The Monument Men نقد فيلم «الميدان» لجيهان نجيم وفيلم جورج كلوني الجديد

أفلام مهرجان برلين 3

The Monument Men     
رجال النُـصُـب
    *****
الولايات المتحدة | إخراج: جورج كلوني (المسابقة)

هذا الأسبوع، وافقت الحكومة الأميركية على طلب بولندي بإعادة لوحات وآثار تاريخية كانت وصلت إلى الولايات المتحدة إثر إنتهاء الحرب العالمية الثانية. هل نفهم إذاً أنه، وعلى عكس ما يدّعي فيلم جورج كلوني الجديد، لم تعد كل المقطوعات والنُـصب والآثار واللوحات إلى دولها آنذاك؟ هل انتهى بعضها في بواخر شحنتها إلى الولايات المتحدة؟
بصرف النظر عن الجواب «رجال النُـصب» الذي يتولّى التأكيد على أنه مقتبس من أحداث حقيقية مع اللحظة الأولى للفيلم، يشتغل كما لو كان الموضوع هيّـن جداً. هناك كسل في إخراج هذا الفيلم وفي الوقت ذاته نقص في أكسجينه. المشاهد تتوالى مكتفية بإيحاءاتها من دون تفعيل حقيقي، ومن دون روح في بعض الأحيان. كلوني الذي أنجز أربعة أفلام سابقة كمخرج كل واحد منها أفضل من هذا الفيلم، وبعضها أفضل بكثير، ربما قصد أن يقدم فيلماً يدور في رحى الحرب (أو ما تبقى منها) من دون أن يكون حربياً. عظيم. لكن هذا وحده ليس ضمانة لعمل جيّد. في أفضل أحواله، هو مجرد إختيار.
في بدء الفيلم نرى جورج كلوني يخاطب الرئيس الأميركي وبعض أعوانه طالباً منهم السماح له بتشكيل فرقة من علماء الآثار واللوحات الفنية (ستّة أفراد) للسفر إلى أوروبا للبحث عن تلك اللوحات المسروقة من قبل المحتلين النازيين. الموعد مناسب لأن النازيين كانوا بدأوا يولّـون الأدبار من المساحات الهائلة من أراضي الدول الأوروبية الأخرى التي استولوا عليها في السنوات الثلاث الأولى من الحرب العالمية الثانية. يوافق الرئيس على الطلب وها هو كلوني، الذي يتمتع بلياقة بدنية جيّـدة، يؤلف فريقه: هوي بونفيل، مات دامون، بيل موراي، جان دوجاردان، جون غودمان وبوب بالابان ولاحقاً ينضم ديمتري ليونيداس إلى الفريق. يصلون إلى النورماندي بعد التحرير لكن لا يمكن ملاحظة أن هذا النزول هاديء أكثر من اللزوم، كما لو أن المجموعة حطّت في سياحة على أحد سواحل هونولولو. يوزّع رئيس الفريق (كلوني) المهام مقسّماً الفريق إلى ثلاثة. يرينا على الخريطة أين سيتوجه كل فريق وماذا يتوقع له أن يجد.
تتوقع أن يبدأ الفيلم هنا. السعي لإعادة اكتشاف اللوحات الثمينة لكبار الفنانين لا يمكن أن يكون نزهة سياحية حتى ولو أن الأحداث تقع بعد الأيام الأولى لاندحار القوات النازية عن بعض الأراضي الفرنسية. نعم، هناك مشهد لجون غودمان وجان دوجاردان يكتشفان أنهما محاطان بمجموعة من الجنود الألمان. عظيم. هل ننتظر معركة؟ نعم. هل تقع؟ لا. في مشهد آخر هناك رصاص قنّـاص يطلق بإتجاه بوب بالابان وبيل موراي. يدخل موراي المبنى الذي يتحصّـن فيه القنّـاص. هل من معركة؟ لا. القنّـاص ليس سوى صبي مرتعد.

هنا تكمن المشكلة: في الوقت الذي ليس من الضروري أن يتجه فيلم كهذا، مبني على أحداث داخل الحرب من دون أن يكون حربياً، لتصوير معارك، إلا أن معالجة كل من هذين المشهدين هي "ضد الذروة" Anti Climax. إحذفهما وسوف لن تلحظ أثراً لا إيجابي ولا سلبي على الفيلم. بالنتيجة كل الفيلم "ضد الذروة". كما لو أن المخرج ضاع فوق خارطة فما عاد يعرف أي نوع من الأفلام هذا الذي بصدد إخراجه. الجزء الأكبر من هذا الفقدان للبوصلة كامن في سيناريو يحكي قصّـة ولا يجيدها ثم لا يحكي سواها. بعض المشاهد توفر صوراً كاريكاتورية لشخصياتها. لا شيء جاداً (ناهيك عن ناجحاً) يمكن أن ينتج عن بيل موراي وهو يمثّـل شخصيته المعتادة أو جون غودمان وهو لا يستطيع النهوض عن الأرض بسبب ثقل وزنه، ولا بوب بالابان الذي يبدو أكبر سنّـاً من أن يشترك في مغامرة كهذه.
خيط جانبي مهم يتحوّل إلى هامشي ذاك الذي يؤدي فيه مات دامون وكايت بلانشيت (الوحيدان اللذان يمثلان جيّداً) دوريهما: هو أحد أعضاء هذا الفريق وهي سكرتيرة سابقة لنازي من مسؤولي تهريب اللوحات تساعده في إيجاد الثروات المخبّـأة. 
في النهاية يخبرنا الفيلم أن نحو خمسة ملايين قطعة أثرية (تماثيل ولوحات) تم إكتشافها بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية. شاهدنا منها ربما عشرة أو عشرين في حكاية ليس من حقّها أن لا تحمل تشويقاً ما خصوصاً وإنها ليست حكاية جادّة في موضوعها وإلا لربطت الماضي بالحاضر عن طريق توجيه رسالة ما (ضد الحرب، ضد سرقة المتاحف، ضد أي شيء).

أفلام مهرجان برلين 4
   
 الميدان     
*****
الولايات المتحدة | إخراج: جيهان نجيم (فورام).

لماذا بقي مشهد معيّن في بالي أكثر من سواه؟ سألت نفسي منذ أن شاهدت «الميدان» الذي سبق وعُـرض في مهرجان دبي، والآن يعرض في برلين وهو بالطبع مرشّـح لأوسكار أفضل فيلم تسجيلي، و- أقولها من الآن- قد يفوز بها.
طبعاً الكثير قيل فيه بما في ذلك خطأ شاع بقصد عاطفي أو من دون قصد على الإطلاق وهو أنه فيلم مصري ما يجعل ترشيحه للأوسكار أول ترشيح مصري رسمي لهذه الجائزة. وكانت السينما المصرية قدّمت للترشيح 29 فيلماً خلال تاريخ الأوسكار، لكن لم يدخل أي منها الترشيحات الرسمية وبالطبع لم يفز بالتالي أي فيلم. لكن الحقيقة أن الفيلم يحمل موضوعاً مصرياً ومخرجته مولودة في مصر (وتحمل الآن الجنسية الأميركية) لكن الفيلم ليس مصرياً بل أميركياً محضاً. وسواء أفاز الفيلم أو لم يفز فإنه لا يمثّـل السينما المصرية مطلقاً. فهوية الفيلم تتحدّد بالتمويل وليس بهوية صانعه.
المشهد الذي بدا نافراً يصوّر الأخواني مجدي يدخل منزله تتقدّمه الكاميرا. لسبب ما (لا يعلّق الفيلم على ذلك) يده اليمنى مربوطة بضمادة بيضاء من الرسغ وحتى ما بعد الكوع. ربما من آثار إعتداء البوليس، كونه من الذين شاركوا في ثورة يونيو، أو قد تكون ناتجة عن سقوطه أو أي حادثة عرضية أخرى. المشهد التالي له وهو يتحدث مستخدماً كلا اليدين في الإشارة. الضمادة لا تزال ظاهرة في اليد اليمنى. الأم تتكلم. الكاميرا تعود إليه. الضمادة لا زالت في يده اليمنى. الأم تتكلم أكثر. الكاميرا تعود إليه: الضمادة- للقطة واحدة فقط- أصبحت في اليد اليسرى. بعد ذلك تعود إلى اليد اليمنى!
تساءلت ما هذا؟ وحين سنحت لي فرصة مشاهدته على الإنترنت أعدت عرض هذه اللقطات البسيطة ثلاث مرّات لكي أتأكد. في مشهد واحد، بثياب واحدة، في وقت واحد من اليوم، في جلسة واحدة، تنتقل الضمادة من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى ثم تعود إلى حيث كانت. حين إنتقالها إلى اليد اليسرى تبدو اليد اليمنى عادية. في باقي اللقطات، اليد اليسرى عادية. لا جروح أو رضوض.
المسألة ليست بسيطة على الإطلاق. غلطة من النوع الذي يمكن يمكن أن يقع في فيلم روائي. أما أن تقع الغلطة في فيلم تسجيلي فإن هذا لا معنى له إلا إذا الضمادة هي لإبلاغ رسالة مثل أنه تعرّض للضرب من قـِبل قوات السُـلطة. في هذه الحالة، لم تكن يد مجدي مصابة على الإطلاق. في هذه الحالة أيضاً هناك إحتمال كذب، وفي كل الأحوال إهمال لا ريب عندي أن المخرجة ومن معها من العاملين في الفيلم انتبهوا إليها (إلم ينتبهوا لها فالوضع أصعب).

«الميدان» فيلم جديد لجهيان نجيم التي سبق لها وأن حققت فيلم إنطلاقتها عن محطة «الجزيرة» بعنوان «غرفة الكونترول» والذي نفذت منه للحديث عن الغزو الأميركي للعراق وكيف أن مكتب المحطّـة في بغداد كان مستهدفاً بحد ذاته. هنا لا حديث عن الجزيرة ولا موقفها السلبي حيال الثورة المصرية منذ بدايتها ولا كيف تحمّـست لوصول عضو الأخوان المسلمين محمد مرسي إلى الحكم، ثم انضمت إلى أولئك المحتجّـين على قيام الجيش بخلعه من الحكم بموافقة شعبية زادت نسبتها عن الـ 51 بالمئة التي أوصلت مرسي إلى الحكم.
لا يثير هذا الجانب همّ المخرجة نجيم بل تحاول في نحو ساعتين الإلمام بمسيرة الحياة السياسية من وجهة نظر الشارع الموحّـد في البداية والمنقسم لاحقاً. تنطلق من الميدان وتنتهي إليه بعد ثلاث سنوات من الثورة. تنطلق بالمرور سريعاً على بداية الثورة التي أدّت إلى الإطاحة بالرئيس مبارك وقد يكون السبب في ذلك أنها وجدت العديد من الأفلام الوثائقية سبقتها إلى خوض هذا الموضوع ولأنها تريد وقتاً أطول لمتابعة الأحداث التي لا تتوقف عن الوقوع. 
بعد مبارك تصوّر نبض الشارع السعيد بذلك، ثم تبدأ المخرجة مرحلتها الأصعب وهي تقدم (وإبراز) وجهة النظر السلبية في الفترة التي تلت ذلك مباشرة والتي مارست فيها السُـلطة العسكرية الحلول العنيفة ذاتها التي اعتمدها حكم مبارك قبل سقوطه. هذا ما يدلف بها إلى بداية الحس العام بأن حزب الإخوان المسلمين يعملون لجانب العسكر على تفريغ الثورة من مضامينها واستغلال الفترة الحرجة للتمكن من إحتلال البرلمان ثم الوصول بمحمد مرسي إلى الرئاسة.
مجال الفيلم الزمني، بعد ذلك، ضيق للتعريف الكامل بدور الأخوان المسلمين في دفع البلاد إلى الهاوية والهيمنة على شرايين الحياة على نحو دكتاتوري شامل. تختصر المخرجة كل ذلك بتقرير قصير حول كيف تصرّف مرسي حال استلامه كرسي الرئاسة وكيف عادت جموع الشعب، بالملايين منه، لإعلان حكمها السريع ضده ما أدّى إلى عزله وإلقاء القبض عليه. لكنها لا تلومه ولا تظهر الضراوة التي حاول فيها التمسّـك بالسُلطة وخروج أزلام الحزب لمهاجمة المعارضين له. 
في المقابل، وعلى العكس من ذلك، تفرد معـظم الوقت لتناول الكيفية التي واجه بها الحكم العسكري، حال خلع الرئيس السابق حسني مبارك، ثوار الميدان المطالبين برحيل الحكومة العسكرية. هذا اللا توازن يُـسجل على الفيلم الذي يدّعى أنه متوازن، وهذا الإدعاء يتخذ شكل الحديث عن الثورات الثلاث متوالية: ضد حكم مبارك (نحو عشر دقائق) وضد سلطة العسكر ثم  ضد حكم الأخوان (نحو ربع ساعة).
تم تصوير الفيلم على مراحل. النسخة التي شوهدت في مهرجان صندانس في مطلع العام الماضي لم تضم دحر الثوار حكم الرئيس الأخواني، هذا جاء لاحقاً. من حيث مستوى العمل لا ريب أن المخرجة تعرف كيف تخلق للمادة المصوّرة حضورها الصحيح.  بعض المشاهد موزّعـة على النحو الصحيح تماماً لكي تعبّـر عن المرحلة في مونتاج جيد وواع لطبيعة النظرة البانورامية التي تبغيها المخرجة. في هذا الصدد هو فيلم جيّد وما شوهد من أفلام تسجيلية أخرى من تلك المنافسة على الأوسكار يقترح أن المنافسة ستكون كبيرة. 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

0 comments: