Year 3. Issue: 85 | The Fighter | Ward n. 6



دراما خفيفة من بطولة مارك وولبرغ وكرستيان بايل عن "انتصار المنهزم"٠
THE FIGHTER | David O. Russell
المحارب | ديفيد أو راسل
أدوار أولى: مارك وولبرغ، كرستيان بايل، مليسا ليو،
آمي أدامز
النوع: دراما/ سيرة [رياضة]. إنتاج: الولايات المتحد2011
..........................................................
Film Review N.  205  
تقييم فيلم ريدر
 ***
مجمل تقييم النقاد
****
 
من البداية تلاحظ أن عنوان الفيلم ليس "ذ بوكسر" مثلاً، بل "المحارب" (او "المقاتل" كما تصح أيضاً)، رغم أن الفيلم هو ملاكم بالفعل. ثم إذا ما تابعت الفيلم وجدت المشاهد التي تدور فوق الحلبة محدودة. أعتقد أن السبب في ذلك هو أن المخرج لم يقصد تقديم حكاية ملاكم تتبع حكايات تداولها السينما الأميركية مئات المرّات من قبل (موقع آي أم دي بي يتحدّث عن  نحو 1000 فيلماً احتوى في صلبه او كجزء من أحداثه شخصية ملاكم بدءاً من فيلم وثائقي قصير بعنوان  Men Boxing أٌنتج سنة 1891). هذه المشاهد المحدودة وعنوان الفيلم بالإضافة الى موضوعه العام، أمور تشي بأن المخرج ديفيد أو راسل (المعروف بفيلمه حول حرب العراق تحت عنوان The Three Kings ) تؤكد أن النيّة هي الحديث عن شخص "يُحارب" في إتجاهات أخرى. صحيح أن المخرج وفريق من الكتّاب الذين توالوا على وضع النص، اختاروا شخصية حقيقية هي شخصية الملاكم ميكي وورد، الا أن الفيلم يتّجه بحكايته ليروي كيف انتصر الملاكم لا في الحلبة وحدها بل أيضاً في الشؤون التي كانت تدور خارج الحلبة أيضاً. حقيقة أن هذا الإنتصار لا يعود الا جزئياً إليه، حسب الملخص التالي، فإن ذلك يعني أن السيناريو مر بخضم من التغييرات أثّرت على نصاعته، فضاعت بعض رسالاته او مُيّعت من دون قصد٠
إنه عن مرحلة من حياة الملاكم الذي توّج بطلاً عالمياً سنة  2000 بعدما كان تغلّب على ملاكمين أشدّاء من بينهم، على سبيل المثال فقط، شوغر راي ليونارد (الذي إذا ما صحّ ظني لاعبه محمد علي وبطحه أيضاً- الرجاء تصحيح هذه المعلومة إذا ما كانت خطأ). يبدأ الفيلم بشقيقه ديكي (كرستيان بايل) وهو يتوجّه الى كاميرا الفيديو التي تصوّره ليتحدّث عن أخيه. حركة سريعة تنبؤنا أن الرجل "مكهرب" ويتأكد لنا بعد حين بأنه مدمن شم مع شلّة من الأصدقاء خارج مرمى شقيقه الجاد ميكي. هذا هو المدخل للتعرّف الى العائلة بأسرها، والمشكلة هي أنها عائلة كبيرة ليس لمعظمها أي دور فعلي، والكثرة لا تعطي نتيجة.  الأم هي مقاتلة من الوزن الذي يفتقده بنيان إبنها ميكي (او ميكي وديكي معاً). لا أقصد أنها بدينة، لكنها تملك شكيمة وعزيمة أقوى. لقد أدارت حياة إبنها الرياضية (أكثر مما فعل والده) وتولّت الإشراف على مهنته. وكل شيء كان يسير طبق الرغبة المرسومة الى حين تعرّف الإبن على فتاة جميلة تعمل في البار أسمها تشارلين (آمي أدامز) وكل رغب بالآخر فأصبحا صديقين. لكن تشارلين تتحوّل بدورها الى مديرة رغماً عن والدة ميكي، وتنشب بينهما المعركة المتوقّعة بين كل "كنّة" و"حماة" بإستثناء أن السبب العاطفي والنفسي يرقد عميقاً تحت السطح. في هذا الصراع، ينضم ميكي الى صديقته ما يجعل الأم تنكفأ، سوف لن تذكّره، علي طريقة أفلام عربية، بأنها حملته تسعة أشهر و"ربيتك بحبي وحناني وحرمت نفسي عشانك" الخ... وبل في الأساس هي ليست في هذا الوارد مطلقاً لأنها سوف لن تقبل الإنسحاب من حياة إبنها. خلص. نقطة على السطر. ما سيحدث هو أن ميكي سيوقّع مع منشّط حفلات ملاكمة آخر وهذا لا يريده قريباً من أخيه الذي كان يقوم بالإشراف على تدريبه، خصوصاً في المرّات التي يكون ديكي فيها متمالكاً لنفسه.
هذه هي الحرب التي قرر المخرج راسل (في ثالث لقاء له مع مارك وولبرغ) أن يجعلها موضوع الفيلم خصوصاً وأنها تنضوي على مشاهد مثيرة للإهتمام وجيّدة التنفيذ للعلاقة المضطربة بين الشقيقين. في حقيقة الأمر، العلاقة بينهما ومداراتها وما ينتج عنها هي أفضل ما في الفيلم، وليس العلاقة لا بين ميكي وباقي أفراد عائلته، ولا حتي ما يحدث فوق الحلبة. وما يحدث فوق الحلبة مُدار على نحو موجز، لأن معظم افلام الملاكمة تحاول أن تربطك اليها وتصوّر لك ما يدور فوقها مثيرة شتّى التوقّعات. نعم، لا يهرب »المحارب« من هذا كلّه، إذ عليه وقد اختار بطله ملاكماً أن يصوّره فوق الحلبة، لكنه يبنى مشاهده بذكاء مونتاجي يتيح له دخول وخروج مشاهد الحلبات في سلاسة واتساق مع المشاهد التي تقع خارجها.
هناك إلمام بمأزق ديكي (كرستيان بايل)، هو الذي يحب شقيقه ويكترث له ويريد أن يبقى مدرّباً له ولو بات لزاما عليه ترك الإدمان. ذلك الإلمام يبدأ في السجن الذي يدخله بعدما تعرّض بالضرب لشرطي. المشاهد يتعرّف على رأسين للعائلة مهددين بعدم اللقاء، لكنهما رأسان لجسد واحد يحتاج إليهما معاً.
مارك وولبرغ يذهب، في تشخيصه لدور ميكي في إتجاه التمثيل تحت الرادار. هاديء ومتواضع وخافت الصوت حتى حين يصيح في أهله: "أنا لا ألعب لك او لك او لك. ألعب لنفسي". لكن، قصداً او عن أي قصد، يمنح ذلك التشخيص كرستيان بايل الفرصة في أن يؤدي دوره استعراضياً. إنه جيّد فيما يقوم به بلا ريب، لكنه يسرق الشخصية من صاحبها فيصبح هو من يتحرّك أمامك وليس الشخصية التي يلعبها. بذلك أنت، وعلى نحو أوتوماتيكي، لا تجد نفسك متمعّناً بديكي ومأزقه بل بكيف يقوم كرستيان بايل بتمثيل شخصية رجل في مأزق.
في مجمله يبقى الفيلم خفيفاً أقل مما هو مطلوب منه. خفيفاً على نحو من يريد أن يحدّثك جدّياً عن حياة بطله، لكنه لا يريد أن يزعجك بجدّيته. مثل "127 ساعة"، عن رياضي آخر (يقوم به جيمس فرانكو) هذا فيلم "دايات كوك" لمن لا يريد أن يُعاني من هم ثقيل في الموضوع المطروح أمامه٠

DIRECTOR: David O. Russell
CAST: Mark Wahlberg, Christian Bale, Amy Adams, Melissa Leo, Kelly Carlson, Virginia Madson
A Paramount release presented with Relativity Media in association with the Weinstein Co. of a Relativity Media, Mandeville Films, Closest to the Hole production
SCREENPLAY:  Scott Silvery, Paul Tamasy, Eric Johnson; story, Keith Dorrington, Tamasy, Johnson
PRODUCERS:  David Hoberman, Todd Lieberman, Ryan Kavanaugh, Mark Wahlberg, Dorothy Aufiero, Paul Tamasy.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السينما تعود الى تشيخوف لتبتكر

WARD N. 6 (PALATA N. 6) |  Karen Shakhnazarov, Aleksandre Gornovsky
الجناح رقم 6  | كارن شاخنازاروف، ألكسندر غورنوفسكي
أدوار أولى: ڤلاديمير إلين، أليكسي فرتكوف، ألكنسدر بانكراتوف شيورناي
النوع: دراما [إقتباس روائي].  إنتاج: روسيا 2010
..........................................................
Film Review N.  206
  تقييم فيلم ريدر
****
 مجمل تقييم النقاد
****


ليس صحيحاً أن المهرجانات الرئيسية الثلاث حول العالم (برلين، كان، فنيسيا) تعرض كل الأفلام الممتازة. كل سنة أجد أفلاماً لم تحظ بالعرض في أي منها، وبعضها لم يحظ بالعرض في مهرجانات أصغر حجماً، لكن إذا ما كان المهرجان لا يزال المكان الذي يتيح للأفلام ذات النوعية العالية بالعرض، حتى ولو كان الفيلم قشيباً وخالياً من الزخرفة الإعلامية، فلا يوجد عذر وراء حجبه.
«الجناح رقم 6« هو أحد هذه الأفلام. حققه مخرجان اكتشفا سبيلاً غير مطروق لترجمة قصة أنطون تشيخوف (بالعنوان نفسه) الى السينما.
مثل العديد من روايات تشيخوف، تتحلّى روايته القصيرة (أطول من قصّة، أصغر من رواية) بأسلوب نثري منتشر فوق فصولها الإحدى والعشرين. الفصول الأربعة الأولى منها تقوم على الوصف من دون حوار. في كليّتها يأتي هذا الوصف المستطرد قمّة في الأدب إنما من دون صور سهلة الإستنتاج يمكن فيها لأي كاتب سيناريو الإستناد اليها لنقل العمل من دون الإخلال به. إنه من النوع الذي من الصعب الإنفصال عنه في تفسير او اقتباس سينمائي صرف، ومن الأصعب الإلتزام به صُورياً.
هذه الصعوبة لم تمنع محاولات سابقة جرت لتحويل الرواية وبعضها تمتّع بحسنات أكيدة. لكن ما هو جديد في هذا الفيلم هو أن التحدّي أثمر عن وسيلة جديدة لتصوير حكاية الطبيب النفسي الذي وجد نفسه وقد أصبح مريضاً نفسياً. 
الوسيلة التي ابتكرها المخرجان شاخنازاروف، وكانت رئيسة الإنتاج في ستديوهات موسفيلم الأسطورية لسنوات عديدة، وغورنوفسكي، هي إسناد عملية السرد الى شهادات يدلي بها المرضى الذين عرفوا الطبيب ولديهم ما يقولونه في مأساته.
بمجرد إختيار هذه الوسيلة فإن الفيلم يجد نفسه لاجئاً في أرض السينما الوثائقية. الكاميرا على الوجوه وهي تدلي بشهاداتها. الجميع يتحدّث الى الكاميرا بطبيعة الحال، وبالتالي فإن الشعور المتولّد هو أن الفيلم يسرد وضعاً حقيقياً وليس تمثيلياً.
لكن الحقيقة، حتى ومن دون العودة الى أصول الفيلم الأدبية، هي أن الفيلم يستخدم الأسلوب الوثائقي لسرد حكاية خيالية مئة بالمئة. يبدأ بممارسة المنهج التسجيلي في دقائق طويلة أولى، ثم يقطع فجأة الى مشاهد تمثيلية نتعرّف فيها على الطبيب ومكانته ورجاحة عقله، ثم نعود الى الأسلوب التوثيقي، قبل العودة الى المشاهد التمثيلية لنرى بداية أزمة الطبيب مع واقعه وعمله وهذا يحدث من جديد قبل أن نجد أنفسنا أمام طبيب تم سجنه في جناحه من المستشفى مع باقي المجانين والمرضى النفسيين لأنه، بالنسبة لأطبّاء آخرين، فقد رجاحة عقله، ولو أنه لا يزال يعتقد أنه لم يفقد شيئاً يستحق من أجله أن يتحوّل الى واحد من المرضى٠
كل ذلك في انسجام كلي. لا المشاهد الواضح أنها تمثيلية تتّخذ شكلاً مناوئاً لتلك المشاهد التي تتصرّف كوثائقية، ولا هذه الأخيرة تبتعد صوب أسلوب مناف كما حال العديد من الأفلام الأخرى التي فجأة ما تنتقل، على نحو فج، بين أسلوب وآخر.
أزاء المنحى التسجيلي المركّب يتبدّى كيف يمكن قدر الحرية المتاحة أمام الفيلم الروائي إذا ما أراد الخروج من السرد التقليدي. هنا اللعب على العلاقة بين التسجيلي والروائي ينتج عنها فيلم يحمل بعداً ثالثاً.  دراما جادّة حول وضع عاش بيننا جميعاً، لوقت من الأوقات كنكتة او ككابوس أحياناً (تصوّر شخصاً يدخل المستشفى لعيادة قريب له فيتم حبسه والإفراج عن القريب المجنون بالخطأ). لكن لا الفيلم نكتة ولا الرواية في الأصل مكتوبة للدعابة. كلاهما يبحث في الإنسان وخفايا وضع جدّي تعبّر عنه الشخصية الرئيسية إيفان  في الكتاب، وينقله بموضوعية وتلاحم عنه  فلاديمير إلين على أحسن وجه. إلين ممثل قصير وبدين ويميل للصلع واللقاء الأول بيننا وبينه يكشف لنا عن شخص يحمل هموماً متراكمة يعاينها يومياً مع كل اولئك المرضى من حوله. لا عجب أنه انتهى كواحد منهم٠
لكن هذه النهاية لها أسباباً بيئية واجتماعية وسياسية. لقد نقل الكاتبين- المخرجين الفترة الزمنية التي وضع فيها تشيخوف قصّته هذه الى الزمن الحالي. لكن هذا الزمن الحالي ليس حديثاً ولا معاصراً، بل يحمل أجواء مرعبة كما لو أنه يدور في عالم آخر تماماً. عالم لا يخلو من الخوف. ليس أن الفيلم ينتمي لسينما الرعب، لكن مجرد التفكير في حكايته، ومجرد النظر الى الشكل القشيب جدّاً الذي وضع المخرجان فيلمهما فيه يجعل المرء يدرك أنه أمام حالة مفزعة لا يريد حتى التفكير باحتمالاتها٠
تشيخوف كتب عن كابوس طبيب ينزلق الى الجنون. الفيلم وجد طريقة رائعة للتعبير عنها والنتيجة عمل خال من الرونق الكاذب، يشابه الواقع الذي يحف بموضوعه وتتحوّل أحداثه الى مشاهد تبقى في البال طويلاً، ما يجعله فيلماً كابوسيا من الطراز الأول٠

2 comments:

مراد عبد الله said...

شكراً أستاذ محمد لقد كنت أنتظر نقدك لفيلم The Fighter

الليلة إن شاء الله سأشاهد الفيلم وعائد للقراءة والتعقيب.

مراد عبد الله said...

بعد المشاهدة لا أختلف معك بالكثير
الفيلم قصته شاهدناها مراراً وتكراراً منذ أيام سلفستر ستالون والمخرج أدرك ذلك فحاول التركيز على ما يحصل في خارج الحلبة بين البطل والذين حوله
مع ذلك يظل الفيلم ناقص كثيرا
يعني علاقة البطل مع أمه وحتى أخيه لا تبدو مميزة او تستحق الاشادة وأن نفرح لأجلها في نهاية الفيلم
قبول شخصية الام لمعشوقة ميكي شيء لا يتم تصويره في الفيلم بينما نراها في النهاية معها جنباً الى جنب تتحدثان بشكل طبيعي حتى تكون نهاية سعيدة من أجل عيون الجميع بلا استثناء
الفيلم دايات كوك بالفعل
بانتظار نقدك لفيلم 127 ساعة رغم انني سمعت ان هذا الفيلم تسبب في حالاة اغماء وخروج من صالات السينما