The Blind Side | Up in the Air| Prenom: Carmen| Angelo, My Love | The Big Water

YEAR 1 | ISSUE 45
بدءاً من مطلع العام
نقد لكل فيلم جديد  | الأفلام المرشّحة للغولدن غلوبس والأوسكار٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
FlashBack
GONE WITH THE WIND (1939)



حين قامت شركة مترو-غولدوين ماير بإنتاج هذا الفيلم رصدت له ثلاثة ملايين و700 ألف دولار، وكان رقماً فلكياً آنذاك. قصّة فتاة من الجنوب تحب رجلا متزوّجاً وذلك على خلفية الحرب الأهلية بين الفدراليين والإنفصاليين في الولايات المتحدة في ستّينات القرن ما قبل الماضي٠
تعاقب على إخراجه أكثر من سينمائي بينهم سام وود وجورج كيوكر لكن الفيلم يحمل إسم المخرج الذي تولّى الإشراف على معظم مشاهد وهو فكتور فليمنغ. نال الفيلم عشرة أوسكارات  وحقق نجاحاً شعبياً كبيراً ونقدياً لا بأس به٠
قام المنتج ديفيد أو سلزنِك باقتباس رواية مرغريت ميتشل الضخمة التي نٌشرت سنة 1936 وكان قفز لاستحواذ الفرصة في الشهر الأول بعد صدوره ودام البحث عن البطلة التي تستطيع حمل أعباء الفيلم طويلاً وتعاقبت الأسماء عليه قبل أن يستقر على البريطانية ڤيڤيان لي. لجانبها وقف كلارك غايبل، لسلي هوارد، أوليڤيا دي هاڤيلاند، توماس متشل وباربرا أونيل، بين آخرين٠


FOCUS ON FILM
  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

THE BLIND SIDE



   نجح أول فيلم هذا العام لساندرا بولوك، قلنا هذا جيّد، فسواها من الممثلات الرئيسيات لم ينجزن أي أعمال ناجحة هذه السنة٠
بعد أسابيع قليلة، نجح فيلمها الثاني. رفعنا حواجبنا متعجّبين والتفتت هوليوود اليها متسائلة: هل هذا معقول؟ لقد اعتقدنا أنك صرت ماركة قديمة٠
والآن ها هو الثالث.... هذه المرّة خرقت الممثلة جوليا روبرتس كل الكوسا الذي كانت تنقره لأن بالها  كان مشغولاً بأمر واحد: لماذا أفلام ساندرا بولوك وحدها التي تنجح وأفلامي الأخيرة لا؟ أما نيكول كيدمان فكانت تصفف شعرها وحين سمعت الخبر خرجت الى الشارع  غضباً والملاقط تتدلّى منها
إذاً، بعد
The Proposal 
حيث لعبت شخصية الرئيسة الآمرة الناهية التي عليها الآن اختيار موظّف في الشركة للزواج منها حتى تضمن البطاقة الخضراء، ثم بعد
All About Steve
حيث طاردت  مصوّراً تلفزيونياً ليس إعجاباً بحرفته، بل حباً بها، تقوم الآن بدور جديد مع ملاحظة أنها تختلف هنا عن دوريها في الفيلمين السابقين٠
في فيلمها الجديد »الجانب الأعمى« تؤدي دوراً درامياً  عوض الإلتصاق بالكوميديات العاطفية كما في فيلميها السابقين وإذ تتنوّع تزيد من إحترام الجمهور لها وتقديرهم لموهبتها المقنعة في معظم ما تقوم به٠

هو فيلم آخر عن رياضة كرة القدم ومثل بعضها يؤول على نفسه رفع معنويات The Blind Side
مشاهديه. هو في ذات الوقت فيلم طويل بعض الشيء  حسّاً كما زمناً (128 دقيقة) قضيت معظمها وأنا أحاول أن أنسى التوقيت لكن المطارح البطيئة كانت تعيدني الى الشعور بأن قطار الفيلم ليس بالسرعة المناسبة٠  والقصّة مستندة الى الواقع كما يقولون.  إمرأة أسمها لي آن (بولوك) وزوجها شون (تيم ماكغرو) شاب أفرو- أميركي أسمه مايكل (كوينتين آرون) فقير وبلا سقف يقضي تحته لياليه. هو في ذات الوقت طالب مستقيم والعائلة تقرر أن تتبنّاه. لكن الرحلة تبدأ من هنا ولا تنتهي: آن لي ستبحث لمايكل عن استاذة خاصّة لتعليمه وتجدها في إمرأة لا زالت غير متزوّجة أسمها مس سو (كاثي بايتس) في الوقت الذي يزداد اهتمام مايكل بكرة القدم مفصحاً عن رغبة كامنة بين ضلوعه للتحوّل الى لاعب ناجح... يا له من حظ حسن ... ها هي العائلة تؤازره في هذا الإتجاه وتساعده في التحوّل الى بطل كروي٠
الحاصل أن الممثلات لسن كالممثلين. الممثل الرجل لديه هامش أعرض من الأدوار. يكفي أنه يستطيع أن يكون مهرّجاً ويلاقي نجاحاً، لكن إذا حاولت كاميرون داياز او كرستِن جوهانسن ذلك حَمَل عليها النقاد والجمهور على حد سواء. يستطيع أن ينفخ عضلاته ويستخدم يديه لضرب الآخرين لكن إذا ما فعلت المرأة ذلك طالبها النقاد الرجال بأن تعود الى أنثويّتها. ساندرا بولوك ربما فهمت قواعد اللعبة باكراً وأدركت أن نجاح الممثل- الأنثى يعود في المقام الأول الى السيناريو. وليس الى المشروع الكبير او الصغير بحد ذاته. وهو عرفت كيف تختار ثم تعرف أساساً كيف تمثّل شخصياتها بقناعة٠
المخرج جون لي هانكوك لا يحقق أفلاماً كثيرة، فيلم »ألامو« كان آخر أفلامه وذلك سنة 2004 وهو يملك عيناً واعية وحس اجتماعي جيّد كونه كاتباً من قبل. وقد سبق له أن كتب فيلمين من إخراج كلينت ايستوود
Midnight in the Garden of Good and Evil  و  A Perfect World  هما


أفلام جديدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
‬ Up In The Air **1/2
Jason Reitman |   إخراج: جاسون رايتمَن
تمثيل: جورج كلوني، ڤيرا فارميغا، آنا كندريك، جاسون بايتمَن٠
الولايات المتحدة - 2009
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحيداً في الأعالي



الفيلم الثالث لجايسون رايتمَن، من بعد
Thank You For Smocking  و Juno
فيه عدّة حسنات لكنه ليس فيلما كامل الجودة. كذلك كان الحال مع فيلميه السابقين ولو أن الثاني، "جونو" هو ما جعل المخرج يتبوأ مكانة عالية بين النقاد الغربيين وبعض العرب٠
إنه حكاية رجل وظيفته صرف الموظّفين حين يتقاعس مدراء او أصحاب المؤسسات عن فعل ذلك بأنفسهم. يقطع في الفضاء عشرات ألوف الأميال كل سنة ليقابل من تود الشركات الأخرى صرفه من العمل. إنه ساعي بريد نلا يسلّم الا الأخبار السيئة لم سيتم الإستغناء عنه، وكيف أنه إذ يصرف العشرات من أعمالهم كل عام، يأتي يوم عليه أن يساعد أحد في نيل وظيفة. ليس هذا كل ما يحويه الفيلم الذي يبدأ وينتهي بمحاولة ربط موضوعه بما تمر أميركا اليوم به من بطالة، بل هو عن كيف أن هذا الرجل الذي لا ينبض قلبه بعاطفة ولا تعرف حياته الخاصّة أي التزامات يقع في الحب لكن من أحب، التي أخفت عنه أنها متزوّجة، تصرفه ولو بطريقة غير مباشرة٠
إنه رايان بينغهَم (جورج كلوني) الذي يمضي معظم أيام السنة منتقلاً من مدينة أميركية الى أخرى. نراه مستمتعاً بحياة في الفضاء حيث يعيش في المطارات. وهناك تمهيد مكتوب جيّداً يصف به رايان حياته فيقول، مما يقوله: "المطار. المكان الذي لا تطيق هواءه المستهلك وحواجزه الإلكترونية والسوشي الرخيص هو البيت المحبب بالنسبة لي"٠
ولقطات مونتاجية له. كيف يرتّب حقيبته الصغيرة. كيف يمشي بها. كيف يستخدم البطاقات الخاصّة. كيف يتصرّف عند حواجز التفتيش بسلاسة وسهولة وكل الأمور التي اعتاد عليها حتى أصبحت هو. لاحقاً ما نراه يعلّم الفتاة التي عُيّنت لكي يُدرّبها وراء أي صف تقف حين تصل الى حاجز تفتيش  إلكتروني في المطار. الحذق مثله لا يقف في صف وراء أولاد ولا صف وراء عجائز (لأنهم يأخذون وقتاً طويلاً) بل يقف وراء صف من رجال الأعمال الآسيويين لأنهم يعرفون كيف يرتّبون حقائبهم الصغيرة  ودائما مستعجلون. عند هذه النقطة من الفيلم (منتصفه تقريباً) تشعر بأنك لم تعد بحاجة الى نصائح رايان. كل من يسافر مثله يعرف هذا وأكثر منه وكل من يشاهد أفلاماً كثيرة يدرك أن المخرج هنا يُضيف لمسة أخرى فوق ما أثبته سابقاً وكان يستطيع أن يستغني عنه. الفيلم كان يستطيع أن يستغني عنه، لكن جايسون رايتمَن نوع من المخرجين الذي عليهم وضع الخط أكثر من مرّة تحت السطر٠
الحالة تزداد حين ينفصل الفيلم عن نصف ساعته التي هي أفضل ما فيه، ونشهد تحوّله من الرجل الذي تعرّفنا عليه الى الرجل الذي سيتناقض مع ما هو عليه. علاقة جنسية عابرة تبدأ بالتحوّل الى عاطفية ثم تقترب من حدود الزواج في الوقت الذي تطلبه شقيقته لحضور حفلة عرس لشقيقته الأخرى، ثم التدخّل لإعادة العريس الى الحظيرة بعدما فكّر وعدل عن قراره٠
إنها المرحلة من الفيلم التي تفقد طائرته إتجاهها. تهبط اضطرارياً في مطار مطروق يسمّونه ميلودرامية ظرفية حيث الضحك يختلط والدراما وحيث الكليشيهات التي لا فرق كيف يحاول المخرج إعادة تشكيلها تبقى كليشيهات٠



لم يعجبني أيضاً حقيقة الإرتياح الى التناقض الذي لا يصل الى نتيجة. ليس أن التناقض مقصود به خلق تضاد يثمر عن دراما تشحذ الفكر، بل هو نوع من قول الشيء وغيره. فحياة البطل كأعزب تبدو جميلة وحرّة ومستقلّة ولديه خطاب قصير مقنع. بعد قليل، حياة المتزوّجين -حتى من دون خطاب- تبدو هي الأكثر قبولاً، كونها تعني الإستقرار وتكوين الأسرة٠
العيش في الفضاء جيّد والعودة الى الأرض جيّدة أيضا. الفتاة نتالي (آنا كندريك) التي عليه تدريبها. إنها جادّة في عملها لكنها تعيش على الحافّة بين الإيمان به ونكرانه ما يخلق للفيلم حالة أخرى من اللاثبات في الموقف٠
على ذلك كلّه، هذا فيلم له صياغته السلسة في أكثر الأحيان. خذه على أساس التنويعة الفنية التي يقدم عليها: صور متوالية من الفضاء للمدن التي يحط فيها رايان (دترويت، نيو أورلينز، سان فرانسيسكو الخ..)، لقطات مُعالجة كما لو كانت تسجيلية لرد فعل المطرودين من أعمالهم وعلى نحوين (نحو من يتحدّث الى رايان ونحو كمن يتحدّث لمقابلة تتم معه)، ثم تلك النقلات الهيّنة من مشهد لآخر ومن فصل في حياة بطل الفيلم الى آخر٠
لكن المرء يمكن له أن يلحظ سوء الإنتقال من لقطة إلى أخرى. عادة في أفلام رايتمَن ينتظر كل ممثل دوره في الحديث، ثم دوره في اللقطة فتراه حين يتحدّث من دون أن ترى ردّ فعل من يتحدّث إليه. واللقطات، بين إثنين متحاورين غالباً لقطة لهذا ولقطة لذاك، الا إذا كاناً متلاصقين كما الحال مع كلوني وفارميغا أيام العز٠
يبقى للفيلم إنه تعليق على الحياة الإجتماعية التي تعيشها أميركا، من دون أن يكون تعليقاً سياسياً او على الأقل ذا فائدة. »شكراً للتدخين" عن قضايا التدخين والمرافعات التي كانت دائرة قبل خمس سنوات. »جونو« عن قضية الإنجاب او الإجهاض التي صادف أنها ارتفعت الى صدارة ما يفرّق شمل الأميركيين (بين مؤيد لأحدهما ومعارض له) وهذا الفيلم يصل في الوقت الذي تتعاطى فيه الولايات المتحدة مع نسبة مرتفعة من البطالة٠
في "شكراً للتدخين" الحياة القصيرة -أيضاً- لرجل يؤمن بعمله وهو تبييض وجه شركات التبغ لجذب الناس الى التدخين الى أن يتعرّف الى الحقيقة من دون أن يستعين فيها لإصلاح شأنه. تماماً كالنهاية هنا، فرايان لن يترك وظيفة قطع الأرزاق ولو أنه أصبح أكثر دراية بما يقوم به. إنها نهاية مثالية لمن لا يُريد الإفصاح عن موقفه هنا... فقط تقديم أشياء الحياة من دون التزام من جانبه٠ 

CAST & CREDITS
DIRECTOR: Jason Reitman | CAST: George Clooney, Vera Farmiga,  Anna Kendrick, Jason Baitman, Sam Elliott, Amy Morton.  | SCREENPLAY:  Jason Reitman, Sheldon Turner  [Based on a Novel:  "Up in the Air" BY:  Walter Kim | CINEMATOGRAPHER: Eric Steelberg [Color- 35 mm] | EDITOR:  Dana E. Glauberman (109) | PROD. DESIGNER:  Steve Saklad. MUSIC:  Rolfe Kent.

PRODUCERS:  Jeffrey Clifford, Daniel Dubiecki, Ivan Rietman, Jason Reitman. PRODUCTION COMP:  Cold Spring Pictures/ Montecito Pictures/ Paramount Pictures [USA- 2009].


   كلاسيكيات
ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
‬Prenom: Carmen ****
الإسم الأول: كارمن
Jean-Luc Godard |  إخراج: جان- لوك غودار
بطولة: جولييت برتو، جان- كلود بريالي، ريشار بورينجر
فرنسا/ بلجيكا - 1983
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غودار مجنون معزول وسيسرق مصرفاً



أقل ما يمكن أن يقال حول فيلم «الاسم: كارمن»، والذي يمكن أن يقال فيه كثير، هو أن جان لوك ـ غودار قد حوى فيه تجسيداً لواقع المثقفين في الثمانينات. في الوقت نفسه هذا المخرج ابن الثالثة والخمسين هو أكثر تجدداً ونبوغاً من كل الذي جاؤوا بعده على ساحة السينما الفرنسية وما زال أحد القلة التي تستطيع أن تنفذ عملاً مختلفاً يلحق بركب الفن السينمائي الأصيل دون ادعاء أو تلفيق٠‬‬‬

فيلم غودار له علاقة بواقع السينما في تلك الأيام والى إيامنا هذه. علاقة مزدوجة، فمن ناحية يتمحور واحد من المواضيع المثارة حول محاولة مخرج تحقيق فيلم (وهو موضوع تطرق إليه في فيلميه «الحياة» و«العاطفة»). ومن ناحية أخرى هو تعليق على الوضع السينمائي المتأزم الذي يدفع بكل المخرجين، يمنة ويسرة، إلى تقديم التنازلات لحساب النجاح التجاري والاستمرار السهل، وتحد على أن المخرج الذي يريد يستطيع أن يحقق، في النهاية، الفيلم الذي في باله والذي يريد وبالصورة التي يتخيلها مهما كانت غريبة أو «غير تجارية»٠
الاسم: كارمن يقدم لنا حكاياته على عدة خطوط هناك الفتاة كارمن التي لها خال في مصح نفسي. الخال مخرج سينمائي (سمِّه جان لوك غودار إذا شئت) اختار أن يعيش في المصح منعزلاً عن السينما بعدما تمرد على الوسط الذي يعيش فيه. كارمن في الوقت الذي تريد فيه تحقيق فيلم تجريبي تقدم مع رفاقها على سطو مسلح لمصرف من أجل استخدام المال في تمويل المشروع. جوزف هو الحارس الذي يهرب معها ويقع في حبها. يقف على خطة أخرى تقتضي بخطف أحد كبار الأثرياء في مستقبل قريب. من بعد القبض عليه ومحاكمته وسجنه بتهمة التعاون على سرقة المصرف يعود إلى كارمن وشلتها ليكتشف أنها تعيش على هواها، يغتصبها في مشهد عنيف لكنه يكمل معها الخطة الموضوعة. غودار سيوهم الجميع بأنه يخرج فيلماً عن الفندق الذي التأم فيه شمل الجميع. ثم يتم خطف الثري تحت هذا الستار. البوليس يصل في اللحظات الأخيرة ويطلب من جوزف قتل كارمن وهو يفعل ذلك اعتقاداً منه أنه سبلاقي حتفه سريعاً كما وعد، لكن البوليس يقتاده ليواجه محاكمته من جديد٠
إذا ما بدت هذا الفكرة مجنونة فالفيلم أكثر جنوناً منها. غودار الذي تساءل منذ عدة سنوات عن السبب الذي من أجله عليه أن يسرد القصة بشكل سردي متعارف عليه، يمضي بعيداً في تأليف الأسلوب الروائي الذي يروق له. إنه يؤلف فيلماً يستخدم فيه العبارات والصور التي يريد بالشكل الذي يريد. في هذا الاتجاه لا يبتعد فقط عن كل أعمال ومحاولات المعاصرين من زملائه بل أيضاً يذهب إلى نقطة أبعد في مشواره الفني لم تقع لسينمائي من قبل وفي نفس الشروط إلا لغودار نفسه عندما قدّم قبل
خمس وعشرين سنة فيلمه الأول "أنفاس لاهثة« (او "مقطوعة" ... كما تريد)٠

الشكل الذي يفرضه غودار في «الاسم: كارمن» هو أفضل وأكمل من ذلك الذي جاء في فيلمه السابق
Passion  |   عاطفة
  وهو الشكل الذي نرى فيه أنفسنا نعيش فيه بحواس متنافرة لأن العديد منا لم يكونوا على استعداد لمثل هذا الإقحام المباشر. لكن غودار إذ يفعل ذاك لا ينسى المَشاهد التي تبرر ما يقوم به وأولها يأتي مع مشهد سرقة المصرف: أن لا شيء فيه يذكّر بأي مشهد في أي فيلم سابق. غودار الساخر في بعض أفضل حالاته. جنون اليوم حالة فوضى على الشاشة لا ينقصها التعبير نرى فيها الموت صار عابراً لا يتوقف معه أحد عن قراءة صحيفة٠
مثل الموسيقى والكتابة ويؤكد غودار على أن للمؤلف السينمائي الحق في تقديم عمله كاملاً، المشكلة هي أنه إذا ما فعل ذلك فإن طريقة السرد هي أول ما تتأثر بالنتيجة لأن العين، كما الأذن ـ والصوت هو اعتماد أساسي عند سينما غودار ـ، لا تستطيع أن تراجع ما مر قبلاً بلحظة أو بنصف ساعة وبالتالي يجد المتفرج نفسه إذا ما استفاق من دهشته وتساؤلاته وقد فات عليه الدخول في عالم ذلك المؤلف. حتى تلك «الاستراحات» (إذا كانت كذلك) التي يستخدمها غودار هنا يمكن أن تشوّش البال. أمواج تلاطم صخور الشاطىء، شارع عريض تمر فيه السيارات ليلاً وهي مسرعة وبعض أفراد يحاولون ضبط إيقاع معزوفة لبيتهوفن. هذه اللقطات تتكرر كل قليل باعثة على التساؤل الحار حول السبب وجدواه وكان على المخرج فعلياً أن يفسر فيلمه في حين أن الكاتب يقبل منه أن يبقى رمزياً وغامضاً وفي حين أن أحداً آخر لا يشارك الموسيقار وضع موسيقاه أو يفرض عليه لونها٠




لكن الفيلم في النهاية هو عن أشياء مفهومة تنتمي إلى هذا العصر. غودار يعلّق على حياتنا اليوم في زمن لا يقل عن الفيلم تشابكاً. على الأقل يعلّق على ما أصاب المثقفين الغربيين بعد الستينات  (وسواهم أيضاً) ويتساءل عن وجهات الضياع التي وجد فيها المثقفون أنفسهم إلى الحد الذي صار فيه تحقيق فيلم يتطلب سرقة مصرف وممارسة الحرية الفردية تقبع تحت حكم فرد آخر والمعاني الأساسية للمجتمع ما عادت واضحة. في المشاهد القليلة التي يظهر غودار فيها شخصياً يصيب الهدف المعني: هذه صورة مخرج كان يمكن أن يكون غودار نفسه فيما لو لم يستطع إخراج نفسه من العزلة التي دُفع إليها في النصف الثاني من السبعينات٠
حين أخرج غودار هذا الفيلم عكس انتفاضته ينتفض رافضاً العزلة ورافضاً السينما التي يقبل بها الجميع حاملاً على كتفيه مهام تثبيت سينما جديدة يمكن الاستفادة والخروج بإيحاءات متعددة منها. وإذا كان غودار قد وُلد سينمائياً لأول مرة في العام  1959 بعد عدة تجارب قصيرة، فإنه يولد الآن مجدداً وقد استفاد من خبرته الطويلة التي لم تشوهها معاناته الشخصية ودون القبول بالتنازلات. مع فيلم غودار ـ وبرغم تفاصيل عديدة يلتقطها الناقد إذا ما أراد ـ يكتشف المرء أن السينما ما زالت فناً في الدرجة الأولى، أو هكذا يجب أن تكون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Angelo, My Love  ***
أنجيلو حبي
Robert Duvall  إخراج: روبرت دوڤال
تمثيل: أنجيلو إيفاز، مايكل إيفانز، دوروثي إيفانز٠
الولايات المتحدة-  1982
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفيلم الأول لممثل مشهور ومخرج مُقل

الأفلام الأميركية التي تناولت الغجر قد تكون معدودة، لكن يبقى الأمر بحاجة إلى دراسة لتبين موقفها الكلي من تلك الجماعة المشتتة في أرجاء كثيرة من العالم، تقع خارج نطاق المجتمعات، يغطيها الصمت ولا يتكلم عنها أحد ولا هي تتكلم عن نفسها أيضاً. وإذا كنا قادرين، بالاستناد إلى معرفتنا بميول السينما الأميركية وكيفية معالجتها لمواضيع كهذه، على أن نعمم نوعاً من اللاواقع اعتمدته تلك الأفلام تجاه الغجر، فإن الأمر لا يحتاج إلا للحظات من بداية فيلم روبرت دوڤال الروائي الأول لكي ندرك بأنه شريط مختلف يتحسس موضوعه ويشارك في الواقع المعاش دون تأليف أو ترتيب يتجاوز الحدود الضرورية لعمل فيلم روائي٠

خطوة روبرت دوڤال في هذا الشأن مدهشة. فهو اختار أول فيلم روائي له كمخرج (حقق قبلاً فيلماً تسجيلياً واحداً) موضوعاً جديداً وغير مألوف، والأهم أنه اختار له معالجة غير متآلفة، ربما شاهدناها من قبل مخرجين آخرين، لكنها بقيت دوماً مجالاً واسعاً للاختبار والإبداع لقلة الاتجاهات التي صبّت فيها٠
انجلو، حبي يتحدث عن الغجر، وهناك حديثان عن الغجر: أن تجلب ممثلين وممثلات لهم ملامح مقبولة مثل أنطوني كوين، مايكل سارازين وشيلي ونترز وتسند إليهم أدواراً غجرية (وهذا هو المعتاد والمتآلف) أو أن تأتي بغجر حقيقيين ليمثلوا أدوارهم، وهذا ما فعله روبرت دوڤال علماً أن هذا قد اقتضى منه التعامل مع أناس لم يسبق معهم أن وقفوا أمام الكاميرا من قبل، والأكثر من هذا أن معظمهم، والولد أنجلو محور الموضوع، لا يستطيع القراءة (هم قليلو الإقبال على التعليم) بالتالي لايستطيعون قراءة السيناريو الذي أعده دوڤال لفيلمه، أما كيف نجا دوڤال بفيلمه هذا رغم هاتين المعضلتين فهو ما نراه على طول الشريط، وما ساعد كثيراًفي صياغة معالجة تبتعد عن السرد الروائي حيناً وتقترب منه حيناً آخر مثل نهر متعرج بمحاذاة طريق٠

ينص الموضوع على أن الولد أنجلو وأخاه مايكل يطاردان ستيف تزيغونوف الذي كان قد سرق خاتماً أهداه والد أنجلو إليه. منذ البداية ما هو حول ذلك الخط القصصي الرفيع هو الأكثر غنى٠
أداء أنجلو الذي يصيب القلوب والاهتمامات بنجاحه منذ المشهد الأول له وهو يرفض الذهاب إلى المدرسة (يلي ذلك مشهد ناجح جداً وهو على مقاعد الدراسة يؤلف من عقله كلمات يدعي قراءتها عن الكتاب) والحياة التفصيلية التي يعيشها الغجر، ليس ذلك بمعنى ملاحقتهم إلى تفاصيل صغيرة أو خاصة، بل التواجد معهم وبنفس من الروح التسجيلية تاركاً إياهم يتناقشون ويتحدثون ويستخدمون أيديهم وعواطفهم للتدليل والإشارة تماماً كما يفعلون في حياتهم بعيداً عن الكاميرا٠
دوڤال يقول إنه تأثر هنا بأسلوب المخرج البريطاني كن لوتش٠
تقديمهم بهذا الشكل يبدأ بطيئاً للغاية، فدوڤال يصور مشهداً من نحو عشر دقائق لاجتماعهم التقليدي لمحاكمة تزيغونوف المتهم بالسرقة (الغجر لا يلجأون للبوليس) تتعالى الأصوات ويشتد الصخب ويصير من الممكن، من زاوية المتفرج، قطع المشهد في أي وقت. لكن دوڤال يستغل المشهد ليقدم تمهيداً لنوع الفيلم الذي سنشاهد، فالكاميرا تتابع كل ما من شأنه تعريفنا بحياة الغجر اليوم، وتتصرف بأسلوب يمزج بين التجسيلية والروائية في معظم الأحيان (في مشاهد أخيرة يغلب الطابع الروائي عندما تدعو الحاجة للوصول إلى خلاصة لذلك الخط الأساسي)، وفي نفس الوقت يكف عن إطالة مشاهده إى ما بعد فراغها من توريد مضامينها. وعبر هذا كله يخلص إلى فيلم يمتاز بالصدق والمعايشة الواقعية، كما ينبىء عن إيمان دوڤال بأسلوبه ومعالجته مذكراً بعضنا بالمحاولات الأولى الجميلة لزميله جون كاسافيتس في بداية الستنات٠
دوڤال يعي كذلك أهمية أن يقدم الغجر كما هم. ليس حيادياً في تعاطفه مع ذلك الشعب لكنه أيضاً ليس ساذجاً في تناوله شخصياتهم. هناك الجيد والردي، في كل عنصر أو جنس في كل مكان من العالم، ودوڤال يبتعد عن أية نظرة عنصرية خفية كما عن مجاملات هامشية لا معنى لها. وهذا ما يعطي لشخصياته قبولاً وصدقاً نابعين أساساً من حقيقة أن ممثليه يؤدون حياتهم في إطار فيلمي ركّبت الكثير من أجزائه لكي تتناسب وطبيعة تلك الحياة وإيقاعها٠
مثل تمثيله في أكثر من خمسين فيلم حتى الآن، تجس أيضاً أن دوڤال لا يستعرض عضلاته بل يؤدي عملاً متميزاً، صحيح أن له أدواراً أداها خاطفاً من كل الآخرين كل الأضواء (منها دوره في «سفر الرؤيا... الآن») إلا أن له أدواراً بطولية أخرى أداها وهو ـ كما يقولون ـ قريب من الأرض، متواضع وبسيط لكنه حاضر بكل ما عنده من طاقات وإبداعات. إخراجه هنا هو من نفس هذا الصنف «القريب من الأرض«، الذي لا يحاول أن يخرج عن طريقه من أجل لقطة يلفت النظر فيها إليه، أو وضعاً يذكر فيه بوجوده٠
على كل ذلك تبقى المشاكل الصغيرة التي يعاني منها الفيلم (لجهة إيقاعه وضعف قصته) هي من جراء الموضوع الذي اختاره والمعالجة التي أرادها والمعايشة الواقعية التي ولجها، وأن قدرنا له هذه العناصر كما ينبغي، فإن تلك المشاكل تذوب أمامنا في النهاية، ليبقى العمل على تواضعه شريطاً متميزاً في الأسلوب كما في تعامله مع شعب مجهول في زحام الأمس واليوم هو الغجر


B الصالة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ستتخصص الصالة ب بعرض الأفلام التالية: المجهولة | المنسية | الممنوعة
كذلك أفلام الأنواع الهوليوودية التالية | الوسترن | البوليسي والتحري الخاص | الفيلم نوار | الحربية
وما قد يطلبه القرّاء ٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

مجهولة

Golemata Voda ***
الطوفان الكبير
Ivo Traikov  إخراج: إيڤو ترايكوڤ
تمثيل: ساسو ككنوڤسكي، مايا ستانكوڤسكا، متكو أبوستولوڤسكي٠
ماسادونيا/ تشيكيا/ سلوڤاكيا- 2004
‮ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 
الرواية التي‮ ‬إختارها‮  ‬إيفو ترايكوف لتكون ثالث أفلامه هي‮ ‬قصة لكاتب ماسادوني‮ ‬شهير أسمه زيفكو سينجو استلهمها من أحداث وقعت او،‮ ‬على الأقل،‮ ‬وقع بعضها على هذا النحو وبعضها على نحو قريب،‮ ‬في‮ ‬الفترة التالية مباشرة لإنتهاء الحرب العالمية الثانية‮. ‬نحن في‮ ‬العام ‮٤٤٩١ ‬في‮ ‬الجزء الماسادوني‮ ‬من‮ ‬يوغوسلافيا ومباشرة هناك نقد للفترة الشيوعية تظهر قسوتها وفاشيّتها‮. ‬لا اعتراض هنا بالطبع فنحن لم نكن أحياءا ولم نعش تلك الفترة ولا تلك الظروف وما قرأناه لا‮ ‬يدعو للبهجة كذلك‮. ‬لكن المرء لابد أن‮ ‬يتساءل بعد قليل من سرد الفيلم ما إذا كانت الأمور ضبابية وأحادية٠
يبدأ الفيلم بلقطة كبيرة لعين ثم نشاهد ليم نيكودينوسكي‮ (‬يؤديه كبيرا‮ ‬يوفانوفسكي‮) ‬يُهرع به الى‮ ‬غرفة الطواريء بعدما أصابته،‮ ‬على ما‮ ‬يبدو،‮ ‬بنوبة قلبية‮. ‬وتكاد تحلف أن العين التي‮ ‬في‮ ‬مطلع الفيلم ليست هي‮ ‬عين المُصاب وذلك على عكس ما‮ ‬يريد الفيلم الإيهام‮. ‬العين،‮ ‬وقد اختار المخرج أن‮ ‬يصوّرها كبيرة في‮ ‬لقطة تدوم ‮٤١ ‬ثانية هي‮ ‬أكثر شباباً‮. ‬وربما كانت لإمرأة‮. ‬ثم أن المُصاب‮ ‬يرتدي‮ ‬نظارة طبيّة    وهو من السن بحيث إذا ما فحصنا عينه في‮ ‬لقطة مشابهة لبدت مختلفة بالتأكيد‮. ‬لكن فنياً‮ ‬النقلة والتنفيذ وفيما بعد النقلة الأخرى من‮ ‬غرفة الطواريء الى ذلك الرجل الذي‮ ‬يصل الى شاطيء‮ (‬يبدو كما لو كان سائرا على وجه الماء‮) ‬ويقف عند بوابة مكان مهجور،‮ نقل  ‬سلس وناضج‮. ‬وهاهو ليم‮ ‬يدخل المكان فإذا به مكان مهجور واسع وهاهو‮ ‬يقف وسط أولاد صغار في‮ ‬نقلة زمنية الى الماضي‮. ‬بعد قليل سيغيب هو وسيظهر ليم صغيراً‮ (‬يؤديه ولداً‮ ‬في‮ ‬العاشرة ساسو كيكنوفسكي‮)‬.‮ ‬المكان هو ميتم،‮ ‬لكن لسبب‮ ‬غير واضح‮ ‬يعالجه الفيلم كمعسكر اعتقال‮. ‬هناك حرس وكشّافات‮  ‬ليلية ساطعة وجدران عالية‮. ‬وهناك تعسّف في‮ ‬المعاملة وأول ما‮ ‬يصل ليم الى المكان لينضم الى صفوف الطلاّب‮ ‬يؤمر بخلع ملابسه وأحدهم‮ -‬ربما‮- ‬اعتدى عليه جنسياً‮.
‬نحن لا نشاهد شيئاً‮ ‬لكن الصورة توحي‮ ‬بذلك‮. ‬أيضاً‮ ‬انسياق الصبي‮ ‬منجذباً‮ ‬الى‭ ‬صبي‮ ‬آخر أكبر منه ربما‮ ‬يكون نتاج ذلك الإعتداء‮. ‬شيء من فتح عينه على ميول جنسية بسبب الحادثة‮. ‬أيضاً‮ ‬لا‮ ‬يحاول الفيلم التبحّر فيها حاملاً‮ ‬في‮ ‬ذات الوقت إحتمال أن هذا الميل هو طبيعي‮ ‬بسبب من أن الصبي‮ ‬الآخر كان،‮ ‬كما‮ ‬يقول التعليق،‮ ‬وحيداً‮ ‬وأنه رأى‮   »‬بعض القوّة في‮ ‬الوافد الجديد‮«. ‬هذا الوافد،‮ ‬الذي‮ ‬يقدّمه الفيلم بعد أيام من انضمام ليم أسمه اسحاق كيتان ولاحقاً‮ ‬يقول له ليم‮: »‬أي‮ ‬نوع من أسماء العائلات هذا؟ جدي‮ ‬كان‮ ‬يقول لي‮ ‬أن الكلمة التركية لأبليس هي‮ ‬شيطان‮«.‬
لمعظم الفيلم‮ ‬يتم سرد القصة من وجهة نظر الصبي‮ ‬ليم،‮ ‬لكن هناك مشاهد متبعثرة لا‮ ‬يمكن أن تكون من وجهة نظره لأنها تستبعده تماماً‮ ‬من الوجود‮. ‬المهم أن الحياة في‮ ‬ذلك الميتم‮/ ‬المعسكر تستمر قاسية تحت تعاليم ستالينية متشددة‮ ‬يوجه فيها مدير المكان أريتون‮ (‬متكو أبوستولوفسكي‮) ‬الطلاب،‮ ‬بناتاً‮ ‬وصبياناً،‮ ‬الى حياة لا تعرف الراحة ولا السعادة‮. ‬إنه متعسّف وقاس على كل من هم تحت قيادته وليم‮ ‬يعاني‮ ‬الكثير من هذه القسوة عندما‮ ‬يعترف بأنه نشأ على الإيمان بالله‮. ‬ومع أنه حاول إنقاذ جلدته بالقول إنه لا‮ ‬يؤمن الآن الا بالتعاليم الشيوعية تحت قيادة ستالين،‮ ‬الا أن ذلك لا‮ ‬يعفه من العقاب بعدما وُصم بأنه مخرّب ورجعي‮. ‬والعلاقة تتطوّر وسط هذه الظروف بين ليم‮  ‬وإسحاق من حيث أن إسحاق‮ ‬يملك بالفعل مواهب‮ ‬غريبة،‮ ‬فهو‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يستدعي‮ ‬المطر‮. ‬كلما ظهر تحت إرهاص الحاجة رعدت الدنيا وتلبّد الجو وأمطرت‮. ‬وفي‮ ‬إحدى المرّات‮ ‬يخبر ليم إنه إذا ما أراد أن‮ ‬يكسب صداقته عليه أن‮ ‬يطرح السؤال على استاذته‮: ‬هل صحيح ان الفتاة التي‮ ‬تم نقلها‮ (‬والتي‮ ‬بادلت إسحاق قبلة‮) ‬ماتت بفعل إصاباتها؟ حين‮ ‬يطرح ليم السؤال‮ ‬يكافئه إسحاق بغرز سكين في‮ ‬يده وسكب الدم في‮ ‬وعاء وخلطه بدمه هو ثم كلاهما‮ ‬يشربه‮. ‬مشهد‮ ‬يعكس مضياً‮ ‬في‮ ‬التغريب عن الواقع ويدلف صوب ضبابية أخرى تتعلق بإسحاق الذي‮ ‬يبقى‮ ‬غامضاً‮. ‬فبينما بعض الفيلم‮ ‬يريده أن‮ ‬يظهر مؤمناً‮ ‬وخارج سرب الأطفال المستجيبين للتعاليم القصرية للشيوعية،‮ ‬فإن بعضه الآخر‮ ‬يظهره كما لو كان‮ ‬يتقمّص روحاً‮ ‬شيطانياً‮ ‬بالفعل‮. ‬هذا كله وغيره‮ ‬يعكس على أن قراراً‮ ‬ذاتياً‮ ‬لدى صانعي‮ ‬الفيلم‮ (‬وربما كاتب القصة‮) ‬لم‮ ‬يتم بخصوص شخصية إسحاق كيتان‮. ‬وكان‮ ‬يمكن أن تبقى الشخصية لغزاً‮ ‬إنما من دون شرب دم وتوفير إيحاءات متضاربة لا‮ ‬يضيف أي‮ ‬منها شيئا على صورته في‮ ‬أي‮ ‬من جوانبها‮.‬
الضبابي‮ ‬أكثر هو الواقع التاريخي‮ ‬الذي‮ ‬تتم فيه سرد الأحداث‮. ‬الفيلم‮ ‬يبدأ العام ‮٤٤٩١‬،‮ ‬أول ما انتهت الحرب العالمية،‮ ‬وحين كان نجم ستالين لامع فوق كل الدول الأوروبية الشرقية التي‮ ‬دخلت حظيرة الحكم الشيوعي‮. ‬لكن إذ تتقدم الأحداث زمنياً‮ ‬وتبقى الشخصيات الولادية محافظة على أعمارها‮  ‬وملامحها وقاماتها،‮ ‬ينتقل الفيلم للهجوم على الرئيس جوزف تيتو‮. ‬المفارقة هنا هي‮ ‬أن جوزف تيتو استلم رئاسة‮ ‬يوغوسلافيا من العام ‮٣٥٩١ ‬الى العام ‮٠٨٩١ ‬أي‮ ‬بعد تسع سنوات من بدء قصة الفيلم‮. ‬لكن حتى قبل استلامه الرئاسة كان رئيساً‮ ‬للوزراء من العام ‮٥٤٩١. ‬وكان مناهضاً‮ ‬لستالين حتى حين كان لا‮ ‬يزال رئيساً‮ ‬للوزراء‮. ‬لذلك‮ ‬يبدو ربط الفيلم بين الجبروت الستاليني‮ ‬والسلطة اليوغوسلافية آنذاك إفتراضي‮ ‬وتوظيفي‮ ‬وغير صحيح،‮ ‬وإذا كان صحيحاً‮ ‬فهو بحاجة الى بعض الإيضاح‮. ‬محتمل أن تكون السلطة اليوغوسلافية التي‮ ‬ينصرف الفيلم الى نقدها ورئيسها تيتو على ما ظهرت عليه في‮ ‬الفيلم من قسوة لكن المشهد الذي‮ ‬يجمع رموزها الوافدة الى المعسكر في‮ ‬يوم إحتفال بتوزيع شهادات‮ ‬ينتهي‮ ‬ليلاً‮ ‬بحفلة سكر وجماع وشخصيات كاريكاتورية بالمطلق لا‮ ‬يؤكد النقد او‮ ‬يبرهنه بل‮ ‬يرتد مصيباً‮ ‬الفيلم نفسه بشظاياه‮.‬
مثل مسألة اي‮ ‬عين نراها في‮ ‬مطلع الفيلم،‮ ‬يحتوي‮ ‬الفيلم على ناحيتين متقابلتين واحدة أقل قيمة من الأخرى‮. ‬فالقصة بأسرها تبدو مفبركة وأحداثها مفروضة وليست حقيقية‮. ‬والصراع بين الدين وأعدائه‮ ‬يتسلق نصف الجدار ثم‮ ‬يتوقف‮. ‬والشخصيات الواقعة تحت مرمى الفيلم لا كثافة فيها على الإطلاق‮. ‬والأحداث مترابطة من بعيد‮. ‬حين‮ ‬يبحث الفيلم عن التفاصيل تهرب منه لأن الاسئلة الناشئة لا إجابات عليها‮. ‬في‮ ‬أحد فصول الفيلم نترك كل شيء لنتابع حارساً‮ ‬يستخدم الموجات الكهربائية على قطة ويهلع حين تموت،‮ ‬ثم‮ ‬يهلع أكثر حين‮ ‬يراها لا زالت حية فيفقد صوابه ويحاول القبض عليها لكنه‮ ‬يوضع مقيّدا في‮ ‬حجرة حيث‮ ‬يموت‮. ‬كل ذلك من دون تثبيت سبب مفيد او مبرر ضروري‮ ‬لإنشغال الفيلم به بعدما ظهر وقطته على حين‮ ‬غرّة كما لو كان مستعاراً‮ ‬من قصة أخرى‮. ‬هذه الناحية هي‮ ‬مصدر مشاكل الفيلم حيث تخبّط وتعثّر،‮ ‬لكن الإخراج ذاته وتنفيذ اللقطات والمشاهد ومنح الفصول كلها ذات القيمة الفنية الجيدة هو واحد‮. ‬هناك ذلك الإنسياب الذي‮ ‬تفرضه حركة كاميرا بارعة موجودة من دون أن تعترض طريقك الى الفيلم،‮ ‬ومحسوسة بنتائجها الفنية وليس باستعراضاتها المباشرة‮. ‬والمخرج ترايكوف قد‮ ‬يكون أقل نضجاً‮ ‬في‮ ‬السياسة لكن حين‮ ‬يأتي‮ ‬الأمر الى استخراج الأفضل من بطله الصغير‮ (‬إداء جيد‮) ‬فإنه‮ ‬يبرهن عن نضج وثقة هما من نضج وثقة اسلوبه العام




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠

2 comments:

مراد عبد الله said...

توقعت أن يعجبك
Up in the Air
نظراً لما فاز به من جوائز وتهليل نقدي
يتوقع له أن يتسبب بنيله الأوسكار
لكن أنا مثلك لم يرق لي الفيلم الآخر لمخرجه "جونو" فلا أدري سر التكريم الكبير له فهو لم يعالج مسألته بفائدة فكرية ولا أثار التأمل والجدية حولها.
ربما يكون مثله.

أظن أنك شاهدت فيلم "أفاتار" لمسابقة الغولدن غلوب.... ما رأيك الملخص به؟ هو فيلم فني أم لعبة فيديو هائلة كما يبدو عليه
وهل فعلاً يعيد اختراع السينما كما قيل ؟؟!!

Unknown said...

عزيزي الأخ مراد
Up in the Air
أفضل بقليل من جونو وكما في الشرق في الغرب: هناك نقاد يؤخذون ببعض الأفلام خالطين بين عناصر التقييم وهذا بحاجة الى طرح منفصل٠
بالنسبة الى "أفاتار" هو فيلم يستحق الهالة الكبيرة التي يأتي بها وسأتناوله هنا بعد عودتي من دبي في السابع عشر من هذا الشهر٠
ليس إعادة إختراع للسينما، لكن تتويجاً لكل التقنيات التي عرفتها في تاريخها. مذهل بكلمة أخرى٠
شكراً لمتابعتك