The Searchers
فيلم جون فورد/ جون واين
"الباحثون" يبقى أحد أهم ما أخرجه الأول من بطولة الثاني في السينما. تم إنجازه سنة 1957 ليتعامل مع تبعات موقف عنصري يمثّله بطل الفيلم إيثان (واين) حيال قيام مجموعة من الهنود الحمر اختطاف قريبة له قبل سنوات. هو والشاب مارتن (جفري هَنتر) يواصلان البحث عنها طوال هذه السنوات حتى يجداها وقد غدت شابّة، لكن إيثان متمنّع عن قبولها بينما يدعو مارتن للتسامح. شخصية كلينت ايستوود في فيلمه الأخير "غران تورينو« تستدعي للذاكرة شخصية إيثان في هذا الفيلم٠
التصوير لوينتون هوتش لكن تصميم اللقطة يعود الى جون فورد الذي كثيراً ما استعان بمثلها في أفلامه. لقطة من الداخل المعتم الى الخارج المضيء٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سينما وبس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخوة وراء الكاميرا
Lorna's Silence
الأخوان تافياني على عيني، لكن هل هما أفضل من الأخوين كووَ
ن؟
السائل وضمن السؤال جوابه هو الزميل هوڤيك حبشيان وذلك تعليقاً على عبارة وردت في إحدى مقالاتي تعكس وجهة نظري في الأخوين كووَن ومفادها: أفلام كووَن من العام 1984 حين أخرجا
Blood Simple أول أفلامهما
الى العام 1996 حين أخرجا "فارغو" غير متساوية مع نسبة أعلى جيّدة. لجانب الفيلمين المذكورين
Miller's Crossing و Barton Fink
1- جان-بيار ولوك داردين
Rising Arizona بينما وجدت
The Hudsucker Proxy متكلّفا و
لا قدرة له على تجسيد الرسالة التي حملها، كذلك الحال مع
The Big Lebowski
الذي من حينه (1998) ترتفع نسبة الأفلام المنزلقة نحو الهوان
O Brother, Where Art Thou?, The Man Who Wasn't There، The Ladykillers
جوويل وإيتان كووَن-2
لم تعن لي شيئاً على الإطلاق، سوى إخفاق في ايجاد سبب فعلي لكل من هذه المشاريع. أما
Intolerable Cruelty
فهو ليس فقط أسوأ أفلامهما (قياساً بالمتوقّع من هذه الأفلام) بل من أسوأ أفلام سنة إنتاجه (2003). الوضع تحسّن كثيراً، إنما مع إبقاء الباب مفتوحاً للجدال، مع فيلم
No Country for Old Men | لا بلد للمسنين
Burn After Reading ثم عاد وانتكس في آخر أعمالهما
المسألة هي العامل الإنساني. الأخوان تافياني، وهما من صنع إيطالي، يمنحان المشاهد إنساناً في مواجهة مع محيطه وسكون هذا العالم وتحدياته. الأخوان داردين يبحثان عن تلك الشخصيات التي تعكس واقعاً إجتماعياً ملتصقاً بتطورات الحياة في بلجيكا ومنها في أوروبا وكيف تعيق الظروف القاسية تبلور الطيبة والحب وتميد بالأرض الصلبة التي يعتقد أبطاله أنها تمهيداً لتحقيق حلم بحياة أفضل٠
الأخوان كووَن لديهما مشكلة هي أنهما يلعبان لعبة القاص والقاضي والجلاد والجلد ينال كل الشخصيات
التي هي وسيلة لتحريك الفيلم صوب الغاية المنشودة وهي عادة غاية جرائمية تكشف المزيد عن أن هذه
الشخصيات تستحق ما يحدث لها. تلك التي لا تستحق (مثل الشخصية التي أدّاها رتشارد جنكيز كمدير المؤسسة التجارية التي يعمل فيها كل من فرنسيس مكدورماند وبراد بت في »إحرق بعد القراءة«) فلتمت أيضاً. النتيجة غير ذات قيمة (في رأيي المتواضع) لذات السبب الذي ذكرته المخرجة الراحلة لاريسا شوبتكو لي حين قدّمت لها محاولتي الأولى في كتابة سيناريو أجنبي: "بطلك يموت بلا قضية"، وكان ذلك قبل أن يخرج الأخوين فيلمهما الأول ذاك٠
باستثناء الأخوين سعادة (وكانا من أبطال المصارعة في لبنان قبل أن ينجزا فيلما او فيلمين) فإن الأفلام التي حملت شراكة بين شقيقين وراء الكاميرا كانت ذات صدى جيد. التجربة المشتركة جاءت ناجحة. خذ مثلاً تجربة الأخوين ووشوڤسكي حين أطلقا ذلك الخيال العلمي المغرق في التقنيات والتجريب "ماتريكس" الذي جعل العديد من المشاهدين، في العالم العربي وسواه، يحاولون فك ألغاز هي مثل قنابل موقوتة تبقي فتيل التشويق مفتعلاً وتدافع طوال الخط عن حاجة الإنسان لمواجهة نظام يرياه آت من عالم مواز لتحويل الإنسان فوق سطح الأرض الى مخلوق مفبرك (كثيرون منهم حولنا)٠
الأخوان تافياني (باولو وفيتوريو) حصدا نجاحاً كبيراً في السبعينات والثمانينات لكنه انحسر في التسعينات ولابد من عودة إليهما لمعرفة ما الذي جرى في عالمهما سبب ذلك الإنحسار. من »أستاذي، أبي« سنة 1977 الى "مصنع المرح" سنة 2007 ثلاثين سنة وسنوات كونية وتجربة انطلقت إيطالية بالكامل وانتهت في محاولة "عالمية" تطرح موضوعاً غير إيطالي (ما حدث للأرمن على أيدي الأتراك) وتستعين بممثلين من أنحاء مختلفة (محمد بكري من فلسطين، أرسين كانجيان من كندا، خرستو شوبوف من بلغاريا، تشيكي كاريو التركي الأصل لجانب الإيطاليين) وتفتقد السببية كما ضبط الحكاية درامياً بحيث تعني للمشاهدين أكثر من أحداثها٠
الساحة اليوم (ومنذ بضع سنوات) تستقبل أخوين آخرين هما الأخوين داردين [جان-بيير ولوك] البلجيكيين القادرين على الفوز مرّتين متلاحقتين بالسعفة الذهبية من مهرجان "كان"٠ جان - بيير ولد سنة 1951 والثاني سنة 1954 وكلاهما بدأ العمل تزامناً مع بداية الأخوين تافياني العمل في منتصف السبعينات، لكن الأخوين الإيطاليين كانا الأسبق لفرض وجودهما على الساحة السينمائية وثقافتها الفنية والسياسية٠
سبب التأخير يعود الى أنهما عمدا الى إخراج وإنتاج الأفلام الوثائقية حتى العام 1987 حين أخرجا فيلمهما الروائي الطويل الأول
Falsch | فولش
وبعده انطلقا يجوبان السينما بمزيج من المفهوم المسرحي للنص والمفهوم الوثائقي للحركة والإيقاع عبر أفلام مثل »الوعد« (1996) و»روزيتا« (1999) الذي كان أول فيلم لهما يحصل على السعفة الذهبية و»الإبن« (2002 ) ثم "الطفل" (2005) وصولاً الى فيلمهما الذي لا يزال آخر ما حققاه »صمت لورنا« الذي يبدأ عروضه الأميركية بعد أكثر من عام على عرضه العالمي الأول وبعد نحو ستة أشهر على إطلاقه أسطوانات في عدة عواصم أوروبية٠
هذا الفيلم الأخير نال جائزة أفضل سيناريو غالباً بسبب موضوعه وليس بسبب الطريقة التقنية التي على السيناريو أن يسبر غورها لإنجاز مضمونه٠ إنه فيلم جيّد لكنه ليس أكثر بكثير من جيّد حول لورنا (أرتا دوبروشي) المهاجرة الألبانية التي تعيش في بلجيكا مع زوجها. زواج مصلحة لأنها تعمل مع عصبة من البلجيكيين تقوم بتسهيل مهمّة الراغبين في الحصول على إقامة وهوية بلجيكية عبر تزويجهم بلورنا الى أن يتم حصولهم على ما يرغبون ثم عليهم تطليقها لأن هناك من ينتظر دوره٠
زوجها الحالي مدمن مخدّرات يثير شفقتها (وشفقتنا) لكن العصبة (او هل أقول العصابة؟) تريد التخلّص منه وهو الذي لا يود الإنسحاب من حياتها سريعاً. خطّة لقتله لكن لورنا ليست مجرمة بل ضحية مماثلة والفيلم من هنا يتبلور نحو دراما أكثر تأزّماً مما بدأت عليه تتجانس وتلك افلام الشرائح الإجتماعية التي عالجها الأخوين في أفلامهما السابقة٠
هذا هو الجيّد. ما لم أكترث له كثيراً (لا في هذا الفيلم ولا في سواه) أن الكاميرا لا تتركها لحظة. شاشة عريضة ولقطات كبيرة (قريبة) نظام فيه تناقض لا يمكن له أن يخلق صياغة فنيّة سليمة. دائماً ما سيجد البعض تبريراً للقول أن هذا النوع من الإخراج القائم على متابعة الموضوع المصوّر (لورنا في هذه الحالة) يؤكد على الحالة وله غاية تأثيرية ذات قوّة لا يُستهان بها٠
وهذا الكلام ليس خطأ لكن باقيه هو كيف تفضّل الفيلم أن يكون: صياغة منفردة (مثل الكمان المنفرد) او صياغة جماعية (أوركسترا كاملة صغيرة او كبيرة)٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
121
سنة سينما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1949يوم العطلة لجاك تاتي
Jour de fête *****
هناك ألوان من الكوميديا ومعظمها ينتقل عبر الحدود الثقافية والإجتماعية استرجالا وهزليا وتهريجياً. لكن تعال الى حيث النكهة الكوميدية الصافية، تلك التي قدّمها هدية للسينما كوميديون عباقرة أمثال باستر كيتون وتشارلي شابلن ولوريل وهاردي وهارولد لويد و... لا تنسى الكوميدي الفرنسي الأول، ولكل العصور: جاك تاتي٠
يوم العطلة هو أول فيلم أخرجه جاك تاتي الذي لم يحقق أكثر من خمسة أفلام روائية طويلة (أيضاً بعض القصيرة ومثّل في نحو أربعة أفلام وكتب ستّة لم يمثّلها او يخرجها) وهو بالنسبة لكثيرين أفضل أفلامه، ولو أنه عندي يتساوى وفيلمه الآخر "عطلة المسيو أولو" الذي أخرجه سنة 1953
لكن "يوم العطلة" استثناء من حيث أن الإنتقال من فصل من مشاهده الى فصل آخر أكثر سلاسة وانسياقاً من أفلامه اللاحقة التي تتشابه في أنها تقع في زمن معيّن ومكان واحد لكن المخرج كثيراً ما تجاهل ضرورة الإنتقال السلس بين حدث وآخر عوض طريقته المفضّلة في تقسيم الفيلم الى أحداث كل منها فصل يمكن عرضه منفصلاً٠
إنه يوم عطلة حيث هناك معرض تقيمه بلدة سانت سيفير سو إندر الفرنسية (بالطبع) مرّة في السنة. والفيلم يبدأ بوصول فناني الإستعراض وينتهي بإنصرافهم بعد يوم حافل. وخلاله هناك تعليق تقوم به إمرأة من الريف وبجانبها عنزة مهمّتها تقديم الشخصيات وبعض الأحداث التي ستمر في هذه الكوميدية التي تتخلّى، كعادة أفلام تاتي، عن الحبكة (تقليدية وغير تقليدية)٠
هناك مسيو فرانسوا (جاك تاتي) الذي يعيش في تلك البلدة. ساعي بريد مرتاح وسعيد وهمّه تسليم البريد سريعاً. لقد شاهد فيلماً وثائقياً عن كيف يسلّم سعاة البريد الأميركيون رسائل اليوم في سرعة ونيويورك كبيرة، ما الذي يحول دون أن يفعل ذلك في بلدة صغيرة؟
في موقفه هذا، ومن دون سعيه لكي يختمر حقيقة أن نيويورك مدينة تستطيع تخزين كل وسيلة ممكنة لإرسال واستقبال كل أنواع البريد في منهج عملي مهني حرفي صارم (ولا ننسى أننا نتحدّث أيام ما كان البريد يتم إرساله عبر البريد وليس عبر شاشة الكومبيوتر) كبرياء فرنسي يتواكب ومع "فرنسية" كل شيء في هذا الفيلم. الحركة. السلوك. البيئة. الطبيعة. المنازل ونوعية ذلك العالم الخارج من الحرب والقادر على أن يستمر في منهجه الثقافي الطبيعي من دون تغريب ولو لبضعة سنوات لاحقة٠
مثل أفلامه اللاحقة، "عمّي" و"وقت مرح" و"سير"، يريد تاتي القبض على الزمن الحاضر والحفاظ عليه أبداً. في هذه الأفلام الأخرى المذكورة يعكس ما يعتمر في داخله من هاجس الخوف من العصرنة والتكنولوجيا. كل شيء يقدم عليه في هذه الأفلام لا يعمل لأنه يتطلّب إنساناً آخر. في "يوم العطلة" يتنفّس مسبقاً هاجسه ذاك ويعكسه عن طريق اظهار بساطة الحياة في مقابل تعقيد أي طاريء عليها. شيء من هذا الوله بالمكان موجود عند فديريكو فيلليني (في "أتذكّر") ولو لأسباب مختلفة، ولو أن المرء يلاحظ أيضاً أن الكوميديين العملاقين باستر كيتون وتشارلي شابلن كانا عبّرا بدوريهما عن موقف مناهض للتقدم التكنولوجي- لكن ليس بالقدر الذي عبّر به تاتي عن هذه المعارضة٠
فنياً يجد الناظر الى أفلام تاتي عموماً أن المخرج- الممثل إنما يراهن على مدّ ما أنجزه المبدعون الكوميديون الصامتون قدر الإمكان. أفلام تاتي لها أصوات، لكنها بالكاد ناطقة (لا يخلو الأمر من عبارات متباعدة) وهي تعتمد على الحركة المؤطرة بكادرات بعيدة ما يتيح للمكان أن يعيش على الشاشة من ناحية وللحركة التي فيها التمتّع بنبضها الحقيقي. هذا قبل أن يبدأ مايكلأنجلو أنطونيوني رحلته في سبر المحيط البيئي في لقطاته، ومن قبل عشرات السنوات قبل أن يعتبر عبّاس كياروستامي نفسه مسؤولا عن خط سير اعتبره جديداً لمنهج فيه تقارباً مع سينمات آخرين سواه٠
انذاك كان لا يزال من غير المعتاد قيام أحد في فرنسا تصوير فيلم في الطبيعة خارج الاستديو، لكن تاتي كان يعرف ما يريد وينقله من دون عناء. وما أراده هنا هو نقل الحياة البسيطة والأليفة للقرية التي يصوّر فيها. والكوميديا عنده (وعند عمالقتها) ليست في ماذا يقول في الأساس بل كيف يقوله ولأي تأثير ولذلك فإن مشاهده هنا هي، ولو بإستعارة عبارة أندريه تاركوفسكي الشهيرة، نحت في الزمن وعبرها يطرح عالماً جميلاً حميما ومتآلفا كان خرج من الحرب العالمية الثانية منهاراً وأحب جاك تاتي بث روح الأمل فيه٠
تصوير وعروض
صوّر تاتي هذا الفيلم في ثلاثة أشهر مستعينا، كما هي عادته دائماً، بممثلين غير محترفين. ونال الفيلم نجاحاً كبيراً بين النقاد كما ساتحوذ جائزة أفضل مخرج سنة 1949 من مهرجان ڤنيسيا٠
جاك تاتي صوّر المخرج فيلمه بنسختين واحدة بالأبيض والأسود والأخرى بالألوان وحسناً فعل لأنه حين الطبع تبيّن أن النسخة الملوّنة غير صالحة للعرض وهذه النسخة لم يتم معالجة عيوبها التنفية الا سنة 1995 حين أعيد عرض الفيلم في فرنسا٠
تاتي لم يأخذ حظّه من النجاح الكبير لكنه ترك بصمته على عدد من المخرجين الفرنسيين مثل روبير بريسون الذي، مثل تاتي، فضّل الأبيض والأسود كما فضّل عدم التعامل مع ممثلين محترفين. بعد سنوات من عروض هذا الفيلم في الصالات الفرنسية اختفى الفيلم فجأة ولم يستطع أحد فك غموض اختفائه، ولو أن البعض اقترح أن تاتي كان يعلم أنه يشبه الجنرال ديغول الذي وصل، سنة 1958 الى السُلطة ولم يشأ أن يبدو الفيلم كما لو كان محاكاة للرئيس٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1986للحب قصّة أخيرة لرأفت الميهي ****
في "للحب قصّة أخيرة" زوجان شابان (يحيى الفخراني ومعالي زايد) يعيشان في قرية صغيرة على النيل خارج القاهرة. هو معلم في مدرسة القرية ومصاب بالقلب ولكي يخفف المصاب عن زوجته يطلب من صديقه الطبيب إعلام الزوجة أن خطأ في صورة القلب قد تم وأن زوجها معافى. الطبيب (عبد العزيز مخيون) من ناحيته يعيش وضعاً صعباً إذ يعيش مع والدته العجوز المريضة ولا يدرك كم كانت تشكل له عائقاً حياتياً إلا بعد موتها. حين تدرك الزوجة أن زوجها يعاني من القلب فعلاً، تتجه إلى «الشيخ التطاوي» الذي يدعي الشفاء والأعاجيب، وإذ يصدق بعض أهل القرية أن الشيخ قد نجح في شفاء الزوج من دائه، يمضي الزوجان في معايشة أزمة عاطفية حادة ومأزق من الحياة والموت يتجسدان في شتى المناسبات٠
هذا -لليوم- أفضل ما أخرجه رأفت الميهي من أفلام وواحد من عدة أعمال جيدة خرجت بها السينما المصرية ما بين 1985 و1986، لكنه أكثرها تميّزا في موضوعه كما في شكل هذا الموضوع باستثناء "الطوق والأسورة" لخيري بشارة الذي وازاه إجادة٠
سمة »للحب قصة أخيرة» الأولى والحادة دوماً أنه حزين. ليس فقط أنه يتحدث فقط عن حالة (أو حالات) حزينة، بل إن وجهة نظره فيها هي بدورها حزينة، مهمة ومليئة بالمشاعر الصادقة المانعة لأي اغتراب ما بين المخرج وبين الموضوع الذي يقدمه٠
الموجز الآنف لا ينقل كل تفاصيل الفيلم ولا كل طروحاته. رأفت الميهي، أكثر من أي فيلم سابق له، ولّف بين عدة طروحات، ليست حكاية مرض الزوج وحب زوجته الكبير له ومحاولتهما تبيان الحقيقة في شأن الشيخ التطاوي إلا واحدة. فيها نرى قصة حب هي في الأساس رومانسية واضحة في متانتها وقوتها. الزوج سيموت ولا شيء سيوقف أو يمنع ذلك. وبعد أن استطاع الزوج إيهام زوجته بأنه سيحيا وتكشفت الحقيقة وجدت الزوجة أمامها رجلاً يقع، وما مشهد الحب بينهما إلا تتويج لرغبة من العطاء الأخير قدمها الميهي بكثير من الرقة وبعيداً عن الاستغلال (في هذا رد على الذين ألحوا في اتهام الفيلم بالإباحية). الكاميرا تتقدم ببطء فوق الزوجين وعندما تصل إلى لقطة قريبة لوجه الزوجة تكون قد أحسست ـ إذا ما كنت تتابع الفيلم وليس المنظر وحده ـ بالقيمة المتجسدة في ذلك المشهد٠
الميهي ينجح في رسم المأزق الذي ينتج عن اكتشاف الزوجة لقرب أو احتمال موت زوجها. إنه (المأزق) أشبه بخطي سكة حديد يركبه الزوجان لكنه يمر بهما في أكثر من حالة مترادفة أو موازية أخرى تكمل الطروحات المستجدة. فهناك الطبيب الذي يعيش في كنف تلك الظلال الغريبة التي يفرضها مرض والدته، فمنذ خمسة عشر عاماً وهو يداويها ويعالجها ويؤمن لها احتياجاتها الدنيوية المختلفة (إطعام، استحمام الخ..) ولم يبدأ بالحياة إلا عندما ماتت في ليلة كان يجامع فيها بنتاً غازية في مشهد بليغ آخر من مشاهد الفيلم. المشهد الذي نرى فيه ذلك المزيج من التأثير النفسي للأم الغائبة عن الوعي على ابنها ممتزجاً برعايته وخوفه من إيقاظها علماً بأنهما يتشاركان في غرفة نوم واحدة. تنظر الغازية إلى صوب أمه وتقول له «أمك ماتت». الميهي لا يكمل هنا ما كان يمكن له أن يملأ النصف الثاني من المشهد. النصف المفقود الذي معه كان محتملاً أن نرى ردة الفعل في وسط وضع عاطفي خاص. بدل ذلك ينتقل إلى بلاغة من لون آخر فالمشهد التالي مباشرة يبدأ بلقطة لعمود منتصب في ساحة تهبط الكاميرا من فوق لتحت لنرى الدكتور وهو يتمشى سعيداً وقد غير من هندامه. مثل هذا القطع ذو الدلالة نراه أيضاً في مشهد يخلف آخر من المفروض فيه أن يكون عاطفياً بين الأستاذ وزوجته، إذ يقطع الميهي على مشهد خرطوم ماء ترش به الزوجة حديقتها٠
الموت يوحد، كما نرى، بين والدة الزوج (تحية كاريوكا) والزوجة التي كثيراً ما حاولت، وفشلت، في استرضاء الأم التي مانعت الزواج. حين أدركت الأم مصابها في ابنتها تلاقت، تلقائياً، مع الزوجة في موقف متعاطف يوحّدهما حيال الفقدان الكبير المنتظر. لكن الموت المطروح في الفيلم ليس فقط في حكاية الزوج، وليس فقط في حكاية والدة الطبيب، بل نراه متمثلاً في جنازة وعرس يلتقيان فوق صفحة النيل. الجنازة مسيحية والعرس مسلم لكن، وفي مشهد روعي فيه التأكيد على التآخي واللبنة الواحدة بين الطائفتين، يسود الخشوع ذلك اللقاء العابر فوق المراكب وينتقل إلى المتفرج بأحاسيس لم تعرفها السينما المصرية من قبل. كما أن الموت موجود في حكاية رجل كبير وزوجته المسنة. هي تعتقد أن ابنهما قد سافر القاهرة وسيعود، وهو عالم بأنها إنما تعيش في الوهم، إذ إن ابنهما مات. رغم ذلك هو يدعي تصديقها ـ مخافة أن يدمر ذلك الأمل في ذاتها ـ إلى حد أنه يذهب كل مساء إلى حيث ترسو المراكب ينتظر عودته. هل يؤمن حقيقة بأن لا عودة لابنه؟ هل هو الذي يخاف اندثار الأمل في ذاته؟ ما الحقيقة؟ أسئلة يتركها الميهي دون جواب.
مأزق الزوجين يصل بهما، وبالفيلم، إلى قضيته الأكبر. هناك ذلك الشيخ الذي لا نراه والذي يتبرك منه وبه أهل القرية في وله شديد واعتقاد كبير. الميهي هنا يصور الخداع والوهم، وهما بما أنهما إعلان عن شيء غير موجود (غير مرئي أو ملموس) فإن تغييب صورة ذلك الشيخ يصير ملائماً تماماً عن ذلك الإعلان، فنحن لا نراه أيضاً كما أننا لا نرى الوهم الذي يتحدث الفيلم عن إيمان الناس به، لأنهما معاً غير موجودان. الميهي لا يعمد إلى مشاهد خطابية في هذا الشأن (ولا في أي شأن آخر من مواضيع الفيلم). لا يخصص أسطر حوار يتبادله أصحاب مواقف متعارضة يريد منه مهاجمة ذلك الاقتناع أو الوهم. بدل ذلك يعمد إلى مشاهد بالغة التأثير والأهمية. أحد تلك المشاهد يقع بعدما أدرك الزوجان أن الزوج ميت لا محالة. إنه مشهد ليلي يسيران فيه بين جموع الناس التي تتقدم صوبهما للمباركة. هما يعلمان أن أحدهما سيموت، والناس لا تعلم، بل تركض وراء الأمل الكاذب معتقدة أن الشيخ قد أشفى الزوج٠
إنه مشهد حزين آخر من مشاهد الفيلم، ولكن إلى جانب حزنه هو مشهد بالغ الأهمية ( =وإخراجه يفوق التصور في قدرته على القبض على معانيه) وتتويجاً له يدور لاحقاً هذا الحوار بين الزوج رفعت الذي دخل غرفة الشيخ التطاوي وقابله (وحده دون الكاميرا) وبين زوجته سلوى التي تريد أن تعرف من زوجها ما دار بينهما. الحوار يقول
هي: هو شكله ايه؟
هو: «يللي شفته شيء قبيح جداً يا سلوى. مخلوق ظهره مقوس، ايديه ورجليه مليانة قشف. عينيه مغمضة على طول من الرمد المزمن. مخلوق متكوم على كرسيه في ركن الزاوية. ريحة النتانة طالعة منه. لما قربت منه حسيت انه ما فيهوش أي حاجة تدل على أنه ولي، أو حتى شيخ طيب ممكن يعمل معجزات. ما قدرتش أقف قصاده. ولما قالوا لي قدم وبوس ايده ما قدرتش. اديتهم ظهري وخرجت...»٠
يلي هذا المشهد الليلي الذي لا نرى فيه سوى أعين الزوجين والذي ينتهي باختفاء تدريجي، مشهداً آخر ينم عن الأمل والإيمان دون أن يرتفع عن بساطة المنطق الشعبي، هذا كله ينتهي إلى مشهد تقوم فيه الزوجة (وقد مات زوجها) بهدم الكرسي الذي كان «يتكوم» فوق الشيخ التطاوي في ثورة عارمة. وكان البوليس قد اقتحم المكان وفرق الحشود (ببعض العنف) ولم يبق في إطلاله سوى بعد النساء العاجزات اللواتي افترشن الساحة وبينهن عجوز تتحدث طويلاً عن فقيدها والموت الشامل٠
الفيلم هو إدانة للتخلف الذي ما زال الناس يعيشون فيه وحوله ومعه. تخلف لا علاقة له بالدين ولا علاقة له بالأمل والطموحات، بل هو نتاج فقر وبيئة محتاجة للعقائد التي تستطيع أن ترتاح لها لمساعدتها على الاستمرار. إدانة الميهي ليست سلطوية ولا هي غريبة، بل ولا حتى أخلاقية جافة. المنطلق الذي اختاره للحديث عن عالم القرية وعالم المعتقدات صعب، ذلك أنه يتحدث طوال الفيلم عن الموت جاثماً فوق كل أبطاله. فوق الزوجة التي ستخسر زوجها، وفوق الزوجين العجوزين اللذين يعيشان على أمل محظور، وفوق الطبيب الذي ـ وحده ـ خرج من الامتحان حياً. وإذا كان الميهي قد عرف كيف يتوغل في حياة كل هؤلاء الناس، دون أن يفقد وحدة موضوعه وانسجامه، فمعيار نجاحه هو في تجسيده لكافة المشاعر من حب وعاطفة وحزن وأمل وغضب، في بلاغة ملحوظة. تصوير محمود عبد السميع يزيد الفيلم رهبة وإجادة، ومونتاج سعيد الشيخ هو الأفضل بين كل ما خرج من السينما المصرية خلال الموسم المذكور. وحينما يصل الأمر إلى الممثلين فبامكانك التأكد من أنهم جميعاً كانوا مدركين لطبيعة الفيلم الذي يقومون بتمثيله فمن زمن بعيد لم أر تحية كاريوكا بمثل هذه المقدرة (كانت تستحق جائزة أفضل ممثلة مساندة) ومعالي زايد في قمة أدائها. وهذا ما يصل بنا إلى يحيى الفخراني الذي لم يكن حينها الوجه الأنجح جماهيرياً (على أساس أن الناس استهوت الوجوه الوسيمة) إلا أنه أفضل من أعطتهم السينما المصرية من جيل ما بعد نور الشريف من الممثلين الأول٠
على صعيد مخرجه، فإن »للحب قصة أخيرة»، هو أفضل ما قدمه رأفت الميهي إلى اليوم ومثل أعماله السابقة تستطيع أن تدرك أن المخرج، كونه كاتب السيناريو أيضاً، قد عايش موضوعه بأحاسيسه ومداركه. ربما الحوار خانه في بعض المشاهد، لكن الرومانسية (حتى في مشهد بسيط مثل مشهد تناول الغداء في باحة بيت الأستاذ مع الطبيب وبحضور زوجة الأستاذ التي تنطلق في سرد أحلامها) غلفت كل المضامين الحادة وأخضعتها إلى أجواء مناسبة للعمل ومؤثرة. الحزن الذي بدأنا الحديث به (وهو رومانسي بدوره) يبقى ماثلاً كلما تذكرنا هذا الفيلم مع ما في الحزن ـ في مثل هذه المناسبات ـ من مدلولات ومعان قيمة. هذه الذكرى تمد الفيلم بالحياة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيلموغرافيا
كل ما شاهده الناقد من أفلام إنغمار برغمَن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبق لهذه اللائحة أن نُشرت في العدد 440 من "ظلال وأشباح" تبعاً لدراسة واسعة عن المخرج بمناسبة مرور عامين على وفاته. وأعيد نشر اللائحة هنا لأن تتابع الأعداد في الموقع الآخر لم يمنحها التواجد الكافي زمنياً٠
1955: Smiles of a Summer Night
*** | إبتسامات ليلة صيف
ملخص: فردريك (غونار بيورنشتراند) محام ناجح يصطحب زوجته الشابّة آن (أولا جاكوبسون) الى مسرحية تقوم ببطولتها عشيقته السابقة (ايڤا دولبك). فردريك كان تزوّج من آن مباشرة بعد وفاة زوجته، لكنه الى الآن لم يقم علاقة معها كما سيكشف الفيلم، لكنه مستعد لإعادة مجرى العلاقة مع عشيقته لولا أن الأمور ليست على سابق عهدها٠
تقييم: يسبر برغمن غور شخصياته متّخذاً إياها سبيله للتعليق الإجتماعي الناقد وللسخرية الكوميدية (في بعض المشاهد) من شخصياته: إنها لا يمكن أن تكون سويّة (خصوصاً تلك الرجالية) حين تكيل بمعيارين لتسمح لنفسها ما تمنعه عن الآخرين. والممثلة تريده (ما يدفعك للتساؤل عن السبب في رغبتها هذه، وهو سبب يتركه المخرج غير معلوم) لنفسها لكن ليس من قبل مصارحته بما كان يجهله حين افترقا٠ مفهوم الحب والخيانة وكشف الماضي من خلال تلك المواقف الصدامية تشكّل معالجة المخرج المفضّلة هنا وفي أعماله السابقة. إدارة شبه مسرحية للمشاهد (بالأبيض والأسود) واتكال شديد على الحوار. رغم أن الحوار هنا ليس ثرثرة الا أنه يقحم الفيلم في زاوية تاريخية تبدو عتيقة اليوم٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1957: The Seventh Seal
*** | الختم السابع
ملخص: يعود المحارب أنطونيوس (ماكس ڤون سيدو) الى بلدته السويدية بعد تمضيته عشر سنوات مشتركا في الحملة الصليبية مع خادمه (غونار بيورنشتراند). إنه ينشد الحياة التي ألفها سابقاً ليكتشف أنها تبدّلت: التطرّف الديني سائد والطاعون يبيد البشر. إيمان المحارب بربّه يتعرّض للشك وحين يظهر له ملك الموت يمستمهله عارضاً عليه لعبة شطرنج قبل أن يرحل يقررا التجوال في البلاد للإجابة على تساؤلات انطونيوس٠
تقييم: اقتبس برغمن الفيلم من مسرحية كان كتبها وقدّمها قبل سنوات. هذه المرّة لا يحمل الفيلم جذوراً من الفن الآخر الا بمقدار ما هو تلقائي الحدوث. الحوار المكثّف المختزن للكثير من الرمزيات بالغ الأهمية والمواقف كذلك وطريقة تصويرها (مدير التصوير غونار فيشر الذي تعاون مع برغمن قبل أن ينتقل المخرج بأفلامه الى سڤن نكڤست) إنها مواجهة بين الحياة والموت وبين بطل الفيلم ونفسه المتسائلة عن معنى الوجود إذا ما كان الألم ملازم للحياة٠ إنه ليس فيلماً تاريخياً بل دراما وجودية ميتافيزيقية كاسرة للتقليد في قالب من الأفلام التي تستثمر رحلة طريق لطرح اسئلة بعضها يبقى بلا إجابات ولعرض مجموعة من الإكتشافات الذاتية لدى القائمين بتلك الرحلة٠الفيلم معروف عنه أنه معاد لفكرة وجود الله (سبحانه وتعالى) لكن برغمَن لم يندفع في تبن ذلك من عدمه (هناك شخصية مؤمنة غير متطرّفة يعرضها المخرج علينا بإضاءة إيجابية). الفيلم مناسب بالأبيض والأسود لموضوعه القاتم ولتاريخ أحداثه (لكن برغمَن صوّر أفلاماً حديثة بالأبيض والأسود أيضاً وكانت جميلة). وهناك إيحاء بمعاداة الحرب عبر وضع الأحداث في الفترة الصليبية بالتوازي مع كتابة الفيلم وإنتاجه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1957: Wild Strawberry
**** | فريز (فراولة) بريّة
ملخص: بورغ (ڤكتور سيوستروم) طبيب يحتفي بمنحه الدكتوراه الشرفية في يوم افتتاح أحداث الفيلم. إنه اليوم الذي يقرر فيه ترك المدينة الى بيت ريفي نشأ فيه. تتبرّع زوجة إبنه ماريان (إنغريد ثولين) بقيادته الى هناك. حين الوصول، بعد محطّات، تتداخل الأزمنة في بال بورغ ويستعيد بعض ماضيه صوراً وحواراً٠
تقييم:
لا يزال الفيلم أحد أرق الأفلام التي أخرجها برغمن الى اليوم وناضح بكل الأفكار التي عرفتها سينماه منذ تلك الفترة والى نهاية عصره الذهبي مع مطلع السبعينات. الطريقة التي يدلف بها بطله العجوز من اليوم الى الأمس رائعة. فلاشباك من دون التمهيد والتقطيع التقليديين. بورغ يجلس في حرش قريب من البيت الذي يقصده وينظر بعيداً. تطلع له حبيبته الأولى. لقطة إليه، بورغ في شبابه. المشهد يفصح هنا عن بعض ما يقلق بال بورغ لذلك يتذكّره. ومنه يلج بورغ الى باقي ذكرياته وما تحمله، مرّة أخرى، من إرهاق نتيجة الشعور بالذنب حيال اختياراته تاركاً حبيبته تختار شقيقه عوضاً عنه. بعض مشاهد الفيلم هي أحلام رآها المخرج في مناماته وأغربها ساعة بلا عقارب كما لو أنها تعبير عن حياة فارغة تنتظر نهاية تماثلها. بعضها الاخر تداعيات من أحلام اليقظة، وأخرى هي مجرد ذكريات. كل ذلك بالإضافة الى الحدث الآني يتجانس في حياكة بارعة تحمل مستويات من العرض والتحليل كلها ممتعة وتؤدي، مثل غرف مفتوحة الأبواب، على بعضها البعض. الفيلم مميّز بسلاسته وأشكاله التعبيرية وعذوبة أداء بورغ مسنّا من قِبل ڤكتور سيوستروم، الذي سبق بيرغمَن للإخراج وأسس، لحد بعيد، السينما السويدية ذاتها. برغمَن سيكتب عن سيوستروم في كتابه اللاحق "حياتي في الأفلام" المنشور سنة
1994
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1962: Winter Light
***1/2 | ضوء شتوي
ملخص: الراهب (غونار بيورنشتراند) في الكنيسة الصغيرة في بلدة ما أمام حضور قليل لا يتجاوز خمسة أشخاص بينهم صيّاد (ماكس ڤون سيدو) وزوجته الحامل (غونل لندبلوم). عقب الصلاة يتقدّم الصيّاد الى الراهب يشكو له مخاوفه من الحرب النووية. لا يعرف الراهب كيف يجيب على ذلك والصياد ينتحر بعد قليل ما يشعل المزيد من الريبة التي كنّا تعرّفنا عليها في ذات الراهب والمتّصلة، بشدّة، حول إيمانه. الراهب في النهاية وحيد في عالم قليل الإيمان وصلاته في آخر الفيلم مسكونة بهواجسه وازدواجيّة اعتقاداته (بين الإيمان وعدمه) ويحضرها سكير ومعاق وعشيقة الراهب غير المؤمنة أصلاً٠
تقييم: يجمّد برغمن المشاهد أمام صوره ذات البساطة والقوّة. تصوير سڤن نكڤست الطبيعي (مقابل ما عُرف عن تصوير فيشر من صنعة) يمد الفيلم بوابل من الأبعاد البصرية الملائمة للمكان (بلدة صغيرة تبدو بلا حياة) والفترة الزمنية (شتاء قاس تنهمر فيه الثلوج) وللأبعاد (شكوك الراهب ودواخله المترددة). في ذلك كله صدى لفيلمه الأسبق »الختم السابع« (كلاهما يتناولان الدين والعنوان السويدي مستوحيان من الإنجيل) وكلاهما يضعان هذا المؤمن/ اللامؤمن بطل الفيلم أمام خطر كوارثي مطروح وواقعي (الطاعون في الفيلم الأول والخطر النووي في الثاني). إنه كما لو كانت الكوارث في شكل اوبئة او حروب هي مفتاح المخرج لطرح اسئلته الوجودية كونها تتعلّق بالموت والموت دائماً حاضر في كل فيلم من أفلام المخرج. الدارسون لسينما برغمن اعتبروا هذا الفيلم الثاني في ثلاثية الطرح الإيماني في سينما برغمن على أساس أن الأول هو »من خلال منظر سوداوي« (1961) والثالث هو »الصمت«، لكن حقيقة أن الموضوع طُرح سابقاً في »الختم السابع« يجعل القضية مفتوحة للنقاش. كالعادة الكثير مما يمكن قوله في علاقة الرجل والمرأة هنا، خصوصاً الراهب وعشيقته. هنا هي أقوى منه وأصلب ولو عبر عدم إيمانها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1963: The Silence
*** | الصمت
ملخص: شقيقتان هما آنا (غونل لنبدبلوم) واستر (إنغريد ثولين) يقومان برحلة بالقطار ويصلان الى مدينة في بلد غير مُسمّى ومعهما إبن الأولى. ينزلان في فندق خال من الزبائن تقريباً. آنا إمرأة حسيّة تبحث عن الحب وشقيقتها مفكّرة ومثقّفة مُثلية ومريضة بداء صعب. في تلك الليلة تخرج آنا للبار القريب وتبقى إستر مع الصبي يوهان وذكرياتها وسعالها وزجاجة الخمر. اليوم التالي ترحل آنا وإبنها وتبقى إستر في تلك البلدة وبجانبها خادم يعمل في الفندق٠
تقييم: في مذكّراته كتب برغمن أنه سنوات قبل هذا الفيلم كتب سيناريو فيلم لم يتم تنفيذه دار حول لاعبي أكروبات يتعارفان بعدما خسر كل شريكه في السيرك. لكن ميتافيزيقية المدينة الغريبة التي قد تكون موجودة وقد لا تكون، مستوحاة من حلم: "كنت كثيراً ما أحلم بأني في مدينة غريبة متوجّهاً الى حي وضيع منها حيث كل شيء يمكن أن يحدث وكل شيء يحدث بالفعل. المزعج هو أنني في أحلامي لم أصل مرّة الى تلك المدينة. كان الحلم ينتهي وما زلت في طريقي اليها، او بدخولي حلماً آخر". الفيلم غريب بين كيانات المخرج الى حد بعيد. التعبير عن أزمة فردية وأخرى اجتماعية ربما ليس جديداً في أفلامه، لكن ما هو حسّي وموضوعي في المقدّمة (حكاية الشقيقين) مرمي على خلفية مدينة تشهد حركة عسكرية ما (كان المخرج في زيارة لأستونيا قبل كتابة هذا الفيلم لكن ربما برلين خلال الحرب كانت في البال أيضاً). الصمت، مرّة أخرى، مقصود به ما يفسّره المخرج بصمت الله عما يحدث. لكن المشكلة التي يواجهها هذا الإعتقاد في هذا الفيلم هو أن ما يحدث مشوّه في الأساس. ربما لو أن الفجيعة مجسّدة، دراميا وبصرياً، على نحو أكثر تماسّاً مع هموم المشاهد والزمن، لكان المغزى معبّراً ولو من وجهة نظر المخرج أكثر من سواه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1966: Persona
**** | برسونا
ملخّص: الممثلة اليزابث (ليف أولمَن) تنهار خلال عرض مسرحي (لـ "أوديب ملكاً") وتلجأ الى صمت مطبق. يتم نقلها الى مستشفى للعلاج وتقترح ممرّضة أسمها ألما (بيبي أندرسن) أن ترعاها بصفة شخصية في بيتها على شاطيء خارج المدينة. هناك تمضي ألما الوقت في سرد ذكرياتها (وأوجاعها المستعادة) والكشف عن شخصيّتها المركّبة والعميقة ما ينتج عنه تنافر على مستوى نفسي وعاطفي٠
تقييم: التنافر الحاصل بين المرأتين ليس ذاته الذي قد نراه في دراما أخرى. ذلك لأن ما يفرزه تواجد اليزابث وألما في ذلك المنعزل الجميل على الشاطيء (الفيلم بالألوان هذه المرّة والتصوير لا يزال لنكڤست) ليس مجرد كشف الثانية عن تاريخها واستماع الأولى له واهتمامها به، بل شرائح من الإقتراحات تؤدي الى اسئلة لغزية لا إجابات محدّدة لها لأنه لو أجاب برغمَن عنها لانحسر سحر الفيلم وتقوقعت حكايته في معالجة حدثية. من جماليات الفيلم الفلسفية هو التداخل المقصود بين الواقع والخيال، وبين الشخصيّتين أيضاً ما يقترح أنهما واحد، وأن اليزابث -بعدما تم نقلها الى المستشفى- إنما تبتكر شخصية ألما لتعايشها كما لو كانت نصفها المخفي. حين يأتي الحديث على الجماليات البصرية نجد الفيلم يحلّق عالياً كواحد من أفضل أعمال برغمَن كشفاً عن مهارته في استخدام الكادر ومتى ينتقل من شخصية الى أخرى (ليس على غرار من يتحدّث ولا على غرار لقطة مقابل لقطة) كما عن مهارة نكڤست الرائعة في التصوير الشفافي وتوظيفه الإضاءة (طبيعية وداخلية) لتجسيد ما يورده الفيلم من طروحات٠ سبق لي أن نشرت في هذه المجلة، ثم في مجلة »فيلم ريدر« تحليلاً طويلاً عنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1968: Hour of the Wolf
*** | ساعة الذئب
ملخّص: يوهان (ماكس ڤون سيدو) متزوّج من ألما (ليڤ أولمن) ويعيشان في بيت صغير فوق جزيرة مهجورة. يوهان فنان يعاني من جنوحه صوب الجنون. إنه يفقد القدرة على ضبط خيالاته المخيفة الكاشفة عن شروره التي تعتمل في صدره. لا يستطيع كبح »الشيطان الصغير« في نفسه ويبدأ بالإعتقاد بأن أوهامه والوحوش التي تتراءى له إنما حقيقية
تقييم: اعتبره نقاد عديدون فيلم رعب أكثر منه دراما نفسية، وهو بالتأكيد له جذوراً في النوعين٠ في الباطن هو نوع من السرد لمرحلة تساؤلات جديدة طرحها برغمن على نفسه: حول زيجاته المتعاقبة وأولاده الذين لا يعرفهم جيّداً ونوعية فنّه وما يود قوله للناس. بعد »برسونا« أراد برغمن البحث عن مادّة جديدة وكان هذا الفيلم المناقض للفيلم السابق من حيث أن الصراع هنا ليس بين إمرأتين (حتى ولو كانتا تشكّلان إمرأة واحدة مقسومة الى إثنين) بل داخل شخص واحد. هذا ما يؤكّد أن برغمَن انتقل هنا الى البحث في ذاته: كلاهما (هو وبطله) فنان، كلاهما يعاني من أزمة وجدانية (او بالأحرى أزمات) وكلاهما يرى نفسه غير قادر على أن يسيطر على مقدّرات حياته جالباً لعلاقاته تبعات عاطفية وآلاماً. لكن في حين أن بطله ينتهي الى جنون كامل سيطر المخرج على جنوحه والا لما استطاع تحقيق هذا الفيلم، او أي فيلم لاحق. يلفت أيضاً أنه يوصم البرجوازية السويدية بملاحظاته السلبية. ينتقدها وثراءها ويحوّل القصر الذي تعيش فيه (في امتداد للقصّة المسردة هناك صاحب أراض يقيم حفلة يدعو اليها يوهان وزوجته وتتحوّل الى منبع شر مع شخصيات دراكولية وذئاب بشرية) الى إدانة لمجتمع أكبر٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1968: Shame
*** | عار
ملخص: السيد والسيدة روزنبرغ (ڤان سيدو وأولمَن) يعيشان فوق جزيرة. عازفان موسيقيان يرعيان حقلاً صغيراً ملحقاً بمنزلهما . الحياة هادئة والسعادة متوفّرة ولو نسبية. هناك حرب قائمة والحرب تصل الى الجزيرة ويُلقى القبض عليهما ويُساقان الى التحقيق. قائد قوّات المقاومة، وأسمه جاكوبي (غونار بيورنشتراند) يطلب من الزوجة ممارسة الحب معه لكي يخلي سبيلهما. بعد إطلاق سراحهما يعلم الزوج بخيانة زوجته وحين تلقي القوّات الغازية القبض عليهما تطلب منه قتل جاكوبي لقاء تخلية سبيلهما فيفعل. مواجهة رزينة بين الإثنين تقودهما الى قرار مغادرة الجزيرة في قارب٠
تقييم: اختيار المخرج إسم روزنبرغ أسم عائلة بطليه قد يُفسّر، مبدئياً، على نحو محاولة المخرج (الذي مثل شخصياته الأخرى محمّل بالشعور بالذنب) للتبرّع بموقف متعاطف مع اليهود (رغم أن الفيلم لا يصفهما مباشرة هكذا) بعدما كانت انتباته، خلال أواخر الثلاثينات ومطلع الحرب العالمية الثانية، مشاعر تأييد للنازية. لكن حتى ولو كان ذلك صحيحاً، فإن حقيقة اختياره إسم جاكوبي لشخصية لا يمكن الشعور بالتعاطف معها، وحقيقة أن رسالة الفيلم المعادية للحرب هي الأطغى، يمنح المشاهد القدرة على تجاوز هذا الوضع إذا ما كان حقيقياً. إنه فيلم قوي في نبرته السياسية المعادية للحرب حتى من دون مشاهد حربية تاركاً للمشاهد تكوين رأيه وتحت تأثير المضمون المتراءى له. على أن الفيلم له وجهين: الوجه الأول حول ما يقع لآل روزنبرغ من محنة، والثاني لما يقع لهما بعد انحسار الحرب. المحنة الأولى تدهمهما وهما على قناعة بأن اللا-موقف من الحرب هو الموقف الصحيح (وهذا داء بشري منتشر في أركان العالم الأربعة اليوم أكثر مما مضى) لذلك بعض ما يقع لهما يبدو كما لو كان رغبة المخرج في إدانتهما (وسواهما في الصالة) لهذه اللامبالاة. المحنة الثانية تقع حين يعودان الى حياتهما »الطبيعية« فإذا بها لم تعد طبيعية على الإطلاق. ينفجر الوضع بعد مشهد نراهما فيه يعملان في الحقل صامتين. كل محمّل بتبعات ما قام به (الخيانة، القتل)٠ الحرب الفييتنامية كانت دائرة حين أنجز هذا الفيلم لكن برغمن لم يسمّها ولم يعرّفنا بأي من المتحاربين لكي يضمن شمولية الرسالة. في مذكراته يُبدي إعجاباً أقل بالمحنة الأولى (الحرب الأكبر) وإعجاباً أكبر بالمحنة الثانية (الحرب الصامتة بين الزوجين) وهذا مفهوم بسبب تفضيله العمل على الثيَم الصغيرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1968: Passion of Anna
**** | عاطفة آنا
ملخص: أربع شخصيات فوق جزيرة (جزيرة فارو التي كان للمخرج فيها منزلاً) يعيشون حالات عاطفية متباينة. أحد هذه الشخصيات هو أندرياس (سيدو) الذي تركته زوجته وجارته التي تعرج آنا (أولمن) آنا التي تدّعي أن زوجها تركها، ثم إليس (إرلاند جوزفسون) وزوجته إيفا (بيبي أندرسن). كلما تشابكت العلاقات كلّما تفتحت عن خلفيات ومفاجآت من بينها سبب عرج آنا والماضي الذي تحاول أن تخفيه حول زوجها٠
تقييم: »عاطفة آنا« هو ما أراد برغمن تنفيذه في »العار« ولم يستطع: الحرب المدمّرة داخل شخصياته عوض التعامل مع حربين كبيرين٠ أبطاله هنا، كأبطاله جميعاً، مثل بركان لا تشعر بوجوده في مطلع الأمر لكنك بعد قليل تدرك أنه هناك وتتوقّع له أن ينفجر. وإنفجاره يترك شروخاً على الشخصيات. تلك الجروح الداخلية تخرج الى العلن. لكن هناك متوازيات أخرى بين الفيلمين استرعت انتباهي حين شاهدتهما مؤخراً بهدف الكتابة عنهما: الملامح التصميمية للمكان ولمعالجة المكان هي ذاتها. الجزيرة التي يعيش عليها أبطاله في كلا الفيلمين تصبح الكيان المصغّر لعالم هو المنعزل وليس أبطاله فقط. ما يقع في هذا العالم المصغّر لا يستدعي إنتباه أحد، لكنه بذاته عيّنة مما يقع بعيداً عنه. بذلك المشهد الأخير للفيلم السابق حيث سيدو وأولمن يمضيان في المركب تاركين الجزيرة يبدو مشهدا تائهاً بين نهايات أفلام برغمن من حيث أن شخصياته مهتزّة وستحاول أن تجد راحتها خارج المكان الذي اعتبرته سابقاً بمثابة جنّة صغيرة. هنا كيان الجزيرة يحتمل بعداً آخر هو ذاته كيان الجزيرة التي في »ساعة الذئب« مثلاً: إنها المكان المثالي للموت. شخصيات يهدر ما في داخلها ثم ينفجر وحين ينفجر تموت (ميتافيزيقيا) بالطبع. لا شيء على ما هو عليه فيما بعد. الفيلم ملوّن وهو ليس أوّل فيلم يخرجه برغمن بالألوان، لكن برغمن اعتبره أول فيلم ملوّن لعبت فيه الألوان دوراً أساسياً أخرجه٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1971: The Touch
** | اللمسة
ملخّص: ثلاث شخصيات (الرابعة تنضم لاحقاً) في علاقة ثلاثية الأطراف: كارين (بيبي أندرسن) متزوّجة من أندرياس (ڤون سيدو) من خمسة عشر سنة ولديها طفلين وسعيدة بحياتها. فجأة يحط ديفيد (إليوت غولد) ويقلب هذه السعادة من دون أن تدري، فهي اكتشفت بوجوده أن سعادتها لم تكن متكاملة كونها لم تفهم نفسها من قبل. إذ ترتبط بعلاقة معه تكون هذه العلاقة مدخلاً لاستكشافه هو أيضاً٠
تقييم: بعد كل أفلام برغمن التي استوعبت مثل هذه الحالات النفسية/ العاطفية يأتي »اللمسة« برغبة متجددة لكن القليل منها مبرر كونها رغبات سبق للمخرج أن تعامل معها وعلى نحو أفضل. جزء كبير من المشكلة يكمن في السيناريو، كما أعتقد. لأن الفيلم في فترة تأسيسه للشخصيات وللأحداث الطارئة لا يبتعد عما ابدعه المخرج من قبل في هذا المجال. الإقتراب الراصد الذي يعد بأن الأمور ليست كما تبدو من الخارج. لكن حين يصبح على السيناريو أن يتطوّر لنقلة أخرى، يفقد ضرورته بسبب كم النتائج التي تفرزها تلك العلاقة: فديفيد يعاني من الذاكرة (قتل النازيون كل عائلته باستثنائه وشقيقته) وكارين واقعة في حبّه لدرجة اللحاق به الى لندن لتصارحه، كما في أي فيلم أقل مستوى من أفلام برغمن، بأنها حامل، ثم لتكتشف أنها لا تستطيع أن تعيل على ديفيد لأنه ليس شخصاً متّزناً بل ربما كان جانحاً صوب الجنون. هذا كله من بعد أن نسمح لأنفسنا قبول مبدأ أن حبها له كان من الكبر بحيث تلقّت معاملته الخشنة لها بكل رضى. الفيلم الأول لبرغمن بالإنكليزية وربما هناك ظروفاً دفعت لهذه الفوضى المركّبة. تمثيل أندرسن يعلو فوق كل الإداءات الأخرى. برغمَن يعترف أن النتيجة الفنية هي أقل مما طمح إليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1972 : Cries and Whispers
**** | صرخات وهمسات
ملخّص: ثلاث شقيقات يجتمعن في المنزل الكبير لإحداهن التي تعاني المرض وعلى حافّة الموت. وضعها لا يساعد الشقيقتين على إعادة النظر في سلوكياتهما الخالية من الحنان لا تجاهها فقط، بل تجاه بعضهما البعض، كما أن موتها، بعد طول صراع، سوف لن يغيّر من وضعيهما شيئاً٠
تقييم: خطوة مختلفة على أكثر من صعيد وفي ذات الوقت هذا هو إنغمار برغمَن كما عهدناه. هنا يعود الى مطلع القرن الثامن عشر والى منزل لعائلة ثرية لكنه يجلب الى الواجهة ثلاث شقيقات ويطلب منهن أن يعرّين أنفسهن، مجازياً، أمام الكاميرا. المناسبة هي الموت المرتقب لآغنس (هارييت أندرسن) أطيبهن وأفضلهن لأن كارين (إنغريد ثولين) المكبوتة عاطفياً والمتزوّجة من رجل لا تحبّه بينما ماريا (ليڤ أولمن) لا زالت غير قادرة على النضج (رغم عمرها) والعالم بالنسبة اليها يتألّف منها أساساً. متزوّجة أيضاً لكنها ليست راضية. كما في »برسونا« حيث تتواجه إمرأتين وكما في »الصمت« حيث تتواجه شقيقتان، هناك مواجهات تعكس أزمات او تنتج عنها. برودة الشقيقتين كارين وماريا حيال شقيقتيهما تقابلها عاطفة أمومية تمنحها الخادمة الآتية من عائلة مزارعين فقيرة آنا (كاري سيلفن) التي تكشف عن ثديها وتضع رأس أغنس على صدرها لتشعرها بالألفة والحنان المفقودين. ليس شذوذاً ولا حتى إيحاءاً بذلك، بل عطف مغدق هو الراحة الأخيرة لأغنس قبل موتها٠ الفيلم من تصوير نكڤست كالعادة، لكن هذه المرّة الصورة غارقة في اللون الأحمر الذي يعبّر، حسب المخرج، عن الروح المتحفّزة أكثر من سواه. اللون الثاني الطاغي هو الأبيض. نسائه (حتى الخادمة في ذلك المشهد الذي يتمشيّن فيه في الحديقة الكبيرة) يرتدين الأبيض الذي كما هو لون ملائكي بالنسبة لبعض هذه الشخصيات، هو لون خادع بالنسبة للبعض الآخر. لكن المشهد الآنف الذكر له مدلول آخر: سرداً يقع المشهد بعد أن تلفظ كارين نفسها فعلاً، لكن في الوقت ذاته، هي لم تغادر المكان. ميّتة لكنها موجودة وتطلب من شقيقتيها حناناً، لكن شقيقتيها مشلولتان. ليس لديهما ما يمنحانه. بذلك يعمد المخرج الى الدخول والخروج بين الموت وبين الحياة ليمنح المشهد، كما الفيلم بأسره، وضعاً خاصّاً لا يُنسى٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1973: Scenes From A Marriage
***1/2 | مشاهد من زواج
ملخص: بروفسور يوهان (ارلاند جوزفسون) متزوّج من المحامية ماريان (ليڤ أولمان) وكل شيء يبدو على ما يرام في الوهلة الأولى الى أن يتورط الأول بعلاقة مع إمرأة أخرى خلال رحلة عمل. يحاول أن يواصل حياته كما كانت لكن الحادثة تترك تأثيرها. في ذات الوقت هناك صديقان متزوّجان أيضاً (يان مالمسيو وبيبي أندرسن) والعلاقة متوتّرة بينهما أيضاً
تقييم: قام المخرج بتوليف هذا الفيلم من حلقات تلفزيونية بلغت ست ساعات من دون أن يبدو أي أثر للأصل على العمل. بعض ذلك يعود -طبعاً- الى أن المخرج يمارس الفن الواحد في كلا عمليه بما يحمله ذاك من تصاميم اللقطات واللغة البصرية. بين كل أفلامه، هذا العمل هو النموذجي على صعيد ما طرحه من علاقات بين الأزواج وكيف أن السائد ليس بالضرورة ما يتفاعل تحت السطح وأن الحب ربما كان نتيجة قسوة النفس على صاحبها والمشاعر المكبوتة هي كذلك لأن الخوف من المواجهة أبدي. لكن المواجهة تقع والأحاسيس العميقة تتجلّى أمام المتابع على نحو يذيب ما هو سويدي ليحل محله ما هو إنساني. فيلم برغمَن هذا هو أكثر أفلامه القديمة وضوحاً من حيث سلاسة عرضه من دون أن يتخلّى عن العمق والبعد . والتمثيل رئيسي هنا كما في كل فيلم آخر وجزء من التكوين الصوري الذي لا غنى عنه كما لو أن الإداء والحركة نابعان من الحياة المصوّرة ذاتها وليس من تشخيص لطرف يؤدي ويمضي. بعد ثلاثين سنة عاد المخرج الى هذا الفيلم في إطار آخر أعماله »ساراباند« ليتابع الحديث عن ماريان ويوهان بعدما تجاوزا منتصف العمر ولو أن المعضلات النفسية لا زالت تتفاعل في ذاتيهما٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1978: The Serpent's Egg
** | بيضة الأفعى
ملخص: برلين سنة 1923. آبل روزنبرغ (ديفيد كارادين) فقد شقيقه الذي انتحر والبوليس يرتاب في أنه تسبب في مقتله كما في جرائم تقع في الحي الذي يعيش فيه. آبل يرتبط بعلاقة غرامية مع عاهرة ومغنية أسمها مانويلا (ليڤ أولمَن) وخلال أسبوع يكتشف أن النادي الليلي الذي تغنّي فيه هو وكر للنازيين الذين حوّلوا غرفاً سريّة فيه الى خلية علمية تستخدم البشر في عملها ما يكشف جرائم القتل٠
تقييم: هناك الكثير من الأخطاء التي وقع فيها برغمَن هذه المرّة وكلها تجمّعت في أنه اضطر للتخلّي عن مملكته السويدية ليحقق فيلمه الأول خارج بلاده. من المفترض أن لا يكون ذلك عاملاً مؤثراً، لكن العمل مع هوليوود من ناحية والمرور بأزمة ماديّة سببها مطاردة مصلحة الضرائب له من ناحية أخرى، أثّرا على اختياراته. فما يبدو لهذا الناقد من بعيد (إذ لم يقرأ شيئاً يُذكر عن المرحلة والظروف التي سادت صنع هذا الفيلم) هو أن الحاجة لنقلة عالمية من ناحية والحاجة للحفاظ على المزايا البرغمانية من ناحية أخري عطّلا العملية بأسرها. أحد المشاكل هي أن الفيلم أراد تسجيل ما دار في العشرينات (ألمانيا خرجت من الحرب الأولى، المد النازي بدأ الخ... ) من وجهة نظر يهودي هو ذاته في خطر. لكن الفيلم يخفق، بسبب سعته وكثرة مفارقاته على الأرجح، في توفير بطله كشاهد عيان وتبنّي وجهة نظره. شيء من الرغبة في سرد خارج إطار الأزمات النفسية المعبّر عنها بأقل قدر من الأحداث الكبيرة، عرقل الرغبة الأسبق في تقديم الحكاية من وجهة نظر ضحيّتها. النتيجة أن الفيلم، المشغول جيّداً كتصوير وكتصميم إنتاجي وفني، لا يملك الناصية الدرامية الصحيحة ويضيع في توهان بطله عوض أن يوظّفه لبلوغ غاية. الفيلم يحتج إنما على نحو مباشر وأحيانا زاعق والأفدح أن المخرج كان يعلم أن أفضل تعابير الغضب والإحتجاج هي تلك التي تتم في صمت. لقد جرّب ذلك طوال حياته ونجح. حين كتبت عن الفيلم لأول مرّة لمجلة عربية كانت تصدر من لندن آنذاك، وجدته تحيّة للضحية اليهودية، لكن مشاهدته مرّة ثانية بيّنت لي أن هذه التحية، وإن وجدت، الا أنها ممزّقة، مثل رسالة ثناء كتبها صاحبها ولم يبعثها٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1978: Autumn Sonata
**1/2 | سوناتا الخريف
ملخص: فنانة كانت هاجرت الى أميركا (انغريد برغمَن) تعود الى وطنها الأوّل حيث كانت هجرت أولادها وتلتقي بإبنتها إيفا (ليف أولمَن). في البداية يأتي اللقاء حارّاً عاكساً رغبة كل منهما في اللقاء وتجاوز الماضي، لكن الإبنة لا تستطيع أن تنسى ما سببته أمها من معاناة حين هجرتها٠
تقييم: فيلم خروج برغمَن من ورطته السابقة هو ثاني فيلم له خارج بلاده، لكن خارجها الى بلد قريب هو النروج حيث تعود الفنانة شارلوت (انغريد برغمن تحمل اسم العائلة نفسها لكنها ليست قريبة المخرج وهذا كان فيلمها ما قبل الأخير قبل وفاتها) لتزور إبنتها. الفكرة مناسبة أخرى من برغمَن لمواجهة صادمة بين شخصين واحدة تحمل في داخلها الشعور بالذنب (الأم) والثانية تحمل في داخلها الشعور بفقدانها الحنان حين كانت تحتاجه. من البداية تعرف الى أين سيتّجه الفيلم نظراً لأن برغمن لا يضيف جديداً على هذا الصدام الآيل للحدوث. إنه عالمه السابق حول تلك المرايا التي ينظر فيها أبطاله ليكتشفوا أنفسهم. المشكلة هي أن هذه المرآة تبدو شاحبة وقديمة. التمثيل من المرأتين يبقى حادّاً لكن لا شيء آخر في الفيلم كذلك٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1980: From the Life of the Marionettes
** 1/2 | من حياة الماريونيت
ملخص: يرتكب رجل الأعمال الثري بيتر (روربت أتزورن) جريمة قتل مومس (ريتا روزيك) ويحاول، مطلع الأمر التبرأ من التهمة خلال التحقيقات التي تشمل أيضاً زوجته وطبيبه النفسي٠
تقييم: برغمَن في فيلم نموذجي له باحثاً عن الدوافع النفسية وراء قيام شاب، ورد من طبقة مثقفة وثرية، بقتل عاهرة لا يعرفها. القصة مأخوذة عن واقعة حقيقية، لكن برغمَن لا يرويها ـ لحكايتها ـ بل يستند إلى نفس طريقته في سبر غور النفسيات التي يعالجها وتركهم يتحدثون عن ماضيهم وأحاسيسهم الداخلية في قليل من الثقة. حقق المخرج هذا الفيلم لحساب التلفزيون الألماني الذي باع حقوقه السينمائية ما أدّى لعرضه عالمياً مستنداً الي الإسم الكبير الذي يحتلّه المخرج بين هواة السينما والمثقّفين عموماً. لكن، وكما الحال في الفيلم السابق »بيضة الأفعى« تختفي طينة برغمَن التقليدية وتفقد لمستها وبعض سحرها. الشخصيات التي نطالعها مدفونة في فيلمه السابق »مشاهد من زواج« ذلك لأن المعضلة القائمة ليست بين بيتر والعاهرة، بل بين بيتر وزوجته والعاهرة هي ضحيتها المفاجئة. عانى الفيلم من حذر المموّلين. لا المموّل الألماني لفيلم برغمَن السابق »بيضة الأفعى« رغب في إعادة التجربة معه، ولا الممول الأميركي لفيلم برغمَن الآخر »اللمسة« تحمّس للمشروع. لكن على الرغم من أن الإنتاج تلفزيوني ألماني بحت الا أن في الفيلم ما يكفي لنقل الشخصيات من طبيعتها الألمانية الى السويدية لأن برغمن كاتباً لم يكن في وارد التخصص في "ألمانية" العمل لمجرد أنه يحقق فيلماً بالألمانية وهذه تُحسب له بكل تأكيد٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1982: Fanny and Alexander
** | فاني وألكسندر
ملخّص: عيد ميلاد في بلدة سوي ألكسندر وشقيقته فاني يترعرعان في كنف عائلة كبيرة . يموت والدهما وتتزوّج أمهما من رجل آخر أكثر شدّة. في بحثهما عن ملجأ آخر يتّجهان الى صديق العائلة اليهودي قبل أن يعود ألكسندر وشقيقته الى كنف العائلة وقد ازدادا معرفة٠
تقييم: سابقاً ما صرّح برغمَن بأن هذا الفيلم ليس سيرة ذاتية، لكن صرّح أيضاً بأن الفيلم مستوحى من مرحلته صبيّاً. في شتّى الأحوال، الفيلم أشبه بالسيرة الذاتية كون المخرج يلاحق بطليه (التركيز على الصبي ألكسندر) بكثير من التعاطف والرقّة مصوّراً ردّات أفعالهما على المحيط الأسروي. عالم الكبار المسيحي هنا على تقلّباته بين زوج أم صارم (هذا من خلفيات برغمَن نفسه) وأم لا تستطيع تأمين سعادة ولديها خشية زوجها القسيس وتاجر الأنتيكات اليهودي (كما لعبه أرلاند جوزفسون) هو شيء من الحلم والفانتازيا كونه يمارس بعض السحر في بيته الصغير. سحر يجذب الولدين الى عالم الخيال بعيداً عن الواقع. الفيلم أكبر حجماً من معظم أعماله (اي باستثناء »صرخات وهمسات« و»بيضة الأفعى« من حيث مساحة الحدث ونوعية الإنتاج) لكنه لا يزال يحوي كل تلك البرغمانيات الخاصّة من مشاهد تعكس أزمات الى أخرى تتسلل الى عمق الشخصيات، ومن مشاهد تكشف عن الماضي وشعور الذنب الى أخرى يبدو فيها ألكسندر يتحدّث فيها مناجيا ذاته . في مرحلة لاحقة يتدخّل الخيال في الحكاية محتلاً مساحة أكبر من تلك المؤلفة من السيرة او ما يشابهها. فألكسندر هنا يتمنّى موت زوج أمّه وفي نفس الليلة يقع قنديلاً في غرفة شقيقة الأسقف المقعدة وتنتشر النار في كل البيت. والدة الطفلين كانت تستطيع إيقاظ زوجها في الوقت المناسب لكنها لا تفعل. من ناحية أخرى، فإن مشاغل برغمَن القديمة الأخرى تعاود الإطلال من جديد: شكوكه في الخالق سبحانه وشعوره بالذنب كونه كان تحمّس للنازية في الثلاثينات، تعلّقه بفن العرائس والمسرح فيما بعد. وكل ذلك في الرونق الأنيق للفيلم البرغماني من حيث التفاصيل وتعامله مع الفترة حدثيا كما تعبيرياً والإنتباه الى دقائق الأمور وعناصر الإنتاج وعناصر الصورة (تصميم المناظر والألوان الخ...). بذا يستعيد برغمن هنا ما كان خسره مؤخراً من تلك الخصائص حين أم »بيضة الأفعى« مثلاً. ما يُثير إشكالاً هو تصدّيه للدين على أساس أنه ثورة غامرة في ذات ألكسندر معبّر عنه إثر تساؤل قلق يطرحه. لكن بحكم سنّ ألكسندر فإن القبول بتبنّي الفيلم هذا التعبير يبدو مريباً. كان يمكن مثلاً إبقاء تلك الشكوك مطروحة من دون تبنّيها او تصوير ألكسندر كما لو كان في ذلك السن الصغير أدرك موقعه المناقض للدين. كذلك فإن قيمة الطرح الديني المعادي لفكرة وجود الخالق (بناءاً على شخصية القسيس المتشدد وحدها) تتعرّض للإهتزاز حال تقديم برغمَن لشخصية اليهودي وشقيقه إسماعيل لأن الرفض المطلق الذي يدّعيه الفيلم لا يشمل رفض الديانة اليهودية أيضاً فهي، في الفيلم، تبقى مقبولة وخشبة خلاص للروح المعذّبة٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1984: After The Rehearsal
**1/2 | بعد التمارين
ملخص: ثلاث شخصيات تتحدّث فيما بينها عن المسرحية التي يقدّمونها وعن خلفياتهم الحياتية وذكرياتهم الصغيرة منها والمهمة٠
تقييم: عودة الى عالم برغمن الصغير والمبسّط: مخرج بعد انتهاء التمارين يجلس على المنصّة وسط الديكور وكل شيء حوله يذكّره بشيء من قبل واليه تنضم ممثلة شابّة ثم ممثلة أخرى أكبر وما يتبادله الثلاثة هو الدواخل النفسية والعاطفية التي في كل ذات من ذواتهم. هذا انتاج تلفزيوني (بعدما كان المخرج أعلن أن »فاني وألكسندر« هو آخر فيلم سينمائي له) وُزّع سينمائياً حول العالم لكنه لم يلق ذات الصدى لأفلام المخرج السويدي السابقة. على ذلك، الفيلم شريحة من برغمَن كما كل من أفلامه وأسلوبه في تناول الحكايات واللعب بين ما يخرج من الذات وما يدخلها مُمارس بيد خبيرة رغم خلوّه من الجديد٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2003: Saraband
****** | ساراباند
ملخّص: تقرر ماريان (ليف أولمن) زيارة زوجها السابق يوهان (إرلاند جوزفسون) لتجد نفسها تواصل رحلة كانت بدأت بينهما وفي ذات الوقت وسط مشكلة قائمة بين الأب وإبنه (الثاني يتّهم الأول بافتقاره الى الحنان ما أدّى بالإبن الى حياة غير مستقرّة عاطفيا) ولاحقاً بين الإبن وزوجته٠
تقييم: العودة مرّة أخرى الى شخصيات »مشاهد من عرس« تفرز شخصيات هذا الفيلم المثيرة للإهتمام وتمنح هذا آخر عمل عُرض لبرغمن سينمائياً (وهو بدوره إنتاج تلفزيوني) كل الخصائص التي تذكّر بأفضل أعماله السابقة. كل ما تشكّلت من اللقطة في أفلام برغمن الكلاسيكية وما أوحت به وسبرته من دواخل نفسية متوفّر هنا لجانب التمثيل الرائع من كل ممثليه. المناجاة التي في هذا الفيلم تأخذ أشكالاً متعددة من بينها النظر الى الكاميرا في شكل اعترافات، ومن بينها تأليف سبل دخول مشاهد من الفيلم عبر جعل الصورة الفوتوغرافية التي بحوزة ماريان تفتح الباب أمام المزيد من الذكريات/ الحكايات. موهبة المخرج الرائعة في الإستفادة من اللقطة والمسافة التي تفصلها عن الوجوه وتشكيلها الفني تمنحها العمق وتساعد على ولوج شخصياته في اهتمام يتزايد من مشهد الى آخر لأن ما يفتحه المخرج، كما في أفضل أعماله السابقة، يؤدي الى مساحات جديدة عليه المضي فيها. حين خرج الفيلم (العرض العالمي الأول في مهرجان "كان" خارج المسابقة) تحاشاه عدد كبير من النقاد الغربيين كون معظمهم جدد يعتبرون السينما التي ينتمي اليها برغمَن، وبل برغمَن نفسه، انتهيا. لكن الفيلم بعد سنوات قليلة من إنتاجه يتبلور أكثر كعمل ذهني وبصري من الصف الأول. هناك قدر من الإعتماد الكلّي على التصوير الداخلي لكن المخرج كان بلغ من العمر عتيّاً ما يمكن معه السماح له بذلك٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠