Fellini's Satyricon | Kubrick's Paths of Glory | كمال الشيخ: الليلة الأخيرة

YEAR 1 | ISSUE 43


FOCUS ON FILM


العروض التي بدأت هذا الويك-إند لفيلم رولاند إيميريش الجديد 2012  قد تعود  على الفيلم بعشرات ملايين الدولارات، لكن الآراء النقدية انقسمت الى نصفين: نصف وجده رائعاً ونصف وجده تقنية عالية وقصة واهية، بل وغيبية كما كتب بيتر ترافرز في »رولينغ ستون«٠
مزيد من آراء النقاد في الأفلام المعروضة في العمود الجانبي

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Classics |  كلاسيكس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Paths of Glory *****ستانلي كوبريك: ممرّات المجد
الولايات المتحدة - 1957
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





فيلم ستانلي كوبريك الرابع عدداً كان أيضاً أول فيلم كبير الإنتاج يقوم بإخراجه. دراما معادية للحرب وعلى نحو لا يعرف المهادنة، حول خطأ السُلطة العسكرية ومواجهة الضابط الفرد لها خلال الحرب العالمية الأولى. قريب منه في هذا المجال الفيلم الفرنسي »الوهم الكبير« لجان رنوار (1937) ولو أنهما ينتميان لعدد ولو محدود من الأفلام المناوئة للحرب (العالمية الأولى) من بينها وأمهرها »كل شيء هاديء على الجبهة الغربية« [لويس مايلستون-1930] وقبله »الإستعراض الكبير« [كينغ ڤيدور-1925]٠
قرار كوبريك تصوير الفيلم بالأبيض والأسود كان قراراً ذكياً نتج عنه أكثر من مجرّد ملاءمة مظهر الفيلم للفترة الزمنية (غير الملوّنة سينمائياً) للعقد الأول من القرن العشرين حين وقعت رحى تلك الحرب العالمية الأولى. جورج كراوس صوّر بعمق وبدراية بمقتضيات وعناصر التصوير غير الملوّن. في أحد مشاهده الداخلية يجتمع عدد كبير من الجنود في قاعة كبيرة. اللقطة أمامية من الصف الأول وفي آخر القاعة إضاءة بسيطة  ونافذة الى اليسار. تلك الإضاءة تمنح المشاهد إدراكاً بعمق المشهد. مشاهد المعارك داكنة حتى تلك النهارية والمشاهد التي في قاعات القيادة أكثر إنشراحاً. بالمقارنة، هو جحيم الجبهة والراحة المخادعة للقيادة٠
وفي كل ذلك واقعية تثير العجب في كيف أن التصوير غير الملوّن- ذاك الذي لا يعكس الحياة كون هذه ملوّنة، هو أكثر واقعية وصدقاً من التصوير الملوّن. كوبريك صوّر أفلامه الثلاث السابقة  (وثلاثة أفلام لاحقة) على هذا النحو ودائماً بنتائج مذهلة في قدراتها٠
هوليوود لم يعجبها تحقيق فيلم بالأبيض والأسود. السينما كانت متّجهة الى الألوان والفيلم بدا مناسباً لعمل ملوّن كشأن فيلم ديفيد لين »جسر نهر كواي« في العام ذاته. لكن كوبريك أصر وتدخّل لصالحه الممثل كيرك دوغلاس الذي كان من بين أكثر نجوم السينما تأثيراً آنذاك. هذا دفع يونايتد ارتستس لتمويل الفيلم بميزانية 900 ألف دولار من بينها 300  ألف دولار أجر دوغلاس٠
بين الممثلين دور صغير لفتاة أدّتها الألمانية سوزان كرستيان التي أصبحت زوجة كوبريك فيما بعد. من الممثلين الآخرين رالف ميكر، جورج مكريدي، أدولف منجو وجوزف تيركل٠
 
الرسالة التي في بال كوبريك، والتي استنتجها من رواية همفري كوب (شارك كوبريك في كتابتها كل من كولدر ولنغتون والروائي جيم تومسون) هي فساد القيادة وعجزها عن إتخاذ القرار الصائب وقت المحنة. وفي طيّها إظهار الفوارق »الطبقية« بين صف الجنرالات الذين يعيشون في هدوء وسكينة يشربون الكونياك وبين الجنود الذين يضحّون بحياتهم في الخنادق. قوّة المدلولات كانت وراء قيام فرنسا بمنع الفيلم من العرض حتى العام 1975 حيث اكتشف النقاد والجمهور على حد سواء هذا الفيلم لأول مرّة

 إنه عن جنرال فرنسي (ماكغريدي) غير واثق ومُصاب بتشويه خُلقي يجعله غير قادر على ضبط مخاوفه، يأمر الكولونيل داكس (دوغلاس) بشن هجوم على القوّات الألمانية المتمركزة في نقاط قويّة. يدرك الكولونيل أن الهجوم سيكون إنتحارياً ويعترض على التضحية برجاله لكن الجنرال كان وعد قيادته (متمثلة بالجنرال الأعلى منجو) بتنفيذ الهجوم مقابل ترقيته. يذعن داكس في نهاية الأمر ويشهد مذبحة جنوده بسبب مناعة التحصينات الألمانية. فريق من الجنود الفرنسيين يهربون خلال المواجهة،  ما ينتج عنه قرار الجنرال محاكمتهم لكي يقتنص منهم تغطية لفشله هو وعجزه. يحاول داكس الدفاع عن جنوده بكل ما لديه من قوّة إدانة لكن التنفيذ يتم على أي حال٠
 في حين أن شخصية كيرك دوغلاس بسيطة التكوين، تثير التعاطف تلقائياً وتستمد نسيجها من الفترة الليبرالية لأميركا ذلك الحين، فإن شخصيّتي الجنرال برولار (منجو) وميرو (مكغريدي) هما اللتان تستوليان على اهتمام كوبريك. إزائهما يبدو المخرج مفتنّاً بالسلوكيات التي تميّزهما. بذلك الفساد الأخلاقي الذي يجعلهما أكثر تركيباً من شخصية بطل الفيلم. كوبريك مارس ذات الإفتنان الناقد حين أدار سترلينغ هايدن في الفيلم المعادي أيضاً للحرب والذي أخرجه سنة 1964
Dr. Strangelove or: How I Learned to Stop Worrying and Love the Bomb
كذلك مارسه حين رسم الحياة الرومانية الطاغية التي تستبيح التحكّم في حياة العبيد في فيلمه التالي، ومع كيرك دوغلاس أيضاً، »سبارتاكوس« (1960)٠
عناية كوبريك لإدانة هذه الطبقة المتسلّطة واضحة ليس فقط في تفنيد التصرّف والسلوك (مع إداءان مدهشان من الممثلين المذكورين) بل أيضاً في الحوار المسند إليهما. ميرو يقول لداكس »رجالك ماتوا بشكل رائع« كما لو أن حياتهم لا تعني له شيئاً. الأفدح أن الوصف المذكور يركّز على الشكل (الرائع) وليس على كلمة الموت، كما لو أن هذا لا شأن له٠
لسام بكنباه فيلم ضد القيادة  الأنانية والعاتية (الروسية والألمانية معاً) في فيلمه »صليب من حديد« الذي حققه سنة 1977 لكن في حين أنه وضع تلك القيادة في الخنادق (ولو بعيدة بعض الشيء عن الجبهة الفعلية) الا أن كوبريك وضع قيادة الجنرالات في قصر. بذلك أطّرها وحكم عليها بالإنتماء الى النخبة الإجتماعية وبسبب أفعالها أطّرها أيضاً كما لو كان يؤكد أن الشر يعيش رغيداً في القصور وهو يعيش فيها أبداً٠ 

PATHS OF GLORY
Directed By: Stanley Kubrick
Cast: Kirk Douglas, Ralph Meeker, Adolphe  Menjou, George Macready, Wayne Morris, Richard Anderson.
Screenplay: Kubrick, Calder Willingham, Jim Thompson. Cinematography: George Krause (B/W), Editor: Eva Kroll (87 min), Music: Gerald Fried.
Producers: James B. Harris, Kirk Douglas, Stanley Kurbick [USA-1957].



كمال الشيخ | الليلة الأخيرة
***1/2
مصر- 1962
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


يبدأ كمال الشيخ فيلمه  بتعليق صوتي من قِبل بطلة الفيلم نادية/ فوزية (فاتن حمامة). مع الكلمات الأولى كل شيء يبدو سعيداً. تقول إنه اليوم الأفضل في حياتها لأنه يوم زواجها. اليوم الذي ستتزوّج فيه من صلاح الرجل الذي تحبّه. وأن عليها أن تنهض من فراشها صباح هذا اليوم وتطرد الكسل فهناك الكثير مما يجب أن تنجزه اليوم استعداداً لحفلة العرس٠
تريد بعد قليل أن تستعيد هذه البداية منفصلة. ذلك أنها ستكون الذاكرة السعيدة الوحيدة التي ستمر بها هذه الشخصية. وهي سعادة تنتهي بمجرد أن تفتح الشخصية عينيها بالفعل وتكتشف أنها ليست من اعتقدت وأن محيطها الذي تعيش فيه هو محيط جديد جدّاً عليها. بداية، هي ليست فقط متزوّجة، بل أيضاً  لديها إبنة شابّة على وشك الزواج. وهي تعيش في بيت لا تعرفه ومع رجل غريب عليها يدّعي بأنه زوجها. ما الذي حدث؟
كمال الشيخ لم يُلقّب بهيتشكوك مصر من فراغ. لكن التعقيد البوليسي والغموض والتشويق ليست العناصر الوحيدة التي جعلت كمال الشيخ مخرج التشويق العربي الأول. هناك أيضاً نوعية معظم قصص أفلامه في ذلك الحين. تلك اليد القابضة على مسار الأمور بحيث أن الحكاية تضع سريعاً مسافات واسعة بينها وبين المنتشر من الأفلام. هي لا تزال حكاية مصرية بشخصيات مصرية، لكنها لا تشبه حكايات وشخصيات أفلام مصرية أخري. الوله هو التكوين التشويقي وكمال الشيخ أجاده٠
سنعرف، تبعاً للسيناريو الذي وضعه يوسف السباعي (وهناك الكثير من المقالات حول السيناريوهات التي وضعها نجيب محفوظ لكن ليس هناك مقالات حول تلك التي وضعها يوسف السباعي لسبب ما) أن تلك  المرأة ترفض تصديق أنها شقيقتها. هي نادية حسب إدراكها، وفوزية حسب تأكيد زوجها (محمود مرسي) الذي يكشف لها عن وثائق تؤكد أنها شقيقتها وبل أن قبر شقيقتها موجود. لكن، وكما تقول لاحقاً، إن لم تكن هي في القبر فمن تكون تلك التي في القبر؟ ليس السؤال بسيطاً والسيناريو مبني على محاولة فك حلقات من اللغز الواحد. هل هي مجنونة؟ هل هي فعلاً نادية كما تدّعي وليست فوزية كما يدّعي زوجها؟ وإذا كانت على حق فلماذا يريد زوجها ايهامها بأنها شقيقتها وليست هي؟ الأزمة هي أن نادية ليس عندها أي دليل وفي إحدى مراحل أزمتها تصدّق أنها فوزية ولو لحين. لكن بمعونة الطبيب (أحمد مظهر) الذي تثيره حالتها غير الواضحة تكتشف الحقيقة وتدرك أنها دخلت المستشفى وشقيقتها عندما قصفت الطائرات المغيرة (لابد أنها إسرائيلية) المدينة وأصيب المنزل في ذات يوم عرسها المنشود. هي عاشت وشقيقتها التي كانت متزوّجة من محمود مرسي ماتت، لكن هذا سعى مستغلاً حالة الغيبوبة التي مرّت بها لاستبدال هويّتها بهوية شقيقتها الميّتة طمعاً في الحفاظ على الإرث٠
ذكرت أن الحكاية مصرية والشخصيات كذلك، لكن هذا لا يمنع من استشفاف مرجعية عالمية السلوك وهذا راجع الى أن السيناريو مقتبس عن رواية لكاتبة غير مشهورة أسمها مرغريت واين (ياء مخففة) وقد حاولت البحث عما إذا كان »الليلة الأخيرة« مقتبس عن فيلم بدوره مقتبس عن رواية واين لكن ما وجدته من أفلام أجنبية تحت عنوان
The Last Night
 لا تمت قصصها بما اقتبسه يوسف السباعي، كما أن إسم مرغريت واين ليس مذكوراً في المراجع السينمائية ككاتبة تم الإقتباس عنها أجنبياً
في هذا الوضع يُثير أن الفيلم مصّر الأحداث بما فيها الكفاية من دون أن يعمد الى تعريب المجتمع المحيط. اكتفى بالشخصيات وبالخط القصصي كما تستطيع أن تدرك، إذا ما كانت لديك حرفة نقدية، أن التمصير شمل خلق حادثة الإغارة كفاصل لكل ما لحق من أحداث. كمال الشيخ كان »خواجة« بين المخرجين العاملين من دون خجل. لم يكن يؤمن كثيراً بالسينمات التعبيرية ولا الذاتية ولا الواقعية، بل بنى فيلموغرافية رائعة من الأفلام المنتمية الى عالم حيادي في كل شيء الا لجهة إحكام العناصر الفنية ممارساً ما آمن به هيتشكوك من أن لا شيء (ولا شيء على الإطلاق) يجب أن يدخل بين الفيلم وبين مشاهديه. على هذا الأساس، تشاهد »الليلة الأخيرة« مستمتعاً بسلاسته وبأجوائه وبخلوّه من الإفتعال وبتصويره (أبيض/ أسود لعبد الحليم نصر) ومونتاجه (لسعيد الشيخ) وبتمثيله. والتمثيل يعكس روح فترة كان الممثل يحترم نفسه باحترام الشخصية التي يؤديها.  بمعاملتها من دون ابتذال وبالإنصياع كاملاً للميزانسين الذي يمارسه المخرج. فاتن حمامة هنا مدهشة بقوّة تشخيصها. تبقى فاتن وتختلف عن فاتن في الوقت نفسه٠ 

الليلة الأخيرة
إخراج: كما الشيخ
تمثيل: فاتن حمامة، محمود مرسي، أحمد مظهر،  مديحة سالم، عبد الخالق صالح، علية عبد المنعم
سيناريو: يوسف السباعي. مدير التصوير (أبيض/ أسود): عبد الحليم نصر. توليف: سعيد الشيخ (110 دقيقة)٠
المنتج: جمال الليثي٠




Satyricon **** |   فديريكو فيلليني: ساتيريكون
ايطاليا - 1969
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ









بدءاً من »ساتيريكون« (او »فيلليني ساتيريكون« كما في العنوان الإيطالي)  خط المخرج فديريكو فيلليني منهجاً جديداً لأفلامه. قبل ذلك، في أفلامه من »الشيخ الأبيض« سنة 1952) الى »جولييت والأرواح« سنة 1965، هناك سينما تنتمي الى الرغبة في تكوين الرسالة التي يحملها كل فيلم ضمن عالم محدد الأماكن واقعي الشكل. بعد ذلك، هناك العالم الأكثر خيالية والأبعد منالاً عن المتوقّع من المعالجات. ويمكن الكشف عن هذا التباعد بمعاينة ابتعاد المخرج عن العمل (باستثناء مشاركته في »أرواح الموتى« الذي كان من تنفيذ عدد من المخرجين كل بفصل) لسنوات قبل العودة بفيلم يختلف عن أعمال المخرج السابقة في معظم جوانبه. ما يبقى على علاقة وطيدة هو الموقف الأخلاقي الذي من خلاله ينظر المخرج الى ما يتناوله منتقداً إنهيار الروح تحت وطأة المادة (وهنا تشمل المادة الغريزة)٠
 
لا يوجد إثبات على أن غاينوس بترونيوس  ( 27-66 بعد الميلاد) هو كاتب »ساتيريكون« لكن لا يوجد إثبات إنه لم يفعل. وصف الكاتب لحياة المجون في عهد الإمبراطور الروماني نيرو شعراً وحكاية دلّ على أن الكاتب لابد أن يكون من داخل هذا المجتمع  وبترونيوس كان في تلك الآونة من المقرّبين من نيرو وعمل مستشاراً  »للذوق« في بلاطه. لذلك، وبهذه الدلالة، ولعدم وجود مرشّحين، يمكن إرجاع »ساتيريكون« إلى بترونيوس والفيلم يحمل هذه المرجعية، لكنها مرجعية أدبية كون فيلليني وضع أسمه على العنوان كما لو أنه يؤكد بدوره على أن نظرة بترونيوس ليست كاملة ولا هي تشمل نظرة المخرج. ومع فيلليني، من هذه الزاوية حق أولاً لأنه فنان لديه رؤيته (تشابهت مع رؤية المؤلّف كما الحال هنا او لا) وثانياً لأن ما وصل من نص بترونيوس الينا اليوم هو -في أفضل أحواله- مقتطفات غير كاملة٠

العلاقة غير المنقطعة بين الأصل وبين الماثل على الشاشة هنا هي في أن الرواية كُتبت كما كانت تكتب الروايات القديمة لقرون عديدة (من »الإلياذة« وما بعد) حيث هي نص بين الروي والتوثيق وأقرب الى  التقطيع المشهدي منها الى العمل المروى بنَفَس واحد وبتطوّر درامي متواصل. في هذا الإطار الشخصيات ليست ما تحرّك النص  بل الوصف. أما الشخصيات فلا  عاملاً  أساسياً لها وفي مقدور الشخصية  التي تبدو  رئيسية في مقدمة النص أن تغيب تماماً بعد ذلك. الفيلم يأخذ هذا الوضع ويبثّه بأطره الجديدة. يجعل منه عملاً بصرياً أخّاذاً وإذا ما شاهدت أفلام المخرج الباقية، وجدته نقطة أكبر حجماً مما سبق ومتوازية مع تلك اللاحقة  على الصعيدين البانوراما البصرية الملقاة على التاريخ الإيطالي، وعمق هذا التاريخ. في ذلك الإتجاه هو الفيلم »التاريخي« الوحيد الذي حققه فيلليني



نتابع شابّين يترعرعان في كهوف ودهاليز روما الفترة الميلادية الأولى. العلاقة بينهما مشهودة منذ اللقطة الأولى. إنهما مثليّان  ولديهما حريّة الظهور على هذا النحو. لكن فيلليني لا يستخدمهما تأييداً بل سريعاً ما يكشف عن خيانة أحدهما للآخر أول ما يلتقي بصاحبه القديم. اما الشاب الثاني فينزوي. تنتقل القصّة الى مزيد من الشخصيات والمزيد من الآفات الأخلاقية المرصودة. خلالها يصطاد الفنّان مظاهر يحوّلها الى استعراضات كبيرة في لوحات مدروسة حركة وحواراً وألواناً وشخصيات. وهو يقدّم كل ذلك ليس من عين مخرج علمي التوجّه وصارم القضاء، بل يوفّر باروكة مغرية وساخرة وتكاد تعمل ضد نفسها من حين لآخر٠
التصرّف (الشهوة المباحة، الشره، الضغينة، الحسد، النميمة الخ...) ليس وحده ما يتحدّث فيه المخرج منتقلاً من نص/ لوحة الى نص/ لوحة أخرى، بل ما يعرضه في ذلك النص وما نسمعه  أيضاً. شخصياته مخيفة لو كانت واقعية، مثيرة للتندّر كونها ليست كذلك. بعضها مشوّهة، وبعضها عادي لكنه يتحرّك بصورة مشوّهة. الرجولية مخنّثة والأنثوية وحشية وكلاهما يبدوان هاجساً عند فيلليني كما لو أنه يعرضه ليقضي عليه ولا ينسى في غمار كل ذلك أن يبقى على سدّته في كيفية التعبير عما يُريد وما يعرضه على الشاشة من فن٠
العالم المرتسم على الشاشة في داخل الأقبية والبلاطات كما في خارجها هواجسي بالفعل. صوره الفاقعة وشخصياته الغريبة وحتى ما يؤكل على الموائد وما يُتلى من تعليق وتعريف وأشعار تشكّل عناصر كابوس لا ينتهي. وبالنسبة لفيلليني فإنه بدءاً من هذا الفيلم انتقل من مقاس معيّن يعكس فيه ما يريد الى مقاس أكبر. من خامة الى أخرى أكثر إشباعاً لحكاياته عن روما وإيطاليا والتاريخ وعن الذات البشرية التي إذ تتعرّض للفسد تتعرّض في رأيه لعوامل التحلل كيميائياً. »ساتيريكون« مُصدم وبقدر ما هو مصدم هو فني يشيع حبّاً بالسينما ويتركك مدهوشاً بعينين مفتوحتين على آخرهما تتلقيان دروساً في تاريخ من منظور فنان يراه غير جدير بالإحترام. بيروقراطي. نرجسي. ملذّاتي  وعفن٠

 SATYRICON
Directed By: Federico Fellini
Cast: Martin Potter, Hiram Keller,  Salvo Randone,  Max Born, Mario Romagnoli, Capucine, Alain Cundy,  Gordon Mitchell.
Cinematography: Gusippe Totunno (Color).  Editor: Ruggero Mastroianni (129 min),  Music: Nino Rota
Producer: Alberto Grimaldi [Italy- 1959]




 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Western |  وسترن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قد لا يكون هناك غيري في أمّة العرب لناحية حبّه  المعلن لسينما الوسترن. على الأقل لا أعرف أحداً يحبّها.كثيرون يرونها نموذج السينما »الإمبريالية«، وأكثر منهم يضمّونها الى ما سمعوا عنه ولم يشاهدوه ولا يكترثوا أن يشاهدوه. لكن هذا لن يمنعني من أمضي في إعلان حبّي لها متجاوزا الخمسينات الى ما قبلها وما بعدها. ولو أني أخاف الوحدة كثيراً



التقييم
الأفلام*   الى ***** حسب أهمية و جودة الفيلم معا
المخرجون‮:‬    من‮ * ‬الى‮ ***** ‬موقع المخرج  من الوسترن‮.
‬من طاريء او هامشي‮ ‬الى رئيسي‮ ‬ وبالغ‮ ‬الأهمية‮.‬

‮ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

The Battle at Apache Pass    *** | معركة عند ممر أباتشي
George Sherman **** | إخراج: جورج شرمان
تمثيل: جون لاند، جف شاندلر، بفرلي تايلر، بروس كاولينغ، سوزان
كابوت، رتشارد إيغن، هيو أوبرايان، جاك إيلام٠
 Universal- 1952


شخصية كوتشيز منحت الممثل جف شاندلر ثلاثة أفلام يلعبها. لقد مثّل شخصية كوتشيز، المحارب الهندي المنتمي الى الأباتشي في »السهم المذكور« ومثل الشخصية نفسها مرّة ثانية في هذا الفيلم  ثم مرّة ثالثة في »إزا إبن كوتشيز« سنة 1954. وكل هذا وشاندلر يهودي أبيض وُلد بإسم إيرا كروسبل لكن أدوار الهنود الحمر ذهبت في الثلاثينات وحتى الستينات، الى بيض غالباً. وشاندلر كان لا يزال في ذلك الحين ممثلاً متواضع الإمكانيات وبقي كذلك حتى رحليه. القصّة هنا تضعه وجهاً لوجه أمام الزعيم الهندي جيرونيمو، الشخصية الهندية الحقيقية الأخرى، كما يؤديها جاي سيلفز هايز الذي ظهر مع شاندلر أيضا في »السهم المكسور«. على كوتشيز أن يقنع جيرونيمو بأن السلام مع الإنسان الأبيض ممكن وضروري على الرغم من أن زوجة كوتشيز ماتت بفعل اعتداء عنصري٠
بطلي المفضّل لأدوار الشر جاك إيلام موجود في دور صغير هنا. كذلك بعض الوجوه التي دأبت الظهور في تلك السينما. أما جورج شيرمان (1908- 1991) فقد بدأ مساعد مخرج ثم مخرج في أفلام الوسترن الصغيرة لشركة ريبابلك ثم اعتلى بعض الإنتاجات الأكبر في ذات النوع من منتصف الأربعينات لحساب كولمبيا ويونيفرسال (ولاحقاً وورنر ويونايتد أرتستس). لم يكن مميّزاً للغاية لكنه كان جيد التنفيذ والنوع الثاني الذي أحسن تقديمه هو البوليسي. من أعمال الوسترن الأخرى في الخمسينات
War Arrow (1953),  Border River (1954), The Last of Fast Guns (1958)
Big Jake وآخر فيلم له كان وسترن أيضا وهو
سنة 1971 مع جون واين٠


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠


2 comments:

Anonymous said...

متابع لكل صغيره وكبيره، وكل رحله طويله و قريبه، لا تعليق.. أجمل توثيق.
هل لك ان تحكي عن الافلام التي تتناول مايسمى بأزمة منتصف العمر؟ يبدو ان هذا الوقت المناسب؟ ألا ترى ذلك يا شيخ محمد!
مع الوفاء:
عبدالله العيبان - الكويت

Anonymous said...

تعجبني أكثر المجلة حين تنوالها أفلاماً كلاسيكية عظمى
كفيلم كوبريك "ممرات المجد" وإشارتك له كانت السبب في مشاهدتي إياه
أعتقد هذا الفيلم وفيلم كوبولا المعروف أحسن الأمثلة التي صورت فظاعة الحرب...كل شيء فيه ممهد بدقة وتمثيل رائع (من طرف دوغلاس كذلك خصوصاً صرخته على رئيسه في أواخر الفيلم) وأعجبني خصيصاً مشهد الأغنية النهائي ومعناها على نفوس الجنود.
شكراً أستاذ محمد وأتمنى منك أن تكتب عن فيلم كوبولا الذي لا يقل شأناً