ISSUE 10 | Cannes 74 | La Dolci Vita | The Internationl | John Huston's Documentary | Jim Abrahams | بلطية العايمة

A Weekly Journal on Film Criticism| Editor: Mohmmed Rouda




أفلام
العدد


المهنة: ناقد
ما هو أوّل مهرجان حضرته في حياتي؟ كيف وصلت؟ وماذا شاهدت؟ وماذا أخبروني
في »كان« حين سألت متى تتم دعوتي على حساب المهرجان؟
.......................................................................................................
أفلام حديثة
هبة الله يوسف تكتب عن فيلم »بلطية العايمة« حيث بلال فضل يسرق من نفسه
وزياد عبد الله يلقي نظرة على »الدولي« حيث يحقق كلايڤ أوون في جرائم مصرفية٠
.......................................................................................................
قراءة فيلم
محمد رُضا يتحدّث عن فيلم فديريكو فيلليني الرائع »لا دولتشي ڤيتا« المليء إرهاصات
ورموزاً ومرحاً ساخراً. فيلليني في أوجه٠
.......................................................................................................
سينما تسجيلية
حين طلبت الإدارة العسكرية من جون هيوستون إخراج ثلاثة أفلام حربية تعكس إيمان
الجندي الأميركي ودوره في الحرب العالمية الثانية، وافق المخرج بحماس ثم اكتشف شيئاً
أثّر على وجهة نظره. هنا القصّة الكاملة لأفلام أريد لها أن تخدم المجهود الحربي فانقلبت
عليه٠
.......................................................................................................
استعادة
عند البعض هو تحفة صغيرة، لكنه في مجمله عمل سوريالي له بعض تلك الحسنات المتعلّقة
بنوعية طروحاته ومجابهاته ضد السائد..... نتحدّث عن فيلم لوي بونويل وسلڤادور دالي
المشترك: »الكلب الأندلسي«٠
.......................................................................................................
كل ما شاهده الناقد من أفلام٠٠٠٠
كان لابد من أن يأتي العدد الذي أكتب فيه عن مخرج رديء.. لكني لم أعتقد أنه سيكون
عدداً مبكراً٠



المهنة: ناقد | كلام وذكريات في الأفلام ومهرجانات السينما٠
.......................................................................................................
المخرج هال آشبي (اليسار) يتحدّث وجاك نيكولسون وأوتيس يونغ خلال تصوير
The Last Detail

في ربيع العام 1974 حصلت على أول جواز سفر. بعد أيام كتبت الى مهرجان »كان« السينمائي رسالة بعثتها عن طريق الملحق الصحافي في السفارة الفرنسية٠ وبعد أسبوعين او ثلاثة اتصل بي المكتب الصحافي وأخبرني أنه تلقّى جواباً بدعوتي للمهرجان الفرنسي الذي كانت كل معلوماتي عن أفلامه في دوراته السابقة مستقاة من كتابات الزميل الراحل سمير نصري الذي كان يؤمّه كل عام .... او على الأقل يؤم نصفه ويؤم الناقد الفرنسي جان-بيير غوبلتان نصفه الثاني. فالدعوة كانت لشخص واحد والإثنين كانا يعملان في صحيفتين تصدران من دار نشر واحدة هما "النهار" و"لوريان لوجور" لكن ربما أمضى سمير أياماً على حسابه قبل او بعد مدّته. لكن دعوتي لم تكن دعوة حقيقية. هي منذ ذلك الحين مثل الدعوات الصحافية التي يوجهها كان لمعظم النقاد والصحافيين: تأتي على حسابك وكل ما نمدّك به هو بطاقة دخول. لكن إحدى المؤسسات العاملة ضمن المهرجان كانت اختارت من بلدان العالم الثالث، كما كانت تُسمّى حينها، مدعوّاً (بالإقامة فقط) واحداً. من لبنان سمير وجان بيير بالتناوب (كشخص واحد) من مصر سمير فريد ومن الهند. وحين سألت المسؤولة الصحافية بعد نحو خمسة عشر سنة من ترددي متى أستطيع استلام دعوة مدفوعة قالت لي بدون أن يرتجف لها جفن: حين يموت من ندعوه من لبنان تتقدّم بطلب الحلول مكانه. بدا ذلك لي أمراً خطأ ولم أقدم عليه حتى بعد وفاة الزميل٠

ذهبت في اليوم التالي لاستلامي "الدعوة" او بالأحرى الموافقة، الى السفارة الفرنسية لاستحصال الفيزا فواجهني موظّف (لبناني مثلي) لئيم رفض منحي إياها رغم الموافقة التي في يدي٠ كان جافّاً وعنصرياً وربما كان عضواً في حزب الكتائب الفاشي حينها... لا أعلم. طلبت منه أن يتّصل بالملحق الصحافي فرفض٠ تركته واتجهت الى أول هاتف عمومي واتصلت أنا بالملحق الصحافي (فرنسي) وأخبرته ما حدث وسألته إذا ما كان يريدني أن أعود غداً. قال "لا. عد الآن" لم أكن بعيداً فعدت لتوّي ودخلت ووجدت الملحق الصحافي يصرخ في وجه الموظّف وقد حمل نسخة من الموافقة٠
شكرته وذهب وقام الموظّف ووجه يقطر سمّاً بتسليمي فيزتي٠
كانت هذه أوّل سفرة الى بلد أوروبي ونزلت في باريس وتعلّمت كيف آخذ القطار الى »كان« لكني نزلت في بلدة في وسط الجبال على بعد ساعتين بالخطأ. كان الوقت باكراً جلست في أحد المقاهي (أعتقد أن المقاهي الفرنسية وُجدت قبل فرنسا) وعدت الى القطار اللاحق وأخذته فوصلت في اليوم الأول من العروض الكاملة، أي بعد يوم الإفتتاح٠
لم أكن أعرف ما هو الحجز. ودرت من فندق الى آخر لثلاثة أيام قبل أن أجد غرفة كانت محجوزة ولم يحضر صاحبها٠ هذه أربع أيام شاهدت فيها فيلمين او ثلاثة. لكن ما أن أستقرّيت حتى ترددت الى الأفلام مثل نحلة وسط الزهور٠

لم أكن أعرف وقتها ديريك مالكولم شخصياً. كنت قرأت له بعض المقالات حين اشترك في الكتابة في مجلة
Monthly Film Bulletin
وحدث أن كان أوّل فيلم شاهدته خارج المسابقة بعنوان
The Gravy Train
لمخرج أسمه جاك ستاريت... وأعتقد أنك لابد تعرف جاك ستاريت إذا ما شاهدت فيلم تد كوتشيف
First Blood
بطولة سلفستر ستالون. جاك ستاريت هو رجل البوليس السادي الذي يريد أن يحلق لرامبو/ ستالون على الناشف والذي يستقل طائرة هيلوكابتر في أعقاب ستالون الذي هرب من مركز البوليس بإتجاه الجبل. يبدأ بقنص رامبو، لكنه يسقط من الطائرة ويلقى حته٠ وكنت شاهدت من إخراج ستاريت عدّة أفلام حققها بعضها أفضل من بعض لكن لم يكن منها (الى حين »قطار الهلاك«) ما هو جدير بالحفظ في البال، الا في بال مجنون مثلي٠
حين تعرّفت على ديريك سألني أي أفلام أعجبتني الى الآن فتجرأت وذكرت له هذا الفيلم البوليسي (مع ستايسي كيتش ومارغوت كيدر) فوجدت حاجبيه يرتفعان وينظر اليّ مندهشاً ثم يضحك ويمضي بعيداً. لابد أنه قال لنفسه: لا أصدّق أن هذا الولد جاء الى كان لكي يُعجب بفيلم لجاك ستاريت٠
احتوت مسابقة المهرجان في تلك الدورة على ثلاثين فيلم شاهدت منها إحدى عشر فقط لكن بعض ما فاتني منها، مثل »علي: الخوف يأكل الروح« ڤرنر فاسبيندر و»لصوص مثلنا« لروبرت ألتمن، شاهدته لاحقاً في مناسبات أخرى٠
أفلام المسابقة التي شاهدتها في مرّتي الأولى في كان هي من دون أي ترتيب
ساعة التحرير دقّت برّا يا استعمار | هيني سرور (لبنان) ***٠
أبو البنات | موشي مزراحي (اسرائيلي) **٠
The Sugerland Express | Steven Spielberg (US) **
شوغرلاند أكسبرس لسبيلبرغ في مطلع عهده بالشهرة٠
The Last Detail | Hal Ashby (US) ****
»التفصيلة الأخيرة: الإنتقادي الهاديء والجميل الذي شاهدته ثلاث مرّات بعد ذلك
Stavisky | Alain Resnais (France) ***
ستاڤيزكي: ليس النوع المعتاد من ألان رينيه لكنه من خامته مع جان-بول بلموندو في الدور الأول٠
The Adventures of Huckelberry Finn | Georgi Daneiliya (Russia) ***
مغامرات هكلبري فِن: سألت نفسي ماذا يفعل مخرج سوڤييتي (حسب آنذاك) برواية أميركية؟
The Last World | Binka Jeliaskova (Bulgaria) **
العالم الأخير: أول فيلم بلغاري شاهدته في حياتي. حكمي هنا حسب تلك المشاهدة اليتيمة ولا يمكن لي الدفاع عنه٠
Mahler | Ken Russell (UK) ****
مولر: عن حياة الموسيقار من المخرج الذي كان يصنع دائماً أفلاماً مجنونة٠
The Conversation | Francis Ford Copolla (US) ****
المحادثة: لا يزال تحفة بديعة مصنوعة بإتقان غريب٠
Delitto D'Amore | Luigi Comencini (Italy) **
بعد الحب: أعتقد أنني شاهدت الفيلم لأجل ستفانيا سندريللي ليس بسبب مخرجه الذي كنت شاهدت له عدداً وفيراً من الأفلام في بيروت آنذاك٠
Milarepa | Liliana Cavani (Italy) **
ميلاربا: وضعت بجانب العنوان نجمتان وخلدت الى النوم. لا أذكر عنه أي شيء آخر٠
Les Autres | Hugo Santiago (France) ***
الآخرون: رواية الأرجنتيني جورج لويس بورجيز تحت إدارة الأرجنتيني أوغو سانتياغو أمينة ومختلفة عن نسخة الأسباني أليخاندرو أمينا بار الأفضل٠
Les Violons du Bal| Michel Drach (France) *
كمانات قاعة الرقص: كان هذا أوّل فيلم أشاهده لميشيل دراش وحرصت أن يكون الأخير، لكني شاهدت بعده فيلمين رديئين آخرين من أعماله٠

الجائزة الكبرى ذهبت لفيلم »مولر« لكن راسل وتقاسم فيلم »المحادثة« لفرنسيس فورد كوبولا الجائزة الثانية، جائزة لجنة التحكيم الخاصّة، مع فيلم »زهور الليالي العربية« لبيير باولو بازوليني (إيطاليا) الذي لم تتح لي مشاهدته الا في لندن بعد عشر سنوات٠

أفلام حديثة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلطيّة العايمة
إخراج: علي رجب
تمثيل: عبلة كامل، حسن حسني، ، سامي
العدل، مي كسّاب٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبلة كامل أفضل ما في هذا الفيلم الذي يجتر فكرته
نقد: هبة الله يوسف (القاهرة)٠



في الإعادة إفادة.. مقولة يؤمن بها، فيما يبدو، السيناريست بلال فضل، بدليل أن أحدث أفلامه "بلطية العايمه" لا يختلف كثيرا عما قدمه في مسلسله التلفزيوني "هيما" الذي عرض برمضان الماضي ، أو غيرها من الأعمال التي ترصد حياة أولئك الذين أجبرتهم الحياة للعيش علي هامشها٠
والتكرار لا يتعلق بالفكرة فقط ولكن بإسلوب التناول أيضا والذي لم يأت بجديد، فدائما هناك "سوبر مان" كما في هذا الفيلم، عبلة كامل التي تتصدى لممثل الشر (سامي العدل) رجل الأعمال الذي قرر أن يواصل مشاريعه الإستثمارية حتى لو كان ذلك علي أشلاء أولئك الذين ارتضوا بالهامش طالما يوفر لهم الستر والأمان ، حيث يطمع في قطعة أرض بإحدي الأحياء الشعبية الفقيرة في الإسكندرية لأنها تطل علي موقع متميز علي البحر كي يحولها لفينسيا أخري، أو "بورتو الماكس" وبالطبع بقية القصة يمكن استنتاجها فالبطلة ترفض الاستسلام وتواجهه بتحدي رغم كل ما يحدث لها و حتى بعدما تقرر الاستسلام في النهاية يضيع حقها قهرا لا اختيارا، ولا يبقي أمامها سوي البحر ترمي أحزانها وسط أمواجه و تحتمي به و برماله ٠
التكرار الذي لم ينجح بلال في الإفلات من حصاره لم يمنعه من تقديم بعض اللمحات الإبداعية ، ساعد علي تميزها كاميرا محسن نصر و أداء عبلة كامل المتميز دوما و القادر علي إضاءة أي مساحة تعهد لها، وربما في مقدمتها مشهد النهاية بكل مأساويتة، و كيف تنجح عفويتها في التواءم سريعا مع المتاح، فطالما هناك بحر لا يوجد ما يقلق و كأنه الشىء الوحيد القادر علي توفير الحماية لها، تماما مثل السمك الذي لا يستطيع العيش بعيدا عنه، كذلك مشهد الاحتفال بفوز المصور والذي كان قد شارك بصورها في احدي المسابقات الدولية، فنجدها رغم الحاجة وانتظارها لأية مكافأة مالية تحمي من جوع بدلاً من كل ما سمعت من تحيات ومكافآت معنوية، إلا أنها رغم إحباطها الشديد من ذلك تكابر، وتتحدث بكبرياء الفقراء الطيبين المعتدين بأنفسهم وأصالتهم، وتغادر المكان ومعها أطفالها وأختها "موجة" (مي كساب) مواصلة نضالها المستحيل مع الحياة٠
اللمحات المأساوية في الفيلم لم تمنع أبطاله وعلى رأسهم عبلة من البحث عن "الإفية" بغض النظر عن مدي تفاعله مع الأحداث أو ما يمكن أن يضيفه لها، وكأن هناك عقد بين نجوم الكوميديا و الجمهور يدفعهم لتخليق مساحات في الدراما يمكن "تعشيق" الإفيه فيها، ما يؤكد أن "الضحك" دوما هو الهدف وليس ما تطرحه تلك الأفلام من قضايا بفرض وجودها أصلا.
إبداع عبلة وقدرتها علي تجسيد معاناة امرأة تصارع بأطفالها من أجل البقاء، وكيف يمكن أن تقتنص لحظات سعادة رغم كل ما يحيط بها من مشاكل وفقر، يوازيه إبداع كاميرا محسن نصر ليس في ترجمة تلك الانفعالات و غيرها من المشاهد، ولكن في تقديم صورة مختلفة عن الإسكندرية ، صورة "بكر" شديدة الطزاجة ، تدفعك دفعا لأن تقع في غرام هذا المكان بكل ما فيه من سحر و غموض ، اسكندرية مختلفة عما طرح في السينما المصرية من قبل، صحيح هناك شط وبحر و رمل، وكورنيش أيضا، و لكن كأننا نراهم بشكل مختلف، يمتزج فيهم معاناة هؤلاء الذين يلتقطون بالكاد رزقهم منه٠

"بلطية العايمة" هو اللقاء الثالث بين مؤلفه بلال فضل، و مخرجه علي رجب ، بدأت بـ"صايع بحر" ، ثم "خالتي فوزيه"، وفي هذه اللقاءات كانت الأسكندرية أيضا سيدة الموقف، صحيح لم تكن بطلة الأحداث كما في فيلمهم الأخير، ولكنها دائما حاضرة وبقوة، تماما مثل الضحك المخلوط بالبكاء و الهموم، وكلها تجارب رصدت حياة هؤلاء الذين أجبروا قهرا علي العيش علي هامش الحياة، وفي كلها أيضا كان النص هو البطل ولم تكن هناك لمحات إخراجية يمكننا التوقف عندها، ولكن اذا ما قورنت هذه الأعمال بما قدمه رجب بعيدا عن بلال، تحديدا في لقاءه مع محمد سعد، فإننا هنا أمام مخرج يعرف كيف يجمع ما يضيف لفيلمه من عناصر فنية من موسيقي، ديكور و مونتاج وغيرها، وهو ما لا يتوافر و لن في تجاربه مع سعد أو غيره من نجوم الكوميديا الذين يبحثون عن "محلل" وليس مخرج٠

كُتب خصيصاً لـ فيلم ريدر٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
THE INTERNATIONAL (2009)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: توم تايكڤر
أدوار أولى: كلايڤ أووَن، ناوومي واتس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البنك له وظائف عديدة من بينها الإرهاب- يقول فيلم توم تايكڤر الجديد
نقد: زياد عبد الله (دبي)٠


يمكن مقاربة فيلم "الدولي"، المعروض حالياً في دور العرض المحلية، من جانبين: الأول متعلق بالراهن، والثاني أقرب إلى الأكشن والاستمتاع بحركية الفيلم العالية التي لا تبعده عن أي فيلم من هذا القبيل، والتعرف إلى جديد المخرج الألماني توم تايكفر وهو يخوض غمار أفلام الحركة، مع استعادتنا فيلمه الذي عرف فيه «اركضي يا لولا اركضي»، وما عرف به أكثر أي «العطر» فيلمه المأخوذ عن رواية زوسكيد الشهيرة.

المقصود بالراهن يكمن في الأزمة الاقتصادية الحالية، وارتباط الفيلم بالمصرفيين الحاضرين بصورة الجشع التي كانت السينما حريصة على أن تكون تلك الصفة لصيقة بهم في ما مضى، وخصوصا ونحن نسمع في هذه الأيام عن رفض مدير بنك تنفيذي خفض راتبه التقاعدي الذي يتخطى المليون دولار، وغير ذلك مما تشكله البنوك العالمية من سلطة لها أن تغير وجه الكرة الأرضية٠

من هذه السُلطة ينطلق فيلم «الدولي» وعبر حبكة بوليسية يسعى من خلالها اكتشاف الواقفين خلف اغتيالات متكررة، ومعلومات خارقة غير مسموح لأحد الاطلاع عليها، وبالتأكيد مع وجود بطل سيتكفل بذلك، وامتلاكه كل العناد والإصرار للمواصلة إلى نهاية وتحقيق غايته في الكشف عن الحقيقة.هذا البطل سنعثر عليه في لويس (كليف أوين) عميل الإنتربول الدولي، ونحن نراه يشهد بأم عينه مقتل زميل له كان يقابل شخصاً يعده بتسليمه وثائق غاية في الأهمية، متعلقة بأنشطة «البنك الدولي» المشبوهة، لكن موت هذا الزميل يكون بنوبة قلبية، ومن المفترض أن يكون ذلك طبيعياً. وسرعان ما سيكتشف لويس أن مقتل زميله كان بفعل فاعل، وليتبع ذلك مقتل من كان يفترض أن يسلمه تلك الوثائق بحادثة سيارة، ومن ثم عملية اغتيال كبيرة لصاحب معمل أسلحة إيطالي ومرشح قوي لرئاسة الوزراء، ولتتشابك تلك الخيوط تحت مرأى لويس ومعه المحققة مساعدة النائب العام أليانور (نعومي واتس) والتي تشير إلى جهة واحدة تقف خلف كل ذلك، ألا وهي «البنك الدولي»، كما يطلق عليه في الفيلم الذي يضعنا مباشرة أمام الدور الذي يلعبه هذا البنك في الصراعات والانقلابات في العالم، وخصوصا أن تاجر الأسلحة الإيطالي يفشي للويس وإليانور بأسرار صفقات الأسلحة، والدور الذي يقوم به البنك، وغير ذلك من ملابسات ستتضح أمامنا في النهاية٠

مقولة الفيلم واضحة ومباشرة ولعلها معروفة، تتمثل في أن هذا البنك مثال على سلطة رأس المال الذي يقرر في النهاية كل شيء على سطح الكرة الأرضية، وأنه ـ أي البنك ـ مستعد لأن يكون منظمة إرهابية لا تتوانى عن القتل والتدمير متى اعترض طريقها شيء، وهي تلعب دور الوسيط في صفقة تاجر أسلحة تركي تشتري بموجبها سورية وإيران صواريخ، يكون البنك وتاجر الأسلحة قد باعا مضادات لهذه الصواريخ لإسرائيل قبل ذلك، وعليه يكون المال هو المهم، وتأجيج الصراعات حول العالم، من دون خاسر أو رابح إلا في ما يتعلق بالمال، كما أننا نرى مدير البنك يجتمع إلى زعيم مليشيا عسكرية إفريقية واعداً إياه بالدعم الكامل إن كان في طريقه إلى القيام بانقلاب عسكري على الحكومة.

يترك الفيلم في نهايته التي تكون بمقتل مدير البنك على أيدي أبناء تاجر السلاح الإيطالي، الباب مفتوحاً أمام مدير جديد سيكرر الشيء نفسه، والعمليات القذرة ذاتها، كما أن كل ما في الفيلم يجمع في النهاية على أن تصفية المسؤولين عن البنك لن تنهي المشكلة، فسرعان ما يأتي غيرهم.

يبدو أن مقولة «رب ضارة نافعة» تنطبق على فيلم «الدولي» الذي لولا ما يعصف بالعالم من أزمة مالية ، ما كان له أن يتيح مقاربته إلا بوصفه فيلم «أكشن» يعتمد على مواجهة بطل لمجموعة من الأشرار استغلوا مناصبهم، أو كانوا مصدر شرور العالم بالتآمر على البلدان والشعوب، وفي إحالة لم تكن في وارد صناع الفيلم ومنتـجيه، أن الأزمة تـبدأ من هنا، وكل شيء يدعو إلى الشك والريبة بالأعمال المصرفية.

كُتبت للإمارات اليوم في دبي ويُعاد نشرها هنا بموافقة المؤلّف٠ *


تحليل فيلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
LA DOLCI VITA (1959) *****
الحياة حلوة ..... او سخرية فديريكو فيلليني من الحياة ومن حلاوتها
محمد رُضا


صوّر فديريكو فيلم »الحياة الحلوة« او »اللذيذة« بعد أفلامه الخمسة الأولى وهي
The White Sheik (1953) ***
I Vitelloni (1953) ***
La Strada (1954) ***
Il Bidone (1955) ---
Nights of Cabiria (1857) ***
وهي أفلام استقبلت جيّداً من قبل قطاع كبير من النقاد وبحذر من قبل فريق آخر- يعتمد ذلك على الموقع السياسي لكل فريق بإعتبار أن الكاثوليكيين واليمينيين فريقين محافظين بينما اليساريين والليبراليين هم أكثر انفتاحاً على الأعمال ذات النَفَس التجديدي المختلف- وهذا هو شأن فديريكو في تلك الأثناء: نَفَس تجديدي مختلف٠
هذا الفيلم كان أكثر من ذلك والمعارضة التي حصدها من قبل النقاد في مطلع الأمر كانت أشد حتى بين المنفتحين على تجاربه عادة. يحكي فيلليني أنه ذات مرّة -بعد عرض هذا الفيلم سنة 1959 مر بكنيسة في بلدة صغيرة فوجد على بابها عبارة تقول: "اللهم اهدي فديريكو فيلليني". وهناك قصّة الرجل الذي بصق على وجهه حين خروج فيلليني من العرض الأول للفيلم وقال له: "لقد مرغت إيطاليا في الوحل". ثم هناك أم فيلليني التي امتنعت عن الحديث إليه سنوات بعد إتمامه الفيلم٠ وبعد سنة من خروج »الحياة الحلوة« كان أنطونيوني أنجز »المغامرة« الذي جذب النقّاد الذين هاجموا فيلم فيلليني٠
لكن لاحقاً ما تبلور وعي عام حيال هذا الفيلم واعاد النقاد تقييمه (او تقييم ما كتبه بعضهم سابقاً) واستخلصوا تلك الحسنات غير المضاءة التي يحويها. إنه قصّة إنسانية في عالم غير إنساني يحمل نقد المخرج لإيطاليا التي لا يرى فيها أملاً. إنها، كما قال حينها، مثل مركب يغرق وهناك على الشاطيء يقف آخرون شغوفين بالفرجة٠
وهو قال أيضاً في معرض تقديم فيلمه ذاك: "أعظم قيمة للإنسان هو أن تحب جارك. أكبر عيوبه الغرور" وأضاف: " هناك خط روحي أفقي يمتد من الوحش الى الملاك وعلى هذا الخط نُقاس. كل يوم، كل لحظة تحمل احتمال أن نخسر بإنزلاقنا صوب الوحش"٠



تمثال المسيح الطائر
يتكوّن الفيلم من قصص تمشي متوازية ومتحدة وتشترك في نسيج فيلم غير متقطّع. بناء المخرج لها ليس على أساس فصول درامية (لا تبدأ كل قصة وتنتهي بنقطتين محددتين) بل على أساس فصول تتبع تنظيماً فنياً من عند المخرج

في المقدّمة يبتدع فيلليني مشهداً طويلاً لتمثال السيد المسيح وهو محمولاً بحبال مربوطة بطائرة مروحية ترتفع ثم تطير فوق المدينة في طريقها لكنيسة في روما (سان بيتر). الكاميرا تلتقط المشهد بعدة لقطات كلّها تكشف عن روما قديمة مليئة بأنقاض الأمس وبالعمارات السكنية غير الجميلة على حد مساو٠ إنه القديم العريق حيال الجديد الذي لا روح فيه وهذه مقارنة ترد في العديد من أفلام المخرج٠
يواكب المنظر الصحافي مارشيللو روبيني (مارشيللو ماستروياني) من طائرة أخرى. إذ يطير المسيح معلّقاً، كما توحي اللقطة، نرى فتيات على إحدى الشرفات (كن مستقليات في حمّام شمس) يثرنهن المنظر كمناسبة للفرجة. مارشيللو يحاول استغلال الفرصة للتواصل معهن لعله يفوز بموعد غرامي مع واحدة منهن٠
لكن غاية فيلليني في هذا المشهد الإفتتاحي اللافت ليست فقط إظهار الماضي والحاضر كنقيضين، بل إظهار الناس في ترفها اليومي والنظر الى المسيح كـ.... تمثال٠ ومن ناحيته فإن مارشيللو لا علاقة له مع كل شيء سوى أنه يشهد خبراً يوفّر له مادّة صحافية فريدة كونه الوحيد الذي يتابع رحلة المسيح معلّقاً بالطائرة٠
لكن هناك أكثر: حين تنظر الى الفيلم ستجد أن فكرة نقل تمثال للمسيح من مكان الى مكان بالطائرة تحمل معنى رمزياً غير خاف: هناك روحاً كاريكاتورية تتسرّب من الموقف. المسيح يستخدم طائرة لكي يطير. المدينة بلا روح دينية صميمة بحيث أن الطريقة الوحيدة لكي ينتشر المسيح فوق أرجائها هو »تطييره« صناعياً٠
لكن أي مسيح هذا الذي يقصده؟ مسيح جامد يمكن أن يكون أي قطعة أثرية أخرى، او حمولة ثقيلة ما لا يمكن نقلها من مكان لآخر الا بحملها من الطائرة٠ إذاً فيلليني يعرض في مشاهده هذه جانبين: مسيح بلا مسيحيين ومسيح بلا دور. غير قادر على تفعيل ذاته٠

إيما تنتحر
المزيد عن الصحافي مارشيللو بعد هذا التقديم. صحافي يكتب عموداً من أخبار الفضائح من النوع الباحث عن مصلحته الشخصية في كل شيء (بدءاً بالمشهد السابق) ونحن سريعاً ما سنراه يبحث عنها وسط علاقتين: واحدة مع إمرأة ثرية أسمها مادالينا (أنوك أيمي) والأخرى مع عشيقته (التي نفهم على ما أعتقد أن علاقته بها هي سابقة) أسمها إيما (إيفون فورنيو)٠ هو أيضاً يبحر بين عالم الخلفية الإجتماعية المتواضعة التي جاء منها، وبين تلك الثرية التي يرنو إليها ولا يستطيع التمتّع بها الا على حساب إنسانيّته ومهنته٠
مشكلة مادالينا التي تتبلور قبل غيرها تكمن في أنها إمرأة تستطيع ممارسة الجنس مع من تختار، لكنها تبحث لا عن الرجل بل عن الحب٠ في بحثها تلتقي بمارشيللو ( الذي لديه أجندة خاصّة من وراء تلك العلاقة تكمن في بحث مناقض) وتطلب منه ممارسة الجنس على سرير إحدى العاهرات. بذلك هي تخلط بلا رؤية بين الجنس والحب وقتما تحاول التفرقة بينهما٠
حين يعود مارشيللو الى صديقته إيما يكتشف إنها حاولت الإنتحار بعدما أيقنت إنها قد تخسره. هنا بداية ملاحظة فنية عامّة. الفصل الأول ( التمهيدي) نهاري٠ الفصل الثاني (كل فصل من هنا وصاعداً يمتد من ربع الى نصف ساعة في فيلم وصلت مدّة عرضه الأولى الى نحو ثلاث ساعات) ليلي وهذا الثالث الذي يعود به مارشيللو الى صديقته إيما ويجدها على رمق الحياة نهاري. ينطلق مارشيللو بها الى مستشفى (كاثوليكي) لإسعافها٠ المستشفى النظيف وذي الألوان البيضاء غالباً فيه لمسة من البرودة الناتجة عن اللون وعن المسافة المصمّمة ما بين مارشيللو والراهبة التي تقوم بالإشراف على العناية بالمريضة٠
هذا يتزامن مع وصول الممثلة الهوليوودية سيلفيا (أنيتا إكبرغ) التي يسارع الفيلم لتقديمها كما متوقّع: ممثلة أميركية مغرية الجمال سعيدة بمعاملتها نجمة. لقد جاءت لتدخل تصوير فيلمها المقبل الذي هو فيلم ملحمي- ديني وعلى الطريق تلحظ شيئاً لا تلحظه في هوليوود: الدجاج. تشير بيدها
حين تمر السيارة بها كما لو شاهدت ديناصوراً عائداً من غابر العصور٠
في المؤتمر الصحافي المعقود للممثلة يستلم مارشيللو مكالم هاتفية من إيما التي عادت الى شقّتها الكئيبة والصغيرة. إنها تدعوه إليها. وحيدة وبحاجة للحب وتريد التأكيد لنفسها أن مارشيللو لا يزال لها٠ لكن مارشيللو مشغول. عمله، يقول لإيما، يتطلّب منه ملاحقة سيلفيا طوال اليوم٠

الرجولة
حقيقة أن المخرج كاريكاتوريست من باب أوّل تفسّر اللكمات التي يوجهها المخرج الى شخصياته حتى الآن. مارشيللو القريب من الوحش. إيما القريبة من الملاك والشخصيات الأخرى التي بين- بين٠ الصحافيون اللاهثون بأفواه مفتوحة للمساعدة في تشييد عالم من الهالات الإعلامية الفارغة. المصوّرون الراكضون في كل إتجاه (نراهم في أكثر من مشهد في الفيلم) سعياً وراء اللقطة التي بلا روح٠ ثم - وبعد تقديم مادالينا الباحثة عن الحب من دون أن تعرف ماهيّته- ها هي سيلڤيا تقول أيضاً أن الحب هو كل ما يمهّها. هي أيضاً تخلط بين الحب والجنس حين يسألها صحافي ماذا ترتدي حين تذهب للنوم فتقول: نقطتي عطر ٠
من مشهد يقدّمها لنا كرمز جنسي يتمنّاه الرجال (بموضة تلك الأيام على الأقل) الى مشهد آخر له سلسلة من التداعيات. ليست كثيرة لكنها محسوبة٠ سيلڤيا بصحبة مارشيللو (الذي يبدو أن لديه طريقة في التعرّف على النساء متجاوزاً عائق إنه صحافي والممثلات عادة ما يتجنّبن الخروج مع صحافيين على نحو منفرد) يصعدان قمّة تشرف على روما قرب كنيسة سان بيتر. للمناسبة هي بزي متديّن. القبّعة ذاتها لها شكل كاردينالي. لكن القبّعة تطير بفعل الريح (وفيلليني اختار اللحظة التي شعرت فيها سيلڤيا بأنها تريد أن تمنح مارشيللو قبلة كما لو أن عاملين: التديّن في المظهر والقبلة كمفتاح للجنس لا يلتقيان)٠ القبّعة الطائرة تغادر رأس الممثلة كما لو كانت ترفض أن تُستغل مظهرياً٠
لكن هناك شيئاً آخر في المنظور: حين صعود قمّة الكنيسة -وعلى عكس ما هو معهود- مارشيللو هو من يجهد في الوصول. يحتاج الى القوّة البدنية، بينما سيلڤيا هي التي تسبقه وبنشاط ومقدرة بدنية أفضل. أربط بين هذا البعد وبين ما نراه في المشهد الطويل التالي: مارشيللو و سيلڤيا في ملهى او ناد ليلي يرقصان. ممثل (إيطالي إذا ما خدمتني الذاكرة إذ الشخصية محدودة الظهور) يظهر ويبدأ الرقص مع سيلڤيا على نحو لا يستطيع مارشيللو أن يجاريه- لكن مارشيللو ليس المعني هنا بملاحظة المخرج (قد يستطيع مجاراته لكنه لم يكن مهيّأ لإثبات ذلك). ما يشد ملاحظة المخرج ممثل أميركي آخر سيشاركها بطولة الفيلم أسمه روبرت (يقوم به ليكس باركر) نراه يجلس على طاولة يلحظ سيلڤيا بعينيه٠
إنه الممثل الذي يرغب بها (ولا ندري إذا تقرّب منها سابقاً أم لا) لكننا نلحظ أنه يشعر بحاجز خفي يمنعه من التوجّه إليها والرقص معها٠ إذا كان عجز مارشيللو في تسلّق القمّة بدنياً، فإن عجز روبرت نفسي او عاطفي، لكن الإثنين عاجزان في شأن او آخر. رجال فيلليني (لاحظ كل فيلم »كازانوفا«) هم عاجزون في الصميم علي لعب الدور المناط بهم كذكور- ليس على نحو جنسي بل على نحو ما تعنيه كلمة الرجولة كاملة٠

رسومات فيلليني للقطات من الفيلم

الصحافي يُضرب ولا يَضرب
المنتج الذي جلب سيلڤيا أسمه شتاينر (ألان كوني) وقد تحاشيت الحديث عن وجوده الى الآن لكن دوره الفعلي سيتبلور تدريجياً. هذا من بعد أن يقدّم لنا فيلليني مشهداً طويلاً آخر ليلي بطلاه سيلڤيا ومارشيللو في رحلة في السيّارة. خلال توقّف السيارة يحاول مارشيللو طبع قبلة تتهرّب منها سيلڤيا حين ينبح كلب، ثم يحاول مرّة ثانية فتتهرب منها الممثلة حين تموء قطّة٠ ما يتّضح أن سيلڤيا ليست منجرفة في علاقة تستطيع أن تمارسها مع محيطها الخاص. ربما الأمر هو أن هناك محاذير معروفة من وراء إقامة علاقة (ولو لساعتين من الزمن) مع صحافي أخبار وشائعات. او ربما لأن سيلڤيا ترمز للحب لكنها لا تعرفه. يقول لها مارشيللو قبل محاولة تقبيلها لثالث مرّة (تحت النافورة) ويفشل لثالث مرّة إنها بالنسبة إليه الأم والشقيقة والعشيقة والصديقة. ويسحب المخرج من هذه العبارة سخريته من مارشيللو بائع الكلام وبعد سيلڤيا عن أي من هذه الصفات التي ينعتها مارشيللو بها٠
لاحقاً، حين إيصالها الى الشقّة يظهر له روبرت ويلكمه ويطرحه أرضاً٠
أريد أن ألفت نظر القاريء الكريم أن فديريكو فيلليني اختار ليكس باركر لدور روبرت كشخصية سينمائية في مواجهة مع الشخصية التي يؤديها في الفيلم. ليكس هو أحد أشهر إثنين لعبا شخصية طارزان في السينما (الثاني جوني وايزمولر بالطبع) وفيلليني يستغل الرمز الرجولي لطارزان السينما ليقدّمها خاوية من هذا المفهوم في فيلمه عبر استخدام الممثل ذاته٠ هكذا روبرت الذي لم يكن قادراً على فعل شيء لجذب سيلڤيا في الحفلة بات قادراً على ضرب الرجل الذي معها٠ في العملية هناك أيضاً ملاحظة الفوارق الإجتماعية: روبرت نجم- سيلڤيا نجمة- لكن مارشيللو صحافي يمكن أن يُضرب وغالباً لن يَضرب٠
أمر مريح لروبرت طبعاً. لكن هنا يمكن القول أن اللكمة تعيد مارشيللو الى أرض الواقع. لا تنسى أن إيما وحدها ومحاولاته توظيف علاقة (محتملة) مع الممثلة لبلوغ غاية الإنضمام الى الحياة الحلوة التي يتمنّاها قد باءت بالفشل٠

من وجهة نظر من؟
المشهد التالي له وللمنتج داخل كنيسة. لقد بدأ مارشيللو إدراك وضعه ويسر بذلك الى المنتج فيخبره بأنه يريد ترك عالم الصحافة وإنه يود كتابة رواية تنقله الى مصاف جديد. يشجعه المنتج على ذلك ويخبره بأنه سيساعده على نشرها. لكن ما سيقوله المنتج بعد ذلك بالغ الأهمية أيضاً. المنتج لديه ما يكشفه هو الآخر إذ يقول: "أحيانا في الليل يسيطر علي الصمت والظلام. الهدوء يخيفني. ربما أخاف الهدوء أكثر من أي شيء آخر. أفكر: ؛ماذا يخبيء لي المستقبل ولطفليّ؟؛. يقولون العالم سيكون رائعاً. لكن من وجهة نظر من؟ نحن بحاجة لأن نعيش في حالة من الفن المتواصل. علينا أن ننجح في أن نحب كثيراً وأن نعيش خارج الزمن"٠
أحمل في ذاتي هذا الطموح لذلك تروني أنشد العودة الى أفلام الأمس التي كانت أكثر فنيّة ولذلك أمارس نكتة أنني ولدت سنة 1888 مع ميلاد أول فيلم او أنني انزلقت من فيلم في الخسمينات ولا زلت أسعى للعودة اليه تاركاً هذا العالم٠ أيضاً خياراتي من الموسيقى والغناء والرسوم والكتابات الخ... هي تلك الماضية وليست الحاضرة٠ وحين استمعت الى هذه الكلمات أيقنت أنني لست الوحيد ولو أن كلمات فديريكو فيلليني التي وضعها على شفتي شخصيّته شتاينر تختلف٠
كونها قيلت في كنيسة يبدو لي أنه تأكيد للعلاقة المفقودة بين الدين وبين الواقع. مع فقدانها هناك صمت وبرودة. ليست هناك معجزة بل فراغ من المعجزات يترك المرء على الطرف الأخير من الحبل. وسينتحر شتاينر ويقتل ولديه لأنه لم يستطع أن يجد جواباً على أي عالم سيتركهما فيه٠
لا ننسى أن هذا الكلام وقع في العام 1959 (تاريخ إنتاج الفيلم المعاصر لزمنه)... ترى ما يقوله المرء في أيامنا هذه إذاً؟

خيبة أمل مارشيللو تعيده الى إيما. خيبة أمل إيما فيه تعيدها الى الدين٠ هل نحن هكذا؟ نلجأ الى الدين حين نخاف الدنيا عوض أن يكون هذا اللجوء تطوّعاً دائماً يعكس إيماناً قوياً ويقيناً لا يتزعزع؟ مهما يكن من أمر هاهما معا مرة أخرى٠ ولو لفترة محددة (في حفلة يقيمها شتاينر في منزله). لاحقاً مارشيللو وحيداً في مقهى على شاطيء البحر يحاول أن يكتب شيئاً (روايته؟). إيما تتصل به طالبة إياه بأن يعود لكنه يرفض٠ إيما قد تكون أقرب من مارشيللو الى صفة الملاك، لكنها بحد ذاتها بعيدة جدّاً عن أن تصبح ملاكاً. الملاك لا يطلب من الآخر أن يضحّي. بل يضحّي هو فقط. إيما ذات نزعة امتلاكية والملاك لا يملك٠
إنه في ذلك المقهى يقابل باولا (ڤاليريا شيانكوتيني) فتاة تصغره سنّاً... جميلة وبريئة وأليفة.
وبينما يدرك مارشيللو وجهاً جديداً غاب عنه طويلاً، هو وجه المرأة التي يمكن أن يرتاح فعلاً إليها كونها لا تطلب منه شيئاً، يضيف فيلليني الى »الغاليري« الذي افتتحه بمادالينا وإيما و سيلڤيا وجهاً آخر للمرأة يمر أمام مارشيللو كما يمر القطار أمام رجل يقف في المحطّة٠
سيلتقي مارشيللو وسط هذه النزاعات والتحوّلات التي لا زالت بعيدة عن التبلور في شكل او آخر بوالده الذي يلومه على أنه لا يكتب لأمه. فقدان مارشيللو للعلاقة العائلية هي جانب آخر من سقوطه في براثن الإبتعاد عن الحب والغروق في الأنانية٠ لكن والده (والفيلم يحتوي فصلاً كاملاً عنه) هو بدوره مسؤولاً. في مقابل النصائح التي يسديها الآن لإبنه ولومه له على مخالفة تعاليم المسيح وارتكابه الخطايا الجنسية، نراه يركض وراء إمرأة تظهر في كرنفال متنقّل. لاحقاً ما سيستلم مارشيللو مكالمة منها تطلب منه الحضور الى شقّتها بعدما أصيب والده بنوبة قلب٠
الآن يتضح للمشاهد أن الأب لم يكن سوى منافقاً حين طلب من إبنه عدم ارتكاب الخطايا وقام هو بارتكابها (او محاولة ارتكابها) على كبر خائناً زوجته (أم مارشيللو) التي يطلب من ولده عدم قطع الصلة بها٠ الأب حاول، كما يتّضح، أن يعالج الفراغ الذي يشعر به بممارسة الحب. الحب في جوهر هذا الفيلم لا يُمارس بدنياً. الى ذلك، الدين في هذا الفيلم لا يُمارس كنسياً٠
محاولة مارشيللو الإتجاه عكس حياته السابقة لا تبتعد به كثيراً عن منواله الحالي. الحياة الحلوة التي كان يسعى للإقتران بها انجلت عن مجموعة أقنعة. كلما خلع عن الحياة واحداً منها، تبدّى له آخر تحته٠ إيما تتّهمه لاحقاً بأنه لا يستطيع أن يحب٠
في هذا المشهد يغضب مارشيللو من كلامها ويقود سيّارته بعدما أجبرها على الهبوط منها. لكنه يعود إليها وهي بعد لا زالت تنتظر في مكانها. ونلاحظ أنه حين كان يجلس في المقهى ويحاول أن يكتب ثم يحاول أن يتقرّب من باولا - ومن بعد مكالمة إيما له التي رفض فيها العودة إليها، يتّصل بها هاتفياً ليخبرها إعتذاره عن معاملته إياها على هذا النحو. وهنا في هذا المشهد يقلع بالسيارة تاركاً إياها وراءه... ثم يعود إليها وهو يعلم (ونحن نعلم ونعلم أنه يعلم) أنه لا يحبّها.

أقنعة وستائر
هذا الفيلم من الأهمية بحيث لا يمكن التوقّف عن استقبال معانيه. هي أيضاً مثل ستائر تغلّفه. تخلع واحداً تجد آخر محله٠
خذ مثلاً رمز الأب في هذا الفيلم٠
الأب الأكبر (المسيح حسب المعتقد المسيحي) ميّت من بداية الفيلم. عبارة عن تمثيل لا نفع فيه٠ والد مارشيللو يطالبه اليوم بما لم يستطع هو تحقيقه يوماً. هو أيضاً نتيجة فراغ عاطفي على مسافتين متوازيتين: من الله ومن المرأة التي تزوّج٠ ثم هناك شتاينر الذي يقتل طفليه وينتحر٠ الواقعة مريعة لكن- وتبعاً لكلمات شتاينر السابقة- من وجهة نظر من؟ بالنسبة لشتاينر هو فعل رحمة. من وجهة نظر باقي الناس فعل قسوة٠
مارشيللو سقط. محاولته الإرتقاء هي أشبه بمحاولته صعود تلك القبّة الكنسية في مشهد سابق. مجهدة وغير مجدية. ها هو الآن منضم رسمياً الى »الحياة الحلوة« ( يا له من عنوان ساخر) يشرف على حفلة جنسية تُقام في منزل منتج (اخر). حفلة فيها كل بشاعات المجتمع. أثرياء و-مثله- ملتحقون بالثراء وجميعاً ساقطون٠
يجد المشاهد في الفيلم درجة ساحرة من الواقعية نسبة الى أن فيلليني لم يكن يرسم عالماً غير موجود، ومن المعالجة الفانتازية، كونه لم يلتزم بالواقع بل عالجه برؤيته الخاصّة. ومع أن المخرج يجلب بعض الشخصيات لكي تلعب ما ترمز إليه في حياتها الخاصّة او في أفلامها الأخرى، كما حال أنيتا إكبرغ في دور سيلڤيا وليكس باركر في دور روبرت، الا أنه لا يتخلّى عن إحاطتها بذات المعاملة الفنية ما يجعل وجودها محسوباً هنا لذاته ومن دون أي فجاجة ناتجة عن المباشرة في الرمزية٠

فيلليني يستخدم الباروك والكاريكاتور لكنه لكنه لا يكذب٠ لا يريد أن يمنح مشاهديه متعة مشاهدة انتقال رجل (بطله) من نقطة في القاع الى نقطة في القمّة. أن يصوّره وهو يكتشف فيرتقي، لأن القوّة الكامنة فيه قوّة تصلح فقط لأن تعيده الى القاع. سيدرك لحين الفارق بين ما هو فيه وبين ما يجب أن يكون عليه، لكن -وككثير ممن نعرفهم- سيجد أن رحلة التطوير تتطلّب ذلك الجهد الذي لا يملكه وسيترك نفسه ينزلق٠

LA DOLCE VITA (1959) *****
------------------------
DIRECTOR: Federico Fellini
------------------------
CAST: Marcello Mastroianni, Anita Ekberg,
Yvonne Funeaux, Magali Noel, Alain Cuny,
Valeria Caingottini.
------------------------
SCREENPLAY: Federico Fellini, Ennio Flaiano,
Tullio Pinelli.
CINEMATOGRAPHY: Otello Martelli (B/W- 35 mm).
EDITING: Leo Catozzo (174 m).
MUSIC: Nino Rota
------------------------
PRODUCERS: Giuseppe Amato, Angelo Rizzoli.
PROD. COMPANY: Riama Film/ Pathe Consortium
[Italy-1959].




سينما تسجيلية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثلاثية جون هيوستون الوثائقية: لماذا نحارب؟
او
كيف حوّل المخرج أفلامه من بروباغندا مؤيدة للحرب الى أفلام معادية لها
محمد رُضا



إنخرط جون هيوستون فيما‮ ‬يُسمى عادة بـ‮ »‬المجهود الحربي‮« ‬الأميركي‮ ‬من خلال رئاسته لوحدة التصوير مباشرة بعد دخول أميركا الحرب العالمية الثانية‮. ‬كان،‮ ‬بفضل عمله التنفيذي‮ ‬التابع لخطة البنتاغون إستخدام السينما كوسيلة إعلامية مباشرة،‮ ‬يسجل وقائع الحرب كما كان‮ ‬يجب أن‮ ‬يفعل‮. ‬لكن رؤيته الخاصة هي‮ ‬التي‮ ‬غلبت على تلك الأفلام وليست الرسالة التي‮ ‬رغبت بها الإدارة العسكرية الأميركية‮. ‬النتيجة إنجازه لثلاثة أفلام متباينة من حيث إختلاف رسالتها السياسية‮. ‬هيوستون دخل الحرب بقناعات وخرج منها بأخرى‮. ‬هذه
Report From the Aleutions تقرير من مواطني أليوت
The Battle of San Pietro سنة 1943 و»معركة سان بييتر«٠
Let There Be Light سنة 1945 و»ليكن هناك ضوء«٠
سنة 1946

لم‮ ‬يكن جون هيوستون المخرج الأميركي‮ ‬الوحيد الذي‮ ‬شارك في‮ ‬الحرب من موقعه كسينمائي‮ ‬معروف‮. ‬آخرون،‮ ‬بينهم جون فورد،‮ ‬أناتول ليتفاك،‮ ‬ويليام وايلر وفرانك كابرا انخرطوا بالخدمة بدءا من أواخر العام ‮١٤٩١. ‬هيوستون إنضم في‮ ‬العام ‮٢٤٩١ ‬وأمر بالتوجه الي‮ ‬جزر أليوتيان في‮ ‬الباسيفيك لتصوير ما أعتبر الحرب على مستقبل المحيط الشمالي‮ ‬قرب ألاسكا‮. ‬العنوان الأصلي‮ ‬للفيلم كان‮ »‬ألاسكا ‮٢٤٩١« ‬وتم تغييره لاحقا الى‮ »‬تقرير من‮ ‬‭ ‬سكان أليوت‮«.‬
فيلم تسجيلي‮ ‬بالكامل لا‮ ‬يخرج‮ ‬عن الخط الذي‮ ‬ساد مِثل هذه الأفلام حينها‮. ‬نظرة هيوستون الى الموضوع كانت محافظة وتقليدية في‮ ‬الأسلوب كما في‮ ‬التوجه تعكس‮ ‬منظورا هوليووديا مؤيدا لجهود الحرب الأميركية وللجنود المحاربين‮ (»‬فتياننا الطيبون‮«). ‬في‮ ‬الظاهر هو فيلم‮ ‬متابعة للعمليات اليومية في‮ ‬موقع بعيد تنطلق منه حملات جوية ضد قواعد وقطع بحرية‮ ‬يابانية‮. ‬تحت سطح هذه المتابعة اليومية‮ ‬يكمن السعي‮ ‬لإلتقاط حماس جنود‮ ‬يحبّون ما‮ ‬يفعلونه ويؤمنون برسالتهم الوطنية‮. ‬متحمسون للبذل‮. ‬تعلّموا ما‮ ‬يصنعون ولأي‮ ‬غرض‮. ‬ولأن الجندية تهذيب للنوازع القومية فإن العناصر القومية والعرقية‮ ‬المتعددة تذوب في‮ ‬الكيان الواحد الذي‮ ‬يجمعها‮. ‬الأبيض والأسود واللاتيني‮ ‬كما ذوي‮ ‬الأصول الآسيوية‮ ‬يخوضون حربا مصيرية دفاعا عن الوطن وسعيا للتحريو مواجهة الفاشية اليابانية و(في‮ ‬أوروبا‮) ‬الألمانية‮.‬
لا‮ ‬يحمل فيلم هيوستون أي‮ ‬إلتباس حول موضوعه ولا حول منهجه ورسالته‮. ‬حتى حينما‮ ‬يقرر أحد المتحدثين فيه‮ »‬طائراتنا القاذفة وجدت هدفها‮... ‬تسعة تحطمت‮... ‬تسعة عادت الى قواعدها‮« ‬فإن مثل هذا الإعلان‮ ‬يدخل في‮ ‬نطاق إظهار تضحية الجيش الأميركي‮ ‬وإيمانه بالرسالة التي‮ ‬يؤديها‮. ‬وهيوستون نفسه كان صريحا حين علّق على هذا الفيلم بقوله‮: »‬كان فيلم بروباغاندا بكل تأكيد‮«. ‬
وينتهي‮ ‬الفيلم بفصل من المعارك الكبيرة التي‮ ‬تخوضها القوّات الجوية‮. ‬هيوستون شارك في‮ ‬عدة طلعات وصوّر معارك حامية الوطيس والتقطت كاميراته سقوط طائرات وخسائر أرضية وبحرية‮. ‬لكن المادة المصوّرة أعجبت القيادة فطلبت من المخرج حذف مشاهد الخسائر وتوليف الفيلم ليكون ذروة الرسالة السياسية المرغوب بتوفيرها للمشاهدين‮. ‬هيوستون أقدم على ذلك بكل رضاه،‮ ‬اذ أنه كان الى ذلك الحين‮ ‬يشارك في‮ ‬ذات المفهوم الذي‮ ‬من أجله تخوض اميركا تلك الحرب‮. ‬نظرته السياسية كانت بدورها محافظة‮. ‬موقعه لم‮ ‬يكن محل ريب‮.‬


على أن الفيلم التالي،‮ »‬معركة سان بييترو‮« ‬كان نقلة ذات شأن مهم‮. ‬فيه بدأ هيوستون،‮ ‬وقد أمضى ستة أشهر على الجبهة الإيطالية،‮ ‬يطرح اسئلته حول الحرب من خلال مشاهد لم‮ ‬يأت بها فيلمه السابق‮. ‬هنا الحرب ليست صرخة نصر ولا لعبة حماسية بل واقعا أكثر تشابكا وتعقيدا من ذلك‮. ‬ثمنا باهظا‮ ‬يدفعه الجنود أحياءا بقوا أم‮ ‬أمواتا انتهوا‮. ‬ليس أن الفيلم خال من النبرة الدعائية والتعاطفية،‮ ‬لكنها هنا ليست النبرة الصافية التي‮ ‬تصل الى هدفها بأقصر الطرق وأكثرها مباشرة‮. ‬ولم‮ ‬يكن الفيلم الذي‮ ‬كان في‮ ‬بال المؤسسة العسكرية عندما أرسلت جون هيوستون لتحقيقه‮.‬
الخطة أساسا كانت مختلفة‮. ‬كان مطلوبا من هيوستون وقد أُرسل الى إيطاليا تصوير تحرير روما سنة ‮٣٤٩١. ‬لكن الحملة التي‮ ‬كان على هيوستون تصويرها ووجهت بمقاومة ألمانية قوية ما جعل تصويرها فيلما لا‮ ‬يخدم الجهود الدعائية المناطة‮. ‬هذا حدا‮ ‬بالمخرج تحويل إهتمامه الى السبب الذي‮ ‬من أجله،‮ ‬ومن وجهة نظره،‮ ‬أصيبت حملة تحرير إيطاليا بالمصاعب وآثار تلك المصاعب على الجندي‮ ‬الأميركي‮ ‬المحارب هناك‮. ‬هذا قاد هيوستون،‮ ‬وفيلمه خير إيضاح لذلك،‮ ‬الى تصوير بطء التقدم للقوات الأميركية في‮ ‬الجبهات المتعددة‮. ‬الألمان كانوا‮ ‬يخسرون مواقع كبيرة لكنهم كانوا دائما ما‮ ‬يتسلحون بأخرى صغيرة‮ ‬يقتنصون منها قوّات الحلفاء او‮ ‬يمنعونها من مواصلة الزحف لفترة طويلة‮. ‬قاده أيضا الى فيلم‮ ‬يتدخل بالتعليق على الحرب عوض الإكتفاء بالدعاية لها‮.‬
‮ ‬وهو‮ ‬يحمل شواهد على‭ ‬قسوة الحرب وعنفها‮. ‬جون هيوستون أنكر أنه أراد صنع فيلم مضاد للحرب‮. ‬لكن التضاد للحرب هو ما‮ ‬يخرج به المرء وهو‮ ‬يُشاهد عملا حول كيف سقط ‮٠٠٠١ ‬أميركي‮ ‬بين قتيل وجريح وهم‮ ‬يحاولون السيطرة على بلدة سان بييترو الجبلية‮ ‬والحصينة جغرافيا وعسكريا‮. ‬صور القتلى‭ ‬تملأ الشاشة مسببة ألما كبيرا في‮ ‬النفس‮. ‬هناك مشهد‮ ‬يبقى في‮ ‬البال‮ »‬جزمة‮« ‬عسكرية في‮ ‬موقع المعركة وقد التصق بها بعض ساق من كان‮ ‬يرتديها‮.‬،‮ ‬ومجموعة من الجنود الأميركيين وهم‮ ‬يحملون موتاهم في‮ ‬أكياس بعد انتهاء المعركة‮. ‬
وأسلوب التصوير الذي‮ ‬إعتمده هيوستون كان بدوره‮ ‬غير متداولا في‮ ‬أفلام أميركية عموما وفي‮ ‬السينما التسجيلية خصوصا‮. ‬أحد محرري‮ ‬مجلة‮ »‬جورنال أوف بوبيولار فيلم أند تلفيجين‮«‬،‮ ‬غاري‮ ‬إدجرتون،‮ ‬كتب عنه سنة ‮٧٨٩١ ‬رابطا أسلوب هيوستون بـ‮ » ‬حركة السينما المنوّعة‮ ‬
Cinema Varité Movement
‮ ‬للفترة ‮٠٥٩١ ‬وحتى الستينات‮«. ‬لكن من‮ ‬غير المحتمل أن‮ ‬يكون هيوستون عمد إليها معتقدا أنه‮ ‬يباشر منحى جديدا او‮ ‬يرتبط بحركة قابلة للتطوّر‮. ‬ما هو مرجّح أن‮ ‬يكون هيوستون استنبط من موقع الحدث الأسلوب التصويري‮ ‬الذي‮ ‬يريده لفيلم‮ ‬يتحدث عن المصاعب أكثر مما‮ ‬يعكس النظرة الرسمية بالأسلوب الرسمي‮. ‬ومن المحتمل جدا أن‮ ‬يكون هيوستون تعرّف على أعمال دزيغا فرتوف وأعجب بمنوالها وطبّقه من حيث‮ ‬يريد وبالمقدار الذي‮ ‬يرغب‮. ‬الى ذلك،‮ ‬فإن مجرد حمل الكاميرا باليد واهتزازها ركضا وتصويرها لقطات مائلة لا‮ ‬يعكس تواصلا مع‮ »‬السينما المنوّعة‮« ‬لا حسب فرتوف ولا حسب من تبعوا الأسلوب في‮ ‬الخمسينات وما بعد‮. ‬يعزز هذه النظرة أن المونتاج،‮ ‬وهو عنصر مهم في‮ ‬حركة السينما المنوّعة،‮ ‬بقي‮ ‬منفصلا عن منهج الصورة الى حد بعيد في‮ ‬فيلم هيوستون هذا‮. ‬لكن المؤكد أن منحاه التصويري‮ ‬حاكى الموضوع كما أراده وكان جديدا في‮ ‬نطاق الغاية التي‮ ‬أنتج الفيلم من أجلها على الأقل‮. ‬وجديدا ايضا في‮ ‬نطاق الأفلام العسكرية الأميركية التي‮ ‬صوّرت بكاميرا محمولة باليد،‮ ‬فهيوستون لم‮ ‬يكن وحيدا في‮ ‬هذا المنهج لكنه كان منفردا في‮ ‬تعزيز تأثيره بتحويله الى معايشة كاملة لدرجة أننا لا نسمع تعليقا فوق تلك الصور بل‮ ‬يتركها المخرج تتحدث عن نفسها بنفسها‮.‬
على أي‮ ‬حال،‮ ‬فإن أسلوب عمل هيوستون هناك خلق فيلما مشاركا وليس فيلما‮ ‬يحافظ على مسافة بين موقعه وبين المادة المصوّرة لينقلها في‮ ‬إداء وظيفي‮. ‬هيوستون‮ ‬يعمد الى المقابلات ما‮ ‬يضيف وجهة النظر الفردية‮ ‬غير المعدّة سلفا‮. ‬وكل ذلك‮ ‬يقود الفيلم الى وضع الجندي‮ ‬في‮ ‬الصورة ناقلا معاناته ومشقة ما‮ ‬يندفع لقيام به ما‮ ‬يحوّل الفيلم الى تسجيل واقعي‮ ‬لا للحرب فقط بل لحياة جنودها‮. ‬
حين شاهد مسؤولو البنتاغون الفيلم وجدوه معاديا للحرب‮. ‬قاتما‮. ‬يصوّر النصر لكنه‮ ‬يصوّره مرا وصعبا ما‮ ‬يحبط العزيمة ويمنح المشاهدين رد فعل‮ ‬غير الذي‮ ‬يتوخاه الفيلم الدعائي‮ ‬عادة‮. ‬هذا ما تسبب في‮ ‬وجهات نظر متعارضة لدى المسؤولين حسمه الجنرال جورج س‮. ‬مارشال الذي‮ ‬شاهد الفيلم وخرج بإنطباعات إيجابية بشأنه‮. ‬لكنه في‮ ‬ذات الوقت نادى بحذف مشهد الساق المبتورة داخل الحذاء ومشاهد الموتى الأميركيين في‮ ‬الفصل النهائي‮ ‬وإنتاج عمل‮ ‬يصوّر الموتى الألمان وحدهم‮. ‬هيوستون إرتاح لقرار مارشال ووافق على التغييرات المقترحة ملاحظا بدوره أن أسلوبه‮ »‬ربما أدى إلى حالة عاطفية جدا‮« ‬كما قال معتبرا أن‮ »‬جسم الفيلم الأساسي‮ ‬بقي‮ ‬سليما‮«.‬
عرض الفيلم على الجمهور بعد بضع أشهر على إنتهاء تصويره وبعض مداولات بين أصحاب الصالات الذين اعتادوا،‮ ‬تأييدا لمجهود الحرب،‮ ‬عرض أفلام تسجيلية قصيرة‮ (‬من ‮٠١ ‬الى ‮٠٢ ‬دقيقة‮) ‬عن الحرب ولكن لم‮ ‬يسبق لهم أن عرضوا فيلما‮ ‬يمتد الى ‮٧٤ ‬دقيقة كما الحال مع‮ »‬معركة سان بييترو‮«. ‬العرض الأول تم في‮ ‬مطلع صيف العام ‮٥٤٩١.‬

تمت ترقية جون هيوستون من رتبة كابتن الى رتبة مايجور وفي‮ ٥٢/٦/ ٥٤٩١ ‬استلم معالم مهمنته الثالثة‮: ‬فيلم عن المصابين نفسيا
‬Psychoneurotics‮بعوارض الحرب‮ . »‬سايكونيوريتيكس«
بعوارض الحرب‮ . ‬كما سُميت رسميا‮. ‬والفكرة واتت القيادة العسكرية تبعا لازدياد حالات جرحى الحرب النفسيين العائدين من ميادين القتال‮. ‬الجنرال باتون كان‮ ‬يعتقد أن الحالات النفسية المذكورة ما هي‮ ‬الا جزء من شخصية الجندي‮ ‬الضعيفة ودلال جبنه‮. ‬لكن كان من الواضح أن القيادة بات لديها الان ما‮ ‬يثير قلقها من إنتشار مثل هذه الحالات ووجدت واجبا تقديم فيلم إرشادي‮ ‬للجندي‮ ‬المُصاب كما لعائلته‮ ‬يساعد في‮ ‬لحم تلك الجراح وإعادة المجنّد الى حالته الطبيعية‮.‬
والفكرة وردت أيضا بعد أن أخرج السينمائي‮ ‬الجيد جون كرومويل فيلما روائيا‮ ‬لحساب شركة‮
RKO
‬عنوانه‮ »‬الكوخ المفتون‮« ‬The Enchanted Cottage‮. ‬دراما عاطفية حول مجند‮ (‬روبرت‮ ‬يونغ‮) ‬يعود من الجبهة بوجه مشوّه نتيجة جرح عميق خلال إحدى المعارك‮. ‬اذ‮ ‬يخرج من تلك الحرب‮ ‬يدخل حياة مغلفة بالعزلة نتيجة ما‮ ‬يحمله في‮ ‬ذاته من شعور بالخجل من جرحه،‮ ‬لكن البطلة‮ (‬دوروثي‮ ‬ماغواير‮) ‬تنقذه من حالته تلك وتساعده على فتح صفحة جديدة‮. ‬في‮ ‬العام الذي‮ ‬تم فيه إنتاج هذا الفيلم ‮٥٤٩١ ‬خرج أكثر من عمل مشابه‮ ‬يدور حول الجنود المصابين جسديا وبالتالي‮ ‬نفسيا‮. ‬وبدا أن الموضوع شاغل بال عديدين‮ (‬تحقيق كبير في‮ »‬نيوزويك‮«‬‭ ‬في‮ ‬الشهر الأخير من العام ‮٣٤٩١). ‬والواضح أن القيادة الأميركية،‮ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬يكن لديها علم‮ ‬يقين حول العلاج،‮ ‬إرتأت أن السينما تستطيع أن تفعل فعلها في‮ ‬هذا الإتجاه‮.‬
لم تكن لدى جون هيوستون،‮ ‬حسب قوله،‮ ‬معلومات كثيرة حول علم النفس‮: »‬قليل مما أعرفه ناتج عن مطالعة بعض فرويد ويونغ‮ ‬وأدلر‮«. ‬لكن المشروع الذي‮ ‬أسند إليه تحت عنوان‮ »‬ليكن هناك ضوء‮« ‬كان وسيلته في‮ ‬تعلم الأشياء‮. ‬وبعدما تعلّم المزيد من معاناة الإنسان في‮ ‬الحرب ورصف بها فيلمه،‮ ‬تعلّم المزيد عن نتائج تلك الحرب وطبع بها فيلمه الجديد‮. ‬وبدأ هيوستون بحثه عن الموضوع بزيارة مرضى نفسيين في‮ ‬مصحات مختلفة قبل أن‮ ‬يختار من هذه المصحّات ما وجده الأفضل والأكثر مدعاة للثقة‮ (‬واحد في‮ ‬منطقة برنتوود في‮ ‬لونغ‮ ‬أيلاند،‮ ‬ولاية نيويورك‮). ‬ومنذ البداية وضح إهتمام هيوستون الإنساني‮ ‬بالمعضلة التي‮ ‬يواجهها الجنود وحرصه على توفير عمل‮ ‬يمنح المشاهد الى جانب الحالات الخاصة بمثل هذه الإصابات النفسية،‮ ‬عملا‮ ‬يدخل في‮ ‬صميم الأزمة الشخصية الناتجة‮. ‬
مرة أخرى كانت الرغبة إنتاج فيلم‮ ‬يكون جزءا من الحملة الإعلامية‮. ‬بروباغاندا تستخدمها المؤسسة لإظهار صلابة الجندي‮ ‬العائد من الحرب بجراح نفسية ومدى العناية التي‮ ‬يتلقاها والتأهيل الإجتماعي‮ ‬الذي‮ ‬يعيده في‮ ‬نهاية الأمر الى موقعه كأحد الأعضاء الفاعلين في‮ ‬المجتمع‮. ‬لكن‮ ‬هيوستون كانت لديه أيضا أغراضه الفنية والفكرية‮. ‬بالنسبة إليه على الفيلم أن‮ ‬يظهر عمق الجرح والأثر‮. ‬وحتى‮ ‬يفعل ذلك على الصورة أن لا تتراجع عن إظهار تلك الحالات بوضوح‮. ‬هنا لم‮ ‬يكن‮ ‬يتعامل مع جرح على الوجه،‮ ‬بل مع حالات أكثر إيلاما‮. ‬مع جنود بترت أطرافهم ومقعدين فقدوا نعمة الحركة التي‮ ‬كانوا‮ ‬يتمتعون بها قبل دخولهم الحرب‮.‬
في‮ »‬ليكن هناك ضوء‮« ‬معالجة تقليدية الشأن في‮ ‬الظاهر تتلقف فيها الكاميرا جنودا عائدين وتجري‮ ‬محادثات معهم ومع أحد الأطباء المكلف بهم‮. ‬كل مريض‮ ‬يتحدث عن إصابته‮. ‬وسرعان ما‮ ‬يتمحور حديثه مع إثني‮ ‬عشر جنديا مسلطا الكاميرا في‮ »‬كلوز أبس‮« ‬عليهم‮. ‬كل واحد من هؤلاء لا‮ ‬يتحدث فقط عن تجربته بمنأى عن تجارب الآخرين،‮ ‬بل‮ ‬يصف مفهومه للحرب وللتضحية وخوفه من إسترجاع ذكريات الحرب التي‮ ‬تقض مضجعه‮. ‬
الناتج قدر كبير من الحزن على أشلاء الحرب الإنسانية‮. ‬ليس أن هيوستون قصد إنجاز فيلم‮ ‬يوغر الجرح ويتحدث عن الإحباط واليأس عوض بعث الأمل والحياة،‮ ‬لكنه أراد أن‮ ‬يجسّد الألم والمعاناة لا من خلال المقابلات وحدها بل من خلال ملاحقة المجندين المصابين وأشكال علاجاتهم والأوقات التي‮ ‬يمضونها معا‮ ‬يلعبون،‮ ‬على الكراسي‮ ‬المتحركة،‮ ‬الكرة‮. ‬
وبينما لدى هيوستون وظيفة إنسانية أختلقها من الوظيفة الدعائية التي‮ ‬انسحبت الى الخلفية سريعا،‮ ‬وجد الفسحة الفنية لإبتداع أسلوب عرض‮ ‬يعود فيه الى الأشكال الحرة من التعبير الفني‮. ‬حركة الكاميرا تناسب الروح القلقة حينا والوثّابة حينا آخر‮. ‬الإضاءة تعكس الحالة النفسية من دون أن تتحوّل الى عنصر مؤثر او خارج عن نطاق تلك الحالة بحد ذاتها‮. ‬في‮ ‬مجموعه هذا الفيلم التسجيلي‮ ‬النيّر‮ ‬ينتقل من دور الى آخر على الصعيدين الفني‮ ‬والضمني‮ ‬ويضع بين‮ ‬يدي‮ ‬منتجيه عملا مختلفا عما كانوا‮ ‬ينتظرونه وأكبر مما‮ ‬يستطيعون فهمه او استيعابه‮.‬
صعوبة الإستيعاب ليست حكرا على الجهة المؤسساتية المنتجة،‮ ‬بل على الجمهور المُعافى‮. ‬وضع الجنود المصابين كان بالفعل حرجا من ناحية قبول مجتمع‮ »‬الأصحاء‮« ‬بهم‮. ‬رد الفعل تجاه مصاب جسدي‮ ‬او نفسي‮ ‬لم‮ ‬يكن حسّاسا ومتفهما في‮ ‬تلك الآونة،‮ ‬بل أقرب الى الإهمال مع قليل من الأزدراء في‮ ‬بعض الحالات‮. ‬والفيلم أراد مجابهة هذه المواقف بالتأكيد على إنسانية حالاته‮. ‬على جمال الضحية‮. ‬
مع كل هذه المعطيات ووجه الفيلم بصد حاسم من المؤسسة العسكرية أدّى الى منع عروضه‮. ‬في‮ ‬العام ‮٠٨٩١ ‬تحدث هيوستون حول هذا الفيلم الذي‮ ‬بقي‮ ‬ممنوعا الى أن‮ »‬أفرج‮« ‬عنه في‮ ‬منتصف الخمسينات‮ (‬شاهده هذا الناقد في‮ ‬عرض خاص في‮ ‬لندن‮) ‬وقال‮: »‬الى هذا اليوم لا أعرف من هم الذين وقفوا ضد هذا الفيلم مصرّين على حجزه وعرض عرضه مطلقا‮«.‬
في‮ ‬أحد المشاهد الأخيرة‮ ‬يقول أحد المجنّدين المصابين واصفا رد فعل البعض المتوقعة حين تسريحه من الخدمة‮: »‬إذا كان الفرد الذي‮ ‬سينظر إليّ‮ ‬ذكيا،‮ ‬فإنه سيقول في‮ ‬نفسه‮: ‬لأنظر في‮ ‬أمره وأتعرّف إليه ثم أجرّبه‮«. ‬وجزءا كبيرا من هذا الوصف‮ ‬ينطلي‮ ‬على موقف القيادة منه الذي‮ ‬لم‮ ‬يكن ذكيا ولم تنظر في‮ ‬أمر مصابيها وبالتالي‮ ‬لم تكن تريد أن تساعده وترحب به وتمنحه فرصة الإنتماء الى المجتمع من جديد‮.‬


بينما‮ ‬يتحدث الفيلم عن تلك المعركة ويسجل مواقعها كما التحضير لها والعمليات المحيطة بها،‮ ‬يوفر الفرصة لإلتقاط بعض المشاهد المعبّرة عن وقع الظروف الجغرافية والحربية على حد سواء على المقاتلين الأميركيين‮. ‬هؤلاء الجنود ليسوا صرخة حماس واحدة‮. ‬بل هم نتيجة أكثر تشابكا وتعقيدا مما كان عليه رفاقهم في‮ ‬الفيلم السابق‮.‬
‮»‬معركة سان بييترو‮« ‬لا‮ ‬يخفي‮ ‬أنه فيلم دعائي‮ ‬بدوره في‮ ‬محصلته الأخيرة،‮ ‬وبل حتى في‮ ‬نهجه العام من بدايته‮. ‬لكن الثمن‮ ‬يبدو أعلى‮. ‬الإستعداد للبذل لا‮ ‬يزال موجودا لكنه ليس تطوّعا بالكامل‮. ‬ليس عن حماسة للقتل بل من باب الواجب الذي‮ ‬تفرضه الحياة العسكرية‮. ‬نتيجة ذلك جوبه الفيلم بعدم رضى الجهات المنتجة عنه ما عرّضه الى المنع بعدما تمسّك هيوستون بحقه في‮ ‬إخراج الفيلم حسب رؤيته وتبعا لما صوّره واعتبره وجها من الحقيقة التي‮ ‬يجب أن تتبدى الى جانب الصورة الدعائية المرغوبة‮.‬
بقي‮ ‬الفيلم شهرين محط نزاع قسم العلاقات العامة في‮ ‬الجيش الأميركي‮ ‬والمخرج‮. ‬لكن لم‮ ‬يكن النزاع حول رسالة الفيلم او رؤية صاحبه هي‮ ‬المشكلة الوحيدة‮. ‬بل واجه الفيلم الذي‮ ‬بلغت مدة عرضه ‮٧٤ ‬دقيقة،‮ ‬مشكلة أن صالات السينما‮ (‬التي‮ ‬كانت خلال تلك الحقبة تعرض الأفلام التسجيلية الحربية من باب تشجيع الجهد القومي‮) ‬كانت تختار أفلاما قصيرة لا تزيد مدتها عن ثلث ساعة‮. ‬لكن الواضح هو أن ما منع ظهور الفيلم حتى أواخر الثمانينات كان إختلاف رؤية الفرقاء الذين صاغوه وعدم رغبة أي‮ ‬طرف التنازل عن تلك الرؤية‮. ‬هيوستون نفسه قال في‮ ‬حديث تلفزيوني‮ ‬سنة ‮١٨٩١: ‬
‮»‬كنت أعلم أن الطريقة التي‮ ‬صوّرت بها هذا الفيلم كانت مفاجئة للقيادة،‮ ‬لكني‮ ‬لم أكن حضّرت نفسي‮ ‬للذهول الذي‮ ‬أصابهم حينما شاهدوه‮«.‬



استعادة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Un Chien Andalou | 1929 *** | الكلب الأندلسي
عنف وجنس في فيلم لوي بونويل القصير الغريب٠


من غير المعروف للآن ما إذا كانت الحمير المصوّرة في هذا الفيلم القصير قُتلت لغاية تصويرها او جلبت ميّتة أساساً. ولا إذا ما كانت تلك اليد المقطوعة مسروقة من مشرح او لا. كل ما هو معروف هو الصدمة التي أحدثتها اللقطات المصوّرة في هذا الفيلم المبكر من أعمال المخرج المعروف والتي من بين أكثرها عنفاً مشهد الموسى الذي يذبح العين٠
الكاتب جورج أوروَل، الذي تنبّأ بما نعيشه اليوم من انتشار ممارسات فاشية في الغرب أيضاً عبر روايته
المتحوّلة فيلما 1984، وصف سلڤادور دالي بالرجل ذي العقل المريض. والعلاقة بين »الكلب الأندلسي« والمخرج لوي بونويل والرسّام السوريالي سلفادور دالي قويّة هنا. معظم المراجع تعتبر بونويل مخرج الفيلم، وهو قد يكون رأس الحربة في التنفيذ فعلاً، لكن مراجع معيّنة يوثَق بها تذكر أن سلڤادور دالي شارك في الإخراج بدوره والإثنان (بونويل ودالي) استوحيا فكرة الفيلم من الشاعر الفرنسي كومي دو لوتريامون الذي عاش ومات في القرن التاسع عشر الذي سبق سواه من السورياليين شعراً عبر صوره المتناقضة والتي ربما بدت حينها (وكما قصد أن تكون) غير منطقية٠
لكن دالي لم يكن ليكترث لنقد جورج أوروَل لأنه في صلب السوريالية ما يتيحه اللامنطق (وبل الجنون ) من إلهام وإبداع. هذه النظرية لها وعليها، فبينما العنف في الفيلم مُدان لذاته، فإن الملتزمين بالسوريالية والمدافعين عنها يجدونه ضرورياً لإحداث الصدمة التي تؤدي الى ضد ما يظهر فيها. كذلك الحال لمشهدين نرى فيهما يدي رجل تداعبان ثديي إمرأة: المحافظون بأصواتهم القوية آنذاك- أدانوا الفيلم واعتبروه غير أخلاقي لكن المدافعين عنه برروا أن المجتمع الذي يكبح الحرية الجنسية هو المجتمع المعرّض لأن يسيء للمرأة وأحد المدافعين عنه كان المخرج الفرنسي الذي مات شابّاً جان ڤيغو الذي قال أن الفيلم هو ضربة للذين لديهم ميول إغتصابية٠
بعده أنجز بونويل الفيلم الروائي »العصر الذهبي« ثم انسحب من الساحة الا في عداد حفنة من الأفلام القصيرة الى أن ظهر في السينما المكسيكية سنة 1947 عبر
Gran Casino
المنهج السوريالي الذي اتّبعه بونويل في »الكلب الأندلسي« لم يكن تجريبياً. ذاك مدرسة أخرى. بونويل في هذا الفيلم وفي أفلامه الأخرى عني بالواقع (المدينة، الشارع، البيت، الحقل الخ...) كأماكن طبيعية للأحداث، لكنه عمد الى ادخال مشاهد خارج السياق مستفيداً من التناقض الحاصل لتأكيد هويّته الفنية٠


م. ر


كل ما شاهده الناقد من أفلام المخرج جيم أبراهامز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Jim ABRAHAMS
حياة: مواليد 1944
مهنة: كمخرج [1977- للآن] عدد أفلامه: 11 فيلماً٠
أهمية: لا أهمية فنية. تجارياً بدت جيّدة وانتهت عادية . أختص جيم أبراهامز بالأفلام الكوميدية الساخرة مباشرة من أفلام وأنواع سينمائية وذلك من ثاني أفلامه (»طائرة«) الى الآن. تقاسم مهمة الإخراج في البداية مع شريكه ديڤيد زوكر ثم استقل كل منهما بأعماله، وإن بقيت في الأساس مماثلة
التالي ما شاهده الناقد من أفلام جيم أبراهامز

Airoplane! (1980) **
سخرية من فيلم »مطار« الكوارثي الجاد. الطيّار الذي يقود الطائرة لا يعرف الطيران وكل ما يجري في داخلها من هرج وهلع وعلى أرض المطار من فوضى مجيّر لسلسلة من الضحكات التي استجاب الجمهور لها جيّداً آنذاك٠

Top Secret (1984) *
سخرية من أفلام الجاسوسية خلال الحرب العالمية لاثانية في أحداث تدور رحاها في أوروبا لكنها أحداث بلا حبكة او خيط من التطوّرات الفعلية بل اسكتشات معظم الضحك الناتج عنها يقع في البداية. مع ڤال كيلمر، بيتر كوشينغ، عمر الشريف وآخرين٠ أخرجه بالإشتراك مع ديڤيد زوكر٠


Ruthless People (1986) **
داني ديڤيتو رجل أعمال ناجح وثري وبيتي ميدلر زوجته وهناك عصابة تخطف الزوجة لاعتقادها أن الزوج سيدفع الفدية، لكن الرجل سعيد لأنه أراد التخلّص منها. فكرة أكثر من فيلم لذلك هناك وقت ضائع بعد تأسيس الحدث وحتى قبل النهاية٠ (مع زوكر)٠

Hot Shots (1991) *
إذا أردت مثالا من التسعينات عن كيف عاملت هوليوود العرب، هذا الفيلم مثال واضح: كم الإهانة المنصبّة على العرب هنا ممنوعة على أي شعب آخر لأن أي شعب آخر له وجود ملموس يمنع من إهانته على هذا النحو (+ ديڤيد زوكر لآخر مرّة)٠

Hot Shots II (1993) **
النكتة هذه المرّة على صدّام حسين يواجهه تشارلي شين الذي لا يقل حماقة حسب الفيلم. فيه بعض التصحيح للصورة السابقة لكن السيف سبق العذل٠ تشين هنا يتقمّص شخصية شبيهة برامبو يقود فريق إنقاذ رهائن في أرض العرب٠

Jane Austen 's Mafia (1998) *
سخرية من »العرّاب« في فيلم فاشل حتى في هذا النطاق . ليس هناك قصّة والشخصيات ممحية تحت غطاء الكاريكاتير ومدّة الفيلم 84 دقيقة منها ست دقائق للنهاية٠



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠



0 comments: