Ivan's Childhood
طفولة إيڤان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد: محمد رُضـا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أقل أفلام تاركوڤسكي غموضاً من دون التخلي عن خصائصه البديعة
• إخراج: أندريه تاركوڤسكي
• دراما | الحرب العالمية الثانية | الإتحاد السوڤييتي- 1962
• تقييم : ★★★★★
بدأ المخرج تاركوڤسكي أعماله السينمائية بفيلم «طفولة إيڤان» وهو لم يكن من إختياره مباشرة بل كان من المفترض بالمخرج إدوارد أبالوڤ تحقيقه لكنه لم يستطع فانسحب. أمسك تاركوڤسكي بالمادّة ومنحها الكثير من خصوصيّته. هكذا من البداية نجد أن معالم السينما الخاصّة لتاركوڤسكي موجودة وأهمية ذلك تعود إلى أنها ترسم صورة حقيقية عن الفنان ممسكاً برؤيته ومختاراً عناصرها البصرية بكل عناية. لا. ليس البصرية فقط، بل أيضاً المنتسبة الى الموضوع٠
قبل قليل، وفي الكلمة أعلاه، تحدّثت عن السينما المعادية للحرب وقلت إنه ليس ما تعرض فيها بل كيف تعرضها أساساً. «طفولة إيڤان» هو من هذه الناحية معاد للحرب رغم أن الفيلم ليس حربياً. إهتمام المخرج أنصبت على إيڤان، إبن الثانية عشر من العمر، الذي تصبح الحرب مأواه وتترك علاماتها القاسية على طفولته و-بالتالي- نموّه٠
في الوقت نفسه، هذا من أقل أفلام تاركوڤسكي غموضاً٠أدواته المستخدمة في سرد القصّة بسيطة. مفهومة ومقروءة من دون أن يكون الإنتقال منها الى صرح أعماله الأخرى إنقلاباً بحد ذاته او تغيير سلوك ومنهج بصري٠
يفتح الفيلم بفلاشباك حيث إيڤان لا يزال في الرابعة من العمر. الزمان الذي كان يعيش فيه (قبل الحرب العالمية الثانية). المكان الذي يعيش فيه (أكرانيا) دلالات موحية بسعادة غامرة وتاركوڤسكي يستخدم هذا الفلاشباك كحلم. حين نسمع طلقة رصاص لا يفيق النائم فقط، بل نفيق نحن معه. الثانية التي تنقلنا من اللقطات الأولى الى الأخرى الجديدة تحدث ما هو متوقّع منها: تركنا لعالم لم يكتمل معالمه (لم نكن نعلم أنه فلاشباك) ودخولنا الى عالم آخر أيضاً لا نعرف شيئاً عن معالمه٠ أيضاً الفلاشباك الذي نراه هو حلم إيڤان. إنه الصبي الذي كان يسترجع ماضيه حلماً. في العادة نحلم بحياتنا السابقة صغاراً ونحن مستيقظين. أحياناً ما نتحدّث عنه لمن معنا. نادراً ما نحلم حين كنّا صغاراً، ذلك أن الحلم ليس الذاكرة. لكن عند تاركوڤسكي سعي للدمج قد لا تكون علمية، لكنها مفيدة وفي مكانها (إذ تقع في مقدّمة الفيلم) تماماً٠
في ذلك الإسترجاع الحلم نتعرّف على أم إيڤان (إرما رايوش تاركوفسكايا التي أصبحت زوجة تاركوڤسكي بعد الفيلم) والعلاقة الحانية بين أم وطفلها ستميّز أعمالاً أخرى لتاركوڤسكي. حين يستيقظ إيڤان (كما يؤديه
نيقولاي بيرلياييف الذي يبلغ اليوم الثالثة والستّين من العمر (إذا ما كان لا يزال على قيد الحياة) ، نراه في وقته الحاضر إبن إثنا عشر سنة ومن دون أم. بهذا الإختصار يوجز تاركوڤسكي وضعاً عاطفياً إنسانياً رائعاً: السنوات الحلوة لتاركوڤسكي هي تلك التي كان فيها مع والدته. الآن حالة أخرى والرصاص المندلع من مكان قريب مسموع هو الند لتلك الحالة العاطفية الإنسانية٠
نحن الآن في رحى الحرب. إيڤان عين روسية في الخطوط الألمانية لصغر سنّه ولمعرفته بالمنطقة الحرشية التي تقع فيها الأحداث. لا يستطيع الوصول الى حيث رئيسه المباشر كاتاسونيتش ستيفان كريولوف) فيغيّر من خطّته ويصل الى موقع روسي آخر يشرف عليه الضابط غالتسيف (إيڤيني زاريكوف) الذي يقرر إرسال إيڤان للمدرسة العسكرية بعيداً عن خطوط القتال. قبل أن يفعل ذلك القيادة تريد إيڤان القيام بمهمّة أخيرة٠ في الوقت الذي يستعرض فيه تاركوڤسكي قصّة الصبي يمد الحكاية بقصص أخرى ثمينة. »طفولة إيڤان« في مجمله ليست عن طفولته التي ضاعت فقط ، وليس عن براءته التي فُقدت عندما قتل النازيون والده وأمه وشقيقته (لاحظ أن تاركوڤسكي هو أيضاً إبن عائلة من أربعة بمن فيها شقيقة)، بل عن صعوبة الإنخراط في الحياة الطبيعية حين تتبدّى. الضابط المسؤول يهيم بفتاة القرية القريبة وحين تُتاح له فرصة مضاجعتها ينسحب لا عجزاً جنسياً ولكن عن عجز نفسي. نتيجة فقدانه -بدوره- براءة مماثلة. روحاً عاطفية تستطيع أن تتمادى الى حالة حب جسدية٠
لكن عالم إيڤان نفسه هو المحور وعلاقته بثلاثة مذاهب من التفكير بين ثلاثة قياديين في حياته (المسؤول الأول عنه، الضابط ومسؤول الضابط) وعن كيف يصبح هذا المحور موضع نقاش تفرضه الحاجة إلى إيڤان جندياً في مقابل رغبة الضابط إبعاده تماماً عن الجبهة. إنه إيڤان الذي يصر على البقاء كما لو أنه قبول بالمستقبل الداكن الذي سنكتشف لاحقاً بأنه ينتظره. تلك المهمّة الأخيرة تضمّه وضابطه وآمر الفرقة في رحلة الى الشاطيء الآخر من نهر دنيستر حيث تكمن القوّات الألمانية. الغاية منها العودة بجثّتي جنديين روسيين تم شنقهما. الضابط وآمره يعودان من المهمّة سالمين. إيڤان لا يعود ولاحقاً ما تكشف أوراق وجدها الضابط أن إيڤان مات مشنوقاً ٠
رغم ذلك، نهاية الفيلم هي حلم آخر لإيڤان- من دون أن تكون هناك لحظة يقظة منه. في الحلم نراه يلعب وفتاة من عمره. إنه تكملة لحلمه السابق الذي استيقظ منه. هذه المرّة لا يقظة من الحلم٠
النظرة التي يرسمها الفيلم هنا ذات وجهين: حانية وإنسانية من ناحية وداكنة ومفرّغة من الإنسانية تماماً من ناحية أخرى والناحيتان لا فصل بينهما. لو كان لداوم المخرج الإنتقال بينهما، لكن تاركوڤسكي يظهرهما واحداً وهو وإن يتحدّث عن جانبي الحرب (الروس والألمان) الا أنه ينظر الى الأعداء من الزاوية الطبيعية الوحيدة وهي تلك التي تكوّنت عند إيڤان بفعل تفريغ الحرب للبراءة منه، وبالتالي للقدرة على كره الحرب وليس كره الجندي على الخط المقابل منها والذي -بدوره- ليس لديه قرار بل فُرض عليه الدور الذي يؤدّيه٠
وكلمة أخرى هنا بالنسبة لما سيشكّل مستقبل تاركوڤسكي نفسه: الطبيعة الموحشة في هذا الفيلم في المكان الأول هي الوعاء الذي تعيش فيه الشخصيات. أفلام تاركوڤسكي جميعاً ستحتفي بالمكان على نحو خاص- حتى ذاك الذي في فيلمه الخيال- العلمي »سولاريس«٠ وسآتي على ذكره حين الوصول إليه٠
______________________________________________
©
كل الحقوق محفوظة للمؤلف بحكم قانون الملكية البريطانية
2007-2017
All rights are reserved by Mohammed Rouda
______________________________________________
0 comments:
Post a Comment