حكاية وطن مسلوب وقّوة قاهرة في
7 Days in Entebbe
اليوم الرابع من مهرجان برلين كان تكملة ليوم ثالث حافل بالأعمال التي تستدعي الإهتمام إن لم يكن التقدير كذلك. عدد منها تعامل مع قضايا مطروحة منذ الأمس وإلى اليوم وما زالت بلا حل يٌرتجى. تحديداً ما يُـعرف بالقضية الفلسطينية. هذا الوضع الذي دفع المخرج البرازيلي جوزيه بَديّـا (لبناني الأصل من عائلة بديعة) لإعادة طرح وتصوير عملية اختطاف طائرة إيرفرانس من أثينا إلى مطار عنتابي في العاصمة الأوغندية سنة 1976 وعلى متنها 248 مسافر من بينه 102 مسافر يهودي أو بجوازات إسرائيلية.
ما أن قامت القوات الإسرائيلية بالإغارة على مطار عنتابي لانتزاع رهائنها، في عملية ناجحة عسكريا وإعلامياً، حتى قامت السينما بتتويج تلك العملية في عملين متعاقبين. الأميركي مارفن ج. تشومسكي (وهو مخرج تلفزيوني ببراعات محدودة) أخرج فيلماً بثته محطة ABC الأميركية بعنوان «نصر في عنتبي». المنتج الإسرائيلي الراحل مناحيم غولان قدم، من إخراج الأميركي مارفن كيرشنر الفيلم التالي «غارة على عنتبي» لحساب شركته كانون في العام ذاته.
بمقارنتهما (وهناك أفلام أخرى بعدهما) بفيلم جوزيه بَديّـا الحالي، وعنوانه «7 أيام في عنتابي»، يتبدى كم غرق الفيلمان السابقان في المواطنية العاطفية التي لم تأخذ في حسابها طرح أي وضع سياسي أو تتناول البعد الأساسي لما حدث آنذاك. أكثر من ذلك تعامل الفيلمان مع سيل من العواطف الهشة أو التي بدت، من كثرة التباكي هنا والفخر هناك، كذلك.
«7 أيام في عنتابي» يتناول العواطف بصدق ويضعها في إطار صحيح كونه من البداية هدف لتقديم عمل لا ينحرف عن خط وجده ملتقى لمختلف الغايات من تلك العملية. بذلك هو الفيلم الوحيد الذي لا يتحدث عن معاناة اليهود الخائفين من عاقبة الخطف، بل وجهة نظر الفلسطينيين وعضوي بايدر مانهوف الألمانية اللذان شاركا فيها.
بالنسبة للفلسطينيين فإن شخصية جابر تطرح المسألة بوضوح أكثر من مرّة. مثلاً المرّة الذي يتحدث فيها عن «الشلل الذي أصاب العقل الألماني نتيجة الشعور بالذنب» حيال ما آل إليه اليهود تحت قبضة النازيين، أو العبارة القوية التي ينطق بها قائلاً للشريك الألماني «أنت لديك وطن تكره...أنا لدي وطن أحبه لكنه ليس لي".
إشكال
يبدأ الفيلم بمشهد موسيقي مدهم: مجموعة كبيرة من راقصي الباليه الإستعراضي في إسرائيل يقومون على كلمات أغنية فولكلورية (أغنية بإسم Echad yi Yodea كما يتردد) بتقديم استعراض راقص على الكراسي. هناك العدد الموازي لعدد الراقصين وهم يتلوون عليها أو يقفزون عنها ويطيحون بحيوية ملحوظة بأجسادهم في كل إتجاه. كلهم يجيدون ما يقومون به بإستثناء راقصة واحدة تسقط أرضاً في كل مرّة.
علاقة هذا المشهد (الذي يتكرر كما يختم الفيلم بالتناوب مع عملية الإنقاذ ذاتها) تتبدى سريعاً لمن يلحظ أن السقوط يقع بعدما تدخل الرقصة فصلاً حاسماً: كل الراقصين يبدأون استعراضهم بثياب الحاخاميين وبعد حين يخلعون تلك الثياب (الرداء ثم القميص) بإستثناء الفتاة التي تقع أرضاً قبيل إتمام هذا المشهد.
الرمز هنا واضح وهو أن التمسك بالتطرف الديني يؤدي إلى السقوط. إذ يتكرر ذلك في مشاهد النهاية فإن هذه الرسالة تأتي لتغلف الإنتصار الإسرائيلي بعبثيته مؤيداً ما يطرحه الفيلم من أن ذلك التشدد السياسي ورفض الحوار المتساوي مع الجانب الفلسطيني (حسب رؤية رئيس الوزراء آنذاك إسحاق رابين) لا يمكن أن يعزز استقرار إسرائيل. في الفيلم يقول رابين لشمعون بيريز: "نحن في وسط جيران عرب وعلينا أن نتعايش معهم».
خط سير الفيلم تتابعي مقسم إلى سبعة أيام مع بعض مشاهد الإستعادة والكثير من الإنتقال ما بين عنتابي وتل أبيب. الجانب الإنساني نراه يكمن لدى الدوافع التي حدت بالفلسطينيين للقيام بتلك العملية. الجانب العسكري محدد بإقرار خطة مداهمة أثبتت نجاحها إذ لم ينتج عنها سوى قتيل إسرائيلي واحد.
اللغات المستخدمة هي، حسب حجمها من الحوار، الإنكليزية والألمانية والعربية. لكن المخرج لابد وجد أن جعل الشخصيات الإسرائيلية تتحدث الإنكليزية فيما بينها ضروري لأن المشاهد الإسرائيلية المصوّرة (في لندن كما في إسرائيل) كثيرة ما يعني أن المتلقي عليه أن يعيش نحو نصف الفيلم مع لغة صعبة التلقي وتحتاج إلى ترجمة ما يعيق وصول الفيلم وغاياته.
النهاية فيها إشكال كبير واحد: بإعادة مشاهد الرقص رغم ما تؤديه من مفاد، تشهد مشاهد انقاذ الرهائن مستعجلة وأقل إندماجاً مع قوّة ما سبق. ولكن هذا، على الأرجح، مقصود بسبب أن غاية الفيلم ليس تقديم غارة عنتابي كبطولة، كما فعلت الأفلام السابقة له، بل كحدث واحد في فصل متتابع من فصول القضية التي لم تُـحل بعد لا سلمياً ولا حربياً. لكن في كل خانة أخرى من خانات الفيلم الفنية نجاح متين في توليفته وفي صنعته.
0 comments:
Post a Comment