخرج في أن ينقل المعايشة المقصودة تحت وطأة الإكثار من استخدامها، كما تحت وطأة استخدامها من دون زخم أو مضمون في السيناريو الذي بين يديه
محمد خان يتحدث عن عودة مواطن
الناس تشعر وكأنّما الفيلم يصفعها٠
الناس تشعر وكأنّما الفيلم يصفعها٠
مقتطفات من مقابلة أجريت معه في العام 1968
السيناريو
لا دور لي في صياغة السيناريو، إنما دوري في كيف أُلهمُ الذين حولي باتجاه يحلو لي. طلبت من عاصم توفيق فكرة عن رجل يرجع إلى وطنه وكنت أعرف أن عاصم قضى ثماني سنوات في الغربة، وعارف بأن الكاتب سيضع تجربته الذاتية فيما يكتب. إلى جانب ذلك تثيراً اهتمامي شخصية رجل عائد لذلك لم أكن أريد أن أعبث بسيناريو عاصم توفيق مطلقاً. أحببت المادة كثيراً ولعب البيت (بيت العائلة) دوراً كبيراً في إحياء السيناريو. وكما ذكرت، كنت مهتماً كثيراً بشخصية شاكر التي لعبها يحيى، شخصية الرجل العائد الذي فقد انتمائه، لذلك عندما أخبرني أحد الأصدقاء الذين شاهدوا الفيلم بأني لا أحب أي من الشخصيات التي على الشاشة صدمت، لأني طبعاً متعاطف مع شخصية شاكر٠
استفزاز
سوداوية الظروف التي تعيش فيها شخصيات الفيلم مقصودة. أردت أن تلعب دوراً استفزازياً عند المتفرج. أن تشكل في النهاية عاملاً إيجابياً يدفع المتفرج للشعور مع ما يدور والانفعال فيه. النهاية تصور لنا رجلاً مشلولاً في المطار، فلا هو صعد الطائرة ولا دخل البلد من جديد. نهاية فيها حسرة. حتى الآن وأنا أرى الفيلم تدمع عيناي في تلك اللحظة. أنا أردت المتفرج ان يقول لنفسه عليَّ أن أفعل شيئاً"٠
ـ لكن المتفرج لم يقل ذلك، كما علمت أن إيرادات السوق كانت هابطة جداً٠
هذا غير صحيح على الإطلاق وأنا أعلم ذلك يقيناً. هذا الفيلم توقيت عرضه غلط جداً، نوعية عرضه غلط جداً بل كونه في السينما غلط جداً. إنه موجه لخمسة أو ستة مليون مصري يشكلون الطبقة المتوسطة. هذه الطبقة ترى الفيلم هذه الأيام على الفيديو، وهذا ما يفسره نجاح الفيلم الكبير على الأشرطة. الناس تشعر وكأنما الفيلم يصفعها، ودلالة ذلك النجاح عدد النسخ المطبوعة من هذا الفيلم، فالفيلم ذو النجاح العادي يطبع منه نحو نسخة، بينما طبع من هذا الفيلم 2800 نسخة. رأيي أنه من الأفلام التي ستدوم طويلاً، ستعيش، لأنه يلمس العائلة من الداخل بلباقة شبه مفقودة في سينما هذه الأيام٠
متعة
لقد حضرت نقاشاً أقيم حول الفيلم مؤخراً. بعد العرض قام أحد الشبان الذين، كما قال، سافر إلى الخارج وعاد وادعى أن الفيلم مزيف وليس حقيقي. إنه نوع من الناس الذين يرفضون مواجهة الواقع. متعتي كانت أن أحد الحاضرين قام ورد عليه وعبَّر عن شعوره الكبير بما رآه خاصة بمأساة الشقيق الذي لم يجد وظيفة وأدمن المخدرات. أعتقد أن قيمة الفيلم هي هنا، إنه لخص مصر في العشر سنوات الأخيرة، بعيداً عن تحديد المراحل، فلم يدخل ليقل لك «نحن الآن في مرحلة الانفتاح»، بل تناول الفترة تلقائياً. إنه يلخص العشر سنين في قسوة، في اختصار وفي الصميم٠
صحبة
عاصم توفيق هو مثل بطل السيناريو خريج حقوق، وهو أيضاً يخاف المحافل الحكومية، وعندما مثل يحيى الفخراني الدور كان، بإدراكه لهذه الحقيقة، يلعب دور عاصم توفيق. كان من المفروض أن ننتج الفيلم. عاصم ويحيى وأنا، معاً ونحن نعرف بعضنا البعض جيداً، لكني كنت منشغلاً في الفيلم المالديفي («يوسف وزينب») وعاصم لم تمكنه الظروف، فدفعنا بيحيى لإنتاجه٠
ـ هل واجهتكما مصاعب رقابية؟
لقد وضعنا أيدينا على قلوبنا، لكن الرقابة لم تنتبه تماماً إلى مضامين الفيلم وذلك من حسن حظنا وحسن حظ المتفرج. هنا تكمن لباقة عاصم توفيق في الحوار كما ذكاؤه. الكلمة التي تقال... أين ولماذا؟ مثلاً من أخطر الجمل التي يقولها الخال (عبد المنعم إبراهيم) «نحن عملنا يللي علينا، بكرة أولادنا يعموا اللي ما قدرناش عليه» هذه الجملة هي لب الفيلم لكن أحداً لم يحس بها، وخرج السيناريو دون ملاحظة واحدة، لأنه مكتوب جيداً وبأناقة أدبية٠
عقد
دائماً ما يحدثونك عن الشكل والمضمون والعقد إياها تلك. هنا عندي مضمون أحبه وأشعر به جداً وأعتقد أنه مضمون خطير، وفي نفس الوقت أعطيته الشكل. الكاميرا المتجولة دائماً موجودة في الفيلم. استخدم «الكران« دائماً في الفيلم كأنما أتلمس الجدار. لقد وجدت شكل الفيلم تلقائياً دون أن يعرقل مضمونه. خوفي كان أن يطغى أسلوب عملي على جمال المادة المكتوبة، لذلك كنت حذراً في تعاملي مع هذا الفيلم بالتحديد ٠
الممثلون
يحيى ممثل ناضج جداً، فطري وعلى عكس بعض الممثلين لا يفلسف أدواره، بل يعطي دون حدود، وهذا مهم جداً ونوعيته مطلوبة. وهو من الممثلين القليلين المتوفرين الذين يؤدون دور رجل الشارع بتلقائية. إنه ممتاز ومناسب. أعتقد أنه سوف لن يكون نجماً، بالمعنى المتعارف عليه، إلا بعد سنوات وهذا مما قد لا يعجبه لكنه لا يمس قدراته الفائقة كممثل. وقت يحيى قادم وسيكون مهماً جداً في السينما المصرية. بالنسبة لميرفت أمين، التي أعمل معها الآن على «زوجة رجل مهم» للمرة الثانية، أحس أن «عود مواطن» خطوة أولى في اتجاهها الجديد. إنها من ضمن جيل من النجمات اللواتي نضجن الآن ولم يستغل نضجهن بعد. إنها في الفترة الصحيحة وآمل أن ينتبه زملائي إليها على هذا الأساس من بعد أن يشاهدونها في «زوجة رجل مهم «٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كينغ كونغ الأول: أتكون وِحدَة العاشق سبب موته؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“No. It wasn’t the airplanes...It was
Beauty killed the Beast”
(1933) - من »كينغ كونغ«
تم تحقيق فيلم »كينغ كونغ« ثلاث مرّات٠
نسخة أرنست ب شويدساك ومريان س. كوبر سنة 1933
نسخة جون غيلرمَن سنة 1976
ونسخة بيتر جاكسون سنة 2005
وحين خرجت النسخة الأخيرة بكلفة 208 ملايين دولار كان لابد من المقارنة كيف أن »كينغ كونغ« الأول لم تزد كلفته عن 350 ألف دولار. لكنه النسخة التي منحت للنسختين الأخرتين الحياة، والفيلم الذي لا يزال أكثر إثارة وأصالة من أي من هذين العملين اللاحقين على الرغم من اختلاف التقنيات المعمول بها باختلاف العصور٠
لا أنكر أن نسخة غيلرمَن كانت مقبولة ولا أن نسخة جاكسون كانت مذهلة. لكن أن تضع نفسك اليوم في إطار نسخة 1933 هو كمن تعود فعلياً الى شباب المرأة التي أحببت يوماً. هكذا هو الحال مع كل كنز سابق٠
الحقيقة أن النسخة الأولى التي خرجت في العام 1933 لا تزال مثيرة للخيال والمتعة البصرية كما كانت آنذاك. إذا تجاوزت السهل من الإعتبارات، مثل أن الفيلم بالأبيض والأسود وأن التكنولوجيا الحاضرة أكثر تقدّماً من تلك التي تمت الإستعانة بها حينذاك، خرجت بعمل من الصعب تقليده حتى على سبيل الإستنساخ.
وجه من أوجه الصعوبة تكمن في أن الفيلم آنذاك كان أكبر إنجاز تقني شهدته السينما الى ذلك الحين.
ويليس أوبرايان (1962-1886) وضع كينغ كونغ وشروطه وحركاته فهو رئيس تقنيي الفيلم. ولم يكن ذاك فيلمه الأول، إذ عمد الى السينما منذ العام 1915 في عملين قصيرين وواصل مهنته مؤسساً لنفسه مكانة
كبيرة في تاريخ سينما الفانتازيا والوحوش والخيال العلمي المبكرة. في العام 1925 أشرف على إخراج
The Lost Word التقنيات لفيلم سالعالم المفقود«٠
ذلك كان الإقتباس السينمائي الأول لرواية آرثر كونان دويل كما أخرجه هاري أو هويت. بعد سبعة أعوام عمل أوبرايان على »كينغ كونغ« ثم على »إبن كينغ كونغ« وعلى فيلم وحوش آخر عنوانه »جو يونغ القوي« (أخرجه أيضا إرنست ب. شويدساك - 1949). وعلاقة أوبرايان بالوحوش آستمرّت منذ ذلك الحين وشلمت أكثر من فيلم بينها
The Beast of Hollow Mountain, The Black Scorpion, The Giant Behemoth وكما يمكن وضع كتاب عن صانع المؤثرات التقنية هذا، يمكن وضع كتاب (او على الأقل فصل كبير) حول إسهامه في تحقيق النظرة الخاصة جداً لـ »كينغ كونغ«. لقد كان الفيلم من التأثير بحيث أن راي هاريهاوزن، أحد أساطير مهنة صنع الدمى المتحرّكة والمؤثرات الفنية المختلفة، لاحقاً ما اعتبر أن مشاهدته لهذا الفيلم وهو صغير هي ما دفعته للتحوّل الى هذا النوع من العمل.
لكن هناك إعتبارات أخرى تجعل من »كينغ كونغ« حين مشاهدته اليوم أشبه بإكتشاف منابع النيل. إنه فيلم قائم لتجسيد الحب المستحيل. إنه روميو وجولييت خاص جداً. عوض الفوارق الطبقية ودوافع النقمة والإنتقام، هناك فوارق جنسية وخلقية وعضوية بالغة بين روميو الوحش وجولييت، - اللمرأة كما لعبتها الممثلة الشقراء فاي راي٠
في فيلم بيتر جاكسون يبدو كينغ كونغ كما لو أنه فكّر بإلتهام هذه الآدمية التي يبلغ طولها طول أصبع يده الصغير ثم عدل عن ذلك. في »كينغ كونغ« الأول يبدو وقع في حبّها سريعاً. لا نعرف لماذا. كيف فهم الحب وإذا ما عرف استحالته وأغفل ذلك او كانت بالنسبة اليه »إكتشافاَ«.لكننا نعرف أنه وحش ضار وقع في أسر المرأة الشقراء كما يقع الواحد منا في أسر حب سرب الحمام على سطح منزله او عصفوره الذي في القفص.
وإذ ينتابني هذا التشبيه أتساءل إذا ما كان الإنسان، مهما كان عطوفاً، يبدو بالنسبة لأسراب الحمام، او لأي نوع من الطيور والحيوانات الداجنة، وحشاً لا يمكن تفسير او فهم تصرّفه. بذلك، يكون كينغ كونغ هو نحن في حالات الحياة. فاي راي هي كنار القفص او قط البيت الصغيرة او سلحفاة الحديقة.
كل »كينغ كونغ«، نسخة 1933 او نسخة جون غيلرمِن سنة 1976 او نسخة بيتر جاكسون الحالية، بالإضافة الى مشتقّات عديدة هو عبارة عن تجسيد لذلك الحب المستحيل بين مخلوقين. الوحش والجميلة وكونها الجميلة -والآدمية- يجعلها في إدراك مشبع بالمخاوف: أن لا تستطيع التخلّص من قبضة الوحش. أن يغيّر رأيه ويهشّمها بقبضة يده او يعطس فوقها فتغرق او حتى أن يمارس معها نوعاً من الجنس فيقضي عليها. لكن كينغ كونغ، في نسخه المختلفة وبدءا من نسخة كوبر/ شويدساك، كينغ كونغ عاجز عن الفعل الأخير. لا أعضاء تناسلية يمكن ملاحظتها. لسنا متأكدين -اذا ما ابتعدنا عن المسلّمات- إنه ذكر. أكثر من ذلك، لا يبدو على علاقة بأنثى كينغ كونغ. وحيد في عالم مفقود ومسجون فوق جزيرة لم يغادرها أحد حياً لكي يبلغ عما شاهده.
الحال هذه، أتكون وحدة العاشق هي السبب في حبّه؟ ألمعت في باله خاطرة أن يمنع انقراضه بعلاقة عاطفية ولو لم تكن ممكنة؟ أتكون تلك الآدمية الشقراء ريشة الحياة الملوّنة في عالمه الحزين؟ أم هي مبث عطف أبوي سيء فهمه؟
غريب في المدينة
كينغ كونغ ينقذ آن (فاي راي) من الموت المحق. تكاد تسقط من عل هنا، ويحاول دينوصور جائع إلتهامها هناك. لكن الأمر يمتد لما بعد ذلك، حين يعاود الفريق الذي وطأ الجزيرة تخليصها من قبضته يثور ويلحق بالفريق الذي يهرب الى الشاطيء. كينغ كونغ يقع في الأسر بعدما طحنه الحب وأمعن فيه القلق في أن يعيش بعيداً عن شقرائه. وكينغ كونغ يصبح الفرصة الذهبية للفريق لعرضه على خشبة المسرح للعموم وتحقيق الأرباح. حين يثب كينغ كونغ لوعيه يختلج الحب في صدره وينطلق بحثاً عن فتاته في قلب نيويورك ثم يحملها معه. »أنت تنتمين إليّ« يكاد ينطق قائلاً لها و»سوف أحارب العالم بأسره من أجلك« وهو يقف على سدة الإمباير ستايت ليفعل ذلك ثم ليموت ضحية حب على الأغلب مات دون أن يفهم مبعثه.
كينغ كونغ يبقى وحشاً في البدء وفي النهاية وعلى طول الخط. حين يهمس بإسمه الفيلم قبل ظهوره يثير به نوعاً من حماس المشاهد لأن يرتعب منه. حين يظهر -أولاً من وراء الشجر ثم يده ثم بنفسه- يترك في البال وصول الوحش الى صدارة الفيلم بعد طول إنتظار. القبول به كعاشق او كرمز جنسي فوق العادة كامن في المتلقي (ذكراً وأنثى) من جراء تضخيم صورة الوحش بصفاته جميعاً ثم -وأساساً- من وقوعه في تيم المحبوبة. لكن لا شيء يُزيل الصورة الأساسية له كوحش يقطع الوحوش الأخرى أرباً ويتمتع بقوّة خارقة لا تعرف الرحمة او الضعف.
لكن المزيد من صور المخلوق الإجتماعية (او الإنسانية إذا أحببت) تتوارد تباعاً خصوصاً عندما يحط الوحش في المدينة. كينغ كونغ إبن أدغال موحشة وبيئة غير متمدنة فوق جزيرة لا يعرف أحد كيفية الوصول اليها ناهيك العودة منها. هذا الوحش الخاص الذي لم ير في حياته سوى أشجاراً وأنهاراً ووحوشاً أخرى، يتحوّل الى غريب في المدينة. صحيح إنه لا يأبه لأحد باستثناء الجميلة التي اكتشف وتبنّى ووقع في هواها، الا أن الصحيح أيضاً هو أن المدينة كلها تأبه به. في هذا الصدد هناك طبقات من الرموز المتسللة.
كبداية، هو مخلوق مختلف في كل شيء عن باقي الخلق وما اعتاد هؤلاء مشاهدته. في متناول يدنا تجربة شيء مشابه لمعرفة الصورة المتبادلة بين غريب ومواطنين. خذ نملة واحدة سوداء او تختلف بحجمها وضعها وسط سراب نمل أشقر او أبيض او أصغر او أكبر وشاهد كيف أن فوضى شديدة تدب في وسط نظام سائد. غالباً ما ستتكاتف القوى السائدة في هذا النظام لردع المتطفّل ولو بقتله. والبشر يعملون على هذا المستوى حتى وإن لم يكن هناك وحش بحجم كينغ كونغ.
فما أن يؤم غريب قرية حتى تتجمّع فوق رأسه السحب. تثار في وجهه علامات الإستفهام وتحيط به نظرات الشك والرفض. »رامبو«، في »دم أول« يجد نفسه في ذلك الوضع: عائد من فييتنام وحيداً ومعزولاً ومنهزماً ليجد المحيط من حوله عدائي لمجرد إنه غريب. المتهمون الثلاثة في فيلم لويليام ولمان
Ox-bow Incident
الذين وجدوا أنفسهم مُساقون للمشنقة بتهمة سرقة المواشي لمجرد أنهم من مكان آخر ولأنهم رعاة بقر وليسوا من مالكيها. كينغ كونغ هو كل غريب وطأ أرضاً وعانى من جموع ناس تبحث عن الأمن في الحفاظ على خوفها ثم بث هذا الخوف تجاه الضعفاء. وكينغ كونغ هو الضعيف.
قلب المشاهد ينقلب من خوف من كينغ كونغ الى خوف عليه وهو يبدأ بمطالعة نهايته. ونعود نحن في نهاية الأمر الى ما نحن عليه: الوحش عليه أن يموت. لا يستطيع العيش بيننا. قتله أرحم له و... لنا.
أصول الفيلم تكمن في قصة ألّفها مريان س. كوبر (وهو قدم للسينما منتجاً ومخرجاً من حقل المصارف) وإدغار والاس (ومات قبل عام واحد من خروج الفيلم) انتقلت الى سيناريو وضعه كل من جيمس أشمور كريلمان وروث روز. ومن الصعب التأكد أين مصدر كل فكرة نيّرة احتواها ذلك الفيلم. عوض ذلك، سأكتفي بضم ملاحظة أخرى لتلك السابقة الناتجة عن قراءة »كينغ كونغ« بعينين غير بريئتين. ففي مكان ما من شقّي الكتابة، وربما في مرحلة أخيرة منها، تلك التي يتشبّع فيها المخرج بالمادة ويبدأ باستيحاء المنافذ الجديدة للنص، ولدت فكرة وجود وحش آخر لا يقل عن كينغ كونغ ضراوة. إنه يختلف عنه من حيث أنه ليس مخلوقاً حيوانياً ضخماً، لكن ذلك لا يجعله أقل فتكاً. الوحش هو كارل دنهام كما أدّاه روبرت أرمسترونغ.
كارل هو قائد الفريق الذي وصل الجزيرة (جزيرة الجماجم) مستكشفاً. إنه أيضاً من اكتشف آن التي كانت ممثلة كومبارس فأتى بها لتقوم بطولة الفيلم الذي سيصوّره فوق تلك الجزيرة. إنه، ثالثاً، من يقود الحملة لإنقاذ الممثلة ملاحظاً إنه يواجه وحشاً واقع في الحب (يتمتم »الجميلة والوحش«). الصراع بينه وبين الوحش على آن ظاهره إيجابي من حيث إنه فعل خير إنساني. لكن في باطنه هناك شعلة الصراع بين غريمين كل منهما على حب الفتاة ذاتها. المسألة، بالنسبة لكينغ كونغ، لا تعرف المصلحة الأخرى. إنه حب طاهر او وله متيّم بلا حسابات. لكن لاحظ ما يتفوّه به كارل حين يسقط كونغ أسيراً: »العالم بأسره سوف يدفع لمشاهدة هذا- كونغ، أعجوبة العالم الثامنة«.
تفوّه كارل بتلك العبارة يمنح المشاهد فرصة أخرى وأكيدة للتعاطف مع الغوريللا الكبيرة وقد أدرك ما ستؤول إليه. اما كارل فيبدأ من هنا بخسران ما سجّله من إعجاب النظّارة وما سجّله من إمتنان آن نفسها وقد أدرك كل منهما (النظّارة وآن) النيّات المادية لكارل. رغم أنها ممتنة لكارل أنه أنقذ حياتها، الا أنها غير راضية عن منحاه. وربما تعتقد إنها بدورها ليست أكثر من عنصر جذب لمسرحه. ومسرحه هو دنيا المشاهدين. ها هو وضع المرأة كفتاة متعة يتسلل من بين شقوق الوضع الذي آلت اليه الأحداث.
الجزء الأخير القائم على المواجهة هو إعادة إكتشاف كارل لخطأه. يتابع من بعيد، وهذه المرة من دون تدخّل، صراع كونغ ضد الطائرات الحربية التي تهاجمه والمرأة التي فتنتهما معلّقة بدورها بين السماء والأرض. وحين يسقط كونغ من علِّه يتقدم شرطي ويقول »الطائرات هي التي أسقطته« فيرد عليه المخرج داخل الفيلم (والفيلم بأسره) »لا. لم تكن الطائرات. كانت الجميلة التي قتلت الوحش«.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ“No. It wasn’t the airplanes...It was
Beauty killed the Beast”
(1933) - من »كينغ كونغ«
تم تحقيق فيلم »كينغ كونغ« ثلاث مرّات٠
نسخة أرنست ب شويدساك ومريان س. كوبر سنة 1933
نسخة جون غيلرمَن سنة 1976
ونسخة بيتر جاكسون سنة 2005
وحين خرجت النسخة الأخيرة بكلفة 208 ملايين دولار كان لابد من المقارنة كيف أن »كينغ كونغ« الأول لم تزد كلفته عن 350 ألف دولار. لكنه النسخة التي منحت للنسختين الأخرتين الحياة، والفيلم الذي لا يزال أكثر إثارة وأصالة من أي من هذين العملين اللاحقين على الرغم من اختلاف التقنيات المعمول بها باختلاف العصور٠
لا أنكر أن نسخة غيلرمَن كانت مقبولة ولا أن نسخة جاكسون كانت مذهلة. لكن أن تضع نفسك اليوم في إطار نسخة 1933 هو كمن تعود فعلياً الى شباب المرأة التي أحببت يوماً. هكذا هو الحال مع كل كنز سابق٠
الحقيقة أن النسخة الأولى التي خرجت في العام 1933 لا تزال مثيرة للخيال والمتعة البصرية كما كانت آنذاك. إذا تجاوزت السهل من الإعتبارات، مثل أن الفيلم بالأبيض والأسود وأن التكنولوجيا الحاضرة أكثر تقدّماً من تلك التي تمت الإستعانة بها حينذاك، خرجت بعمل من الصعب تقليده حتى على سبيل الإستنساخ.
وجه من أوجه الصعوبة تكمن في أن الفيلم آنذاك كان أكبر إنجاز تقني شهدته السينما الى ذلك الحين.
ويليس أوبرايان (1962-1886) وضع كينغ كونغ وشروطه وحركاته فهو رئيس تقنيي الفيلم. ولم يكن ذاك فيلمه الأول، إذ عمد الى السينما منذ العام 1915 في عملين قصيرين وواصل مهنته مؤسساً لنفسه مكانة
كبيرة في تاريخ سينما الفانتازيا والوحوش والخيال العلمي المبكرة. في العام 1925 أشرف على إخراج
The Lost Word التقنيات لفيلم سالعالم المفقود«٠
ذلك كان الإقتباس السينمائي الأول لرواية آرثر كونان دويل كما أخرجه هاري أو هويت. بعد سبعة أعوام عمل أوبرايان على »كينغ كونغ« ثم على »إبن كينغ كونغ« وعلى فيلم وحوش آخر عنوانه »جو يونغ القوي« (أخرجه أيضا إرنست ب. شويدساك - 1949). وعلاقة أوبرايان بالوحوش آستمرّت منذ ذلك الحين وشلمت أكثر من فيلم بينها
The Beast of Hollow Mountain, The Black Scorpion, The Giant Behemoth وكما يمكن وضع كتاب عن صانع المؤثرات التقنية هذا، يمكن وضع كتاب (او على الأقل فصل كبير) حول إسهامه في تحقيق النظرة الخاصة جداً لـ »كينغ كونغ«. لقد كان الفيلم من التأثير بحيث أن راي هاريهاوزن، أحد أساطير مهنة صنع الدمى المتحرّكة والمؤثرات الفنية المختلفة، لاحقاً ما اعتبر أن مشاهدته لهذا الفيلم وهو صغير هي ما دفعته للتحوّل الى هذا النوع من العمل.
لكن هناك إعتبارات أخرى تجعل من »كينغ كونغ« حين مشاهدته اليوم أشبه بإكتشاف منابع النيل. إنه فيلم قائم لتجسيد الحب المستحيل. إنه روميو وجولييت خاص جداً. عوض الفوارق الطبقية ودوافع النقمة والإنتقام، هناك فوارق جنسية وخلقية وعضوية بالغة بين روميو الوحش وجولييت، - اللمرأة كما لعبتها الممثلة الشقراء فاي راي٠
في فيلم بيتر جاكسون يبدو كينغ كونغ كما لو أنه فكّر بإلتهام هذه الآدمية التي يبلغ طولها طول أصبع يده الصغير ثم عدل عن ذلك. في »كينغ كونغ« الأول يبدو وقع في حبّها سريعاً. لا نعرف لماذا. كيف فهم الحب وإذا ما عرف استحالته وأغفل ذلك او كانت بالنسبة اليه »إكتشافاَ«.لكننا نعرف أنه وحش ضار وقع في أسر المرأة الشقراء كما يقع الواحد منا في أسر حب سرب الحمام على سطح منزله او عصفوره الذي في القفص.
وإذ ينتابني هذا التشبيه أتساءل إذا ما كان الإنسان، مهما كان عطوفاً، يبدو بالنسبة لأسراب الحمام، او لأي نوع من الطيور والحيوانات الداجنة، وحشاً لا يمكن تفسير او فهم تصرّفه. بذلك، يكون كينغ كونغ هو نحن في حالات الحياة. فاي راي هي كنار القفص او قط البيت الصغيرة او سلحفاة الحديقة.
كل »كينغ كونغ«، نسخة 1933 او نسخة جون غيلرمِن سنة 1976 او نسخة بيتر جاكسون الحالية، بالإضافة الى مشتقّات عديدة هو عبارة عن تجسيد لذلك الحب المستحيل بين مخلوقين. الوحش والجميلة وكونها الجميلة -والآدمية- يجعلها في إدراك مشبع بالمخاوف: أن لا تستطيع التخلّص من قبضة الوحش. أن يغيّر رأيه ويهشّمها بقبضة يده او يعطس فوقها فتغرق او حتى أن يمارس معها نوعاً من الجنس فيقضي عليها. لكن كينغ كونغ، في نسخه المختلفة وبدءا من نسخة كوبر/ شويدساك، كينغ كونغ عاجز عن الفعل الأخير. لا أعضاء تناسلية يمكن ملاحظتها. لسنا متأكدين -اذا ما ابتعدنا عن المسلّمات- إنه ذكر. أكثر من ذلك، لا يبدو على علاقة بأنثى كينغ كونغ. وحيد في عالم مفقود ومسجون فوق جزيرة لم يغادرها أحد حياً لكي يبلغ عما شاهده.
الحال هذه، أتكون وحدة العاشق هي السبب في حبّه؟ ألمعت في باله خاطرة أن يمنع انقراضه بعلاقة عاطفية ولو لم تكن ممكنة؟ أتكون تلك الآدمية الشقراء ريشة الحياة الملوّنة في عالمه الحزين؟ أم هي مبث عطف أبوي سيء فهمه؟
غريب في المدينة
كينغ كونغ ينقذ آن (فاي راي) من الموت المحق. تكاد تسقط من عل هنا، ويحاول دينوصور جائع إلتهامها هناك. لكن الأمر يمتد لما بعد ذلك، حين يعاود الفريق الذي وطأ الجزيرة تخليصها من قبضته يثور ويلحق بالفريق الذي يهرب الى الشاطيء. كينغ كونغ يقع في الأسر بعدما طحنه الحب وأمعن فيه القلق في أن يعيش بعيداً عن شقرائه. وكينغ كونغ يصبح الفرصة الذهبية للفريق لعرضه على خشبة المسرح للعموم وتحقيق الأرباح. حين يثب كينغ كونغ لوعيه يختلج الحب في صدره وينطلق بحثاً عن فتاته في قلب نيويورك ثم يحملها معه. »أنت تنتمين إليّ« يكاد ينطق قائلاً لها و»سوف أحارب العالم بأسره من أجلك« وهو يقف على سدة الإمباير ستايت ليفعل ذلك ثم ليموت ضحية حب على الأغلب مات دون أن يفهم مبعثه.
كينغ كونغ يبقى وحشاً في البدء وفي النهاية وعلى طول الخط. حين يهمس بإسمه الفيلم قبل ظهوره يثير به نوعاً من حماس المشاهد لأن يرتعب منه. حين يظهر -أولاً من وراء الشجر ثم يده ثم بنفسه- يترك في البال وصول الوحش الى صدارة الفيلم بعد طول إنتظار. القبول به كعاشق او كرمز جنسي فوق العادة كامن في المتلقي (ذكراً وأنثى) من جراء تضخيم صورة الوحش بصفاته جميعاً ثم -وأساساً- من وقوعه في تيم المحبوبة. لكن لا شيء يُزيل الصورة الأساسية له كوحش يقطع الوحوش الأخرى أرباً ويتمتع بقوّة خارقة لا تعرف الرحمة او الضعف.
لكن المزيد من صور المخلوق الإجتماعية (او الإنسانية إذا أحببت) تتوارد تباعاً خصوصاً عندما يحط الوحش في المدينة. كينغ كونغ إبن أدغال موحشة وبيئة غير متمدنة فوق جزيرة لا يعرف أحد كيفية الوصول اليها ناهيك العودة منها. هذا الوحش الخاص الذي لم ير في حياته سوى أشجاراً وأنهاراً ووحوشاً أخرى، يتحوّل الى غريب في المدينة. صحيح إنه لا يأبه لأحد باستثناء الجميلة التي اكتشف وتبنّى ووقع في هواها، الا أن الصحيح أيضاً هو أن المدينة كلها تأبه به. في هذا الصدد هناك طبقات من الرموز المتسللة.
كبداية، هو مخلوق مختلف في كل شيء عن باقي الخلق وما اعتاد هؤلاء مشاهدته. في متناول يدنا تجربة شيء مشابه لمعرفة الصورة المتبادلة بين غريب ومواطنين. خذ نملة واحدة سوداء او تختلف بحجمها وضعها وسط سراب نمل أشقر او أبيض او أصغر او أكبر وشاهد كيف أن فوضى شديدة تدب في وسط نظام سائد. غالباً ما ستتكاتف القوى السائدة في هذا النظام لردع المتطفّل ولو بقتله. والبشر يعملون على هذا المستوى حتى وإن لم يكن هناك وحش بحجم كينغ كونغ.
فما أن يؤم غريب قرية حتى تتجمّع فوق رأسه السحب. تثار في وجهه علامات الإستفهام وتحيط به نظرات الشك والرفض. »رامبو«، في »دم أول« يجد نفسه في ذلك الوضع: عائد من فييتنام وحيداً ومعزولاً ومنهزماً ليجد المحيط من حوله عدائي لمجرد إنه غريب. المتهمون الثلاثة في فيلم لويليام ولمان
Ox-bow Incident
الذين وجدوا أنفسهم مُساقون للمشنقة بتهمة سرقة المواشي لمجرد أنهم من مكان آخر ولأنهم رعاة بقر وليسوا من مالكيها. كينغ كونغ هو كل غريب وطأ أرضاً وعانى من جموع ناس تبحث عن الأمن في الحفاظ على خوفها ثم بث هذا الخوف تجاه الضعفاء. وكينغ كونغ هو الضعيف.
قلب المشاهد ينقلب من خوف من كينغ كونغ الى خوف عليه وهو يبدأ بمطالعة نهايته. ونعود نحن في نهاية الأمر الى ما نحن عليه: الوحش عليه أن يموت. لا يستطيع العيش بيننا. قتله أرحم له و... لنا.
أصول الفيلم تكمن في قصة ألّفها مريان س. كوبر (وهو قدم للسينما منتجاً ومخرجاً من حقل المصارف) وإدغار والاس (ومات قبل عام واحد من خروج الفيلم) انتقلت الى سيناريو وضعه كل من جيمس أشمور كريلمان وروث روز. ومن الصعب التأكد أين مصدر كل فكرة نيّرة احتواها ذلك الفيلم. عوض ذلك، سأكتفي بضم ملاحظة أخرى لتلك السابقة الناتجة عن قراءة »كينغ كونغ« بعينين غير بريئتين. ففي مكان ما من شقّي الكتابة، وربما في مرحلة أخيرة منها، تلك التي يتشبّع فيها المخرج بالمادة ويبدأ باستيحاء المنافذ الجديدة للنص، ولدت فكرة وجود وحش آخر لا يقل عن كينغ كونغ ضراوة. إنه يختلف عنه من حيث أنه ليس مخلوقاً حيوانياً ضخماً، لكن ذلك لا يجعله أقل فتكاً. الوحش هو كارل دنهام كما أدّاه روبرت أرمسترونغ.
كارل هو قائد الفريق الذي وصل الجزيرة (جزيرة الجماجم) مستكشفاً. إنه أيضاً من اكتشف آن التي كانت ممثلة كومبارس فأتى بها لتقوم بطولة الفيلم الذي سيصوّره فوق تلك الجزيرة. إنه، ثالثاً، من يقود الحملة لإنقاذ الممثلة ملاحظاً إنه يواجه وحشاً واقع في الحب (يتمتم »الجميلة والوحش«). الصراع بينه وبين الوحش على آن ظاهره إيجابي من حيث إنه فعل خير إنساني. لكن في باطنه هناك شعلة الصراع بين غريمين كل منهما على حب الفتاة ذاتها. المسألة، بالنسبة لكينغ كونغ، لا تعرف المصلحة الأخرى. إنه حب طاهر او وله متيّم بلا حسابات. لكن لاحظ ما يتفوّه به كارل حين يسقط كونغ أسيراً: »العالم بأسره سوف يدفع لمشاهدة هذا- كونغ، أعجوبة العالم الثامنة«.
تفوّه كارل بتلك العبارة يمنح المشاهد فرصة أخرى وأكيدة للتعاطف مع الغوريللا الكبيرة وقد أدرك ما ستؤول إليه. اما كارل فيبدأ من هنا بخسران ما سجّله من إعجاب النظّارة وما سجّله من إمتنان آن نفسها وقد أدرك كل منهما (النظّارة وآن) النيّات المادية لكارل. رغم أنها ممتنة لكارل أنه أنقذ حياتها، الا أنها غير راضية عن منحاه. وربما تعتقد إنها بدورها ليست أكثر من عنصر جذب لمسرحه. ومسرحه هو دنيا المشاهدين. ها هو وضع المرأة كفتاة متعة يتسلل من بين شقوق الوضع الذي آلت اليه الأحداث.
الجزء الأخير القائم على المواجهة هو إعادة إكتشاف كارل لخطأه. يتابع من بعيد، وهذه المرة من دون تدخّل، صراع كونغ ضد الطائرات الحربية التي تهاجمه والمرأة التي فتنتهما معلّقة بدورها بين السماء والأرض. وحين يسقط كونغ من علِّه يتقدم شرطي ويقول »الطائرات هي التي أسقطته« فيرد عليه المخرج داخل الفيلم (والفيلم بأسره) »لا. لم تكن الطائرات. كانت الجميلة التي قتلت الوحش«.
كل ما شاهده الناقد من أفلام | دودوأباشيدزه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Dodo ABASHIDZE
حياة: وُلد في جورجيا 1924 - 1990
الإسم الحقيقي: ديڤيد أباشيدزه
سنوات المهنة: 1958 الى |1988
أهمية: شارك في إخراج »أسطورة قلعة سورام« و»عاشق كريب« لجانب الأسطوري سيرغي بارادجانوف
ليس هناك الكثير المعروف او المتداول حول هذا الممثل الذي عمل في السينما الجيورجية معظم سنوات حياته. بدأ التمثيل سنة ٤٥٩١ بفيلم »التنين يطير« ثم شوهد بعد ذلك في دور رجل أسمه عبد الشهيدي في »باشي عشوقي«. عُرف عنه إنه، كمعظم الممثلين الجيورجيويين فيما كان الإتحاد السوفياتي، يميل الى الطبيعية والتلقائية في التمثيل. فجأة في العام ٤٨٩١ نقرأ أسمه الى جانب (وفي بعض المراجع قبل) إسم المخرج الجيورجي الآخر سيرغي بارادجانوف في فيلمين هما »أسطورة قلعة سورام« (٤٨٩١) و»عاشق كريب« (٨٨٩١). الناقد سيرغي راكين كتب رداً على إستفسار هذا المؤلف حول السبب الذي من أجله اقترن إسم باردجانوف بإسم أباشيدزه مخرجاً بالقول »قد يكون الأمر مجرد تمويه للسلطات حينها كون باردجانوف كان مضطهداً من قبلها«. قد لا يتسنى لنا معرفة الحقيقة وإذا ما كان إسم أباشيدزه مجرد ذريعة وبذلك يكون باردجانوف أخرج الفيلمين كاملاً، او إن هناك إسهاماً فعلياً من جانب أباشيدزه في تنفيذهما
تقييم:
جمال الطبيعة والروحانيات الفولكلورية التي تحويها الحكاية هي ما يسود فيلم أباشدزه/ باراجانوف »أسطورة قلعة سورام«
Ambavi Suramis Tsikhitsa (The Legend of Surgami)
( (٤٨٩١) من مطلعه وحتى نهايته ولو على سحساب أسلوب السرد والمعالجة.. حكاية أسطورية حول قرية تحاول أن تبني حائطاً لحماية الغابة الجيورجية، لكنها كلما بنت جزءا من الحائط وجدته مهدماً الى أن تفتي إمرأة عجوز بأن أحد شبّان القرية عليه أن يضحّي بنفسه عبر قبوله أن يكون جزءا من ذلك الحائط. لكن منطلقها قد يكون الإنتقام من والده الذي هجرها بعد حب. رغم ذلك فإن الفتى سوف يضحّي بنفسه فعلاً لعله يستطيع إنقاذ الغابة. كمعظم ما شاهدته من أفلام أباشيدزه مخرجاً، فإن »أسطورة غابة سورام« مستتر تحت إحتفائية مخرجيه بالأسطورة والفكرة وجماليات التعبير عنها. بعد أربع سنوات خرج »عاشق كريب«، أفضل الأفلام التي حملت أسمه مخرجاً، مع التذكير بأن الحدود بينه وبين بارادجانوف ليست واضحة، وسوف يكون مجحفاً بحق الأخير إذا ما أرجعنا جماليات الفيلم الى أباشيدزه. »عاشق كريب« حكاية شرقية (تركية بملامح أذربيجانية) حول شاب أسمه عاشق، يقع في حب إبنة تاجر وهذا يرفض تزويجه إبنته ما لم يكن لديه الكثير من المال. يقرر الشاب التجوّل في القرى والبلدان مغنياً وراقصاً لألف يوم ويوم لكي يتسنى له العودة الى حبيبته التي وعدته بإنتظاره. المخرجان أباشادزه وبارادجانوف يصوّران الحياة في لقطات زاهية ويجدان جمالاً في الملابس والأزياء (تراث إسلامي) وفي التقاليد والفولكلور كما في الطبيعة بأسرها ما يجعل الفيلم آسراً للمتلقي مع معالجة رصينة للموضوع ولمحيطه وثقافته في الوقت الذي تتخلله بعض الميول الكوميدية البسيطة.
جوائز:
نال »أسطورة غابة سورام« جائزة إتحاد النقاد في مهرجان »سان باولو« (٦٨٩١) ونال »عاشق كريب« جملة من الجوائز من بينها جائزة الفيلم الأوروبي (٨٨٩١) كأفضل تصميم إنتاج وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لمهرجان أسطمبول (٩٨٩١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠
الإسم الحقيقي: ديڤيد أباشيدزه
سنوات المهنة: 1958 الى |1988
أهمية: شارك في إخراج »أسطورة قلعة سورام« و»عاشق كريب« لجانب الأسطوري سيرغي بارادجانوف
ليس هناك الكثير المعروف او المتداول حول هذا الممثل الذي عمل في السينما الجيورجية معظم سنوات حياته. بدأ التمثيل سنة ٤٥٩١ بفيلم »التنين يطير« ثم شوهد بعد ذلك في دور رجل أسمه عبد الشهيدي في »باشي عشوقي«. عُرف عنه إنه، كمعظم الممثلين الجيورجيويين فيما كان الإتحاد السوفياتي، يميل الى الطبيعية والتلقائية في التمثيل. فجأة في العام ٤٨٩١ نقرأ أسمه الى جانب (وفي بعض المراجع قبل) إسم المخرج الجيورجي الآخر سيرغي بارادجانوف في فيلمين هما »أسطورة قلعة سورام« (٤٨٩١) و»عاشق كريب« (٨٨٩١). الناقد سيرغي راكين كتب رداً على إستفسار هذا المؤلف حول السبب الذي من أجله اقترن إسم باردجانوف بإسم أباشيدزه مخرجاً بالقول »قد يكون الأمر مجرد تمويه للسلطات حينها كون باردجانوف كان مضطهداً من قبلها«. قد لا يتسنى لنا معرفة الحقيقة وإذا ما كان إسم أباشيدزه مجرد ذريعة وبذلك يكون باردجانوف أخرج الفيلمين كاملاً، او إن هناك إسهاماً فعلياً من جانب أباشيدزه في تنفيذهما
تقييم:
جمال الطبيعة والروحانيات الفولكلورية التي تحويها الحكاية هي ما يسود فيلم أباشدزه/ باراجانوف »أسطورة قلعة سورام«
Ambavi Suramis Tsikhitsa (The Legend of Surgami)
( (٤٨٩١) من مطلعه وحتى نهايته ولو على سحساب أسلوب السرد والمعالجة.. حكاية أسطورية حول قرية تحاول أن تبني حائطاً لحماية الغابة الجيورجية، لكنها كلما بنت جزءا من الحائط وجدته مهدماً الى أن تفتي إمرأة عجوز بأن أحد شبّان القرية عليه أن يضحّي بنفسه عبر قبوله أن يكون جزءا من ذلك الحائط. لكن منطلقها قد يكون الإنتقام من والده الذي هجرها بعد حب. رغم ذلك فإن الفتى سوف يضحّي بنفسه فعلاً لعله يستطيع إنقاذ الغابة. كمعظم ما شاهدته من أفلام أباشيدزه مخرجاً، فإن »أسطورة غابة سورام« مستتر تحت إحتفائية مخرجيه بالأسطورة والفكرة وجماليات التعبير عنها. بعد أربع سنوات خرج »عاشق كريب«، أفضل الأفلام التي حملت أسمه مخرجاً، مع التذكير بأن الحدود بينه وبين بارادجانوف ليست واضحة، وسوف يكون مجحفاً بحق الأخير إذا ما أرجعنا جماليات الفيلم الى أباشيدزه. »عاشق كريب« حكاية شرقية (تركية بملامح أذربيجانية) حول شاب أسمه عاشق، يقع في حب إبنة تاجر وهذا يرفض تزويجه إبنته ما لم يكن لديه الكثير من المال. يقرر الشاب التجوّل في القرى والبلدان مغنياً وراقصاً لألف يوم ويوم لكي يتسنى له العودة الى حبيبته التي وعدته بإنتظاره. المخرجان أباشادزه وبارادجانوف يصوّران الحياة في لقطات زاهية ويجدان جمالاً في الملابس والأزياء (تراث إسلامي) وفي التقاليد والفولكلور كما في الطبيعة بأسرها ما يجعل الفيلم آسراً للمتلقي مع معالجة رصينة للموضوع ولمحيطه وثقافته في الوقت الذي تتخلله بعض الميول الكوميدية البسيطة.
جوائز:
نال »أسطورة غابة سورام« جائزة إتحاد النقاد في مهرجان »سان باولو« (٦٨٩١) ونال »عاشق كريب« جملة من الجوائز من بينها جائزة الفيلم الأوروبي (٨٨٩١) كأفضل تصميم إنتاج وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لمهرجان أسطمبول (٩٨٩١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠