Dallas Buyers Club
«دالاس بايرز كلوب»
✩✪✪✪✪ | نقد: محمد رُضـــا
الولايات المتحدة 2013/4
إخراج: جان-مارل ڤالي
تكساسي معتد بنفسه ينحدر… وكل شيء آخر ينحدر معه
في أول فيلم أميركي له، يقوم المخرج الكندي جان-مارك ڤالي باستخدام ماهر لبضع عناصر متوفّرة بين يديه: أ) موضوع عن الأيدز ب) مأخود من واقعة حقيقية وت) سيناريو يستحق، كما الفيلم، التحليق حول الأوسكار، كذلك ث) الممثل الذكي ماثيو ماكوهوني… وكل ذلك بميزانية لم تتجاوز الستة ملايين دولار.
يؤدي ماكوهوني شخصية رون وودروف: من لاعبي الروديو (ركوب الخيول الجانحة في ميادين مخصصة) شبه الماهرين. كل شيء في شخصيّـته عادي ومنتشر وغير مميّـز بما في ذلك إقباله على النساء والكوكايين ونبذه للشاذين. في أحد الأيام يسقط أرضاً ويُـنقل إلى المستشفى حيث يواجهه الطبيب بأنه مريض بالأيدز. الأحداث تقع سنة 1985 ويومها كان المنتشر هو أن هذا الداء لا ينتقل إلا بممارسة جنسية مثلية. الطبيب يخبره أن لديه شهر ليعيش. وودروف يخرج محطّـماً لكنه يحاول استعادة عالمه. لن يتوقّـف عن استهلاك المخدرات ولن ينبذ حياة الفسق ولن يغيّـر موقفه من أصحاب الميول المثلية حتى بعدما علم أن المرض وصل إليه بوسيلة أخرى.
سيقوم رون بمحاولة توظيف مرضه والداء بأسره لمصالحه الخاصّة. سيتّجه إلى بلدة مكسيكية قريبة من الحدود حيث يُـباع عقار AZT الممنوع تداوله في أميركا. يفتتح لنفسه عيادة غير رسمية يبيع فيها الدواء المستورد (الذي برهن عن فاعليّته) للمصابين ويستخدم منه أيضاً.
ماكوهوني موجود في معظم مشاهد الفيلم. إنه لولبه. لن يتحرّك الفيلم من دونه ولو تم إستبداله لتحرّك على نحو مختلف. إنه مثالي في الدور. تصدّقه في كل لحظة. وإخراج ڤالي (الذي سبق له وأن طرح في أفلامه الكندية القليلة مواضيع حول معاناة فردية) يعلم ذلك. يمنح الممثل (الذي خسر أكثر من 20 كيلو وهو النحيف أصلاً) كل دعم من ميكانيكية الفيلم ومعالجته. يمنحه تلك المشاهد الصامتة التي تصل فيه صرخته إلى الحناجر، وتلك المشاهد التي يتحدّى فيها العالم والمرض والظروف وتلك التي تصوّره وهو يعترف بعجزه. يمنحه الطقس التكساسي الكامل. الشعور بالقوّة والشعور بالعجز معاً ثم السقوط في هوّة بينهما.
«دالاس بايرز كلوب» ليس بحاجة لتقديم موعظة ولا للتحلّي برسالة أخلاقية، لكنه على عكس «ذئب وول ستريت» (الذي لعب فيه كرستيان بايل شخصية لا تقل شراهة في الجنس وفي استهلاك المخدرات وظهر ماكوهوني فيه بدور محدود لكنه ملحوظ) لا يحتفي بذلك ويلمّـع صورته بل يمنحه لونا قاتماً يبدأ بطله فيه لامعاً وينتهي داكناً وحزيناً.
علاقة الفيلم بالشذوذ، أو المثلية، مستنتجة من علاقة بطله بها. رون رجل معتد بذكوريّـته وميوله المستقيمة ولن يسمح لأحد أن يرتاب بهما. يتخاصم مع خلان الأمس حينما يبدأون الإرتياب به. ويقبل على المزيد من العلاقات النسائية في أبشع صورها غير الإنسانية. إنه ينحدر وكل شيء آخر له علاقة به ينحدر معه.
في أحد المشاهد يشتم المثليين. وهناك مشهد أول يجمعه مع مخنّـث (مدمن على المخدرات أيضاً ويؤديه جارد ليتو) ينضوي على كل «سياسة» رون بهؤلاء الناس. وفي خلفية كل ذلك وعمقه، يواجه الفيلم عزوف مسؤولي إدارة العقاقير والأدوية الفدرالية الأميركية للمشكلة الأيدز وتأخرها في السماح للمصابين باستخدام أحد الأدوية التي قد تحد من الإنتشار ولو أنها لا تقتل المرض. هناك غضب في الفيلم لكنه مثل خيوط تلتقي لتنفجر في أداء ماكوهوني اللامع. وعلى نحو ذكي يتجنّـب المخرج توجيه فيلمه كما لو كان عن بطله ضد الأيدز أو بطله ضد الحكومة. إنه ضد نفسه أولاً.
Nymphomaniac: Volume 1
شبقة : جزء 1
✩✩✩✪✪ | نقد: محمد رُضـــا
دنمارك، ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، بريطانيا- 2014
إخراج: لارس فون ترايير
الإعجاب الغربي الغالب بهذا الفيلم ليس له سوى ردّ واحد
ما هو الأجدى؟ مشاهدة فيلم «سكس» أو ممارسة «السكس»؟
المخرج لارس فون ترايير يجعل الجواب هيّـناً: حين لا يكون لديك وقت لممارسة الجنس، أو الرغبة به، اعتبر «شبقة: جزء 1» بديلاً.
في أيام مضت، كانت هناك صالات في باريس وبرلين وأمستردام تعرض أفلاماً أباحية. وكان بعضها يركّـب للمشاهد الجنسية المتواصلة بعض الحبكة يرشّـها مثل بهارات على الطعام لكي لا يبدو الفيلم كما لو كان مشهداً واحداً. مثلاً (وأقول ذلك لأني شاهدت بعض هذه الأفلام في السبعينات): فتاة تذهب لمقابلة عمل. بعض قليل تمارس الجنس مع المدير… الذي يعود للبيت (وهناك مشهد سيارة ومراب وفيلا) ويمارس الحب مع زوجته (أو خادمته) وبعد ذلك نعود ربما للفتاة الأولى التي تستلم عملها ويدخل عليها إبن المدير ويمارس معها… بعد 80 دقيقة ينتهي الفيلم ويعود المشاهد إلى الحياة الواقعية.
سؤالي لنفسي وأنا أشاهد «شبقة» هو التالي: هل يختلف فيلم ترايير فعلاً عن تلك الأفلام الإباحية التي كانت تنتج في ذلك الحين؟ إذا كان يختلف فبماذا؟. قبل أن يهب عليّ البعض متهمين أنني أخلاقي، أؤكد أن سؤالي سينمائي خالص. ليحقق ما يريد المخرج (أي مخرج) من الأفلام وسأحقق ما أريد من الكتابة؟ OK؟
إذاً بماذا يختلف هذا الفيلم عملياً (أي خارج نطاق عناصر الإنتاج والكاستينغ) عن تلك الأفلام؟ بمساحة أكبر للحكاية؟ التركيبة ذاتها: إمرأة تسرد حكاياتها الغرامية بالتفصيل وننتقل مع كل حكاية لنتابعها بصرياً. هناك الكثير من العري والكثير من مشاهد الجنس الواضح. ليس هناك أي من حسنات الإيحاء. كله مرمي في وجه المشاهد.
أن يُقال أن هناك فنّ يقف وراء التنفيذ ببساطة لا أعتقد. هناك ممثل جيّـد واحد يحاول خلق شيء من دوره كمستمع (ستيلان سكارسغارد) والباقون منفّـذون للمطلوب. هناك عناية بالتشكيل الفني، لكن الفن ليس فقط تشكيلاً، بل هو معالجة كليّـة تصبو إلى الكمال. لا كمال هنا. وأحياناً لا إثارة حسيّـة لأن الغاية هي السرد وليس البحث عمقاً. تغطية الفعل وليس سبر غور الشخصيات الفاعلة. لا يكفي أن تتولّى شارلوت غينسبورغ سرد حكاياتها لنقف على أبعاد ما لشخصيّتها الجانحة، بل كان على الفيلم أن يقدّم ذلك التبرير وليصوّر ما يريد بعد ذلك.
«أنا إنسانة عاطلة»، تقول جو (غينسبورغ) بعد أن نقلها رجل متقدّم في العمر أسمه سيليمان (سكارسغارد) إلى منزله عندما وجدها ملقاة على الأرض ومرضوضة الوجه. يضعها في غرفة نوم صغيرة ذات حائط شاحب وبلا ديكورات، ويجلس ليستمع إلى حكاياتها الواردة على شكل فلاشباك. بعد أقل من ساعة تقول له: "أنت تحاكمني أخلاقياً" وذلك ردّا على رأي أبداه. لكنه في الواقع رجل شغوف بالإستماع. حكاية جو أنها دخلت على جيروم (شايا لابوف) وعرضت عليه أن يفض بكارتها وهي في الخامسة عشر من عمرها. لا مانع لديه. بعد ذلك هي على منوال ميكانيكي تبحث عن المتعة الجنسية المباحة مع كل رجل ترغب به أو ترغب بالممارسة معه لأنها شبقة. المشكلة التي يعانيها الفيلم هنا هو أن لا يوجد ما يبرر مشاهدة الفيلم حتى وإن تابعناه. ولك أن تتصوّر ألف ناقد يتابعون ما يدور وكل يفكّـر كيف سيمنح هو التبرير لكي ينفي عن نفسه تهمة أنه "رجعي" أو "لديه مشكلة" أو- الأسوأ بإعتقاده "أخلاقي".
لكن مهما قلبت الفيلم يبقى عملاً بلا تبرير فعلي. ومع حوارات مثل «الوحدة كانت شريكي الدائم» و«أنا إمرأة عاطلة» و«أشعر بالعار» يضع الفيلم بطلته في ضوء خافت. هنا يبرز فرق لم أدر به عندما بدأت الكتابة، واكتشفته الآن: في أفلام البورنو القديمة، كانت البطلة تبدو مستمتعة بما تمارسه. بطلة ڤون ترايير تبدو بائسة معظم الوقت وإذا كانت تشعر بالعار فلم الفيلم أساساً.
أحياة ڤون ترايير فارغة مثل حياة بطلته؟ هل بناها على شخصه (ليس أنه مصاب بداء الشبق، لكنه مصاب بداء الفراغ)؟ طبعاً ستجد في «شَـبِـقة» قدراً من الترفيه بصرف النظر عن مشاهده. الترفيه ذاته الذي تتلقاه إذا ما استمعت إلى أحداث مشابهة كما كان يسمع سيليمان إلى جو في حديثها المتواصل. من لا يود أن يتابع سماع المغامرات الجنسية لشخص ما؟ لكن ما كان يقض احتمال أن ينتقل العمل من الترفيه الوارد إلى مفاد سليم وعميق هو أن المخرج تسلّـح بإسمه (مرّة أخرى) وقرر أنه يريد فيلماً صادماً في حين أن أفلام سواه (حتى تلك التي لم تكن برونوغرافية تماماً أيضاً مثل سلسلة أفلام «إيمانويل») كانت لا تكترث لأن تدعي شيئاً.
Oldboy
«فتى كبير»
✩✩✪✪✪ | نقد: محمد رُضـــا
الولايات المتحدة 2013
إخراج: سبايك لي
سبايك لي أخرج، بعد غياب، فيلماً جيّـداً ليس هناك من بحاجة إليه
إعادة صنع للفيلم الكوري الذي حققه سنة 2004 بارك تشان-ووك وفيه أن رجلاً استيقظ ذات يوم (من شرب حتى التهلكة) ليجد نفسه حبيس غرفة تشبه غرف الفنادق أثاثاً لكن بلا نافذة. والباب الذي يؤدي منها وإليها صلب لا يمكن خلعه ومقفول من الخارج مع فتحة في نهايته لإطعامه. لخمسة عشر سنة (في الفيلم الكوري وعشرين سنة في النسخة الأميركية) لم ير هذا الرجل وجه مخلوق سوى من يظهر على شاشة التلفزيون في غرفته. لنصف هذه السنوات ربما، لم يفعل هذا الرجل شيئاً سوى الشرب (يمرر له المعتقل زجاجة فودكا أو نحوها كل يوم) والصراخ والضرب على الجدران والباب ومحاولة الإنتحار. في نصف تلك السنوات الأخرى يبدأ بتدريب نفسه على الجودو مستلهماً حركات برنامج تلفزيوني يومي. أقلع عن الشرب وشحن نفسه بالأمل في أنه سينجح في الخروج من هذه الغرفة يوماً وينتقم من سجّـانه.
المخرج سبايك لي ينجز الفيلم نفسه مع تغييرات قليلة ويحافظ، لجانب الأحداث، على العنف الذي حمله الفيلم الكوري. لكن إذا ما كنت أذكر فيلم تشان-ووك جيّداً، وهو ربح جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان» آنذاك، هناك عنف أكثر في ذلك الفيلم الكوري مما هو هنا. لكن نسخة لي عنيفة بلا ريب. ليس فقط عنف المعارك اليدوية بينه وبين الأشرار وعنف القتل الذي يواليه بعد الإفراج عنه، بل عنف شخصيّـته الرئيسية جو (جوش برولين) على نفسه. هو رجل أعمال يكاد ينجز صفقة ناجحة لكن حين تفشل يؤم الشرب حتى يهوى. يستيقظ في تلك الغرفة التي تشبه غرف الفنادق ويبدأ مرحلة عيش تبدأ من العام 1993 وتنتهي عام إنتاج الفيلم (2003). مثل البطل السابق، يضعه معتقله أمام خيار صعب: عليه أن ينجح في معرفة هويته التي لا زالت خافية عليه، في ثلاثة أيام وإلا سينتقم منه. بكلمات أخرى، خاطفه (الذي يملك سبباً جوهرياً لما قام به) يعرض على جو أن يبحث ويكشف النقاب عن السبب الدفين في الأمس ليكشف هويته ولينفّـذ فيه إنتقامه معتقداً أنه سوف لن يستطيع.
السبب الدفين يعود إلى حين كان بطل الفيلم المعتدى عليه، وعدوّه المعتدي صغيران في المدرسة والأول أقدم على فعل ترك أثراً عميقاً في نفس الثاني استوجب رغبته في الإنتقام ما ولّـد الرغبة في إنتقام مضاد.
صفّـق النقاد كثيراً للفيلم الكوري وقليلاً لفيلم سبايك لي. لكنهما متساويان في معظم العناصر بإستثناء أن كل ما هو «فرنجي برنجي» (الله يرحمك يا عمر الزعني) وما يجمع بينهما غياب الرسالة فالحكاية فردية ولا تتمدد تجاه نقد إجتماعي أو تلقي بظلالها على أي إتجاه خارج قصّـة نجحت في أن تنطلق من فكرة لافتة. إذ أقول ذلك، لا يفوتني القول أيضاً أن تنفيذ سبايك لي (ومن قبله تشان ووك) ركيكاً أو معدوم الخصال. يكفيه أنه مساق جيّـداً ومثير للإهتمام كحكاية تشويقية. صحيح أنها لا تفيد أحداً من المشاهدين، لكنها على الأقل مثيرة وتمثيل برولين مقنع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ