أفلام الأسبوع
The New World Order **** | نظام العالم الجديد
Luke Meyer, Andrew Neel إخراج
وثائقي | سياسة/ عالم ما بعد 11/9 [الولايات المتحدة- 2009]٠
اعتاد كثيرون التشكيك في أي تفسير يبدو مستنداً الى ملامح وجود مؤامرة ما في الموضوع المحكي عنه٠ لكن ذلك لم يمنع من خروج نظرية المؤامرة الى العلن وتزايد المؤمنين بها. صحيفة »فيلاج فويس« تشير الى أن اتابع نظرية المؤامرة (أي مؤامرة) أصبحوا قوّة لا يستهان بها و»ديانة« أسرع في إنتشارها من أي »ديانة« أخرى٠
الحقيقة هي أن نظريات المؤامرة كثيرة ومنتشرة في كل مكان من العالم. مواطنون عاديون في كل بلد على حدة يرددونها سواء أكان الموضوع محليّاً او دولياً، لكن دائماً من دون إثباتات. في الولايات المتحدة، وفي الخمسينات ارتفعت وتيرة الحديث عن مؤامرات تحيكها الحكومة وواحدة من تلك المؤامرات التغطية على وجود مخلوقات أخرى في فضائنا نحن تجوب الصحارى الأميركية بأطباق طائرة. نظرية المؤامرة في ذلك العقد كما في الستينات ذكرت أن الحكومات المتعاقبة فرضت تعتيماً على هذا الموضوع وهي جابهت هذا التعتيم (ولا تزال) بصور لمراكب طائرة وقصص لأناس تم اختطافهم واختبارهم ثم إعادتهم محطّمين مشوّهين الى الأرض.
بالنسبة لهذا الناقد كان يمكن لهذا الموضوع بالتحديد أن يبقى غامضاً من دون دليل معه او ضدّه حتى بعد أن شاهدت -بدوري- في يوم صاح في ربيع 1993 وبينما كانت زوجتي تقود سيّارتنا ما بدا، على مسافة عالية، أسطوانة طويلة. لم تكن طائرة لا لأن المرء يعرف الفرق بين الطائرة وأي شيء آخر، فقط، بل لأن المسافة كانت عالية جدّاً بحيث لو كانت طائرة لما شوهد الا ذنبهاً الضبابي المعتاد. أوقفنا السيارة واستطعت متابعتها وهي تشق طريقها بعيداً فوق جبال منطقة سادونا في شمال أريزونا٠
لم تتوقّف هذه النظريات وهوليوود أنجبت عدداً كبيراً منها خصوصاً في السبعينات عبر أفلام مثل
The Parallax View, 3 Days of the Condor, Capricon one, Klute
والعديد سواها٠ وهي تعود هذه الأيام الى جملة نظريات معمولة على ذات النفس التشويقي مثل
Michael Clayton, Invasion, The International
كما أن نسخة جديدة من "كابريكون وان" الذي يتّهم الحكومة بتزوير براهين الهبوط على سطح الكواكب الأخرى في مطبخ الإعداد لنسخة جديدة منقّحة بآخر المتوفّر من المؤثرات التقنية الحديثة٠
لكن فيلم لوك ماير وأندرو نيل "نظام العالم الجديد" هو فيلم وثائقي ومشكلة الأفلام الروائية هي أن متلقيها غالباً ما يعتبرونها.... روائية. قصصاً عليها أن تقع على الشاشة وأن تحتوي ما يؤيد منحاها روائياً أيضاً. رغم ذلك، فإن فيلم »نظام العالم الجديد« ليس واحداً من تلك الأفلام التي تزعم تبنّي نظرية المؤامرة، بل تكتفي بعرض بعض الذين يتبنونها ويسعون الى نشرها في زمن باتت الحقيقة فيها غير ثابتة وفي أحيان كثيرة هلامية تماماً٠
يقدم المخرجان على متابعة مساعي عدد من مبتني نظرية المؤامرة نشر وشرح هذه النظرية بين المواطنين العاديين. وتلتقطهم الكاميرا وهم يعملون بكد ويطبعون اسطوانات الكومبيوتر والملصقات والمناشير والكتب مدعوم بعضهم بمؤوسات قاموا بإنشائها لهذه الغاية. في مقدّمة هؤلاء أليكس جونز وجاك مكلامب. واحد متمتع بالقدرة المالية لشراء كاميرات وآلات متطوّرة لرصد من يرصده (رجال البوليس والأف بي آي) والآخر ليس لديه أكثر من جهاز راديو وستديو في منزله يبث فيه، وبقدر من التأثير، رسالته من أن الحكومة تعمل ضدّ المواطنين٠
بمجرد أن ينطلق الفيلم تدرك أنه ليس قائماً على السخرية من نظرية المؤامرة والقائمين بها. نعم الفيلم لا يقدم على تبنّي ما يُقال فيه مباشرة، لكنه يجعل من المستحيل على المشاهد أن يسخر ومن الصعب أن يجد ثغرة يعارض من خلالها٠
نظرية المؤامرة المحك اليوم -وكما في الفيلم- ليست إذا ما كانت الحكومة لا زالت تفرض التعتيم على ما تعلمه من وجود مخلوقات فضائية تحوم حولنا (او ربما أصبحت بيننا!) بل إذا ما كانت شريكة في أكبر عملية خداع قامت بها الى اليوم وهي نسف برجي مركز التجارة الدولي. صحيح أن الفيلم يتعرّض لقليل من النظريات الأخرى، لكن معظمه الكاسح إنما يدور حول هذه النقطة بالتحديد والتي يتبنّاها أليكس جونز وجاك مكلاب والعاملين معهما على حد سواء ولو أن التفسير يختلف. أليكس يعتبر أن الحكومة فجّرت المبنيين واتهمت أسامة بن لادن لدخول حرب تساعدها على الهيمنة الدولية (وهذا مفهوم نجده منتشراً بين ملايين الناس اليوم في كل مكان) ومكلامب يربط بينها وبين دلائل لا تقل عنها خطورة: الحكومة، بالنسبة اليه تبني، عبر »فيما« (الوكالة الحكومية المتخصصة بعمليات انقاذ ضحايا الكوارث الطبيعية) معسكرات ضخمة (كل منها حسب روايات قادر على أن يضم خمسين ألف شخص) في أكثر من مكان تمهيداً لاعتقال الناس في مرحلة سابقة وتدجينهم هناك. بالنسبة إليه أيضاً فإن مداهمة الأف بي لمدنيين أميركيين في مزارعهم وجرههم الى مجابهة مسلّحة وقتلهم، جزء من هذه المؤامرة.
هنا يدرك المرء أن الفيلم لا يفرّق في رصده بين نظرية قد تُحسب على اليسار وأخرى محسوبة فعلياً على اليمين. مكلامب يكرر أن المقصود هو المواطن المسيحي الأبيض في المقام الأول، وهو -من شدّة إيمانه بنظريّته- ترك المدينة ولجأ، وآخرين، الى جبال ولايته الشاهقة لأنه حين تعمد الحكومة لفرض نظامها الجديد على الناس فإنها سوف تضع المدن والبلدات الكبيرة تحت سيطرتها »وأنا لا أود أن أخضع لسيطرة أحد وإذا ما وصل رجالها الى أعتاب بيتي فسأقاومهم بالسلاح. لا أريد أن أفعل ذلك، لكني سأفعل"٠
على أن الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 يبقى محور الفيلم ومحور ما يطرحه. هناك ذات الحديث الذي انتشر في أعقاب الكارثة من وجود متفجرات زرعت في المبنيين لهدمهما بعد »تمثيلية« الطائرتين٠ هناك أيضاً مشاهد لبعض المشككين في النظرية. أحدهم يصرخ في وجه الشاب الذي يوزع كتباً ومناشير حول الموضوع "أسامة بن لادن فعلها. كفى"٠
ما لا يكفي، في النهاية هو ذلك الشعور المكتسب إثر المشاهدة وهي أن في الفيلم ما يكفي ويزيد من اسئلة لم تستطع الحكومة الإجابة عليها ترفع من درجة الشك فيما قالته حول الحادثة. كذلك الشعور بأن قوى عالمية تسيّر هذا العالم بأسره بعدما أنشأت نادياً خاصّاً فيها تجتمع له متى أرادت (والفيلم يحاول تصوير أحد اجتماعاتها في اسطنبول) وفي خططها الإنتقال الى المرحلة التالية بعدما نجحت في تقويض العالم الى منظومة »القرية العالمية« او ما نعرفه بالعولمة٠
اسلوب الريبورتاج هو المعتمد هنا. المقابلات فيه ليست كثيرة او حلاً سهلاً يعوّض نقص الذخيرة من المشاهد المصوّرة خصيصاً للفيلم، لكنها أساسية. في النهاية نرى أحد الشبّان المعتنقين لهذه النظرية وهو يبكي كون الكلمة لم تصل بعد الى غالبية الناس، ثم يختتم ويقول "لكننا سننتصر"٠
الرحلة الكبرى ****
إخراج: إسماعيل فروخي
تمثيل: نيكولا غزالي، محمد مجد، مليكة مسرار
الهداوي٠
دراما [إسلام، رود موڤي]. المغرب/ فرنسا- 2004
قبل عام من هذا الفيلم، شاهدنا طفلاً يهودياً يلتحق بعجوز مسلم يجد فيه وداعة وسلاما وعطفاً. الأب المسلم يحاول منح الصبي كل ما عنده من فهم للعالم ومفهوم للحياة والروابط الأبوية تزداد بينهما في رحلة طريق في سيارة حمراء رياضية لامعة. الفيلم هو »السيد إبراهيم وزهور القرآن« لفرنسوا دوبييرون الذي عرض في مهرجان »فانيسيا« أولاً ثم انتشر جيداً بعد ذلك مع مؤيدين ومعارضين لرسالته الإنسانية من قبل مسلمين ويهود على حد سواء.
»الرحلة الكبرى«، الذي شهد عرضه العالمي الأول في المهرجان نفسه، يشترك مع »مسيو إبراهيم«، والى جانب إنه يستعين بسيارة حمراء لكن لا جديدة ولا لامعة، في أنه رحلة طريق (ولو أن رحلة الطريق في فيلم »مسيو إبراهيم« هي جزء من الفيلم وليست الفيلم كله) وأن أحداثه تقع بين أب وإبنه أيضاً. وهو أيضا فيلم يطرح الإسلام. الإختلافات الأساسية في هذه الجوانب الثلاث، هي أن أن رحلة الطريق في فيلم »مسيو إبراهيم« هي جزء من الفيلم وليست الفيلم كله كما الحال هنا، وأن الأب وإبنه هما من عرق واحد وأن الطرح للإسلام ليس معمّقاً ولو أنه الحديث فيه يمتد من فصل الى آخر. أهم الإختلافات مطلقاً هو أنه في حين أن فيلم »مسيو إبراهيم« يتحدث عن شخصيتين متلاقيتين تتشرّبان إتفاقاً قائماً بينهما ويسعدان بمعرفة الأول وحب الثاني للتعلم، فإن »الرحلة الكبرى« قائم على التأكيد على الإختلافات بين الأب وإبنه في كل شيء. إنهما أبيض وأسود. ماء ونار. جيلان متباعدان بما تحفل الحياة به من أسباب عديدة.
قلة الخبرة في الكتابة والتنفيذ منتشرة في الحقلين معاً إنما مستترة بفكرة قوية، تمثيل جيد وطروحات مهمة وأحداث لا تعرف كيف ستبدأ (ولو بالإمكان معرفة كيف سينتهي بعضها). كتابياً كان الفيلم بحاجة الى محطّات راحة بين الشخصيتين المتقاتلتين طوال الوقت. هناك مشهد واحد في هذا الإتجاه هو حين يهرع الإبن بأبيه الى المستشفى، لكن فيما عدا هذا المشهد فإن كل الفيلم تكرار لموضوع عدم الثقة بينهما. خصوصاً من الأب الى إبنه. إخراجياً، الفيلم بحاجة الى معالجة أكثر رهافة وشعرية. في حين أن المخرج لا يريد طرح شخصيتيه على أساس أبيض وأسود، بل مجرد طريقتين في الحياة كل واحد منهما يعتقد أن طريقته هي الأفضل، ليس هناك مجال لرصد إنعكاسات العالم، وهم في رحلة بين سبعة دول، عليهما. حتى مشهد الوصول الى الكعبة المشرّفة والطواف المستنسخ بأفضل ما يمكن لميزانية محددة إنجازه، ليس مصنوعاً لاستشفاف روحاني، بل لمجرد طبع التجربة العينية على الإبن. كان سيفيد الفيلم لو أن المخرج لم يتعامل مع الحج كتعامل بطله إذ كلاهما بديا غريبين عن الروحانيات الخاصة به قريبان من النظر إليه كمجرد حشد كبير من البشر.
تنطلق الأحداث من باريس حيث الأب المهاجر من المغرب (محمد مجد) لا يزال يعيش على الطريقة التقليدية ولا يتأقلم. إبنه (غزالي) مختلف كونه ولد في فرنسا وينتمي الى أبناء المهاجرين. الأول لا يزال متمسكا بتعاليم دينه وشعائر الدين، والثاني لا يفقه منها شيئا. في مطلع الفيلم يقرر الأب السفر الى الحاج ويقرر طريقة السفر: سوف لن يختصر الأيام بساعات عبر الطائرة بل سيقطع المسافة براً لأن في ذلك جهاد وبركة. القرار الثالث هو أن على إبنه أن يقوده بسيارته الحمراء القديمة الى الحج. شاء أو أبي. من البداية هي رحلة في إتجاهين متناقضين. واحد يبغي الآخرة والثاني يريد الدنيا لأنه لا يعرف غيرها. وهناك الكثير من المناسبات على هذه الطريق الطويل لتفجير عبوّات التناقض. الأب الذي يرمي هاتف إبنه النقال ويطلع على صوره مع فتاته، ويعارض كل لفتة منه لأنه لا يثق به، والإبن دائم التأفأف والشكوى الذي سيستسنح كل فرصة ممكنة للخروج عن تعاليم أبيه، وفي واحدة من تلك الفرص يجد نفسه مسؤولا عن وقوعهما ضحية تركي (نرسسيان) ضحك عليهما وسرقهما.
المشاهد الواقعة في الثلث الأول من الفيلم تستفيد من الطبيعة الخاصة للمناطق الباردة والثلجية التي كانا عليهما المرور بها. بعد ذلك في تركيا، الإستفادة من الطبيعة الخاصة للبلاد اضمحلت إذ دخل الفيلم في معطيات الشخصية التركية وما جلبته إليهما من متاعب. لكن حين دخول الفيلم سوريا، حيث يصل الخلاف الى ذروته، لكنه يذوب لاحقاً، يكون الفيلم قد صار جاهزاً لتطوّر درامي أكبر من المحصود. لكن ذلك لا يحدث. في النهاية تلك ربع الساعة الأخيرة مهمة جداً وكان يمكن لها أن تأتي أفضل تنفيذاً.
نوايا الفيلم، ومخرجه، لا غبار عليها، لكنه شغل نفسه أكثر بالخلافات بحيث منع عن نفسه البحث عن هوية خاصة به. إعتناق خاص لفكرة عوض أن يبقى مجرد كاميرا بين إثنين. يتوقع المرء أن يحدث تطوّر من نوع أن يفهم الإبن أبيه أكثر، او أن يقع حادث يظهر شغف الأب بإبنه وقبوله به. الطريقة التي انتهى فيها الفيلم لا تحمل أياً من هذا التطوير. بل صور غامضة لرحيل شاب عائد من دون أبيه الى وطنه الوحيد: فرنسا.
Hangover ** | آثار السهرة
Todd Phillips إخراج: تود فيليبس
تمثيل: برادلي كوبر، جوستن بارتا، زاك غوليفياناكيس٠
كوميدي | الولايات المتحدة- 2009
هناك الشاب ستو (إد هلمز) الذي تصاحبه صديقته الآتية من الجحيم (راتشل هاريس) وهناك شقيق العروس ألان (زاك غوليفياناكيس) والمتزوج فِل (برادلي كوبر) الذي يصر على التصرّف كما لو كان لا يزال عازباً٠
وهناك تلك الليلة التي سيفيق منها الأربعة وهم لا يتذكّرون منها شيئاً. لكن معالمها الغريبة ماثلة: دجاجة في الشقة. نمر في الحمّام. كرسي اشتعلت به النار. والعريس اختفى و-كدت أنسى- هناك طفل رضيع لا يعرف أحد من هو ولمن هو٠
العجيب أكثر من المضحك هنا لكن الأمور ستنجلي نوعاً، لكن هذه الكوميديا تحتفي بالغريب وغير المتوقّع لكي تقول شيئاً عن حياة هؤلاء الرجال الذين قرروا العربدة لأنها الطريق الوحيد للسعادة. إنه كما لو كان المخرج فيليبس، الذي تعامل مع مواضيع شبابية من قبل، يريد أن يخرج بنتيجة نقدية لكن ما يمنعه هو أنه لا يريد التحوّل الى أخ أكبر يرفع الراية الأخلاقية فيترك الأمور على منوالها ولتستنج أنت ما تريد٠
Imagine That ** | تخيّل ذلك
Karey Kirkpatrick إخراج: كاري كيرباترِك
تمثيل: إيدي مورفي، توماس هادن تشايس، روني
كوكس، مارتن شين، يارا شهيدي٠
كوميدي | الولايات المتحدة- 2009
Trading Places | تبادل أماكن
فيلم جون لانديس الجيّد، ولو أنه أيضاً تقليدي في أماكن كثيرة، سنة 1983. اولاً بالتدريج، ثم أكثر من لعب شخصيّته وشخصية أخرى، حين مثّل
Coming to America | المجيء الى أميركا
لجون لانديس أيضاً (1988) وتمادى في ذلك حتى صار طابعاً له في
The Nutty Professor, Nutty Professor II, Dreamgirl, Norbit
وهذا من دون أن أحاول إحصاء المرّات فعلاً٠
المشكلة ليست فقط إنه كان يقلّد نفسه، بل في كل مرّة كان يقدم فيها على تمثيل أكثر من شخصية في الفيلم الواحد كان ينزل درجة او درجات في سلّم المكانة. من المضحك الى المقبول ومن المقبول الى غير المثير ومن غير المثير الى السخيف تماماً٠ الآن وقد وجد الدور الذي من الممكن أن يعود به الى جادّة الصواب ويبعد عنه شيزوفرانيا الشخصيات، التفت الجمهور بعيداً وترك مورفي يقف وحيداً في قارعة الطريق٠
لكن "تخيّل ذلك" هو أكثر أفلامه الكوميدية- الفانتازية قيمة. ليس لحسن إخراج فائق (ولو أنه محسوب) بل بسبب محاولة مورفي تناول معضلة اجتماعية حول الرجل الذي يعمل كثيراً ويهمل ابنته وكيف أن هذه الفتاة الصغيرة (يارا شهيدي) تبدأ بإشغال خيالها وخلق شخصيات حولها لكي تستبدل بها واقعها والى درجة أنه بالنسبة إليها على الأقل، هذه الشخصيات حقيقية. وليست هي الوحيدة التي تعاني بل الزوجة أيضاً (نيكول آري باركر) هذا بالطبع قبل أن يفيق الزوج والأب على ما يفعله٠
رسالة اجتماعية لكن المثير للمفارقة هنا انه في الوقت الذي كان معظم المخرجين الحاليين سيتبارون لاجل توظيف الفرصة التي يوفّرها السيناريو للعمل في أتون من الخدع والمؤثرات الكومبيوترية، ينأى المخرج كايري كيرباترك عن هذا جاعلاً الشخصيات التي تتراءى للفتاة غير قابلة للرؤية بالنسبة للمشاهد. بذلك يبقيها خيالية وهذا أصعب شأناً لكنه أفضل نتيجة٠
Adam Resurrected * | أدام منبعثاً
Paul Schrader إخراج: بول شرادر
تمثيل: جف غولدبلوم، وليم دافو، ديريك
جاكوبي، أييلت زورر
دراما [هولوكوست] ألماني/ إسرائيلي - 2008
إنه عن قصة وضعها الكاتب الإسرائيلي يورام كانيوك سنة 1968(واقتبسها نوح ستولمان) حول آثار الهولوكوست على بطل الرواية أدام (جف غولدبلوم في الفيلم) الذي نتعرّف اليه في مستشفى للأعصاب في صحراء النجف في العام 1961 حيث تتم معالجته من الآثار الناجمة عن اعتقاله خلال الهولوكوست الشهير٠
لم أقرأ الرواية (ولا علم لي بقيمتها لأنها غير متوفّرة حالياً) لكن الفيلم ينتقل من الحاضر (حاضر زمنه أي مطلع الستينات) الى الأمس على نحو متوال: فلاشباكات أولها سنة 1930 ثم تتواصل على مدد قصيرة (ننتقل الى الحاضر أحياناً لدقيقتين او ثلاثة) لتصل الى فترة اعتقال أدام الذي كان في الثلاثينات كوميدي وساحر في بعض الملاهي وفي الأربعينات سجيناً في أحد المعتقلات. ليس سجيناً فقط، بل مطيّة الضابط الألماني كلاين (وليم دافو) الذي أجبره على التصرّف ككلب (المشي على أربعة والأكل من فم الكلب الحقيقي الخ...). مشكلة أدام هي أنه لا يستطيع أن ينسى هذه القصص ولا ما هو أفدح منها: لقد بقي حيّاً بينما مات سواه من اليهود٠ ليس هذا فقط، عومل بعد الحرب جيّداً ورغيداً. وهذا ما يعذّبه ويجعله الآن غارق في مراجعات الذات وغائص في ذكريات تقض كيانه وتستولي على تصرّفاته٠
المشكلة ليست أن الفيلم عن الهولوكوست، بل أنه يقدّم شخصاً لا يمكن القبول به. أشبه برجل أنيق إذا ما فتحت سترته وجدت جسده مليء بالإصابات والتشويهات وعليك أن تراقبها ولا شيء سواها. هذا نوع من الأفلام التي تقودها شخصيات تطلب منا التعاطف في الوقت الذي تصر فيه على معاداة منطلقات ذلك التعاطف عوض الدفاع عنها وهو بالتأكيد ليس أفضل دعاية لضحايا الهولوكوست في الوقت الذي لا يقصد بالطبع أن يدين هؤلاء الضحايا
بول شرادر مخرج أفضل من المادّة التي بين يديه. ربما كانت البطالة دافعه لقبول هذا العمل، او الإيمان بالرسالة او الرغبة في تحقيق فيلم أوروبي خصوصاً وأن هوليوود لا تتذكّره او أعماله الجيّدة السابقة. كله جائز، لكن لا شيء هنا يوفّر نتائج كان يستحق المخرج ترك وحدته لأجلها. الإنتقال من الحاضر الى الماضي عبر الفلاشباك المتكرر لا يصنع ناصية فنيّة ذات شأن (كان يمكن لكل الفيلم أن ينحصر في الماضي او أن يبدأ بالحاضر وينطلق في فلاشباك طويل من دون أن تتأثر رسالته)، كذلك فإنه على كثرة ما شاهدنا من أفلام تصوّر الحاضر بالألوان والماضي بالأبيض والأسود، ما عاد إعتماد الصيغة ذاتها عملاً لافتاً او ذا قيمة٠ وبما أن أدام، او أي سواه، لا يتذكر الماضي بالأبيض والأسود فإن التفعيلة غير صحيحة ولا بطانة فنيّة لها٠
يصبح الأمر مثيراً للتقزز والرفض معاً حين تنتقل ذاكرة الكلب في بال أدام الى واقع: هناك صبي في المصحة يتصرّف ككلب (وعليه إنقاذه) وهناك الممرضة التي يمارس معها الحب كلما أراد (!) مستعدة لأن تصير كلباً (او كلبة بالأحرى) للفوز به وتغار حين يحاول التفاهم مع الكلب الصبي٠
في هذا النصف الأخير من الفيلم تتباعد المسافات بين ما كان مقصوداً وبين ما يحط على الشاشة من مشاهد من دون تجانس ويستمر الفيلم في عزف معزوفة من ازدراء الذات حتى نهايته٠
Drag Me To Hell ** | جرّني الى الجحيم
Sam Raimi إخراج: سام ريمي
تمثيل: أليسون لومان، جستين لونغ، لورنا رافر
رعب | الولايات المتحدة - 2009
حين قرر المخرج سام رايمي تعليق ملابس سبايدر مان على شمّاعة والإلتفات الى حب قديم كان يشغله ويشتاق إليه، اختار سيناريو كتبه وشقيقه إيفان بعنوان »جرّني الى جهنّم« وتوجّه به الى شركة يونيفرسال التي كانت مشتاقة لأن تتعامل مع مخرج حقق لشركة منافسة (كولومبيا) بعض أكثر أفلامها رواجاً. ويونيفرسال لابد نظرت الى ميزانية »جرّني الى جهنم« وضحكت في سرّها، فهي لم تتجاوز الستة عشر مليون دولار، أجر خمسة أيام عمل في واحد من تلك الأفلام العملاقة٠
الآن، وقد أصبح »جرّني الى جهنّم« في الأسواق، فإن المسألة ما عادت مناطة بنوايا الشركة من وراء التعامل مع واحد من أنجح مخرجي السنوات الخمس عشر الماضية، بل بنوايا المخرج الذي يعود بالفعل الى إطار الأفلام الصغيرة لكنها عودة خاسرة. اولئك الذين يزدرؤون الأفلام المكلفة- فقط لأنها مكلفة وجدوا فيلم رايمي الجديد منعشاً وكل من كتب عن الفيلم بإعجاب لم يفته القول أنه فيلم يتناقض مع افلام المخرج السابقة ذات الميزانيات العالية كما لو أن هذا، بحد ذاته، أمراً يحسب لصالح سينمائي ما او ضدّه٠
قصّة »جرني الى الجحيم« تبدأ بمشهد تمهيدي يقع سنة 1969 نرى فيه عائلة مكسيكية تحمل ولدها الصغير وتأتي به الى دار إمرأة ربما كانت تعمل طبيباً بلا إذن رسمي. تكتشف أنه سرق قلاّدة من عربة غجر وسريعاً ما تفاجأ وباقي العائلة بأن هذه اللعنة سوف تخرج على هيئة أشباح وأيادي وسوف تنشق الأرض وتخرج النيران من تحتها وتمتد أيدي من فيها لتسحب الصبي الذي انتهى دوره في الفيلم عند هذا الحد٠
الآن ننتقل الى الزمن الحالي وها هي كرستين براون (آليسون لومان) تعمل في مصرف وعينها على المكتب الشاغر أمامها. مكتب مساعد مدير البنك وهي تشعر بأن مدير البنك سيفضّل عليها زميلا لها لا تطيقه انضم قبل فترة وجيزة الى العمل٠ لكن حين يخبرها مدير البنك (ديفيد بايمر) بأنها هي الأقرب الى احتلال هذا المنصب تشعر بالسعادة... سعادة مؤقتة جدّاً فقبل ذلك كانت عجوز غجرية طلبت منها أن تساعدها في حل مشكلة مع المصرف الذي يرفض إعطاءها منحة جديدة وسيضع يده على منزلها. لكي تبدو صارمة أمام مديرها، رفضت ولو مضطرة، هذا الطلب فلعنتها الغجرية، ثم انتظرتها في المرآب بعد الدوام وهاجمتها بعدما تسللت الى سيّارتها (لا علم لنا كيف أدركت أن هذه السيارة تحديداً هي سيارتها) . داخل السيارة تقع معركة كبيرة بين المرأتين قبل أن تختفي العجوز وقد نزعت من سترة غريمتها زرا من سترتها. وحسب قاريء كف هندي أسمه رام جاز (ديليب راو) فإن السحرة يأخذون شيئاً من ممتلكات الضحية لأنهم عبر هذا الشأي يستطيعون النيل منها٠
الى الآن عرفنا كل شيء غير صحيح عن الغجر مغلّفاً -في صميم الموضوع- بعنصرية متآكلة من حين كان الأوروبيون القدامى يحمّلون الغجر كل عارض سيء يصيبهم. ازدراء من الآخر يتحكّم في علاقة فوقية تنتقل في الملامح البعيدة لهذا الفيلم٠
إنه فيلم رعب من حيث الرغبة والإنتماء النوعي، لكن ليس من حيث القدرة على إثارة الخوف فعلاً. فما يثيره هذا الفيلم هو قدر من الإنزعاج مصحوباً بقدر من الأنفة خصوصاً حين تتحوّل أسنان الغجرية المستعارة الى تفصيلة عمل فنراها تخرج من فم الغجرية وتدخله مثل شارع مزدحم باتجاهين، او نتابع فيه ذبابة تدخل من أنف كرستين وهي نائمة ثم تصر على دخول فمها والإستقرار في معدتها٠ ليس أن الفيلم يتوقّف عند هذا الحد من الأفكار »الجحيمية« بل يواصل مساعيه لاختبار قدرتنا على الإكتراث لما يحدث على الشاشة٠ لصالح المخرج نوعيّة تنفيذة، ما لا يعمل جيّداً هو المعالجة الكليّة لذلك التنفيذ٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠
- عربي: الرحلة الكبرى | اسماعيل فروخي (المغرب)٠
- جديد: آثار السهرة | تود فيليبس (الولايات المتحدة)٠
- جديد: أدم منبعثاً | بول شرادر (ألمانيا/ اسرائيل)٠
- جديد: تخيّل ذلك | كايري كيرباترك (الولايات المتحدة)٠
- جديد: جرّني الى الجحيم | سام رايمي (الولايات المتحدة
- وثائقي: نظام العالم الجديد | لوك ماير، أندرو نيل (الولايات المتحدة)٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
FLASHBACK
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
FLASHBACK
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Jaws (1975)
الرعب والسمكة
في العشرين من هذا الشهر قبل 34 سنة تم افتتاح فيلم ستيفن سبيلبرغ "جوز". تشويق تكلّف 12 مليون دولار وجلب 471 مليوناً وكان أوّل نجاح كبير للمخرج المعروف قصّة سمكة قرش ضخمة تهاجم سوّاح بلدة أميركية وتقضمهم. ينطلق شريف البلدة (روي شايدر) وصائد قرش (روبرت شو) وعالم بحري (رتشارد درايفوس) لصيده٠ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
DOCUMENTARY | وثائقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
DOCUMENTARY | وثائقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
The New World Order **** | نظام العالم الجديد
Luke Meyer, Andrew Neel إخراج
وثائقي | سياسة/ عالم ما بعد 11/9 [الولايات المتحدة- 2009]٠
ماذا لو كانت نظرية المؤامرة صحيحة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحقيقة هي أن نظريات المؤامرة كثيرة ومنتشرة في كل مكان من العالم. مواطنون عاديون في كل بلد على حدة يرددونها سواء أكان الموضوع محليّاً او دولياً، لكن دائماً من دون إثباتات. في الولايات المتحدة، وفي الخمسينات ارتفعت وتيرة الحديث عن مؤامرات تحيكها الحكومة وواحدة من تلك المؤامرات التغطية على وجود مخلوقات أخرى في فضائنا نحن تجوب الصحارى الأميركية بأطباق طائرة. نظرية المؤامرة في ذلك العقد كما في الستينات ذكرت أن الحكومات المتعاقبة فرضت تعتيماً على هذا الموضوع وهي جابهت هذا التعتيم (ولا تزال) بصور لمراكب طائرة وقصص لأناس تم اختطافهم واختبارهم ثم إعادتهم محطّمين مشوّهين الى الأرض.
بالنسبة لهذا الناقد كان يمكن لهذا الموضوع بالتحديد أن يبقى غامضاً من دون دليل معه او ضدّه حتى بعد أن شاهدت -بدوري- في يوم صاح في ربيع 1993 وبينما كانت زوجتي تقود سيّارتنا ما بدا، على مسافة عالية، أسطوانة طويلة. لم تكن طائرة لا لأن المرء يعرف الفرق بين الطائرة وأي شيء آخر، فقط، بل لأن المسافة كانت عالية جدّاً بحيث لو كانت طائرة لما شوهد الا ذنبهاً الضبابي المعتاد. أوقفنا السيارة واستطعت متابعتها وهي تشق طريقها بعيداً فوق جبال منطقة سادونا في شمال أريزونا٠
لم تتوقّف هذه النظريات وهوليوود أنجبت عدداً كبيراً منها خصوصاً في السبعينات عبر أفلام مثل
The Parallax View, 3 Days of the Condor, Capricon one, Klute
والعديد سواها٠ وهي تعود هذه الأيام الى جملة نظريات معمولة على ذات النفس التشويقي مثل
Michael Clayton, Invasion, The International
كما أن نسخة جديدة من "كابريكون وان" الذي يتّهم الحكومة بتزوير براهين الهبوط على سطح الكواكب الأخرى في مطبخ الإعداد لنسخة جديدة منقّحة بآخر المتوفّر من المؤثرات التقنية الحديثة٠
لكن فيلم لوك ماير وأندرو نيل "نظام العالم الجديد" هو فيلم وثائقي ومشكلة الأفلام الروائية هي أن متلقيها غالباً ما يعتبرونها.... روائية. قصصاً عليها أن تقع على الشاشة وأن تحتوي ما يؤيد منحاها روائياً أيضاً. رغم ذلك، فإن فيلم »نظام العالم الجديد« ليس واحداً من تلك الأفلام التي تزعم تبنّي نظرية المؤامرة، بل تكتفي بعرض بعض الذين يتبنونها ويسعون الى نشرها في زمن باتت الحقيقة فيها غير ثابتة وفي أحيان كثيرة هلامية تماماً٠
يقدم المخرجان على متابعة مساعي عدد من مبتني نظرية المؤامرة نشر وشرح هذه النظرية بين المواطنين العاديين. وتلتقطهم الكاميرا وهم يعملون بكد ويطبعون اسطوانات الكومبيوتر والملصقات والمناشير والكتب مدعوم بعضهم بمؤوسات قاموا بإنشائها لهذه الغاية. في مقدّمة هؤلاء أليكس جونز وجاك مكلامب. واحد متمتع بالقدرة المالية لشراء كاميرات وآلات متطوّرة لرصد من يرصده (رجال البوليس والأف بي آي) والآخر ليس لديه أكثر من جهاز راديو وستديو في منزله يبث فيه، وبقدر من التأثير، رسالته من أن الحكومة تعمل ضدّ المواطنين٠
بمجرد أن ينطلق الفيلم تدرك أنه ليس قائماً على السخرية من نظرية المؤامرة والقائمين بها. نعم الفيلم لا يقدم على تبنّي ما يُقال فيه مباشرة، لكنه يجعل من المستحيل على المشاهد أن يسخر ومن الصعب أن يجد ثغرة يعارض من خلالها٠
نظرية المؤامرة المحك اليوم -وكما في الفيلم- ليست إذا ما كانت الحكومة لا زالت تفرض التعتيم على ما تعلمه من وجود مخلوقات فضائية تحوم حولنا (او ربما أصبحت بيننا!) بل إذا ما كانت شريكة في أكبر عملية خداع قامت بها الى اليوم وهي نسف برجي مركز التجارة الدولي. صحيح أن الفيلم يتعرّض لقليل من النظريات الأخرى، لكن معظمه الكاسح إنما يدور حول هذه النقطة بالتحديد والتي يتبنّاها أليكس جونز وجاك مكلاب والعاملين معهما على حد سواء ولو أن التفسير يختلف. أليكس يعتبر أن الحكومة فجّرت المبنيين واتهمت أسامة بن لادن لدخول حرب تساعدها على الهيمنة الدولية (وهذا مفهوم نجده منتشراً بين ملايين الناس اليوم في كل مكان) ومكلامب يربط بينها وبين دلائل لا تقل عنها خطورة: الحكومة، بالنسبة اليه تبني، عبر »فيما« (الوكالة الحكومية المتخصصة بعمليات انقاذ ضحايا الكوارث الطبيعية) معسكرات ضخمة (كل منها حسب روايات قادر على أن يضم خمسين ألف شخص) في أكثر من مكان تمهيداً لاعتقال الناس في مرحلة سابقة وتدجينهم هناك. بالنسبة إليه أيضاً فإن مداهمة الأف بي لمدنيين أميركيين في مزارعهم وجرههم الى مجابهة مسلّحة وقتلهم، جزء من هذه المؤامرة.
هنا يدرك المرء أن الفيلم لا يفرّق في رصده بين نظرية قد تُحسب على اليسار وأخرى محسوبة فعلياً على اليمين. مكلامب يكرر أن المقصود هو المواطن المسيحي الأبيض في المقام الأول، وهو -من شدّة إيمانه بنظريّته- ترك المدينة ولجأ، وآخرين، الى جبال ولايته الشاهقة لأنه حين تعمد الحكومة لفرض نظامها الجديد على الناس فإنها سوف تضع المدن والبلدات الكبيرة تحت سيطرتها »وأنا لا أود أن أخضع لسيطرة أحد وإذا ما وصل رجالها الى أعتاب بيتي فسأقاومهم بالسلاح. لا أريد أن أفعل ذلك، لكني سأفعل"٠
على أن الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 يبقى محور الفيلم ومحور ما يطرحه. هناك ذات الحديث الذي انتشر في أعقاب الكارثة من وجود متفجرات زرعت في المبنيين لهدمهما بعد »تمثيلية« الطائرتين٠ هناك أيضاً مشاهد لبعض المشككين في النظرية. أحدهم يصرخ في وجه الشاب الذي يوزع كتباً ومناشير حول الموضوع "أسامة بن لادن فعلها. كفى"٠
ما لا يكفي، في النهاية هو ذلك الشعور المكتسب إثر المشاهدة وهي أن في الفيلم ما يكفي ويزيد من اسئلة لم تستطع الحكومة الإجابة عليها ترفع من درجة الشك فيما قالته حول الحادثة. كذلك الشعور بأن قوى عالمية تسيّر هذا العالم بأسره بعدما أنشأت نادياً خاصّاً فيها تجتمع له متى أرادت (والفيلم يحاول تصوير أحد اجتماعاتها في اسطنبول) وفي خططها الإنتقال الى المرحلة التالية بعدما نجحت في تقويض العالم الى منظومة »القرية العالمية« او ما نعرفه بالعولمة٠
اسلوب الريبورتاج هو المعتمد هنا. المقابلات فيه ليست كثيرة او حلاً سهلاً يعوّض نقص الذخيرة من المشاهد المصوّرة خصيصاً للفيلم، لكنها أساسية. في النهاية نرى أحد الشبّان المعتنقين لهذه النظرية وهو يبكي كون الكلمة لم تصل بعد الى غالبية الناس، ثم يختتم ويقول "لكننا سننتصر"٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفيلم العربي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفيلم العربي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرحلة الكبرى ****
إخراج: إسماعيل فروخي
تمثيل: نيكولا غزالي، محمد مجد، مليكة مسرار
الهداوي٠
دراما [إسلام، رود موڤي]. المغرب/ فرنسا- 2004
رحلة في إتجاهين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
»الرحلة الكبرى«، الذي شهد عرضه العالمي الأول في المهرجان نفسه، يشترك مع »مسيو إبراهيم«، والى جانب إنه يستعين بسيارة حمراء لكن لا جديدة ولا لامعة، في أنه رحلة طريق (ولو أن رحلة الطريق في فيلم »مسيو إبراهيم« هي جزء من الفيلم وليست الفيلم كله) وأن أحداثه تقع بين أب وإبنه أيضاً. وهو أيضا فيلم يطرح الإسلام. الإختلافات الأساسية في هذه الجوانب الثلاث، هي أن أن رحلة الطريق في فيلم »مسيو إبراهيم« هي جزء من الفيلم وليست الفيلم كله كما الحال هنا، وأن الأب وإبنه هما من عرق واحد وأن الطرح للإسلام ليس معمّقاً ولو أنه الحديث فيه يمتد من فصل الى آخر. أهم الإختلافات مطلقاً هو أنه في حين أن فيلم »مسيو إبراهيم« يتحدث عن شخصيتين متلاقيتين تتشرّبان إتفاقاً قائماً بينهما ويسعدان بمعرفة الأول وحب الثاني للتعلم، فإن »الرحلة الكبرى« قائم على التأكيد على الإختلافات بين الأب وإبنه في كل شيء. إنهما أبيض وأسود. ماء ونار. جيلان متباعدان بما تحفل الحياة به من أسباب عديدة.
قلة الخبرة في الكتابة والتنفيذ منتشرة في الحقلين معاً إنما مستترة بفكرة قوية، تمثيل جيد وطروحات مهمة وأحداث لا تعرف كيف ستبدأ (ولو بالإمكان معرفة كيف سينتهي بعضها). كتابياً كان الفيلم بحاجة الى محطّات راحة بين الشخصيتين المتقاتلتين طوال الوقت. هناك مشهد واحد في هذا الإتجاه هو حين يهرع الإبن بأبيه الى المستشفى، لكن فيما عدا هذا المشهد فإن كل الفيلم تكرار لموضوع عدم الثقة بينهما. خصوصاً من الأب الى إبنه. إخراجياً، الفيلم بحاجة الى معالجة أكثر رهافة وشعرية. في حين أن المخرج لا يريد طرح شخصيتيه على أساس أبيض وأسود، بل مجرد طريقتين في الحياة كل واحد منهما يعتقد أن طريقته هي الأفضل، ليس هناك مجال لرصد إنعكاسات العالم، وهم في رحلة بين سبعة دول، عليهما. حتى مشهد الوصول الى الكعبة المشرّفة والطواف المستنسخ بأفضل ما يمكن لميزانية محددة إنجازه، ليس مصنوعاً لاستشفاف روحاني، بل لمجرد طبع التجربة العينية على الإبن. كان سيفيد الفيلم لو أن المخرج لم يتعامل مع الحج كتعامل بطله إذ كلاهما بديا غريبين عن الروحانيات الخاصة به قريبان من النظر إليه كمجرد حشد كبير من البشر.
تنطلق الأحداث من باريس حيث الأب المهاجر من المغرب (محمد مجد) لا يزال يعيش على الطريقة التقليدية ولا يتأقلم. إبنه (غزالي) مختلف كونه ولد في فرنسا وينتمي الى أبناء المهاجرين. الأول لا يزال متمسكا بتعاليم دينه وشعائر الدين، والثاني لا يفقه منها شيئا. في مطلع الفيلم يقرر الأب السفر الى الحاج ويقرر طريقة السفر: سوف لن يختصر الأيام بساعات عبر الطائرة بل سيقطع المسافة براً لأن في ذلك جهاد وبركة. القرار الثالث هو أن على إبنه أن يقوده بسيارته الحمراء القديمة الى الحج. شاء أو أبي. من البداية هي رحلة في إتجاهين متناقضين. واحد يبغي الآخرة والثاني يريد الدنيا لأنه لا يعرف غيرها. وهناك الكثير من المناسبات على هذه الطريق الطويل لتفجير عبوّات التناقض. الأب الذي يرمي هاتف إبنه النقال ويطلع على صوره مع فتاته، ويعارض كل لفتة منه لأنه لا يثق به، والإبن دائم التأفأف والشكوى الذي سيستسنح كل فرصة ممكنة للخروج عن تعاليم أبيه، وفي واحدة من تلك الفرص يجد نفسه مسؤولا عن وقوعهما ضحية تركي (نرسسيان) ضحك عليهما وسرقهما.
المشاهد الواقعة في الثلث الأول من الفيلم تستفيد من الطبيعة الخاصة للمناطق الباردة والثلجية التي كانا عليهما المرور بها. بعد ذلك في تركيا، الإستفادة من الطبيعة الخاصة للبلاد اضمحلت إذ دخل الفيلم في معطيات الشخصية التركية وما جلبته إليهما من متاعب. لكن حين دخول الفيلم سوريا، حيث يصل الخلاف الى ذروته، لكنه يذوب لاحقاً، يكون الفيلم قد صار جاهزاً لتطوّر درامي أكبر من المحصود. لكن ذلك لا يحدث. في النهاية تلك ربع الساعة الأخيرة مهمة جداً وكان يمكن لها أن تأتي أفضل تنفيذاً.
نوايا الفيلم، ومخرجه، لا غبار عليها، لكنه شغل نفسه أكثر بالخلافات بحيث منع عن نفسه البحث عن هوية خاصة به. إعتناق خاص لفكرة عوض أن يبقى مجرد كاميرا بين إثنين. يتوقع المرء أن يحدث تطوّر من نوع أن يفهم الإبن أبيه أكثر، او أن يقع حادث يظهر شغف الأب بإبنه وقبوله به. الطريقة التي انتهى فيها الفيلم لا تحمل أياً من هذا التطوير. بل صور غامضة لرحيل شاب عائد من دون أبيه الى وطنه الوحيد: فرنسا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
NEW RELEASES | أفلام جديدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
NEW RELEASES | أفلام جديدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Hangover ** | آثار السهرة
Todd Phillips إخراج: تود فيليبس
تمثيل: برادلي كوبر، جوستن بارتا، زاك غوليفياناكيس٠
كوميدي | الولايات المتحدة- 2009
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أربعة أصدقاء يصلون الى لاس فيغاس لحفلة كبيرة في البال. أحدهم وأسمه دوغلاس (جوستن بارتا) سيتزوّج. لم لا يحتفل به أصدقاءه ولم لا يودّع هو أيام العزوبية بحفلة؟هناك الشاب ستو (إد هلمز) الذي تصاحبه صديقته الآتية من الجحيم (راتشل هاريس) وهناك شقيق العروس ألان (زاك غوليفياناكيس) والمتزوج فِل (برادلي كوبر) الذي يصر على التصرّف كما لو كان لا يزال عازباً٠
وهناك تلك الليلة التي سيفيق منها الأربعة وهم لا يتذكّرون منها شيئاً. لكن معالمها الغريبة ماثلة: دجاجة في الشقة. نمر في الحمّام. كرسي اشتعلت به النار. والعريس اختفى و-كدت أنسى- هناك طفل رضيع لا يعرف أحد من هو ولمن هو٠
العجيب أكثر من المضحك هنا لكن الأمور ستنجلي نوعاً، لكن هذه الكوميديا تحتفي بالغريب وغير المتوقّع لكي تقول شيئاً عن حياة هؤلاء الرجال الذين قرروا العربدة لأنها الطريق الوحيد للسعادة. إنه كما لو كان المخرج فيليبس، الذي تعامل مع مواضيع شبابية من قبل، يريد أن يخرج بنتيجة نقدية لكن ما يمنعه هو أنه لا يريد التحوّل الى أخ أكبر يرفع الراية الأخلاقية فيترك الأمور على منوالها ولتستنج أنت ما تريد٠
Imagine That ** | تخيّل ذلك
Karey Kirkpatrick إخراج: كاري كيرباترِك
تمثيل: إيدي مورفي، توماس هادن تشايس، روني
كوكس، مارتن شين، يارا شهيدي٠
كوميدي | الولايات المتحدة- 2009
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أدمن ايدي مورفي تبادل أماكنه مع شخصيات أخرى، منذ فيلمه الثانيTrading Places | تبادل أماكن
فيلم جون لانديس الجيّد، ولو أنه أيضاً تقليدي في أماكن كثيرة، سنة 1983. اولاً بالتدريج، ثم أكثر من لعب شخصيّته وشخصية أخرى، حين مثّل
Coming to America | المجيء الى أميركا
لجون لانديس أيضاً (1988) وتمادى في ذلك حتى صار طابعاً له في
The Nutty Professor, Nutty Professor II, Dreamgirl, Norbit
وهذا من دون أن أحاول إحصاء المرّات فعلاً٠
المشكلة ليست فقط إنه كان يقلّد نفسه، بل في كل مرّة كان يقدم فيها على تمثيل أكثر من شخصية في الفيلم الواحد كان ينزل درجة او درجات في سلّم المكانة. من المضحك الى المقبول ومن المقبول الى غير المثير ومن غير المثير الى السخيف تماماً٠ الآن وقد وجد الدور الذي من الممكن أن يعود به الى جادّة الصواب ويبعد عنه شيزوفرانيا الشخصيات، التفت الجمهور بعيداً وترك مورفي يقف وحيداً في قارعة الطريق٠
لكن "تخيّل ذلك" هو أكثر أفلامه الكوميدية- الفانتازية قيمة. ليس لحسن إخراج فائق (ولو أنه محسوب) بل بسبب محاولة مورفي تناول معضلة اجتماعية حول الرجل الذي يعمل كثيراً ويهمل ابنته وكيف أن هذه الفتاة الصغيرة (يارا شهيدي) تبدأ بإشغال خيالها وخلق شخصيات حولها لكي تستبدل بها واقعها والى درجة أنه بالنسبة إليها على الأقل، هذه الشخصيات حقيقية. وليست هي الوحيدة التي تعاني بل الزوجة أيضاً (نيكول آري باركر) هذا بالطبع قبل أن يفيق الزوج والأب على ما يفعله٠
رسالة اجتماعية لكن المثير للمفارقة هنا انه في الوقت الذي كان معظم المخرجين الحاليين سيتبارون لاجل توظيف الفرصة التي يوفّرها السيناريو للعمل في أتون من الخدع والمؤثرات الكومبيوترية، ينأى المخرج كايري كيرباترك عن هذا جاعلاً الشخصيات التي تتراءى للفتاة غير قابلة للرؤية بالنسبة للمشاهد. بذلك يبقيها خيالية وهذا أصعب شأناً لكنه أفضل نتيجة٠
Adam Resurrected * | أدام منبعثاً
Paul Schrader إخراج: بول شرادر
تمثيل: جف غولدبلوم، وليم دافو، ديريك
جاكوبي، أييلت زورر
دراما [هولوكوست] ألماني/ إسرائيلي - 2008
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحد فيلمين ألمانيين / اسرائيليين مشتركين شوهدا واحداً إثر آخر (الثاني »لأجل أبي" ) وتم إنتاجهما في العام الماضي وتم عرضهما على لجان الغولدن غلوب والأوسكار إنما من دون نتائج. الفيلم الآخر، الذي يتناول حكاية تقع أحداثها في إسرائيل اليوم أفضل من هذا الفيلم الذي تقع أحداثه في أزمنة متعددة لكن ليس لتعدد الأزمنة او لأن الموضوع هنا يتعلّق بالماضي، بل لأن الفيلم يحاول أن يجاري الأصل في كل ما ورد فيه من دون أن ينجح في الإتيان بنواح جديدة٠إنه عن قصة وضعها الكاتب الإسرائيلي يورام كانيوك سنة 1968(واقتبسها نوح ستولمان) حول آثار الهولوكوست على بطل الرواية أدام (جف غولدبلوم في الفيلم) الذي نتعرّف اليه في مستشفى للأعصاب في صحراء النجف في العام 1961 حيث تتم معالجته من الآثار الناجمة عن اعتقاله خلال الهولوكوست الشهير٠
لم أقرأ الرواية (ولا علم لي بقيمتها لأنها غير متوفّرة حالياً) لكن الفيلم ينتقل من الحاضر (حاضر زمنه أي مطلع الستينات) الى الأمس على نحو متوال: فلاشباكات أولها سنة 1930 ثم تتواصل على مدد قصيرة (ننتقل الى الحاضر أحياناً لدقيقتين او ثلاثة) لتصل الى فترة اعتقال أدام الذي كان في الثلاثينات كوميدي وساحر في بعض الملاهي وفي الأربعينات سجيناً في أحد المعتقلات. ليس سجيناً فقط، بل مطيّة الضابط الألماني كلاين (وليم دافو) الذي أجبره على التصرّف ككلب (المشي على أربعة والأكل من فم الكلب الحقيقي الخ...). مشكلة أدام هي أنه لا يستطيع أن ينسى هذه القصص ولا ما هو أفدح منها: لقد بقي حيّاً بينما مات سواه من اليهود٠ ليس هذا فقط، عومل بعد الحرب جيّداً ورغيداً. وهذا ما يعذّبه ويجعله الآن غارق في مراجعات الذات وغائص في ذكريات تقض كيانه وتستولي على تصرّفاته٠
المشكلة ليست أن الفيلم عن الهولوكوست، بل أنه يقدّم شخصاً لا يمكن القبول به. أشبه برجل أنيق إذا ما فتحت سترته وجدت جسده مليء بالإصابات والتشويهات وعليك أن تراقبها ولا شيء سواها. هذا نوع من الأفلام التي تقودها شخصيات تطلب منا التعاطف في الوقت الذي تصر فيه على معاداة منطلقات ذلك التعاطف عوض الدفاع عنها وهو بالتأكيد ليس أفضل دعاية لضحايا الهولوكوست في الوقت الذي لا يقصد بالطبع أن يدين هؤلاء الضحايا
بول شرادر مخرج أفضل من المادّة التي بين يديه. ربما كانت البطالة دافعه لقبول هذا العمل، او الإيمان بالرسالة او الرغبة في تحقيق فيلم أوروبي خصوصاً وأن هوليوود لا تتذكّره او أعماله الجيّدة السابقة. كله جائز، لكن لا شيء هنا يوفّر نتائج كان يستحق المخرج ترك وحدته لأجلها. الإنتقال من الحاضر الى الماضي عبر الفلاشباك المتكرر لا يصنع ناصية فنيّة ذات شأن (كان يمكن لكل الفيلم أن ينحصر في الماضي او أن يبدأ بالحاضر وينطلق في فلاشباك طويل من دون أن تتأثر رسالته)، كذلك فإنه على كثرة ما شاهدنا من أفلام تصوّر الحاضر بالألوان والماضي بالأبيض والأسود، ما عاد إعتماد الصيغة ذاتها عملاً لافتاً او ذا قيمة٠ وبما أن أدام، او أي سواه، لا يتذكر الماضي بالأبيض والأسود فإن التفعيلة غير صحيحة ولا بطانة فنيّة لها٠
يصبح الأمر مثيراً للتقزز والرفض معاً حين تنتقل ذاكرة الكلب في بال أدام الى واقع: هناك صبي في المصحة يتصرّف ككلب (وعليه إنقاذه) وهناك الممرضة التي يمارس معها الحب كلما أراد (!) مستعدة لأن تصير كلباً (او كلبة بالأحرى) للفوز به وتغار حين يحاول التفاهم مع الكلب الصبي٠
في هذا النصف الأخير من الفيلم تتباعد المسافات بين ما كان مقصوداً وبين ما يحط على الشاشة من مشاهد من دون تجانس ويستمر الفيلم في عزف معزوفة من ازدراء الذات حتى نهايته٠
Drag Me To Hell ** | جرّني الى الجحيم
Sam Raimi إخراج: سام ريمي
تمثيل: أليسون لومان، جستين لونغ، لورنا رافر
رعب | الولايات المتحدة - 2009
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حين قرر المخرج سام رايمي تعليق ملابس سبايدر مان على شمّاعة والإلتفات الى حب قديم كان يشغله ويشتاق إليه، اختار سيناريو كتبه وشقيقه إيفان بعنوان »جرّني الى جهنّم« وتوجّه به الى شركة يونيفرسال التي كانت مشتاقة لأن تتعامل مع مخرج حقق لشركة منافسة (كولومبيا) بعض أكثر أفلامها رواجاً. ويونيفرسال لابد نظرت الى ميزانية »جرّني الى جهنم« وضحكت في سرّها، فهي لم تتجاوز الستة عشر مليون دولار، أجر خمسة أيام عمل في واحد من تلك الأفلام العملاقة٠
الآن، وقد أصبح »جرّني الى جهنّم« في الأسواق، فإن المسألة ما عادت مناطة بنوايا الشركة من وراء التعامل مع واحد من أنجح مخرجي السنوات الخمس عشر الماضية، بل بنوايا المخرج الذي يعود بالفعل الى إطار الأفلام الصغيرة لكنها عودة خاسرة. اولئك الذين يزدرؤون الأفلام المكلفة- فقط لأنها مكلفة وجدوا فيلم رايمي الجديد منعشاً وكل من كتب عن الفيلم بإعجاب لم يفته القول أنه فيلم يتناقض مع افلام المخرج السابقة ذات الميزانيات العالية كما لو أن هذا، بحد ذاته، أمراً يحسب لصالح سينمائي ما او ضدّه٠
قصّة »جرني الى الجحيم« تبدأ بمشهد تمهيدي يقع سنة 1969 نرى فيه عائلة مكسيكية تحمل ولدها الصغير وتأتي به الى دار إمرأة ربما كانت تعمل طبيباً بلا إذن رسمي. تكتشف أنه سرق قلاّدة من عربة غجر وسريعاً ما تفاجأ وباقي العائلة بأن هذه اللعنة سوف تخرج على هيئة أشباح وأيادي وسوف تنشق الأرض وتخرج النيران من تحتها وتمتد أيدي من فيها لتسحب الصبي الذي انتهى دوره في الفيلم عند هذا الحد٠
الآن ننتقل الى الزمن الحالي وها هي كرستين براون (آليسون لومان) تعمل في مصرف وعينها على المكتب الشاغر أمامها. مكتب مساعد مدير البنك وهي تشعر بأن مدير البنك سيفضّل عليها زميلا لها لا تطيقه انضم قبل فترة وجيزة الى العمل٠ لكن حين يخبرها مدير البنك (ديفيد بايمر) بأنها هي الأقرب الى احتلال هذا المنصب تشعر بالسعادة... سعادة مؤقتة جدّاً فقبل ذلك كانت عجوز غجرية طلبت منها أن تساعدها في حل مشكلة مع المصرف الذي يرفض إعطاءها منحة جديدة وسيضع يده على منزلها. لكي تبدو صارمة أمام مديرها، رفضت ولو مضطرة، هذا الطلب فلعنتها الغجرية، ثم انتظرتها في المرآب بعد الدوام وهاجمتها بعدما تسللت الى سيّارتها (لا علم لنا كيف أدركت أن هذه السيارة تحديداً هي سيارتها) . داخل السيارة تقع معركة كبيرة بين المرأتين قبل أن تختفي العجوز وقد نزعت من سترة غريمتها زرا من سترتها. وحسب قاريء كف هندي أسمه رام جاز (ديليب راو) فإن السحرة يأخذون شيئاً من ممتلكات الضحية لأنهم عبر هذا الشأي يستطيعون النيل منها٠
الى الآن عرفنا كل شيء غير صحيح عن الغجر مغلّفاً -في صميم الموضوع- بعنصرية متآكلة من حين كان الأوروبيون القدامى يحمّلون الغجر كل عارض سيء يصيبهم. ازدراء من الآخر يتحكّم في علاقة فوقية تنتقل في الملامح البعيدة لهذا الفيلم٠
إنه فيلم رعب من حيث الرغبة والإنتماء النوعي، لكن ليس من حيث القدرة على إثارة الخوف فعلاً. فما يثيره هذا الفيلم هو قدر من الإنزعاج مصحوباً بقدر من الأنفة خصوصاً حين تتحوّل أسنان الغجرية المستعارة الى تفصيلة عمل فنراها تخرج من فم الغجرية وتدخله مثل شارع مزدحم باتجاهين، او نتابع فيه ذبابة تدخل من أنف كرستين وهي نائمة ثم تصر على دخول فمها والإستقرار في معدتها٠ ليس أن الفيلم يتوقّف عند هذا الحد من الأفكار »الجحيمية« بل يواصل مساعيه لاختبار قدرتنا على الإكتراث لما يحدث على الشاشة٠ لصالح المخرج نوعيّة تنفيذة، ما لا يعمل جيّداً هو المعالجة الكليّة لذلك التنفيذ٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠
0 comments:
Post a Comment